الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

الطعن 65 لسنة 18 ق جلسة 6 / 1 / 2001 دستورية عليا مكتب فني 9 دستورية ق 98 ص 814

جلسة 6 يناير سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

----------------

قاعدة رقم (98)
القضية رقم 65 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - حق التقاضي "غايته: ترضية قضائية - قيود".
لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها - إخلال القيود التي تعسر الحصول عليها بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق.
2 - تحكيم "مفهومه - مصدره - مقتضاه".
الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يعين باختيارهما ليفصل في هذا النزاع بقرار قاطع لدابر الخصومة المحالة إليه - التحكيم مصدره الاتفاق وإليه ترتد سلطة المحكمين عند البت في النزاع - مقتضى التحكيم عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها، إذ يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان.
3 - تشريع "قانون الضريبة العامة على المبيعات - نظام تحكيم".
فرض المشرع في المواد 17، 35، 36 من هذا القانون نظاماً للتحكيم - بديلاً عن القضاء - مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
4 - حق التقاضي "تحكيم إجباري - قاضي طبيعي".
اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها المشرع بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يُعد اختصاصاً منتحلاً - انطواؤه على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي.

----------------
1 - كفل الدستور لكل مواطن - بنص مادته الثامنة والستين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
2 - الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقاً لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرضِ لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها. ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
3 - الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح "التحكيم" إنما يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعاً من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17، 35، 36 منه، في إرادة المشرع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم - بديلاً عن القضاء - في منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
4 - فرضت المادتان الطعينتان التحكيم قهراً على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة - يكون منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات - بالمادتين الطعينتين - بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور، ومنعدماً بالتالي من زاوية دستورية.


الإجراءات

بتاريخ العشرين من يونيو سنة 1996 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين 17، 35 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1488 لسنة 1994 أمام محكمة المنصورة الابتدائية ضد المدعى عليهما الثاني والثالث، طالباً الحكم ببراءة ذمته من مبلغ 5268 جنيهاً الذي قدرته مصلحة الضرائب على المبيعات جزافياً عن إنتاج مصنع الطوب الذي يملكه، وذلك في الفترة من 1/ 4/ 1993 حتى 30/ 9/ 1993 قولاً منه بأنه يقوم بسداد الضريبة المستحقة عليه شهرياً وفقاً لإنتاجه الفعلي من تاريخ العمل بقانون تلك الضريبة وأنه تظلم من هذا التقدير، إلا أن تظلمه رفض، وبتاريخ 26/ 1/ 1995 قضت تلك المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي حددته المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1991: فطعن المدعي على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 834 لسنة 47 قضائية المنصورة. وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادتين 17، 35 من قانون الضريبة العامة على المبيعات. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 17 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 تنص على أن "للمصلحة تعديل الإقرار المنصوص عليه في المادة السابقة، ويخطر المسجل بذلك بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول خلال ستين يوماً من تاريخ تسليمه الإقرار للمصلحة.
وللمسجل أن يتظلم لرئيس المصلحة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسليم الإخطار، فإذا رفض التظلم أو لم يبت فيه خلال خمسة عشر يوماً، فلصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون خلال الخمسة عشر يوماً التالية.
وفي جميع الأحوال يجوز مد هذه المدد بقرار من الوزير.
ويعتبر تقدير المصلحة نهائياً إذا لم يقدم التظلم أو يطب إحالة النزاع للتحكيم خلال المواعيد المشار إليها".
كما تنص المادة 35 من ذلك القانون على أنه "إذا قام نزاع مع المصلحة حول قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها، أو كميتها، أو مقدار الضريبة المستحقة عليها. وطلب صاحب الشأن إحالة النزاع إلى التحكيم في المواعيد المقررة وفقاً للمادة 17 من هذا القانون، فعلى رئيس المصلحة أو من ينيبه خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتاريخ إخطاره بطلب التحكيم أن يحيل النزاع كمرحلة ابتدائية للتحكيم إلى حكمين تعين المصلحة أحدهما ويعين صاحب الشأن الآخر.
وفي حالة اتفاق الحكمين يكون رأيهما نهائياً.
فإذا لم تتم المرحلة السابقة بسبب عدم تعيين صاحب الشأن للحكم أو إذا اختلف الحكمان المنصوص عليهما في الفقرة السابقة رفع النزاع إلى لجنة مؤلفة من مفوض دائم يعينه الوزير رئيساً، وعضوية كل من: ممثل عن المصلحة يختاره رئيسها، وصاحب الشأن أو من يمثله، ومندوب عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوب عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر اللجنة قرارها بأغلبية الأصوات بعد أن تستمع إلى الحكمين عند توافر المرحلة الابتدائية ومن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والفنيين.
ويعلن قرار اللجنة إلى كل من صاحب الشأن والمصلحة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره بكتاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول.
ويكون القرار الصادر من اللجنة واجب النفاذ ويشتمل على بيان من يتحمل نفقات التحكيم.
ويحدد الوزير إجراءات التحكيم بالمراعاة للقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات كما يحدد نفقاته وعدد اللجان ومراكزها ودوائر اختصاصها والمكافآت التي تصرف لأعضائها".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكان فصل محكمة الموضوع في النزاع المردد بين المدعي ومصلحة الضرائب يتوقف على الفصل في دستورية نظام التحكيم المنصوص عليه في قانون الضريبة العامة على المبيعات؛ فإن نطاق هذه الدعوى ينحصر فيما تضمنته المادة 17 من ذلك القانون من تخويل صاحب الشأن - إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه - الحق في طلب إحالة النزاع إلى التحكيم وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائياً؛ وكذلك في نص المادة 35 منه الذي اشتمل على الأحكام المنظمة لذلك التحكيم.
وحيث إن المدعي ينعى على النصين المطعون فيهما - محددين نطاقاً على النحو المتقدم - أنها قد جعلا اللجوء إلى التحكيم إجبارياً على خلاف الأصل فيه. وحالا بذلك دون خضوع قرارات تقدير الضريبة لرقابة القضاء بما يخل بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور.
وحيث إن الدستور قد كفل الدستور لكل مواطن - بنص مادته الثامنة والستين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئاً دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يُذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقاً لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرضِ لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
ومؤدى ما تقدم جميعه أنه إذا ما فرض المشرّع التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
وحيث إن البين من استقراء المادة 17 الطعينة أنه متى أخطرت مصلحة الضرائب على المبيعات المسجل، بتعديل الإقرار المقدم منه بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول خلال ستين يوماً من تسلمها الإقرار، فإن الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين، فإما أن يقبل المسجل - صراحة أو ضمناً - ما أجرته المصلحة من تعديل، وإما أن يتقدم - خلال الميعاد المحدد - متظلماً منه، فإن رفضت المصلحة تظلمه أو لم تبت فيه، كان عليه إن أراد المضي في المنازعة في التعديل الذي أجرته المصلحة أن يطلب إحالة الأمر إلى التحكيم وإلا صار تقدير المصلحة نهائياً. ثم تناولت المادة 35 تنظيم التحكيم وجعلته على مرحلتين أولاهما ابتدائية تعين فيها المصلحة محكماً ويعين صاحب الشأن المحكم الآخر، فإن لم يعينه أو اختلف الحكمان، رُفعَ النزاع إلى لجنة يستأثر وزير المالية بتحديد إجراءات التحكيم أمامها، يرأسها مفوض دائم يعينه الوزير وتضم صاحب الشأن أو من يمثله، وممثلاً عن المصلحة ومندوباً عن التنظيم المهني أو الحرفي أو الغرفة التي ينتمي إليها المسجل يختاره رئيس هذه الجهة، ومندوباً عن هيئة الرقابة الصناعية يختاره رئيسها، وتصدر هذه اللجنة قرارها بالأغلبية ويعلن لكل من المصلحة وصاحب الشأن ويكون واجب النفاذ مشتملاً على تحديد من يتحمل نفقات التحكيم؛ ولازم ذلك كله، أن المسجل إذا تلمس طريقاً إلى المنازعة في مقدار الضريبة أو قيمة السلعة أو الخدمة أو نوعها أو كميتها، فليس أمامه سوى طلب إحالة النزع إلى التحكيم؛ وإلا كان تقدير المصلحة - مهما شابه من عسف أو مبالغة - ملزماً له ونافذاً في حقه. ولا ينال من النتيجة المقدمة قالة أن هذا التحكيم لا يمنع صاحب الشأن من أن يعزف عنه ويلجأ بظلامته من ذلك التقدير مباشرة إلى المحكمة، أو أن يختاره ثم يطعن على قرار اللجنة أمام القضاء؛ لأن الأصل في النصوص القانونية ألا تُحمل على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها ويفصلها عن سياقها أو يحرفها عما اتجهت إليه إرادة مشرعها؛ متى كان ذلك وكان اصطلاح "التحكيم" إنما يقصد به نظام للفصل في منازعات معينة يكون مانعاً من ولوج طريق التقاضي أمام المحاكم بشأنها، وكان قانون الضريبة العامة على المبيعات قد أورد النص على التحكيم وما يرتبط به من إجراءات في المواد 17، 35، 36 منه، فإن إرادة المشرّع تكون قد انصرفت بيقين إلى إنشاء نظام للتحكيم - بديلاً عن القضاء - في منازعات انفرد وحده بتعيينها وتحديد كيفية تشكيل اللجان التي تفصل فيها، وبيان الإجراءات التي تتبعها؛ مع أن التحكيم لا يكون إلا وليد إرادة طرفيه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن المادتين الطعينتين تكونان قد فرضتا التحكيم قهراً على أصحاب الشأن، وخلعتا قوة تنفيذية على القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع الخلاف بينهم وبين مصلحة الضرائب على المبيعات، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذي يبسط مظلته على جل منازعات هذه الضريبة - يكون منافياً للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطاً وكرهاً، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم التي أنشأها قانون الضريبة العامة على المبيعات - بالمادتين الطعينتين - لنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على إخلال بحق التقاضي بحرمان المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي بالمخالفة للمادة 68 من الدستور، ومنعدماً بالتالي من زاوية دستورية.
وحيث إن المادة 36 من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه ترتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بالمادتين 17، 35 منه، فإنها تسقط لزوماً تبعاً للحكم بعدم دستوريتهما، إذ لا يتصور وجودها بدون هذين النصين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة 17 من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما تضمنه من أن لصاحب الشأن أن يطلب إحالة النزاع إلى التحكيم المنصوص عليه في هذا القانون إذا رفض تظلمه أو لم يبت فيه، وإلا اعتبر تقدير المصلحة نهائياً.
ثانياً: بعدم دستورية نص المادة 35 من ذلك القانون.
ثالثاً: بسقوط نص المادة 36 من القانون المشار إليه.
رابعاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق