الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 نوفمبر 2023

اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / اَلْمَشْرُوع فِي مَجْلِسِ اَلشُّيُوخِ

 عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ

المشروع في مجلس الشيوخ (1)

مناقشات لجنة القانون المدني:

محضر الجلسة الأولى

ناقشت اللجنة مشروع القانون من ناحية المبدأ فتساءل سعادة الرئيس محمد محمد الوكيل بك عن الأسباب التي حدت بالوزارة إلى وضع تشريع جديد شامل بدلا من تكملة النقص في التشريع الحالي مع أن Code Napoleon قد تغيرت الظروف عليه في فرنسا ومع ذلك لم يوضع تشريع جديد هناك إنما وضعت تشريعات تكميلية للمسائل التي تطورت بتطور الزمن كتشريع العمال وتشريع التأمين الاجتماعي.

فأجاب عبده بك محرم مندوب وزارة العدل أن مسألة وضع تشريع جديد أو تكملة التشريع الحالي كانت محل بحث اللجنة التي وضعت مشروع هذا القانون وقد اتضح أنه إذا أريد تكملة التشريع الحالي فستضطر اللجنة إلى تكملة ثلاثة أرباعه فضلا عن غموض نصوصه. وأما أن الفرنسين لم يغيروا في Code Napoleon فأذكر أنهم بالاشتراك مع الإيطاليين قد وضعوا مشروع تشريع جديد Franco Italien أخذ عن التشريع الألماني وقد طبق هذا التشريع الجديد بالفعل في إيطاليا ولولا الظروف والأحداث التي مرت بها فرنسا لكان هذا التشريع طبق هناك أيضا وينتظر أن يطبق قريباً.

فعقب على ذلك سعادة محمد على علوبة باشا وقال إنه يخشى أن يقطع التشريع الجديد الصلة بين الماضي والحاضر فضلا عن أن يكون في ذلك قلب للأوضاع التي استقررنا عليها .

وأضاف إلى ذلك أحمد رمزي بك قائلاً إنه يجب لإقرار هذا المشروع التعرف على مصادره وأسبابه ولوازمه.

فقال الدكتور حسن بغدادي مندوب وزارة العدل سأذكر لحضراتكم موجزاً للأطوار التي مر بها مشروع هذا التشريع والاعتبارات التي أدت إلى وضعه حتى تكونوا على بينة من مصادره وأسبابه.

نشأت فكرة تعديل القانون المدني في عهد رفعة على ماهر باشا وكان ذلك تمهيداً لإلغاء الامتيازات الأجنبية ثم لإلغاء المحاكم المختلطة. وقد قصد من ذلك سد الفجوات التي كانت مشاهدة في القانون المدني وإذا كانت فرنسا تبقي على قانونها المدني فإنما أبقت عليه للاستقرار ، أما في مصر فإن قانونها المدني فيه فجوات كما قلت شعر بها الفقيه والقاضي وكان كل منهما يلجأ لسد هذه الفجوات بالرجوع إلى مصادرها في القانون الفرنسي لأنه ليس لديه المقدمات الأولى لتشريعه المحلي ، وألفت النظر إلى أن تشريعنا المدني نقل عن القانون الفرنسي في اقتضاب بالغ فاعتوره قدر غير يسير من النقص والغموض ، وقد تعاون القضاءان الأهلي والمختلط في سد هذا النقص وجلاء هذا الغموض في الحدود الممكنة وأصبح لزاماً أن يفكر في تعديل القانون المدني وكان أساس التعديل هو تقنين القواعد التي استقرت في القضاء . وهي في الواقع استمرار للصلة بين الماضي والحاضر، والفكرة العامة في التقنين أنه عندما يستقر القضاء على قواعد قانونية يكون من الفائدة وضع تلك القواعد في نصوص قانونية وان يكون واضعوها مصريين وفي ذلك التعديل المعروض على حضراتكم معنى لنضوج القضاء الوطني ومعنى أخر انه لا ينتسب إلى قضاء أو مقنن أجنبي فيصبح التقنين مصريا لحماً ودماً. وقد استأنسنا بجميع التشريعات المقارنة فهذا التشريع لم يستحدث جديداً وإنما هو قنن بعض ما استقر عليه القضاء وسد بذلك فراغاً كبيرا في القانون الحالي. ومن ذلك يتضح أن هذا التشريع لا يقطع الصلة بالماضي وإنما هو برهان للعالم على كفايتنا القانونية، فأي فخر أكبر من أن ينسب هذا القانون إلى المصريين أنفسهم بدلا من أن ينسب إلى غيرهم وبذلك يطمئن الجميع إلى قضائنا الوطني حين يلغى القضاء المختلط نهائياً سنة 1949.

هذه هي الاعتبارات العامة التي بُني عليها هذا المشروع.

وهنا قال سعادة محمد حسن العشماوي باشا انه لا نزاع في أن التشريع المدني المصري في حاجة إلى تجديد وتنقيح وانه لا نزاع أننا نعاني الكثير من الصعاب بسبب النقص وسوء الصياغة فيه كما لوحظ ذلك في كثير من القوانين الأخرى.

وإن الفكرة اتجهت إزاء هذه الحالة إلى وضع تشريعات ملائمة من جميع النواحي.

وقد أثيرت مسالة تكملة التشريع المدني الحالي أو وضع تشريع جديد شامل فتغلبت الفكرة الثانية على الأولى والسبب في ذلك نقصان القانون الحالي نقصاً فاحشاً. هذا النقص لم يعالج حتى بوضع تشريعات خاصة وترك تكملة القانون الحالي إلى اجتهاد القضاء والفقه وهذا ينطوي على خطر كبير حتى مع وجود محكمة النقض لأن الواجب أن يكون الاجتهاد في تفسير نصوص قائمة لا في خلق قواعد تشريعية جديدة وانه إزاء ذلك كان من الضروري وضع تشريع جديد يعالج هذا النقص حتى تستقر الأمور .

ثم استطرد قائلاً انه لا جدال في أن الجهد الذي بذله واضعو هذا التشريع الجديد مجهود عظيم وان الجميع حريص بل يعز عليه أن يضيع هذا المجهود هباء إلا أن اعتراضه على المشروع ينصب على أنه حوى كثيراً من التفصيلات وانحدر إلى الجزئيات مما يجعله تشريعاً جامدا يقيد القاضي إذا ما تغيرت الظروف ويشله عن مسايرة تطورات الحياة فمن الواجب أن تكون النصوص عامة تكمل وفقاً لمقتضيات الأحوال عن طريق الاجتهاد واستقرار العرف ومن أمثلة ذلك أن التشريع في كندا مثلا مازال قائماً على العرف وقاصراً على تقنين المبادئ العامة . ثم قال سعادته أن هذا التشريع لا يقطع الصلة بالماضي لأنه وضع الماضي أساسا له. وختم كلامه بأنه لا يقر التفصيل في هذا التشريع وانه يميل إلى الإيجاز، ورأى أن يلاحظ ذلك أثناء تلاوة مواد المشروع.

فاعترض رمزي بك على ذلك وقال أن السير على هذه الطريقة يخشى منه أن تطول المناقشة ويتأخر إقرار هذا التشريع ، ورأى إما الأخذ بالتشريع المعروض وإما تكملة النقص في التشريع القائم .

فرد على ذلك الاعتراض سعادة العشماوي باشا قائلاً أن كل نصوص التشريع الحالي واردة في التشريع الجديد إلا ما استحدث في بعضها من حسن الصياغة والنصوص الجديدة التي تتضمن قواعد استقر عليها القضاء ورأى سعادته انه يحسن دراسة هذا المشروع مادة مادة .

وأخيراً استقر رأي اللجنة على أن تجعل المشروع المقدم أساساً للمناقشة مع الاختصار فيه كلما دعا إلى ذلك داع .


محضر الجلسة الثانية (2)

معالي حلمي عيسى باشا : تناول مبدأ القانون فقال أنه لا نزاع في أن القوانين يجب أن تتطور وأن تساير الزمن ولا نزاع في أن القانون الحالي قد تناوله التعديل في نواح عديدة واستطرد قائلا انه قد وجهت إلى المشروع المعروض كثير من الاعتراضات من رجال القانون والفقه والمحاماة وان اهم هذه الاعتراضات ثلاث .

الأول تعدد المصادر بصفة عامة وتعددها بصفة خاصة بالنسبة للمادة الواحدة .

والثاني : أنه يغلب على المشروع طابع الإسراف في التعبير وفي التفصيلات وان هذا الإسراف أولى به الدراسات الفقهية والقضائية لأن من أصول التشريع الدقة حتى لا تسد باب الاجتهاد وحتى لا تترك للقاضي الفرصة في مسايرة التطورات القانونية .

والاعتراض الثالث أن من المصلحة ومن الخير كل الخير أن يكمل التشريع الحالي إما بسد الفجوات في المواد التي يعتورها قصور أو غموض وإما باستبدال تلك المواد بمواد أخرى . وبذلك لا نقضي على محصول قانوني وافر حصلناه على مر السنين .

وتساءل معاليه عما إذا كانت اللجنة ستوافق على التعديل الشامل وتصرف النظر عن تلك الاعتراضات أم أنها ستكتفي بإدخال تلك التعديلات اللازمة على القانون الحالي ؟

فأجاب سعادة الرئيس بأن هذا الموضوع أثير في الجلسة الماضية عند مناقشة مبدأ المشروع وانتقد سعادة العشماوي باشا التفصيلات الكثيرة التي تعرض لها المشروع قائلا أنها تسد باب الاجتهاد وتصيب القانون بالجمود وان اللجنة قررت أن تجعل المشروع المقدم أساسا للمناقشة وأن تقرأ مواده مادة فمادة وتحذف أو تعدل منها ما يقتضي ذلك بعد استعراض كل الملاحظات .

وبما أن الجزء الأول الخاص بالأحكام العامة من المذكرة الإيضاحية المفصلة لم يتم طبعه بعد فإلى أن يتم ذلك قررت اللجنة أن تبدأ بقسم الالتزامات .

فاعترض حضرة الشيخ المحترم أحمد رمزي بك على ما قيل من أن اللجنة قررت الأخذ بالمشروع كأساس للمناقشة وقال أن ما قررته اللجنة هو القراءة فقط حتى يكون الأعضاء رأيا في هذا الموضوع .

فعاد سعادة الرئيس إلى القول بأن اللجنة قد قررت ذلك فعلا وإن هذا القرار لا يمنع من الرجوع فيه إذا ما ظهر من المناقشة عدم صلاحية المشروع .

وتكلم سعادة العشماوي باشا فقال إن هذا التشريع ليس غريبا على القانون الحالي وكل ما استحدثه هو صياغة القواعد القانونية التي اجمع عليها الفقه والقضاء وتغيير ما هو في حاجة إلى التغيير من أحكام تطورت مع الزمن وعلى العموم فان هذا التشريع قد سد الفجوات التي كانت ملحوظة في التشريع الحالي الذي كان موصوفاً بانه صناعة أجنبية واصبح بعد مشروع هذا القانون صناعة مصرية لحما ودما وانه إذا كان القانون الفرنسي فقط مصدرا للقانون الحالي فقد أصبحت مصادر المشروع متعددة لا غرابة في ذلك فكل التشريعات المأخوذة عن القانون الفرنسي مثل القانون التونسي والمراكشي قد خرجت عليه لأن القانون الفرنسي احتفظ بطابعه القديم ز وانتهى سعادته إلى القول بان التشريع المعروض لم يقطع صلتنا بالماضي والأخذ بمختلف المصادر ليس فيه ضرر .

فالقول بتلاوة مواد المشروع لتقرير الأخذ به أولا قول لا يرضاه المنطق السليم لأن اللجنة سبق لها أن عرضت لهذا المشروع في الجلسة الماضية وانتهت إلى قرار هو أخذ هذا المشروع كأساس للمناقشة.

ثم قال إنه لا جدال في أن طابع هذا التشريع التفصيلات الكثيرة وأنه كان من الأفضل أن يقتصر على المبادئ العامة Principes Generaux حتى لا يقيد القاضي وحتى يترك له الباب مفتوحاً للاجتهاد لأننا رأينا أن التشريع المجمل هو الذي يساير التطورات والظروف ز واختتم سعادته كلامه بأن مصر ستكسب بهذا التشريع اصطلاحات سليمة موحدة بدل الاصطلاحات السابقة المتعددة للمعنى الواحد.

فقال حضرة الشيخ المحترم أحمد رمزي بك أن مصدر المشروع المعروض على اللجنة جملة قوانين فضلاً عن الأحكام التي استقر عليها القضاءان الوطني والمختلط فهذا الوضع نقلنا إلى جزيرة نائية في المحيط القانوني الذي استقر عليه الفقه والقضاء في مصر فليس من السهل الآن الرجوع إلى أصل أحكام المادة الواحدة فبعد أن كان مصدرها معلوماً أصبح غير معلوم لتعدد مصادرها. وليس من السهل أيضاً التعرف على المعنى الصحيح للاصطلاحات القانونية من جهة واستنباط الأحكام المترتبة على تطبيق النص من جهة أخرى. وانا متفق مع سعادة العشماوي باشا على أن التشريع الحالي في حاجة إلى الإصلاح ولكنه يختلف معي في طريقة الإصلاح وأرى أن الطفرة فيه ممجوجة والأولى أن يؤخذ القانون الحالي أساسا على أن تتناوله اللجنة بالتعديل كلما اقتضى الحال ذلك.

فقال سعادة علوبة باشا إن كل ما قاله رمزي بك له قيمته وأنه في الجلسة الماضية لم يكن اطلع على المذكرة الإيضاحية وبذلك لم يكن قد كون لنفسه رأياً حاسما في هذا التشريع من حيث القبول أو الرفض وانه بعد اطلاعه عليها يحتفظ بحقه في العدول عن القرار الذي يجعل المشروع أساسا للمناقشة.

فقال سعادة الرئيس أن القرار قد صدر فعلا من اللجنة ولكن هذا لا يمنع من العدول عنه في أي مرحلة تصل إليها اللجنة متى تراءى لها ذلك.

وبعد مناقشات لم تخرج عما قيل سابقاُ في الجلسة الماضية وافقت اللجنة على قرارها السابق.

 

محضر الجلسة السادسة والخمسين (3)

المنعقدة في يوم الأحد 30 مايو سنة 1948

بعد أن وضعت اللجنة تقريرها عن مشروع القانون المدني عرضته إلى ما يشبه الاستفتاء على جميع الجهات القضائية وعلى كثيرين من المشتغلين بالقانون وقد ورد إلى اللجنة مذكرات كتابية من بعض حضرات مستشاري محكمة النقض والإبرام وحضرة صاحب العزة محمد صادق فهمي بك المستشار بمحكمة النقض والإبرام وحضرة الأستاذ الدكتور حامد زكي أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق بجامعة فؤاد وأظهروا استعدادهم لحضور اجتماع اللجنة أثناء نظر هذه الملاحظات كما أظهر البعض رغبته في الحضور أيضا لإبداء ملاحظات شفهية.

وقد حضر الاجتماع ممن وجهت إليهم الدعوة.

1 – من مستشاري محكمة النقض والإبرام حضرات أصحاب العزة: محمد المفتي الجزائرلي بك . سليمان حافظ بك. محمد صادق بك. أحمد حلمي بك. عبد الرحيم غنيم بك . حسن إسماعيل الهضيبي بك. ولم يحضر منهم حضرتا صاحبي العزة أحمد على علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك .

2 – من مستشاري محكمة استئناف مصر : حضرة صاحب العزة محمد عزمي بك .

3 – من نقابة المحامين والمحامين أمام المحاكم الوطنية: حضرة الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني وحضرة صاحب العزة مصطفى الشوربجي بك وحضر الدكتور محمد زهير جرانة . واعتذر حضرة الأستاذ النقيب عمر عمر وحضرة الأستاذ وكيل النقابة كامل يوسف صالح .

4 – من القضاء المختلط: حضرة صاحب العزة محمد كامل أمين ملش بك القاضي بمحكمة مصر المختلطة . ولم يعتذر حضرة صاحب العزة عبد السلام ذهني بك المستشار بمحكمة استئناف إسكندرية.

5 – من كلية الحقوق بجامعة فؤاد: حضرة الأستاذ الدكتور حامد زكي أستاذ القانون المدني . وحضرة الأستاذ الدكتور شفيق شحاتة أستاذ القانون المدني.

6 – من حضرات أعضاء مجلس الشيوخ: أعتذر من عدم الحضور حضرتا الشيخين المحترمين محمد على علوبة باشا وصليب سامي باشا.

افتتح سعادة رئيس اللجنة الاجتماع بإلقاء الخطاب الاتي:

الرئيس: أتشرف بأن أرحب بحضراتكم أجمل ترحيب، وأشكر لكم تفضلكم بتلبية دعوتنا لحضور اجتماع اليوم. والغرض من اجتماعنا هذا هو تحقيق ما ارتأته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ الموقر من وجوب تبادل الرأي مع حضراتكم - وأنتم أعلام القانون بالقطر المصري – فيما وجه من نقد وملاحظات إلى مشروع القانون المدني وتقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ وقد وجه ذاك النقد وأبديت هذه الملاحظات من جماعة من العلماء ومن بعض حضرات المستشارين ممن لهم في نفوسنا احترام كبير وتقدير عظيم ، واني لأرجو مخلصا أن يأتي هذا الاجتماع بالثمرة المرجوة منه وذلك بإبانة الصواب وإظهار الأمور على وجه تتكشف معه الحقائق التي تحقق المصلحة العليا لبلادنا العزيزة ، والتي هي غرضنا ورائدنا الذي ننشده في جميع ما يصدر عنا من قول أو من فعل ، والله ولي التوفيق .

والآن قبل أن نبدأ المناقشة أريد أن أقول لحضراتكم أن أساس المناقشة محدود بالتقرير الأول وبالتقرير المقدم الذي صدر به عدد خاص من مجلة المحاماة، وانا أرجو تنظيما للمناقشة أن أوجه بعض الأسئلة لحضرات المستشارين الذين تقدموا بهذه الملاحظات أو بهذا النقد الذي نقابله بأعظم اغتباط وبسعة صدر، وأرى تلبية لهذا الغرض وتوضيحاً للأسس التي ستسير عليها المناقشة أن أوجه السؤال الآتي: لقد قيل أن القانون يجب أن يكون مستقى من مصدر واحد، وذلك كلما أريد تنقيحه تنقيحا كليا أو جزئياً. فما هو المستقى الوحيد الذي يرى حضرات المستشارين أن يكون لتنقيح التقنين المدني؟ وأظن أن اللجنة قد انتخبت مقررا لها وانا أوجه هذا إلى اللجنة وأرجو من حضرة المقرر أن يجيب على هذا السؤال.

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا: هل يقصد سعادة الرئيس مقرر اللجنة التي وضعت النقد؟

الرئيس: نعم.

عبد الرحيم غنيم بك: أنا لست من المستشارين الذين وقعوا على التقرير المرفوع بالنقد لكن لي ملاحظات أريد أن أبديها، وأرجو من سعادة الرئيس أن يحدد المقصود من السؤال الموجه.

الرئيس: إنني لم اخرج عن نطاق الموضوع الذي يجب أن تدور على أساسه المناقشة، وقد كانت النية أولا أن تلقى محاضرة في هذا الموضوع بالبهو الفرعوني، غير أننا وجدنا أن الوضع الكريم هو أن نجتمع بحضراتكم في لجنة فنية، لأن الموضوع أكبر من تلقى فيه محاضرة إذ هو موضوع فني ويجب أن يبحث على وجه خاص ولقد وجدنا أمامنا عدداً من أعداد المحاماة ممهوراً بأسماء خمسة من حضرات المستشارين وجهوا فيه نقداً ووقعوا عليه وقالوا أن هذه انتقادات.

صادق فهمي بك: هناك تصحيح .

عبد الرحيم غنيم بك: إننا نريد أن نحدد المسألة تحديدا دقيقا وأرجو تلاوة الخطاب الذي قدمناه إلى سعادة رئيس اللجنة.

الرئيس: أتلو على حضراتكم كتاب حضرات المستشارين إلى لجنة القانون المدني، تشرفنا بدعوة عزتكم لنا لحضور جلسة لجنة القانون المدني يوم الأحد 30 من هذا الشهر لسماع رأينا وملاحظاتنا في مشروع القانون المذكور. وإذ كانت الكتابة هي خير وسيلة لضبط المعاني وتحديدها وللتمكن من استيعابها وإمعان النظر فيها فقد رأينا أن نعد تقريراً بآرائنا نضمنه أيضا ملاحظاتنا على المشروع كما انتهت به اللجنة الموقرة وهو لم يطبع إلا أخيرا. وقد أوشكنا أن نتم هذا التقرير ونأمل أن يصل إلى عزتكم في بحر أسبوع وننتهز هذه الفرصة لنقدم إلى عزتكم أطيب التحية وعظيم الاحترام، توقيعات أحمد فهمي إبراهيم، عبد الرحيم غنيم. أحمد على علوبة. محمد المفتي الجزائرلي.

عبد الرحيم غنيم بك : لقد جئت أنا والمفتي بك اليوم لنقدم إلى رئيس اللجنة الخطاب المشار إليه وفيه نبدي أن ملاحظاتنا ستكون مكتوبة واننا لا نريد الحضور في اللجنة اليوم فطلب منا سعادة الرئيس أن نبقى مستمعين فقط .

معالي السنهوري باشا: إنني اعتبر العدد الخاص من مجلة المحاماة تقريراً لأنه موقع من ستة من حضرات المستشارين.

صادق فهمي بك: هناك تحديد ولزيادة الإيضاح أقول إنني وجدت شخصياً أن الملاحظات العامة التي توجه إلى المشروع يحب أن تنصب على نصوص المشروع حتى نتبين مبلغ اتفاق ما جاء في الكلمة العامة أو النقد العام الموجه مع محتويات المشروع فعلاً، ولقد انتهيت من عمل هذا التعليق على المواد في نفس المشروع، حتى يكون مركزنا مفهوماً، لأن السؤال كما وجه معناه.

الرئيس: لقد فكرت في السؤال الذي وجهته قبل أن أعرضه على حضراتكم. فهناك نقد مطبوع وموقع عليه من بعض حضرات المستشارين لقد وجهوا نقداً معيناً تناول الأسس التي يجب أن يقوم عليها التقنين وهل يكون التغيير شاملاً أو جزئياً وهل الطريقة التي اتبعت كانت المثلى أم لا، ثم نقدوا المشروع نقداً مراً.

وقالوا أن ما ذهبت إليه لجنة القانون المدني في تقريرها كبيرة من الكبائر، ولقد وضعت تحت هذه العبارة خطاً ، ولكنهم لم يكتفوا بذلك بل قدموا مشروعاً ، ولا يمكن أن يقدم مثل هذا النقد في الجوهر وفي التفاصيل وفي الفكرة إلا بعد الدراسة ، وهذه نقط محددة فمثلا قالوا أن مشروع هذا القانون أقيم على أساس خاطئ لأنه استقى من جملة تشريعات . ونحن قد مكثنا عامين نبحث هذا المشروع وانتهينا من بحثنا إلى تعديل زهاء 800 مادة وكنا نستقصي آراء المحاكم والفقهاء وخصوصاً ما كان منها متعلقا بالعقود . فهناك انتقادات جوهرية وجهت إلى المشروع .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : هل المقترحات الواردة في هذا التقرير مطابقة للنصوص الموجودة في المشروع أم لا ؟

عبد الرحيم غنيم بك : إنني أرى أن النقد الموجه للمشروع والوارد بالكراسة المطبوعة يقتضي بحثاً خاصاً . وانا أتكلم عن نفسي ، فانا مثلا ادرس المشروع ذاته لأعرف مبلغ مطابقة النقد الموجه أو عدم مطابقته لمحتويات النصوص ذاتها ومن اجل ذلك درست النصوص التي انتهت إليها لجنة مجلس الشيوخ ، وهي لم توزع إلا منذ أسبوع ، وقطعت في هذا الشوط مرحلة طويلة ، وقلت انه يكفيني أسبوع حتى انتهي من الدراسة وإبداء الملاحظات ، ولما عرضت الأمر على زملائي أحمد بك علي والمفتي بك الجزائرلي وأحمد فهمي إبراهيم بك وجدوا أن هذا الاتجاه يمكن أن يكون مفيداً وبناء عليه حررنا الخطاب الذي تلاه سعادة محمد بك الوكيل ، وقلنا إننا سنقدم الملاحظات كتابة في بحر أسبوع أما السؤال .....

الرئيس : هل أفهم من ذلك أن هذا التقرير المقدم الآن أصبح لا يعبر إلا عن رأي صادق فهمي بك ؟

صادق فهمي بك : إنه يعبر عن رأي الموقعين عليه .

الرئيس : لقد قلت في بداية جلستنا هذه أن الغرض من اجتماعنا اليوم هو البحث في الانتقادات والملاحظات التي وجهت من حضرات المستشارين والواردة في هذه الكراسة والتي اطلع عليها جمهور المعنيين بالقانون وحضرات أعضاء مجلس الشيوخ ، ومن واجبنا الآن أن نبحثها لنرى مبلغ صحتها أو عدمها ، فإن كانت صحيحة عدلنا عن التقرير ، وأنا أوجه السؤال الاتي إلى عبد الرحيم غنيم بك . هل هذه الكراسة لا تعبر عن رأي جميع الموقعين عليها؟

صادق فهمي بك : أولا أنا أشكر سعادة الرئيس كل الشكر كما اشكر حضرات أعضاء اللجنة الموقرين لتفضلهم بالحضور ، وهذا دليل قاطع على إننا نعمل جميعاً للمصلحة العامة وليس لشخص منا أية مصلحة إلا مصلحة بلادنا ، وإننا إذا ما قمنا بعمل فيجب أن نكون متضامنين فيه ويجب أن نسمع ملاحظات بعضنا بعضا ونترك ما ليس مفيداً ونتمسك بالمفيد ، والتشاور مفيد ، والإنسان مهما كان عظيماً – فهو إنسان – ومن الجائز أن يخطئ ، وهذا تفضل كبير ودليل على حسن الاستعداد وسعة الصدر على إني لا أنسى أن اذكر في هذا الموقف احترامي وتقديري العظيم لصديقي الكبير السنهوري باشا ، وأرجو أن تفهموا أن الصلة التي بيني وبينه كبيرة وتكاد تكون أخوة .... .

معالي السنهوري باشا : لندخل في الموضوع دون ذكر هذه المقدمات .

صادق فهمي بك : أريد أن أقول أن المسائل الموضوعية هي التي يجب أن نعنى بها أما المسائل الشكلية فلا تهمنا كثيراً . ولقد أردت أن استأنس برأي إخوتي إذ لا يجوز أن أكون مخطئاً لأن أكون كل إنسان معرض للخطأ وبناء على ذلك قمت بعمل طبعة على البالوظة حتى لا اظهر بمظهر المعرقل للمشروع ، وبعد ذلك قابلت سعادة الوكيل بك وحلمي عيسى باشا وجمال الدين أباظة بك وقدمت لهم نسخة من هذه الطبعة .

مصطفى الشوربجي بك : هل كان ذلك أثناء دراسة اللجنة للمشروع ؟

صادق فهمي بك : نعم . ولكن لم يرد علي أحد ولقد شددت على زملائي وقلت أنا لا أقول اني على حق ويصح أن أكون مخطئاً لأن الخطأ والصواب نسبي ، والواقع أن بعض حضرات الزملاء قد اجهد نفسه إذ بعد مرور شهر تقريباً على وضع ملاحظاتي تبين لهم أن هناك خطأ في بعض مسائل وعلى ذلك اجتمعت في نادي القضاة مع ثلاثة من حضرات المستشارين ومكثنا نتناقش حوالي اربع ساعات ، قالوا لي خلال هذه المناقشة لقد قلت كذا فما هو الدليل على ذلك ، وبعد المناقشة وسرد الأدلة والحجج قالوا انهم متفقون معي على كل ما وجهته من نقد بعد أن تحققوا منه ، وقد حدث كل هذا قبل أن أقابل سعادة محمد بك الوكيل وقبل أن أوزع النسخ المطبوعة بالبالوظة ، ولقد أخذت رأي الجزائرلي بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومصطفى بك للاستئناس به وبعد ذلك أتممت عملي وأعطيته إلى سعادة الوكيل بك وحلمي عيسى باشا وجمال الدين أباظة بك ، وقلت لهم هذا هو رأيي ورأى زملائي وقد كنت انتظر أن يستدعوني بعد ذلك ....

الرئيس : يحسن بنا أن نتكلم في الجوهر . وسأبرهن لكم على أن هذه الملاحظات كانت موضع عنايتنا ....

حضرة المحترم الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : لي كلمة أريد أن أقولها وهي أن مجلس النقابة اجتمع أمس وعرض عليه الأمر في انتداب حضرات الذين تفضلتم باستدعائهم للحضور وفي الوقت نفسه طلعت علينا جرائد الأمس وفيها أن لجنة القانون المدني قد أتمت عملها وسينظر المشروع أمام المجلس في اليوم التالي وسيعرض للمناقشة مما حدا بالأعضاء إلى القول بأنه لم يبق ثمة داع أو فائدة من حضورهم هذا الاجتماع ، ولذلك فاني أبلغ سعادتكم رغبة النقابة – في أن تعطوا لنا فرصة – إن كان هناك متسع من الوقت ، حتى نستطيع أن نتقدم بتقريرنا كتابة .

الرئيس : إن الأساس الأصلي الآن هو التقرير الموجود أمامنا ، وقبل مناقشة التقرير يجب أن نصفي جميع الانتقادات والملاحظات التي أبديت حتى تندفع الاعتراضات وتزول الشبه .

مصطفى الشوربجي بك : أرى أن نجعل هذه الجلسة بمثابة الخطوة الأولى لبحث هذا الموضوع خصوصاً وإننا لن ننتهي اليوم من بحثه .

 حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : أفهم من كلام عبد الفتاح بك الشلقاني أنه يظن أن الموضوع سوف ينظر بشيء من السرعة ، وأن ملاحظاتهم سوف لا تكون محل نظر ، وبناء على ذلك راوا عدم تقديم ملاحظات . ولهذا يجب علينا أن نعطي حضرات المستشارين والقضاة الحق في تقديم ملاحظاتهم خصوصاً وإنهم رجال قانون ولهم تجارب كثيرة يحب أن نستفيد منها ونريد أن نعرف رايهم في هل المشروع المعروض يتمشى في أسسه مع القانون الأصلي أو لا .

الرئيس : لقد كانت ملاحظات حضرات المستشارين ستلقى في البهو الفرعوني يوم الثلاثاء القادم فطلبت إلى حضراتهم أن يحضروا أمام اللجنة للإدلاء لها بما عندهم من ملاحظات ومناقشتهم فيها بغية الوصول إلى حل موفق .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : على كل حال سنتاقش حضراتهم فيما يبدونه لمعرفة إن كانوا على حق أو لا .

معالي السنهوري باشا : إنني مستعد أن أسمع أي نقد يوجه إلى المشروع ولكن يجب قبل كل شيء أن نناقش التقرير الذي انتقد فيه بعض حضرات المستشارين مشروع القانون المدني خصوصاً وانه طبع ونشر على جميع الناس ، فالقول بأني لا أناقش هذا التقرير الآن ، وانتظر إلى أن تقدم إلي ملاحظات من آخرين قول لا محل له، والواجب علينا أن نناقش النقد الموجود أمامنا الآن ، والا فإنني أؤكد لحضراتكم بأننا لو اتبعنا غير هذه الطريقة فلن ينتهي مشروع القانون المدني خلال عشرين عاماً ، ولاسيما أن كل إنسان يستطيع أن يقدم في نقد هذا المشروع كتابا أو اثنين وثلاثة ، ويطلب إلينا أن ننتظر حتى ينتهي من وضع هذا الكتب .

أمامنا تقرير مطبوع كان صادق بك فهمي من يريد أن يلقي ما احتواه في جمع عام، وقد وزع هذا التقرير فعلا على جميع أعضاء مجلس الشيوخ. ومن الواجب علينا أن نناقش أولا ما ورد في هذا التقرير للوقوف على الحقائق. وبعد ذلك يستطيع حضرات المستشارين ورجال القانون الذين لديهم ملاحظات أخرى أن يبدوها.

عبد الرحيم غنيم بك : لقد حضرنا اليوم لتقديم هذا الخطاب بأنفسنا وقد بلغنا رسالتنا ولم نكن نقصد حضور الاجتماع تنفيذاً لما جاء في خطابنا . أما أن تنعقد اللجنة لمحاكمة المستشارين فهذا ما لا نقبله ولذا نرى تنفيذ مؤدى خطابنا ونستأذن في الانصراف.

معالي السنهوري باشا : لقد وقع المفتي بك على هذا التقرير بإمضائه . وأرجو أن يسجل في محضر الجلسة إني أدعو سعادته وقد وقع على هذا التقرير أن ينتظر مناقشته. أما انسحابه فمعناه انه لا يتحمل مسئولية هذا الكلام .

عبد الرحيم غنيم بك : أقول إننا جئنا لتقديم هذا الخطاب بأنفسنا احتراماً للجنة، وقلنا أن لنا بعض الملاحظات ، وهي ملاحظات المفتي بك وأحمد بك فهمي إبراهيم وأحمد بك علي وملاحظاتي . وقد رجونا سعادة الرئيس أن يسمح لنا بالانصراف قبل أن تجتمع اللجنة . ولكن بعد أن سمعت أن المطلوب هو محاكمة أصحاب هذا الرأي فلا استطيع البقاء .

معالي السنهوري باشا : أية محاكمة تقصدون ؟ هذا كلام لا يجوز أن يقال .

عبد الرحيم غنيم بك : إنني اشعر تماما أن الروح المقصودة هي محاكمة المستشارين .

(شرع كل من المفتي بك الجزائرلي وغنيم بك في الانصراف)

معالي السنهوري باشا : يا مفتي بك أنت موقع على التقرير فإذا انسحبت فمعنى ذلك إنك انسحبت مع التقرير . فأرجو سعادة الرئيس أن يقول للمفتي بك – وقد أمضى التقرير – إنه بانسحابه الآن يعتبر متخلياً عنه.

(هنا انصرف المفتي بك وغنيم بك)

وأريد أن أقرر أنني في الواقع لا أستطيع أن أحاسب عبد الرحيم بك غنيم على انصرافه لأنه لم يوقع التقرير، فهو يقول إن له ملاحظات وإني مستعد لسماعها. وأريد أن أقرر أيضا أن الجزائرلي بك رئيس الدائرة المدنية ورئيس المستشارين قد وقع هذا التقرير، وقد تحديته قبل أن ينصرف من هذا الاجتماع أن ناقشه إياه قبل خروجه فأبى ذلك .

عبده محرم بك : لقد كان المشروع معروضاً للاستفتاء منذ ست سنوات فلم يعترض عليه أحد بمثل ما جاء في التقرير الموزع . وأرجو أن يثبت على لسان الحكومة أن المشروع ليس معروضاً للاستفتاء مرة أخرى الآن.

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : الذي أريد أن أعرفه والمهم الآن هو هل ملاحظات حضراتكم تنصب على نفس مواد المشروع ؟

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : ستكون الملاحظات أولا على المبدأ وهل هناك ما يدعو للتعديل الشامل ، أو أنه يكفي فيما يتعلق بإصدار قانون مدني جديد أن نلجأ إلى تعديل النصوص التي تدعو الحاجة إلى تعديلها ؟

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : هل لكم مثل هذه الملاحظات أيضا على قانون الإجراءات الجنائية أم لا ؟ لأن هذه النقطة في نظري من أهم النقط.

حسن الهضيبي بك : أود أن أقول إن لي رأيا معيناً في المسألة برمتها ، وليس في القانون المدني فقط . وهذا الرأي بمثابة اعتقاد لدي لا يتغير وأرجو أن ألقى الله عليه. إنني لم أتعرض للقانون المدني باعتراض أو بنشر وأنا لم أقل شيئا يتعلق بمضمونه، لأن من رأيي ألا أناقشه.

وقد جئت اليوم بناء على دعوتي، لأن زميلي صادق فهمي بك صحح المسألة بالنسبة إلي، فقد ألحق بالمحاضرة التي كان مزمعاً أن يلقيها، كلمة تبين مركزي في هذا المقام.

الذي قلته أنا في تصحيح الرأي الذي نشره صادق بك هو اعتقادي أن التشريع في بلادنا كلها وفي حياتنا جميعاً يجب أن يكون قائماً على أحكام القرآن. وإذا قلت القرآن فإني أعني كذلك بطبيعة الحال سنة الرسول e، لأن طاعته من طاعة الله . (4)

حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك: يقصد سعادة حسن الهضيبي بك القرآن والحديث ؟

حسن الهضيبي بك : نعم يجب أن يكون هذان المصدران هما المصدران لكل تشريع فإذا ما أردنا أن نأخذ شيئاً من التشريعات أو النظم الأجنبية فيجب أن نردها أولا إلى هذين المصدرين " وان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله " فإذا كان هذا التقنين صادراً عن أحكام القرآن والسنة كان بها والا فيجب أن نرفضه رفضاً باتاً ، ونرد أنفسنا إلى الحدود التي أمر الله بها .

حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك : وإن سكت عنه ؟

حسن الهضيبي بك : الأمور في الشريعة ، أمر ونهي وعفو " فما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " . أما العفو فهو من الأمور المباحة التي يمكن لولي الأمر أن يصرفها كما يشاء على ما تقضي به المصلحة .

من أجل هذا لم أشترك في مناقشة مشروع القانون المدني موضوعاً ومن رأيي أن يصدر كيفما يكون ، لأني شخصياً اعتقد انه ما دام غير مبني على الأساس الذي ذكرته والذين ادين به فخطأه وصوابه عندي سيان .

لقد تفضل زميلي صادق بك فهمي وصحح الموقف بالنسبة إلى في مذكرة الحقها بمحاضرته وكانت بإملائي. ولقد جئت اليوم لأبين لحضراتكم وجهة نظري واني اعلم تمام العلم أنكم غير مستعدين لقبول هذا الرأي.

الرئيس : لا شك أن كل تشريع يمكن أن يوجه إليه كثير من النقد غير المحدد ونحن هنا هيئة تشريعية قدم إلينا مشروع قانون فاجتهدنا في بحثه . وتريد الآن أن نسمع الانتقادات التي وجهت إلى تقرير اللجنة كي تجتمع اللجنة بعد ذلك لإقرار ما تراه. ولقد بدأت الآن بعرض الأمر بالطريقة المنطقية فقد قدمت انتقادات موضوعية، وتريد اللجنة أن تناقش أصحابها.

حسن الهضيبي بك : لقد ذكرت منذ لحظة أن خطأ هذا المشروع وصوابه عندي سيان .

الرئيس : الكلمة الآن لحضرة الأستاذ حامد زكي بك .

الدكتور حامد زكي بك : ألاحظ مبدئياً على هذا الاجتماع أن المناقشات التي دارت فيه إلى الآن دارت حول مسائل أقرب إلى الشخصية منها إلى الموضوعية . لقد جئنا لنبدي آراء وملاحظات حول مشروع القانون المدني، ولكن بكل اسف أقول إن معالي السنهوري باشا يعتقد – وقد يكون هناك ما يحمله على هذا الاعتقاد – أن بعض المحاولات تبذل لتعطيل هذا المشروع وتعطيل تنفيذه. والمسألة في نظري مسألة نوايا قبل كل شيء. واعتقد أن الأصل في النوايا أنها حسنة. فلا محل إذن للتفكير في هذا التعطيل، لأنه لو سيطرت هذه الفكرة على ذهن معاليه ....

معالي السنهوري باشا : لم يخطر ببالي شيء مما يقوله الآن الأستاذ حامد زكي . واني أرجوه أن يترك هذا الكلام جانباً، وليدخل في الموضوع.

الدكتور حامد زكي بك : لقد سمعت الآن عبده محرم بك يقول أن المشروع ليس معروضاً للاستفتاء مرة أخرى ، فإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا جئنا إلى هذه القاعة الآن .

معالي السنهوري باشا : نريد أن نسمع ملاحظاتكم على المشروع .

الرئيس : لابد أولا من تنظيم المناقشة . والذي بينته بادئ الأمر أننا يجب أن نناقش ما جاء في التقرير المطبوع أولا من نقد لمشروع القانون المدني، ذلك التقرير الذي كان مزمعاً أن تلقى بشأنه محاضرة في نقابة المحامين، وفي مجلس الشيوخ وتعلمون حضراتكم أن هذا التقرير نشر على الجميع فيجب أن نناقش ما ورد فيه أولا.

الدكتور حامد زكي بك : إذن نستبعد كل الدفوع الشكلية ونبدأ في الموضوع.

الدكتور كامل ملش بك : هل سيكون البحث مستمراً بعد استعراض هذا التقرير ؟

الرئيس : نعم .

معالي السنهوري باشا : في مثل هذا الموضوع إذا تركنا المناقشات تتسع كثيراً وتتشعب قبل أن نناقش التقرير المطبوع . لا يمكن عندئذ حصرها .

صادق فهمي بك : إن هذا المشروع خطير ، وخطورته معروفة لأنها متصلة بحياة الأفراد والجماعات الموجودة ، فهو لا يتناول ناحية واحدة فحسب بل يتناول نواحي عدة كما تعلمون حضراتكم . لذلك يجب درس هذا المشروع دراسة تامة كما يجب أن نتريث في كل عمل هام كهذا مهما بذلت فيه من جهود ومما لاشك فيه أن المجهود الكبير الذي بذله جميع إخواننا المصريين وعلى رأسهم معالي السنهوري باشا يمكن أن يضاعف ويضاعف حتى نصل بهذا القانون إلى درجة تفخر بها مصر، ونكون جميعاً متعاونين في هذا العمل محامون وقضاة. من أجل ذلك يجب أن ندرس المشروع من جميع نواحيه. خصوصاً وانه قد تم بحثه وهو الآن تحت الفحص الميكروسكوبي ، وهذه هي الفرصة الحسنة التي تمكننا من بحث هذا البناء الضخم من أساسه إلى أخر نقطة فيه .

إن الكلام في هذا الموضوع ينقسم قسمين:

الأول : المسائل العامة وهي الأساس ، وتعلمون حضراتكم انه متى كان الأساس متيناً كان البناء فوقه سليماً ، وإذا كان في الأساس شيئاً يحتاج إلى التقويم أو التجديد أو التغيير فيجب إجراء هذا بالنسبة له عن طريق التضامن فيما بيننا .

وإنني اعتقد أن مشروع هذا القانون المصري سيكون قانوناً لأهل العروبة جميعاً .

لذلك أرجو أن تتسع صدوركم لنتمكن من فحص هذا المشروع الذي اشترك في وضعه بعض فقهاء القانون .

هناك أربع مسائل عامة أساسية ، نبحثها على ضوء الفن وعلى ضوء التفكير ، والعمل ، ثم ندخل بعد ذلك في التفاصيل . وأول هذه المسائل هي سياسة التعديل ، وهل يكون التعديل جزئياً كما تقتضيه الضرورة في بعض النصوص . أو أن الحالة خطيرة لدرجة أنه يحسن أن نستحدث قانوناً جديداً كهذا المشروع الذي عبرت عنه الحكومة واللجنة بانه مشروع قانون كامل .

المسألة الثانية : هي الطريقة الفنية للتعديل . وإذا رأينا أن نعدل تعديلا تاماً أو تعديلا جزئياً فكيف يحدث هذا التعديل من الناحية الفنية البحتة التي تتفق مع هذا العمل الفني ؟

المسألة الثالثة : هي الصياغة ، وما هي الإجراءات التي تتخذ بشأنها .

المسألة الرابعة : هي قواعد التفسير وكيف يسلك القاضي الطريق في تفسير النصوص الموجودة الآن وهذه هي المسألة الهامة التي أتعرض لها باعتبارها مسألة خطيرة الآثار .

هذه هي المسائل الأربعة وأقول فيما يتعلق بالمسألة الأولى وهي الخاصة بمبدأ التعديل وهل يكون كلياً أو جزئياً . أنه يجب أن تكون المصلحة العامة هي الحكم في هذا الشأن ، وهل هذه المصلحة تقضي بأن يكون التعديل كلياً أو جزئياً وما مقدار خطورة التعديلين ؟

لقد أبديت وإخواني الذين تكونت منهم اللجنة الأولى التي وضعت هذا التقرير رأياُ بالنسبة للتعديل الكلي فقلنا : " إن مسألة التعديل الكلي والتعديل الجزئي متصلة بحياتنا القانونية من ناحية القضاء ، ومن ناحية الفقه ، ومن ناحية المحاماة . وسألخص لحضراتكم الفكرة في ذلك .".

ما هي الفكرة في ذلك؟ الفكرة هي أن مصر الآن وصلت إلى درجة محترمة من الناحية القضائية والقانونية والفقهية، إلى حد أن الدول الأجنبية في مؤتمر مونترو اعترفت لنا بذلك، وهذا فخر كبير لنا وأنا أخشى على هذا الاحترام الذي أعطتنا إياه تلك الدول ......

الرئيس : واللجنة توافقك على طول الخط .

صادق فهمي بك : لذلك أرى لزاما علينا أن نحتفظ بهذا المركز كما يجب أن نتريث قبل أن يضيع علينا هذا المركز .

الرئيس : ونحن لن نتركه يضيع .

صادق فهمي بك : كيف يضيع علينا مثل هذا المركز . أتعلمون كيف وصلنا إليه وما الذي فعلناه ونفعله؟ إننا نعرف تاريخنا، فبعد الشريعة أتت القوانين الجديدة ووضع التشريع وهو مأخوذ من التشريع الفرنسي، ثم انتقلنا منه إلى القانون المدني الأهلي، وقد استحضرنا أساتذة من فرنسا وأرسلنا البعوث إليها، وبدأنا نتعلم اللغة الفرنسية، وأصبحنا نعتبر أن الفرنسية لغة ضرورية كلغة للقانون. والسبب في هذا أن تغيير القوانين لا يكفي فيه تطبيق العملي ولا التفسير الفقهي بل يلزم الرجوع في هذا التفسير إلى المصادر. وحيث إن قانوننا مأخوذ من فرنسا فيجب أن نفسر القانون المصري جنباً إلى جنب مع القانون الفرنسي حتى نستفيد بهذه الثروة التي أصبحت ثقافتنا متصلة بها كل الاتصال، كما يجب أن نستفيد بهذا الذخر العظيم ألا وهو الأسلوب الفرنسي في القانون، ولا يخفى على حضراتكم ما للفرنسيين من مركز سام خصوصاً فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة والموضوعة في مجموعات. وهذه الثقافة التي وصلنا إليها الآن أخشى عليها فيما لو كان المشروع يؤثر عليها ويحاول أن يخرجنا منها فلو كان الأمر كذلك فتكون الطامة الكبرى. ولذلك فإنني أقول بضرورة استعراض أفكار الناس جميعا حتى نتبين إن كان هناك تغيير كبير أم لا وما أثر هذا التغيير على هذه الثقافة. فإن كان هذا التغيير يعطل هذه الثقافة فيجب على لجنة مجلس الشيوخ أن تتريث والذي فعلناه أننا راجعنا أقوال لجنة المرافعات التي هي شبيهة بلجنة القانون المدني، والقانون المدني هو عبارة علن الأساس الموضوعي الذي يصدر عنه قانون المرافعات ويتصل به اتصالا كبيراً ، فوجدنا أن لجنة قانون المرافعات قد اتخذت السبيل الذي ننادي به ولذلك قالت هذه اللجنة التي هي زميلة لجنة القانون المدني في تقريرها أنها لم تعمد إلى استحداث قانون جديد . (5)

الرئيس : ولم إذن غيرته ؟

معالي السنهوري باشا : لقد عدل قانون المرافعات تعديلاً شاملاً .

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا : قانون المرافعات عدل تعديلاً شاملاً وتعددت مصادره ولقد عرضنا لقوانين المرافعات في العالم المتحضر وأخذنا خير ما فيها.

معالي السنهوري باشا : أنا أطلب تسجيل عبارات سعادة العشماوي باشا حرفاً حرفا. .

صادق فهمي بك : هذه النقطة لم اقلها من عندياتي ، فقد قالت لجنة المرافعات في تقريرها ما نصه ....

الرئيس : إن المأخذ الذي أخذته عليكم هو أنكم بذلتم كل مجهودكم في بحث مبادئ نظرية فسرتم في ضوئها تقرير لجنة الشيوخ ، وانا استبعد هذا التفسير واستطيع أن أقول إننا استأنسنا في النصوص بأحكام المحاكم وبالتقنين الموجود ، أما الشريعة الإسلامية فلا يمكن ا نامسها بشيء ولم ينتقص المشروع من أساسها بل توسع في الاقتباس منها .

صادق فهمي بك : نحن نتكلم فنياً .

معالي السنهوري باشا : وهل هذا الكلام غير فني ؟

صادق فهمي بك : على أي حال هذا كلام أخذته بالنص من تقرير لجنة المرافعات وهي تقول صراحة ما نصه " لم يرم الذين ساهموا في إعداده إلى استحداث تشريع جديد من جميع النواحي والعدول عن التشريع الذي ظل عشرات السنين .... الخ .

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا : لقد تعرض صادق بك فهمي لقانون المرافعات وأنا عضو في لجنة هذا القانون وأريد أن أقول أن ما قيل بصدد قانون المرافعات هو ما قيل بصدد القانون المدني ، ونحن قد استكملنا النقص واقتبسنا نظمنا ونسقناها ، وقد أعيدت صياغة القانون من أوله إلى آخره .

صادق فهمي بك : ولقد قلنا أن التعديل الشامل يخشى منه على ثقافتنا فردت اللجنة وقالت لا إن عندنا سبباً أساسياً فما هو هذا السبب ؟ إذا ما كان القانون المدني غير صالح للعمل وناقصاً نقصاً جسيماً ففي هذه الحالة يستدعي الأمر إصلاح البناء كله .

مصطفى الشوربجي بك : أي لجنة تلك التي يعنيها صادق بك ؟

صادق فهمي بك : إنني أعني لجنة الشيوخ فهذه المواد الإضافية الكبيرة التي أدخلت هي تقريبا نصف مواد المشروع وهي تتصل بالشخصية المعنوية والتزامات المرافق العامة التي هي التعاقد بين الشركات والمرافق العامة والإعسار المدني وتصفية التركات وهذه مسائل يجب أن نفكر فيها ونرجع إلى غيرنا لنرى ماذا فعلوا بشأنها . واسمحوا حضراتكم أن أقول لكم ما الذي حصل في البلاد الأخرى وذلك على سبيل الإنارة , الأصل أن القانون المدني كان يسمى بقانون المدينة وقد كان قانوناً واحداً ، ولما اتسعت أعمال المدينة تفرعت عنه قوانين أخرى فقسم إلى قانون مرافعات والى قانون تجاري وتجاري بحري ، ولما ازدادت المعاملات والصلات بين الناس وظهرت عناصر جديدة صدرت لها قوانين جديدة . ففي فرنسا مثلاً نجد أن قانون العمل متصل اتصالا كليا بالتشريعات السياسية والقانون المدني عبارة عن أسس عامة والتشريعات التي يلزم عملها والتي تكون قابلة للتغيير كثيرة ويمكن القول بأن التشريعات موضوعة للتغيير ، ولها Code مخصوص ويسهل الرجوع إليها والتغيير فيها كما أن قانون المؤسسات والجمعيات في فرنسا متصل بالسياسة ، ويحسن في كل القوانين المتصلة بالسياسة أو المتصلة بالشئون الاجتماعية ألا تدخل في نطاق القانون المدني ، وان يكون للقانون المدني أصول عامة تكاد لا تتغير وأن تكون نصوصه دائمة . بناء على ذلك يجب أن يكون للمؤسسات قانون خاص .

معالي وزير المعارف العمومية : القانون الألماني والقانون السويسري من القوانين التي تتضمن تنظيم المؤسسات Les Foundations .

الدكتور حسن بغدادي : تضمن القانون الإيطالي الذي صدر عام 1941 نظم المؤسسات Les Foundations والأحكام الخاصة بالشخصية المعنوية والقانون الدولي الخاص وتصفية التركات وعقد العمل وما إلى ذلك .

الرئيس : هل هذه المسائل تفصيلية بحيث يجب أن تكون بقوانين خاصة ؟ إننا في مسائل عقود التأمين وهي عبارة عن عقود ذات صفة ناشئة رأينا أن نضع لها القواعد العامة فقط وهذا أيضا هو المسلك الذي اتبع في التركات والجديد في ملكية الشيوع وقواعد القانون الدولي .

معالي السنهوري باشا : اقترح بدل الكلام في المقارنة أن نتناقش في هل المؤسسات Foundations موجودة أم لا ؟

الدكتور حامد زكي بك : لقد انتقلنا من فكرة التعديل الشامل إلى فكرة المحتويات .

الرئيس : حيثما كان التعديل يبلغ حداً ضخماً من الجسامة فمناقشته ليست جنبية عن مناقشة المبدأ ، ولقد قلنا فيما يتعلق بالتقنين القائم إن القاضي كان يمسك بيده اليمني التقنين المصري ويمسك التقنين Code الفرنسي في يده اليسرى . فإذا ما وجد أي غموض في القانون انتقل من هذا إلى ذلك حتى يصل إلى التفسير الصحيح . ونحن عندما كنا طلبة في الحقوق كان يقال لنا أن هذه المادة تقابلها المادة كذا في القانون الفرنسي .

الدكتور حامد زكي بك : لا شك في أن تطور الزمن قد أوجد نظريات حديثة كما أوجد تفكيراً قانونياً وعلاقات جديدة . وقد تكلم " مونتسكييه " في تحديد وتنسيق هذه العلاقات التي تتعلق بعضها بالشركات وبيع الأراضي والبناء وكيف أنه يجب ألا يرتفع البناء اكثر من دور أو اثنين وأنه لابد من وجود حدائق حول المباني ... الخ . ورفع الأمور المتعلقة بهذه العلاقات إلى المحاكم . فهذه هي علاقات جديدة لم تكن موجودة في سنة 1804 ، واختلفت المحاكم في هذه الأمور فكانت تحكم مرة لك وأخرى عليك ولا يدري أحد هذا المدى .

فهل من الواجب أن تنظم هذه العلاقات الجديدة بحسب تطور الزمن أم لا ؟

فمثلا فيما يتعلق بسداد الديون فالقاعدة العامة فيه لا تركة إلا بعد سداد الديون وهذه القاعدة موجودة منذ سنة 1870 إلى اليوم .

وقد قال لي مدير البنك العقاري أنه في البلاد الأجنبية لا يجوز أن تمس التركة إلا بعد تصفية الديون وهذا بخلاف ما هو معمول به في مصر فإن الورثة يقتسمون التركة ولا يفكرون في دفع دين مورثهم. والواجب أن يدفع هذا الدين أولا وقد بحثنا مواد المسئولية التقصيرية وهي 151 و152 و153 فرأينا أنها تستوعب جزءا عظيماً من العلاقات الموجودة الآن.

أؤكد لحضراتكم إننا دخلنا اللجنة وقلنا أمامها – وليس هذا بسر – إننا نوجس خيفة من هذا المشروع ، ولكن عندما درسنا المسألة ووزناها بميزانها الصحيح وهل يكون التعديل شاملاً أو غير ذلك رأينا أنه لا مانع من التعديل حيثما وجد أنه نافع وفي المصلحة .

مصطفى الشوربجي بك : إن الضرر هو في إصدار قوانين متعددة كل على حدة واعتقد أن ما نصادفه من مشاكل كثيرة يرجع إلى هذا . وأعتقد انه ليس هناك ضرر من وضع القوانين المتناسقة في مجلد واحد يكون بمثابة متن لها.

الدكتور حامد زكي بك : كل المبادئ التي أضيفت سواء المتعلقة بتنازع القوانين أو المتعلقة بالأشخاص ... الخ مبادئ جديدة نحن نوافق عليها لأنها لا تتصل بصلب القانون القائم ولأنه يوجد في الخارج بشأنها قضاء ومحاكم . فهذا الجزء الإضافي الجديد لا يتناول تعديل القانون المدني القائم . إنني لا أتكلم عن هذا الجزء باعتباره تعديلاً بل أتكلم عنه على اعتبار انه تشريع جديد يجب أن نتفق على المكان الذي يوضع فيه. ومن رأيي إن مسائل تنازع القوانين في مصر مسائل جديدة لم توضع لها نصوص تشريعية إلا لمناسبة اتفاقية مونترو. وإنني أعلن أن التشريع مازال ناقصاً وغامضاً – وأنا مسئول عن هذه الكلمة – فالتشريع لابد له من تطور شديد بعد سنة 1949 وليس من المصلحة أن نقيد القاضي مقدماً بنصوص تفصيلية . هذه هي وجهة نظري واني على استعداد لمناقشتها طويلاً .

هذه نقطة حساسة ومتصلة بمصالحنا الأساسية وعلاقتنا بالأجانب .

النقطة الثانية وهي الخاصة بالشخص المعنوي . إنني موافق على أن هذه مسألة تحتاج إلى تشريع ، لا أخفي أن الشخصية المعنوية محتاجة إلى رقابة من جانب الدولة وعلى ذلك لا أضعها في صلب القانون الخاص واسويها بالأشخاص الطبيعيين ولذلك أرى أن يفرد لها تشريع خاص . ففي كل حكومات العالم نجد أن الشخص المعنوي أقوى من الفرد الطبيعي – ويستطيع أن يؤثر في جوهر الالتزامات والعلاقات – من حيث العمل والجنسية ، ففي مصر نجد أن هذه المسألة ....

معالي السنهوري باشا : أولا نحس جميعاً بخطورة نقص التشريع في هذه المسائل عندنا ؟

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : هل النصوص الموضوعة ترفع الرقابة ؟ وهل هذه النصوص تحول بيننا وبين وضع نصوص أخرى مكملة لها حسب الظروف التي تقتضي ذلك ؟

الدكتور حامد زكي بك : لا شك أن المشرع يملك التعديل وله أن يضع نصوص مشروع قانون ثم يأتي في اليوم التالي ويعدل هذه النصوص كما يشاء ز ولكن التقنين من حيث المبدأ له الاحترام الخاص به والمشرع لا يقدم على تعديل التقنينات إلا بعد ترو .

لما وضع التشريع الإيطالي الأشخاص المعنوية داخل ال Code وضعها لأنه يعلم أن 95 % منها إيطاليون ولا ضرر مطلقاً لأن يسوي في أهلية التمتع والتصرف ما بين الشخص الطبيعي والمعنوي . أما الوضع في مصر فيختلف تماماً ، لأن الأشخاص المعنوية في مصر غالبيتها أجنبية . وبما إننا في حالة تطور فيجب أن نترك للمشرع أن يضعها في قانون خاص.

معالي السنهوري باشا : هل في المادتين 52 ، 53 الخاصتين بالأشخاص المعنوية ما يمنع الدولة من أن تفعل ما تراه بشأنهما ؟

إن المادة 52 تعدد الأشخاص الاعتبارية والمادة 53 تحدد مقومات تلك الأشخاص .

الدكتور حامد زكي بك : والمؤسسات ؟

معالي السنهوري باشا : أليست المؤسسات من قبيل الأشخاص المعنوية ؟

الدكتور حامد زكي بك : إذن لنتكلم في الجمعيات .

معالي السنهوري باشا : هذا هو الكلام العام الذي لا يؤدي إلى نتيجة .

الدكتور حامد زكي بك : أؤكد لمعالي الوزير إنني حسن النية .

معالي السنهوري باشا : إن التعميم خطير بعض الشيء ، فإذا أراد الدكتور حامد أن يتكلم فليحدد النقط التي يريد الكلام فيها .

الدكتور حامد زكي بك : إن كلامي ينصب على كل الأشخاص الاعتبارية ولم أخصص شيئاً .

معالي السنهوري باشا : تعني الجمعيات والمؤسسات . أرجو حامد بك ان يذكر لي – في الجمعيات والمؤسسات – أي مادة من المواد العامة فيها خطر وتقطع السبيل على المشرع .

حامد زكي بك : أتلو على حضراتكم نص المادة 53 : " الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها لازما لصفة الإنسان الطبيعية وذلك في الحدود التي قررها القانون .... الخ

معالي السنهوري باشا : عظيم . تقول المادة في الحدود التي قررها القانون.

حامد زكي بك : المادة تعترف أن الشخص الاعتباري يساوي الشخص الطبيعي ، هذا النص قد يكون حسناً في فرنسا أو سويسرا .

معالي السنهوري باشا : هل ترى ألا يكون للجمعية الأجنبية ذمة مالية مستقلة ، وألا يكون لها موطن مستقل ، وموطن قضائي ؟

حامد زكي بك : إنني أتكلم في المبدأ الأساسي وأتكلم بحسن نية ولا اقصد تعطيل شيء.

الرئيس : ما هي النتيجة العملية التي يريدها حامد بك بعد أن أشير إلى التحفظ الخاص بحدود القانون . وهل لا تكون للشخص الاعتباري ملكية. وإذا رفعت دعوى ترفع على جميع الأشخاص أو على الشخص المعنوي. فما هي الخطورة بالنسبة لحالتنا نحن نستطيع أن نعدلها إذا وجدنا ضرورة لذلك. وإني على استعداد إذا ما تبينت هناك خطورة لاقتراح التعديل اللازم. فما هو الشيء الذي تريد أن تمنعه وتحتاط له؟

حامد زكي بك : بمقتضى النصوص كل شخص اجنبي اصبح له اعتبار قائم وأهلية كاملة .... .

الرئيس : كل ذلك مقصود بأن يتم في حدود ما يقضي به القانون ولا مانع من إصدار أي تشريع بذلك في المستقبل من شأن التحديد أو التقييد .

حامد زكي بك : من الجائز أن يكون من سياستنا في القريب تحديد ملكية الشركات الكبيرة وأن تكون كل مسائل الائتمان قاصرة على المنشآت المصرية لكي نقوي الثقة في الأموال المصرية في الداخل .

معالي السنهوري باشا : قد ترى الدولة فيما يختص بالمنشآت الأجنبية ، إن من المصلحة أن تقيد في ملكيتها للعقارات ، وأقول أن القانون المدني المعروض على حضراتكم لا يمنع شيئاً من هذا بل إنه يضع المبادئ العامة وفي الحدود التي يقررها القانون ليس هناك ما يمنع أن تصدر الدولة مثل هذا التشريع .

 حامد زكي بك : فيما يتعلق بالجمعيات تجدون حضراتكم أن هذا إنما هو تنظيم تفصيلي للجمعيات ، وليس اعترافا بالشخصية الأجنبية ، وهذا القانون إنما هو قانون خاص بهذه الجمعيات وتنظيمها في الداخل فهل في الاستطاعة أن تذكروا لي ما هو دخل القانون المدني في الجمعيات ؟

إن النصوص الخاصة بالجمعيات ليست من صلب القانون المدني .

حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك : أريد أن استفسر من حامد بك زكي هل العيب في المواد أم في القانون ؟

حامد زكي بك : نحن الآن بصدد مناقشة موضوع النصوص .

الرئيس : حامد بك يتكلم الآن في موضوع النصوص حتى يمكنه أن يشرح لنا النظرية العامة وقد وصل إلى القول بأنه يحسن أن يكون ذلك بوضع قانون خاص .

مصطفى الشوربجي بك : إنه لم ينتقل بعد من الكلام عن الشكل .

أحمد بك حلمي : لي كلمة أريد إبداءها ، فإن مقدمة القانون المدني كان من حظي أنا وبعض حضرات القضاة في سنة 1941 أن نبحثها بحثاً مستفيضاً وقد تبين لي من البحث أن وجودها ضروري جدا وذلك حينما كنت رئيساً لمحكمة مصر سنة 1941 ولقد وجد القضاة فيها فائدة عظيمة ، وإن مسألة تنازع القوانين التي ستعرض حتماً على القضاة بعد فترة الانتقال هي من أعوص المسائل ، والقوانين المتنازع فيها كثيرة جدا ، حتى أن المسألة الواحدة قد تستدعي البحث في تطبيق قانون من خمسة أو ستة قوانين ، كما أن مسألة نظرية الإحالة لها محبذون ولها منتقدون وقد وضع مشروع القانون حداً لهذه الخلافات بأن منع الإحالة وذلك بوضع نص حاسم فيها ، فنص على أنه إذا ترتب على تطبيق قاعدة الإسناد التوجه إلى قانون أجنبي فتطبق القواعد الموضوعية في هذا القانون دون ما يتعلق منها بالإسناد . كذلك مسألة تكييف العلائق القانونية هل يطبق عليها قانون القاضي أم يطبق القانون الذي نشأت تلك العلائق تحت سلطانه أو قانون آخر وهذه مسألة من الصعوبة بمكان وقد وضعت لها نصوص حاسمة، كذلك مسألة المشارطات الزوجية كل هذه مسائل ستعرض حتماً؛ لأن قضايا الأجانب ستعرض على المحاكم وفيها الكثير من صور التنازع، فمن المفيد أن توجد نصوص حاسمة فيها. فكيف يقول حامد بك زكي وهو اختصاصي في القانون الدولي الخاص. كيف يقول إن هذه النصوص يجب أن تستبعد من القانون المدني، إذا كان الأمر كذلك فماذا يفعل القضاة في المستقبل في هذه الفوضى. إنني أقرر أنها مفيدة وضرورية من الوجهة العملية، وأنا كقاض أقول إنها من الوجهة العلمية مفيدة جدا وضرورية للقضاة، ولابد من وضع هذه النصوص في القانون المدني، لأنها متعلقة بالقانون الخاص وهذا هو محلها الطبيعي.

حامد زكي بك : أنا معك في أنها ضرورية ، ولكني غير راض عن النصوص ووضعها في القانون المدني وأقرر وأعترف إنني كنت أنادي من سنة 1932 يوم أن اشتغلت بالتدريس في الدولي الخاص أننا في حاجة إلى نصوص تشريعية لأن النصوص التشريعية دائما في تطور .

أحمد بك حلمي: يسرني أن معظم النصوص الموضوعة تتفق مع رأي حضرة زميلنا المحترم حامد بك زكي فيما يتعلق بالقانون الدولي الخاص وأنها تمثل مرحلة الرقي في تطور النظريات والتشريعات.

حامد زكي بك : المسألة هي أننا ننظر إلى ظروفنا الخاصة .

الرئيس : نحن على استعداد لسماع ما يؤخذ على النصوص .

حامد زكي بك : المسألة التي تعنيني بعد مسألة الأشخاص المعنوية هي تصفية التركات . فنحن عندنا طبقة غنية وطبقة أخرى من الفقراء. وأنا شخصياً حمدت للمشروع انه تعرض لذلك بقوله ألا تركة إلا بعد سداد الدين. ففيما يتعلق بنظام تصفية التركات يخيل إلي أن أننا في بلادنا بحسب حالتنا الاجتماعية وتوزيع الثروة يكاد يكون في نظري أن الوضع هو إما أن لدينا ثروات لا تساوي شيئا وإما ثروات مثقلة بالدين.

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: وما الذي تقترحه في هذا الصدد؟

معالي السنهوري باشا: الدكتور حامد بك يخشى والبلاد منقسمة إلى 90 % من الفقراء والباقي هم الذين يملكون مالاً يخشى أن هذه النصوص التي يقول عنها تطبق على كل هؤلاء والواقع أن هذه أول نقطة لفتت نظرنا وكانت في ذهننا وهي أنها لن تطبق إلا على عدد قليل من التركات، هذه هي المسألة، كما أن تعيين المصفي للتركة لا يكون في كل الأحوال. وقد احتطنا لذلك في المادة 985 وهي الخاصة بأحكام التركة التي لم تصف ولقد كان هذا في ذهننا وأظن أن صادق بك لو أجهد ذاكرته لأمكنه أن يذكر ما فعلناه. وقد كان من رأينا أن 95 % من التركات لا تستحق أي تصفية ولكن هناك ثروات تستحق التصفية ومن أجل ذلك أردت أن ألفت نظر حامد بك زكي إلى أن نظام التصفية ليس الزاميا يطبق على جميع التركات .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: يجب أن نعطي رأينا عن بينة .

حامد زكي بك: لقد نصت المادة 877 من المشروع على ما يأتي: " إذا لم يعين المورث وصياً .... الخ " ومسألة لا تركة إلا بعد سداد الدين قد نظمت تشريعياً في القانون الخاص بالشهر العقاري وكل تركة من التركات إما أن أطلب قسمتها كشخص وإما أن يكون الدائنون الموجودون قد قيدوا ديونهم طبقاً لأحكام قانون الشهر العقاري. إذن فما هي الضرورة الملحة في أن أستحضر رجلاً وأعينه مصفياً وأذهب إلى المحكمة واكشف عن التركة في الحال.

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: عمليا لو أن ما لدى الشخص ثلاثة أو أربعة أفدنة هل يطبق عليه هذا؟

معالي السنهوري باشا: إذا لم يعين المورث وصياً لتركته وطلب أحد ذوي الشأن تعيين مصف لها عين القاضي الجزئي مصفياً إذا رأى موجباً لذلك.

عبده محرم بك : إنه يخشى أن تنكشف العائلات ويقال أنها كلها مدينة . احتاط القانون لذلك فوضع أحكاماً خاصة.

الرئيس : إنني أعرف حالات كثيرة عن عائلات خربت بيوتها من جراء التراخي في سداد الديون . فتزيد تصفية الحالات الموجودة التي خربت بسببها هذه البيوت. ولذلك أعطيت الرخصة التي يمكن أن تسوى على أساسها الحالات التي أفضت إلى هذا الخراب.

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: هذا النظام موجود في السودان وقد كنت قاضياً هناك في سنة 1917 وكنت أطبق تشريعاً لتصفية التركة المستغرقة وبيعها.

نحن في فوضى وأظن أن حضرات المستشارين يشاركونني هذا الرأي.

عزمي بك : نحن نشكو من هذه الحالة . ونحن في حاجة إلى أن نضمن القانون المدني نظاماً لمسألة حقوق الورثة في التصرف وحقوق الدائنين حتى لا يظل الأمر فوضى كما هو الحال الآن ونحن نرى ما يتخذه القضاء المختلط في هذا الشأن إلى حد أنه يعين حارساً على كل تركة عليها دين لأجنبي. مع أن مبادئ الحراسة التي درسناها لا تسوغ ذلك. وقد كتبت شخصيا حكما في هذا الموضوع ووضعت بحثاً طويلاً فلم أجد حكماً مماثلا لحكم آخر.

عبده محرم بك : لقد كان من رأي سعادة العشماوي باشا أن يوضع لذلك تشريع خاص يصدر بسرعة لفائدة أحكامه .

الرئيس : من غير هذا النظام سنحمل الناس غبناً كثيراً .

حامد زكي بك : هذا نظام مرتكز على أساس تشريعي ، وعلى وجوب الذهاب إلى القضاء.

الرئيس : الواجب هو أن يقال للورثة بعد وفاة مورثهم – ولنفرض أنهم ثلاثة – لقد ترك والدكم مثلاً ثلاثين ألف جنيه مقسمة فيما بينكم وترك ديناً مقاره 15 ألف جنيه فنصيب كل منكم عشرة آلاف جنيه ولكن وفاء الدين واجب وعلى ذلك يجب أن تصفى التركة وتؤدى الديون .

حامد زكي بك : إن هذا الكلام معقول لو كان واجباً .

معالي السنهوري باشا : في هذا الفرض تكون التصفية واجبة إذا رفع أمر التركة إلى القاضي .

الدكتور ملش بك : لا شك أن مصر تشعر بحاجتها إلى قانون خاص فيما يتعلق بتصفية التركات ، ولو صدر هذا التشريع الآن لكان متأخراً إذ كان من الواجب أن يصدر منذ زمن بعيد . فقد كان موضع البحث حين صدر قانون التسجيل في سنة 1923 ، حيث وجد أن بعض الورثة يتصرفون في أملاك مورثيهم قبل سداد ديونهم . وق اطلعت على محضر اللجنة التي وضعت قانون سنة 1923 والتي وضعت قانوناً مماثلاً للقضاء المختلط فوجدت أن بعض العناصر في هذه اللجنة طالبت بوضع هذا التشريع .

فالأمر – ما لم يصدر قانون تصفية التركات – لن يستقيم، خصوصاً وأنه كما قال عزمي بك أن الأحكام في هذا الصدد غير متشابهة . والذي أريد الوصول إليه الآن هو إنني وجوب إصدار تشريع في هذا الصدد ويستوي عندي أن يوضع في القانون المدني أو يفرد له قانون خاص لأن هذه مسألة شكلية لا قيمة لها والذي أريده هو أن يؤخذ عند وضع هذا المشروع بالمستحسن من أحكام القضاء الأهلي والمختلط في هذا الصدد. إنني بصريح العبارة لم أطلع على مشروع هذا القانون، وإذا كنت قد اطلعت على شيء منه ، فقد يكون هذا فيما يتعلق بالناحية التجارية .

وأخيرا أقول إن صدور هذا القانون أمر ضروري جداً للمحافظة على الثروة القضائية الموجودة في البلاد.

صادق فهمي بك: من المعقول أن يتضمن مشروع القانون المدني النص على هذه المسألة والذي يجب أن نفكر فيه جدياً هي مسألة المصفين أو " الصناديك" لأن هؤلاء كثيراً ما يبتلعون التركة .

معالي السنهوري باشا : وماذا نعمل ؟ أفي الوسع إيجاد تصفية من غير مصف؟

مصطفى الشوربجي بك : أظن أن هذه مسألة شكلية .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: هذه ليست مسألة شكلية لأنها متفرعة عن الموضوع نفسه . وارى مراعاة لمصلحتنا الاجتماعية أن يصدر قانون ينظم التركة. واني أناقش هذه المسألة من الناحية الموضوعية.

صادق فهمي بك: سنتولى مناقشة هذه المسألة عند مناقشة الموضوع . أرجو ألا يفهم كما فهمت اللجنة أن المراد هو استبعاد مشروع القانون بأكمله. لأنه لا باس من أن يصاغ القانون القائم وأن تضاف إليه المبادئ الجديدة التي يرى إضافتها وذلك بدلا من إيجاد قانون جديد.

الفكرة أننا عندنا الآن قضاة قضوا مدة طويلة في تطبيق القانون القائم وحفظوا موضوعه فالقاضي حين يدخل قاعة الجلسة يدخلها وهو ملم بأجزاء القانون الذي يتكون من 600 مادة والذي هو أساس عمله. فهذا القانون الأصلي لا يتأثر بإضافات ويمكن أن نجعلها بقوانين خاصة كقانون الشفعة.

يقال أن الإضافات جسيمة، وتقتضي تغيير الأسس نفسها وهذا قلب للقانون واعتقد أن هذا ليس منه بد .

حامد زكي بك : أبواب القانون الأساسية هي الالتزامات ، وتقسيم الأموال ، والعقود المسماة ، أما ما عدا ذلك من المسائل التفصيلية فيجب ألا يشملها القانون المدني .

معالي السنهوري باشا: في القانون القائم مادة وحيدة تنظم الملكية من حيث النطاق ووسائل الحماية ومن حيث القيود والملكية الشائعة وما يتصل بالملكية من مسائل كثيرة متفرعة لا تنظمها إلا مادتان لا تغنيان شيئاً . وفي المشروع الجديد زهاء خمسين مادة في هذا الشأن . ولا يوجد عن المسئولية التقصيرية إلا ثلاث مواد في القانون القائم.

الدكتور حسن بغدادي : إذا لم يكن هذا المشروع شاملاً فسنضطر إلى وضع قانون خاص لكل مسألة يراد فيها تعديل أو إضافة ، فسنضع مثلاً قانوناً للاستغلال وقانوناً لعيوب الرضا وقانوناً للمسئولية وقانوناً لحقوق الارتفاق وآخر لملكية الطبقات وهلم جرا .

معالي السنهوري باشا : أستطيع أن أضع الإضافات الآن جانباً وأن أحصر الموضوع في الأصل . فإذا كان الأصل غير قائم على أساس فيجب تصحيحه .

حامد زكي بك : لقد لمس السنهوري باشا النقط الحساسة واني على استعداد للتكلم فيها .

مما لا شك فيه أن كل التعديلات التشريعية التي حدثت في الخارج والتي لم يحدث مثلها في مصر ، والتي لا توجد لدينا تشريعات تقابلها منذ سنة 1875 إلى اليوم تناولت الموضوعات الآتية : الملكية – المسئولية – قوة العقد .

فهذه المسائل الرئيسية مست في الخارج بتشريعات على حدة ولكن في مصر لم يشعر المشرع بأن الضرورة ماسة إلى تناولها بالتعديل الكامل الشامل .

إنني من الناحية العامة أوافق على أن تكون هناك تعديلات تشريعية .

وأما الظاهرة الثانية إلى سنة 1948 فهي أن المشرع المصري لم يمس النواحي الثلاث التي أشرت إليها ، ففيما يتعلق بالمسئولية ، والقوة التعاقدية ، لم يدخل المشرع تعديلات ..

الرئيس : لقد كانت لنا ظروف خاصة وهي وجود الامتيازات ، ولنرجع إلى عام 1875 ولننظر إلى الحالة القضائية والاجتماعية والسياسية والفوضى التي كانت سائدة حينذاك – فلم تكن هناك محاكم ولا قضاة – لقد أتت الامتيازات الأجنبية ووضع لنا هذا القانون في مدة لا تزيد على الستة شهور ، وقد كان الإنجليز يمانعون في فتح المحاكم حتى استطاع فخري باشا أن يفتحها ـ، وانا لا اعتبر هذا التقنين مصريا بل لقد كان التقنين مأخوذا من التقنين الفرنسي والفقه الفرنسي ، وعلى ذلك فلا يصح القول بأن التقنين المصري قد سد الفراغ من سنة 1875 أو من سنة 1883 إلى اليوم وأنا أعتبر أن حضرة الدكتور حامد بك كان متجاوزا في هذا القول . إذ إنني لا اعتبره تقنيناً مصرياً لأن التقنين Code الحقيقي في مصر الآن هو التقنين Code الفرنسي .

حامد زكي بك : أؤكد لك أن القانون المصري الحالي المطبق في المحاكم ، مضافاً إليه أحكام المحاكم هي التي تعيش وتتطور وتتغير معه ، ويقول السنهوري باشا أن النصوص الموجودة في المشروع عظيمة ، ويقول أن الملكية في هذا المشروع مادتين ، الأولى ملكية مادية والآخرة ملكية معنوية ، وبجانب هاتين المادتين توجد نصوص أخرى .

معالي السنهوري باشا : لقد حددت المسألة . فقد أشرت إلى نطاقها وقيودها .

حامد زكي بك : النصوص الجديدة بدون شك – وانا أتكلم بالجملة لا بالتفصيل – هذه النصوص بدون شك في جملتها تعبر عن حق الملكية وعن نطاقها وقيودها . وهذا ما نفهمه في الوقت الحاضر . ولكنها موجودة في اجتهاد الفقه والقضاء .

معالي السنهوري باشا : إذن تكون قد فقدت مزية التقنين .

حامد زكي بك : إنني أقول فيما يتعلق بحق الملكية وتنظيمها أن النص الحالي الموجود في تشريعنا نص في حد ذاته مجرد تعريف لحق الملكية ، وقد ترك المشرع أشياء كثيرة لم يتعرض لها ولكنه تركها للفقه والقضاء ، وبدون شك فإن قيود الملكية التي كانت موجودة في سنة 1870 ليست هي قيود الملكية الموجودة في سنة 1948 ويحتمل أن توجد قيود أخرى في الغد – والتعريف والنطاق ما هو إلا موجز للحالة التي هي موجودة الآن ، ومطلوب من القاضي أن يطبق هذه النصوص ويفسرها وأن يقف عند هذه النصوص ، ويلاحظ أن المشرع قد ترك جزءاً كبيراً للفقه والقضاء .

معالي السنهوري باشا : إذا لم تدخل في التفصيلات فيكون مجمل كلامك أننا نكتفي بالقضاء ليكمل النصوص التشريعية وعلى ذلك يكون السؤال كالاتي : هل آن الوقت بعد أن قطع القضاة مرحلة السبعين سنة وأخذوا يكملون القانون الناقص ويصلحون العيوب الكثيرة فيه ؟ هل آن الوقت المناسب لمراجعة التقنين مراجعة شاملة؟ وهنا أرجو ملاحظة اعتبار أخر هو اندماج المحاكم الأهلية والمحاكم المختلطة. إن جميع هذه المبادئ القضائية وترتيبها يكفي وحده لجعل التنقيح الشامل ضرورياً ولن تقف ضرورة التنقيح عند هذا الحد فبعد 50 أو 60 أو 100 سنة ستجد من يقول لقد آن الوقت للتنقيح الشامل، لقد كان الأجانب يسيرون على أساس قضاء يختلف بعض الاختلاف عن القضاء الأهلي وأرى أن هذا هو أحسن وقت وأنسبه – سواء المصريين أو للأجانب – للتنقيح الشامل الذي يجمع لهم شتات المبادئ ويحسم وجوه الخلاف ويؤلف ما تنافر من مذاهب القضائين الأهلي والمختلط .

حضرة الشيخ المحترم محمد العشماوي بك: إن القضاء غير مستقر ، ونحن سنواجه الآن مرحلة جديدة .

الرئيس : على أساس هذه النظرية نجد أنه يستحيل علينا أن نجد الوقت المناسب الذي ننقح فيه التقنين .

حامد زكي بك : النتيجة المنطقية الأخيرة قياسا على ذلك هي أن كل تقنين Code أو كل يرتكز على عوامل سياسية وعوامل متصلة بالمثل العليا وعوامل اقتصادية وقانونية . وأنا لدي أربعة عوامل أساسية تؤثر على كل تقنين، السنهوري باشا يقول أن القانون الحاضر قانون لم يقم على أسس سليمة ، ولكي أكمل إجابتي أحب سماع الأسس السليمة.

معالي السنهوري باشا : كلنا نعرف كيف وضع قانوننا وانا أريد منك أن تحدد معنى العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

حامد زكي بك : إنني سأحددها .

صادق فهمي بك : أريد أن أتكلم أولا - فمسألة التعديلات في القانون كانت محل جدل – هل هذا الوقت المناسب أم لا للتعديل ، وهل التعديل قد أتى وقته أم لا ؟ مسألة التعديل وكونها ضرورية أم لا ، من المتفق عليه أن بعض تعديلات يجب إدخالها بقدر الحاجة إليها وبقدر المستطاع ، لا أن تأتي طفرة واحدة لأن هناك اعتبارات فيما يختص بوظيفة القاضي ، لأن القاضي الأهلي – عندما تلغى المحاكم المختلطة – ستكون أمامه قضايا عديدة ، وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يطبق على هذه القضايا القانونين المختلط والأهلي وأنا أعرف أن القانون المدني قريب جداً من القانون المختلط ، وبهذا يستطيع أن يسير دفة العمل مع خطأ بسيط . ولقد تشرفت أمس بمقابلة جلالة الملك بمناسبة حلف اليمين الدستورية وقال لنا يهمني سرعة الفصل في القضايا ففي الوقت الذي يطبق فيه القانون المختلط على القضايا الأجنبية ويطبق فيه القانون الأهلي على القضايا الأهلية نأتي ونقول أن القضايا الجديدة يجب الرجوع فيها إلى النصوص الجديدة . أنا أقول انه يجب على القاضي أن يقف عليها ولكن عند التطبيق يطبق القانونين الأهلي والمختلط ويقضي بهما على أساس أنهما قانون واحد وبهذا نضمن سرعة الفصل في القضايا. والمصيبة كل المصيبة على القاضي الأهلي. أرجو أن تذكروا هذا القاضي الذي سيكون أمامه كل القوانين التي يريدون أن يقلبوها، وأؤكد لكم أن القاضي المصري سيقع في حيرة من أمره ، وهذا رايتا ، وأنت تقول لا ، فهو يجتهد أن يتعلم القانون المدني الجديد والقانون المختلط ، وأؤكد لكم أن النتيجة الحتمية هي هذه . لقد وضع الأستاذ بكمان مذكرات عن التشريع الجديد، وقال انه لا لزوم للتعديل الكلي وإن كان ولابد فلتدخل بعض التعديلات القصوى.

الرئيس : هناك مثلا باب الالتزامات ، وهو أهم باب ، أؤكد لك أن القاضي لن يتعب فيه بل الواقع انه سيرتاح . إننا لم نات بنظريات حديثة ولم ننتقل من نظام إلى نظام بل إن هناك أحكاماً كانت المحاكم تختلف فيها ، فقطعنا فيها برأي مجمع عليه ووضعناها ونظمناها حتى لا يقع القاضي في حيرة .

صادق فهمي بك : انتقل بعد ذلك إلى الكلام عن مسألة المصادر ، فأوجه إليها النظر لأنها خطيرة جدا .

الرئيس : والآن نتكلم في مسألة المصادر ، لقد قيل أن اللجنة أخطأت في أنها لم تأخذ المصادر من الشريعة الإسلامية .

صادق فهمي بك : أرجو سعادة الرئيس أن يسمح لي بعرض نظرية المصادر وأرجو حضراتكم جميعا الانتباه إلى ما سأقوله لأن هذه هي المسالة الأساسية في المشروع ، وهي فنية ودقيقة جداً .

عندما تريد أن تعدل أحد القوانين يجب أن نحدد الطريقة الفنية للتعديل . وإني آسف أن أقول أن الحالة الراهنة كما هي الآن في غاية الاضطراب والغموض.

يجب فيما يتعلق بهذه المسألة أن نتفق على فكرة أساسية – وإلا فلن تؤدي هذه المناقشات إلى نتيجة – وهي قواعد عامة، أو أصول، أو مبادئ، لا يمكن فهمها إلا بالرجوع إلى أصولها أو مصادرها. وذلك لأنه لا يوجد قانون في العالم يلم بجميع التفاصيل. ولذلك جرى التشريع في العالم وعند الأمم الأجنبية، أن تكتفي بوضع القواعد، وترجع هذه القواعد إلى مصادرها الأصلية.

لأضرب لكم مثلا الدعوى البوليصية وماذا نعمل من أجلها، إننا عند تطبيقنا ترجع فيها إلى أصلها في القانون الفرنسي القديم ، والقانون الروماني ، وهذان هما المصدران اللذان يسهلان علينا التطبيق .

فهذه الأصول لدينا بمثابة مخزن الذخيرة الذي نرجع إليه دائماً، إلى جانب القانون القائم . ولا يمكن أن نخطئ في التطبيق لأن هذه المصادر بحثت بحثاً فنياً دقيقا في فرنسا ولها أصول معروفة ، فنحن لدينا قانون له مصادر من السهل الرجوع إليها ، والى جانب هذا لدينا أيضا ذخيرة مصرية . فنحن نسير جنباً إلى جنب مع أحكام محكمة النقض الفرنسية.

مصطفى الشوربجي بك: تختلف المبادئ القانونية في بعض الأحيان عن بعضها فالتقنين ضروري لإيضاح وجهها. فمثلا فيما يختص بمسئولية السيد عن فعل خادمه إذا ارتكب جريمة قتل أثناء تأديته عملا خارج حدود وظيفته، فهل يكون سيده مسئولاً عن ذلك.

الرئيس: لقد استعرضت اللجنة كل هذه المسائل.

مصطفى الشوربجي بك : أريد أن أقول إننا لو وكلنا الأمر إلى الذخيرة التي لدينا قد نجد لقضائنا رأيا غير القضاء الفرنسي ، فهناك من القضايا ما يستوعب كثيراً من الذخيرة، ومنها ما تغني عنه الذخيرة المحلية .

صادق فهمي بك : إنني أوافق على بحث المسائل التي تريد بحثها وفيما يتعلق بمسئولية السيد عن خادمه يمكن الرجوع إلى أحكام القضاء الفرنسي لأخذ الحكم الملائم والأصلح مادام أن ذخيرتنا في هذه مرتبكة . وهناك مسائل يجب أن تترك للنظريات العامة ، ولا يستطيع القاضي أن يعمل إلا إذا رجع إلى المصادر التي تنير الطريق أمامه .

إذا عرفنا النصوص التي وجدت ، فمن الضروري أن نعرف كيف نفسرها ونحدد معناها ، وتحديد المعنى يجب فيه الرجوع إلى المصادر .

وفي كل القوانين يضطر القاضي إلى احترام المذكرة الإيضاحية التي تتضمن عادة النص على المصادر التي رجعت إليها.

كلنا متفقون على أن هناك ثلاثة مصادر هي :

القانون المقارن ، الشريعة الإسلامية وأحكام القضاء .

عندما بحثت هذه المسائل وجدت أن مشروع القانون في صياغته استنبط من عدة تشريعات ، واني أؤكد هذا في حين أن الحكومة تقول أنها قد استنبطته من القانون الحالي، واسمحوا لي أن أخالفها في ذلك كل المخالفة .

الرئيس : أرجو صادق بك أن يتكلم في الأحكام أولا .

صادق فهمي بك : إنني أتكلم في اهم مسألة .

الرئيس : أرجو صادق بك أن يفرق في الكلام بين الصياغة وبين الأحكام التي تتعارض مع أحكام المشروع .

صادق فهمي بك: الأصل في المناقشة هو أن تحدد الحكومة المصادر التي رجعت إليها عند وضع هذا التشريع، حتى يستطيع القضاة الرجوع إليها عند الحاجة، كما هو حادث الآن حينما نرجع إلى القانون الفرنسي مثلاً .

معالي السنهوري باشا: أريد أن اسجل الآن أن أحكام هذا المشروع ترجع في ثلاثة أرباعها أو أربعة أخماسها إلى أحكام القضاء المصري والتقنين الحالي، فيما عدا الإضافات الحديثة التي أشير إليها الآن مثل حوالة الدين والجمعيات والمؤسسات التي إن جمعت فإنها لن تتعدى الخمس .

فإذا استطاع صادق بك أن يدلني على نص في المشروع غير مأخوذ من أحكام التقنين المصري أو التقنين الحالي إلا حيث أردنا عن قصد أن نعدله، لأن التعديل كان ضروريا – فليتفضل وذلك لكي تكون المناقشة مجدية.

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: الذي أراه هو أن يحدد صادق بك المواد التي تتعارض في مشروع القانون المقترح مع مواد التشريع الحالي، وهذا هو المهم ولا تعنيني مسألة المصادر .

صادق فهمي بك : وكيف يقال هذا ؟

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا: نحن نتكلم في صميم الموضوع ، ويحب أن تبين لي كعضو في مجلس الشيوخ تعارض النصوص التي تضمنها المشروع مع نصوص القانون الحالي .

معالي السنهوري باشا : إنني أوافق معالي حلمي باشا فيما قاله كل الموافقة . وهذا هو النحو الذي يجدر بنا أن نتبعه في المناقشة .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : إنني كرجل قانوني مسئول عن قبولي لهذه النصوص أريد أن أعرف وجه التعارض بين مواد المشروع والقانون الحالي ، وأي المواد لا تتفق مع الشريعة الإسلامية ، وبذلك ننتهي إلى حل موفق ، وأرجو أن يعلم حضرات المستشارين أننا نقدر آرائهم كل تقدير ،

صادق فهمي بك : سأبين لحضراتكم عيوب النصوص إذا أخذت من مشروع أجنبي .

الرئيس : ما هي المواد التي تتعارض مع أحكام المحاكم والقانون الحالي ؟ فإذا وجدنا بعد ذلك أن الأحكام تغيرت كثيراً ، ننتقل بعد ذلك إلى الصياغة .

معالي السنهوري باشا : لا محل للخوض في المصادر الآن لأنها تتصل بالاستئناس في الصياغة ، والذي يعنينا هو مبلغ اتفاق موضوع الأحكام مع ما استقر في تقنينا وقضائنا .

صادق فهمي بك : هل تعتبر اللجنة أن مسألة المصادر لا لزوم لها .

معالي السنهوري باشا : لقد قلت بصريح العبارة ألا محل للخوض في المصادر الآن لأنها تتصل بالاستئناس في الصياغة .

صادق فهمي بك : إننا نختلف مع معالي الوزير في هذا .

معالي السنهوري باشا : إن القاضي لن يتعثر مطلقاً ، لأنه إذا رجع إلى المذكرة التفسيرية سيتلو هذه الفقرة التي جاءت في تقرير مجلس النواب ونصها : " إن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أخذت منها . ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطور، فإن هذا حتى لو كان ممكناً، لا يكون مرغوباً فيه فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيها، ويحيا حياة قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالاً تاما عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه، أياً كان هذا المصدر.

وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل. ولكل من القضاء الفقه بل على كل منهما ، عند تطبيق النص أو تفسيره أن يعتبر هذا النص قائماً بذاته منفصلاً عن مصدره ، فيطبقه أو يفسره تبعاً لما تقتضيه المصلحة ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد وتساير مقتضيات العدالة . وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم الحياة القومية ، وتثبت ذاتيتها ، ويتأكد استقلالها ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي ، يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي ما يجعل أثرهما ملحوظاً في التطور العالمي للقانون ".

صادق فهمي بك : (مستمراً) .... وسأضرب مثلاً بسيطاً، فالمادة 97 من مشروع مجلس النواب والتي أصبحت المادة 95 من المشروع الذي وافقت عليه لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تقول : " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها ، اعتبر العقد قد تم ، وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقاً لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة".

الرئيس : نحن متفقون على الحكم في ذاته ... .

صادق فهمي بك : لا .

الرئيس : عندما تكون المسائل الجوهرية منصوصاً عليها في العقد .

حامد زكي بك : هذا مثل جديد ، لأن القاضي سينتقل من على كرسيه ويحل نفسه محل العاقدين .

صادق فهمي بك : ما هو الحاصل في هذه النظرية ؟ المفهوم أنه إذا اتفق طرفان على شيء وضمنا هذا الاتفاق مسائل جوهرية ثم قالا إن الاتفاق احتفظ به، فكلمة احتفظ هنا لها معنى في اللغة، لم يقل أحد بأن العقد ينفذ كيفما كان، بل إن هنا كبعض مسائل تكون موضع اتفاق خاص ، وسأضرب مثلاً . لنفرض أننا أجرنا محلا واحتفظنا وقلنا فيما يختص بالأرضية وفيما يختص بكيت وكيت وكيت نحتفظ لأنفسنا بالاتفاق عليه فيما بعد، فالقصد من كلمة احتفظنا هنا معناه أن العقد لم يتم نهائياً. المفهوم أنه إذا احتفظ بمسائل ستفق عليها فيما بعد ، كان معنى ذلك أن العقد لا يتم إلا إذا حصل الاتفاق ، ولكن المشروع يقول لا ولو أنكم احتفظتم بمسائل ، ولم تقولوا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها ، يكون للقاضي أن يكمل التحفظات .

(ثم أخذ في تلاوة نص المادة مرة أخرى)

إنني سأفسر هذا الكلام. أنا عندما اتفق مع شخص على نقط تفصيلية وأقول له إنني احتفظ لنفسي بهذه النقط لكي نتفق عليها فيما بعد، فمعنى هذا عندي أنا يا قاضي مصري انه لم يتم الاتفاق بعد – بمعنى يكون العقد ناقصاً – لأن الرضا لم يتم بعد وهو أيضاً معتبر ناقصاً لأن الرضا في العقد لابد أن ينصب على جميع عناصر العقد، ومادامت جميع عناصر العقد موقوفة ، فإن العقد يعتبر كأنه لم يتم .

ولقد نظم القانون البولوني العقد بطريقة حسنة جدا. والذي أريد أن أقوله هو إنني لو أخذت نصوصا كهذه وذهبت إلى المحكمة لأترافع فرب قائل يقول لي أن هذا العقد لم يتم بعد – ويقول إننا احتفظنا صراحة بكيت وكيت للاتفاق عليها فيما بعد – لأنه يعتبر كلمة الاحتفاظ كأنها شرط مكمل لقيام العقد. وتقول المادة في نهايتها ما نصه: " وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة ".

معالي السنهوري باشا: المسائل التفصيلية أكملها حسب العرف مادام أن المتعاقدين لم ينصا على اعتبار العقد غير تام من جراء عدم الاتفاق على هذه المسائل.

حامد زكي بك : يصح أن أرى المسألة تفصيلية ، وترى معاليك أنها مسألة أساسية فالمسألة إذن شخصية Subjective.

صادق فهمي بك : إذن فكيف نعدل المادة .

معالي السنهوري باشا : هل تريد أن تحذفها ؟

صادق فهمي بك : لقد وضعت تعديلاً لهذه المادة .

الدكتور بغدادي : هذا التعديل هو الذي أريد أن أتكلم فيه .

الرئيس : أنا أرى أن المسألة المعتبرة في العقد اكثر غموضاً هي في المسألة الجوهرية والمعتبر في الوضع عند فقهاء الشريعة الإسلامية أنهم نصوا في عقود البيع على مسائل هي التي تكون معتبرة في العقد . ولقد كان هذا النص موضع بحثنا، والآن ما الذي يريده صادق بك.

صادق فهمي بك : أن ترفع من النص كلمة الاحتفاظ ، وهي الكلمة التي اخشى منها كثيراً.

معالي السنهوري باشا : لقد قلت في مشروعك : " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل المعتبرة في صحة العقد .... الخ ". إذن فكيف يتفق الطرفان؟ أنا كقاض عندما يكون عندي هذا النموذج وأطبقه أقول إن هذا مأخوذ من الشريعة الإسلامية وصحة العقد في الشريعة الإسلامية تختلف تماماً عن صحة العقد في القانون الحالي.

صادق فهمي بك : نحن الآن نتكلم في الاحتفاظ .

معالي السنهوري باشا : أضيف إلى هذا أنه ورد في الشرح ما نصه : " ومهما يكن من أمر .... احترام هذه الإرادة " لم يقم الدليل على أن المتعاقدين لم يريدا هذا صراحة أو ضمناً ، فالاحتفاظ ليس ضرورياً بالكلام بل يكفي أن يفهم من الظروف والملابسات .

مصطفى الشوربجي بك : في بعض الأحيان يوجد شرط في العقد ولكن لم ينص فيه على أنه في حالة ما إذا لم يأخذ به أحد الطرفين يكون باطلاً أو غير باطل . وكثيراً ما تعرض على المحاكم مسائل من هذا النوع، فالمحكمة إزاء هذه الحالة تبحث فيما إذا كان الشرط جوهرياً أم غير جوهري، ولا يقال هنا أن المحكمة قد حلت محل إرادة المتعاقدين بل إن المحكمة قد فسرت العقد فقط.

حامد زكي بك : تقول المادة 97 هناك عناصر أساسية للعقد لابد أن يتفق الطرفان عليها، أما ناحية المسائل التفصيلية فمعالي السنهوري باشا يأخذها من الناحية الموضوعية Objective بينما أنا أرى أن المسائل التفصيلية ، إنما هي مسائل شخصية Subjective يرفعها المتعاقدان إلى مرتبة المسائل الأساسية ، والذي يجري الآن - وهو من أحكام المحاكم – والموجود في هذه المذكرة ، بكل اسف لا يتمشى مع هذه النظرية . إن الإنسان لا يكتشف هذه المسائل في العقد على أساس الإرادة الضمنية للمتعاقدين، بل يستمدها من نص القانون، والقاضي – بموجب هذا النص – ملزم بان يكمل كل مسألة تفصيلية بما يمكنه أن يستخلصه من العقد صراحة فالذي أقوله إن خطورة النص هي في أنها تلزم القاضي أن يكمل جميع ما يعتقده. وهذا ما افهمه من النص.

معالي السنهوري باشا : وما يرى أن المتعاقدين أراداه صراحة .

حامد زكي بك : هل يعتقد معالي الوزير أن هذه المادة تعطي للقاضي سلطة.

معالي السنهوري باشا : إن المادة تعطي للقاضي السلطة في استخلاص نية المتعاقدين على ضوء ما تعارفه الناس .

حامد زكي بك : إذن لا يكون تحرير المادة كذلك .

معالي السنهوري باشا : إذن فليتفضل حامد بك باقتراح الصياغة التي يراها .

عزمي بك : لو حذفت هذه المادة فإننا نطبق حكمها فهي ليست إلا تقريراً للمبادئ العامة .

حامد زكي بك : عندما يكون أمامي خلاف على عقد فاني ارده إلى الإرادة الصريحة أو الضمنية . ولكن هذا النص رد الأمر إلى المشرع الذي يطلب إلى القاضي أن يكمل للناس عقودهم حتى ولو لم يكن هذا ضمن إرادتهم الصريحة أو الضمنية .

الرئيس : فليضرب لنا حامد بك أمثلة عن أحكام أخرى .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : إن المسائل التفصيلية غير المسائل الجوهرية .

حامد زكي بك : ما أريد أن أقوله هو أنه يجب ألا نعطي للقاضي عملاً غير قضائي .

حضرة الشيخ المحترم محمد حلمي عيسى باشا : جرت العادة على أن يرجع القاضي عند غموض النص النصوص إلى طبيعة المعاملات وأحكام القضاء والعرف والعادة .

 صادق فهمي بك : الكلمة التي تضايقني في المادة هي كلمة " الاحتفاظ " .

معالي السنهوري باشا : أتلو على حضراتكم نص هذه المادة .

إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية ... الخ

صادق فهمي بك : التعبير ركيك فاحذفوا كلمة " الاحتفاظ " وهذا نموذج شرعي.

الرئيس : نحن متفقون على جوهر الحكم ، وقد تكون الصياغة أدت إلى معنى غير المقصود .

صادق فهمي بك : إذن لتحذف كلمة " الاحتفاظ ".

معالي السنهوري باشا : هذه الكلمة قد فسرت بأن الاحتفاظ قد يكون ضمنياً .

صادق فهمي بك : إن وجود هذه الكلمة يترتب عليه إشكالات كثيرة .

الرئيس : نحن الآن بصدد أحكام فلو سلمنا أن النص معيب فنحن متفقون على الحكم ونريد من صادق بك أن يضرب لنا بعض الأمثلة عن المصادر وكذلك الأحكام .

صادق فهمي بك : لدينا أشياء كثيرة ناقصة في التشريع يجب أن نكملها . فمثلا الإرادة المنفردة في حالة الوعد بالجائزة، الالتزام غير قائم إذا اشترط انه قبل بدء العمل لا يكون هناك التزام. والقاضي يرجع في تفسير عقد الإرادة المنفردة إلى القانون الألماني في مادته 757 فإذا حدث إشكال وجب على القاضي الرجوع إلى مصادر التقنين.

الرئيس : ماذا يكون حكم القضاء لو أن شخصاً ما أعلن عن جائزة قدرها عشرة آلاف جنيه إذا اكتشف أحد مادة لإبادة دودة القطن وحدث أن شخصاً اكتشف هذه المادة .

صادق فهمي بك : في هذه الحالة يُحكم بدفع المبلغ .

الرئيس : إلى أي شيء ترجع المحاكم في هذا الصدد .

حامد زكي بك : ستقضي المحكمة في هذه الحالة بمقتضى الأحكام العامة .

معالي السنهوري باشا : في مصادر القانون الإرادة المنفردة غير العقد .

حامد زكي بك : لا يوجد نص .

معالي السنهوري باشا : نفرض أن شخصاً أعلن انه مرتبط بدفع مبلغ معين لمن يجد مبيداً لدودة القطن ولم يقرأ أحد هذا الإعلان ، أو يفكر في إيجاد هذا الدواء . فهل المعلن ملتزم أو غير ملتزم في هذه الحالة؟

حامد زكي بك : هذه المسألة وأشباهها عرضت على القضاء مراراً وعلى الأخص في فرنسا وقضي فيها .

معالي السنهوري باشا : على أي أساس قضي فيها ؟

حامد زكي بك : على أساس قوة الإيجاب وحدها .

معالي السنهوري باشا : هذا هو بالضبط ما قرره المشروع على أن صادق بك يقول خذوا بعقد الجعالة واتركوا كل هذا ، أتعرفون حضراتكم ما هو عقد الجعالة ؟ إن عقد الجعالة عند المالكية لا يتم إلا بتقابل الإرادتين ، إيجاب وقبول .

لو فرض أن شخصاً وعد بشيء وارتضى شخص أخر هذا الوعد – ليس هذا فقط – بل وشرع في العمل ، فان مثل هذا الوعد غير ملزم في الفقه الإسلامي في كل المذاهب الثلاثة. وفي مذهب المالكية توجد عشرة أقوال، قول واحد منها هو الذي يجعل الوعد ملزماً وهو عندما يدخل الموعود في السبب، لذلك جاء في عقد الجعالة ليبين أن ارتباط الإيجاب بالقبول لا يكفي بل لابد أيضاً من البدء في التنفيذ. فأين عقد الجعالة في الشريعة الإسلامية من مجرد الوعد بجائزة في المشروع. عقد الجعالة عقد فيه إيجاب وقبول وبدء في التنفيذ، أما الوعد بجائزة فمجرد إرادة منفردة، انظروا إلى ما يحدث من اضطراب كبير عندما ننقل دون تدبر أحكام الفقه الإسلامي، هذه هي نصوص الشريعة التي أتى إلينا بها صادق بك وهو لا يتبين الفروق الجوهرية بين هذه النصوص ونصوص الشرع.

صادق فهمي بك : لقد جاء في نص المشروع ما يفيد أن صاحب الوعد له الحق في أن يسترد وعده طالما أن الطرف الآخر لم يبدأ . والذي نريد أن نقوله إنه ما دام في مقدور هذا الشخص أن يسحب وعده فلا إلزام.

معالي السنهوري باشا : أتلو على حضراتكم نص المادة : " إذا لم يعين الوعد ... الخ " .

صادق فهمي بك : نحن نتكلم في الشريعة .

معالي السنهوري باشا : الشريعة لا تجيز ما تقوله . فلو جاء شخص بمقتضى عقد الجعالة وقال إنني ملتزم بكذا في مدة كذا ، فإنه لا يلتزم . بل لو أن شخصاً أخر قبل هذا الوعد فإن الواعد يبقى غير ملتزم بوعده.

حامد زكي بك : أنا لا أتكلم في الشريعة .

الرئيس : لقد نقدنا صادق بك نقداً مرا قائلا كيف تقولون " الإرادة المنفردة " لقد وجدنا - نحن المشرعون – أن المحاكم تحكم بها ولكنها تتحايل على أية قاعدة تحكم بها .

معالي السنهوري باشا : هذا شرط الجعالة ، والغريب أن واضع النص ....

صادق فهمي بك : عقد الجعالة والوعد بجائزة – عند الشرعيين – انفرد به مالك ... .

معالي السنهوري باشا : أنا لم أتكلم إلا عن مذهب مالك أما الجعالة في مذهب الحنفية فهي أبعد ما تكون عن الوعد بجائزة .

صادق فهمي بك : الذي تريد أن نقوله هو أنه عندما تكون لدينا في الشريعة ثروة فيجب أن نستفيد منها ونجتهد لندخل عليها ما نريده فإذا وجدنا نصاً يساعدنا على أن نبرز هذه الثروة أخذنا به ، مثل مسألة سوء استعمال الحق المأخوذة من نص ألماني . فأخذها من الشريعة الإسلامية وأبين مراجعها الفقهية.

معالي السنهوري باشا : إذا يجب أن تترك مثل الجعالة . فكل ما أوردته في هذه المسألة خطأ محض .

الرئيس : الحكم في حد ذاته مقبول من الطرفين فعندما أقول إنني سأدفع مبلغ 2000 جنيه لمدة شهر فأنا ملزم بهذا .

معالي السنهوري باشا : لقد أخذنا بهذا الحكم ، ولكننا لم نأخذه من الفقه الإسلامي وقد طبقناه في الإيجاب الذي حدد له ميعاد ، وهناك بعض تطبيقات أخرى منتثرة في نواحي القانون .

حامد زكي بك : هذا النص محدد . وهناك حالات أخرى فيما يتعلق بالشخص المظهر للورقة التجارية .

معالي السنهوري باشا : الإيجاب من غير ميعاد غير ملزم .

حامد زكي بك : ليس المقصود هنا الإرادة المنفردة كمصدر من مصادر الالتزام بضفة عامة .

معالي السنهوري باشا : كنا وضعنا في المشروع التمهيدي الإرادة المنفردة كقاعدة عامة . ولما ذهبنا إلى لجنة المراجعة اختلفنا . وقالوا لنا أن الإرادة المنفردة كمصدر عام للالتزامات يعتبر خطوة جريئة ويجب أن تتريثوا وقد قالت لجنة المراجعة أنه يحسن ألا تأخذ الإرادة المنفردة كمصدر عام لكل الالتزامات ، وعلى ذلك حذفنا هذا النص واستبقينا الإرادة المنفردة في خصوص الوعد بالجائزة وفي الإيجاب إذا حدد له ميعاد . وفي هذه المناسبة أقول أننا كنا نسير بمنتهى التحفظ والحرص على التقاليد اللاتينية التي ينصحنا صادق بك فهمي بأن نحافظ عليها .

حامد زكي بك : إن المادة 166 ترتب آثارا ولا تعطي حالة خاصة .

معالي السنهوري باشا : انك تقرأ مادة وتعممها ، بينما هي تنحصر في حدود معينة . نحن عند بحثنا للعقد وجدنا أن كل إيجاب وقبول يوجدان عقداً، فهل وجدت أننا قررنا قاعدة كهذه في الإرادة المنفردة.

حامد زكي بك : من الناحية الموضوعية ، عادة التشريعات المأخوذة عنها هذا النص تضع قيوداً ، وهنا توجد بعض القيود ولكن هذا القيد لم استطع أن أبين له وجوداً ، أنا أريد أن تبين لي المادة التي فيها حق المطالبة بالجائزة .

معالي السنهوري باشا : المادة التي تشير إلى ذلك هي المادة 166 والتي أصبحت 162 وقد جاء فيها ما نصه : من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين التزام بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها وإذا لم يعين الواعد أجلاً للقيام ... وتسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة اشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور .

فهو في الحالة العادية عمل إعلانا وقال إنه مقيد بمدة كذا فأتى شخص وقام بالعمل حينئذ يكون الشخص الأول ملتزما والسياسة التشريعية التي التزمناها هي أن كل دعوى تأتي من العقد أو من الإرادة بوجه عام تسقط بمضي خمس عشرة سنة لأن الملتزم قد ارتضى الالتزام دينا في ذمته. أما الالتزامات التي لا تنشأ عن الإرادة أي الالتزامات غير الإرادية كتلك التي تنشأ عن العمل غير المشروع وعن الإثراء بلا سبب فتسقط بوجه عام بمضي ثلاث سنوات .

صادق فهمي بك : نرجع إلى الفكرة الأساسية .

الدكتور ملش بك : مسألة الإرادة المنفردة في الواقع ليست جديدة على التشريع المصري الحالي ، والواقع أن شراح القانون المدني وخصوصاً المصريين ، يغفلون بعض تطبيقات جاءت بالتشريع البحري ، فمثلا لا تزال محكمة النقض ترى أن المشرع المصري لم يتعرض إلى المسئولية الشيئية بينما المشرع البحري في القانون البحري تكلم عن المسئولية الشيئية ، فقد فرض على أصحاب السفن تعويضات بمجرد أنهم Engagement دون أن يقرر إن كانت هناك مسئولية على البحارة أم لا .

وفيما يختص بالإرادة المنفردة أقول إن هذه المناقشة ذكرتني بموضوع خاص بالتشريع البحري وموجود فيه ألا وهو موضوع " التأجير باللم " والمراد بهذا أن صاحب السفينة أو ربانها كان يعلن في المنطقة التي سيبحر منها سواء أكانت البصرة أم أي بلد أخر من بلاد الشرق – وقد كانت الأسفار في ذلك الوقت قليلة – كان يعلن أن هذه السفينة ستبحر في يوم كذا إلى جهة كذا. وقد كانت هذه الحالة شائعة كثيرا في العصور المتقدمة. وأنه على استعداد لشحن أي بضاعة وينقلها إلى الجهة التي سيسافر إليها لمن أراد ذلك، وقد كان صاحب السفينة إزاء هذا قائماً على التزامه في المدة التي يقررها العرف التجاري أو البحري، وقد تكون هذه المدة 15 يوماً وقد تكون شهرا أو شهرين، أما ترون وألا تعتبرون هذا العقد الذي يسمى " التأجير باللم " على حد تعبير ، إرادة منفردة ، وأن المشرع البحري سبقكم إلى تطبيق الإرادة المنفردة .

الرئيس : هل ترضى عن الحكم ؟

الدكتور ملش بك : نعم أنا راض عن الحكم ، ولا تؤاخذوني إن قلت أن السنهوري باشا لم يأت بجديد .

الرئيس : إننا نتساءل ما هي الأحكام التي أتينا بها وتخالف الوضع سواء من التقنين أو من الأحكام الأخرى .

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني: الواقع أن هذه المناقشة - وهي مناقشة مفيدة – هي الأولى من نوعها في مثل هذه الأمور ولذلك فإني أرجو أن يُمد أجلها ولو إلى وقت قريب خصوصاً وأنه قد أبديت رغبة من جانب حضرات المستشارين كي يبينوا موضع الخلاف الذي بيننا وبينهم فيجب أن نعطيهم الفرصة ولو لمدة أسبوع ولا بأس في هذا وكذلك إذا رأيتم حضراتكم أن تكلف نقابة المحامين إن أرادت كي تبين رأيها في موضوع الخلاف يكون هذا فضل عظيم من حضراتكم .

معالي السنهوري باشا : السؤال الآن هو هل يراد لمشروع القانون المدني ان يخرج إلى حيز التنفيذ أم لا ؟

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : لا شك أننا نريد له الخروج .

معالي السنهوري باشا : إذا كان الأمر كذلك فيجب أن يصدر القانون بأسرع ما يمكن خصوصاً وأنه يجب أن نعطي لحضرات القضاة والمحامين والأساتذة فرصة دراسة هذا القانون . فأقل مدة تلزم لذلك هي سنة فإذا أقره مجلس الشيوخ الآن فليس أمام حضراتهم إلا سنة وبعض الأشهر وهذه المدة تكاد لا تكفي فإذا قيل الآن أنه يراد تمحيص المشروع فبكل رحب وسعة إذا وجد ما يدعو لذلك . ولكن هذا المشروع عرض للاستفتاء لمدة ثلاث سنوات فإن لم يصدر في هذه الدورة فسيكون صدوره متأخراً .

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : لم يقل أحد هذا .

معالي السنهوري باشا : إذن وفق لي بين كل هذه الاعتبارات وبعضها . ولنستطيع أن نوفق بينها فينبغي على أكثر تقدير أن ينظر المشروع من حيث المبدأ أمام مجلس الشيوخ في الأسبوع القادم فالذي يهم المجلس هو المبدأ أما فيما يتعلق بالنصوص فإننا على استعداد لتلقي كل الملاحظات في الأسبوع القادم . وإنني على استعداد لمناقشة كل من له ملاحظات على النصوص في أي وقت يشاء خصوصاً وأن عبد الرحيم بك غنيم له ملاحظات .

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : رجائي أن تكتب اللجنة كتاباً إلى حضرات المستشارين رداً على خطابهم الذي وجهوه إلى سعادة الرئيس ، بأنه لا مانع لديها من سماع كلامهم .

الرئيس : لقد نسب إلي عبد الرحيم بك ما لم يخطر ببالي .

عاذر بك : نحن آسفون جداً .

الرئيس : لا شك أن مشروع القانون ملك للامة المصرية كلها .

الأستاذ عبد الفتاح الشلقاني : إن الدعوة الكريمة التي وجهتها اللجنة هي الأولى من نوعها في تاريخ حياة اللجان التشريعية .


 

محضر الجلسة السابعة والعشرين(6)

المنعقدة في يوم الثلاثاء أول يونية سنة 1948

صادق فهمي بك : أريد أن أقول كلمة صغيرة في أن هناك بعض اعتراضات على نص المادة الخاصة بالإرادة المنفردة فقد رأيت أن أعترض بعدم صحة المراجع وقد كنت طلبت من هيئة حضرات رجال الأزهر برئاسة الأستاذ الشيخ الشربيني عضو هيئة كبار العلماء وعضوية الشيخ العتريس وكيل هيئة كبار العلماء إبداء الرأي في المشروع ، والفضل في تكوين هذه الهيئة يرجع إلى فضيلة المرحوم الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق وقد زرته وطلبت إليه المساعدة والمعاونة في خدمة بلدنا فيما يمكن الاستفادة به من الشريعة الإسلامية على وجه يساير العصر الحديث ، وقد طبع هؤلاء العلماء طبعة لهذا المشروع ولما راجعوا هذه النصوص وبلغتهم ما حصل احتج فضيلة الأستاذ الشيخ الشربيني ، وقد وضعوا المراجع الصحيحة التي لا نقبل فيها جدلاً ونعلن باسمنا أننا مسئولون عنها .

معالي السنهوري باشا : المراجع كلها خطأ والنظريات الموجودة جميعها خطأ وكنت أرجو أن يحضر العلماء إلى اللجنة ليدلوا بآرائهم .

صادق فهمي بك : لقد أتيت إلى هنا للإدلاء برأيي وأؤدي ما في ذمتي من واجب ، فنحن نطعن في الأسس من الوجهة الفنية ولابد من إصلاحها كما أريد أن أقول شيئاً أخر وهو أن القاضي في 15 أكتوبر سنة 1949 سيحكم بالقانون المدني الأهلي بالنسبة للقضايا الموجودة بالمحاكم الأهلية وفي القضايا المختلطة بموجب القانون المختلط وسيحكم بموجب القانون المدني بالنسبة للقضايا الجديدة وأنا سأتكلم بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن زملائي .

معالي السنهوري باشا : تتكلم عن نفسك ، هذا مقبول ولكن عن زملائك فلا ، لأن أحدهم قال أنه لم يوقع ولما طلبت إليه تقديم اعتراضاته أبى .

صادق فهمي بك : وأريد أن أثبت في المحضر أن زملائي يطلبون المهلة التي طلبوها كي يقدموا ملاحظاتهم وهم سيقدمونها في الموعد الذي حددوه . كنا نتكلم عن المسائل الأساسية التي تهمنا وقلنا أنها أربعة مسائل، الأولى: وهي هل التعديل يجب أن يكون كلياً وقد حصل على الإجابة خلاف في كل العالم ولا أرى مانعاً من أن تبدي الأقلية رأيها في هذا الصدد ومع الإجلال والاحترام لجميع الأساتذة الكبار أقول إنه ربما إذا أبدت الأقلية رأيها تيسر لها الإقناع برأيها وحضرات المستشارين ستناولون هذه المسألة بالتفصيل في المذكرة التي سيقدمونها.

المسألة الثانية : هي مسألة المصدر وهل يكون من القانون الحاضر أو من الشريعة الإسلامية أو أنه لابد أن يحدد الموقف حتى يكون القاضي على علم بالتطبيق ومصادر النصوص وإلى أين يذهب لأن المتن المعلوم مصدره يمكن تطبيقه بسهوله . أما الآن فان القاضي في محكمة النقض والإبرام يكون في حيرة إلى أي مصدر يرجع . وهذه النظرية لها قيمتها من الناحية العلمية ، خصوصاً وأن مستشاري محكمة النقض قالوا ماذا في الأسس ...

معالي السنهوري باشا : أنا حريص على أن أميز بين صادق بك وبين حضرات المستشارين بمحكمة النقض وحضراتهم لم يتخذوا إلى الآن أي موقف بالنسبة لهذا الكلام وأرجو أن يتكلم صادق بك عن نفسه فقط وعن رأيه وأرجو أيضا ألا يتكلم عن أشخاص غير موجودين خصوصاً وأنه يقول أمام كل الناس أن هذه هي ملاحظات مستشاري محكمة النقض وهذا غير صحيح ولا يجوز من طريق التأكيد والتكرار أن يطبع في أذهان الناس شيئاً غير صحيح .

صادق فهمي بك : أنا أتكلم عن نفسي ولي الحق أن استشهد بآراء الآخرين وكما يقول معالي السنهوري باشا أن الشخص إذا استشهد بفقيه كبير فإن هذا يعطي له قوة في الرأي . وأنا أريد أن أستريح قليلاً وفي هذه الأثناء سيتكلم سعادة حامد بك زكي .

معالي السنهوري باشا : أنا أحتفظ لنفسي بحق الرد على صادق بك فهمي . وعلى كل حال نحن أمامنا شيء محدد مطبوع فنريد أن نرد عليه لأن اثره يعتبر باقياً ما لم يرد عليه ومع ذلك فقد رددنا على نقطتين ولم يبق إلا نقطة واحدة وهي الشريعة الإسلامية وهي الباقي من كتاب صادق بك وأنا أستأذن اللجنة في أن أرد على هذه النقطة الباقية .

 صادق فهمي بك : هل يريد معالي السنهوري باشا أن يحدد المناقشة الباقية في المصادر، نحن إذا تكلمنا في المصادر نتكلم من ناحيتها الفنية . وعندما نتكلم في كل مصدر نرى إذا كان المشروع الحكومي يتوافق مع الشروط الفنية أو لا ولا بأس مطلقاً من قراءة النصوص ثم بعد ذلك نفهم هذه النصوص . ولكن نتناقش في المصدر دون التحدث ولو قليلا عن الأحكام فإن هذا يكون قليل المنفعة . وبناء على ذلك لما أتكلم عن القانون المقارن هل يكون هو المصدر الأول أو تفسير ثانوي أفلا يقال أن مصر قلبت الأوضاع .

معالي السنهوري باشا : لقد رددنا على هذا الموضوع في الجلسة الماضية .

 صادق فهمي بك : فمثلا في ألمانيا شكلت لجنة خاصة لكي تقول من أين يأتي القانون . هل من البرلمان أو من الفقه أو من العادات ولذلك تغير مشروع القانون الألماني ثلاث مرات ولم يصدر إلا بعد أن اتحدوا واتفقوا على كيفية المأخذ ولذلك لابد لنا من أن نعرف المأخذ .

الرئيس : ما هو المأخذ الذي يراه صادق فهمي بك للتشريع المصري . أرجو أن يحدد عزته

الجواب على هذا السؤال في الفترة التي يتكلم فيها حامد بك زكي .

حامد زكي بك : معالي السنهوري باشا مهتم بهذه الوثيقة لأنها تحت يده .

معالي السنهوري باشا : أنا مهتم بهذه الوثيقة لأنها تحت يد 150 عضو اً من أعضاء مجلس الشيوخ والمفروض أنهم قرأوها ولابد أن أرد على هذه الوثيقة في المجلس ، كما أريد ألا أحرم من أبسط مبادئ الدفاع فربما يتكلم حامد بك زكي ثلاث ساعات وتبقى هذه النقطة معلقة .

حامد زكي بك : أنا إذا تكلمت فإنما سأناقش المسألة من حيث الأساس والأحكام وأقول كملاحظة على الوثيقة المكتوبة إنني أخشى أن معالي السنهوري باشا في رده يؤكد أن وأقوالا وآراء تكون مخالفة ، وفي الوقت نفسه لا يقدم الدليل المادي على صحة هذه الأقوال والآراء .

معالي السنهوري باشا : أنا لا أتبرع بالتأكيد وسأثبت ذلك .

حامد زكي بك : وهذا الرد لن يقنع صادق بك فهمي .

معالي السنهوري باشا : أنا لم أرد إقناعه وإنما أريد إقناع الآخرين فصادق بك فهمي ذكر في إحدى نظرياته الأساسية التي بسطها أنه يرى وجوب الأخذ من الشريعة الإسلامية بل ومن الشريعة الإسلامية وحدها وقد قالها وأكدها في عدة مناسبات ولم يقف عند هذا بل جاء لنا بالدليل الذي يعتبره مادياً . وقد أتى لنا بنماذج استغرقت نصف العدد الخاص من مجلة المحاماة ووضع النصوص التي يقترحها حتى يثبت أنه يمكنه أن يأخذ من الشريعة الإسلامية أحكاما في القانون المدني فإذا ما اثبت ذلك استطاع ان يثبت انه يمكننا بدلا من أن نأخذ من القوانين الأجنبية الاقتباس مباشرة من الشريعة الإسلامية .

ولو كان صادق فهمي بك نجح في هذه المحاولة لكنت بلا نزاع أول من يتفق معه لأنه لا يوجد شخص في العالم يحب الشريعة الإسلامية كما أحبها أنا وقد ناديت ، ولا أقول أني أول واحد نادى بهذا ، وإنما أقول اني من أوائل من نادى بأن الشريعة الإسلامية يجب العناية بها والاهتمام بدراستها في دور القانون المقارن .

والان أريد أن أؤكد أن صادق بك فهمي في النموذج الذي وضعه، وقال أنه اقتبسه من الشريعة الإسلامية قد ابتعد كل الابتعاد عن أحكام هذه الشريعة، بل أتى بأحكام مضادة لها.

وبيان ذلك أن نظرية العقد – وهي النظرية التي أورد فيها صادق بك فهمي نموذجه – يمكن حصر الكلام عنها في مراحل ثلاث: كيف يتكون العقد صحيحاً، ثم كيف يرتب أثره، ثم كيف ينقضي ، فما قولكم في أن نموذج صادق بك لم يأت إلا بأحكام القوانين الحديثة في هذه المراحل الثلاث ، وهي بعيدة كل البعد عن أحكام الشريعة الإسلامية ، وبالرغم من ذلك يصر صادق بك على القول بأن نموذجه ينقل أحكام الشريعة الإسلامية.

فأسباب بطلان العقد، وهي التي تمنع من تكوينه صحيحاً، في الشريعة الإسلامية تختلف كل الاختلاف عن أسباب بطلان العقد في القوانين الحديثة، وكلنا يعلم أن أسباب بطلان العقد في القوانين الحديثة هي الغلط والتدليس والإكراه ونقص الأهلية. فإذا رجعنا إلى الشريعة الإسلامية وجدنا أن الغلط لا توجد له نظرية عامة ، ولا نجد فقيهاً من فقهاء المسلمين يقول أن الغلط بوجه عام يكون اثره كذا في العقد . إنما تتكلم كتب الفقه الإسلامي عن غلط يقع في جنس الشيء المعقود عليه، كمن يشتري ماساً فيجده زجاجا، وهنا يكون العقد باطلاً – لا قابلا للإبطال – لانعدام المحل، فإذا لم يكن الغلط في الجنس، فقد يكون في الوصف على أن يرد بالوصف شرط خاص، فيقال إن هناك خيار الوصف، وهذا الخيار لا يمنع انعقاد العقد ولا صحته ولا نفاذه بل ان العقد الذي فيه خيار الوصف منعقد وصحيح ونافذ، ولكنه يكون غير لازم لخيار الوصف. ويوجد إلى جانب خيار الوصف خيار العيب وهو العيب الخفي، والفرق ظاهر بين نظرية البطلان النسبي ونظرية العيب الخفي. هذا هو المقرر في الشريعة الإسلامية ، فلنرجع الآن إلى ما يقوله صادق بك ، وهو يضع النص الاتي : " إذا وقع غلط من المتعاقدين أو من أحدهما في صفة المعقود عليه أو في شخص العاقد أو في صفته أو في القانون ، وكان ذلك الغلط هو الدافع إلى التعاقد جاز لمن وقع في الغلط أن يطلب إبطال العقد إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك " . وهذا النص يخالف كل المخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، ولا يوجد نص في الفقه الإسلامي يجعل للغلط هذه الأحكام التي يقررها صادق بك، وتحت يدي الآن النصوص التي تؤيد ما أقول كلمة كلمة .

وننتقل إلى التدليس. التدليس في الفقه الحنفي يسمى " التغرير " ولا بد أن يصحبه غبن. وهناك رسالة معروفة لابن عابدين هاجم فيها كل من يقول بغير هذا الرأي. صحيح أن مذهب مالك يقول بالتدليس دون الغبن ولكن المذهبين متفقان على أن جزاء التدليس ليس أن يكون العقد قابلاً للإبطال، فالعقد الذي داخله التدليس يكون منعقداً صحيحاً نافذاً، ولكنه يكون غير لازم لخيار التغير أو التدليس وصادق بك في نموذجه لا ينقل شيئاً من هذا إطلاقاً بل يورد نصاً يطابق نص مشروع القانون المدني، ويدعي أن هذا هو حكم الشريعة الإسلامية، وهو بعيد عنها كل البعد .

وإذا انتقلنا من التدليس إلى الإكراه نجد الحنفية ينقسمون فيه، ففريق يجعل عقد المكره موقوفاً وفريق أخر يجعله فاسداً، فهم بين الوقف والفساد ولا يزيدون على هذا شيئاً. وصادق بك ينقل في نموذجه نص مشروع القانون المدني، مدعياً أن هذا هو حكم الشريعة الإسلامية، وشتان ما بين الحكمين، فالعقد الموقوف والعقد الفاسد في الشريعة الإسلامية غير العقد القابل للإبطال في مشروع القانون المدني وفي نموذج صادق بك، ذلك أن العقد الموقوف لا ينتج أثره في الحال، أما العقد القابل للإبطال فينتج أثره في الحال، والعقد الموقوف صحيح والعقد القابل للإبطال غير صحيح، فلا يمكن القول بأن العقد الموقوف هو العقد القابل للإبطال. كذلك العقد الفاسد عند الحنفية – وهم الذين قالوا بفكرة فساد العقد دون غيرهم – غير العقد القابل للإبطال. فالعقد الفاسد يستطيع كل من المتعاقدين فسخه ويستطيع القاضي أن يفسخه من تلقاء نفسه، أما العقد القابل للإبطال فلا يطالب بإبطاله إلا أحد المتعاقدين دون الآخرين ولا يستطيع القاضي أن يبطله من تلقاء نفسه.

ونظرية البطلان في الشريعة الإسلامية تختلف كل الاختلاف عن نظرية البطلان في القوانين الحديثة، ففي الشريعة الإسلامية العقد إما أن يكون باطلاً أو صحيحاً (وزاد الحنفية الفساد كما قدمنا). والصحيح إما أن يكون موقوفاً أو نافذا، والنافذ إما أن يكون غير لازم أو لازماً، أما في القوانين الحديثة فالعقد باطل أو قابل للإبطال أو صحيح. وقد نقل صادق بك في نموذجه نظرية القوانين الحديثة في البطلان زاعماً أنها نظرية الشريعة الإسلامية، وشتان ما بين النظريتين.

وإذا تركنا تكوين العقد إلى ما يرتبه من أثر، فالمعروف في الشرع الإسلامي أن العقد مقصور أثره على المتعاقدين. أما أن العقد قد يرتب أثراً للغير، كما هو الأمر في الاشتراط لمصلحة الغير، فهذا غير معروف أصلا في الشريعة الإسلامية، بل لم يكن معروفاً حتى في القوانين الحديثة إلا في أحوال معينة، ثم تطور التعامل واتسع نطاق عقود التامين فوجدت نظرية الاشتراط لمصلحة الغير في القوانين الحديثة. وقد اندهشت كثيرا عندما رأيت صادق بك في نموذجه يورد النظرية الحديثة للاشتراط لمصلحة الغير زاعما أن الفقه الإسلامي يعرف هذه النظرية مع إنني عندما كنت أضع مشروع القانون العراقي بحثت كثيراً عن أثر لهذه النظرية في الفقه الإسلامي فلم أجد شيئاً لا في مبدأ النظرية ولا في تفصيلاتها، كالاشتراط لمصلحة شخص غير معين أو لشخص مستقبل الوجود.

ثم إذا ما انتقلنا إلى انقضاء العقد، رأينا أن الشريعة الإسلامية لا تعرف نظرية عامة للفسخ على غرار القوانين الحديثة. وكل ما جاء في البيع أن البائع إذا اشترط خيار النقد جاز له فسخ العقد إذا لم يقبض الثمن. وخيار النقد هذا لا يوجد إلا في المذهب الحنفي، وهو باطل عند مالك.

فالعقد في الشريعة الإسلامية يتكون ويرتب أثره وينقضي على وجه يختلف تماما عما هو مقرر في القوانين الحديثة، ومع ذلك يأتي صادق بك بنموذج يورد فيه جميع أحكام القوانين الحديثة في هذه المسائل، ويزعم أنها أحكام الشريعة الإسلامية.

ولو صح أن النصوص التي أوردها صادق بك في نموذجه – وهي تطابق نصوص المشروع – هي أحكام الشريعة الإسلامية، لجاز لنا أن نقول نحن أيضا عن نصوص المشروع أنها هي أحكام الشريعة الإسلامية، ولأسقطنا بذلك الحجة التي تقدم بها.

ونموذج صادق بك يكاد يماشي المشروع نصاً نصاً . فإذا انحرف عنه في نص واحد زل وعثر. ونأتي على ذلك بمثلين:

1 – أتى المشروع بنص في الحوادث الطارئة، هذا هو : " ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها ، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام القانوني ، وإن لم يصبح مستحيلاً ، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدد بخسارة فادحة ، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك ... " وقد عني بصياغة النص عناية كبيرة، وروعيت في وضعه الدقة والمرونة . وكان في إمكاننا بعد ذلك أن نقول أن النص مأخوذ من الشريعة الإسلامية ( في فسخ الإيجار بالعذر ) ولكننا تحاشينا ذلك والتزمنا جانب الدقة فلم نقل إلا أن النص يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ، أما نموذج صادق بك فقد ورد فيه النص الذي يقول انه مأخوذ من الشريعة الإسلامية . وهذا هو: " يراعى في الحوادث غير المتوقعة التيسير ورفع الضرر " . فانظروا إلى الفرق ما بين النصين وكيف زل النموذج وعثر عندما انحرف عن النص الوارد في المشروع.

2 – جاء في المشروع النص الاتي: " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد ". أما نموذج صادق بك فقد أورد النص على الوجه الاتي: " يتم العقد بين طرفين متى صدر منهما ما يدل على رضائهما من قول أو كتابة أو إشارة أو نحو ذلك مع مراعاة ما يقرره القانون من شروط معينة لصحة العقد ولزومه " ونموذج صادق بك يزل زلة لا تغتفر عندما يجعل " صحة العقد ولزومه " مقابلاً " لانعقاد العقد ". ثم هو يزل زلة أخرى لا تقل في الجسامة عن الزلة الأولى عندما يذهب إلى أن الشريعة الإسلامية تقبل أن يتخذ التعبير عن الرضاء أي مظهر من قول أو كتابة أو إشارة أو نحو ذلك. فالأصل في التعبير عن الرضا عند فقهاء الشريعة الإسلامية أن يكون بالخطاب. ولكن الكتاب كالخطاب أما إشارة غير الأخرس فقد اختلفوا فيها. ولم يتفقوا على جواز بيع المعاطاة. فكيف يقال بعد ذلك أن أي مظهر للتعبير عن الرضاء يكون مقبولاً في الشريعة الإسلامية. الحق أن نموذج صادق بك – ويقول إنه ينقل أحكام الفقه الإسلامي – لم يبتعد عن شيء قدر ابتعاده عن أحكام الفقه الإسلامي.

حامد زكي بك : هل يمكن أن أفهم من ذلك أن النصوص الواردة بالمشروع بشأن العقد غير مستمدة من الشريعة الإسلامية .

معالي السنهوري باشا : نصوص المشروع بعضها ....

حامد زكي بك : تكلم عن نظرية العقد أو الالتزامات بصفة عامة .

معالي السنهوري باشا : لا استطيع اطلاق القول في نظرية الالتزامات بصفة عامة .

حامد زكي بك : ما يقوله السنهوري باشا الآن ينصب على المصدر .

معالي السنهوري باشا : سأتكلم عن العقد ثم عن الالتزامات . فيما يتعلق بالعقد نحن لم نزعم أننا أخذنا من الشريعة الإسلامية، لأننا بطبيعة الحال لو أخذنا من الشريعة الإسلامية لكان معنى ذلك أن نرجع إلى النظريات التي سبقت الإشارة إليها ولكني أقول أن المشروع في أساسه وفي بعض نصوصه يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقد كنا دائما نعمل على إبراز هذا ونقول هنا، هذا الحكم أخذناه من قضائنا وقوانينا. والحمد لله إنه يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، أما فيما يتعلق ببقية الالتزامات فيجب أن أستعرض نقطها نقطة نقطة ، وأتكلم عما إذا كنا قد أخذنا شيئاً من الشريعة الإسلامية أم أننا لم نأخذ ، وعلى كل فاني أريد أن أقول أننا بوجه عام لم نتعمد أن نأخذ من الشريعة إلا في المسائل التي نصصنا عليها في المذكرة الإيضاحية .

حامد زكي بك : وهل هذه المسائل كثيرة .

معالي السنهوري باشا: سأذكرها لك. ففيما يتعلق بالشريعة الإسلامية نجد إننا قد استبقينا كل الموجود فيما عدا المسائل التي ليست لها قيمة يعني أن القانون الحالي كان قد أخذ بعض المسائل من الشريعة الإسلامية ، وأستطيع القول أن كل الموجود تقريباً قد استبقينا مثلا الأهلية والهبة والشفعة وقاعدة ألا تركة إلا بعد سداد الدين وبيع المريض مرض الموت والغبن وغرس الأشجار في العين المؤجرة ، وبعد ذلك أضفنا بعض القواعد العامة والتفصيلات وفيما يتعلق بالقواعد العامة لا استطيع أن أقول إننا أخذناها من الشريعة الإسلامية إلا فيما يختص بنظرية التعسف في استعمال الحق ، لأن هذه النظرية كما هي معروفة في الفقه الغربي قاصرة ، وقد وضعناها نحن بتوسع . وقد أخذنا من التفصيلات إيجار الوقف والحكر وإيجار الأراضي الزراعية من الشريعة الإسلامية لأنها تنسجم وتتسق ولا تتعارض مع التقاليد، حتى لا يتعب القضاء عند تطبيق هذه النصوص.

حامد زكي بك: كل هذه المسائل التي سمعتها الآن خارجة عن نطاق الالتزامات وهي تتصل بتطبيقات خاصة بمسائل فرعية في العقد، وانا غير مخطئ في هذا. أن الجزء العام في القانون خاص بنظرية الالتزامات ومصادرها، وهذا الجزء على ما اذكر قد تناولته المواد من 91 إلى 450 فهو كله أوربي أي روماني.

معالي السنهوري باشا : إنه قضاء مصري يتفق مع الشريعة الإسلامية .

حامد زكي بك : أنا عندما أقول انه أوروبي إنما أعني بذلك أنه روماني .

معالي السنهوري باشا : قل ما شئت والمهم إنني أقول أن هذا إنما هو قضاء مصري .

حامد زكي بك : أريد أن أصل إلى القول بأن الأحكام الخاصة بالعقود إنما هي تطبيقات للأحكام الواردة في باب الالتزامات تحت اسم العقود . وانا – من هذه الناحية – أعلن صراحة أن المشروع إنما هو مشروع أوربي بحت، وأعلن إنني أوافق على هذه الفكرة، ولكني أريد أن أصل إلى القول بأن الشريعة الإسلامية قد رجع إليها في بعض المسائل الخاصة باستلهام بعض أحكامها.

الرئيس : إذا نظرنا إلى العلاقات بين الأفراد منذ الخليقة الأبدية إلى الأزل ، نجد أن فلسفة الحياة الموضوعية تتقارب .

حامد زكي بك : أنا أريد أن أتكلم في المادة الأولى الخاصة بتطبيق القانون والتي ذكر فيها أن الشريعة الإسلامية أخذت كمصدر ، وأريد من الباشا أن يفسرها لي ويقول لي كيف يمكن تطبيقها ، وسأقرأ لحضراتكم نص المادة وهي : " تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص .... فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ". الباشا يقول لي هنا أنه رفع الشريعة الإسلامية إلى مستوى المصادر، وأريد أن أفهم منه كيفية تطبيق هذا المصدر عملياً ومتى يمكن الأخذ بالشريعة كمصدر؟

معالي السنهوري باشا : إذا لم نجد نصاً في القانون ولا عرفاً ولا عادة ، حينئذ ناجا إلى الشريعة الإسلامية ونقدمها على القانون الطبيعي ومبادئ العدالة . فإذا وجدنا الحكم فيها أخذنا به ، والا ذهبنا إلى المصدر الأخير وهو القانون الطبيعي ومبادئ العدالة .

الرئيس : لقد أصبحت هذه الشريعة متغلغلة في البيئة المصرية تغلغلا كبيرا واعلموا حضراتكم أن البيئة في الريف ما تزال هي البيئة القديمة وهي متغلغلة في عاداتهم وتفكيرهم ، فإذا لم نعمل على إيجاد التقنين الحديث ولا على إيجاد نص أو عرف يتمشى مع هذا الوضع ، فماذا يكون الحال إذن ؟ ولذلك نجد الباشا قد قال في المشروع بما لا يخالف التقنين والشريعة الإسلامية ، وقد قلنا كلنا أن إغفال الشريعة الإسلامية من شأنه أن يعمل هياجاً كبيراً في الأفكار ولما وجدنا أن المشروع لا يقول بما لا يخالف الشريعة ، قلنا نقدم الشريعة الإسلامية على القانون الطبيعي ، وفعلاً الباشا قال ليكن هذا واستجاب لقرارنا ورضي بهذا النص .

الدكتور بغدادي : أنا أضع تحت يد حامد بك انه إذا أحيل إلى مبدأ العدالة والقانون الطبيعي فان هذا المبدأ لا يمكن أن نجده في كتاب . فإما إننا آثرنا الشريعة الإسلامية فالعلة هي أنها أعلى مثل ويغلب فيها الرفق بالناس وينبغي ان تقدم على أي اتجاه أخر.

حامد زكي بك : كل المقدمات التي سمعتها يجب أن تؤدي إلى نتيجتها المنطقية وأن تستمد الأحكام من الشريعة الإسلامية ونفس هذه الأسباب تؤدي إلى هذه النتيجة .

الرئيس : وماذا يقترح حامد بك ؟

صادق فهمي بك : هذا من اختصاصي .

حامد زكي بك : أنا أقترح حذفها ، فمثلا نظرية البطلان أجد أثر البطلان فيما يتعلق بالنسبة للعاقد ولكن لا أجد أثره بالنسبة للغير .

والذي أعرفه أنه إذا كان عندي نص فاني أطبقه بنصه وروحه أما ما يتجاوز أثره كأثر البطلان في الغير فإنني أتمم معلوماتي بالرجوع إلى النظام القانوني الذي نقلت عنه نظرية البطلان إنما من المستحيل أن أذهب إلى الشريعة الإسلامية.

معالي السنهوري باشا : إذا كنت تريد أن تذهب إلى مبادئ العدالة والقانون الطبيعي ألا يحسن أن تذهب إلى الشريعة الإسلامية قبل أن تذهب إلى مبادئ العدالة والقانون الطبيعي والأولى أدق تحديداً وأكثر انضباطا من الثانية .

حامد زكي بك : ولذلك أنا أرى أن النص Fantaisia.

 الدكتور ملش بك : أنا أشكر اللجنة لتفضلها بدعوتي لإبداء ملاحظاتي على المشروع ، ومعالي السنهوري باشا زميل لنا في الدراسة في فرنسا وفي التدريس في كلية الحقوق وأظن أنه لا يزال يعتز بهذه الزمالة .

معالي السنهوري باشا : طبعاً .

الدكتور ملش بك : والمصلحة العامة هي التي تدفعني للكلام في هذا الموضوع ، إن أول من فكر في تعديل الشرائع في مصر هو حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا وقت أن كان رئيساً لمجلس الوزراء في سنة 1936 وكان يفكر في هذا أيضا كل أستاذ من أساتذة كلية الحقوق سواء كان رفعة على ماهر باشا يوم أن كان عميدا لكلية الحقوق في سنة 1923 أو معالي السنهوري باشا أو العرابي باشا أو العشماوي باشا لأننا كنا نلمس النقص الموجود في الشرائع المصرية وكما يقال سعادة الأستاذ الوكيل بك انه وضع يده على مفتاح التشريع حينما قال أن مصر كانت مغلة بالامتيازات الأجنبية التي كانت في أول الأمر منحاً من الولادة ثم أضحت قيوداً على استقلال وسلطان البلاد .

كنا لا نستطيع التشريع ونعتبر أنفسنا في أخريات الأمم في الناحية التشريعية، كنا نرى الأمم لا تستطيع الإبقاء على القديم ولاحظنا في تاريخ الشرائع وفي جميع الأمم انه كلما حصل انقلاب سياسي أو اجتماعي في أمة من الأمم كان من الطبيعي أن يتبعه تعديل أو تغيير في شرائعها وقد حصل هذا في مصر في عدة مرات عندما كان المصري لا يستطيع أن يقاضي الأجنبي بسبب الامتيازات مما حدا بإسماعيل باشا إلى إنشاء المحاكم المختلطة ثم المحاكم الأهلية ووضعت شرائع جديدة للمحاكم المصرية.

فرفعة على ماهر باشا في الواقع عمد إلى تأليف هذه القوانين الجديدة في سنة 1936 ولوحظ في تأليف اللجان انه كان يختار لها علماء اجانب لدرجة ان رفعة على ماهر باشا اقنع حوالي عشرة من مستشاري محكمة النقض الأجانب أن يستقيلوا في سبيل وضع المشروعات الجديدة .

معالي السنهوري باشا : في اللجنة الأولى كان بها بعض أجانب وبعض مصريين .

سعادة العرابي باشا : لقد عدل قانون تحقيق الجنايات سنة 1895 ثم قلب في سنة 1904 ، وكذلك قانون المرافعات أنشئت لجنة في سنة 1912 لتعديل التشريع .

الدكتور ملش بك : ألف رفعة على ماهر باشا اللجان لتعديل الشرائع جميعها تعديلاً كاملاً وأنا سأقول رأيي كقاض بحسب ما أراه .

وقد حدد رفعة على ماهر باشا لهذه اللجان وقتاً تنتهي فيه من عملها كما ان الذين يعملون في هذه اللجان يتخصصون لهذا العمل دون أن يكون عندهم أي عمل أخر وهذه هي فكرة معالي السنهوري باشا فقد ضحى بكل مرتخص وغال في سبيل إخراج هذا المشروع.

وللاسف كانت هذه اللجان تزول بسقوط الوزارة.

وفي عام 1940 طلب إلي معالي حلمي عيسى باشا أن أغير وأهذب كتابه في شرح البيع كيف يتفق مع القضاء الجديد. وأعطاني المشروع الكبير الذي وضعه معالي السنهوري باشا في القانون المدني كي اعمل مقارنات. فهالني من المشروع ضخامته.

فوجدت أن المشروع ضخم وأنه يرجع إلى عدة مراجع وقوانين ووجدت أنه مطول ومن الصعب الإحاطة به، فوجدت أنه من المناسب أن يكون المشروع وسطاً بدلاً من الإيجاز والتطويل .

كما لاحظت أن في المشروع عدم اعتبارية للقوانين ، ومعنى هذه القاعدة أن كل تشريع عندما يوضع يجب أن يراعى في وضعه حالة الأشخاص الذين يوضع لهم . وقد جاء في آية من القرآن الكريم " ولكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا " لأن كل أمة لها وسطها .

إنما بالأمس طمأنني سعادة الوكيل بك حين قال ان المشروع الحالي ما هو الا إبقاء على ما قرره القضاء وفيه القواعد التي كانت موجودة في القانون السابق وقال انه لا محل لهذا الهلع والخوف من التشريع الجديد .

وأنا لم اطلع على المشروع الجديد إلا بالأمس وأول ما لفت نظري هو باب الشركات بصفتي من أساتذة القانون التجاري ، وليس لي اعتراض إلا على عبارتين وقد ذكرتهما لمعالي السنهوري باشا .

معالي السنهوري باشا : نعم وسأراجع هاتين العبارتين .

الرئيس : وستكونان محل عناية اللجنة الفائقة وأرجو أن تحضر المناقشة عندما تعرض على اللجنة .

الدكتور ملش بك : أبرز صادق بك فهمي في كتابه الذي وزع على حضراتكم مسألة لها خطورتها وهي أن مندوب الحكومة في مجلس النواب قال اعتبروا هذا المشروع قائماً بذاته دون الرجوع إلى مصادره .

معالي السنهوري باشا : سأتلو على حضراتكم ما جاء بتقرير مجلس النواب :

ولا يسع اللجنة ، وهي تختم تقريرها إلا أن تسجل الكلمة القيمة التي أدلى بها مندوب الحكومة بعد الانتهاء من بحث المشروع وهي : " إن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أخذت منها . ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطبيق والتطور، فإن هذا حتى لو كان ممكناً، لا يكون مرغوباً فيه، فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيها، ويحيا حياة قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالاً تاماً عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه، أيا كان هذا المصدر .

وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل. ولكل من القضاء والفقه ، بل على كل منهما – عند تطبيق النص أو تفسيره – أن يعتبر هذا النص قائماً بذاته ، منفصلاً عن مصدره ، فيطبقه أو يفسره تبعاً لما تقتضيه المصلحة، ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد ، وتساير مقتضيات العدالة . وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم الحياة القومية ، وتثبت ذاتيتها ، ويتأكد استقلالها ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي ، يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي ما يجعل اثرهما ملحوظاً في التطور العالمي للقانون ".

وترحب اللجنة بهذه الفرصة التي ستتاح للقضاء والفقه في مصر ، عند تطبيق هذه النصوص وتفسيرها ، في أن يجدا المكان الفسيح للاجتهاد والاستنباط ، بعد أن انفك عنهما غل القيد بمتابعة قانون واحد معين في نصوصه التشريعية وفي قضائه وفقهه ، بل بعد أن أصبح في حل ، وقد انفصلت النصوص عن مصادرها ، من التقيد بمتابعة أي قانون معين ، فخرجا بذلك من باب التقليد الضيق إلى ميدان الاجتهاد الفسيح . ".

وهذه فرصة طيبة أتاحها لي كامل بك كي اثبت هذه العبارات الهامة .

وبعد ذلك جاءت لجنة العدل وكتبت في هذا المعنى بما لا مزيد عليه.

كامل ملش بك : مما هو محبب لأنفسنا أن لمشروع هذا القانون طابعاً قومياً .

عندما تكلم معالي السنهوري باشا في كتابه الذي وضعه مع تلميذه الأستاذ أبو ستيت عن تفسير القوانين لم يهمل المصدر التاريخي واعتبره من المصادر التي يجب الرجوع إليها . وإنني رغم ذلك – يا معالي السنهوري باشا – أرى أن دراسة المصدر التاريخي لكي مادة من المواد ومعرفة مصدرها مما يساعد كثيراً على تفهم الحلول القانونية. فلا توجد ناحية قانونية لدراسة تاريخ الشرائع ...

معالي السنهوري باشا : لدينا ذخيرة حسنة نستند إليها وهي أحكام القضاء المصري مدة سبعين عاماً .

كامل ملش بك : إنني مطمئن إلى هذا .

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا : لا تكون هناك تبعية أو تبع لمتبوع ، ولكن هذا لا يمنع الرجوع إلى المصادر التاريخية .

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : أوافق تمام الموافقة على ما تلاه معالي السنهوري باشا الآن من تقرير لجنة مجلس النواب عن مشروع القانون المدني ،

الرئيس : قبل أن نتكلم فيما يختص بالتنقيح الكلي لجميع الشرائع ، هل يسلم كامل بك أن التنقيح كان واجباً شاملاً لهذه الشرائع كلياً أو جزئياً ، وهل يسلم بوجوب التنقيح الآن ؟

الدكتور كامل ملش بك : هذا مع تكملة هي ما صرح به أول امس من أن المشروع الحالي يحتوي في ثلاثة أرباعه على ما قرره القضاء المصري .

الرئيس : إنني أؤكد هذا مرة وثانية وثالثة وسأؤكده أمام المجلس أيضا بأن ثلاثة أرباع المشروع المعروض مأخوذ من أحكام القضاء المصري . وقد اجتهدنا جميعاً في تفسير هذه النصوص .

فهل كامل بك يسلم بالتنقيح الآن؟

الدكتور كامل ملش بك : إنني اسلم بالتعديل كاملاً إذا كان المشروع يستوعب أو يستبقي في ثلاثة أرباعه الثروة القانونية الموجودة لدينا .

عزمي بك : إنني بصفتي مستشارا ومن المشتغلين بتطبيق القانون . أقرر تحت مسئوليتي – بأنني وقد كان لي الحظ في الاشتراك في تحضير هذا المشروع في حوالي 400 مادة منها باب الملكية – أن 90 % من المواد التي مرت علي أثناء هذا العمل عبارة عن أحكام القضاء المصري الذي نعمل به .

الرئيس : بهذا نستطيع أن نصفي بعض النقط كي نصل إلى النتائج العملية أولا فأولاً .

الدكتور كامل ملش بك : إننا نريد الإصلاح ما استطعنا . وأزيد على ذلك إنني أدين بقول " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ". وأريد أن أقول الآن اطمأنت بناء على الكلام الذي سمعته من سعادة الرئيس أول أمس .

الرئيس : وسأعيد هذا الكلام أيضا في مجلس الشيوخ كما سبق القول .

الدكتور كامل ملش بك : إنني عضو في لجنة تعديل القانون البحري ولجنة تعديل القانون التجاري ، وقد كان معالي محمود حسن باشا يرأس لجنة تعديل القانون البحري في يوم من الأيام ومن بين أعضاء هذه اللجنة مستر برنتون رئيس محكمة الاستئناف المختلطة . وقد كان مستر برنتون يريد في أوائل عهد هذه اللجنة أن

يأتي بنص التشريع الإنجليزي الخاص بالمسائل البحرية. ولكن بعد محاولات عدة وجد انه من الصعب جداً التوفيق بين القواعد العامة المقررة في الشرائع البحرية الإنجليزية والقواعد اللاتينية التي ألفناها نحن في شرائعنا الداخلية، فعدل عن هذا الرأي، واضطررنا بعد ذلك أن نرجع إلى مشروع قانون تعديل القانون البحري الفرنسي الذي وضعته فرنسا أخيراً، فأخذنا منه ما يكمل النقص الموجود في التشريع البحري الحالي.

الرئيس : هل عند ما عدلتم التشريع البحري كان تعديلكم له كاملا أو جزئياً ؟

الدكتور كامل ملش بك : لقد حافظنا على 80 أو 90 % من الأحكام التي قررها القضاء المختلط وحذفنا بعض المواد وأضفنا بعض المواد وعدلنا البعض الآخر .

هذا فيما يختص بلجنة تعديل القانون البحري. أما فيما يختص بلجنة تعديل القانون التجاري فقد كانت هذه اللجنة تتعثر بين حين وآخر. وقد اشتغلت في هذه اللجنة أنا والزيني بك وهو أحد علمائنا حوالي الأربعة أشهر فوجدنا أنه من العسير جداً علينا أن نستمر في العمل فيها لعدم التجانس بين أعضائها وكانت النتيجة أننا انسحبنا من هذه اللجنة وتعطل العمل.

والسبب في ذلك أن رئيس اللجنة يريد أن يضع قانوناً تجارياً من حوالي 2000 مادة يخص الشركات منها بسبعمائة مادة. وكنا نقول له أنه توجد بالقانون المدني أحكام كثيرة خاصة بالشركات، فكان رده على ذلك أنه يعتبر أن مشروعه قائم بذاته وأنه لا شأن له بقانون غيره . ووجدناه يأتي بأحكام القانونين الألماني والسويسري فقط ، وأنه لا يؤثر الأحكام التي قررها القضاء المختلط مع أن له الأسبقية . وقد علمت أن كل ما كان متصلاً بالناحية التجارية أصبح معطلا في هذه اللجنة حتى الساعة .

والان لا يوجد خلاف بين معالي السنهوري باشا وصادق بك .

معالي السنهوري باشا : لقد كان صادق بك يقول هذا في أخر الجلسة الماضية .

الدكتور كامل ملش بك : صادق بك وحامد بك أيضا يريان تعديل القانون ولا يقولان سوى ذلك .

الرئيس : ولكن حامد بك قال انه لا يرى التعديل .

حامد زكي بك : إنني لا أرى التعديل الشامل ، ولكنني أرى التعديل الجزئي .

الرئيس : ليس هناك اسعد لقلوبنا من ان نتقدم جميعاً بهذا القانون ونحن راضون عنه، ونحن على استعداد لإدخال التعديلات النافعة .

الدكتور كامل ملش بك : كل من صادق بك وحامد بك يقول بالتعديل ولكن الاختلاف في هل يكون التعديل شاملاً أو جزئياً .....

معالي السنهوري باشا : صادق بك يريد تعديلاً شاملاً .

الدكتور كامل ملش بك : واختلاف أيضا فيما يختص بالشريعة الإسلامية .

صادق فهمي بك : أرجو عندما ابدأ كلامي أن أجد هدوءاً وسكوناً كما كان الحال عندما تكلم من قبلي لأنني لم أقاطع بكلمة واحدة .

الدكتور كامل ملش بك : والاختلاف في الواقع هو فيما إذا اعترض القانون نقص أو كان فيه غموض أو إبهام فما هو المرجع الذي يرجع إليه ؟ هل نرجع إلى الشرائع الأوربية أو إلى الشريعة الإسلامية ؟

تعرفون حضراتكم أن معاهدة مونترو ألغت الامتيازات وقررت إلغاء المحاكم المختلطة في أكتوبر سنة 1949 . وقد تعهدت الحكومة المصرية أن تضع من الشرائع ما من شأنه أن يكون مطابقاً للشرائع الحديثة، فهل الشريعة الإسلامية تعتبر من الشرائع الحديثة ؟

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : أظن هذا في فترة الانتقال .

الدكتور كامل ملش بك : وبعد فترة الانتقال .

تعلمون حضراتكم ما قرره مؤتمر القانون المقارن وتردد ذلك على لسان حافظ رمضان باشا . فكل الناس يعلمون ذلك. وفضل الشريعة الإسلامية معروف.

فهناك مثلا كتاب أصدره أحد أساتذة جامعة أكسفورد تحت رعاية هذه الجامعة أسماه تراث الإسلام . ويقول هذا الأستاذ أن فضل الشريعة الإسلامية على القوانين الأوربية عظيم لدرجة أننا أخذنا عن الشرع الإسلامي كثيراً من القوانين الخاصة بالمعاملات التجارية والشركات التجارية وفي مقدمتها النوع الذي نعتقد نحن أنه من الشريعة الإسلامية وهو شركات التوصية ، التي يسميها علماء الشريعة " شركات القراض ".

إنني لا أريد أن أقول النص .

الرئيس : نحن لنا مصلحة في هذا . ونحن كمسلمين نقول أن الشريعة تشتمل على ثروة قانونية قيمة . نحن لنا أن ننقل منها ونقول لاحظوا في ذلك الأوضاع التي تتمشى مع الطريقة الأوربية .

الدكتور كامل ملش بك : لقد تناولت الشريعة الإسلامية عدة مسائل اعتبر علماء الغرب انهم كانوا اسبق إليها . ولكن الأبحاث المتواصلة أدت إلى أن المسلمين اسبق إليها من غيرهم. ومن هذه المسائل مسألة سوء استعمال الحق. ونظرية مسئولية الدولة، واكثر من ذلك التشريع البحري الذي يعتقد كل إنسان انه تشريع غريب عن البلاد ، نرى أن علماء الشريعة الإسلامية اشتغلوا به ، ولا أقول هذا القول من عندي ، بل أنقله عن رأي اثنين من كبار علماء البلجيك هما اسسمترش و فنكولونير واحدهما نقيب المحامين والآخر مستشار بمحكمة النقض وضع كتابا في سنة 1938 أسماه قانون البحر والنهر .

لقد قيل أن القوانين البحرية المعمول بها الآن في أوربا مأخوذة عن العرب وسندهم في ذلك أن " ريتشارد قلب الأسد " عند عودته من الحرب الصليبية وقف في جزيرة في المحيط الأطلسي اسمها أوليرو وأمر من معه من الموثقين بأن يدونوا جميع القواعد الخاصة بالتجارة والعادات البحرية التي نقلوها عن العرب وقت اشتغالهم معه في الحروب الصليبية، وقد دونت هذه الأشياء .

وهذا القول مذكور بصريح النص في هذا الكتاب.

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : هذا القول ذكر عن العرب لا عن الشريعة، وهناك فارق بين الاثنين .

الدكتور كامل ملش بك : إن الفرنسيين في لغتهم وفي قانونهم البحري يستعملون عدة ألفاظ يعتقدون أنها من اصل فرنسي ولكنها في الواقع من أصل عربي مثل كلمة أميرال وكلفتيه وهي قلفطة ومعناها خرز وغير هاتين الكلمتين توجد عشرات الكلمات لا أريد أن أتناولها .

وعلى ذلك فكل ما ننقله عن غيرنا هو في الأصل لنا. فشريعة هذا نظيرها يجب ألا تهمل عند وضع أي تشريع . إنني لست متعصباً، كما إنني لا اطلب قلب القواعد القانونية رأسا على عقب . فإن كانت القواعد في الشريعة الإسلامية تختلف اختلافا كبيراً، فمن رأيي أن يؤخذ بمستحسن الآراء فيها . لأنها تطبق عليها أحكام الشريعة كما قال السنهوري باشا .

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : إن أحكامها عامة ولا تختلف عن الأحكام العامة عندهم ،

الدكتور كامل ملش بك: الواقع ان من بين الناس الذين هاجموا مشروع السنهوري باشا مسيو بكمان المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة. فقد انتقد المشروع، ومثله في ذلك مثل أي شخص ينسب إليه المعارضة في هذا المروع لأنه على اطلع على مشروع سنة 1940 ولم يطلع على المشروع الحالي أي المشروع الجديد بعد تعديله في مجلسي الشيوخ والنواب، وفي الواقع لقد طلب رئيس المحكمة المختلطة الحالي أن أصرح بالنيابة عنه انه يحسن التريث ...

معالي السنهوري باشا : هذه الطريقة فيها خطورة لأنك تروي شيئاً عن رئيس محكمة والأجدر به أن يكتب إلينا أو أن يحضر ، ولذلك أرجو ألا يثبت هذا الكلام في المحضر .

الرئيس: أرجو أن تضرب لنا أمثلة لكل مسألة تتكلم فيها حتى نكون على بينة من الأمر وأنا أطلب من أي شخص أن يثبت لنا أن هناك قاعدة مقررة في التقنين الحالي وتركناها، إننا لم نترك شيئاً ، بل لقد أتينا بجملة أحكام وأضفناها عليه ، ولذلك إذا ما تراءى للك أن هذا المشروع قد ترك شيئاً فأرجو أن تضرب لنا الأمثلة .

الدكتور كامل ملش بك: أنا لست في حاجة لضرب الأمثلة، لأن السنهوري باشا قد سبقني إلى هذا، ولقد قال إنكم استبقيتم مسألة بيع المريض مرض الموت.

الرئيس: لقد صححناها.

معالي السنهوري باشا : لقد كان ذلك في البيع فجعلناه في كل التصرفات .

الدكتور كامل ملش بك: لقد قرأت باب الشركات بشيء من الدراية وأوافق عليه من أوله إلى آخره مع الملاحظتين اللتين أبديتهما للسنهوري باشا. والملاحظة الأخيرة في رأيي هي أني رجل مضى علي ربع قرن في القضاء المختلط ، وقد اشتغلت قاضياً جزئياً ورئيساً لدائرة قضائية كما اشتغلت في القضاء التجاري ، واشتغلت أيضا قاضياً في محكمة قليوب وكان عدد القضايا التي تعرض علي يبلغ 500 قضية إذن خبروني ماذا سيكون عليه القاضي المصري ، عندما يأتي عام 1949 ، وتنتقل إليه القضايا الأجنبية أي إلى المحاكم الوطنية ، ويوكل إليه أمر الفصل فيها ، ونحن نعلم أن رجال القضاء الأهلي غير منصفين وهم مثقلون بالأعمال مثلهم في ذلك مثل رجال البوليس ، إنكم تعلمون هذا وبعد ذلك تأتون لنا بقانون تجاري جديد وقانون مدني جديد وقانون مرافعات جديد وقانون تحقيق جنايات جديد وقانون جنائي جديد وقانون بحري جديد .

معالي السنهوري باشا : أترك القانون البحري الآن .

الدكتور كامل ملش بك : هل تعتقدون حضراتكم أن لدى القاضي المصري بعد هذا متسعاً للدراسات ؟ إنني قد وجدت الحل لذلك.

الرئيس : لقد اتبع الدكتور ملش أسلوب الحكيم وشوقنا إلى سماع الحل .

الدكتور كامل ملش بك : الحل هو أن يبدأ بتدريس القانون المدني الجديد ، وياحبذا القوانين الجديدة الأخرى في كلية الحقوق من العام المقبل ، بمعنى أن يبدأ بتدريسها حالا وبمجرد صدورها على أن يكون ذلك ابتداء من العام الدراسي المقبل .

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : يعني هي تحل محل القوانين الحالية في التدريس ؟

الدكتور كامل ملش بك : نعم.

حامد زكي بك : ليدرسوا الاثنين معاً . .

الدكتور كامل ملش بك : لا . رأيي أن هذه القوانين الجديدة تدرس في كلية الحقوق ابتداء من العام الدراسي المقبل ، على ألا يعمل بهذه القوانين الجديدة سواء أكانت قانون مدني أم مرافعات أم تجاري الخ .. إلا بعد تخرج الدفعة الأولى أي بعد أربع سنوات ، إذ بعد هذه المدة يكون قد تكون لنا جيل جديد يفهم هذه القوانين .

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا : لن يحتاج القاضي أو الأستاذ إلى بذل أي جهد خاص لكي يتتبع التشريع الجديد ، بل بالعكس فانه سيزيده من وسائل الإيضاح.

حضرة الشيخ المحترم على زكي العرابي باشا : لقد كان في نيتي أن أقوم بعمل سلسلة محاضرات في قانون الإجراءات الجنائية ابرز فيها موضوع الخلاف بنوع خاص وأوجه إليه الأنظار ولدي فكرة في عمل سلسة محاضرات أخرى خاصة بتدريس القانون الجديد .

حضرة الشيخ المحترم محمد حسن العشماوي باشا : لقد قرأت في أحكام كثيرة انه من ضمن العدالة التي يرجع إليها القاضي ، مشروعات القوانين التي هي في طريقها إليه ، لأنها تبرز ناحية العدالة الخافية ، وان أخذ بها فيكون سنده للعدالة ، ومكملا بذلك التشريع القائم المعتبر ناقصاً .

الرئيس : خلاصة ما قاله الدكتور ملش بك إنه يحبذ فكرة التنقيح ، ويقول أن فكرة التنقيح ليست بنت اليوم بل لقد وجدت منذ زمن بعيد ، وأنه اشترك فعلا في هذا التنقيح ، واشتراكه هذا يؤيد نظرية التنقيح الكامل ، ويرى أن كل التقنينات الموجودة تتغير ، ولكنه يرى أيضا أن هناك صعوبات عملية ستقع ، وانه يقترح تدريس هذه المشروعات أو القوانين بعد تطبيقها في كلية الحقوق وذلك ابتداء من العام الدراسي المقبل .

الدكتور كامل ملش بك : إن الذين اشتغلوا في هذا المشروع أمثال السنهوري باشا والعشماوي باشا والعرابي باشا وغيرهم ، حبذا لو عادوا إلى الجامعة من جديد للقيام بالتدريس .

الرئيس : ليت هذا يتحقق.

الدكتور كامل ملش بك : لقد قلت لكم أن رئيس محكمة مصر المختلطة قد طلب إلى أن أقول لكم يحسن أن تتريثوا ، ومن الجائز أنه لو كان قد اطلع على المشروع في ثوبه الجديد لكان له رأي خاص .

معالي السنهوري باشا : أنا على استعداد لمقابلة رئيس المحكمة لاستيضاح ما يريد بيانه .

الرئيس : الكلمة الآن لصادق بك فهمي ، ولذلك فإنني أتقدم إليكم راجياً أن نصغي جميعاً إلى ما يقوله دون أن نقاطعه ، ودون أن يطلب منه استفسار حتى يستطيع ان يتم كلامه .

صادق فهمي بك : قبل أن أتكلم أرجو أن يكون معلوماً أن الملاحظات التي سأذكرها يحتمل جداً أن تكون أو جزء كبير منها محل ملاحظات بعض حضرات المستشارين . وهم سيبدون ملاحظاتهم محددة ومكتوبة في أسبوع . كما أرجو ألا تتضايقوا إذا ما سمعتم كلامي ثم قد يكررون هم ما أقوله .

في الكلمة السابقة قلت أن مشروع القانون يثير مسألة عامة تتعلق بالأسس ومسائل أخرى تتعلق بالفروع ويصح أن نبدأ بشيء من النصوص والأحكام ونخرج منها إلى الأسس العامة ثم نحكم فيما إذا كانت هذه الأحكام مخالفة لما هو جار عندنا أو مطابق له ثم بعد ذلك نرجع إلى الأسس.

وقد أخذ بعض حضرات المستشارين على عاتقه هذه المهمة وقد انتهوا من حوالي 620 نصاً .

ولما ادعى معالي السنهوري باشا بأننا أتينا بمراجع خاطئة لم أعترض، ولذلك أرجو ان تتركوني أتكلم في هدوء .

قلت إن هناك أسساً وفروعا وكان من المستحسن أن ندرس النصوص كلها ثم نعمل عنها جدولا . ولكن ما الذي أتينا به جديداً وما الذي استبقيناه ، والجديد أتينا به على أية كيفية ، وهل يتفق مع أحكام القضاء أو لا .

أقول إنه لا يتفق ، والسبب في ذلك أن المصادر غربية .

نحن أمام موقف اتخذ طريقاً فقهياً وأنا أتكلم عن النظريات العامة والأسس وبقدر المستطاع سأضرب بعض الأمثلة .

ومما يساعدنا أن المذكرة الإيضاحية الأخيرة لتقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ مرتبة ترتيباً يسمح لنا بمناقشة كل مسألة على حدة ، ولذلك فالمسألة تكون كما يأتي هل التعديل يكون كلياً أو جزئياً ، وإذا كان التعديل سواء أكان كلياً أو جزئياً كيف يكون مصدره .

ثم سأتكلم على صياغة هذا المشروع وكيف يصاغ فنياً ومصريا وإذا ما عرفنا مصدره وصياغته سأتكلم عن تفسيره ، وأرى أن الطريقة التي اتبعتها اللجنة هي طريقة فنية دقيقة ويمكننا أن نتكلم فيها .

وأعلن أن الخلاف كبير جداً بين الفكرتين ، ففكرة اللجنة تظهر من الكلام عن كل مسألة من المسائل الأربعة ، وقد تكلمت عن كل مسألة من المسائل الأربعة ، وقد تكلمت فيما إذا كان التعديل الكلي أو الجزئي واجباً وتناقشنا طويلا وقلت أن اللجنة إذا كانت ترى أن التعديل يجب أن يكون جزئياً فيجب أن تكون له أسباب .

وقد ذكرت أمرين أولاً: إضافة أبواب عامة اهملها القانون المصري، وقد شغلت اكثر من نصف مواد المشروع أي أن القواعد الجديدة التي أدخلت عبارة عن نصف المشروع أي حوالي ستمائة مادة .

وعندنا في الواقع أربعمائة نص جديد من أجزاء وقد عرضت هذه المسألة على اللجنة وقلت إنها تريد أن تضيف إلى القانون المدني أبواباً كاملة فيها تنازع القوانين وتصفية التركات والمؤسسات والجمعيات وأبواب أخرى جديدة يراد ضمها إلى القانون وجعلها ممزوجة على نصوصه بل يجب أن تعالج علاجاً خاصاً. والعلاج يتناول بحث مسألة جواز إدخال هذه الأبواب في صلب القانون المدني أم لا .

ورأيي أنه لا محل لأن توضع في هذا القانون قواعد تتصل بغير القانون المدني وسأضرب أمثلة :

مسألة تنازع القوانين يصح وضعها في الباب الأول كالقانون الفرنسي، والمؤسسات والجمعيات التي تغلب فيها الصبغة الإدارية يجوز أن نضعها في ذيل القانون المدني.

فالمواد أو الموضوعات التي نرى أن تغلب عليها مواد القانون العام والقانون الإداري أرى من المصلحة نزعها ووضعها في ملحق للقانون المدني حتى يمكن تعديلها بسهولة بعيداً عن القانون المدني.

وقلت إن هذه فكرة موجودة في بعض البلاد التي تتبع ثقافتها القانونية مثل فرنسا وقلت إن القانون المدني وضع في الأصل للمدينة ثم اتسعت وكلما اتسعت

يتسع معها التفريع، فهل قانون العمل أقرب إلى القانون المدني أو إلى القانون العام.

قانون العمل يخضع لتأثيرات اجتماعية كثيرة ولذلك عمدت وزارة الشئون الاجتماعية إلى جمع قوانين العمل والضمانات والتأمينات الخاصة بالعمال ووضعتها في مجموعة لطيفة يسهل على القاضي مراجعتها.

كما أن هناك مواداً أعتبرها غير لازمة كمسألة الإعسار المدني. ففي فرنسا أشخاص تقدميون يقدرون مواعيد الدفع ولكن نحن في مصر الزراعية قد تعرض لنا سنة رخاء تعقبها سنة شدة ولا نعرف ميزاناً دقيقاً لحياتنا الاقتصادية، فلا يجوز العمل بنظام الإعسار المدني لأنه يتنافى مع الحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

ولذلك أرى أن هذا النظام سابق لأوانه ومن الحكمة أن ننتظر حتى تصل التربية في مصر ونظمها الاقتصادية والاجتماعية والتعاونية حداً يجعل الشخص قادراً على سداد ديونه في مواعيدها .

ولذلك فأنا أرجو أن تعيروا هذه المسألة ما تستحقها من العناية.

من هذا يتضح أن الإضافات التي نقترحها تنقسم ثلاثة أقسام:

قسم لا مانع من ضمه وقسم يوضع مع القوانين الخاصة المتعلقة به وقسم يستغنى عنه .

وأظن أنه بالاستغناء عن هذه النظريات الحديثة مثل نظرية الإعسار المدني يهبط عدد نصوص قانوننا المدني إلى حوالي 900 مادة .

وقد يقول بعض حضراتكم إن هذا معناه إدخال نصوص جديدة، ويكون هذا إقراراً مني بالتعديل الشامل، ولكن الأمر هو أن لدينا الآن النصوص الموجودة وسنضيف إليها بعض الإضافات سواء بالإصلاح أو بالصياغة.

أما مسألة النصوص الباقية فكلمة بلانيول الخالدة في نعته فكرة التعديل الشامل للقانون المدني الفرنسي تصدق عليها فهو يقول " ...

الرئيس : لقد رد الفرنسيون في سنة 1945 على ما قاله بلانيول وقد راوا بالإجماع وجوب التنقيح وشكلت بالفعل لجنة لهذا العمل .

صادق فهمي بك : سأقدم مذكرة في موضوع تعديل القانون ، لا بطريقة التعديل الشامل .

الدكتور بغدادي : معي الآن كتاب تضمن مجموعة من الأعمال التي قامت بها لجنة عهد إليها بتعديل القانون المدني الفرنسي تعديلا شاملاً .

حامد زكي بك : منذ متى وصل هذا الكتاب إلى أيديكم ؟

معالي السنهوري باشا : منذ مدة طويلة .

حامد زكي بك : ولكنه طبع في سنة 1947 .

الدكتور حسن بغدادي : أتلو على حضراتكم بعض ما ورد في هذا الكتاب ، وأرجو ان استرعي النظر إلى أن ما قاله بلانيول في سنة 1904 يمثل تفكيراً قديماً قد عدل عنه عدولا نهائيا فقد شكلت الحكومة الفرنسية لجنة تعديل القانون المدني الفرنسي تعديلا شاملاً في سنة 1945 وسأتلو على اللجنة الموقرة ما قاله رئيس لجنة تعديل القانون المدني الفرنسي الأستاذ جليو ده لامورانديير عميد كلية الحقوق بباريس في صدد ضرورة التعديل الشامل لهذا القانون ، واليكم نصه مترجماً إلى اللغة العربية (ص 7 ، 8 من مجموعة أعمال لجنة تعديل القانون المدني الفرنسي ، باريس سنة 1947 ) :

" لقد كان هذا التعديل ضرورياً وكانت الحاجة تدعو إليه منذ زمن طويل، فقد كان القانون المدني الفرنسي في عصره أثراً فريداً ومثلا للتماسك والوضوح والدقة ... ولكن مائة وخمسين سنة قد انقضت على إصداره. وقد تطور القانون تحت تأثير التقاليد والأوضاع الاقتصادية. وقد أصبح التقنين المدني عتيقاً في مواضيع كثيرة وقاصراً في موضوعات أخرى. وقد انتقصت الظروف من هيبته في فرنسا وفي الخارج فظهرت تقنينات أحدث نحته عن مكانته وظفرت بإيثار المشرعين في الخارج. وكانت مسألة الصورة التي يتخذها التقنين الجديد من أدق المسائل، فقد اتفق الرأي على أنه لا يجوز الاقتصار على ضبط بعض القواعد القانون الحالية في القانون المدني أو على مجرد تنقيح للنصوص يراد به إدماج ما استقر عليه القضاء من تفسير لهذه النصوص في التقنين فمن الواجب حقاً أن نعمد إلى صياغة تقنين جديد ... وهذا العمل سينطوي على ضرر حرمان الحياة العملية من أداة ألفها الناس منذ مائة وخمسين سنة . ولكن التطور الاقتصادي والاجتماعي قد بلغ حداً يستحيل معه العدول عن الإصلاح الكامل من الناحية الفنية وناحية التوجيه الفكري الذي ينبغي أن يكون أساسا للتقنين ".

 حامد زكي بك : إنني أقبل تطبيق كل هذا على المشروع .

الدكتور حسن بغدادي: هذا هو الكلام الذي يقال في فرنسا في سنة 1945. الحكومة توافق على التعديل. وتشكل لجنة من أساتذة كلية الحقوق ومستشاري مجلس الدولة ورئيس هذه اللجنة هو عميد كلية الحقوق في فرنسا.

حامد زكي بك : لقد قلت إني أطلب تطبيق كل هذا على المشروع .

معالي السنهوري باشا : إذن فقد اتفقنا .

صادق فهمي بك: كل هذا لا يغير ما نقوله وندعمه بأدلتنا المنطقية، فنحن نريد أن تخفف من وطأة ضخامة القانون، وهذه مسائل فقهية هامة.

معالي محمود حسن باشا وزير الدولة: إذا كانت النصوص لها ضرورة، فمسألة كبر حجم القانون يجب ألا تكون موضع الاعتبار.

الرئيس: إنني أرى احتواء القانون المدني على 1200 مادة أمر ليس بالكبير لأن هذا رقم متواضع بالنسبة له.

صادق فهمي بك : إنني أتكلم عن الطريقة العملية للقاضي ، ويحب ألا ننسى حالتنا التي نحن فيها . وإنني اعتبر نفسي القاضي الجزئي لمحكمة عابدين ، واقصد من وراء ذلك أن أقول أنه يجب ألا نغير كثيراً كي نخفف على القضاء ، وطريقة ذلك أن نحذف أشياء ونستبقى أشياء أخرى ، أما بقية النصوص الأخرى التي نعتبر أن فيها نقصاً كثيراً فقد تكلم عنها الفقه ولم يترك منها شيئاً .

أريد أن ألاحظ أننا في الحياة العملية نكاد نتفق تقريباً مع الفقه، وأنه وإن كانت هناك عيوب ذكرتها اللجنة، فقد سد القضاء أغلبها، وبعضهم يرى أن القضاء لم يفته أي مبدأ وأن محكمة النقض وضعت تفسيرات كثيرة، وهناك بعض القضايا حدث أن قضينا فيها وجاءت قضايا مماثلة لها وعندما نقضي فيها نقول إنه سبق لنا أن حكمنا في قضايا مماثلة لها فهل – يا ترى – يتناقض هذا الحكم مع الحكم الذي سبق وأن حكمنا به في الماضي. وأعتقد أن بعض إخواننا يذكرون المسألة الأخيرة الخاصة بأوراق المضاهاة، فهل استقرار أحكام محكمة النقض والإبرام لا يغني عن التشريع ... هناك فائدة في أننا لا نكثر من النصوص.

معالي السنهوري باشا : هل يحسن أن نعمل بأحكام يناقض بعضها بعضاً أو أن نضع نصاً لحسم الخلاف .

صادق فهمي بك : هذه ملاحظة بسيطة .

مصطفى الشوربجي بك : لم يتقيد المشروع بأحكام المحاكم ، فمثلا فيما يتعلق بنظرية تغير الظروف لم يتقيد بحكم محكمة النقض .

صادق فهمي بك : الذي أريد أن أقوله هو أن هناك بعض المسائل طلب القضاء نفسه أن يوضع لها تقنين ولكن هذه المسائل ليست كثيرة فإذا ما رجعنا إلى مجموعة من مجموعات الأحكام التي لدينا فإننا نجد أن في كل ثلاثين حكماً توجد مسألة يجب أن يشرع من أجلها ومثل هذه المسائل هي التي يجب علينا أن نعدل فيها ، ويجب أيضاً ألا تكون التعديلات إلا لضرورة قصوى تدعو إليها ، أما المسائل التي يجوز تركها للقاضي فيجب أن تترك له .

سنراجع كل هذه المسائل ونذكر أن هذه المسألة وتلك تحتاج إلى تشريع وأن المسائل الأخرى يجوز تركها .

الرئيس: ونحن سنقدر هذه المسائل ونبحثها بكل عناية.

صادق فهمي بك : لا يعدو الأمر أن يكون تعاوناً فيما بيننا للمصلحة العامة . ولقد ذكرت لمعالي السنهوري باشا أننا سنتفق، ولكننا نريد عملاً مضبوطاً فإذا ما اشترك إخواننا مستشارو النقض معنا بآرائهم فإن هذا العمل من شأنه أن يزيد المشروع دقة ولا سيما وأن تبادل الآراء من شأنها الوصول إلى نتائج طيبة، ولقد كان من رأي حضرات المستشارين أن ينتظروا حتى ينتهي مشروع القانون ثم يتقدمون بمذكرة تفصيلية في الموضوع.

ونرجو أن تتسع صدوركم فيما يتعلق بمسألة التصفية، حتى يتمكن إخواننا من إبداء رأيهم في الموضوع .

الرئيس: لقد أرسلنا اليهم خطاباً رسمياً، وتقيدنا بهذا الوضع.

صادق فهمي بك : أؤكد لحضراتكم أننا سنستفيد جداً من تبادل الرأي أثناء المناقشات في الموضوع . وبخاصة في باب الالتزامات .

أما أن يقال تعديل كلي أو تعديل جزئي فقد أصبحت المسالة في حد ذاتها نظرية اكثر منها عملية .

لقد كتب السنهوري باشا في مجلة القانون والاقتصاد في السنة السادسة العديد الأول الصادر في سنة 1936 في ص 22 ما يأتي: " يجب ألا نغمط قانوننا حقه، وأن القانون المدني الحالي يمتاز في نظرية الالتزامات بأن جعل نظرية عامة بما فيها المحل والسبب ركنين في العقد.

ترتيب القانون المدني ..........

معالي السنهوري باشا : أرجو أن يلاحظ أنه من الواجب أن يقرأ الكلام الذي ورد في هذا المقال قبل وبعد ما تلاه الآن صادق بك حتى يتبين المعنى المقصود .

صادق فهمي بك : يجب ألا يغمط الإنسان حق غيره . والذي أريد أن أقوله إننا مجبورون على سماع الملاحظات فقد ندخل بعض النظم والأبواب ونرتبها حسب المنطق الفني، وهذا العمل من شأنه ألا يؤثر في نفس عملية التعديل. وبعد ذلك نتكلم في المصادر والصياغة والتفسير .

الرئيس: نريد الآن تحديد النقط التي نتناقش فيها حتى نخرج من اجتماعنا هذا بنتيجة ، فإما أن نتفق على المسائل أو نختلف فيها . لقد ذكر صادق بك إننا نريد تعديلاً . فهل تقصد أن يتناول هذا التعديل القانون القائم أو يتناول المشروع. إن كان هذا التعديل سيتناول التقنين الحالي فلا فائدة من التنقيح الكلي. وإذا كان التعديل تناول المشروع المعروض فلنسلم بهذا وننتهي .

صادق فهمي بك : إذا رأينا أن المشروع قد توسع في التعديل لدرجة أنه أصبح تعديلا كليا ، ووجدنا أن المشروع لا يحتاج إلى التعديل الكلي ، عندئذ نستبقى كذا وكذا وكذا ، مع العلم أن عملية "Triage" ستحدد الموقف في اغلب النصوص .

إن مسألة التعديل الشامل أو الجزئي إنما هي معلقة على ال "Triage" وتعديل الأحكام هو الذي سيقودنا إلى التفكير في التعديل سواء أكان تعديلاً شاملا أم جزئياً ونحن متفقون على ضرورة المحافظة على الموجود من الأحكام بقدر المستطاع . حينئذ الحكم في ذلك موقوف على ال "Triage" المسألة الأخرى ، وهي جانب خطير جداً .

الرئيس: هذا ليس رأيك المدون في مشروعك ، الذي أفهمه إنك أتيت بمشروع وقمت بسرد مواد متعددة وقلت أن هذا هو المشروع الذي يصح أن يكون مشروعاً صالحاَ .

صادق فهمي بك : سأرد عليك . نحن قلنا إذا كنا سنعدل فنحن متمسكون بقدر المستطاع بوجوب المحافظة على ثقافتنا وعلى قانوننا، ولكن إذا كان ولا بد من وضع تشريع كامل جديد.

الرئيس: كلمة " لابد" لا يصح أن تقال إلا إذا ظهر لنا أن التشريع الجديد ...

صادق فهمي بك : أرجو من سعادة الرئيس ألا يقاطعني ، رأيي أن التعديل الشامل له تصوير أخر ، وهذه مسألة فنية سأستعرضها ، كما أن هذه نقطة هامة يجب أن أحددها . لم يبق أمامنا إلا فكرة التعديل الشامل أو الجزئي ، نتساءل فيما بيننا ، ماذا سيكون المصدر ، وكيف سنعدل ,,, الإشكال في هذه النقطة كبير جداً بيننا وبين المذكرات الإيضاحية ، ولذلك فإنني أريد اليوم أو في الغد أو في الجلسة القادمة إما أن نتفق أو نختلف على هذه النقطة سواء كان التعديل جزئياً أو كلياً أن المشرع يريد أن يضع نصاً جديداً ....

مصطفى الشوربجي بك : رجائي ألا تسرف في التفصيل والتكرار في كلامك ، لأن المسائل التي تريد أن تتكلم فيها كثيرة واللجنة لا تحتاج إلى مزيد من البيان للفهم .

الرئيس: لقد كانت النية متجهة لأن تلقى محاضرة في البهو الفرعوني تستغرق ثلاثة أرباع الساعة .

صادق فهمي بك : لقد أصبحت الآن مناقشة .

مصطفى الشوربجي بك : لمصلحة وجهة نظرك يجب ألا تتوسع في الكلام .

صادق فهمي بك : يا إخواني إنني أتكلم في قضية هامة هي قضية الوطن .

مصطفى الشوربجي بك : ألاحظ أن ما قيل اليوم قد قيل من قبل .

صادق فهمي بك : أنا اجتهد أن اجعل التنوير ظاهراً وجلياً بقدر المستطاع . لقد أصبحت المسألة الثانية وهي " مصادر التشريع الحديث " مسألة عويصة ويجب ألا تفوتنا ويجب أن ندرسها ، ولقد هالتني هذه المسألة ومن الجائز أن تكون قد هالت زملائي ونحن نختلف في هذه المسألة كل الاختلاف مع اللجنة ، وهذا الاختلاف لابد أن تفصلوا فيه بقرار مسبب ، هل المصدر أو النص متصل بأصله أم لا .. وهل القاضي عند تفسيره النص يأخذه كما هو باعتباره تقنيناً ثم يتصرف فيه كيفما شاء وإذا تركنا هذه الحرية المطلقة . فماذا تكون مهمة قاضي النقض ... كأننا سنجعل كل المسائل المتعلقة بالوقائع يقدرها القاضي ، وما دمنا سنجعل المسائل المتعلقة بالوقائع يقدرها القاضي فتكون مهمة محكمة النقض ليست مخالفة القانون بل فقط إذا كانت الأسباب التي وضعها القاضي تتفق مع النتائج التي وصل إليها ، فتكون المسألة تقديرية ، يعني إذا كان هناك قصور في الأسباب فهل الوقائع التي أثبتها القاضي تؤدي إلى النتيجة أو لا تؤدي ، إنكم تقولون لقد وضعنا نصوصا وللقاضي أن يتصرف ، أفبهذا الوضع يكون قد وضع لنا قانون قائم بذاته .. إنكم تحدثون ثورة على ما نعمل بالنسبة لل "Pratique" وعلى ذلك هل النص يؤخذ كما هو ويطبقه القاضي بفصله عن مصدره وأصله ، وهل يكون لهذا النص قضاء جديداً ويكون له تفسيراً من عنده وما هي الصعوبات التي تعترضنا في هذا السبيل .. إننا لكي نفهم مدى تطبيق النص من الجائز أن نورد تطبيقات جديدة ، ولكن يجب أن نقول أن هذا هو اصل النص ومصدره كذا . ونحن في مبادئنا كقضاة نأتي دائما بأصل النص وتفهمه وبعد ذلك نبحث في التعديل الذي طرأ عليه ، ولذلك تجدون أن الدراسة عندنا مضاعفة .

الرئيس: هذه الحالة نشأت من قصور التقنين الموجود لأن الذين وضعوه قالوا إننا أخذنا التقنين الفرنسي .

صادق فهمي بك : إن مسألة المصادر عندنا من أمهات المسائل ، ولما كان مصدرنا هو القانون الفرنسي في كل أحكامنا وفي كل فقهنا وفي كل تفكيرنا، فإنكم تجدون أن الأحكام تسير بانسجام، وإذا ما رجعتم إلى القضاء الفرنسي فإنكم تجدون أننا نسير جنبًا إلى جنب مع محكمة النقض، ولقد وصل الأمر عندنا إلى حد أننا نترجم بالكلمة أحكام محكمة النقض والأحكام الفرنسية؛ لأن النصوص مصادرها معروفة ، ونحن نعتبر أن التجارب التي مر بها القانون الفرنسي ، تفيدنا جدا ، وأؤكد لكم أنها مصدر غزير ، فما من قضية مرت علينا ونرجع فيها لكي نطبق عليها القانون إلا ورجعنا لأحكام محكمة النقض الفرنسية فنجد الدقة المتناهية في تفسير عبارة كل نص . (7)

معالي وزير الدولة : وهل يفقد القضاء المصري استقلاله .

صادق فهمي بك : إن المبدأ الذي يسير عليه العالم كله في مسألة المراجع هو النص ومصدره . وهذه مسألة مهمة جداً عندنا، لأنها تتعلق بمدى الحقوق ومدى القاعدة وتطبيقها.

معالي وزير الدولة : هل يمتنع على الشارع المصري أن يضع أصلا "Original".

صادق فهمي بك : على أن يبين في مذكرته الإيضاحية كيف قامت هذه المادة وما الذي دعاه إلى وضعها ، والقصد من هذا هو وضع طريقة تجعل القاضي يدرك تماماً مدى التعديل .

معالي السنهوري باشا : وما الضرر إذا ما وصلها بالقضاء المصري ووضعها بلسان عربي .

صادق فهمي بك : هذه هي المسالة الثالثة ، فإذا ما أتينا بالمبدأ ، وعرفنا من أين أتى ، ففي هذه الحالة نستطيع أن نصوغه صياغة حسنة .

نحن نرى تعديل المبدأ كله ، فمسألة المصادر في المسائل المدنية من الأهمية بمكان حتى يمكن للقاضي أن يقوم بالتفسير على وجه دقيق ، فيجب أن يكون المصدر وتطوره أمام القاضي .

حضرة صاحب المعالي محمود حسن باشا وزير الدولة : لقد فهمنا أهمية المصدر فما الذي تريد أن تستنتجه وما هو وجه التناقض بين المصادر .

معالي السنهوري باشا : أرجو أن يأتي لنا صادق بك بنصين متناقضين .

صادق فهمي بك : أنا اطلب استبعاد مشروع المذكرة الإيضاحية الحكومية بلا جدال وذلك لأن المذكرة الإيضاحية هي أول ما يرجع إليه القاضي .

لقد قالت المذكرة الإيضاحية بأن هذا التشريع أخذ من ثلاثة مصادر وهي القوانين المقارنة والقضاء والشريعة الإسلامية.

فلما قرأت المذكرة الإيضاحية الحكومية وجدت أن القوانين المقارنة هي المصدر الأول لأن فيها أحدث ما يمكن للإنسان أن يجده. فما الذي حصل في تشريعنا .... وجدت أنهم ذكروا في المذكرة الإيضاحية الحكومية التشريعات الأجنبية المختلفة ووصلوا من كل هذه التشريعات المختلفة إلى أخذ نصوص هذا التشريع منها بعد فحصها فحصاً دقيقاً واختير الأحسن منها , وأنا عملت في القانون المقارن وكل كتاباتي في هذا القانون لقد قيل في المذكرة الإيضاحية بأن تشريعنا أخذ من ضمن عشرين تشريعاً مختلفة النزعات ومتباينة المناحي وهذه العبارة لا نقبلها مطلقاً لأن القانون المقارن فن والفن توضع له أصول خشية أن يفهم على عكس غرضه فيأتي مخالفاً للمنفعة المرجوة منه ، ونحن نستعير من الغير وهذه حقيقة لا شك فيها ، ولذلك فاني اضطررت في أول كتابي " الإثبات " أن أحدد نظرية القانون المقارن .

فأولاً : الغرض من القانون المقارن .

ثانياً : مصدره .

ثالثاً : طريقة (Méthode) الفن الجديد .

قيل إن القانون المقارن ليس معناه هدم القانون المدني بل الغرض منه مساعدته فيكون طريقاُ مساعداً في التفسير (Auxiliaire pour l,interprêtation) ففي حالة الشك يحل محل القانون الطبيعي وهذه هي المسألة التي اتفقت عليها كلمة العلماء بالإجماع .

ولكن لا يشرع تقنين ويجمع من هنا ومن هناك .

حضرة صاحب المعالي محمود حسن باشا وزير الدولة : أمعنى ذلك انه لابد من التزام قانون واحد مقارن .

الرئيس : أرجو من صادق بك أن يحدد ما يقول ، فيذكر مثلا أن القانون القديم قال في العقد كذا والقانون الحديث قال كذا وكان يجب أن نعمل كذا .

صادق فهمي بك : أرجو أن تتركوني أتمم نظريتي .

قيل أنه لا يجوز أن نستعمل القانون المقارن إلا عند الضرورة القصوى .

وعلى ذلك فلا يجوز أن تقول مصر أنها أخذت مصدر تشريعها من القانون المقارن في المذكرة الإيضاحية لأن استعارة الصيغة من الخطورة بمكان وستسمعون حضراتكم هذا الكلام أيضا من غيري .

حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظة بك : إذا أخذنا حكماً من القانون الألماني أو البولوني . فهل معنى ذلك أن لابد من أن نرجع إلى القانون الألماني أو البولوني .

معالي السنهوري باشا : إذا أخذنا حكماً من القضاء المصري ونجد في القانون الألماني ما يؤدي هذا المعنى بأمانة أفهل نترك الصيغة التي جاءت في القانون الألماني لمجرد أنها جاءت في هذا القانون  !

صادق فهمي بك : والآن سأتكلم في المصدر الثاني في التشريع المصري أرجو أن تفكروا مليا فيما سأقوله .

معالي السنهوري باشا : أرجو أن تنتهي من المبدأ أولا ثم نتناقش في النصوص .

صادق فهمي بك : نظريتي هي أن الشريعة الإسلامية واسعة ومنها مذاهب كثيرة لدرجة انك تجد لكل شيء حلاً فأرجو أن تسمح لي اللجنة بأن يمثل كبار العلماء في اللجنة .

معالي السنهوري باشا : هناك مذاهب أخرى غير المذاهب الأربعة المعروفة .

صادق فهمي بك : أنا أرى أن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للقضاء العادي ولدي النصوص.

حضرة صاحب المعالي محمود حسن باشا وزير الدولة : لقد ثبت أن كثيراً من أحكام المشروع الحالي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية .

حضرة الشيخ المحترم علي زكي باشا العرابي باشا : إن كتب الفقه بحالتها الراهنة لا تفهم بسهولة ولذلك فإن القاضي سيجد صعوبة في الرجوع إليها أكثر مما لو رجع إلى القانون البولوني أو الألماني مثلا . فإذا وضعت الشريعة وضعاً حديثاً أمكن الانتفاع بها .

صادق فهمي بك : لقد أصبحت المسائل الشرعية في المحاكم المختلطة عبارة عن مثل أعلى فيما يختص بتطبيقها .

ولأجل ذلك فأنا أعارض في وضع المذكرة الإيضاحية بوضعها الحالي التي تقول أنها أخذت نصوصها من عشرين تشريعاً .

معالي السنهوري باشا : وهل ننسى ما قلناه في الجلسة الماضية ؟

الرئيس : وهل يعارض صادق بك فهمي أيضاَ في هذا النصوص بدون المذكرة الإيضاحية.

صادق فهمي بك : سأطالب في هذه الحالة بمذكرة إيضاحية لكل نص .


 

محضر الجلسة الثامنة والخمسين(8)

المنعقدة في يوم الاثنين الموافق 7 يونيه سنة 1948

عرضت اللجنة في هذا الاجتماع إلى الاعتراضات التي آثارها بعض رجال القانون حول مصادر مشروع القانون المدني من حيث نفهم أحكامه وتفسيرها وتطبيقها وقد رأت اللجنة أنها قد أوفت هذا الموضوع حقه من البحث في تقريرها الذي رفع إلى المجلس . ولكن رغبة في زيادة الإيضاح وتأكيد المعنى الذي ذهبت إليه اللجنة في تقريرها المذكور عهدت إلى حضرة الشيخ المحترم محمد محمد الوكيل رئيسها ومقررها أمام المجلس أن يدلي ببيان في هذا الموضوع الهام أمام المجلس وهو كما يأتي :

أولا : أن الغالبية العظمى من أحكام هذا المشروع مستمدة من أحكام القانون الحالي ومن المبادئ التي أقرها القضاء المصري طوال السبعين سنة الماضية ومطابقة للقواعد القانونية التي جرى عليها القضاء والفقه في مصر وهذا هو المصدر الذي يرجع إليه عند تفسير هذا القانون .

وأما المصادر الأجنبية فليست إلا مصادر استئناس للصياغة وحدها .

ثانياً: أن الأحكام التي اشتقت أصلا من الشريعة الإسلامية يرجع في تفسيرها إلى أحكام هذه الشريعة. مع ملاحظة ما جاء في المادة الأولى من المشروع من اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رسمياً من مصادر القانون مع أن للقاضي أن يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية كلما كان هناك محل لذلك.

ثالثاً: أما الأحكام القليلة التي اشتقت من تقنينات أجنبية في موضوعات جديدة مستقلة (المؤسسات . حوالة الدين. ملكية الأسرة. اتحاد الملاك. الإعسار المدني. تصفية التركات) فقد روعي في وضعها أن تكون متمشية مع البيئة المصرية متفقة مع العرف والعادات متناسقة مع سائر أحكام المشروع وبذلك تكون قد انعزلت عن مصادرها وأصبح لها كيان ذاتي قوامه تساندها مع غيرها من نصوص ويرجع في تفسيرها إلى النصوص ذاتها وما درج عليه القضاء في مثل هذه الأحوال. وقد أقرت الحكومة هذا البيان.


 

محضر الجلسة التاسعة والخمسين(9)

المنعقدة في يوم الثلاثاء 8 يونيه سنة 1948

للنظر في الملاحظات الواردة إلى اللجنة

من حضرة صاحب السعادة محمد كامل مرسي باشا رئيس مجلس الدولة

بدأت اللجنة عملها بأن قرر حضرة صاحب السعادة محمد كامل مرسي باشا أنه قرأ الجزء الخاص بالملكية والحقوق العينية بل وقد نقح كتابه في الموضوع على أساس مواد المشروع ولم يجد سعادته صعوبة في إجراء هذا التنقيح لتناسق الأحكام ولمطابقتها للمبادئ القائمة وعلى ذلك فالنصوص الجديدة في هذا الموضوع لا تحتاج في تفسيرها وتطبيقها إلى الرجوع إلى مصادرها الأصلية بل إلى ما كان يرجع إليه فيما سبق.


 

محضر الجلسة الحادية والستين (10)

المنعقدة في يوم السبت 12 يونيه سنة 1948

أخذت اللجنة في بحث ملاحظات حضرات مستشاري محكمة النقض والإبرام عن بعض موضوعات في مشروع القانون المدني وعن بعض مواد ذلك المشروع

فذكر معالي السنهوري باشا شرحاً لتلك الملاحظات أن حضرات المستشارين يوافقون على مبدأ تعديل القانون المدني تعديلا شاملاً .

أما من حيث الموضوعات والنصوص فقد قسموها قسمين ، قسم يتضمن أحكاماً جديدة وهي قليلة ، منها ما لا اعتراض عليها من حيث مبدأ تقنينها لأنها متصلة بأحكام القضاء. ومنها ما يرون حذفه لأنه ليس لها سند من القضاء . وقسم يتضمن أحكاماً وهي كثيرة متفقة في الجملة مع قواعد ونصوص التقنين الحالي وقضاء المحاكم .

وما يرون حضراتهم حذفه فهو مواد التزام المرافق العامة والإعسار المدني واتحاد الملاك وتصفية التركات وفيما عدا ذلك فكل ملاحظاتهم على النصوص .

%%%%%%

 



(1) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 34 .

(2) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 37 .

(3) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 39 .

(4) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 48 .

(5) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 53 .

(6) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 82 .

(7) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 113 .

(8) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 116 .

(9) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 117 .

(10) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 1 ص 117 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق