جلسة 8 من يوليو سنة 2021
برئاسة السيـد القاضي/ نبيل أحمد صادق "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ سمير حسن، محمد عاطف ثابت، إسماعيل برهان أمر الله وياسر الشريف "نواب رئيس المحكمة".
---------------
(87)
الطعن رقم 3872 لسنة 86 القضائية
(1) قانون " قانون التحكيم : نطاق تطبيقه " .
تطبيق قانون التحكيم المصري . قصره على التحكيم الذي يجرى في مصر . مؤداه . عدم سريانه على التحكيم الذي يجري خارجها . استثناء . التحكيم التجاري الدولي المتفق على إخضاعه للقانون المصري . م 1/1 ق 27 لسنة 1994 بشأن إصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية .
(2) تحكيم " التحكيم التجاري الدولي " .
التحكيم التجاري . مقصوده . نشوء النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي . أمثلة . م 2 ق 27 لسنة 1994 بشأن إصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية . التحكيم الدولي . شرطه . تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية . مناطه . الحالات المنصوص عليها وفقاً م 3 من القانون المذكور .
(3) تحكيم " التحكيم التجاري الدولي : مناط سريان قانون التحكيم المصري " .
حكم التحكيم الصادر من محكمة التحكيم الدولي في منازعات الرياضة بسويسرا . صدوره من مؤسسة تحكيم دائمة مقرها خارج مصر بين طرفين أحدهما مقره الرئيسي بالخارج والآخر يقع مركز أعماله بمصر في نزاع حول التزامات عقدية ذات طابع اقتصادي . أثره . اعتباره حكمًا تحكيمًا تجاريًّا دوليًّا . خلوه من اتفاق الطرفين على إعمال أحكام قانون التحكيم المصري . أثره . عدم سريان ق 27 لسنة 1994 بشأن إصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية . علة ذلك .
(4- 9) تحكيم " التحكيم التجاري الدولي : تنفيذه وفقًا لاتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية " . تنفيذ " تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية " .
(4) انضمام مصر إلى اتفاقية نيويورك الخاصة بأحكام المحكمين . أثره . اعتبارها نافذة كجزء من التشريع المصري .
(5) تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفق اتفاقية نيويورك . تمامه . وفقًا لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ مع اتخاذ الإجراءات الأكثر يسرًا واستبعاد الإجراءات الأكثر شدة . م3 من الاتفاقية .
(6) الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية . تنفيذها . م 299 مرافعات . الاستثناء . م 301 مرافعات . المعاهدات المعقودة بين مصر وغيرها من الدول .
(7) اتفاقية نيويورك الخاصة بأحكام المحكمين . التزام الدول المنضمة إليها بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقًا للقواعد الأكثر يسرًا بالدولة المتعاقدة .
(8) طلب تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة من بلد أجنبي . سبيله . تقديمه إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ بدائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى . م 297 مرافعات .
(9) تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية . سبيله . تقديم أمر على عريضة لرئيس محكمة استئناف القاهرة . وجوب التحقق من عدم معارضته لحكم سابق في مصر أو مخالفته للنظام العام وصحة إعلانه . كيفية التظلم منه . المواد 9، 56، 58 من قانون التحكيم 27 لسنة 1994 . اتفاقية نيويورك لسنة 1958 . وجوب تطبيقها ولو تعارضت مع قانون المرافعات . علة ذلك . مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر . خطأ وقصور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن النص في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيًّا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر أو كان تحكيمًا تجاريًّا دوليًّا يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون" فإن مؤدى ذلك أن المشرع قصر تطبيق أحكام قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه على التحكيمات التي تجري في مصر دون تلك التي تجري في الخارج ما لم يكن تحكيمًا تجاريًّا دوليًّا واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.
2- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن النص في المادة الثانية من القانون (رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية) على أن التحكيم يكون تجاريًّا في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي عقدية كانت أو غير عقدية، ويشمل ذلك على سبيل المثال توريد السلع أو الخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبرة الهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أو النفط وشق الطرق والأنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة المفاعلات النووية، وأنه وبموجب نص المادة الثالثة من ذات القانون يكون التحكيم دوليًّا إذا كان موضوعه نزاعًا يتعلق بالتجارة الدولية، وذلك في الأحوال الآتية: أولًا: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقت إبرام اتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال، فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطًا بموضوع اتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال، فالعبرة بمحل إقامته المعتاد، ثانيًا: إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها، ثالثًا: إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة، رابعًا: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولة وقت إبرام اتفاق التحكيم، وكان أحد الأماكن التالية واقعًا خارج هذه الدولة: (أ) مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه، (ب) مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية بين الطرفين، (ج) المكان الأكثر ارتباطًا بموضوع النزاع.
3- إن كان حكم التحكيم محل المنازعة والمطلوب تنفيذه في جمهورية مصر العربية هو حكم تحكيم تجاري دولي؛ باعتباره حكمًا صادرًا من مؤسسة تحكيم دائمة (محكمة التحكيم الدولي في منازعات الرياضة (Tribunal Arbitral du Sport) بلوزان بسويسرا) يقع مقرها خارج مصر بين طرفين أحدهما مصري يقع المركز الرئيسي لأعماله في مصر وآخر شركة مساهمة سويسرية الجنسية يقع مقرها الرئيسي في مدينة لوزان بسويسرا، وكان النزاع يدور حول التزامات عقدية نشأ عنها حقوق مالية ذات طابع اقتصادي، إلا أنه لا تسري بشأنه أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية؛ كونه قد خلا من اتفاق طرفيه على إعمال أحكام قانون التحكيم سالف البيان على ما استوجبته الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون التحكيم سالف البيان.
4- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أنه لما كانت مصر قد انضمت إلى اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها بموجب القرار الجمهوري رقم 171 لسنة 1959، وبذلك أصبحت جزءًا من التشريع المصري نافذة اعتبارًا من 8/6/1959.
5- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن نص المادة الثالثة من تلك الاتفاقية (اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها) على أن "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقًا لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقًا للشروط المنصوص عليها في المواد التالية، ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعًا بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين".
6- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن قانون المرافعات المصري قد تضمن في الفصل الرابع من الباب الأول من الكتاب الثاني منه قواعد وإجراءات تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في مصر، ونص في المادة 299 منه على سريان تلك الأحكام على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي مستوجبًا أن يكون التحكيم صادرًا في مسألة يجوز فيها التحكيم طبقًا للقانون المصري، وفي المادة 301 منه على أن العمل بالقواعد المنصوص عليها في المواد السابقة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة أو التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن.
7- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن اتفاقية نيويورك (اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها) تلقى التزامًا على الدول المتعاقدة أن تطبق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية القواعد الأكثر يسرًا والتي تطبق على أحكام المحكمين الصادرة بالدولة المتعاقدة.
8- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن طلب الأمر بالتنفيذ (تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في مصر) وفقًا لحكم المادة 297 من قانون المرافعات المصري يقدم إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها، وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى.
9- المقرر –قي قضاء محكمة النقض- أن تنفيذ أحكام المحكمين -وفق نصوص القانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل سالف البيان طبقًا للمواد 9، 56، 58- يتم بطلب استصدار أمر على عريضة بالتنفيذ إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، ويصدر الأمر بعد التحقق من عدم معارضة حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مع حكمٍ سبق صدوره في مصر، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام، وتمام الإعلان الصحيح، مما مفاده أن التنفيذ -وفقًا للمواد المشار إليها- يتم بأمر على عريضة، ويتم التظلم منه إلى محكمة استئناف القاهرة، وهي إجراءات أكثر يسرًا من تلك الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية يتعين إعمالها على إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي محل المنازعة، وهو ما يتفق ومؤدى التزامات جمهورية مصر العربية المترتبة على تصديقها على اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، والتي تُعد قانونًا واجب التطبيق في مصر حتى ولو تعارضت أحكامها مع قانون المرافعات. ويكون الحكم المطعون فيه، وإذ خالف هذا النظر قد جاء معيبًا بالقصور في التسبيب الذي أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الطاعن بصفته أقام الدعوى التحكيمية رقم ... (T.A.S) بمحكمة التحكيم الدولي في منازعات الرياضة (Tribunal Arbitral du Sport) بلوزان بسويسرا ضد المطعون ضده بصفته، والتي صدر فيها الحكم بتاريخ 27/7/2010، وقد تم إيداع أصل الحكم التحكيمي وترجمة منه للغة العربية وأصل مشارطة التحكيم بقلم كتاب محكمة استئناف القاهرة وقُيد برقم ... لسنة 122 ق بتاريخ 29/7/2015، تقدم بطلب إلى السيد رئيس محكمة استئناف القاهرة قُيد برقم ... لسنة 132 ق لوضع الصيغة التنفيذية عليه، وإذ رفض الطلب بتاريخ 15/11/2015، فتظلم من القرار، وقُيد التظلم برقم ... لسنة 132 ق، بتاريخ 20/1/2016 قضت المحكمة بقبول التظلم شكلًا وفي الموضوع برفضه. طعن الطاعن بصفته في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرةً أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة -في غرفة مشورة- حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن بصفته ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه في سببين حاصلهما أن الحكم المطعون فيه رفض تظلم الطاعن بصفته من رفض تذييل حكم التحكيم محل الدعوى بالصيغة التنفيذية من قِبل القاضي المنصوص عليه بالمادة التاسعة من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994؛ كون حكم التحكيم صادرًا في تحكيم رياضي ليس تحكيمًا تجاريًّا يدخل في اختصاص القاضي المقرر بنص المادة التاسعة المشار إليه، رغم كون هذا الحكم صدر أولًا بين أحد الشركات المساهمة، وهي الشركة الطاعنة، وأن موضوع التحكيم يتعلق بعملها كشركة تجارية، ومن ثم فهو عمل تجاري، فضلًا عن أن هذه العلاقة علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي عملًا بالمادة الثانية من ذات القانون، فضلًا عن كون حكم التحكيم صادرًا في نزاع يتعلق بالتجارة -على ما سلف بيانه- وصدر من منظمة تحكيم دائمة (بسويسرا)، وأن المركز الرئيسي لطرفي التحكيم هو في دولتين مختلفتين، بما يكون معه حكم التحكيم صادرًا في تحكيم تجاري دولي عملًا بالمادة الثالثة من قانون رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه يختص بتذييله بالصيغة التنفيذية قاضي المادة التاسعة من قانون 27 لسنة 1994 المشار إليه، الأمر الذي يجعل الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في أساسه سديدٌ؛ ذلك أن المقرر بنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية أنه "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيًا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر أو كان تحكيمًا تجاريًّا دوليًّا يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون" فإن مؤدى ذلك أن المشرع قصر تطبيق أحكام قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المشار إليه على التحكيمات التي تجري في مصر دون تلك التي تجري في الخارج ما لم يكن تحكيمًا تجاريًّا دوليًّا واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. لمَّا كان ذلك، وكان المقرر بنص المادة الثانية من القانون سالف البيان أن التحكيم يكون تجاريًّا في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي عقديةً كانت أو غير عقديةٍ، ويشمل ذلك على سبيل المثال توريد السلع أو الخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبرة الهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرها ونقل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أو النفط وشق الطرق والأنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة المفاعلات النووية، وأنه وبموجب نص المادة الثالثة من ذات القانون يكون التحكيم دوليًّا إذا كان موضوعه نزاعًا يتعلق بالتجارة الدولية، وذلك في الأحوال الآتية: أولًا: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقت إبرام اتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال، فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطًا بموضوع اتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال، فالعبرة بمحل إقامته المعتاد، ثانيًا: إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها، ثالثًا: إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة، رابعًا: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولة وقت إبرام اتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن التالية واقعًا خارج هذه الدولة: (أ) مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه، (ب) مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية بين الطرفين، (ج) المكان الأكثر ارتباطًا بموضوع النزاع. لمَّا كان ذلك، وإن كان حكم التحكيم محل المنازعة والمطلوب تنفيذه في جمهورية مصر العربية هو حكم تحكيم تجاري دولي؛ باعتباره حكمًا صادرًا من مؤسسة تحكيم دائمة يقع مقرها خارج مصر بين طرفين أحدهما مصري يقع المركز الرئيسي لأعماله في مصر وآخر شركة مساهمة سويسرية الجنسية يقع مقرها الرئيسي في مدينة لوزان بسويسرا، وكان النزاع يدور حول التزامات عقدية نشأ عنها حقوق مالية ذات طابع اقتصادي، إلا أنه لا تسري بشأنه أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية؛ كونه قد خلا من اتفاق طرفيه على إعمال أحكام قانون التحكيم سالف البيان على ما استوجبته الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون التحكيم سالف البيان، إلا أنه ولمَّا كانت مصر قد انضمت إلى اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها بموجب القرار الجمهوري رقم 171 لسنة 1959، وبذلك أصبحت جزءًا من التشريع المصري نافذة اعتبارًا من 8/6/1959، وكان نص المادة الثالثة من تلك الاتفاقية على أن "تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقًا لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقًا للشروط المنصوص عليها في المواد التالية، ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدةً ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعًا بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين"، وكان قانون المرافعات المصري قد تضمن في الفصل الرابع من الباب الأول من الكتاب الثاني منه قواعد وإجراءات تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الرسمية الأجنبية في مصر، ونص في المادة 299 منه على سريان تلك الأحكام على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي مستوجبًا أن يكون التحكيم صادرًا في مسألة يجوز فيها التحكيم طبقًا للقانون المصري، وفي المادة 301 منه على أن العمل بالقواعد المنصوص عليها في المواد السابقة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة أو التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن، وكان مؤدى ما سلف من قواعد ونصوص أن اتفاقية نيويورك سالفة البيان تلقى التزامًا على الدول المتعاقدة أن تطبق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية القواعد الأكثر يسرًا، والتي تطبق على أحكام المحكمين الصادرة بالدولة المتعاقدة، وكان طلب الأمر بالتنفيذ -وفقًا لحكم المادة 297 من قانون المرافعات المصري- يقدم إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها، وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، وكان تنفيذ أحكام المحكمين -وفق نصوص القانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل سالف البيان طبقًا للمواد 9، 56، 58- يتم بطلب استصدار أمر على عريضة بالتنفيذ إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، ويصدر الأمر بعد التحقق من عدم معارضة حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مع حكم سبق صدوره في مصر، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام، وتمام الإعلان الصحيح، مما مفاده أن التنفيذ -وفقًا للمواد المشار إليها- يتم بأمر على عريضة، ويتم التظلم منه إلى محكمة استئناف القاهرة، وهي إجراءات أكثر يسرًا من تلك الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية يتعين إعمالها على إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي محل المنازعة، وهو ما يتفق ومؤدى التزامات جمهورية مصر العربية المترتبة على تصديقها على اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، والتي تُعد قانونًا واجب التطبيق في مصر حتى ولو تعارضت أحكامها مع قانون المرافعات، ويكون الحكم المطعون فيه -وإذ خالف هذا النظر- قد جاء معيبًا بالقصور في التسبيب الذي أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق