الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

الطعن 49 لسنة 22 ق جلسة 3 / 2 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 103 ص 857

جلسة 3 فبراير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

---------------

قاعدة رقم (103)
القضية رقم 49 لسنة 22 قضائية "دستورية"

1 - عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها - مناط مشروعية العقوبة دستورياً أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها تقديراً لها في الحدود المقررة قانوناً وفق ظروف كل جريمة.
2 - عقوبة "تفريدها: وقف تنفيذها".
سلطة القاضي في مجال تنفيذ العقوبة فرع من تفريدها - اتصال التفريد بالمفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية - تفريد العقوبة يردها إلى جزاء يعايش الجريمة ويتناسب مع ظروفها.
3 - عقوبة "تفريد عقوبة الغرامة".
تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها.
4 - تشريع "نص الفقرة الأولى من المادة 157 من القانون رقم 53 لسنة 1966".
ما نصت عليه هذه الفقرة من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة؛ مؤداه: سلب القاضي سلطته في تفريد العقوبة وإخلال بخصائص الوظيفة القضائية.
5 - تشريع "نص المادة 157 من القانون رقم 53 لسنة 1966 أغراض مالية".
ما يستهدفه النص الطعين من أغراض مالية لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة.

--------------
1 - قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء تشريعي من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
2 - السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ تقديراً بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها في قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
3، 4 - تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الأولى من المادة 157 المشار إليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون عدالة تطبيقها، ولا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكم تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
5 - حصيلة الغرامات المحكوم بها وفقاً للمادة 157 المشار إليها وإن كانت تؤول جميعها بقوة القانون إلى الهيئة العامة المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الزراعة لتعيد إلى الأرض الزراعية خصوبتها بعد تجريفها، أو لتعمل على تحسينها وزيادة معدل كفاءتها وإنتاجيتها، إلا أن اعتماد هذه الهيئة على تلك الغرامات لتحقيق الأغراض سالفة الذكر، لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية واختصها بها، كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة لتطويعها بما يكفل تناسبها مع الجريمة محلها، واتساقها وأحوال مرتكبها، فلا تهيم في فراغ، ولا تكون إنفاذا حرفياً للنصوص التي فرضتها، بما يحيل تطبيقها عدواناً على كرامة الإنسان وحريته، وهما تضربان بجذورهما عمقاً صوناً لآدميته، وتعلوان قدراً على مجرد الأغراض المالية، ولا يتصور بالتالي أن تكون هذه الأغراض قيداً على أيتهما.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من فبراير سنة 2000، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 7494 لسنة 62 قضائية، بعد أن قضت محكمة النقض بجلستها المعقودة في 24 يناير سنة 2000 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية ما تضمنه نص المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت الطاعن، بأنه أقام قمينة طوب في أرض زراعية بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة وطلبت عقابه بالمواد 150، 153، 154، 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، وقيدت الواقعة جنحة برقم 2359 لسنة 1985 مركز أسيوط. وإذ قضى فيها غيابياً بمعاقبته بالحبس سنة وكفالة خمسمائة جنيه لإيقاف التنفيذ وتغريمه عشرة آلاف جنيه والإزالة، فقد عارض في هذا الحكم وقُضِىَ في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه، فطَعن على ذلك بالاستئناف، فقُضِىَ بقبول الاستئناف شكلاً وبتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والتأييد فيما عدا ذلك، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 28873 لسنة 59 قضائية، وبجلسة 19/ 9/ 1991 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاثة سنوات من تاريخ صدور ذلك الحكم. فطعن عليه المحكوم ضده بطريق النقض بالطعن رقم 7494 لسنة 62 قضائية، فقضت المحكمة بقبوله شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وحددت جلسة 1/ 2/ 1999 لنظر الموضوع، وتدوول الطعن أمامها إلى أن أصدرت فيه قرار الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا، تأسيساً على ما تبين لها من أن المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1996، والمضافة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 قد نصت في عجز فقرتها الأولى على عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، وأن إلغاء سلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة هو في حقيقته إلغاء لسلطته في تفريد العقوبة التي تعتبر أحد خصائص الوظيفة القضائية، مما ينطوي على إهدار لحقوق أصيلة كفلها الدستور في المواد 41، 67، 165، 166 منه، طبقاً لما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا في القضايا الدستورية أرقام 37 لسنة 15، 130 لسنة 18، 64 لسنة 19 قضائية دستورية.
وحيث إن المادة 153 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 - بعد إضافة كتاب ثالث إليه بعنوان "عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها" وذلك بالقانون رقم 116 لسنة 1983 - قد حظرت إقامة مصانع أو قمائن طوب في الأراضي الزراعية، ثم نصت الفقرة الأولى من المادة 157 على أن "يعاقب على مخالفة حكم المادة 153 من هذا القانون أو الشروع في ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، مع الحكم بإزالة المصنع أو القمينة على نفقة المخالف، وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة".
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية المقامة بطريق الإحالة من محكمة الموضوع يتحدد بالنص التشريعي الذي تراءى لها وجود شبهة مخالفته للدستور، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر في عجز الفقرة الأولى من المادة 157 - المشار إليها - فيما نصت عليه من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، والذي ارتأت محكمة النقض مخالفته للدستور، على الوجه المتقدم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء تشريعي من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحد لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابستها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ تقديراً بأن التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وأن إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها، بما مؤداه أن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها في قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ولا ينفصل عن واقعها.
وحيث إن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الأولى من المادة 157 المشار إليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون عدالة تطبيقها.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم، لا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
وحيث إن حصيلة الغرامة المحكوم بها وفقاً للمادة 157 المشار إليها، وإن كانت تؤول جميعها بقول القانون إلى الهيئة العامة المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الزراعة لتعيد إلى الأرض الزراعية خصوبتها بعد تجريفها، أو لتعمل على تحسينها وزيادة معدل كفاءتها وإنتاجيتها، إلا أن اعتماد هذه الهيئة على تلك الغرامات لتحقيق الأغراض سالفة الذكر، لا يجوز أن ينقض حقوقاً أصيلة كفلها الدستور للسلطة القضائية واختصها بها، كتلك التي تتعلق بتفريد العقوبة لتطويعها بما يكفل تناسبها مع الجريمة محلها، واتساقها وأحوال مرتكبها، فلا تهيم في فراغ، ولا تكون إنفاذا حرفياً للنصوص التي فرضتها، بما يحيل تطبيقها عدواناً على كرامة الإنسان وحريته، وهما تضربان بجذورهما عمقاً صوناً لآدميته، وتعلوان قدراً على مجرد الأغراض المالية، ولا يتصور بالتالي أن تكون هذه الأغراض قيداً على أيتهما.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضي في تفريد العقوبة، جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطوياً كذلك على تدخل في شئونها؛ مقيداً الحرية الشخصية في غير ضرورة، ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة، وواقعاً بالتالي في حمأة مخالفة أحكام المواد 41، 67، 165، 166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 فيما نصت عليه من أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

منشور فني رقم 28 بتاريخ 25 / 10 / 2023 بشأن إلغاء الوكالة الخاصة الصادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي

وزارة العدل
مصلحة الشهر العقاري والتوثيق
الإدارة العامة للبحوث القانونية
-----------------------
منشور فني رقم 28 بتاريخ 25 / 10 / 2023
إلى مكاتب الشهر العقاري ومأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها
والإدارات العامة بالمصلحة
---------------------
إلحاقاً بالمنشور الفني رقم ۱۰ المؤرخ 19 /11 / 2001 بشأن الامتناع عن إلغاء الوكالة الخاصة الصادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي - متي نص في موضوعها على حق الوكيل في البيع لنفسه أو الغير والتوقيع على عقد البيع النهائي - إلا برضاء من صدرت الوكالة لصالحه على النحو الوارد به .

إلحاقا بالمنشور الفني رقم ٤ المؤرخ 1 /2 / 2021 بشأن استبدال الفقرة الثانية من المادة ٦٩ مكرر من تعليمات الشهر طبعة ۲۰۰۱ المضافة بالمنشور الفني ١٥ لسنة ۲۰۰٦ على النحو الوارد به.

وحيث نصت المادة 701/ 1 من القانون المدني علي أن " الوكالة الواردة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل. لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة " .

كما نصت المادة ۷۱٥ من القانون المدني على أن " ۱ - يجوز للموكل في أي وقت أن ينهي الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك. فإذا كانت الوكالة بأجر فإن الموكل يكون ملزماً بتعويض الوكيل عن الضرر الذي لحقه من جراء عزله في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول.

2 - على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهي الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه .

ونظراً لتعدد الاستفسارات الواردة من المكاتب بشأن المنشور الفني ٤ لسنة ۲۰۲۱ فقد صدر قرار السيد الدكتور رئيس القطاع رقم ٥٩٧ لسنة ۲۰۲۳ بتشكيل لجنة لتوضيح ما يكون قد غم على بعض الزملاء بالمنشورات المشار إليها وإذاعة تعليمات بما ينتهي إليه قرار اللجنة .

بناء عليه

أولا : إذا تعاقبت أداة من أدوات التصرف القانوني على محل معين محدداً بالنوع وبالحد الأدنى لتحديد الذات مثال بيع السيارات " محدد النوع " ماركة " ..... الحد الأدنى لبيان ذات المحل: أو بيع الأراضي - العقارات " محدد بالنوع " الكائنة بناحية - أو محافظة - الحد الأدنى لبيان ذات المحل. امتنع إلغاءها بالإرادة المنفردة لنشوب المصلحة في استبقاء الوكالة سارية لمصلحة الوكيل أو الغير وفقا لما استقر عليه العمل فقها وقضاءً .

ثانيا : إذا وردت بين مضامين الوكالة عبارة البيع للنفس أو الغير دون أن تعين أداة التصرف والمحل المحدد بالحد الأدنى لتعيين الذات - غدت من صنوف الوكالة العامة التي يجوز للموكل إنهائها بالإرادة المنفردة وفقاً للأصل .

ثالثا : إذا تضمنت الوكالة عبارة عدم جواز إلغاءها أو سريانها بعد الوفاة أو فقدان الأهلية - فإنه والحال كذلك لا يجوز إلغاءها بالإرادة المنفردة - لأن المصلحة كما قد تكون ظاهرة قد تكون مستترة والعبرة بمدلولات الألفاظ وسلطان إرادة الموكل فيا .

لذا يقتضى العلم بما تقدم و مراعاة تنفيذه



الطعن 92 لسنة 21 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 101 ص 843

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (101)
القضية رقم 92 لسنة 21 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع - لا ينال من ذلك قيام الشركة المدعية بتنفيذ حكم التحكيم الذي يدور النزاع الموضوعي فيه حول التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه - أساس ذلك: اختصاص هذه المحكمة لا يمتد لبحث شروط قبول الدعوى الموضوعية أو أحقية المدعي في طلباته في تلك الدعوى.
2 - سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحقوق "حدودها".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط - النيل من الحقوق التي كفل الدستور أصلها؛ مؤداه: عدوان على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
3 - مبدأ المساواة "غايته - مجاله".
يمثل مبدأ المساواة ركيزة أساسية للحقوق والحريات - غايته: صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز - لا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
4 - حق التقاضي "مساواة: عدم التمايز - تظلم من الأمر القضائي الصادر بتنفيذ حكم التحكيم".
الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي - عدم تمايزهم كذلك في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة أو في طرق الطعن - الحرمان من مكنة التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم المحكمين، مع منح الطرف الذي يتقدم بطلب التنفيذ الحق في التظلم من رفضه، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية؛ مؤداه: الإخلال بمبدأ المساواة وحق التقاضي.
5 - تحكيم "تنفيذ قضائي: طبيعته - مساواة".
أمر التنفيذ القضائي لحكم التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية عليه، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص والتأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم صادر من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يخالف النظام العام، وصحة إعلانه للمحكوم عليه - تحقيق المساواة بين الطرفين يقتضي تقرير حق التظلم من الأمر الصادر بتنفيذه.
6 - دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - تدخل تشريعي".
الحجية المطلقة للحكم الصادر في الدعوى الدستورية: لازمها: نزول الدولة عليها لتعمل من خلال سلطاتها ومن بينها السلطة التشريعية على تطبيقها - القضاء بعدم دستورية النص الطعين يفيد انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضد الأمر بتنفيذ حكم المحكمين؛ مقتضاه: وجوب التدخل التشريعي لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.

------------------
1 - إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس؛ حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
2 - الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
3 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
4 - الدستور بما نص عليه في المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (2) من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها؛ يكون قد مايز - في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضي مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
5 - لا يقيل النص الطعين من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذا الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن من يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً؛ ومن ثم فإنه قد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصوم التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتماً تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقيق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها.
6 - الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، ينعى أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.


الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من مايو سنة 1999 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة والمدعى عليها الرابعة مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ 28/ 4/ 1993 أسندت الشركة المدعية للشركة المدعى عليها الرابعة عملية إنشاء وصيانة ملحق مستشفي مصر الدولي، وإذ نشب خلاف بينهما حول بعض جوانب تنفيذ هذا العقد فقد تم عرضه على هيئة تحكيم؛ فأصدرت بجلسة 7/ 7/ 1998 حكمها بإلزام الشركة المدعية (المتحكم ضدها في التحكيم) بأن ترد للشركة المدعى عليها الرابعة مبلغ 404695 جنيهاً وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، ثم استصدرت الأخيرة أمراً من السيد المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بتنفيذ هذا الحكم، فتظلمت الشركة المدعية منه بالتظلم رقم 4 لسنة 116 قضائية أمام تلك المحكمة. وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نص البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة والشركة المدعى عليها الرابعة دفعتا بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة أن الشركة المدعية ليس لها مصلحة في إقامتها؛ إذ تظلمت من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم بعد الميعاد، كما أنها قامت بتنفيذه بالفعل.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يدور حول قبول تظلم الشركة المدعية من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وكان النص المطعون فيه فيما قرره من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ هذا الحكم، هو الذي يحول دون ذلك، فإن مصلحتها الشخصية المباشرة في الدعوى تكون قائمة ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس؛ حرياً بالرفض. ولا ينال من ذلك، قيام الشركة المدعية، بتنفيذ الحكم فعلاً، ذلك أن هذه المحكمة عند بحثها لشرط المصلحة في الدعوى الدستورية، تقتصر على التحقق من أن الحكم الذي يصدر فيها يؤثر على الحكم في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع والتي تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها.
وحيث إن المادة 56 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه تنص على أن "يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين....".
وتنص المادة 58 على أن:
"1 - لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى.
2 - لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
( أ ) أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.
(ب) أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
(ج) أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.
3 - ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم. أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
وحيث إن الشركة المدعي تنعى على النص الطعين أن يُخَوّل طالب التنفيذ التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ بينما يُحْرَم المحكوم ضده من التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ، فإنه يتعارض مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ويخل بحق التقاضي بالمخالفة لأحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين، فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيتهما في هذا النطاق، لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدواناً على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور والذي رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساساً للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق، بل يمتد كذلك إلى تلك التي يقررها القانون.
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل - على ما جرى به عليه قضاء هذه المحكمة - على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للنا كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. لما كان ما تقدم، فإن النص الطعين بمنحه الطرف الذي يتقدم بطلب حكم المحكمين الحق في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم على الضوابط الثلاثة التي تطلبها البند (2) من المادة 58 السالف الإشارة إليه، وحرمانه الطرف الآخر في خصومة التحكيم مكنة التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي في المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها؛ يكن قد مايز - في مجال ممارسة حق التقاضي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تقتضيه، بما يمثل إخلالاً بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وعائقاً لحق التقاضي مخالفاً بذلك أحكام المادتين 40، 68 من الدستور مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص الطعين. ولا يقيل ذلك النص من عثرته التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة في حسم الأنزعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل في وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع، وأنه لا يتضمن من يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً؛ ومن ثم فإنه وقد أجاز النص الطعين لأحد أطراف الخصوم التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ فقد بات حتماً تقرير ذات الحق للطرف الآخر بالتظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ إن تبين له أن هذا الأمر قد صدر دون التحقق من توافره على الضوابط السابق الإشارة إليها.
وحيث إن الحجية المطلقة التي أسبغها قانون هذه المحكمة على أحكامها في المسائل الدستورية لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها وتنظيماتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - من خلال السلطة التشريعية كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها؛ وإذ كان القضاء بعدم دستورية النص الطعين، يعني أن الحظر الذي أورده يناقض الدستور، مما يفيد بالضرورة انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً لتحديد إجراءات وميعاد وشروط هذا التظلم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية البند (3) من المادة 58 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما نص عليه من عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 201 لسنة 20 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 100 ص 835

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (100)
القضية رقم 201 لسنة 20 قضائية "دستورية"

1 - أحوال شخصية "أقباط أرثوذكس - رقابة قضائية".
ارتقاء المشرع بالقواعد التي تضمنتها شرائع الأقباط الأرثوذكس إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها - القواعد التي احتوتها لائحة الأحوال الشخصية الخاصة بهم على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000، تعتبر شريعتهم التي تنظم أحوالهم الشخصية؛ مؤدى ذلك خضوع هذه اللائحة للرقابة القضائية على الشرعية الدستورية.
2 - دستور "المادة الثانية: شريعة إسلامية" - لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة الثانية من الدستور 22/ 5/ 1980 تتقيد السلطة التشريعية، فيما تقره من النصوص القانونية، بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية - أثره: عدم امتداد الرقابة على الشرعية الدستورية في مجال تطبيق المادة الثانية من الدستور لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها، مؤدى ذلك: المادة 85 من لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة قبل هذا التعديل لا تمتد إليها هذه الرقابة.
3 - تشريع "لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس - متاع مسكن الزوجية".
نظمت اللائحة المشار إليها ملكية جهاز الزوجية فقضت بملكيته للزوجة - تعلق نص المادة 85 منها بملكية متاع مسكن الزوجية - إقامته قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء فالقول فيه قول الزوجة ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فهو للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
4 - أحوال شخصية "مذهب الإمام أبي حنيفة - متاع مسكن الزوجية" - مساواة.
الراجح في هذا المذهب لا تختلف أحكامه في شأن ملكية المتاع في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس - النص الطعين لا يقيم تفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

----------------
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن المشرّع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإنه يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع إلى مرتبة القواعد القانونية من حيث عموميتها وتجرديها؛ وتمتعها بخاصية الإلزام لينضبط بها المخاطبون بأحكامها؛ ويندرج تحتها في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام في 9 مايو 1938 وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها هذه اللائحة - على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
2 - إن النص في المادة الثانية من الدستور؛ بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، يدل - وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - على أن الدستور، اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها - فيما تقره من نصوص قانونية - بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها؛ ولا كذلك نص المادة 85 المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.
3 - إن تجهيز منزل الزوجية قد تناوله الفصل الثاني من الباب الثالث من لائحة الأقباط الأرثوذكس فنص في المادة 80 على أن "لا تجبر المرأة على تجهيز منزل الزوجية من مهرها ولا من غيره....." وفي المادة 84 على أن "الجهاز ملك المرأة وحدها فلا حق للزوج في شيء منه، وإنما له الانتفاع بما يوضع منه في بيته وإذا اغتصب شيئاً منه حال قيام الزوجية أو بعدها فلها مطالبته به أو بقيمته إن هلك أو استهلك عنده" ثم نصت المادة 85 - المطعون فيها - على أنه "إذا اختلف الزوجان حال قيام الزواج أو بعد الفسخ في متاع موضوع في البيت الذي يسكنان فيه فما يصلح للنساء عادة فهو للمرأة إلى أن يقيم الزوج البينة على أنه له وما يصلح للرجال أو يكون صالحاً لها فهو للزوج ما لم تقدم المرأة البينة على أنه لها" ومفاد هذه النصوص جميعها أن الجهاز - وهو ما يؤثث به مسكن الزوجية عند بدء الزواج سواء من مهر الزوجة أو من مالها أو من مال أبيها تبرعاً - يكون ملكاً لها وحدها ولا حق للزوج في شيء منه إلا انتفاعاً بل ويتحمل تبعة هلاكه. وفيما عدا الجهاز الذي تثبت ملكيته للزوجة على النحو المتقدم، فإنه إذا اختلف الزوجان - سواء حال قيام الزوجية أو عند فسخها - حول ملكية شيء من المتاع الموجود بمنزل الزوجية، فقد أقام النص الطعين قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء عادة، فالقول فيه قولها ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فقد افترض المشرع أنه للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
4 - إن القواعد الموضوعية المنظمة للأحوال الشخصية للمسلمين، قد خلت من نصوص تتعلق بأحكام الجهاز كتلك الواردة بلائحة الأقباط الأرثوذكس، ولم يرد بها سوى ما يتعلق بالاختصاص القضائي - نوعياً كان أم محلياً - ولما كانت الفقرة الأولى من المادة الثالثة في القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 - تقضي بأن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ وكان الراجح في هذا المذهب، أن الجهاز ليس بواجب على المرأة، فلا تجبر عليه، وإذا ما جهزت نفسها من مهرها أو من مالها أو مال أبيها، كما هذا الجهاز ملكاً لها وحدها وليس للزوج إلا حق الانتفاع به. وإذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة حول ملكية ما يوجد في بيت الزوجية من متاع، فالأصل أن من أقام البينة على ما يدعيه قُضي له بما ادعاه، وإلا فإن ما لا يصلح إلا للنساء فالقول فيه قول الزوجة بيمينها؛ وما لا يصلح إلا للرجال فالقول فيه قول الزوج بيمينه، أما ما يصلح لهما جميعاً فهو للزوج لأن الظاهر يشهد له، فكل ما يحويه المسكن في حوزته وتحت سلطانه، ويده فيه متصرفة، أما يد المرأة فحافظة، واليد المتصرفة هي يد الملك، فكان دليل الملكية ظاهراً، أما اليد الحافظة، فلا تدل على الملك، لما كان ذلك وكانت هذه الأحكام لا تختلف في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس، فإن النص الطعين لا يكون قد أقام تفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ ومن ثم يكون النعي عليه بذلك غير قائم على أساس.


الإجراءات

بتاريخ السابع والعشرين من أكتوبر سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 85 من لائحة الأقباط والأرثوذكس الصادرة عام 1938.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة فوضت فيها الرأي للمحكمة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الخامسة كانت قد أقامت الدعوى رقم 59 لسنة 1997 أمام محكمة بني سويف الجزئية للأحوال الشخصية، ضد المدعي، طالبة الحكم بتسليمها المنقولات الموجودة في مسكن الزوجية والمبينة بالصحيفة، أو قيمتها. وذلك على سند من أنها كانت زوجة له ثم طلقت منه وغادرت منزل الزوجية تاركة منقولاتها بعد أن رفض تسليمها إياها. وبجلسة 27/ 6/ 1998 قضت تلك المحكمة بإلزام المدعى عليه بتسليمها منقولاتها الزوجية، فطعن على ذلك بالاستئناف رقم 301 لسنة 1998 أمام محكمة بني سويف الابتدائية، ودفع في صحيفته بعدم دستورية المادة 85 من لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإنه يكن قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع إلى مرتبة القواعد القانونية من حيث عموميتها وتجرديها؛ وتمتعها بخاصية الإلزام لينضبط بها المخاطبون بأحكامها؛ ويندرج تحتها في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام في 9 مايو 1938 وعمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها هذه اللائحة - على ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 - شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين مناقضته لمبادئ الشريعة الإسلامية، وكذلك إقامته تفرقة بين المصريين تبعاً لديانتهم في مسألة لا تمس أصل العقيدة، بما يخالف المادتين 2، 40 من الدستور.
وحيث إن النص في المادة الثانية من الدستور؛ بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980، على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريعي، يدل - وفقاً لما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - على أن الدستور، اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، قد أتى يقيد على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها - فيما تقره من نصوص قانونية - بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها؛ ولا كذلك نص المادة 85 المطعون عليها، فقد أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس وعمل بهذا قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية من هذا الوجه.
وحيث إن تجهيز منزل الزوجية قد تناوله الفصل الثاني من الباب الثالث من لائحة الأقباط الأرثوذكس فنص في المادة 80 على أن "لا تجبر المرأة على تجهيز منزل الزوجية من مهرها ولا من غيره....." وفي المادة 84 على أن "الجهاز ملك المرأة وحدها فلا حق للزوج في شيء منه، وإنما له الانتفاع بما يوضع منه في بيته وإذا اغتصب شيئاً منه حال قيام الزوجية أو بعدها فلها مطالبته به أو بقيمته إن هلك أو استهلك عنده" ثم نصت المادة 85 - المطعون فيها - على أنه "إذا اختلف الزوجان حال قيام الزواج أو بعد الفسخ في متاع موضوع في البيت الذي يسكنان فيه فما يصلح للنساء عادة فهو للمرأة إلى أن يقيم الزوج البينة على أنه له وما يصلح للرجال أو يكون صالحاً لهما فهو للزوج ما لم تقدم المرأة البينة على أنه لها" ومفاد هذه النصوص جميعها أن الجهاز - وهو ما يؤثث به مسكن الزوجية عند بدء الزواج سواء من مهر الزوجة أو من مالها أو من مال أبيها تبرعاً - يكون ملكاً لها وحدها ولا حق للزوج في شيء منه إلا انتفاعاً بل ويتحمل تبعة هلاكه. وفيما عدا الجهاز الذي تثبت ملكيته للزوجة على النحو المتقدم، فإنه إذا اختلف الزوجان - سواء حال قيام الزوجية أو عند فسخها - حول ملكية شيء من المتاع الموجود بمنزل الزوجية، فقد أقام النص الطعين قرينة مؤداها أن ما يصلح للنساء عادة، فالقول فيه قولها ما لم يثبت الزوج أنه له، أما ما يصلح للرجال أو كان يصلح لهما معاً فقد افترض المشرع أنه للزوج ما لم تثبت الزوجة أنه لها.
وحيث إن القواعد الموضوعية المنظمة للأحوال الشخصية للمسلمين، قد خلت من نصوص تتعلق بأحكام الجهاز كتلك الواردة بلائحة الأقباط الأرثوذكس، ولم يرد بها سوى ما يتعلق بالاختصاص القضائي - نوعياً كان أم محلياً - ولما كانت الفقرة الأولى من المادة الثالثة في القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 - تقضي بأن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ وكان الراجح في هذا المذهب، أن الجهاز ليس بواجب على المرأة، فلا تجبر عليه، وإذا ما جهزت نفسها من مهرها أو من مالها أو مال أبيها، كما هذا الجهاز ملكاً لها وحدها وليس للزوج إلا حق الانتفاع به. وإذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعد الفرقة حول ملكية ما يوجد في بيت الزوجية من متاع، فالأصل أن من أقام البينة على ما يدعيه قُضي له بما ادعاه، وإلا فإن ما لا يصلح إلا للنساء فالقول فيه قول الزوجة بيمينها؛ وما لا يصلح إلا للرجال فالقول فيه قول الزوج بيمينه، أما ما يصلح لهما جميعاً فهو للزوج لأن الظاهر يشهد له، فكل ما يحويه المسكن في حوزته وتحت سلطانه، ويده فيه متصرفة، أما يد المرأة فحافظة، واليد المتصرفة هي يد الملك، فكان دليل الملكية ظاهراً، أما اليد الحافظة، فلا تدل على الملك، لما كان ذلك وكانت هذه الأحكام لا تختلف في مضمونها عما يقابلها في لائحة الأقباط الأرثوذكس، فإن النص الطعين لا يكون قد أقام تفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ ومن ثم يكون النعي عليه بذلك غير قائم على أساس مما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 40 لسنة 19 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 99 ص 823

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (99)
القضية رقم 40 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "الخصوم - الحكومة".
اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية - رئيس الجمهورية يتولى، إلى جانب رئاسة الدولة، السلطة التنفيذية - اختصامه في الدعوى الدستورية يحقق مقتضى المادة 35 المشار إليها.
2 - سلطة تشريعية "اختصاصها - استثناء: حالة الضرورة".
الأصل أن تتولى السلطة التشريعية اختصاصها المتمثل في سن القوانين - المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام لمواجهة المخاطر التي تلوح في غيبة مجلس الشعب؛ يقتضي الاستثناء من الأصل المتقدم والسماح للسلطة التنفيذية بمزاولة الاختصاص التشريعي شريطة توافر حالة الضرورة بضوابطها الموضوعية.
3 - دستور "المادة 147: سلطة تشريع استثنائية".
جعل نص المادة 147 من الدستور لرئيس الجمهورية اختصاصاً استثنائياً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون - شرطاه: غيبة مجلس الشعب، وتوافر حالة الضرورة.
4 - دستور "المادة 147/ 2 - قرار بقانون: إجراءات عرضه على مجلس الشعب".
تختلف مواعيد وإجراءات عرض القرارات بقانون المشار إليها على مجلس الشعب، طبقاً للفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، باختلاف ما إذا كان مجلس الشعب منحلاً أو موقوفاً أو قائماً - وجوب عرضها في أول اجتماع إذا كان المجلس موقوفاً أو منحلاً - وخلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إن كان قائماً - علة ذلك: تمكين المجلس من مباشرة سلطته التشريعية الأصيلة.
5 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - حالة الضرورة".
تزامن صدور القرار بقانون المذكور، في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير، مع قرب بدء العام الجامعي وعدم وفاء موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا بمتطلباتهم، اقتضى سرعة إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" بالقرار بقانون المشار إليه قبيل بدء الدراسة مؤدى ذلك: توافر حالة الضرورة.
6 - الملكية الخاصة "تنظيمها - وظيفة اجتماعية - سلطة تقديرية".
تنظيم الملكية يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع - أثره: من السائغ تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية بشرط عدم مخالفة ذلك للدستور.
7 - تشريع "القرار بالقانون رقم 66 لسنة 1971 - تضامن اجتماعي".
هيأ قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام، وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة، الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح - لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع في أن تكون موارده فاعلة إعمالاً لمبدأ التضامن الاجتماعي.

----------------
1 - اعتبرت المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
2 - سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
3 - المستفاد من نص المادة 147 من الدستور أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوّغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
4 - البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعى دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
5 - إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971 وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
6 - لم تعد الملكية حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
7 - هيأ البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاما منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وفقاً خالصا عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.


الإجراءات

بتاريخ الخامس من مارس سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي"، وكذلك عدم دستورية البند 1 من المادة 6 منه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها (أصلياً) الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة و (احتياطياً) برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
وبعد حجز الدعوى للحكم قدم المدعى عليه الرابع طلبا لإعادة الدعوى إلى المرافعة، رأت المحكمة الالتفات عنه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الرابع، كان قد أقام الدعوى رقم 3529 لسنة 1996 مدني أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعي ابتغاء القضاء بإلزام الشركة التي يمثلها بأن تؤدى لبنك ناصر الاجتماعي مبلغ 981238 جنيهاً، قولاً منه بأن هذا المبلغ يمثل نسبة الاثنين بالمئة من أرباح الشركة المدعية عن السنتين الماليتين 89/ 1990 و90/ 1991 المستحقة للبنك قبلها عملاً بحكم البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1971 المعدل بالقانون 21 لسنة 1978، وأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 137 لسنة 1974، وأثناء نظرها دفع الحاضر عن الشركة المدعى عليها بعدم دستورية ذلك القانون وكذا البند 1 من المادة 6 منه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة، دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها على غير ذي صفة: تأسيساً على أن اختصام الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي في الدعوى، لا يغني عن اختصام الحكومة ممثلة في رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص.
وحيث إن المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اعتبرت الحكومة من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وهذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه - إلى جانب رئاسة الدولة - متولياً للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة 137 من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها.
وحيث إن المدعي ينعى على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدوره بالمخالفة لحكم المادتين 108، 147 من الدستور، قولاً بأنه قد صدر في غيبة مجلس الشعب، ودون توافر ضرورة ملجئه أو ظروف استثنائية تستوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، إذ لا يعدو الهدف من إنشاء بنك ناصر الاجتماعي - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك القرار بالقانون - أن يكون تكريم اسم زعيم راحل، واستثمار الأموال، وخدمة المجتمع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
وحيث إن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية - ممثلة في رئيس الجمهورية - لجانب من الوظيفة التشريعية في أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك في المادة 147 منه التي تنص على أنه "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.
ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
وحيث إن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعي دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدر بتاريخ 23/ 9/ 1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/ 9/ 1971، وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/ 9/ 1971، وقد تزامن صدوره - في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967 - مع بدء العام الجامعي، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تقي بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤي إنشاء "بنك ناصر الاجتماعي" وإسناد هذه المهمة - ضمن مهام أخرى - إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافرت - بالتالي - حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتي لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادي بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد. ليقوم عليها خيراً من سابقه.
وحيث إن القرار بالقانون المشار إليه، قد أحيل إلى مجلس الشعب في الحادي عشر من نوفمبر سنة 1971 أي في ذات تاريخ الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول - وفقاً لما ورد بكتاب الأمانة العامة لمجلس الشعب رقم 344 المؤرخ 1/ 3/ 2000 - فأحاله إلى اللجنة الاقتصادية لبحثه وتقديم تقرير عنه، وبعد أن قدمته وافق المجلس على ذلك القرار بقانون بجلسته المنعقدة بتاريخ 27/ 12/ 1971، دون اعتراض أحد عليه. لما كان ما تقدم، فإن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المشار إليه، يكون قد انتصب سوياً على قدميه، بمفازة من أي عوار شكلي، ويضحى النعي عليه بصدوره من رئيس الجمهورية في غير حالة ضرورة، فاقد الأساس.
وحيث إن نطاق الدعوى - على ضوء ارتباط النصوص المطعون فيها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي - بات محدداً بنص البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم "بنك ناصر الاجتماعي" وبإلغاء القانون رقم 56 لسنة 1968 بإنشاء وتنظيم صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا، المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 1978 - قبل إلغاء هذا البند بنص المادة 7 من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العامة المعمول به اعتباراً من 19 يوليه 1991 - والذي كان يجرى على النحو الآتي:
"تتكون موارد الهيئة من:
1 - نسبة من صافي أرباح وحدات القطاع العام تحسب قبل التوزيع وقبل خصم الضرائب النوعية المستحقة، وتحدد هذه النسبة بقرار من رئيس الجمهورية".
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين خروجه على الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية وحرمانه العاملين بالشركة التي يمثلها من كامل نصيبهم في الأرباح المخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور ينص في المادة 29 على أن "تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة، وهي ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة" وفي المادة 30 على أن "الملكية العامة هي ملكية الشعب...." وفي المادة 34 على أن الملكية الخاصة مصونة...." دالاً بذلك على احتفائه بحق الملكية، بالنظر إلى دقة المصالح التي يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب؛ وعهد إلى الدولة بحمايتها - أياً كان صاحبها - وأعقب الدستور ذلك، بتنظيم صور هذه الحماية، ومداها؛ بحسب دور كل نوع منها.
وحيث إن الملكية لم حقاً مطلقاً يستعصي على التنظيم التشريعي، ومن ثم غدا سائغاً - على ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة - تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التي يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التي يجريها المشرّع - في ضوء أحكام الدستور - بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها على النحو الذي يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التي تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة، مما مؤداه أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التي لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد انحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب، ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التي يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومي؛ وفي إطار خطة التنمية.
وحيث إن البند 1 من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 – المطعون فيه – قد التزم هذا الإطار الدستوري، فهيأ لمشروعات القطاع العام - وهي مملوكة للدولة ملكية خاصة - الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعي نسبة من صافي أرباحها، إسهاماً منها في تحقيق الخير العام للجماعة، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الاجتماعي، وضماناً لاستمرار المشروعات التي يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاوني؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة 26 من الدستور التي تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهي لا تجعلها وقفاً خالصاً عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم، وبين حق المجتمع - وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعي - في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التي أرادها لها الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 65 لسنة 18 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 98 ص 814

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (98)
القضية رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - حق التقاضي "غايته: ترضية قضائية - قيود".
لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها - إخلال القيود التي تعسر الحصول عليها بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق.
2 - تحكيم "مفهومه - مصدره - مقتضاه".
الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يعين باختيارهما ليفصل في هذا النزاع بقرار قاطع لدابر الخصومة المحالة إليه - التحكيم مصدره الاتفاق وإليه ترتد سلطة المحكمين عند البت في النزاع - مقتضى التحكيم عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها، إذ يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان.
3 - تشريع "قانون الضريبة العامة على المبيعات - نظام تحكيم".
فرض المشرع في المواد 17، 35، 36 من هذا القانون نظاماً للتحكيم - بديلاً عن القضاء - مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
4 - حق التقاضي "تحكيم إجباري - قاضي طبيعي".
اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها المشرع بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يُعد اختصاصاً منتحلاً - انطواؤه على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي.

----------------
1 - كفل الدستور لكل مواطن - بنص مادته الثامنة والستين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
2 - الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقاً لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرضِ لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
3 - الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح "التحكيم" إنما يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعاً من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17، 35، 36 منه، في إرادة المشرع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم - بديلاً عن القضاء - في منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
4 - فرضت المادتان الطعينتان التحكيم قهراً على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة - يكون منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات - بالمادتين الطعينتين - بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور، ومنعدماً بالتالي من زاوية دستورية.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من يونيو سنة 1996 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين 17، 35 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1488 لسنة 1994 أمام محكمة المنصورة الابتدائية ضد المدعى عليهما الثاني والثالث، طالباً الحكم ببراءة ذمته من مبلغ 5268 جنيهاً الذي قدرته مصلحة الضرائب على المبيعات جزافياً عن إنتاج مصنع الطوب الذي يملكه، وذلك في الفترة من 1/ 4/ 1993 حتى 30/ 9/ 1993 قولاً منه بأنه يقوم بسداد الضريبة المستحقة عليه شهرياً وفقاً لإنتاجه الفعلي من تاريخ العمل بقانون تلك الضريبة وأنه تظلم من هذا التقدير، إلا أن تظلمه رفض، وبتاريخ 26/ 1/ 1995 قضت تلك المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي حددته المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1991: فطعن المدعي على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 834 لسنة 47 قضائية المنصورة. وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادتين 17، 35 من قانون الضريبة العامة على المبيعات. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 17 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "للمصلحة تعديل الإقرار المنصوص عليه في المادة السابقة، ويخطر المسجل بذلك بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول خلال ستين يوماً من تاريخ تسليمه الإقرار للمصلحة.
وللمسجل أن يتظلم لرئيس المصلحة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسليم الإخطار، فإذا رفض التظلم أو لم يبت فيه خلال خمسة عشر يوماً، فلصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون خلال الخمسة عشر يوماً التالية.
وفي جميع الأحوال يجوز مد هذه المدد بقرار من الوزير.
ويعتبر تقدير المصلحة نهائياً إذا لم يقدم التظلم أو يطب إحالة النزاع للتحكيم خلال المواعيد المشار إليها".
كما تنص المادة 35 من ذلك القانون على أنه "إذا قام نزاع مع المصلحة حول قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها، أو كميتها، أو مقدار الضريبة المستحقة عليها. وطلب صاحب الشأن إحالة النزاع إلى التحكيم في المواعيد المقررة وفقاً للمادة 17 من هذا القانون، فعلى رئيس المصلحة أو من ينيبه خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتاريخ إخطاره بطلب التحكيم أن يحيل النزاع كمرحلة ابتدائية للتحكيم إلى حكمين تعين المصلحة أحدهما ويعين صاحب الشأن الآخر.
وفي حالة اتفاق الحكمين يكون رأيهما نهائياً.
فإذا لم تتم المرحلة السابقة بسبب عدم تعيين صاحب الشأن للحكم أو إذا اختلف الحكمان المنصوص عليهما في الفقرة السابقة رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه الوزير رئيساً، وعضوية كل من: ممثل عن المصلحة يختاره رئيسها، وصاحب الشأن أو من يمثله، ومندوب عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوب عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر اللجنة قرارها بأغلبية الأصوات بعد أن تستمع إلى الحكمين عند توافر المرحلة الابتدائية ومن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والفنيين.
ويعلن قرار اللجنة إلى كل من صاحب الشأن والمصلحة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول.
ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب النفاذ ويشتمل على بيان من يتحمل نفقات التحكيم.
ويحدد الوزير إجراءات التحكيم بالمراعاة للقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات كما يحدد نفقاته وعدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والمكافآت التي تصرف لأعضائها".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكان فصل محكمة الموضوع في النزاع المردد بين المدعي ومصلحة الضرائب يتوقف على الفصل في دستورية نظام التحكيم المنصوص عليه في قانون الضريبة العامة على المبيعات؛ فإن نطاق هذه الدعوى ينحصر فيما تضمنته المادة 17 من ذلك القانون من تخويل صاحب الشأن - إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه - الحق في طلب إحالة النزاع إلى التحكيم وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائياً؛ وكذلك في نص المادة 35 منه الذي اشتمل على الأحكام المنظمة لذلك التحكيم.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما - محددين نطاقاً على النحو المتقدم - أنها قد جعلا اللجوء إلى التحكيم إجبارياً على خلاف الأصل فيه. وحالا بذلك دون خضوع قرارات تقدير الضريبة لرقابة القضاء بما يخل بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور.
وحيث إن الدستور قد كفل الدستور لكل مواطن - بنص مادته الثامنة والستين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقاً لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرضِ لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
وحيث إن البين من استقراء المادة 17 الطعينة أنه متى أخطرت مصلحة الضرائب على المبيعات المسجل، بتعديل الإقرار المقدم منه بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول خلال ستين يوماً من تسلمها الإقرار، فإن الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين، فإما أن يقبل المسجل - صراحة أو ضمناً - ما أجرته المصلحة من تعديل، وإما أن يتقدم - خلال الميعاد المحدد - متظلماً منه، فإن رفضت المصلحة تظلمه أو لم تبت فيه، كان عليه إن أراد المضي في المنازعة في التعديل الذي أجرته المصلحة أن يطلب إحالة الأمر إلى التحكيم وإلا صار تقدير المصلحة نهائياً. ثم تناولت المادة 35 تنظيم التحكيم وجعلته على مرحلتين أولاهما ابتدائية تعين فيها المصلحة محكماً ويعين صاحب الشأن المحكم الآخر، فإن لم يعينه أو اختلف الحكمان، رُفعَ النزاع إلى لجنة يستأثر وزير المالية بتحديد إجراءات التحكيم أمامها، يرأسها مفوض دائم يعينه الوزير وتضم صاحب الشأن أو من يمثله، وممثلاً عن المصلحة ومندوباً عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوباً عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر هذه اللجنة قرارها بالأغلبية ويعلن لكل من المصلحة وصاحب الشأن ويكون واجب النفاذ مشتملاً على تحديد من يتحمل نفقات التحكيم؛ ولازم ذلك كله، أن المسجل إذا تلمس طريقاً إلى المنازعة في مقدار الضريبة أو قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها أو كميتها، فليس أمامه سوى طلب إحالة النزع إلى التحكيم؛ وإلا كان تقدير المصلحة - مهما شابه من عسف أو مبالغة - ملزماً له ونافذاً في حقه. ولا ينال من النتيجة المقدمة قالة أن هذا التحكيم لا يمنع صاحب الشأن من أن يعزف عنه ويلجأ بظلامته من ذلك التقدير مباشرة إلى المحكمة، أو أن يختاره ثم يطعن على قرار اللجنة أمام القضاء؛ لأن الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح "التحكيم" إنما يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعاً من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17، 35، 36 منه، فإن إرادة المشرّع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم - بديلاً عن القضاء - في منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن المادتين الطعينتين تكونان قد فرضتا التحكيم قهراً على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة - يكون منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات - بالمادتين الطعينتين - لنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور، ومنعدماً بالتالي من زاوية دستورية.
وحيث إن المادة 36 من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه ترتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بالمادتين 17، 35 منه، فإنها تسقط لزوماً تبعاً للحكم بعدم دستوريتهما، إذ لا يتصور وجودها بدون هذين النصين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة 17 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما تضمنه من أن لصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه، وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائياً.
ثانياً: بعدم دستورية نص المادة 35 من ذلك القانون.
ثالثاً: بسقوط نص المادة 36 من القانون المشار إليه.
رابعاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 136 لسنة 21 ق جلسة 5 / 5 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 114 ص 949

جلسة 5 مايو سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

-----------------

قاعدة رقم (114)
القضية رقم 136 لسنة 21 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - عدم قبول الدعوى".
قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية له حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى سلطات الدولة - أثره: عدم قبول الدعوى إذا سبق القضاء برفض الدعوى بالطعن على النصوص ذاتها، وذلك بسبب الطبيعة العينية للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، وانعدام المصلحة - بالتالي - في معاودة طرح تلك النصوص مرة أخرى على المحكمة.
2 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها - نطاقها."
مناط المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، مؤدى ذلك: تحديد نطاق الدعوى الدستورية بالنصوص المتعلقة بمصلحته في الدعوى الموضوعية دون سواها.
3 - الضريبة العامة - الرسم "رسوم قضائية: تسيير مرفق العدالة".
الضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً دون أن يقابلها نقع خاص - مناط استحقاق الرسم أن يكون مقابل خدمة محددة - تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية عوضاً عما تتكبده الدولة من نفقة في تسيير مرفق العدالة عدم انطواء فرض الرسوم القضائية على إخلال بحق الملكية أو بالحق في الميراث.
4 - حق الملكية "حمايته" - رسم دعوى القسمة "وعاؤه".
اتساع الحماية الدستورية لحق الملكية للأموال بوجه عام - لا يخالف هذه الحماية تقدير رسم دعوى القسمة منسوباً إلى قيمة العقار كله إذا قُضى ببيعه لعدم إمكان قسمته: أساس ذلك: أن الفائدة العائدة في الدعوى تتحدد بهذه القيمة.
5 - حق التقاضي "كفالته" - المساهمة في نفقات تسيير مرفق العدالة.
كفل الدستور حق التقاضي للناس كافة - عدم مساس النص الطعين بحق التقاضي؛ أساسه: عدم التعارض بين كفالة حق التقاضي ومساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة.

------------------
(1) سبق أن باشرت المحكمة الدستورية العليا رقابتها القضائية على دستورية نص المادة 841 من القانون المدني، فأصدرت بجلسة 3 يناير سنة 1998 حكمها في القضية رقم 36 لسنة 17 قضائية "دستورية" برفض الدعوى، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 1/ 1998، وكان مقتضى الحكم المادتين 84 و49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعي إلى نقضه من خلال إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة في شقها المتعلق بالطعن على ذلك النص.
(2) المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي. وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته، يتعلق بالرسم النسبي الصادر به أمر تقدير في دعوى قسمة عقار مشترك وبيعه عنه عدم إمكان قسمته، فإن مصلحة المدعي لا تتعلق بكامل بنود المادة 75 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه، وإنما تنحصر فيما ورد بالبند تاسعاً منها من أنه إذا طلب الحكم بقسمة حصة في عقار مشترك وبيعه عند عدم إمكان قسمته أخذ الرسم النسبي على ثمن العقار كله، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية الماثلة.
(3) جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الدستور قد مايز بنص المادة (119) بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية سواء من حيث أداة إنشاء كل منها، أو من حيث مناطها، فالضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في الأعباء العامة، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء لتحمل بها، في حين أن مناط استحقاق الرسم قانوناً أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها، كمقابل لتكلفتها، وإن لم يكن بمقدارها، ومن ثم فإن تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام - ومنها دعاوى القسمة - عوضاً عما تتكبده الدولة من نفقة في سبيل تسيير مرفق العدالة، لا ينطوي على إخلال بحق الملكية، أو بالحق في الميراث.
(4) لئن كان مسلماً أن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها في المادتين 32 و34 منه، لا تقتصر على الحقوق العينية، بل تنصرف كذلك إلى الحقوق الشخصية، وتتسع للأموال بوجه عام، إلا أن الرسم المطعون فيه لا يخالف هذه الحماية، ذلك أن الإخلال بها لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقوماتها، ولا كذلك الأمر في شأن تقدير رسم دعوى القسمة منسوباً إلى قيمة العقار كله إذا قضى ببيعه لعدم إمكان قسمته، إذ بهذه القيمة تتحدد الفائدة العائدة من الدعوى؛ فلا تثريب على المشرع إذا اتخذها وعاءً لتقدير ذلك الرسم، لالتئام هذا النهج مع حقائق العدل التي احتضنها الدستور في كثير من نصوصه.
(5) النص الطعين لا يتضمن مساساً بحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة وألزم الدولة بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في الدعاوى؛ لأن ذلك لا يتعارض ومساهمة هؤلاء المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة على الوجه الذي لا يرهق وصول الحقوق لأصحابها.


الإجراءات

بتاريخ الثاني والعشرين من يوليو سنة 1999، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 75 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، ونص المادة 841 من القانون المدني.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن أرملة والد المدعي ومورثه كانت قد أقامت ضده وباقي الورثة الدعوى رقم 35 لسنة 1988 أمام محكمة بندر الجيزة الجزئية بطلب الحكم بندب خبير لفرز وتجنيب حصتها في نصيب مورثهم في عقارين كائنين بالجيزة وبيع حصصهم جميعاً عند تعذر القسمة، قضى فيها بجلسة 12/ 4/ 1992 بقسمة هذين العقارين وذلك بإجراء البيع وفقاً للثمن الأساسي المبين بالحكم وإلزام المدعى عليهم المصاريف، وتنفيذاً لذلك الحكم استصدر قلم الكتاب أمري التقدير رقمي 15، 902 لسنة 1997/ 1998 برسوم الدعوى فتظلم المدعي منهما؛ وأثناء نظر تظلمه دفع بعدم دستورية نص المادة 75 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية ونص المادة 841 من القانون المدني، وإذ قدرت المحكمة جدية دفعه وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن باشرت رقابتها القضائية على دستورية نص المادة 841 من القانون المدني، فأصدرت بجلسة 3 يناير سنة 1998 حكمها في القضية رقم 36 لسنة 17 قضائية "دستورية" برفض الدعوى، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 1/ 1998، وكان مقتضى حكم المادتين 48 و49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعي إلى نقضه من خلال إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة في شقها المتعلق بالطعن على ذلك النص.
وحيث إن القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بعد أن فرض في المادة (1) منه رسماً نسبياً - حدد فئاته - على الدعاوى معلومة القيمة، نص في المادة 75 على أن "يكون أساس تقدير الرسوم النسبية على الوجه الآتي: -
(أولاً) على المبالغ التي يطلب الحكم بها.
(ثانياً) على قيم العقارات أو المنقولات المتنازع فيها..
(ثالثاً) في دعاوى طلب الحكم بصحة العقود أو إبطالها أو فسخها..
(رابعاً) في دعاوى رهن العقار أو المنقول..
(خامساً) في دعاوى الريع والإيجار والتعويض اليومي وطلب الفوائد...
(سادساً) في دعاوى فسخ الإيجار..
(سابعاً) دعاوى طلب الشفعة في العقار..
(ثامناً) في دعاوى قسمة العقار يحسب الرسم على ثمن الحصة أو الحصص المراد فرزها إذا كان ثمة حصص أخرى لشركاء آخرين على الشيوع.
(تاسعاً) إذا طُلب الحكم بقسمة حصة في عقار مشترك وبيعه عند عدم إمكان قسمته أخذ الرسم النسبي على ثمن العقار كله ويشمل هذا الرسم جميع إجراءات البيع فيما عدا رسم رسو المزاد فيستحق عليه الرسم المبين في المادة 44.
(عاشراً) إذا طُلب الحكم بقسمة حصة شائعة في عقار وفي أثناء سير الدعوى طلب المدعى عليهم كلهم أو بعضهم فرز حصتهم أيضاً..
(حادي عشر) تقدر رسوم دعاوى الحكر..
(ثاني عشر) تقدر قيمة دعاوى ترتيب الإيراد..
(ثالث عشر) تقدر قيمة طلبات توزيع أموال المدين على دائنيه..
(رابع عشر) تقدر رسوم على تنفيذ الأحكام والأوامر والعقود الرسمية..
(خامس عشر) تقدر الرسوم على أمر تنفيذ أحكام المحكمين..
(سادس عشر) تقدر رسوم الدعاوى التي ترفع من الممول أو عليه في شأن تقدير الأرباح..
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته، يتعلق بالرسم النسبي الصادر به أمر تقدير في دعوى قسمة عقار مشترك وبيعه عنه عدم إمكان قسمته، فإن مصلحة المدعي لا تتعلق بكامل بنود المادة 75 من المطعون عليها ، وإنما تنحصر فيما ورد بالبند تاسعاً منها من أنه إذا طلب الحكم بقسمة حصة في عقار مشترك وبيعه عند عدم إمكان قسمته أخذ الرسم النسبي على ثمن العقار كله، وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى الدستورية الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - انطواءه على عدوان على الملكية الخاصة التي أحاطها الدستور بالحماية في المادة 34 منه؛ تأسيساً على أن الرسم النسبي الذي يفرض في دعاوى القسمة يمثل مشاركة من الدولة للورثة في ملكيتهم عند تقسيم حصصهم وفي ناتج التصرف في المال المملوك لهم.
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدستورية قد مايز بنص المادة (119) بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية سواء من حيث أداة إنشاء كل منها، أو من حيث مناطها، فالضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في الأعباء العامة، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها، في حين أن مناط استحقاق الرسم قانوناً أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها، كمقابل لتكلفتها، وإن لم يكن بمقدارها، ومن ثم فإن تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام - ومنها دعاوى القسمة - عوضاً عما تتكبده الدولة من نفقة في سبيل تسيير مرفق العدالة، لا ينطوي على إخلال بحق الملكية، أو بالحق في الميراث.
وحيث إنه ولئن كان مسلماً أن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية المنصوص عليها في المادتين 32 و34 منه، لا تقتصر على الحقوق العينية، بل تنصرف: ذلك إلى الحقوق الشخصية، وتتسع للأموال بوجه عام، إلا أن الرسم المطعون فيه لا يخالف هذه الحماية، ذلك أن الإخلال بها لا يتحقق إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقوماتها، ولا كذلك الأمر في شأن تقدير رسم دعوى القسمة منسوباً إلى قيمة العقار كله إذا قضى ببيعه لعدم إمكان قسمته، إذ بهذه القيمة تتحدد الفائدة العائدة من الدعوى؛ فلا تثريب على المشرع إذ اتخذها وعاءً لتقدير ذلك الرسم، لالتئام هذا النهج مع حقائق العدل التي احتضنها الدستور في كثير من نصوصه.
وحيث إن النص الطعين لا يتضمن مساساً بحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة وألزم الدولة بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في الدعاوى؛ لأن ذلك لا يتعارض ومساهمة هؤلاء المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة على الوجه الذي لا يرهق وصول الحقوق لأصحابها. متى كان ذلك، وكان لا دليل من النص الطعين - على النحو المتقدم - على إخلاله بحق الملكية أو مساسه بالحماية المقررة لها أو مخالفته للدستور من أي وجه آخر، فإن الحكم برفض الدعوى يكون متعيناً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.