عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
مناقشات مجلس الشيوخ (1)
جلسة 8 يونية
سنة 1948
الرئيس: سبق أن ندبت
وزارة العدل حضرة صاحب العزة عبده بك محرم مستشار قسم الرأي بمجلس الدولة، وحضرة
الدكتور حسن أحمد بغدادي وكيل كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول، لحضور جلسات المجلس
أثناء نظر مشروع هذا القانون .
فهل توافقون حضراتكم على
ذلك؟
(موافقة)
(حضر حضرتهما )
الرئيس : حضرات الزملاء
المحترمين : لقد خصصت هذه الجلسة لنظر مشروع القانون المدني. وحضراتكم تذكرون أن
هيئة خاصة من الفقهاء والمشرعين بوزارة العدل توافرت منذ وقت طويل على بحث هذا
الموضوع ودرسه. وأن كثيرا من رجال القانون الحاليين والسابقين قد ساهموا فيه.
ولهذا يطيب لي من غير تعرض
لماهية المشروع ونصوصه، أن أنوه بفضل هؤلاء الرجال جميعاً، وبخاصة حضرة صاحب
المعالي الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا الذي أنفق جهوداً كبيرة خلال عدة سنين
لإنجاز هذا المشروع.
ويسرني في هذا المقام أن
أذكر جهد لجنة القانون المدني بمجلسكم الموقر، وعلى رأسها زميلنا الفاضل الأستاذ
محمد محمد الوكيل. فقد أقبلت على درس المشروع المحال إليها وتمحيصه، على النحو
الذي اقتنعت به، حتى انتهى إلى الصورة المعروضة على حضراتكم.
ولا تزال اللجنة مستعدة
لبحث ما قدمه الفنيون غير الأعضاء في المجلس، وما يمكن أن يقدموه إليها من
الملاحظات والبحوث، وذلك لإبداء رأيها فيه أثناء نظر المشروع المعروض أمام
حضراتكم.
وإذا كان القانون علماً
وصياغة، وكان تعديل القوانين مما يعالج في أناة وروية واسترشاد بالتجارب، فإني
عظيم الرجاء في توفيق الله إيانا للقيام بالمهمة التي تواجهنا، والتي نبدأ عملنا
فيها اليوم. (2)
المقرر : حضرات الشيوخ
المحترمين، أتشرف - نيابة عن لجنة القانون المدني بهذا المجلس الموقر – بأن أشكر
لسعادة رئيس هذا المجلس المحترم عباراته الكريمة التي وجهها إلى اللجنة في مستهل
هذه الجلسة. وهذه العبارات هي خير ما يتوج بها مجهود هذه اللجنة، ونتقبل ذلك بأجزل
الشكر وأعظم الحمد.
بعد هذا، أقول لحضراتكم أن
الموضوع الذي سأعرض له في هذه الجلسة، لما كان دقيقاً كل الدقة، يكتنفه الفن
القانوني من كل ناحية من نواحيه، ولما كنت مضطراً في معرض التدليل على ما سأدلي به
وأقرره من آراء إلى الرجوع والاستئناس والاستشهاد بنصوص القانون وأحكامه وأقسامه
وأبوابه وقضاء المحاكم. ولما كان لما سأقوله أهمية خاصة من عدة نواح، لذلك أرى أن
لا مندوحة لي من الركون إلى تلاوة ما سأقرره.
وإذا كنت أطمع في أن يكون
كل ما سأقوله واضحاً تمام الوضوح وظاهراً تمام الظهور، نظرا للأسلوب والنهج اللذين
تخيرتهما، فإنني على أتم استعداد إلى المزيد من الشرح والإبانة كلما طلب إلي ذلك.
والآن أبدأ كلمتي :
حضرات الشيوخ المحترمين:
تمهيد: (3)
في منتصف أكتوبر من السنة
المقبلة، يشرق على القضاء المصري عهد جديد، تستكمل فيه البلاد سيادتها القضائية،
وبهذا تتحقق لنا أمنية من أعز أمانينا، ففي هذا التاريخ، تختتم مصر مرحلة مريرة في
تاريخها، وتستفتح مرحلة أخرى كريمة، يحفز المصريين فيها فوزهم بالحق إلى النهوض
بتحمل جسيم التبعات وعظيم المسئوليات .
وها هي مصر تتخذ الأهبة
لمواجهة ما تقتضيه هذه المرحلة، فتنجز إصلاحات تشريعية ضخمة، كانت قد تراخت –
مضطرة – في إنجازها حقبة طويلة من جراء القيود التي كان نظام الامتيازات يفرضها،
وفي هذه الدورة تعرض على حضراتكم تشريعات هامة أساسية، تناولتها يد الإصلاح، من
بينها القانون المدني.
وقد ظل القانون – منذ أن
وضع في سنتي 1876 و1883 – على حاله فيما خلا تعديلات جزئية. واليوم يعرض على
حضراتكم مشروع تنقيحه. وقد تولى المصريون أنفسهم إعداده وتحضيره، ويدلي البرلمان
بالرأي فيه. وبهذا يكون التقنين المدني مصرياً في أسلوبه وصياغته، مصرياً في وضعه
وغايته.
وهل أبلغ من أن يطبق القضاء
المصري – في الوقت الذي يخلص له فيه السلطان – تشريعاً مصري الأركان والبنيان
فتقترن سيادتنا القضائية بسيادتنا التشريعية؟
ظروف وضع
التقنين الحالي: (4)
الواقع أنه لم يعد ثمة ما
يبرر الإبقاء على تقنينا المدني، نظرا لما اعتوره في تكوينه ونشأته الأولى من عيوب
ونقائص. وقد احتملته البلاد على ما به، بسبب ظروفنا وأحوالنا الماضية الأليمة، ثم
هو قد أضحى اليوم – بعد أن تقدم الزمن وتطورت أوضاع التعامل – متخلفاً عن عصرنا،
قاصراً عن مواجهة تلك الأوضاع عندنا.
فمن المعلوم أن أول تقنين
مدني وضع في مصر هو التقنين المدني المختلط الصادر في سنة 1876، وقد انفرد بوضع
هذا التقنين وغيره من التقنينات المختلطة في سنة 1870 الأستاذ مانوري، أحد
المحامين الفرنسيين وقد اقتصر الأمر في وضع التقنين المدني المختلط على مجرد النقل،
في اقتضاب جائر، عن التقنين المدني الفرنسي بسبب الظروف القاهرة التي كانت تدعو
إلى التعجيل من ناحية، وبسبب الرغبة في تيسير إقناع الأجانب بوجوب إقرار الوضع
الجديد من ناحية أخرى ثم استقر الرأي عند إنشاء المحاكم الأهلية على أن تكون
تقنيناتها مطابقة في جملتها للتقنينات المختلطة، حتى يستطاع في أقرب وقت إحلال هذه
المحاكم محل المحاكم المختلطة. ولذلك ولأغراض وطنية سامية أخرى، اضطر فخري باشا
إلى المبادرة بإصدار التقنينات الأهلية على هذا الوجه في سنة 1883، وخرج التقنين
المدني الأهلي، وهو يكاد لا يختلف عن التقنين المدني المختلط إلا في تفصيلات
قليلة.
علة بقاء التقنين الحالي
حتى اليوم : (5)
في هذه الظروف، وضع
تقنيننا المدني فكان تقنين الضرورة والعجلة. وشاءت الأحداث أن تمد في بقاء نظام
الامتيازات فظل هذا التقنين قائماً تتكشف عيوبه يوماً بعد يوم، وحيلة مصر فيه
قاصرة فلن ينس ما كان يبذل من جهد في عقد المؤتمرات الدولية وتبادل الرسائل الدبلوماسية،
أو عقد الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة لتعديل حكم تفصيلي من أحكام
تقنيننا المدني. فبقاء هذا التقنين خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن لم يكن يرجع
إلى فضائله أو كفايته الذاتية، وإنما كان يرجع إلى ظروف أخرى أخصها قيود نظام
الامتيازات الأجنبية. ولولا جهود القضاء الإنشائية في تأويل الأحكام في مواطن
كثيرة، واجتهاد الفقه في استنباط التفسير من المصادر الأصلية لهذا التقنين لما
استقام له أمر أو قوم له عوج.
إجمال عيوب التقنين الحالي:
(6)
إن نظرة واحدة في نصوص
تقنيننا المصري تكفي للاقتناع بأن فيه من المآخذ ما يحتم تعديله تعديلاً شاملاً،
فقد صيغ صياغة معيبة قوامها الإسراف في الاقتضاب شاع فيه بسببها من القصور والغموض
ما يجعله عاجزاً عن أداء رسالته، دون اعتماد على مصدره الأصلي.
هذا من ناحية، ومن ناحية
أخرى، فقد انتابه شيء غير قليل من التناقض والخطأ، مما يجب أن يتنزه عنه كل تقنين،
فإذا أضفنا إلى ذلك تلك العلة الطارئة التي أشرت إليها سابقاً، وهي تخلف هذا
التقنين عن التقدم الذي بلغته البلاد، بدت عيوب هذا التقنين واضحة جلية.
(أ) عيوب
التقنين الحالي من حيث الموضوع : (7)
1 – الاقتضاب والقصور:
أول ما يؤخذ على التقنين
الحالي اقتضاب في الصياغة جاوز حدود المقبول، وأورثه قصوراً ظاهراً في كثير من
الموضوعات الهامة. فهو يعالج في الكتب الأربعة – التي وزعت بينها نصوصه –
المعاملات المالية في 639 مادة، في حبن أن التقنين الفرنسي الذي نقل عنه يفسح لهذا
القدر عينه زهاء 1300 مادة. فإذا لاحظنا أن التقنين الفرنسي كان في عصره مثالاً
لإيجاز العبارة ودقتها، لوضح لنا أن إغفال نصف هذه النصوص لا يمكن أن يتم إلا على
حساب مزايا التقنين بما أورثه من القصور والاقتضاب.
فإذا أضفنا إلى اقتضاب
تقنيننا قصور التقنين الفرنسي نفسه وجمعنا ما ينقص التقنينين من مسائل لا يخلو
منها اليوم تقنين حديث، لانتهينا من ذلك إلى أن طائفة من أهم موضوعات القانون
المدني وأوسعها نطاقا في التطبيق العملي لا يعرض لبعضها التقنين الحالي إطلاقاً.
أو يعرض لبعضها الآخر في صورة هي أقرب في الواقع إلى الإغفال والإهمال.
ونشير في هذا المقام إلى
أمثلة بارزة من هذه الموضوعات، دون أن نحاول استقصاءها، فتجتزئ بذكر نظرية التعسف
في استعمال الحق وأحكام تنازع القوانين في الزمان والمكان والجمعيات والمؤسسات، وطائفة
من الأحكام الأساسية في نظرية العقد، كالمبادئ المتعلقة بتكوين العقود والنيابة في
التعاقد، والتعهد على الغير والصورية، والدفع بعدم التنفيذ، وعقود الإذعان، والتهديدات
المالية، والالتزامات الطبيعية، والظروف الطارئة، وكثير من أحكام نظرية الالتزام
في مصادره وآثاره، كالإرادة المنفردة والمسئولية عن الأشياء الخطرة، والإثراء بلا
سبب، وآثار الالتزام في ذاته، وحوالة الدين، والإعسار المدني، وبعض العقود المسماة
: كعقد العمل وعقود الاحتكار، والمنافع العامة، وعقد التأمين، وطائفة من الأحكام
الخاصة بالملكية والحقوق العينية، كالملكية في الشيوع، وحق الارتفاق، والحيازة، وتصفية
التركات. هذه أمثلة لموضوعات يعلم المشتغلون بالقانون حاجة للقضاة والمتقاضين إلى
نصوص واضحة في شأنها، ينقطع بها دابر الخلاف، وتستقر على أساسها المعاملات.
تلك هي بعض الأمثلة التي
اشترك فيها التقنينان المصري والفرنسي. وليت الأمر وقف عندنا عند هذا الحد، فقد
تجاوزه مع الأسف كثيراً إذ أن واضع التقنين المصري - وقد التزم في النقل هذا
الاقتضاب الذي تقدمت الإشارة إليه – لم يجد بداً من تضحية الكثير من أحكام التقنين
الفرنسي نفسه. فانفرد تقنيننا بالقصور في نواح كثيرة، وأغفلت نصوصنا قواعد بالغة
الأهمية، تناولها التقنين الفرنسي بصورة أو أخرى. وقد يضيق نطاق هذه الكلمة عن حصر
هذه القواعد جميعاً، فاكتفي بأن أذكر منها ما يتصل بإثبات السبب في العقد، والاحتجاج
بالصورية، والنفوذ الأدبي في الإكراه، وغيره من التفاصيل المتعلقة بعيوب الرضا
والمسئولية عن الإضرار التي تقع بسبب البناء، والاشتراط لمصلحة الغير ونفي الثابت
بالكتابة وقيود الملكية، وبعض نواحي حقوق الارتفاق، وحسن النية في تملك العقار
بالتقادم الخمسي. وكلها من الموضوعات التي تكثر تطبيقاتها في الحياة العملية.
ثم إن واضع تقنيننا لم
ينتبه إلى أن الاقتصار على أحكام المعاملات المالية يقتضي تنظيم بعض الموضوعات
الهامة التي تتصل بهذه المعاملات من ناحية، وتتصل بالأحوال الشخصية أو بالمسائل
الشرعية من ناحية أخرى. فقد اعتبر الميراث والهبة من أسباب كسب الملكية ولكنه لم
يزد على النصوص العامة أي تفصيل. وإزاء هذا القصور، اضطرب الفقه والقضاء في أهم
التطبيقات، التي تعرض في الحياة العملية، أيأخذان في خلافة الوارث بقاعدة استمرار
شخصية المورث في أشخاص الورثة وفقا للقانون الفرنسي ؟ أم يأخذان بالمبادئ المقررة
في الشريعة الإسلامية، ويقضيان بتطبيق قاعدة " لا تركة إلا بعد سداد الدين
"؟ وفي تقادم حق الوارث في التركة والتقادم الخاص بتملك الوقف، أيأخذان
بالمدة المقررة في القانون المدني، وهي خمس عشرة سنة، أم بالمدة المقررة في الفقه
الإسلامي، وهي ثلاث وثلاثون سنة؟ وإلى أي حد يطبقان قواعد الشريعة الإسلامية في
الهبة؟ أيقران الرجوع فيها وفقا لهذه القواعد؟ أم يحكمان القانون المدني، ويمنعان
الرجوع؟ هذه أمثلة لها نظيرها في الأهلية وفي سلطة الأولياء، وفي الغبن في بيع
عقار القاصر، وإجارة أعيان الوقف، وغير ذلك من الموضوعات التي تكثر تطبيقاتها
العملية، والتي تختلف في شأنها أحكام القضاء، دون أن يوجد في نصوص التقنين ما يسد
ذرائع الخلاف.
2 – الغموض: (8)
أما الغموض فيسود طائفة لا
يستهان بها من نصوص تقنيننا، وهو يرجع كما أسلفنا إلى ذلك الميل الجامح إلى
الاقتضاب ومن ذلك مثلاً أن قاعدة تملك الحائز حسن النية للثمار تستخلص من طريق
مفهوم المخالفة من المادة 146، مع أن القانون الفرنسي اختصها بنص صريح على أن
الغموض قد يبلغ أحيانا مبلغ الألغاز فلا يتيسر للفقيه مهما أوتي من قدرة على
الاستنباط والتخريج أن يستخلص من النص حكماً واضحاً ومن هذا القبيل المادة 137
التي تقضي بأن : " من عقدت على ذمته مشارطة بدون توكيل منه فله الخيار بين
قبولها أو رفضها " فهل ينصرف هذا النص إلى عقد الفضولي بالمعنى المعروف في
الشريعة الإسلامية ؟ أم هو ينصرف إلى الوعد بحمل الغير على التعاقد أم هو لا يقصد
هذا أو ذاك، وإنما يواجه الاشتراط لمصلحة الغير. الواقع أن هذا النص مغرق في
الإبهام والغموض مما جعل الفقه والقضاء يصرفانه تارة إلى احتمال من هذه
الاحتمالات، وتارة يصرفانه إلى احتمال أخر مع بُعد الشقة وقيام الفارق. ولهذا
النوع من الغموض أمثلة كثيرة نكتفي منها بالإشارة إلى النصوص المتعلقة بالدعوى
البوليصية (م 143)، ودعوى استعمال حقوق المدين (م 141)، والالتزام الطبيعي (م 147)
ومحل الالتزام (م 95)، والسبب (م 94) والحيازة (م 76)، والغلط في عقد الصلح (م
535)، والشرط الجزائي (م 98) والتضامن (م 109 – 115)، والفضالة (م 144). واختلاف
أحكام المحاكم فيما بينها من جراء غموض هذه النصوص مشهور، لا حاجة بنا إلى مزيد من
بيان.
3 – التناقض
والخطأ: (9)
ولم يقف الأمر عند هذا
الحد فحسب، بل جاوزه إلى التناقض والخطأ. فمن أمثلة التناقض ما نصادفه في تمسك
المدين المتضامن بالمقاصة، وفي تبعة هلاك المبيع. فالمادة 113 لا تجيز للمدين
المتضامن المتمسك بالمقاصة " الحاصلة لغيره من المدينين المتضامنين "
والمادة 201 تجيز له أن يتمسك
" بالمقاصة المستحقة لباقي المدينين المتضامنين بقدر حصتهم في الدين ". والمادة
241 تحمل المشتري تبعة هلاك المبيع إن كان من المثليات. والمادة 297 تجعل هذه
التبعة على البائع.
وهناك أخطاء لا يجدي في
تصحيحها إلا العدول عن النص كلية في غير تردد. ففي التملك بالتقادم الخمسي يغفل
شرط حسن النية (م 76). وفي الشرط يعطف بين استقباله وعدم تحققه " بأو "
التخييرية، مع أن الأمرين واجب توافرهما معاً (م 103). وفي بيع المريض مرض الموت
(م 255 و256) يخطئ التقنين في نقل أحكام الشريعة الإسلامية، فيجعل العبرة بقيمة
المبيع، لا بالقدر المحابى به، وينظر إلى هذه القيمة وقت البيع لا وقت الموت، وفي
بيع الشيء المعين بنوعه يقضي بأن الملكية تنتقل بالتسليم (م 268)، والصحيح أنها
تنتقل بالتعيين. وفي القسمة يقضي التقنين المختلط باعتبارها منشئة (م 555)، والصحيح
أنها كاشفة أو مقررة، وفي الشرط الجزائي تعتبر المادة 98 الالتزام بدفع الجزاء
التزاماً تخييريا، والصحيح أنه في غير ذلك. وهو لا يخرج عن حكم التعويض إلا في
حدود تعيين مقداره بالإنفاق، وفي النفقة يأتي بنصوص هي مضرب المثل في الخطأ.
(ب) عيوب
التقنين الحالي من حيث الشكل: (10)
1 – التبويب:
هذه وتلك أمثلة تعتبر من
قبيل القليل في نسبته إلى الكثير. وقد ساعد على بروز عيوب تقنيننا من الناحية
الموضوعية عيوب شكلية تتصل بالتبويب من ناحية، وباللغة من ناحية أخرى. ففيما يتعلق
بالتبويب وزعت مواد التقنين المصري بين كتب أربعة:
تناول أولها الأموال
والحقوق العينية دون أن يجعل للأموال كياناً خاصاً مع أنها تكون محلا للحقوق
العينية والشخصية بغير تفريق، وأفرد الكتاب الثاني للالتزامات، والثالث للعقود مع
أن العقود لا تعدو أن تكون تطبيقاً خاصاً لنظرية الالتزام وجمع في الكتاب الرابع
بين ما سماه حقوق الدائنين وصرفه بوجه خاص إلى التأمينات وما سماه إثبات الحقوق
العينية دون أن يتحرج من إضافة نصوص تتعلق بقلم الكتاب.
وغني عن البيان أن هذه
الكتب الأربعة لم يمهد لها قسم عام يتسع لأحكام يتناول تطبيقها نواحي القانون
جميعاً كالأحكام المتعلقة بمصادر القانون وسوء استعمال الحق والقانون الدولي الخاص
والشخصية المعنوية.
ثم إن الترتيب التفصيلي
لكل كتاب من الكتب الأربعة لم يخل من عيوب نكتفي بإيراد بعض أمثلة منها:
ففي الكتاب الأول وضعت
قاعدة إنزال الحيازة في المنقول منزلة السند المثبت للملكية في الفصل المخصص للعقد
مع ما بين أحكام الوضعين من اختلاف.
وفي الكتاب الثاني جمعت
النصوص المتعلقة بالإثراء بلا سبب والنصوص المتعلقة بالفعل الضار في باب واحد دون
تمييز .
وفي الكتاب الثالث وضعت
بعض القواعد المتعلقة بالملكية الشائعة والقسمة في سياق النصوص الخاصة بالشركات مع
أن مكانها الطبيعي في الكتاب الخاص بالملكية والحقوق العينية .
وفي الكتاب الرابع أقحمت
نظرية الحوالة على الأحكام الخاصة بالبيع مع أن مكانها الطبيعي في النصوص المتعلقة
بالنظرية العامة للالتزام. لأن الحوالة كما تكون بمقابل قد تكون بغير مقابل وكما
تكون نافلة للحق قد تكون وسيلة للرهن. ثم إن رهن الحيازة وضع في الكتاب الثالث مع
العقود العينية ووضعت أحكام الرهن الرسمي في الكتاب الرابع الذي تضمن القواعد
المتعلقة بالتأمينات العينية مع أن هذين النوعين من الرهن يصدران عن فكرة واحدة
ويجب أن يجمعا معاً .
2 – اللغة :
ويراعى من ناحية أخرى أن
التقنين الحالي صدر بلغتين ولم تسلم عبارته في إحداهما من اضطراب ملموس في مواطن
كثيرة. فقد وضع أصلا باللغة الفرنسية واعتبرت الترجمة العربية في التقنين الأهلي
بصيغة رسمية. وقد نشأت صعوبات جمة من اختلاف الترجمة عن الأصل أفضت إلى حيرة
المتعاملين وحيرة الفقه والقضاء جميعاً. ففي الغلط يشترط النص العربي (المادة 134)
أن يكون وارداً على أصل الموضوع المعتبر في العقد ويتطلب النص الفرنسي أن يكون
وارداً على الاعتبار الرئيسي الذي ينظر إلى الشيء من خلاله في العقد. وفي التدليس
مثلا يقضي النص العربي (المادة 136) بأن يكون صادراً من أحد المتعاقدين ولا يشترط
النص الفرنسي ذلك وفي المسئولية التقصيرية وهي من أهم الموضوعات يغفل النص العربي
(المادة 151) ذكر التقصير من بين أركانها ويخصه النص الفرنسي بالذكر صراحة وفي
المادة 94 يستفاد من النص الفرنسي أن السبب ركن لوجود الالتزام. أما النص العربي
فيجعل منه شرطاً لصحته. وفي هذه الأمثلة – وغيرها في نصوص التقنين المصري كثير –
اختلفت أحكام المحاكم وتضاربت وتأثرت من جراء ذلك حقوق المتعاملين .
وليس المجال في هذا كله
مجال مفاضلة بين نص وآخر وإنما الجوهري في هذا الصدد هو أن مثل هذا الاختلاف انتهى
بالفقه والقضاء إلى ترجيح النص الفرنسي. وبهذا أضحى النص العربي الرسمي مهملاً من
الناحية العملية مع أن التقنين وضع أصلاً للكافة بل وليت بعض العبارات التي
استعملت في النسخة العربية كانت صحيحة من حيث التراكيب الاصطلاحية القانونية فقد
استعملت بعض ألفاظ لا تمت إلى الاصطلاح القانوني بصلة مما جعلها مفتقرة إلى الدقة
العلمية وسلامة التعبير. فمن أمثلة الافتقار إلى الدقة في التعبير العلمي أن
المترجم استعمل لفظ " الإلغاء " كمرادف " للبطلان " في بعض
المواطن (المادتان 48، 53) مع أن الأمرين يختلفان اختلافاً جوهرياً. واستعمل لفظ
" التعهد " كمرادف " للالتزام " مع أن التعهد لا ينصرف إلا
إلى التزام مصدره الإرادة. واستعمل كلمة " الفعل " كبديل من اصطلاح
التصرف والأولى ليست لها دلالة اصطلاحية معينة أما الثانية فتصرف إلى العقد
والإرادة المنفردة. ومن الأمثلة على ضعف الأسلوب وركاكة التعبير ترجمة الدولة
" بالميري " والاستيلاء بوضع اليد والالتصاق " بإضافة الملحقات
للملك " والدائن " بالمداين " واستعمال تعبير " الاستحصال
" و " الاستحضار " و " الملزومية " وغير ذلك مما لا يسوغ
بقاؤه في لغة التقنين .
تعليل بقاء
التقنين رغم عيوبه : (11)
هذه أمثلة للعيوب التي
تؤخذ على تقنيننا. فكيف ظل هذا التقنين قائماً طوال المدة الماضية؟ هناك حقيقة
جوهرية لا يجوز إغفالها في هذا الصدد. فمن المحقق أن مصر لو ركنت إلى هذا التقنين
وحده لما قضت من أمرها شيئاً ولما استطاع القاضي أو الفقيه أو الفرد أن يجد في
نصوصه غناء في كثير من الأحيان. هذه الحقيقة هي أن التقنين الفرنسي ظل ظهيراً
لتقنيننا وسنداً له وعماداً يسد نقصه وبرأب صدعه ويجلو غامضه ويفصل مجمله ويداوي
عيوبه. فإذا لم نجد نصاً في تقنيننا أو صادفناً غموضاً أو لبساً استعنا بأصله
ورجعنا إليه وإذا قام التناقض واستشكل الأمر قلنا إن المشرع قصد إلى الأخذ بما هو
قائم في المستقي. وإذا وجدنا خطأ طرحناه واستعضنا عنه بالحكم الفرنسي في غير تحرج.
وهكذا لولا التقنين الفرنسي اتخذناه أصلا يعتمد عليه وملاذاً يرجع إليه لما استطاع
تقنيننا أن يعيش منفرداً يؤدي الرسالة التي قصد إليها واضعوه ويفصل الأحكام التي
أرادها ناقلوه .
وقد كان للقضاء المصري
الفضل الأكبر والأثر الأبلغ في علاج عيوب تقنيننا فاعتمد بوجه خاص على التقنين
الفرنسي يضعه في يد ويضع تقنيننا في اليد الأخرى. وسار في اجتهاده ينشئ الأحكام
إنشاء ويبتكر الحلول ابتكاراً بوسائل شتى وطرق متعددة .
وعلى هذا النحو اضطر
دائماً قضاؤنا إلى أن يعتمد على مصدر التقنين إلى أقصى حد وفي أوسع نطاق وهكذا
زخرت أحكام المحاكم بثروة ضخمة يربو ما تفرق فيها من المبادئ القانونية على ما
تضمن التقنين المدني نفسه من أحكام، وستأتي أمثلة كثيرة لذلك عند التكلم على
التقنين الحالي وقضاء المحاكم المصرية.
هل أدى تقنيننا
رسالته ؟ (12)
لنا أن نتساءل بعد هذا هل
أدى تقنيننا رسالته؟ الأصل في كل تقنين أن يكون متناً جامعاً لأكثر القواعد
والأحكام. والحقيقة الملموسة هي أن الكثرة الغالبة من قواعد القانون المدني في مصر
لا تظهر بين دفتي هذا التقنين وإنما هي مبعثرة في أحكام المحاكم كما ذكرنا
والمحاكم إنما تستقيها بوجه خاص من مصدر بعيد جداً عن آحاد الناس وهم أول
المخاطبين بأحكام التقنين ولهم يسن مثل هذا التشريع فأين من هؤلاء من يستطيع أن
يضرب في مهامه التقنين الفرنسي ويسترشد بقضائه وفقهه؟ يضاف إلى هذا أن نصوص هذا
التقنين لو عزلت عن مصدرها وأريد بها أن تطبق وحدها دون التماس العون من التقنين
الفرنسي لما استطاعت أن تغني المصريين عن إصدار تشريع كامل. فأين نحن والحال كذلك
من نظام التقنين الذي يجب أن يعتمد على ذاتيته أول ما يعتمد؟
حاجة الأصل
الفرنسي إلى التنقيح : (13)
على أن توفيق القضاء
المصري في تدارك ذلك النقص الجسيم في تقنيننا لم يكن من شأنه أن يسد الحاجة. فثمة
مآخذ وفجوات تكشف عنها تطور الزمن وتحول أوضاع التعامل وتقدم العلم في العصر
الحديث وقد ظهرت أثار ذلك في التقنين الفرنسي نفسه حتى اصبح بوضعه الراهن عاجزاً
عن أن يساير هذا التحول أو التقدم أو يماشي ذلك التطور وعاجزاً عن أن يمد تقنيننا
بأي عون في شأنهما. ولذلك صح عزم الفرنسيين انفسهم على تعديل تقنينهم تعديلا شاملا
فشكلوا لهذا الغرض لجنة بمقتضى المرسوم الصادر في 7 يونيه سنة 1945 أسندت رياستها
إلى الفقيه الفرنسي المعروف " جوليوده لامورانديير " وقد عبر هذا الفقيه
عن رأي اللجنة وعن رأي الأوساط الفنية في وجوب التعديل الشامل في قوله : "
لقد كان هذا التعديل ضرورياً. وقد ألحت الحاجة إليه منذ زمن بعيد كان التقنين
المدني في عصره أثراً فريداً ومثالاً فذاً لتماسك البنية ووضوح العبارة ودقة
الأداء. ولكن مائة وخمسين عاماً قد انقضت على ظهور التقنين الفرنسي تطور خلالها
القانون في ظل التقاليد والظروف الاقتصادية فأصبح هذا التقنين عتيقاً في طائفة من
أحكامه قاصراً في طائفة أخرى وقد صدرت قوانين كثيرة تتفاوت فيما بينها من حيث
الجودة أثقلت كاهله دون أن ترعى ما امتاز به من وحدة في الصياغة أو التصوير. ولم
تنتقص هذه الظروف من هيبة التقنين الفرنسي في فرنسا فحسب، بل وفي الخارج. فقد ظهرت
تقنينات حديثة نحته عن مكانته وظفرت بإيثار كثير من المشرعين في الدول الأجنبية. ولذلك
أصبح من الضروري أن يعاد النظر في أصول التشريع على نحو يكفل تجديد النظم
القانونية في فرنسا ويرد على التقنين الفرنسي ما كان له من هيبة وروعة (مجموعة
أعمال لجنة تعديل القانون المدني الفرنسي باريس سنة 1947 صفحة 7).
تعديل القانون
الفرنسي يجعل تعديل التقنين المصري ضرورياً : (14)
هذا هو رأي الفرنسيين في
وجوب تعديل تقنينهم تعديلاً شاملاً وهو خير رد على ما ذهب إليه بعض فقهاء فرنسا في
سنة 1904. وليس اقطع منه دليلا على أن تقدم العلم وتطور الزمن قد جعلا هذا التعديل
ضرورة لا معدى عنها ولا سبيل إلى إنكار سلطانها. وليس اقطع منه دليلا على أن
تقنيننا وهو الذي ولد ناقصاً منذ نشأته وجاء معيباً من بدايته أولى وأخلق بمثل هذا
التعديل الشامل. والحق أن اقتضاب تقنيننا وتطور الزمن واتساع نطاق المبادئ التي
أقرها القضاء كل أولئك يحتم تعديل هذا التقنين تعديلا شاملا والا فقدنا إلى حد
كبير جداً مزية التقنين وأورثنا نظمنا القانونية جموداً وغموضاً لهما أوخم العواقب
وليس يجدي في تقنين المبادئ التي أقرها القضاء أو أسفر عنها التقدم الحديث أي
تعديل جزئي من طريق تنقيح بعض النصوص أو إضافة بعض أخر لأن التقنين نفسه لم يوضع
كاملا أو قريبا من الكمال في الأصل وإنما وضع قاصرا وزاده الزمن قصورا على قصور .
ولعل هذه الحقيقة تتضح
بجلاء لا يدع مجالا لأية شبهة أو أقل ريب إذا راعينا أن الموضوعات الجديدة التي
عالجها المشروع المعروض استغرقت عددا من النصوص يزيد على ثلثي نصوص التقنين الحالي
فقد أورد المشروع زهاء خمسمائة مادة لمصادر القانون وتنازع القوانين في الزمان
والمكان والشخصية القانونية والجمعيات والمؤسسات وأركان العقد وأسباب ارتفاع
المسئولية، والمسئولية الناشئة عن الأشياء واستكمال ما يكفل حقوق الدائنين من
وسائل التنفيذ والضمان وتنظيم الإعسار وحوالة الدين وآثار الهبة والرجوع فيها
وعقود المقاولة والمرافق العامة والعمل والحراسة والتأمين والشيوع وتصفية التركات
والحيازة والحكر. فإذا كان وجوب تنظيم هذه الموضوعات في التقنين مسلما وكان من
المسلم كذلك وجوب إضافة أحكام تفصيلية أخرى فلا يقبل أن يكون التعديل جزئياً لأن
الإضافة ستكون بمثابة تقنين جديد يصبح في جرمه معادلاً للتقنين القائم فضلا عما
يفقده التقنين من التجانس والانسجام فتضيع الوحدة ويذهب التماسك. وليسمح لي سعادة
عبد الوهاب طلعت باشا ....
حضرة الشيخ المحترم عبد
الوهاب طلعت باشا : أنا لم أدخل في تفصيلات الموضوع حتى تعرض بي في بعض
المناسبات. ولكني كنت أقصد من التأجيل أن يكون لدينا من الوقت ما يتسع لبحث
المشروع ودرسه دراسة وافية كما درستموه .
المقرر : تقنين أحكام
القضاء وتعليب الطابع الوطني :
يضاف إلى ذلك أن قضاءنا قد
أضفى على ما أقره من المبادئ طابعنا المصري، فليكن التعديل الشامل وسيلة لتقنين
هذه المبادئ وإبراز الطابع المصري فيها. وليكن التعديل الشامل وسيلة لإعادة تبويب
التقنين المصري تبويباً يساير التقدم الحديث. وليكن التعديل الشامل فرصة مواتية
لإعادة صياغة النصوص بلغة هذا الجيل وأساليبه في التشريع فنسجل ما بلغنا من تقدم
في السبعين سنة الماضية والواقع أننا بلغنا في حياتنا القومية مرحلة ينبغي أن
نسجلها في هذا التقنين فنسجل بذلك ما توافر لنا من أسباب التقدم في القضاء
والتشريع ونسجل كفايتنا لحمل تبعات السيادة وأداء تكاليفها .
وها هي إيطاليا قد عدلت
تقنينها المدني المستمد من التقنين الفرنسي تعديلاً شاملاً خلال الحرب الأخيرة ثم
ها هي فرنسا تهم بإخراج تقنين لتسجل مرحلة جديدة من مراحل حياتها .
فأي زمان أولى وأجدر
بالتسجيل في حياة مصر من هذا الزمن الحالي الذي يفصل حقاً بين مرحلتين ويميز صدقاً
بين حقبتين.
سياسة المشروع
الجديد : (15)
هذه هي الاعتبارات التي
تجعل من التعديل الشامل لتقنيننا مسألة لا تحتمل الشك أو التردد. والأمر الحري
بالنظر في شأنها دون غيره هو سياسة المشروع الجديد. فكل جديد يراد له التوفيق
ينبغي أن يكون موصولاً بالوضع الذي تقدمه على وجه لا يهز من قوائم الاستقرار
والاتصال في حياة الأفراد والجماعات .
ومما يجب أن أشير إليه في
هذا المقام أن المشروع المعروض قام على دعامتين رئيسيتين:
الأولى : الاحتفاظ بالصالح
من أحكام التقنين القائم لأبعد الحدود، فما من حكم صالح من هذه الأحكام إلا وأخذ
به مع تهذيبه التهذيب الواجب .
والثانية : تقنين ما استقر
من المبادئ في أحكام القضاء المصري مع ترجيح ما كان منها خليقا بالرجحان عند
اختلاف المحاكم.
وعلى هذين الأساسين أقام
المشروع أكثر من ثلاثة أرباع القواعد الواردة فيه فانتفع بتراث الماضي وجعل
الانتقال من الوضع القديم إلى الوضع الجديد مجرد تطور طبيعي لا يختلف أمره من هذا
الوجه عن أي إصلاح يستبدل الخير بالذي هو أدنى في غير تطرف أو عنف وعلى هذا النحو
لا يقطع المشروع الصلة بين الحاضر والماضي وإنما هو ييسر الانتفاع بما استقر من
صالح الأحكام في التقنين الحالي وفي أحكام القضاء ويصقلها صقلاً يجعلها أقرب
منالاً وأوضح نهجاً، وقد عمد المشروع فوق ذلك إلى أحكام التلاؤم بين القدر الذي
استحدثه من القواعد وبين المبادئ العامة التي ألفها الناس في التعامل من قبل. وبهذا
يسر سبيل الانتفاع من الإصلاح .
تبويب المشروع
الجديد ولغته : ([16])
والمشروع الجديد قد وزعت
نصوصه بين قسمين يمهد لهما باب أُفرد للأحكام العامة ويتناول هذا الباب في فصل أول
القانون وتطبيقه في الزمان والمكان، ويعقد فصلاً ثانياً للأشخاص الطبيعيين
والأشخاص الاعتباريين وبوجه خاص الجمعيات والمؤسسات ويفرد فصلاً ثالثاً لتقسيم
الأشياء والأموال. ويتناول القسم الأول الالتزامات فيخص نظرية الالتزامات بوجه عام
بكتاب يعنى فيه بمصادرها وبنظرية الالتزام في ذاته. وبهذا يبرز ذاتية هذه النظرية
وأهميتها ويخصص للعقود المسماة كتاباً أخر يعالج ما يقع منها على الملكية كالبيع
ثم يرد على الانتفاع بالشيء كالإيجار ثم ما يرد على العمل كالمقاولة. وينتقل إلى
ما يتوافر فيه معنى الغرر كالتأمين وينتهي بالكفالة. أما القسم الثاني فيشتمل على
كتاب للحقوق العينية الأصلية كالملكية والارتفاق وآخر للحقوق العينية التبعية
كالرهن والامتياز. وما من شك في أن هذا التبويب يسمو في أسسه وتفاصيله على تبويب
التقنين الحالي ويصدر عن منطق سليم يساير الحركة العلمية ويعتد بالحقائق العملية
في آن واحد وهو في خطوطه الرئيسية ييسر للباحث ادراك الارتباط بين مختلف الموضوعات.
وفضلاً عن ذلك فقد صيغت نصوص هذا المشروع بلغة عربية سليمة يأنس لها ذوق الإصلاح .
وجوه الإصلاح
من حيث الموضوع : (17)
وقد تضمن المشروع من حيث
الموضوع إصلاحات جوهرية أشرنا من قبل إلى ضرورة تحقيقها فاستكمل الموضوعات التي
نشكو من اقتضابها في التقنين الحالي كتكوين العقد والمسئولية التعاقدية والتقصيرية
والملكية الشائعة وملكية الطبقات والهبة. وجمع شتات موضوعات أخرى تفرقت في غير
نظام في التقنين الحالي وأكمل أحكامها فأظهر بذلك نواحي تواصلها وتماسكها كموضوع
الحيازة وحقوق الارتفاق وحقوق الامتياز والحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ
والنيابة في التعاقد .
وعالج من الموضوعات
الجديدة طائفة استفاضت الشكوى من إهمالها كتنازع القوانين والشخصية المعنوية
وحوالة الدين وعقود المنفعة العامة وعقد العمل والتامين والحكر وإيجار الوقف والإعسار
وتصفية التركات. هذا إلى تدارك العيوب التفصيلية التي حفل بها التقنين الحالي وأجملناها
فيما تقدم. وبذلك خلا المشروع من الاقتضاب والغموض والخطأ والتناقض واستكمل كثيراً
من الأحكام الجزئية – فنصوص المشروع – كما أقرته لجنة القانون المدني في مجلسكم
الموقر – تبلغ 1152 مادة تدخل فيها المواد الخاصة بالموضوعات الجديدة واستكمال
الموضوعات الأخرى وهو رقم معتدل كل الاعتدال إذا قورن بنظيره في تقنينات الدول
الأخرى بل وإذا قورن بنظيره في التقنين الحالي مع مراعاة حاجته إلى الإضافة .
الاتجاهات
العامة في المشروع : (18)
لا تقتصر مزايا المشروع
على حد تدارك ما يعاب على التقنين الحالي واستحداث ما يسد نقصه ولكنها تجاوز هذا
الحد إلى وجود نهج جامع في وضع الأحكام وصياغتها يجعل لتشريعنا قيمة ذاتية. فالمشروع
تسوده نزعة ظاهرة إلى دعم استقرار التعامل. فهو من هذه الناحية يصطبغ بصبغة عملية
واضحة تعتبر من أهم فضائل التقنين في الوقت الحاضر مع مراعاة أنه لا يضيق على
القاضي كل التضييق من جهة ولا يوسع عليه كل التوسيع فيما يتعلق بسلطة التقدير من
جهة أخرى وإنما يسلك مسلكاً وسطاً فيمكن القاضي من مواجهة تباين الظروف في الحدود
المعقولة وبذلك يكون تطبيق النصوص أكثر تمشياً مع العدالة ولكن في غير إخلال بما
ينبغي للمعاملات من استقرار ويراعى أخيرا أن المشروع يجاري نزعات عصرنا في أهدافه
الاجتماعية والاقتصادية من ناحية يوفق بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة. وأمثلة هذا
التوفيق كثيرة في النصوص أخذها ما يتعلق بإقامة نظرية عامة لسوء استعمال الحق ومن
ناحية أخرى يحيط الضعيف بحماية ترد عنه حيف القوي. ومن أمثلة هذه الحماية تفسير
عقود الإذعان لمصلحة المذعن وضمانات عقد العمل وحماية المدين من العنت الناشئ عن
الحوادث غير المتوقعة وقصر حق الاختصاص على ما يكفي للوفاء بالدين وجواز مساءلة
غير المميز عن التعويض إن تعذر الحصول على تعويض ممن يسأل عنه .
فالمشروع بهذه الاتجاهات
يعبر تعبيراً صادقاً عن النزعات الحديثة في العدالة الاجتماعية في حدود معقولة .
مصادر المشروع
: (19)
هذه هي الصورة العامة
للمشروع الذي يعرض على حضراتكم. وأرى من واجبي أن أنتقل إلى ناحية أخرى لها
أهميتها البالغة وأثرها الفعال تلك هي ناحية المصادر التي استقيت منها أحكام
المشروع مع التفريق في هذه المصادر بين ما يعتبر مرجعاً اشتق منه جوهر الحكم
اشتقاقاً وبين ما يعتبر مجرد أداة لصياغة الأحكام والإفصاح عن دلالتها .
والواقع أن للمشروع
المعروض طائفتين من المصادر :
الأولى : مصادر الأحكام
الموضوعية .
الثانية : مصادر الصياغة .
والأولى هي التي تكشف عن
مبلغ اتصال المشروع بالموروث من تقاليد الماضي والمألوف في حياة المصريين في الوقت
الحاضر .
والثاني هي التي تنبئ
بقيمة الجهد العلمي الذي بذل في إعداد هذا المشروع. ومما يدعو إلى الاغتباط أن المشروع
استقى أحكامه الموضوعية أولاً وبوجه خاص من الصالح من قواعد التقنين الحالي وما
استقر في أحكام المحاكم المصرية من مبادئ كما أسلفت. ثم استعان بعد ذلك بمصدرين
آخرين هما الشريعة الإسلامية والقوانين الأجنبية الحديثة .
أما الصياغة وفيها تتمثل
ناحية صناعة التشريع فمصادرها أحدث التقنينات الأجنبية. وسأتناول كل مصدر من هذه
المصادر بشيء من البيان .
التقنين الحالي
وقضاء المحاكم المصرية : (20)
يدين المشروع للتقنين
الحالي وقضاء المحاكم المصرية بأكثر من ثلاثة أرباع الأحكام الواردة فيه. فقد حرص
على أن يستبقى جميع الأحكام الصالحة من هذا التقنين وأن يضم إلى هذه الأحكام ما
استقر من المبادئ والقواعد في قضاء المحاكم المصرية. وهذه حقيقة أنوه بها واسترعى
الانتباه إليها. وها هي المذكرات الإيضاحية المفصلة التي رافقت نصوص المشروع تشير
إلى كل ما يقابلها في التقنين الحالي وإلى مذاهب القضاء المصري وآرائه وتبسط
الأوجه التي تبرر الإبقاء على أحكام هذا التقنين أو العدول عنه في بعض نواحيها .
وها هي نصوص المشروع بين
أيدي حضراتكم تتبينون منها أنها لا تزال تستند في الجزء الأكبر منها إلى المبادئ
الكلية في التقنين الحالي وأنها قننت القضاء المصري تقنينا يكفل للمتقاضين والقضاة
الانتفاع به على أحسن وجه. ولا أود الإفاضة في هذه الناحية من طريق المقارنة ولكن
يكفي أن أشير إلى بعض الأمثلة التي تقل المشروع فيها ما اشتهر من اجتهاد القضاء
كتكوين العقد والصورية والتهديد المالي والالتزامات الطبيعية والتعاقد بالمراسلة
وأحكام المسئولية التقصيرية ولاسيما مسئولية المكلف بالرعاية ومسئولية المتبوع
وأحكام التضامن واعتبار بيع الوفاء رهناً وإبطاله في اكثر الحالات والمقاولة
وتخفيض الشرط الجزائي وعدم جواز تخفيض اجر الوكيل إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة
وضمان العيوب الخفية في الإيجار وتقادم الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية وفي
ذمة ناظر الوقف بخمس عشرة سنة والهبات المشروع فيها ما اشتهر من اجتهاد القضاء
كتكوين العقد والصورية والتهديد المالي والالتزامات الطبيعية والتعاقد بالمراسلة
وأحكام المسئولية التقصيرية ولا سيما مسئولية المكلف بالرعاية ومسئولية المتبوع
وأحكام التضامن واعتبار بيع الوفاء رهناً وإبطاله في أكثر الحالات والمقاولة
وتخفيض الشرط الجزائي وعدم جواز تخفيض أجر الوكيل إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة
وضمان العيوب الخفية في الإيجار وتقادم الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية وفي
ذمة ناظر الوقف بخمس عشرة سنة والهبات
والوصايا المستترة في صورة
بيع والملكية الشائعة وقسمة المهايأة والحراسة والحكر وحقوق الارتفاق والتزامات
الجوار والحكم بالتعويض بدلاً من التنفيذ العيني في مجاوزة الباني حسن النية
مجاوزة يسيرة لحدود ملكه. ولا يقبل التشكيك في هذه الحقيقة بمجرد القول المرسل بل
على المخالف أن يسوق أمثلة تعزز رأيه حتى يستبين وجه الحقيقة والحق .
الشريعة الإسلامية : (21)
أما الشريعة الإسلامية فقد
اعتمد عليها المشروع بوصفها مصدراً من مصادر أحكامه الموضوعية فجعلها من ناحية
مصدراً عاماً يلجأ إليه القاضي إذا لم يجد حكماً في التشريع أو العرف وجعلها من
ناحية أخرى مصدراً خاصاً لطائفة من النظريات والأحكام. فمن الشريعة الإسلامية مع
مراعاة التقنينات الغربية الحديثة من بعض النواحي استمد المشروع المبادئ الخاصة
بنظرية التعسف في استعمال الحق وحوالة الدين ونظرية الحوادث غير المتوقعة ومسئولية
عديم التمييز. ومن الشريعة الإسلامية وحدها استقى المشروع القواعد المتعلقة بمجلس
العقد وإيجار الوقف والحكم وإيجار الأراضي الزراعية وهلاك الزرع في العين المؤجرة
وانقضاء الإيجار بموت المستأجر وفسخه بالعذر والإبراء من الدين والإرادة المنفردة.
هذا إلى أحكام أخرى سبق أن نقلها التقنين الحالي عن الشريعة الإسلامية وحذا
المشروع حذوه في شأنها. ولكن بعد أن هذب التقنين المعروض صياغتها وتجنب ما وقع فيه
التقنين الحالي من خطأ عند نقلها. ومن هذا القبيل الأحكام المتعلقة بالبيع في مرض
الموت والغبن وتبعة هلاك المبيع وغرس الأشجار في العين المؤجرة والعلو والسفل
والحائط المشترك والشفعة. أما الأهلية والمبدأ الخاص بأن لا تركة إلا بعد سداد
الدين فقد استمد المشروع أحكامها من الشريعة الإسلامية ونظمها تنظيماً عملياً
يماشي القواعد العامة وأوضاع الشهر في الوقت الحاضر .
فمشروع التقنين المعروض قد
جاوز في هذا الصدد الحدود التي وقف عندها التقنين الحالي وإنني لأطلب في إلحاح من
جميع من يشككون أو يتشككون في اعتماد المشروع على الشريعة الغراء على الوجه الذي
ذكرته أن يشيروا إلى حكم واحد قائم في تقنينا الحالي قد عدل عنه المشروع المعروض .
القوانين الأجنبية الحديثة
:
(22)
بقي المصدر الثالث وهو
القوانين الأجنبية الحديثة ومن هذا المصدر استقى المشروع أحكاماً قليلة إذا قيست
إلى سائر أحكامه. وهذه الأحكام القليلة تتعلق إما بأوضاع مستقلة أو بمسائل تفصيلية
تصلح لأن يفصل فيها برأي أو أخر في أي تقنين من التقنينات دون أن يخل ذلك بتماسك
أصوله أو قواعده الأساسية. فمن أمثلة الأوضاع المستقلة تنازع القوانين فقد استمد
المشروع الأحكام الخاصة به من تقنينات حديثة مختلفة مقتفياً في ذلك ما فعله المشرع
المصري في لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة وما فعلته اكثر هذه التقنينات
عند وضعها .
حضرة الشيخ المحترم عبد
الوهاب طلعت باشا : هل رجعتم إلى الشريعة الإسلامية؟
المقرر : لقد ذكرت فيما
سبق وأقرر أن المشروع اتبع الوضع الذي اختارته البلاد منذ إدخال التقنينات الحالية
بل وزاد عليه كما أبنت الآن .
حضرة صاحب المعالي عبد
الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية) : أؤكد لك أننا ما تركنا
حكمًا صالحًا في الشريعة الإسلامية يمكن أن يوضع في هذا القانون إلا وضعناه.
والدليل على ذلك أن أحد حضرات المستشارين أراد أن يضع نموذجاً من الشريعة
الإسلامية فأتى بنفس نصوص القانون ونسبها للشريعة الإسلامية .
حضرة الشيخ المحترم عبد
الوهاب طلعت باشا : وهل استعنتم بالفقهاء الشرعيين لعله يمكنهم أن يساعدوا في
هذا السبيل .
حضرة صاحب المعالي عبد
الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية) : لقد قمنا بكل ما يمكن
عمله في هذا السبيل، وأخذنا كل ما يمكن أخذه عن الشريعة الإسلامية مع مراعاة
الأصول الصحيحة في التقنين الحديث ولم نقصر في ذلك .
حضرة الشيخ المحترم عبد
الوهاب طلعت باشا : لقد نوهت بالمجهود العظيم الذي بذلته ....
حضرة صاحب المعالي عبد
الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية) : نحن لسنا بصدد التنويه
بالمجهود الذي بذل .
حضرة الشيخ المحترم عبد
الوهاب طلعت باشا : إني كرجل يؤمن بالكتاب المنزل وكرجل درس الشريعة الإسلامية
كما درس المعاملات فيها أرى أن فيها ما يتسع لكل شيء.
حضرة صاحب المعالي عبد
الرزاق أحمد السنهوري باشا (وزير المعارف العمومية) : أرجو أن تجد سعة من وقتك
لزيارتي وأنا على أتم استعداد لأن أبحث معك الموضوع وأنا واثق أنك ستقتنع .
المقرر : اللجنة تفتح
الباب على مصراعيه لكل من يتقدم في وقت معقول بملاحظاته وستوليها كل عنايتها.
وستجتمع من يوم السبت القادم إلى يوم الخميس لتلقي هذه الملاحظات ودراستها مع حضرات
من يتفضلون بتقديمها .
ومن أمثلة المسائل
التفصيلية تحديد مدة سقوط قصيرة لاستعمال حق طلب الإبطال ورفع دعاوى المسئولية
التقصيرية .
وهذا التحديد يستوجبه
استقرار التعامل ولا يمس هيكل القواعد العامة للمشروع .
ومن أمثلة هذه المسائل
أيضاً تنظيم ملكية الأسرة وهي صورة خاصة من صور الملكية الشائعة نقلها المشروع عن
التقنين السويسري والتقنين الإيطالي ولكنه وصلها بالقواعد العامة التي اختارها
أساسا للشيوع ورأى فيها وسيلة فعالة للإبقاء على وحدة الملك بعد موت رب العائلة
وهي أحوج ما تكون إلى هذا التنظيم. ومن أمثلتها أيضا ملكية الطبقات والأحكام
الخاصة بالمسئولية عن الجمادات والأحكام الخاصة بعقد التأمين .
على أن المشروع في نقله عن
القوانين الأجنبية توخى أن يقتبس ما يتلاءم مع البيئة المصرية وهذب في كثير من
الأحيان ما اقتبس حتى يكون متمشياً مع تقاليد هذه البيئة وسائر الأحكام التي
تضمنها وهو بذلك ينسج على منوالنا التقليدي في وضع التشريعات الهامة منذ عهد طويل.
فالمشروع لم يشترط مثلا في
إنشاء ملكية الأسرة إعداد محرر رسمي كما تقضي بذلك المادة 337 من القانون المدني
السويسري بل ولم ير أن يجيز إثبات الاتفاق على هذا الإنشاء بشهادة الشهود كما تقضي
بذلك المادة 330 من المشروع الإيطالي بل رأى أن يشترط الكتابة مراعياً في ذلك عرف
البيئة المصرية وما استقر فيها من تقاليد أهمها نفور الأسر من إذاعة اتفاقاتها أو
اطلاع الغير عليها ومتوخياً حسم المنازعات ما أمكن. ولم يجز أن يكون الاتفاق على
إنشاء هذه الملكية طليقاً من كل قيد زمني كما هو الشأن في بعض التشريعات وإنما
اشترط أن يكون إنشاء ملكية الأسرة لمدة لا تزيد على خمس عشرة سنة. وهو في ذلك يقصد
من ناحية إلى تمييز الشيوع العادي عن شيوع أعضاء الأسرة لأن مدى الأول خمس سنوات
ويقصد من ناحية أخرى إلى مراعاة ما درج عليه الناس من الرغبة في الاستقلال بعد أجل
معين .
ثم إن المشروع لم يجعل
الاتفاق على الأجل ملزماً على نحو لا يتيح الخروج من حالة الشيوع قبل انقضائه رغم
ما قد يجد من الظروف ولكنه على النقيض من ذلك أجاز للشريك أن يطلب إلى المحكمة
الإذن له في إخراج نصيبه من هذه الملكية قبل انتهاء الأجل إذا كان هناك مبرر قوي
لذلك كما لو وقع بينه وبين أعضاء الأسرة خلاف لا أمل في تسويته مسترشداً في ذلك
بالقواعد العامة في التركات .
وفي كل أولئك لا يقتصر
المشروع على مجرد النقل وإنما هو يراعي ظروف الحياة في مصر ويراعى القواعد العامة
في الأوضاع القريبة الشبه بالوضع الذي قصد إلى إدخاله في تشريعنا وهو بهذا النهج
يجعل للقواعد التي ينقلها طابعاً ذاتياً ويهيئها تهيئة صالحة لخدمة أغراضنا
القومية .
تناسق الأحكام
رغم تعدد المصادر : (23)
ولا يحسبن أحد أن تعدد
المصادر على الوجه المتقدم أفقد المشروع ما كان ينبغي أن يتوافر له من أسباب
التماسك والتناسق. فالواقع أن هذه المصادر جميعاً تتقارب في مشاربها. فقواعد
التقنين الحالي وما يكملها من اجتهاد القضاء عاشا جنباً إلى جنب مع الشريعة
الإسلامية والقواعد المستمدة منها .
ثم إن القواعد المستمدة من
القوانين الحديثة تمثل التقدم العلمي الذي تحقق على أساس تطور القديم وهل خطت مصر
خطوة واسعة في تشريعاتها إلا على أساس تخير الصالح من مختلف المصادر بل ومن
تشريعات متباينة. والواقع أن العبرة في التقنين بتماسك الحلول وتواصلها، فقد يتم
هذا التواصل وذاك التماسك رغم تعدد المصادر إذا بذلت العناية الواجبة في هذا الشأن
وقد ينتفيان رغم وحدة المصدر إذا قصرت هذه العناية عن تحقيق الغرض .
والمشروع المعروض قد وفق
في التأليف بين القواعد التي استقاها من المصادر التي تقدمت الإشارة إليها وقد يسر
له ذلك اعتماداً أولياً ورئيسياً على التقنين الحالي وقضاء المحاكم المصرية وأحكام
الشريعة الإسلامية كما اسلفنا .
ومن الواجب أن أشير فوق
هذا كله إلى أن تنقيح التقنين المدني في أية دولة من الدول في الوقت الحاضر لا
يمكن أن يغفل تقدم التقنينات في الدول الأخرى، أو يهمل الاسترشاد بها والاقتباس
منها. وأبلغ شاهد على ذلك ما وقع في التقنين المدني السويسري واللبناني والبولوني
والإيطالي والمشروع الفرنسي الجديد.
وقد أثار بعض حضرات رجال
القانون مسألة مصادر المشروع وقدموا في ذلك الشأن بعض ملاحظات تعرض لتفهم أحكام
المشروع وتفسيرها وتطبيقها. وكانت اللجنة قد أوفت هذه المسألة حقها من البحث في
تقريرها وقمت من ناحيتي بتوضيح الأمر في كلمتي هذه إلا أنه رغبة في زيادة الإيضاح
وتأكيدا للمعنى الذي ذهبت إليه اللجنة عهدت إلي أن أدلي برأيها في هذا الموضوع
الهام بالبيان التالي.
أولا : إن الغالبية العظمى
من أحكام هذا المشروع مستمدة من أحكام القانون الحالي ومن المبادئ التي أقرها
القضاء المصري طوال السبعين سنة الماضية ومطابقة للقواعد القانونية التي جرى عليها
القضاء والفقه في مصر. وهذا هو المصدر الذي يرجع إليه عند تفسير هذا القانون .
وأما المصادر الأجنبية
فليست إلا مصادر استئناس للصياغة وحدها كما سأبين ذلك فيما بعد :
ثانياً : إن الأحكام التي
اشتقت أصلاً من الشريعة الإسلامية يرجع في تفسيرها إلى أحكام هذه الشريعة. هذا مع
ملاحظة ما جاء في المادة الأولى من المشروع من اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً
رسمياً من مصادر القانون. على أن للقاضي أن يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية كلما
كان هناك محل لذلك .
ثالثا : إن الأحكام
القليلة التي اشتقت من تقنينات أجنبية في موضوعات جديدة مستقلة ( المؤسسات، حوالة
الدين، ملكية الأسرة، اتحاد الملاك، الإعسار المدني، تصفية التركات ) قد روعي في
وضعها أن تكون متمشية مع البيئة المصرية متفقة مع العرف والعادات متناسقة مع سائر
أحكام المشروع وبذلك تكون قد انعزلت عن مصادرها وأصبح لها كيان ذاتي قوامه تساندها
مع غيرها من نصوص. ويرجع في تفسيرها إلى النصوص ذاتها وما درج عليه القضاء في مثل
هذه الأحوال عند تأويل النصوص القانونية أو تفسيرها .
وقد أقرت الحكومة هذا
البيان .
مصادر الصياغة
: (24)
بيد أن اقتباس جوهر
الأحكام من المصادر الثلاثة المتقدم ذكرها لم يحل دون الاستعانة في صياغتها بأكثر
الأساليب العلمية ضمانا لصحة الأداء ودقته، ولذلك استعان المشروع في الصياغة بأحدث
التقنينات الأجنبية ويسر له الاستئناس بصيغ هذه التقنينات الإفادة من تجربة الغير
في التعبير والعرض .
ولم تر اللجنة في هذا
الاستئناس سبيلاً إلى الرجوع إلى التقنين الأجنبي الذي كان عنصراً من عناصر
الاسترشاد بل اعتبرته وسيلة ناجحة للاستيثاق من دقة التعبير، وكان يزيد في
اطمئنانها إلى سلامة الصيغة ركونها إلى مقارنتها بما يقابلها في التشريعات
الأجنبية من صبغ كانت وليدة تفكير طويل وبحث دقيق .
وقد انتهت اللجنة في بحثها
إلى نتيجتين ذكرتهما في تقريرها على الوجه الاتي :
الأولى : أن الكثرة
الغالبة من النصوص المعروضة قد ظفرت من وراء الاستئناس بصيغ التقنينات الأجنبية
بدقة في الأداء وإيجاز في التعبير جعلا للمشروع قيمة فنية ذاتية وطابعاً حسنا ز
وقد روجعت هذه النصوص في اللجنة التي أنشأتها وزارة العدل بعد جمع الآراء من طريق
الاستفتاء وروجعت كذلك في لجان مجلسي البرلمان وادخل عليها من التعديل اللفظي –
فضلا عن الموضوعي – ما يجعلها تعبر تعبيراً واضحاً عن المعاني التي قصدت إلى
أدائها .
ولا محل لأن يعاب على
المشروع انتفاعه من التجربة التي انتهت إليها التقنينات الأجنبية في حدود الصياغة
ولا سيما بعد أن روجعت الصياغة على النحو المتقدم ذكره وانفصلت بذلك عن كل مصدر من
مصادر الاستئناس وأصبحت معبرة في ذاتها عن المعاني التي استظهرتها كل من ساهم في
وضع المشروع أو مراجعته أو إقراره .
الثانية : تتصل بما يقال
عن صعوبة التفسير وإلزام القاضي بالرجوع إلى فقه دول متعددة للوقوف على مفهوم نص
معين، فقد رأت اللجنة أن النصوص متى أدمجت في التقنين انعزلت عن مصادر الاستئناس وأصبح
لها كيان ذاتي قوامه تساندها مع غيرها من نصوص هذا التقنين وأثرها في البيئة التي
تعيش فيها وانفعالها بظروف هذه البيئة. فما نقل من الصيغ أو النصوص عن تشريعات أو
تقنينات أجنبية وصل بنصوص أخرى في المشروع تحددت دلالتها من قبل في التقنين الحالي،
وفي الفقه المصري وأحكام القضاء في مصر. وهذا التآلف هو أول، بل وأهم عنصر من
عناصر التفسير.
ولا شك أنه ما دام الأصل
اللاتيني والشريعة الإسلامية هما المصدران اللذان يتقاسمان أحكام المشروع في
مجموعه كل في حدوده وناحيته فالنهج واضح عند الاجتهاد والمورد بين عند التفسير، ولا
سيما أن التقنينات الغربية – سواء منها القديم والحديث – تتقارب في كليات الصياغة
التي ورثتها أوربا عن الرومان. ولا عبرة بعد هذا كله بما لوح به نقداً للمشروع من
تعدد المصادر .
ويقتضيني واجب الإنصاف قبل
أن أختتم كلمتي أن أشير إلى أن اللجنة حرصت كل الحرص على تمحيص كل رأي أُبدي في
شأن المشروع فتلقت بعد أن أتمت وضع تقريرها طائفة من الملاحظات، بعضها يتعلق بمبدأ
التعديل وبعضها يقتصر على أحكام معينة بخصوصها .
وقد عقدت اللجنة جلستين
طويلتين استمعت فيهما إلى الملاحظات المتعلقة بهذا المشروع من حيث المبدأ كما فصلت
في مذكرتين مطبوعتين وهي ملاحظات لم تتضمن جديداً غفلت عنه اللجنة أو أغفلت أمره. وبعد
أن تذاكرت اللجنة فيما سمعت وتلقت وفي الردود التي أدلى بها مندوبو الحكومة لم تر
محلاً لإدخال أي تعديل على تقريرها في هذا الخصوص .
وأما الملاحظات التي تتعلق
ببعض المواد دون أن تمس المبدأ فستوليها اللجنة ما هي خليقة به من عناية. وستعرض
نتيجة بحثها على حضراتكم عند الانتقال إلى إقرار النصوص وفقاً لما قرره المجلس .
كلمة ختامية : (25)
والان انتهي من كلمتي هذه
التي عرضت بها في إيجاز رأي لجنة القانون المدني بمجلسكم الموقر في مشروع القانون
المعروض على حضراتكم من حيث المبدأ.
وقد توخيت فيما أدليت به
عدم الاسترسال في الشرح أو الإفاضة في البسط أرجو أن أكون قد حققت ما أبغيه من
تبيان مقتضيات تنقيح التقنين المدني الحاضر تنقيحاً شاملاً وتوضيح الأسس التي
استنهجها هذا التنقيح وذلك بعد التعديلات الهامة التي ارتأتها لجنتكم ووافقت عليها
الحكومة .
وأرجو أن تشاطروا لجنتكم رأيها
الذي أودعته مذكرتها وتشرفت بعرضه الآن فتوافقوا على مشروع التشريع من حيث المبدأ.
وبهذا يتم لمصر ما ابتغت وما أوحت به الضرورات من أن يكون لها تقنين يذهب بمناقص
الماضي وعيوبه ويستجيب لمطالب الحاضر وحاجاته ويساير الزمن وتطوره ومن أن يكون هذا
التقنين معبراً عما اعتزمته بلادنا من السير قدماً في سبيل التقدم والنجاح والسمو
إلى معارج الرقي والفلاح.
والله اسأل أن يجعل العهد
الجديد في حياة التشريع المصري عهد بمن وتوفيق تحقيق البلاد فيه ما تصبو إليه من
رفيع المطامح وعظيم الآمال.
(تصفيق حاد)
حضرة الشيخ المحترم توفيق
دوس باشا:
لي كلمة موجزة تعليقاً على هذا البيان وكلمتي هي إنني أهنئ حضرة الشيخ المحترم
رئيس لجنة القانون المدني على هذا البيان الوافي الذي يعد بحق مفخرة في تاريخ
تشريعنا المصري والذي سيبقى على الزمن في مضابطنا دليلاً حياً على أن في مصر
رجالاً يعرفون حقيقة كيف يضعون الأمر في نصابه وكيف يضعون التشريع الجديد على هذا
النسق الدقيق الذي قامت به اللجنة .
(تصفيق)
حضرة الشيخ المحترم الأستاذ
حسن عبد القادر : أشارك زميلي حضرة الشيخ المحترم توفيق دوس باشا فيما جاء في
كلمته القيمة بالنسبة لحضرة الشيخ المحترم الأستاذ محمد محمد الوكيل رئيس لجنة
القانون المدني وحضرات أعضاء هذه اللجنة .
(تصفيق)
حضرة الشيخ المحترم الأستاذ
حسن عبد القادر: لعلي لم أكن واضحاً حين طلبت التأجيل فقد فهم إني أعارض في
مبدأ مشروع هذا القانون. مستحيل أن أقصد إلى هذا فإني في سنة 1924 أي في مستهل
حياتنا النيابية طالبت بإلغاء القانون المدني وكذلك إلغاء القانون التجاري البحري
والقانون التجاري البري لأنها أصبحت غير صالحة ويحب استبدال غيرها بها. ولقد حدث
في سنة 1924 وكررته في سنة 1926 عندما وكلت أنا والأستاذ وهيب دوس بك في قضية
إغراق باخرة لصندل يملكه صالح سليم بك وكنا موكلين عن المتهمين وكان رفعة النحاس
باشا ومعالي مكرم باشا موكلين عن المدعين بالحق المدني فلم نجد في القوانين ما
يشير إلى حالة اعتداء باخرة على أخرى أقول لم نجد هذه الحالة في القانون البحري أو
غيره من القوانين ولقد أخطأت المحكمة وطبقت قانوناً أجنبياً. ثم ذكرت محكمة
الاستئناف – ولو أنها أيدت الحكم – أن هذا نقص في القانون يوجب تعديله.
حضرة الشيخ المحترم توفيق
دوس باشا:
معنى هذا أن حضرة الشيخ المحترم يوافق على مبدأ القانون.
حضرة الشيخ المحترم الأستاذ
حسن عبد القادر: هذه فرصة أنبه فيها الحكومة إلى ما يجب تعديله. لقد طلبت بعد
ذلك تعديل قانون نزع الملكية وكذلك طالبت بتعديل لائحة الترع والجسور ولم تعدل حتى
الآن. وإنني ما طلبت التأجيل إلا لأقارن بين الاعتراضات التي أبديت على مشروع
القانون وبين ما ورد فيه من أحكام ولم أقصد مطلقاً أن أعارض في مبدأ مشروع القانون
فإنني أوافق على ضرورته منذ أمد طويل.
(تصفيق)
%%%%%%
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق