الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

المذكرة التفسيرية لقانون الاجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950

مذكرة تفسيرية
يُحدد قانون الإجراءات الجنائية الطريق الذي يكفل للدولة حقها في القصاص من المحرم ، ويُعنى بصفة خاصة بالنظم والأحكام التي ترمي إلى تبسيط الإجراءات الجنائية وسرعتها لينال الجاني جزاءه في أقرب وقت، وذلك بغير إخلال بالضمانات الجوهرية التي تمكن البريء من إثبات براءته. وقد نشط من عهد بعيد التشريع الجنائي في كثير من البلاد الأجنبية لتحقيق هذه الأغراض ولكن هذا النشاط لم يكن له صدى في مصر بالنسبة إلى قانون تحقيق الجنايات الأهلي الذي بقي جامداً رغم ما وجه إليه من نقد شديد من جهة عدم صلاحية إجراءات التحقيق والمحاكمة ومن جهة النقص الذي يعتوره في كثير من المواضع ، وفي الواقع فإن قانون تحقيق الجنايات الملغي يُعد في مؤخرة القوانين المماثلة نظرا إلى قدم عهده وعدم تعهده بالإصلاحات الجوهرية اللازمة ، فهو يجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق.

ويقسم أعمال التحقيق في الدعوى الجنائية بين النيابة العمومية والقاضي الجزئي ويسمح بحبس المتهم احتياطياً قبل استجوابه ويخول القاضي الجزئي حق الحكم في جميع الجنح على اختلاف أنواعها ودرجة أهميتها ويسمح باستئناف جميع الأحكام الصادرة في الجنح أيا كانت العقوبة المحكوم بها وغير ذلك من العيوب التي لها أثرها في تحقيق العدالة وضمان الحرية الشخصية، وذلك فضلا عن النقص الذي يشوبه في كثير من المواضع فهو لم يبين أحكام كثير من أعمال التحقيق ولا قواعد الاختصاص ولا أوجه البطلان ولم يستوف قواعد الطعن في الأحكام وغير ذلك من أوجه النقص .

أما قانون تحقيق الجنايات المختلط فقد وضع في سنة ١٩٣٧ وروعيت فيه القواعد الحديثة للتشريع الجنائي، ولكن نظراً إلى الأغراض التي وضع من أجلها واختلاف ظروف القضاءين الأهلي والمختلط لا يمكن أن يحتذى في كثير من أحكامه أمام المحاكم الأهلية .

وللاعتبارات المتقدمة كان قرار مجلس الوزراء الرقيم ١٣ مارس سنة ١٩٤٠. بتشكيل لجنة لتوحيد القانونين الأهلي والمختلط حتى يتفادى التباين في إجراءات الدعوى الجنائية أمام القضاءين ولإعادة النظر في القانون بجملته من جميع النواحي كان هذا القرار مرتقبا من مدة طويلة .

وقد عقدت اللجنة أولى جلساتها في ٢٠ مارس سنة ١٩٤٠ وكان اتجاهها الأول أن تضع تشريعات مختلفة لعلاج المسائل المستعجلة ووضعت فعلاً مشروع قانون الأوامر الجنائية وصدر به القانون رقم ١٩ لسنة ١٩٤١ ، ثم وضعت مشروع الطعن في الأحكام ، ولكنها لم تقدمه ورأت أن تضع مشروعاً كاملاً للإجراءات الجنائية ليكون التناسق تاماً بين جميع أجزائه وليحل محل القانونين الأهلي والمختلط فيرتفع ذلك التباين في إجراءات الدعوى بين القضاءين ويسد النقص في كلا القانونين وقد انتهت اللجنة من وضعه في ١٨ ديسمبر سنة ١٩٤٥ وهو يقع في ستمائة مادة وخمس مواد وفي أربع كتب : يشمل الأول منها خلاف القواعد العامة ثلاثة أبواب : الأول في الدعوى الجنائية والثاني في الدعوى المدنية والثالث في التحقيق . ويشمل الكتاب الثاني : ثلاثة أبواب الأول في الاختصاص والثاني في المحاكمة والثالث في الطمن في الأحكام . ويشمل الكتاب الثالث ثلاثة أبواب الأول في المصاريف والثاني في التنفيذ والثالث في سقوط العقوبة بمضي المدة . ويشمل الكتاب الرابع ثلاثة أبواب الأول في الإفراج تحت شرط والثاني في رد الاعتبار والثالث في إجراءات مختلفة .

وأهم ما استحدثه في باب الدعوى الجنائية زيادة الأحوال التي يعلق القانون فيها رفع الدعوى الجنائية على شكوى أو طلب في الجرائم التي تمس مصلحة المجني عليهم أكثر مما تمس مصلحة الجماعة ، فنصت المادة ٢٤ ( أصبحت م ٣ من القانون ) على عدم جواز رفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى في جريمة الزنا وجريمة الفعل الفاضح مع امرأة في غير علانية وجريمة عدم تسليم الولد الصغير إلى من له الحق في طلبه وجريمة الامتناع عن دفع النفقة أو أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن المحكوم بها وجرائم القذف والسب في حق أحد الأفراد أو أحد الموظفين بسبب أداء الوظيفة .

ونصت المادة ٢٥ ( أصبحت المادة ٨ من القانون ) على عدم جواز رفع الدعوى الجنائية إلا بناء على طلب وزير العدل في جريمة العيب في حق ملك أو رئيس دولة أجنبية أو ممثل لدولة أجنبية معتمدة في مصر .

ونصت المادة ٢٦ ( أصبحت المادة ۹ من القانون ) على عدم جواز رفع الدعوى الجنائية في جرائم سب البرلمان أو أحد المجلسين أو غيرها من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة إلا بناء على طلب الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها .

وتبين المواد ١٣ إلى ١٩ ( أصبحت المواد ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٩) أحكام الشكوى والطلب والإذن على اعتبار أنها قيود تعترض النيابة العمومية في رفع الدعوى وذلك من جهة الشروط اللازم توافرها لصحتها والتنازل عن الشكوى وسقوط الحق فيها بمضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبيها أو بوفاة المجني عليه قبل تقديم الشكوى .

وعولج في باب الدعوى المدنية موضوع تحريك المدعي المدني للدعوى الجنائية (١) على أساس ما استقر عليه التشريع الجنائي الحديث من أن الدعوى الجنائية عمومية فليس للأفراد حق تحريكها وللنيابة العمومية وحدها الحق في رفع الدعوى . وفي حفظ أي بلاغ يقدم لها إذا لم تر محلاً للتحقيق أو رفع الدعوى . على أن هذا الحفظ لا يقفل الباب في وجه المدعي المدني فقد أجيز له أن يتظلم من أمر الحفظ أمام غرفة المشورة . وفرض على النيابة إذا ما أصدرت أمراً بحفظ شكوى بها مدع بحقوق مدنية أن تعلنه بذلك وله أن يتظلم منه إلى غرفة المشورة في الثلاثة الأيام التالية لإعلانه ، فإذا مضت ثلاثة أشهر على تقديم الشكوى ولم تتخذ النيابة قراراً فيها كان ذلك بمثابة أمر حفظ منها وللمدعي المدني أن يتظلم منه أيضا وتبين المادة ٤١ ( أصبحت المادة ٦٣ من القانون وألغيت أخيراً ) الإجراءات التي يتبعها المدعي المدني في التظلم الذي يرفعه وقد ألزم بإيداع كفالة قدرها عشرة جنيهات في مواد الجنايات والجنح وخمسة جنيهات في مواد المخالفات، فإذا قبلت غرفة المشورة التظلم تأمر برفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة إذا كانت الواقعة مخالفة أو برفعها إلى المحكمة أو إحالتها إلى قاضي التحقيق حسب الأحوال إذا كانت جنحة وإحالتها إلى قاضي التحقيق إذا كانت جنحة أما إذا لم تقبل غرفة المشورة التظلم أو إذا رفضته تحكم بمصادرة الكفالة - المواد 40 إلى ٤٣ ( أصبحت المواد ٦٢ إلى 65 من القانون وألغيت عدا الفقرة الأولى من المادة ٦٢ )

ولعل أهم ما استحدث في الكتاب الأول العمل بنظام قاضي التحقيق ولم يكن

-------------------

(۱) لقد أعطي للمدعي بالحق المدني حق تحريك الدعوى الجنائية كما كان الحال في القانون الملغي طبقا لتعديلات مجلس النواب التي وافق عليها مجلس الشيوخ أخيرا وألغيت المواد من 63 – 65 لأنها أصبحت غير ذات موضوع .


ذلك فقط لضرورة فنية وهي عدم الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق بيد النيابة العمومية بل لضرورة عملية وهي وضع أعمال التحقيق جميعها بيد قاض واحد بينما هي الآن مقسمة بين النيابة والقاضي الجزئي .

ولا شك أن قاضي التحقيق بما خول من سلطات واسعة أقدر من النيابة على اجتلاء الحقيقة مما يجرى من التحقيقات ولذلك رؤي أن تناط جميع أعمال التحقيق في الجنايات والجنح بقاضي التحقيق بصفة أصلية وأن تلزم النيابة بإحالة كل جناية أو جنحة ترى السير فيها إلى قاضي التحقيق ليتولى تحقيقها ، غير أنه رئي مع ذلك أن تخول النيابة تحقيق بعض الجنح . وقد أفرد لذلك فصل خاص سيأتي ذكره فيما بعد ، كما احتفظ لها بحق رفع الدعوى الجنائية مباشرة في المخالفات والجنح إذا كانت الاستدلالات التي تجمعها تكفي للسير في تحقيقها في الجملة.

أما تعيين قضاة التحقيق فقد رئي أن يكون بقرار من وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الأعلى لمدة سنتين ، ولا يجوز نقلهم أو إلغاء تعيينهم إلا بموافقة المجلس المذكور . ويعين لكل محكمة جزئية قاض للتحقيق وفي محافظتي مصر والإسكندرية يعين العدد الكافي من قضاة التحقيق ويُقسم العمل بينهم بمعرفة الجمعية العمومية للمحكمة ولا يمنع تعيين القاضي التحقيق من الجلوس للحكم في القضايا المدنية أو القضايا الجنائية التي لم يباشر تحقيقها .

ولا يجوز لقضاة التحقيق مباشرة التحقيق إلا بناء في طلب النيابة العمومية ومن ثم فليس لهم أن يباشروه من تلقاء أنفسهم أو بناء على طلب المدعي المدني أو بسبب مجرد الارتباط .

وليست النيابة العمومية ملزمة بحضور جلسات التحقيق بل لها أن تحضرها أو تتغيب عنها ، ويجوز لها الاطلاع في أي وقت على الأوراق لتقف على ما جرى في التحقيق على أن لا يترتب على ذلك تأخير السير فيه .

وقد فصلت في القانون أعمال التحقيق والإجراءات التي تتبع فيها كل على حدة فتناول أحكام انتقال قاضي التحقيق وندب الخبراء والتفتيش وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة وشهادة الشهود والاستجواب والمراجعة وأوامر الإحضار والقبض والحبس الاحتياطي. وقد رؤي أن نظام الحبس الاحتياطي في القانون الملغي لا يحقق للمتهم الضمان الكافي للدفاع عن نفسه عند صدور أمر بحبسه احتياطيا لأنه يسمح بالحبس قبل الاستجواب . لذلك رئي أن يستبدل بهذا النظام نظام آخر تراعى فيه حقوق الدفاع وتضمن في الوقت نفسه سلامة التحقيق فتقرر أنه لا يجوز مطلقا الحبس الاحتياطي إلا بعد الاستجواب إلا إذا كان المتهم هارباً من وجه القضاء وكذلك لا يجوز مد الحبس إلا بعد الاستجواب . ويتلخص النظام المقترح في أن لقاضي التحقيق الحق في حبس المتهم في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر بشرط أن يُستجوب قبل حبسه إذا لم يكن هاريا وبشرط أن توجد دلائل كافية ضده. وينتهي هذا الحبس حتما بمضي خمسة عشر يوما من تاريخ تنفيذه إلا إذا رأى القاضي مده لمصلحة التحقيق وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يسمع أقوال المتهم والنيابة . ولا يجوز أن تزيد مدة المد أو مدده على ثلاثين يوما فإذا رئي بعد ذلك مد الحبس الاحتياطي وجب عرض الأمر على غرفة المشورة لتصدر أمرها بما تراه بعد سماع أقوال النيابة والمتهم ولغرفة المشورة الحق في مد الحبس الاحتياطي مددا متعاقبة لا تزيد كل منها على ثلاثين يوما إلى أن ينتهي التحقيق ولها أن تحدد للقاضي أجلا لإتمام التحقيق.

وقد ألغي نظام المعارضات في الحبس الاحتياطي لأنه أصبح لا ضرورة له بعد أن أجيز للتهم أن يدلي بدفاعه عند حبسه احتياطيا وفي كل مرة يطلب فيها تجديد الحبس .

وقد خول قاضي التحقيق سلطة واسعة في التصرف في التحقيق عند انتهائه فله :

(1) التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى

(2) الإحالة إلى محكمة المخالفات أو الجنح إذا كانت الواقعة مخالفة أو جنحة .

(۳) تجنيح الجناية إذا كانت من الجنايات التي يجوز تجنيحها وإحالتها إلى المحكمة الابتدائية .

(٤) الإحالة على غرفة المشورة إذا كانت الواقعة جناية مما لا يجوز تجنيحها أو إذا لم ير تجنيحها .

وقد رئي تخويل النيابة العمومية الحق في المعارضة (1) أمام غرفة المشورة في جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق وذلك نظرا لما لها من صفة خاصة لا يخشى معها إساءة استعمال هذا الحق ، وخول جميع الخصوم حق المعارضة في الأوامر

----------------

(1) استبدلت كلمة المعارضة بالاستئناف بعد التعديل في هذا الفصل جميعه من القانون كما هو واضح من المواد ١٦١ – ١٦٩ كما استبدلت بغرفة المشورة غرفة الاتهام .


المتعلقة بالاختصاص نظراً لما لمسائل الاختصاص من الأهمية. وحتى لا يتعطل سير التحقيق بالمعارضة في هذه الأوامر نص صراحة على أن المعارضة لا توقف سير التحقيق وأجيز للمدعي المدني أن يُعارض في الأمر الذي يصدر من قاضي التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى . أما المتهم فيما عدا مسائل الاختصاص لم يخول حق المعارضة بصفة عامة على اعتبار أن أقواله تسمع دائما عند حبسه احتياطيا وكلما أريد تجديد الحبس وعلى اعتبار أن الدعوى في مواد الجنايات تعرض على غرفة المشورة قبل إحالتها إلى المحكمة وتسمع أمامها أقوال المتهم وأوجه دفاعه وفي المواد الأخرى له أن يتقدم بما يريد أمام المحكمة .

أما غرفة المشورة التي يتحدث عنها القانون فهي دائرة من دوائر المحكمة الابتدائية تخصص لأداء أعمال الغرفة المذكورة وتُعقد مرة في كل أسبوع ويجوز أن تعقد في غير الأيام المعينة كلما اقتضت الحال ذلك كما يجوز لها أن تعقد جلساتها في غير مقر المحكمة.

وتختص غرفة المشورة بالنظر :

(1) في مد الحبس الاحتياطي.

(۲) في المعارضات التي ترفع إليها من الخصوم .

(۳) في أوامر قاضي التحقيق الصادرة بالإحالة إليها في مواد الجنايات.

(٤) إجراء تحقيقات تكميلية أو جديدة عن أية واقعة من وقائع الدعوى بالنسبة لأي متهم يكون قد أحيل إليها أو بالنسبة لأي شخص ولو لم يكن محالاً إليها من قاضي التحقيق .

ولغرفة المشورة وحدها حق الإحالة على محكمة الجنايات ولها بطبيعة الحال جميع الحقوق المخولة لقاضي التحقيق كالتجنيح والإحالة على محاكم الجنح والمخالفات والأمر بأن لا وجه. وقد أجيز للنائب العمومي الحق في الطعن بطريق النقض في أوامر غرفة المشورة الصادر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى أو بالتجنيح أو بأن الواقعة لا تكون إلا جنحة أو مخالفة كما أجيز للمدعي المدني الطعن بطريق النقض في الأوامر الصادرة بأن لا وجه لإقامة الدعوى على أن الطعن سواء من النائب العمومي أو من المدعي المدني لا يجوز إلا لخطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها .

هذا وقد رئي تخويل النيابة العمومية حق التحقيق في بعض الجنح كما سبقت الإشارة إليه وهي الجنح المشهودة (جنح التلبس) والجنح الأخرى التي يجوز لرجال الضبط القضائي القبض فيها وهي المبينة في المادة ٨٢ ( أصبحت المادة ٣٤ من القانون ) المقابلة للمادة ١٥ من القانون الملغي . وقد روعي في ذلك أولا - أن لأعضاء النيابة العمومية باعتبارهم من رجال الضبط القضائي سلطة واسعة في إجراءات جمع الاستدلالات في الجرائم المشهودة كما أن لهم حق القبض في الجرائم الواردة في المادة ٨٢ (أصبحت المادة ٣٤ من القانون ) فتخويلهم حق التحقيق في الجرائم المذكورة ليس إلا استكمالا لما لهم من حقوق سابقة - ثانيا - أن تحقيق هذه الجرائم لا يحتاج عادة إلى إجراءات طويلة لأن الدليل يكون فيها واضحا وليس من المصلحة إرهاق قاضي التحقيق بتكليفه تحقيق كل قضية ولو كانت قليلة الأهمية.

وقد خول للنيابة العمومية حق حبس المتهمين في الجرائم المذكورة مدة أربعة أيام فإذا لم ينته التحقيق يطلب من قاضي التحقيق مد الحبس وللقاضي في هذه الحالة أن يتولى التحقيق بنفسه أو يأذن بامتداده مدة أو مددا لا تزيد على ثلاثين يوما فإذا لم ينته التحقيق بعد ذلك وجب على قاضي التحقيق أن يتولى التحقيق بنفسه .

وقد استثنى من الجرائم التي أجيز للنيابة العمومية التحقيق فيها جنح التفاليس والجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر فلا يكون للنيابة حق التحقيق فيها ، وذلك لأن هذه الجرائم ليست من الجرائم العادية التي أريد تخويل النيابة تحقيقها والتصرف فيها على وجه السرعة ولأن علاقة جرائم الصحف بحرية الرأي تستدعي لدقتها تدخل القاضي ، وقد رؤي أن وضع التحقيق في هذه الجرائم في يد قاضي التحقيق خير ضمان للمتهمين فيها .

وقد أدخل تعديل هام على قواعد الاختصاص من حيث توزيعه بين المحاكم الجنائية المختلفة فقد لوحظ أن بعض الجرائم يقتضي لأهميتها وكثرة الوقائع التي تتكون منها جهدا كبيراً ووقتاً طويلاً للفصل فيها كقضايا الصحف والجنايات المجنحة وجرائم التفاليس والتزوير وبعض قضايا الاختلاس والنصب ، الأمر الذي يعطل الفصل في القضايا الأخرى التي لا يستغرق نظرها وقتا طويلا فرؤي لذلك نزع هذه الأنواع من القضايا التي يفصل فيها الآن القاضي الجزئي وتخويل حق الحكم فيها نهائيا إلى المحكمة الابتدائية وقد عني القانون ببيان بعض هذه الجرائم التي تكون من اختصاص المحكمة الابتدائية وخول قاضي التحقيق إحالة الجنح التي من هذا القبيل على المحكمة المذكورة بعد تحقيقها وبذلك يكون تم التنسيق بين جهات التحقيق وجهات الحكم فتحيل النيابة العمومية القضايا البسيطة أو التي لا يستدعي نظرها مشقة ولا وقتاً طويلاً إلى المحكمة الجزئية ويحيل قاضي التحقيق القضايا الكبيرة إلى المحكمة الابتدائية.

وقد عنى القانون في باب الاختصاص بالنص على تحديد اختصاص المحاكم الجنائية على اختلاف أنواعها بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي قبض على المتهم فيه أو الذي يقيم به . وقد استتبع ذلك تحديد مكان وقوع الجريمة في حالة الشروع وفي الحالات الأخرى التي يمتد فيها نشاط الجاني إلى أكثر من مكان واحد كحالة الجريمة المستمرة والجرائم المتتابعة وجرائم الاعتياد .

كما عنى القانون بتحديد الاختصاص في حالة الجرائم المرتبطة، فنص على أن يكون الاختصاص للمحكمة ذات الاختصاص بالنسبة للجريمة الأشد إذا كانت الجرائم مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، كما يكون للمحكمة المختصة بتوقيع العقوبة الأشد إذا تعدد المتهمون في الجريمة الواحدة واختلفت العقوبة المقررة لبعضهم عما هو مقرر للبعض الآخر.

وإذا كان بعض الجرائم المبينة في الحالة الأولى من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم استثنائية كالمحاكم العسكرية لا يكون رفعها أمام المحاكم العادية إلا في حالة واحدة وهي المنصوص عليها في المواد ٦٦ وما بعدها من الدستور الخاصة بالمحكمة العليا المختصة بمحاكمة الوزراء .

وعرض القانون بعد ذلك إلى أحكام التنازع بين جهات التحقيق والحكم العادية وبين هذه الجهات الاستثنائية في الاختصاص ووضع القواعد التي يجب العمل بها لتعيين الجهة أو المحكمة المختصة في هذه الأحوال كما عرض لما يتبع إذا كان الفصل في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة مدنية أو على الفصل في دعوى جنائية أخرى .

وقد أضيف إلى أحكام نظام الجلسة حكم جديد يقضي بتخويل محكمة الجنايات ومحكمة النقض حق الحكم في جرائم تقع خارج الجلسة بصدد دعوى منظورة لم يفصل فيها بعد ويكون من شأنها التأثير في القضاة أو الشهود أو الإخلال بأمن المحكمة أو بمقام القاضي وسلطته ، وذلك لإحاطة المحكمة بجو من الاحترام يسوده الهدوء والطمأنينة . فإذا لم تر المحكمة الحكم في الجريمة التي وقعت خارج الجلسة جاز لها أن تحيل المتهم إلى النيابة العمومية وعلى النيابة في هذه الحالة أن تحيله إلى المحكمة المختصة .

وتناول القانون أحكام صلاحية القاضي للحكم في الدعوى ونص على الحالات التي يجب على القاضي فيها أن يمتنع عن الاشتراك في نظر الدعوى ولو لم يُطلب رده وذلك إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصياً أو كان قد قام فيها بعمل مأمور الضبط القضائي أو النيابة العمومية أو قام فيها بالمرافعة عن الخصوم أو أدى فيها شهادة أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة أو بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة . ونص على جواز الرد في الحالات المذكورة وفي حالات الرد المبينة في قانون المرافعات وبين الإجراءات التي تقع في الرد.

وقد جرى المشروع في باب المحاكمة فيما يختص بالإجراءات التي تتبع أمام المحاكم الجنائية تفاديا من التكرار على أن يبين أولا القواعد التي تتبع أمام جميع المحاكم ثم القواعد التي تتبع أما محاكم المخالفات ، فالقواعد التي تتبع أمام محاكم الجنح والتي تتبع أمام محاكم الجنايات .

وقد تناولت القواعد العامة أحكام رفع الدعوى والإجراءات في الجلسة وشهادة الشهود وباقي الأدلة والأحكام وأوجه البطلان التي تنشأ عن عدم مراعاة إجراءات التحقيق أو المحاكمة التي يتطلبها القانون ، وقد خلا القانون الملغي من بيان القواعد التي تتبع في هذه الأحوال واكتفى بالنص على البطلان عند مخالفة بعض الإجراءات دون البعض الآخر مما يؤدي إلى الوقوع في الخطأ . ولذلك وضع في القانون الحالي القواعد التي تبين الأحوال التي يحكم فيها بالبطلان والتي لا تدعو لذلك والإجراءات التي تتبع للتمسك بالبطلان ومدى البطلان إذا حكم به . فإذا كان الغرض من الإجراء ليس إلا الإرشاد والتوجيه فلا بطلان إذا لم يراع هذا الأجراء لأنه ليس جوهريا في التحقيق أو الدعوى . أما إذا كان الغرض من الإجراء المحافظة على مصلحة عامة أو مصلحة المتهم أو أحد الخصوم فهو إجراء جوهري يترتب على عدم مراعاته البطلان . وإذا كان الإجراء الجوهري متعلقا بالنظام العام جاز التمسك بالبطلان الناشئ عن عدم مراعاته في آية حالة كانت عليها الدعوى . وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب . أما إذا كان الإجراء الجوهري متعلقا بمصلحة المتهم أو باقي الخصوم فلا يقضى بالبطلان إذا طلب صاحب الشأن وقد بين القانون على سبيل المثال بعض الأحكام المتعلقة بالنظام العام . ويجب بصفة عامة الرجوع دائما إلى علة التشريع لمعرفة ما إذا كان الإجراء جوهريا متعلقا بالنظام العام أو وضع لمصلحة المتهم وباقي الخصوم .

أما الجهة التي يجب أن يقدم إليها الدفع بالبطلان فهي أول جهة قضائية تلي الجهة التي وقع أمامها البطلان وإلا سقط الحق في التمسك به ، فإذا وقع البطلان قبل تقديم القضية القاضي التحقيق وجب التمسك به أمام القاضي المذكور واذا وقع البطلان أمام غرفة المشورة وجب التمسك به أمام محكمة الموضوع . وليس لقاضي التحقيق ولا لغرفة المشورة الحق في الفصل في الدفع ولكن لهما تصحيح البطلان اذا أمكن ذلك.

وقد تناولت القواعد التي وضعت لمحاكم الجنح تخويل محكمة الجنح الجزئية والمحكمة الابتدائية في حالة الحكم بعدم الاختصاص لأن الواقعة جناية الحق في إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات بشرط أن تكون الدعوى قد حققت بمعرفتها أو بمعرفة سلطة التحقيق . وتتبع في هذه الحالة الإجراءات المقررة للإحالة إلى محكمة الجنايات وخول للمحكمة الجزئية إذا كانت الواقعة جناية من الجنايات التي يجوز تجنيحها الحق في الحكم بتجنيحها وإحالتها إلى المحكمة الابتدائية وخول للمحكمة الابتدائية حق التجنيح والفصل في الدعوى .

أما فيما يتعلق بالإجراءات أمام محاكم الجنايات فقد أدخل القانون تعديلاً هاماً في أمر ندب من يجلس في محاكم الجنايات في حالة حصول مانع لأحد المستشارين فنص على أنه في حالة غياب مستشار يحل محله مستشار آخر يندبه رئيس المحكمة وفي حالة الاستعجال يجوز لرئيس المحكمة الابتدائية أو وكيلها أن يجلس مكان المستشار الغائب ولا يجوز أن يستمر ذلك أكثر مما يلزم لحضور المستشار الغائب أو مستشار بدله ، كما لا يجوز أن يشترك في الحكم أكثر من واحد من غير المستشارين وعلة ذلك أن في تشكيل محاكم الجنايات من مستشارين ضمانة كبرى للمتهم . فإذا غاب أحدهم لا يجوز أن يندب مكانه إلا مستشار أو عند الضرورة قاض يليه مباشرة في الدرجة وهو رئيس المحكمة أو وكيلها .

وقد أدخل تعديل آخر بشأن ندب المحامين عن المتهمين المحالين إلى محكمة الجنايات ، وتحديد دور انعقاد محكمة الجنايات وإعداد جدول قضايا كل دور ، ويقضي القانون الملغي بأن قاضي الإحالة هو الذي يحدد الدور وهو الذي يُعد جدول قضايا كل دور وأن رئيس المحكمة الابتدائية يندب المدافع عن المتهمين وقد دل العمل على عدم صلاحية هذا النظام ، لأن محاكم الجنايات لا تتبع ما يشير به قاضي الإحالة من جهة تحديد الدور وإعداد الجدول ولأنه يتعذر على رئيس المحكمة ندب المحامي إلا إذا كان ملما بدقائق التحقيق وهو ما يتعذر عليه في العمل لذلك رؤي تكليف غرفة المشورة بأن تندب المحامين وقت الإحالة لأنها أدرى من غيرها بمصلحة كل منهم في الدفاع عن نفسه كما رؤي تكليف رئيس محكمة الاستئناف بأن يحدد الدور ويُعد قضايا كل دور لأنه أدرى من غيره بمعرفة حالة العمل أمام محاكم الجنايات التابعة لمحكمته.

وقد رئي أن تنشأ محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث المجرمين يكون من شأنها تعرف طبيعة المجرم الصغير والعمل على إصلاحه وذلك لأن إجرام الصغير يكون عادة نتيجة هجر الأسرة أو التشرد أو الوراثة أو تأثير البيئة فواجب القاضي الذي يحاكم الصغير تقصي السبب الذي دعاء للإجرام ثم يقرر الإجراء الذي يناسبه ومراقبة تنفيذ الحكم الذي يصدره. ولهذا الغرض أخذ القانون بنظام القاضي الواحد في محاكمة الأحداث عن الجرائم التي تقع منهم سواء أكانت جنايات أم جنحا أم مخالفات ليتخصص في شئون الأحداث .

قنص المشروع على تشكيل محكمة الأحداث في دائرة كل محكمة جزئية وفي عاصمة كل مديرية وفى كل محافظة من قاض يندب لذلك .

وتختص هذه المحكمة بالفصل في الجنايات والجنح والمخالفات التي يتهم فيها صغير لم يبلغ خمس عشرة سنة في جميع الأحوال غير أنه إذا زادت سن الصغير المتهم في جميع الأحوال في جناية على اثنتي عشرة سنة وكان معه في الجريمة متهمون آخرون تزيد سنهم على خمسة عشرة جاز إحالة الصغير على محكمة الجنايات معهم كما يجوز تقديمه وحده إلى محكمة الأحداث . ويجب في جميع الأحوال إجراء تحقيق عن حالة الصغير الاجتماعية والبيئة التي نشأ فيها والأسباب التي دفعته إلى الإجرام .

وتعقد جلسات محاكم الأحداث في غرفة المشورة ولا يحضر المحاكمة سوى أقارب المتهم ومندوب وزارة الشؤن الاجتماعية والجمعيات الخيرية المشتغلة بشؤون الأحداث وتسمع الشهود في غير مواجهة المتهم .

ومما يتميز به نظام محاكم الأحداث أن الأحكام التي تصدرها محاكم الأحداث ليست ثابتة ولا مستقرة فللمحكمة أن تعيد النظر فيها في أي وقت بناء على طلب النائب العمومي متى رؤي أن العقوبة المحكوم بها أيا كان نوعها لا تلائم حالة المحكوم عليه . فإذا حسن سيره يمكن تعديل الحكم بتسليمه إلى والديه أو وليه . وإذا هرب أو ساء سيره يمكن تعديل الحكم بوضعه في الإصلاحية .

ومما استحدثه القانون في هذا الشأن تشكيل لجنة لكل إصلاحية أو محل آخر معد لقبول الأحداث المحكوم عليهم للإشراف عليه ومباشرة الاختصاصات الأخرى المخولة لها في القانون.

وتشكل هذه اللجنة الأحداث من قاضي محكمة الأحداث رئيساً وممثل النيابة العمومية أمام المحكمة المذكورة وموظف من وزارة الشؤون الاجتماعية ينديه لذلك وزيرها ومن الاختصاصات المخولة لها التقرير بالإفراج عن الأحداث المحكوم عليهم بالإصلاحية طبقا للمادة 70 عقوبات ويكون الإفراج بأمر من وزير العدل بناء على طلب اللجنة المذكورة .

وقد أفرد فصل خاص للمتهمين المشتبه في حالتهم العقلية حول قاضي التحقيق والمحكمة المنظورة أمامها الدعوى الحق في وضع المتهم تحت الملاحظة بناء على رأي الطبيب في أحد المحال المخصصة لذلك لمدة لا تزيد على ستة أسابيع وإذا لم يكن المتهم محبوساً حبساً احتياطياً جاز وضعه تحت الملاحظة في أي مكان فإذا ثبت أن المتهم كان وقت ارتكاب الجريمة غير مسئول بسبب عاهة في عقله وصدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو حكم ببراءته لهذا السبب جاز لقاضي التحقيق أو المحكمة إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس أن يأمر بحجز المتهم في أحد المحال المعدة للمجانين إلى أن يأمر بإخلاء سبيله . ولا يجوز أن تزيد مدة الحجز على عشر سنين في الجنايات التي عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة وخمس سنين في الجنايات الأخرى ولا سنة في مواد الجنح بشرط ألا تزيد مدة الحجز في هذه الحالة على مدة العقوبة المقررة للجريمة. وهذا الحجز من قبيل الإجراءات الاحتياطية التي تتخذ لاتقاء خطر عود المتهم إلى ارتكاب فعل آخر، وبدهي أن قاضي التحقيق والمحكمة لا يتخذان هذا الإجراء إلا إذا ظهر لهما من التحقيق ثبوت الواقعة على المتهم.

أما إذا ثبت أن المتهم كان حافظاً قواه العقلية وقت ارتكاب الجريمة ولكنه أصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب طروء عاهة في عقله فيوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه من الرشد ما يكفي لدفاعه عن نفسه ويجوز في هذه الحالة أن يوضع المتهم في أحد المحال المعدة للمجانين إلى أن يخلى سبيله ولا يجوز أن تزيد مدة الحجز على المدد المقررة في الفقرة السابقة وبدهي أن إخلاء سبيله بعد انقضاء هذه المدة لا يمنع من محاكمته إذا عاد إليه رشده .

ومما يتصل بهذا الموضوع حماية المجني عليهم الصغار والمعتوهين من تعرضهم لتكرار الفعل الجنائي عليهم فنص على أنه في كل جناية أو جنحة تقع على نفس الصغير الذي لم يبلغ خمس عشرة سنة يجوز أن يؤمر بتسليمه إلى شخص مؤتمن يتعهد ملاحظته والمحافظة عليه أو إلى معهد خيري معترف به من وزارة الشؤون الاجتماعية حتى يُفصل في الدعوى .

وإذا وقعت الجريمة على نفس معتوه جاز أن يؤمر بإيداعه مؤقتا في مصحة أو مستشفى للمجانين أو تسليمه إلى شخص مؤتمن .

وقد أدخل تعديل هام في باب المعارضة في الأحكام الغيابية لمنع المتهمين من اتخاذ طريق المعارضة وسيلة للمطاولة والمراوغة، فنص على اعتبار الحكم حضورياً لمن يثبت علمه بالجلسة ويتعمد عدم الحضور فيها. فإذا كان الخصم أعلن شخصياً ولم يحضر الجلسة بغير أن يقدم عذراً مقبولاً جاز للقاضي اعتبار الحكم حضورياً وكذلك إذا حضر الخصم أمام المحكمة بنفسه أو بواسطة وكيل عنه و بدىء في نظر الدعوى عُدت الإجراءات حضورية بالنسبة له ولو غادر الجلسة ولم يحضر جميع الإجراءات التي تمت فيها بعد ذلك . وإذا أجلت الدعوى من جلسة إلى جلسة أخرى فإن تأجيلها في حضرة الخصم يعتبر إعلانا قانونيا له بالحضور في الجلسة المحددة في قرار التأجيل فإذا غاب بعد ذلك بدون أن يقدم عذراً مقبولاً جاز اعتبار الحكم حضورياً أما إذا كان المتهم هو الذي طلب إلى المحكمة أن تسمع الدعوى في غيبته ولم تر المحكمة من جانبها مانعاً من إجابة طلبه لعدم حاجة الدعوى إلى حضوره شخصيا فإن اعتبار الحكم حضوريا ما هو في الواقع إلا إجابة لطلبه .

فاذا تعددت الخصوم المرفوعة عليهم الدعوى سواء كانوا متهمين أو مسئولين عن حقوق مدنية وتخلف بعض المدعى عليهم بعد إعلانه قانونا فيجوز أن تؤجل الدعوى إلى جلسة أخرى يعلن إليها وينبه عليه في ذات الوقت بأن الحكم الذي يصدر بعد ذلك سيكون حضورياً . فإذا غاب بعد ذلك واقتنع القاضي بأن الخصم علم بما جرى بعد إعلانه مرتين صح له أن يحكم في الدعوى ويعتبر الحكم حضورياً بالنسبة للجميع ومع تقرير اعتبار الأحكام حضورية في الصور المتقدمة فقد أوجب على القاضي أن يحقق الدعوى ويسمع أدلتها كما لو كان الخصم حاضراً .

ولا تجوز المعارضة في الأحكام المعتبرة حضورية إذا كانت قابلة للاستئناف أما إذا كانت صادرة من محكمة استئنافية أو كانت غير قابلة للاستئناف جازت المعارضة فيها . على أن المعارضة في هذه الأحوال لا تُقبل إلا إذا أثبت المحكوم عليه قيام عذر يمنعه من الحضور ولم يستطع تقديمه قبل الحكم.

ولما كانت النيابة العمومية قد جرت في بعض الجنح على استصدار أوامر بحبس المتهمين الهاربين احتياطياً على أن تنفذ هذه الأوامر عند ضبطهم وكان تنفيذ مثل هذه الأوامر عند ضبط المتهمين بعد صدور الأحكام الغيابية عليهم غير جائز قانوناً فرؤي النص لعلاج هذه الحالة على تخويل القاضي عند إصدار الحكم الغيابي أن يأمر في الحكم بحبس المتهم إذا طلبت منه النيابة ذلك . وذلك في حالتين إحداهما ألا يكون للمتهم محل إقامة معين والثانية إذا كان المتهم قد صدر ضده أمر بالحبس الاحتياطي ولم ينفذ عليه بسبب هربه . على أنه يشترط لذلك في الحالتين أن تكون العقوبة المقضي بها على شيء من الجسامة حتى تستدعي اتخاذ هذا الإجراء .

أما بالنسبة للطعن بطريق الاستئناف فقد رؤي أن يفرق بين الجرائم الهامة والجرائم البسيطة وأن يكون المقياس في ذلك هو عين المقياس الذي اتبع في صدد الأوامر الجنائية ففي الجرائم التي لا يجوز إصدار العقوبة فيها بأمر جنائي رؤي اطلاق حق الاستئناف بالنسبة للنيابة والمتهم فللمتهم أن يستأنف كل حكم يصدر عليه من المحكمة الجزئية في جريمة منها حتى ولو كان صادرا بالغرامة مهما كان مقدارها كما يجوز للنيابة أن تستأنف أي حكم صادر فيها بالبراءة أو الإدانة بغير نظر إلى طلباتها في الجلسة . أما في الجرائم التي يجوز إصدار العقوبة فيها بأمر جنائي فقد قيد حق المتهم في الاستئناف فيها بأن جعل حقه في الاستئناف قاصراً على الأحوال الآتية :

أولا - إذا حكم عليه بعقوبة غير الغرامة والمصاريف .

ثانيا - إذا حكم عليه بغرامة وتعويضات يزيد مجموعهما على النصاب الذي يحكم فيه القاضي الجزئي نهائياً في المواد المدنية .

ثالثاً - إذا حكم عليه بغرامة تزيد على ثلاثة جنيهات .

أما النيابة فيجوز لها الاستئناف في الجرائم المذكورة إذا طلبت الحكم بغير الغرامة والمصاريف أو إذا طلبت الحكم بغرامة تزيد على ثلاثة جنيهات وحكم ببراءة المتهم أو لم يحكم بما طلبته .

وقد أجيز استئناف الأحكام الصادرة في جرائم مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة ولو لم يكن الاستئناف جائزاً للمستأنف إلا بالنسبة لبعض هذه الجرائم وذلك منعاً لتعارض الأحكام .

واستثناء من الأحكام السابقة نص على عدم جواز استئناف الأحكام التحضيرية والتمهيدية الصادرة في مسائل فرعية قبل أن يُفصل في الموضوع ويترتب حتماً على استئناف الحكم الصادر في الموضوع استئناف هذه الأحكام ومع ذلك فجميع الأحكام الصادرة بعدم الاختصاص يجوز استئنافها كما يجوز استئناف الأحكام الصادرة بالاختصاص إذا لم يكن للمحكمة ولاية الحكم في الدعوى .

وقد أجيز لقلم الكتاب عدم قبول التقرير بالاستئناف في الأحوال المتقدمة التي لا يجوز رفع الاستئناف فيها قبل الحكم في الموضوع ويحرر في الحال محضراً بذلك أو لطالب الاستئناف حق التظلم منه أمام رئيس المحكمة .

وقد أخذ بنظام الاستئناف الفرعي فنص على أنه في حالة ما إذا استأنف أحد الخصوم في مدة العشرة أيام المقررة يمتد ميعاد الاستئناف لمن له حق الاستئناف من باقي الخصوم خمسة أيام من تاريخ انتهاء العشرة الأيام المذكورة .

ومنعاً من مطاولة بعض المتهمين وإلزامهم باحترام الأحكام الصادرة عليهم نص على عدم قبول الاستئناف المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية واجبة النفاذ ما لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة .

ثم عرض المشروع إلى حق المحكمة الاستئنافية في تشديد العقوبة المحكوم بها أو إلغاء الحكم الصادر بالبراءة فنص على عدم جواز ذلك إلا بإجماع آراء قضاة المحكمة ، وعلة ذلك أن رأي القاضي الأول يجب أن يكون له وزنه عند أخذ آراء قضاة المحكمة الاستئنافية .

وفيما يختص بالطعن بطريق النقض والإبرام أجيز الطعن في أحكام المخالفات نظراً لما للكثير منها من الأهمية وما يثيره من الإشكالات كمخالفات التنظيم والمحلات الخطرة والمضرة بالصحة.

وأدخل تعديل هام في أحكام هذا الباب يجيز لمحكمة النقض والإبرام أن تتعرض من تلقاء نفسها لما قد يكون في الحكم من الأخطاء الماسة بالنظام العام فنص على أن للمحكمة أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها إذا تبين لها ما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة للقانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو أن المحكمة التي أصدرته لم تكن مشكلة وفقاً للقانون أو لا ولاية لها بالفصل في الدعوى . ومما تجب ملاحظته أن هذا الحق الذي خول لمحكمة النقض لا يقوم إلا إذا كان الطعن مقبولاً شكلاً .

وقد وضع حد للإشكالات الناشئة من عدم التوقيع على الحكم في الميعاد القانوني فنص على أن ميعاد الطعن لا يبدأ في هذه الحالة إلا من تاريخ علم صاحب الشأن رسمياً بالتوقيع على الحكم ولا يثبت هذا العلم إلا بإعلانه بإيداع الحكم قلم الكتاب أو بورقة صادرة منه . وعلى كل حال يجب على صاحب الشأن أن يحصل على شهادة من قلم الكتاب بعدم التوقيع على الحكم في الميعاد .

وقد أخذ بمبدأ العقوبة المبررة فنص على عدم قبول الطعن كلما كانت الواقعة الجنائية التي أثبت الحكم وقوعها تبرر العقوبة المحكوم بها مهما كان هناك من الخطأ في وصفها القانوني وهذه القاعدة التي تبررها مصلحة العمل مقررة في جميع التشريعات الأجنبية .

ومنعاً من المطاولة التي يلجأ إليها بعض المتهمين الذين يهربون من تنفيذ الأحكام ويطعنون في نفس الوقت بالنقض بطريق التوكيل نص على عدم قبول الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية ما لم يتقدم التنفيذ قبل يوم الجلسة .

وقد أدخلت تعديلات جوهرية في باب إعادة النظر فقد لوحظ أن الحالات التي تبيح إعادة النظر وفقاً للقانون الملغي لا تحقق الغرض المقصود من طريق هذا الطعن لقصورها عن الإحاطة بكل الصور التي يثبت فيها بصورة جلية وقوع خطأ قضائي ، ولذلك أضيف إلى حالة الحكم على بعض شهود الإثبات من أجل شهادة الزور حالة الحكم على الخبير من أجل التزوير في رأيه وحالة الحكم بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى وحالة ما إذا كان الحكم مبنياً على حكم صادر من محكمة مدنية في الأحوال التي يتعين على المحكمة الجنائية فيها الأخذ بحكم صادر من جهة القضاء المدني أو الشرعي وذلك إذا ألغي هذا الحكم فيما بعد كما أضيفت الصورة العامة التي تنص عليها كل القوانين الحديثة وهي حالة ما إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن الوقائع والأوراق المذكورة ثبوت براءة المتهم .

وقد جعل حق طلب إعادة النظر في الحالات الأربع الأولى منه لأصحاب الشأن وللنائب العمومي، أما في الحالة الخامسة فقد رؤي منعاً من التهجم على حرمة الأحكام النهائية بغير مسوغ صحيح أن يكون طلب إعادة النظر بناء عليها من حق النائب العمومي وحده إذا رأى أنها غير منتجة أمر بحفظها وإلا فإنه يسير فيه ولكنه لا يقدمه لمحكمة النقض مباشرة بل إلى لجنة مكونة من ثلاثة من المستشارين أحدهم من محكمة النقض والآخرين من محكمة الاستئناف، وهذه اللجنة هي التي تقرر إحالة الطلب إلى محكمة النقض إذا رأت أن لقبوله وجها وإلا قررت عدم قبوله .

وقد تناول القانون بعد ذلك أحكام المصاريف والتنفيذ وسقوط العقوبة بمضي المدة والإفراج تحت شرط وهو الوارد في لائحة السجون الصادر بها الأمر العالي في ٩ فبراير سنة ١٩٠١ ( ألغي بالمرسوم بقانون ١٨٠ لسنة 19٤٩ الخاص بلائحة السجون ) وبما استحدث في هذا الباب تخويل السلطة القضائية حق الإشراف على السجون لمراقبة تنفيذ العقوبات فنص على وجوب تعيين قاض من قضاة المحكمة الابتدائية لكل ليمان أو سجن عمومي ليقوم بمراقبة تنفيذ العقوبات ولمباشرة الاختصاصات الأخرى المخولة له بمقتضى القانون ، كما نص على أن يكون لكل ليمان أو سجن عمومي لجنة للإشراف عليه ولمباشرة الاختصاصات الأخرى المخولة له بمقتضى القانون ، وتشكل هذه اللجنة من رئيس المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها الليمان أو السجن رئيساً ومن قاضي السجن ومن أحد وكلاء النيابة العمومية وموظف من وزارة الداخلية وموظف من وزارة الشئون الاجتماعية يندب كل منهما الوزير التابع له بصفة أعضاء وقد جعل من اختصاص هذه اللجنة التقرير بالإفراج تحت شرط فيصدر الأمر بالإفراج في هذه الحالة من وزير الشؤون الاجتماعية بناء على طلب اللجنة.

وقد أدمج في المشروع أحكام القانون القائم بشأن رد الاعتبار القضائي وأضيفت إليها أحكام رد الاعتبار بحكم القانون . وغني عن البيان أن ما جاء في هذا التقرير ليس إلا عرضاً للمسائل الرئيسية التي تناولها القانون ونحن لا نكتفي بهذا القدر تاركين بعض التفصيلات إلى سفر يضم الأعمال التحضيرية لقانون الإجراءات الجنائية الذي نصدره قريباً جداً .

----------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق