الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 أكتوبر 2023

الطعن رقم 53 لسنة 39 ق دستورية عليا "دستورية " جلسة 3 / 10 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الثلاثاء الثالث من أكتوبر سنة 2023م، الموافق الثامن عشر من ربيع الأول سنة 1445 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 53 لسنة 39 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بحكمها الصادر بجلسة 22/11/2016، ملف الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية

المقامة من
نادر فؤاد سليمان البلتاجي
ضد
1- وزير المالية
2- رئيس مصلحة الضرائب
3- رئيس مجلس إدارة صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة

------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثلاثين من أبريل سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بجلسة 22/11/2016، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المعدل بقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003.
وقدم المدعي في الدعـــوى الموضوعية مذكـــرة، طلب فيها الحكم بعـــدم دستورية النص المحال.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية، ضد المدعى عليهم، طالبًا الحكم بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف المبالغ المستحقة له، وإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه مبلغًا مقداره مائة وستون ألف جنيه، والفوائد القانونية، من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد؛ وذلك على سند من أنه يشغل وظيفة كبير باحثين بمصلحة الضرائب العامة، ويتمتع بعضوية صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بالمصلحة المذكورة، ويحق له ولأسرته المكونة من زوجته وأولاده الانتفاع بجميع خدماته، وفقًا لأحكام نظامه الأساسي، وأن نجله أصيب بجلطة وانسداد تام في الشرايين التاجية الأمامية، فاستقر رأي الأطباء على ضرورة إجراء جراحة قلب مفتوح، فتقدم المدعي بطلب إلى الصندوق لتحويل نجله إلى إحدى المستشفيات المتعاقد معها، إلا أنه إزاء ما بدا له خلال إجراء الفحوص الطبية، من صعوبة إجراء تلك الجراحة، وانخفاض نسب نجاحها، اضطر إلى عــلاج نجله بالخارج، وإجراء الجراحة بمستشفى بألمانيا الاتحادية، وعلى إثر ذلك تقدم بطلب إلى صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية - فرع الإسكندرية - لاسترداد مبلغ 118300 جنيه، قيمة تكاليف العملية الجراحية، وأرفق المستندات الدالة على ذلك، فأعاد الصندوق تقييم تلك التكاليف طبقًا لأسعار المؤسسة العلاجية، وقدّرها بمبلغ 105110 جنيهات، يتحمل العضو منها نسبة 5%، فيكون المبلغ المستحق له 99854 جنيهًا، إلا أن الصندوق امتنع عن الصرف، على سند من عدم تحمله تكاليف العلاج بالخارج، فأقام المدعي تلك الدعوى. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، فيما تضمنه من عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، بذات النسب والتكاليف التي يتحملها بالنسبة للعمليات الجراحية التي تجرى داخل البلاد، فقررت وقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته، ناعية على النص المحال التمييز غير المبرر في مجال تقديم الخدمات الصحية لأعضاء الصندوق، ومناقضة الغاية التي أنشئ الصندوق من أجلها، إذ قصر عن تحمل تكاليف حالات العلاج بالخارج، على حين تكفل بتحمل تلك التكاليف بالنسب المنصوص عليها حال العلاج داخل البلاد، رغم تماثل المراكز القانونية في كلتا الحالتين واتحاد المعطيات التي كانت تستلزم وحـدة القاعـدة المطبقة بشأنهما، لاسيما وأن العـلاج بالخـارج لا يكون – في الأعم الأغلب - إلا في الحالات الحرجة، الأمر الذي يجافي مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (53) من الدستور.
وحيث إن المادة الثانية والخمسين من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية، قبل إلغائه بالقانون رقم 157 لسنة 1981، قد نصت على أن تؤول حصيلة الغرامات والتعويضات المحكوم بها نهائيًّا طبقًا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 1939 والقانون رقم 99 لسنة 1949 المشار إليهما إلى صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحــة الضرائب.
ويصدر قرار من وزير المالية بتحديد نظام هذا الصندوق وموارده الأخرى وأغراضه وكيفية إدارته، وعلى الجهات المختصة بتحصيل المبالغ المشار إليها في الفقرة السابقة أن تقوم بتوريدها إلى الصندوق في المواعيد التي يحددها وزير المالية بقرار منه.
وحيث إن قرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003 في شأن تعديل النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، ينص في المادة (4) من النظام الأساسي المرافق له على أن تقتصر عضوية الصندوق على العاملين بمصلحة الضرائب، والمحالين منها إلى التقاعد؛ شريطة سداد الاشتراكات المقررة كاملة، ويستفيدون هم وأسرهم (الزوجة والأولاد) من جميع خدمات الصندوق، وعلى النحو الوارد بهذا القرار.
وتكون شروط استفادة أُسر أعضاء الصندوق العاملين بالمصلحة من خدماته على النحو الذي يضعه مجلس إدارة الصندوق ويعتمده وزير المالية.
وتنص المادة (23) من النظام ذاته على أن تشمل الخدمات الصحية التي يُقدمها الصندوق الآتي:
( أ) العمليات الجراحية، ما عدا عمليات التجميل والأسنان، إلا إذا كانت ناتجة عن حوادث، وعمليات العقم والطهارة .
(ب) معالجة الحالات الطارئة بالمستشفيات. (ج) معالجة الأمراض المزمنة.
( د) الأشعات والتحاليل. (هـ) الأجهزة التعويضية. (و) حالات الولادة.
وتستبعد أية خدمة صحية للحالات الناتجة عن الإدمان.
وتنص المادة (24) من النظام الأساسي المشار إليه على أن تقدم الخدمات الصحية المنصوص عليها بالمادة (23) لأعضاء الصندوق والمحالين للتقاعد وفقًا للضوابط الآتية :
(أ) بالنسبة لأسر الأعضاء، فينطبق بشأنهم الشروط المنصوص عليها، والتي يطبق بشأنها حكم المادتين (4 و5) من هذا النظام، وفي كل الأحوال يتعين ضرورة تقديم الأوراق، أو المستندات، أو التقارير التي يطلبها الصندوق.
(ب) لا يتحمل الصندوق تكاليف وجود مرافق مع المريض.
(ج) يعفى الصندوق من أية التزامات مالية قبل العضو إذا وفرت له اللجنة الصحية بالصندوق العلاج على نفقة الدولة.
( د) لا يتحمل الصندوق تكاليف العلاج خارج الدولة.
(هـ) بالنسبة للعمليات الجراحية يتحمل الصندوق التكاليف الآتية:
(90%) للعاملين الموجودين بالخدمة.
(75%) لباقي أسر العاملين الموجودين بالخدمة (الزوجة والأولاد، مع الالتزام بالشروط المنصوص عليها في هذا النظام).
(50%) للعضو المحال للتقاعد ولأفراد أسرته، طبقًا للتحديد الوارد بهذا النظام.
(و) بالنسبة للحالات الطارئة تعامل كالعمليات الجراحية، مع ضرورة إخطار الصندوق عن طريق المستشفى، أو عن طريق العضو .
(ز) تحدد مستويات الإقامة بالمستشفيات، على النحو الآتي: ......
(ح) بالنسبة للأمراض المزمنة :
حالات الفشل الكلوي والأورام الخبيثة، يكون العلاج بالمستشفيات المتعاقد معها الصندوق، وإذا لم يتيسر العلاج في مثل هذه المستشفيات يمنح المريض مبلغًا سنويًّا، بحيث لا يجاوز خمسة وعشرين ألف جنيه . ..... .
(ط) يتحمل الصندوق نسبة لا تجاوز خمسين في المائة من ثمن الأجهزة التعويضية، طبقًا لمتوسط الأسعار السائدة، ولا يتحمل الصندوق أي مقابل لوسائل الانتقال الميكانيكية المعدة لذوي الاحتياجات الخاصة .
(ى) يتحمل الصندوق تكاليف الولادة، بحيث لا تجاوز ألف جنيه، ولمرتين فقط طوال مدة العضوية .
(ك) يتحمل الصندوق (50%) من قيمة الأشعة والتحاليل، بحيث لا تجاوز خمسمائة جنيه سنويًّا.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان المدعي في الدعوى الموضوعية عضوًا بصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، وامتنع الصندوق المذكور عن تحمل تكاليف علاج نجله خارج الدولة، استنادًا إلى النص المحال؛ ومن ثم فإن الفصل في دستوريته يكون له انعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ويتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة فيما تضمنه نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، من إطلاق حكمه ليشمل عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، وإن تماثلت مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي السالف البيان.
وحيث إن البيـن مـن تقصي أحكام النظـام الأساسي لصندوق الرعايـة الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة أنه يُعد أداة من أدوات الدولة في توفير الرعاية الصحية المتكاملة لأعضائه ولأسرهم، كفل المشرع من خلاله شكلًا من أشكال التضامن والتكافل بين أعضائه، بما يدنيهم من التغلب على الصعاب التي تتصل بعوارض الحياة من مرض، أو تقاعد، أو وفاة، وأقام إطارًا لهذا التعاون من خلال موارد الصندوق، التي ينميها ويسهم أعضاؤه فيها، وتدعمها الدولة – كذلك- من ميزانيتها، ليؤمّن الصندوق لأعضائه وأُسرهم قدرًا من الاستقرار يُعينهم وقت العثرة، ويعوضهم عن مضار أصابتهم، إعمالاً لقواعد التكافل الاجتماعي التي تهيمن على أغراض الصندوق جميعها، بقصد مواجهة مخاطر تتجانس في طبيعتها، ولا يندر وقوعهـــا. وبهذه المثابـــة، فإن عضو الصندوق، متى قام بســـداد اشتراكاته المقـــررة، بات مع غيره من الأعضاء سواءً بسواء، تجمعهم مراكز قانونية متكافئة.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة، باعتباره -إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص- أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه – بما ينطوي عليه من تمييز– مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة، أو تقييد، أو تفضيل، أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق، أو الحريات التي كفلها الدستور، أو القانون، وذلك بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة بين المؤهلين للانتفاع بها. كما أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه في المادة (53) من دستور سنة 2014، والذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهـة صـور التمييز، التي تنـال منها وتقيد ممارستها، باعتبـاره وسيلة لتبرير الحماية القانونية المتكافئة، التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية، التي تتحدد وفق شروط موضوعية، يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك، سقط في حمأة المخالفة الدستورية.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه: أنها ينبغي أن تسعهم جميعًا، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميمًا مجاوزًا نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها. وأن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه، أو تتخلف عن أهدافها، ومن ثم فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استلزم ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك: أن المشرع عليه أن يتدخل دومًا بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمعالجة ما فاته في هذا الشأن.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في مادته الثامنة، من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، والتزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون، إنما يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها، ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرًا، ومن ثم لا يتفرقون بددًا، أو يتناحرون طمعًا، أو يتنابذون بغيًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، ولا يملكون التنصل منها، أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها - عدوانا - أكثر علوًّا، وإنما تتضافر جهودهم، وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن الحماية الخاصة التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة، تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان حقًّا شخصيًّا أم عينيًّا، أم كان من حقوق الملكية الفنية، أو الأدبية، أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام.
متى كان ما تقدم، وكان ما نعاه حكم الإحالة على النص التشريعي المحال سديدًا في جملته، إذ إن ذلك النص فيما تضمنه من عدم تحمل صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة تكاليف حالات العلاج خارج الدولة؛ يكون قد انسلخ عن أغراض الصندوق السالف بيانها، التي يتوخاها في مجال الخدمات الصحية التي يقدمها لأعضائه، نائيًا بها عمن يستحقونها، مخلًّا بمقتضيات التكافل الاجتماعي بينهم، حال اشتراكهم في عضوية الصندوق ذاته، ومواجهة أخطار من طبيعة واحدة توجب تضاممهم، مهدرًا فرصة الحصول على خدمات الصندوق الطبية لمن يُعالج منهم خارج الدولة، وإن تماثلت حالته الطبية مع مستحق يُعالج داخلها، ممايزًا – دون مبرر موضوعي – بين طائفتين من مستحقي الخدمات الصحية الذين تتكافأ عناصر المركز القانوني لكلتيهما، دون أن يقدح في تكافئها قالة إن موارد الصندوق تنوء عن أداء تكاليف العلاج خارج الدولة، مما يعجزه عن تحقيق أهدافه في مجال الخدمات الصحية، ما دام تحمُّل تلك النفقات تحكمه – في مواجهة كلتا الطائفتين – أحكام مشتركة، أبانتها لائحة النظام الأساسي للصندوق السالف البيان، مما يشكل إخلالًا بمبادئ المساواة والعدل والتضامن الاجتماعي. كما أن النص المحال بحجبه حصول من يُعالج من أعضائه خارج الدولة، في الحالات التي تتماثل مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل، عن استئداء نفقات علاجه، وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي للصندوق، إنما يُشكل عدوانًا على الملكية الخاصة لأولئك؛ بحسبان الوفاء بتكاليف علاجهم -وفقًا لما تقدم- ينهض التزامًا على الصندوق، يضحى الإخلال به انتقاصًا من العناصر الإيجابية للذمة المالية لعضو الصندوق، وإهدارًا لحقه في الملكية الخاصة.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المحال – في نطاقه السالف التحديد- يكون قد خالف المواد (4 و8 و9 و35 و53) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، من إطلاق حكمه ليشمل عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، وإن تماثلت مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل، وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي للصندوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق