جلسة 7 من يوليو سنة 2012
السادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1- محمد إبراهيم محمد قشطة 2- د. عبد الفتاح صبري أبو الليل
3- علي محمد الششتاوي إبراهيم 4- أحمد محمد صالح الشاذلي
5- فوزي عبد الراضي سليمان 6- أحمد عبد الراضي محمد حماد
7- مجدي محمود بدوي العجرودي
-------------
(124)
الطعنان 33272 ، 37114 لسنة 55 ق
(1) دعوى "الطعن
أمام المحكمة الإدارية العليا".
يجوز أن يقوم مستشار مساعد بهيئة قضايا الدولة بإيداع تقرير الطعن
بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا( ).
(2) دعوى "لجان التوفيق في بعض المنازعات"
إذا أقيمت الدعوى ابتداء بطلب
يخضع لشرط اللجوء إلى تلك اللجان دون اللجوء إليها، فإن قيام المدعي بتعديل طلباته
أثناء نظر الدعوى وقبل الفصل فيها بإضافة طلب بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه إلى
طلب إلغائه، يجعل الدعوى مقبولة.
(3) دعوى "دفوع في الدعوى"
الدفع بعدم الدستورية- حَسْم
مدى قبول هذا الدفع من عدمه لا يقف عند حد الفهم النظري لما أبداه الطاعن من أسباب
تبرر الدفع، وإنما يكون في ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا.
(4) دستور "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس
للتشريع"
مؤدى هذا المبدأ التزام
السلطة التشريعية فيما تقرره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ
الشريعة الإسلامية– من المقرر أن كلَّ مَصدرٍ تُرَدُّ إليه النصوصُ التشريعيةُ أو
يَكُونُ مَنْبَعَهَا يتعين بالضرورة أن يكون سابقا في وجوده على هذه النصوص نفسها–
مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معيارا للقياس في مجال
الشرعية الدستورية تفترض لزوما أن تكون النصوص التشريعية المدّعَى إخلالُها بمبادئ
الشريعة الإسلامية صادرة بعد نفاذ التعديل الذي أُدخِل على المادة الثانية من
الدستور– لا وجه للطعن بعدم دستورية الفقرتين (ثانيا) و(ثالثا) من المادة رقم
(970) من القانون المدني استنادا إلى حكم المادة الثانية من الدستور.
(5) حقوق وحريات عامة
واجب احترام حقوق الأفراد وكرامتهم- كرامة الفرد هي انعكاس طبيعي
لكرامة الوطن، وهي حجر الأساس الذي تقوم عليه الجماعة الوطنية، ولا مراء في أن حق
المواطن في السكن والعمل على رأس الحقوق التي قررتها الدساتير المصرية، وألزمت
الدولة كفالتها.
(6) حقوق وحريات عامة "الحق في المسكن"
تدبير المسكن من مسئوليات
الدولة– محاولة المواطن استئداء هذا الحق له ولأسرته وإعلان رغبته في توفيق أوضاعه
على وفق القوانين والتشريعات المنظمة التي تحفظ للدولة حقها، وترسخ وشائج الانتماء
القومي، يجب أن يلقى من القائمين على أمور البلاد الحرص والجد.
(7) أملاك الدولة الخاصة والعامة "واجب الحفاظ عليها".
أموال الدولة العامة والخاصة هي أموال مملوكة للشعب المصري، ويكون
استعمالها أو التصرف فيها بما يحقق وجه المصلحة العامة- توسيع الرقعة السكانية
وإقامة المجتمعات الجديدة لا يبرر الاعتداء على تلك الأموال؛ بحسبان أن ضبط حيازة
الأرض المملوكة للدولة وتنظيم حق تملكها بالطرق التي رسمها القانون يحقق العدالة
الاجتماعية وحسن الاستفادة من أموال الدولة.
(8) أملاك الدولة الخاصة والعامة "واجب الحفاظ عليها".
تقوم الدولة والهيئات العامة بإدارة وحماية أملاكها العامة والخاصة
بوسائل مختلفة، منها اتخاذ إجراءات الضبط الإداري- هذه الإجراءات تخرج ابتداء عن
مفهوم العقوبة المحظور توقيعها إلا بناء على حكم قضائي، فإزالة المخالفة بالطريق
الإداري إجراء تتخذه الإدارة يكون تحت رقابة القضاء الذي يبسط رقابته على مشروعيته
وملاءمته ومدى استهدافه وجه المصلحة العامة- أحاط قضاء المحكمة الإدارية العليا
ذلك بسياج من الضمانات يحفظ حقوق الأفراد على درجة تتوازى مع حق الإدارة في حماية
الأموال المملوكة لها، ملكية خاصة أو عامة- ضبط حيازة الأرض المملوكة للدولة
وتنظيم حق تملكها بالطرق التي رسمها القانون يحقق العدالة الاجتماعية وحسن
الاستفادة من أموال الدولة– لا وجه للطعن بعدم دستورية المادة رقم (26) من قانون
نظام الإدارة المحلية، والمادتين رقمي (59) و(60) من قانون البناء.
(9) أملاك الدولة الخاصة والعامة "واجب
الحفاظ عليها"
في إطار مباشرة الدولة لاختصاصها بالمحافظة على الأموال العامة
والخاصة بما تصدره من قرارات أو تعليمات، فإنها تلتزم ليس فقط بأن يكون القرار
متفقا وأحكام القانون ومنزها عن أي انحراف ومستهدفا المصلحة العامة بمعناها
الواسع، بل بتخصيص هدفٍ معين يكون نطاقا للعمل الإداري، ويكون اختصاص الإدارة
بشأنه مقيدا- القضاء الإداري حال بسط رقابته باستنباط الهدف من النصوص التشريعية
لا يخرج عن رقابة المشروعية.
(10) أملاك الدولة الخاصة "التصرف فيها
أو الترخيص في الانتفاع بها أو استغلالها بطريق الاتفاق المباشر مع واضع اليد"
ضوابط ذلك–
قيام جهة الإدارة المالكة بتقنين وضع اليد على الأراضي المملوكة لها
والتي لا تكون مخصصة للنفع العام يجب أن يتم بأداة قانونية صحيحة– تقف الرقابة
القضائية عند حد إلزام جهة الإدارة اتخاذ إجراءات تقنين وضع اليد في إطار التحقق
من شروط وضع اليد، والتي يكتفى فيها بوضع اليد والحيازة الظاهرة والهادئة
والمستقرة.
(11) قرار إداري "رقابة المشروعية– مبدأ
الموازنة بين المنافع والمضار"
لا محل لرقابة القضاء الإداري على الملاءمات التقديرية التي تباشرها
السلطة الإدارية المختصة عند إصدارها قراراتها، مادام أن ذلك كان في إطار الشرعية
وسيادة القانون وتحقيق المصلحة العامة- هذا الأمر لا ينفصل عن أن السلطة القضائية،
ومنها محاكم مجلس الدولة، معهود إليها إقامة العدالة وحماية الشرعية والمشروعية
وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة، في إطار ما أوردته نصوص
الدستور والقانون من أصول ومبادئ حاكمة لنظام الدولة والمجتمع وغايات المصلحة العامة
وترتيب أولويات تلك الغايات على وفق مقتضيات السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية-
تطبيق: كثرة عدد قرارات وحالات الإزالة تنبئ عن هدم مجتمع سكني نشأ تحت بصر جهة
الإدارة مصدرة القرار، وهو أمر يجعل استهداف وجه المصلحة العامة بحماية أملاك
الدولة فى وضع أدني بالرعاية من المصالح العامة الأعلى المتمثلة في المحافظة على
السلام الاجتماعي والأمن القومي.
------------
الوقائع
في يوم الأربعاء الموافق 12/8/2009 أودع الأستاذ/... المستشار المساعد
بهيئة قضايا الدولة بصفته وكيلا عن الطاعنين بصفاتهم الطعن الماثل، وذلك طعنا على
الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة الرابعة) في الدعوى رقم
1253 لسنة 63ق بجلسة 5/7/2009 القاضي منطوقه:)أولا(
بقبول طلبات المتدخلين إلى جانب المدعين في الدعوى، وبرفض طلب التدخل إلى جانب جهة
الإدارة، وألزمت المتدخل مصروفات هذا التدخل.
(ثانيا) بقبول طلب إلغاء قرار رئيس مركز ومدينة أطفيح رقم 98 لسنة 2008
شكلا، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار بالنسبة للمدعين والمتدخلين معهم، مع ما
يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب.
(ثالثا) بعدم قبول طلبي إلغاء القرار السلبي والتعويض شكلا، وألزمت
المدعين المصروفات الخاصة بهذين الطلبين.
وطلب الطاعنون بصفاتهم الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والقضاء
مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات عن درجتي التقاضي في أي من
الحالات السابقة.
وفي يوم الخميس الموافق 3/9/2009 أودع الأستاذ/... المحامي بالنقض
بصفته وكيلا عن الطاعنين والخصوم المتدخلين تقريرا بالطعن قيد برقم 37114 لسنة
55ق، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة
الرابعة) في الدعوى رقم 1253 لسنة 63ق القاضي منطوقه:
(أولا) بقبول طلبات المتدخلين إلى جانب المدعين وبرفض طلب المتدخل إلى
جانب الإدارة وألزمته مصروفات هذا التدخل.
(ثانيا) بقبول طلب إلغاء قرار رئيس مركز ومدينة أطفيح رقم 98 لسنة 2008
شكلا، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار بالنسبة للمدعين والخصوم المتدخلين، مع ما
يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب.
(ثالثا) بعدم قبول طلبي إلغاء القرار السلبي والتعويض شكلا، وألزمت
المدعين المصروفات الخاصة بهذين الطلبين.
وطلب الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء ما جاء
بالبند (ثالثا) من الحكم، والقضاء بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن
تقنين أوضاع الطاعنين طبقا للقرار رقم 195 لسنة 2000، والقانون رقم 148 لسنة 2006،
مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات.
وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم
-بعد إعلان رئيس الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتقريري الطعنين- بالنسبة للمدعين
أرقام (6 و12 و13 و22 و24 و25 و34 و37 و38 و40 و42 و44 و46 و47 و48 و49 و50 و51
و53) بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، وبالنسبة لباقي المدعين (أولا) بقبول
طلب إلغاء قرار الإزالة شكلا، وفي الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار،
(ثانيا) بعدم قبول طلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تغير الأوضاع شكلا، مع
إلزام الطاعنين المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
ونظر الطعنان أمام دائرة فحص الطعون على الوجه المبين بمحاضر الجلسات،
حيث قدم الحاضر عن رئيس مجلس الوزراء بصفته حافظة مستندات طويت على كتاب الإدارة
العامة لأملاك الدولة، كما قدم الحاضر عن الطاعنين والخصوم المتدخلين والمطعون
ضدهم مذكرة بدفاع طلب في ختامها الحكم برفض الطعن رقم 33272 لسنة 55ق.ع وتأييد حكم
أول درجة، مع تمسكهم بطلباتهم الواردة في الطعن رقم 37114 لسنة 55ق.ع، وبجلسة
18/5/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة (موضوع)، وتدوول بالجلسات
على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 20/12/2011 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم
بجلسة 20/3/2012 ومذكرات خلال ستة أسابيع، وخلال الأجل أودع الحاضر عن الطاعنين في
الطعن رقم 37114 لسنة 55ق والمطعون ضدهم في الطعن رقم 33272/55ق مذكرة دفاع صمم
فيها على سابق دفاعه، كما قدم الحاضر عن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي طلبا
لإعادة فتح باب المرافعة وأرفق حافظة مستندات، وقد قررت المحكمة إعادة الطعن
للمرافعة بجلسة 15/5/2012 بناء على طلب الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وقد تعجل
نظر الطعن لجلسة 17/4/2012، وفيها قدم الحاضر عن رئيس مجلس الوزراء وآخرين مذكرة
بدفاع طلب في ختامها: (أولا) بالنسبة للطعن رقم 33272 لسنة 55ق.ع بقبوله شكلا، وفي
الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وبالنسبة للطعن رقم
37114 لسنة 55ق برفض الطعن مع إلزام الطاعنين المصروفات، كما قدم الحاضر عن
الطاعنين والمطعون ضدهم والخصوم المتدخلين في الطعنين بدفاع صمم فيه على سابق
طلباته، ودفع بعدم دستورية نص المادة 970 من القانون المدني في فقرتها الثانية
والثالثة والمادة رقم (26) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة
1979، والمادتين 59 و60 من قانون البناء، وشيد دفعه الخاص بالمادة 970 مدني على أن
إحياء الأرض الموات في الفقه الإسلامي سبب من أسباب كسب الملكية، وأن الطاعنين
أقاموا منازلهم على أرض صحراوية، وإذ حظرت المادة 970 من القانون المدني تملك
الأموال الخاصة المملوكة للدولة بالتقادم، فإن ذلك يتعارض مع حكم المادة الثانية
من الدستور والإعلان الدستوري، كما أن الفقرة الثانية من المادة 970 تتعارض مع حكم
المادة الرابعة من الدستور التي تقضي بأن يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية
على العدالة الاجتماعية وتنمية النشاط الاقتصادي، كما تخالف الفقرة الثالثة من
المادة 970 مدني أحكام المواد 44 و45 و57 من الدستور وما تقضي به من حرمة المساكن
وحرمة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة بالمواطنين، ويظهر ذلك
من التعديلات التشريعية التي طرأت على أحكام المادة 970 إلى أن أصبح حق الإزالة
الإدارية مطلقا بلا قيود وبلا ضوابط أو رقابة، وهو ما ينسحب على حكم المادة رقم
(26) من قانون الإدارة المحلية والمادتين 59 و60 من قانون البناء الذي يخالف حكم
المادة رقم (66) من دستور 1971، ويقابلها المادة رقم (19) من الإعلان الدستوري
التي تقضي بأن العقوبة شخصية، ولا جريمة إلا بنص ولا عقوبة إلا بحكم قضائي.
وبالجلسة نفسها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم ومذكرات خلال شهر، وقد
صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة قانونا.
حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية والإجرائية.
وحيث إنه عن وقائع النزاع الماثل فإنها تخلص في أن المدعين في الدعوى
رقم 1253 لسنة 62ق أقاموا دعواهم بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري
طالبين الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مركز مدينة أطفيح رقم 98 لسنة 2008، مع
ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تقنين
أوضاعهم طبقا للقرار رقم 195 لسنة 2000، والقانون رقم 148 لسنة 2006، واستندوا في
دعواهم إلى أنهم فوجئوا بصدور القرار المطعون فيه متضمنا إزالة منازلهم ومشروعاتهم
الكائنة خارج زمام قرية البرمبل مركز أطفيح طريق الكريمات- الزعفرانة، ونعوا على
القرار المطعون فيه صدوره مشوبا بمخالفة القانون والواقع، وإساءة استعمال السلطة؛
لأن منازلهم مقامة على أرض صحراوية تعد الامتداد الطبيعي لقرية البرمبل وخارج
الأرض الزراعية، وتم توصيل المرافق إلى هذا التجمع العمراني الذي يأوي أكثر من ألف
أسرة تحت بصر وبصيرة الجهة الإدارية التي بدأت معهم إجراءات تقنين أوضاعهم، حيث
قدموا العديد من الطلبات إلى جهات الاختصاص.
وقد نظرت الدعوى أمام المحكمة المذكورة، حيث أضاف المدعون طلبا بجلسة
23/12/2008 تضمن وقف تنفيذ قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تقنين أوضاعهم،
كما قدم الحاضر عن المدعين مذكرة طلب فيها الحكم بالتعويض لمن تم تنفيذ قرار
الإزالة بشأنه.
وبجلسة 5/7/2009 قضت المحكمة بالقضاء المطعون عليه، وشيدت حكمها على
أنه بالنسبة للطلب الأول (قرار الإزالة) فإن الثابت من الأوراق أن رئيس مركز
ومدينة أطفيح يدرك أن المباني الصادر بشأنها قرار الإزالة منازل مكتملة المرافق أو
مشروعات قائمة ومنتجة، وأن غالبية المدعين يتعاملون على مساحات الأرض المقام عليها
مبانيهم مع كثير من جهات الدولة، كما حصل الكثير منهم على موافقات من أملاك الدولة
والمجالس الشعبية المحلية على تقنين أوضاعهم، خاصة مع ثبوت أنها أراض صحراوية غير
زراعية، ويكون مركز المدعين أولى بالرعاية، كما أن ضخامة عدد حالات إزالة التعدي
يؤدي بغير ريب إلى تشريد جموع من الأسر والأفراد، وينعكس بالسلب على الأمن المدني
والسلام الاجتماعي.
وأضافت المحكمة في حكمها إلى أنه بالنسبة للطلب الثاني (إلغاء القرار
السلبي بالامتناع عن تقنين أوضاع المدعين) وكذا الطلب المتعلق بالتعويض، فإن
المحكمة تقضي بعدم قبولهما لعدم رفعهما بالطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة
2000، ولا ينال من ذلك تعديل المدعين طلباتهم بإضافة طلب وقف التنفيذ في
23/12/2008، هذا فضلا عن تجهيل طلب التعويض.
- وحيث إن مبنى الطعن رقم 33272 لسنة 55ق يقوم على مخالفة الحكم المطعون
فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ بحسبان أن المستندات المقدمة من المطعون
ضدهم ليست قاطعة في ثبوت تملكهم لأرض النزاع، إذ لا حجية مطلقة لدعوى صحة ونفاذ
عقد البيع الابتدائي إلا بالنسبة لطرفيه، كما أن استرداد حيازة الأرض ليس دليلا
على ملكيتها، والقرار المطعون فيه قد صدر بشأن إزالة التعديات على الأرض المملوكة
للدولة،وقد أقر ذلك الحكم المطعون فيه، والاستناد إلى القرار رقم 195 لسنة 2000
بشأن توفيق الأوضاع لا يكفي سنداً للحكم المطعون فيه.
- وحيث إن مبنى الطعن رقم 37114 لسنة 55ق. ع هو صدور الحكم قاضيا بما لم
يطلبه المدعون بشأن طلب التعويض؛ بحسبان أن الثابت من الأوراق أن عددا كبيرا من
المواطنين قد أضيروا نتيجة تنفيذ الإزالات في 27/10/2008، إلا أن الطاعنين لم
يطلبوا من المحكمة القضاء لهم بتعويض، واقتصر طلبهم على إثبات حقهم في حيثيات
الحكم في الحصول على التعويضات، كما نعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ فى
تطبيق القانون بشأن عدم قبول طلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تقنين الأوضاع
للطاعنين والخصوم المنضمين تأسيسا على عدم مراعاة أحكام القانون رقم 7 لسنة 2000،
وأن طلب التعديل ورد بعد الميعاد المحدد، وذلك على سند حاصله أن حكم المادة رقم
(11) من القانون المشار إليه لا يشترط طلب وقف التنفيذ لكل طلب بإلغاء القرار
الإداري، وإنما يسري طلب الاستعجال متى تحقق وجوده على كل الطلبات المقترنة به في
ذات الدعوى التي لا تنفصل فيها الطلبات، وخاصة إذا كانت تلك الطلبات متجانسة يكمل
بعضها البعض، وأن طلب وقف تنفيذ القرار محل الطعن رقم 98 لسنة 2008 يسري أيضا
وينطبق أثره على طلب إلغاء القرار السلبي المرتبط ارتباطا وثيقا بالنزاع، وأن
تقديم طلب وقف تنفيذ القرار أثناء نظر الدعوى قصد به حال القضاء بوقف تنفيذ قرار
الإزالة وقف تنفيذ القرار السلبي المشار إليه.
- وحيث إنه عن الدفع المبدى من الحاضر عن الطاعنين في الطعن رقم 37114
لسنة 55ق بعدم دستورية الفقرة ثانيا وثالثا من المادة رقم 970 من القانون المدني،
والمادة رقم 26 من قانون الإدارة المحلية (الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979)،
والمادتين رقمي 59 و60 من قانون البناء، وذلك فيما تضمنته المادة رقم 970 من
القانون المدني من عدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية
العامة، وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو الهيئات
العامة وشركات القطاع العام غير التابعة لأيهما أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال
بالتقادم، وتقرير حق إزالة التعدي بالطريق الإداري، وهو الحق المقرر للمحافظ أو من
يفوضه في المادة رقم (26) من قانون نظام الإدارة المحلية، بادعاء مخالفة هذه
الأحكام التشريعية لأحكام الدستور في المواد أرقام 2 و4 و44 و45 و57 و65 و66 من
دستور 1971، وما يقابلها من نصوص وردت في المواد أرقام 2 و5 و6 و7 و10 و19 و21 من
الإعلان الدستوري، وما حوته هذه المواد الدستورية من أن مبادئ الشريعة الإسلامية
المصدر الرئيس للتشريع، وأن الشريعة الإسلامية قد جاءت بنظرية مختلفة متكاملة تنظم
وضع اليد على الأرض الصحراوية الموات، وما يحض عليه الإسلام من وجوب التوسع
والانتشار في الأرض وإحياء الأرض الموات، وأن هذا الإحياء سبب من أسباب كسب
الملكية من غير اشتراط إذن الحاكم، وأن المادة رقم (4) من الدستور تقوم على تنمية
النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية، بما يوفر
للمواطنين حق التوسع وإقامة المساكن، وأن الفقرة الثالثة من المادة رقم (97)
والمادة رقم (26) من قانون نظام الإدارة المحلية قد تضمنت مخالفة لأحكام المواد 44
و45 و57 من الدستور، وما تقضي به من حرمة المساكن وحظر الاعتداء على الحرية
الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وأن العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة
إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بناء على حكم قضائي، وأن المواد المشار
إليها سلفا والمادتين رقمي 59 و60 من قانون البناء قد أطلقت يد الجهة الإدارية في
إصدار وتنفيذ الإزالة بقرارات إدارية دون اللجوء إلى القضاء، وهي عقوبة يتم
توقيعها على المخالف المعتدي، وهو ما يمثل مخالفة لأحكام الدستور وما تضمنته
أحكامه من حماية لحقوق الأفراد وحرياتهم.
وحيث إن التطور التشريعي لأحكام المادة رقم (970) من القانون المدني
معدلة بالقانونين رقمي 147 لسنة 1957 و55 لسنة 1970 قد أكسب الأموال المملوكة
للدولة ملكية خاصة (الدومين الخاص) حصانة أنه لا يجوز كسب ملكيتها أو أي حق عيني
آخر عليها بالتقادم المكسب رغم أن حق الدولة في الأشياء المملوكة لها ملكية خاصة
هو حق ملكية مدنية خالصة يطبق في شأنه ما يطبق بشأن تملك الملك الخاص المملوك
للأفراد، واستوى في ذلك من حيث الحماية للأموال الخاصة مع الأموال العامة المملوكة
لها، وتطبق هذه الحماية بأثر مباشر، ولم تقف الحماية عند هذا الحد، فقد صدر
القانون رقم 39 لسنة 1959 مضيفا حماية أخرى للمِلك المملوك للدولة ملكية خاصة
مؤداه عدم جواز التعدي عليه وتقرير حق الجهة صاحبة الشأن في إزالة التعدي بالطريق
الإداري على نفقة المخالف، وهو الاتجاه التشريعي نفسه الذي تضمنه قانون نظام
الإدارة المحلية بما قرره للمحافظ المختص أو من يفوضه بإزالة التعدي بالطريق
الإداري وعلى نفقة المخالف.
وحيث إن حَسْم مدى قبول الدفع من عدمه لا يقف عند حد الفهم النظري لما
أبداه الطاعن من أسباب تبرر الدفع، وإنما يكون في ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة
الدستورية العليا من أن ما تضمنته المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في 22
مايو 1980 يدل على أن الدستور اعتبارا من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد
على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقرره من النصوص التشريعية أن تكون غير مناقضة
لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلا يتعين أن ترد إليه أو تستمد
منه لضمان توافقها مع مقتضاه، ودونما إخلال بالضوابط الأخرى التي فرضها الدستور
على السلطة التشريعية وقيدها بمراعاتها والنزول عليها في ممارستها لاختصاصاتها
الدستورية، وإذا كان من المقرر أن كل مصدر تُرَدُّ إليه النصوص التشريعية، أو يكون
مَنْبَعَها، يتعين بالضرورة أن يكون سابقا في وجوده على هذه النصوص ذاتها، فإن
مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية التي أقامها الدستور معياراً للقياس في مجال
الشرعية الدستورية، تفترض لزوما أن تكون النصوص التشريعية المدعى إخلالها بمبادئ
الشريعة الإسلامية وتراقبها هذه المحكمة صادرةً بعد نشوء قيد المادة الثانية من
الدستور التي تقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن
يكون مداه من حيث الزمان منصرفا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها، وهي تلك
الصادرة بعد نفاذ التعديل الذي أدخل على المادة الثانية من الدستور.
(في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 12 لسنة
14ق بجلسة 5/9/1992)
وهديا بما تقدم واستنادا إليه فإن أحكام الفقرتين الثانية والثالثة من
المادة رقم (970) من القانون المدني بما تضمنتاه من تقرير حماية للأموال المملوكة
للدولة ملكية خاصة تكون عصية على الرقابة الدستورية استنادا إلى حكم المادة
الثانية من مواد الدستور.
وحيث إنه عما ورد بالمذكرة المقدمة من الحاضر عن الطاعنين والخصوم
المتدخلين بشأن مخالفة مواد أخرى من مواد الدستور سبقت الإشارة إليها، وتنصرف
جميعها إلى ما يمثله تقرير حق الإدارة في إزالة التعدي بالطريق الإداري، فإنه يلزم
الإشارة إلى أن أموال الدولة العامة والخاصة هي أموال مملوكة للشعب المصري، ويكون
استعمالها أو التصرف فيها بما يحقق وجه المصلحة العامة، وأن الدولة والهيئات
العامة التي تملكها تقوم على إدارتها وحمايتها بوسائل مختلفة، منها اتخاذ إجراءات
الضبط الإداري، وهي تخرج ابتداء عن مفهوم العقوبة المحظور توقيعها إلا بناء على
حكم قضائي، فإزالة المخالفة بالطريق الإداري إجراء تتخذه الإدارة يكون تحت رقابة
القضاء الذي يبسط رقابته على مشروعيته وملاءمته ومدى استهدافه وجه المصلحة العامة،
وإن قضاء هذه المحكمة قد أحاطه بسياج من الضمانات يحفظ حقوق الأفراد على درجة
تتوازى مع حق الإدارة في حماية الأموال المملوكة لها سواء ملكية خاصة أم عامة، كما
لا ينال من السلطة المقررة لجهة الإدارة ما ورد بمذكرة الدفاع من أن إزالة التعدي
الواقع على الأموال المملوكة للدولة يتنافى مع ضرورة توسيع الرقعة السكانية وإقامة
المجتمعات الجديدة؛ بحسبان أن ضبط حيازة الأرض المملوكة للدولة وتنظيم حق تملكها
بالطرق التي رسمها القانون يحقق العدالة الاجتماعية وحسن الاستفادة من أموال
الدولة.
وحيث إنه وبالبناء على ما تقدم فإنه قد تخلفت عن الدفع المبدى من
الطاعنين والخصوم المتدخلين أسباب قبوله، وتقضي المحكمة برفض هذا الدفع، وتكتفي
بذكر ذلك في الأسباب دون المنطوق.
- وحيث إنه عن موضوع الطعن -بالنسبة للطلب الأول- فإن المادة رقم (970)
من القانون المدني تنص على أنه: "... ولا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة
للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة
للمؤسسات العامة أو الهيئات العامة... والأوقاف الخيرية أو كسب أي حق عيني على هذه
الأموال بالتقادم.
ولا يجوز التعدي على الأموال المشار إليها بالفقرة السابقة، وفي حالة
حصول التعدي يكون للوزير المختص حق إزالته إداريا".
وتنص المادة رقم (26) من قانون نظام الإدارة المحلية على أن:
"... وللمحافظ أن يتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة العامة
والخاصة وإزالة ما يقع عليها من تعديات بالطريق الإداري".
وتنص المادة رقم (31) من هذا القانون على أن: "... للمحافظ أن
يفوض بعض سلطاته واختصاصاته إلى... أو رؤساء الوحدات المحلية الأخرى".
وحيث إن مفاد هذا أن المشرع حماية للأموال المملوكة للدولة والأشخاص
الاعتبارية العامة حظر -خروجا على القواعد العامة- تملك هذه الأموال بالتقادم أو
كسب أي حق عيني عليها، كما رخص للجهة الإدارية في إزالة ما يقع على هذه الأموال من
تعدٍّ بالطريق الإداري، وذلك بإزالة هذا التعدي بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة،
بيد أن هذا الخروج المقرر للجهة الإدارية رهين بمراعاة المبادئ الدستورية
والقانونية الحاكمة لما يصدر عن الجهة الإدارية من قرارات.
وقد حرص النظام الدستوري المصري على احترام حقوق الأفراد، وأفصحت
وثائقه عن أن كرامة الفرد هي انعكاس طبيعي لكرامة الوطن، وهي حجر الأساس الذي تقوم
عليه الجماعة الوطنية، ولا مراء في أن حق المواطن في السكن والعمل على رأس الحقوق
التي قررتها الدساتير المصرية، وألزمت الدولة كفالتها، وفي إطار مباشرة الدولة
لاختصاصها بالمحافظة على الأموال العامة والخاصة بما تصدره من قرارات أو تعليمات،
فإنها تلزم ليس فقط بأن يكون القرار متفقا وأحكام القانون ومنزها عن أي انحراف
ومستهدفا المصلحة العامة بمعناها الواسع، بل بتخصيص هدفٍ معين يكون نطاقا للعمل
الإداري، واختصاص الإدارة بشأنه يكون مقيدا، والقضاء الإداري حال بسط رقابته
باستنباط الهدف من النصوص التشريعية لا يخرج عن رقابة المشروعية.
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه ولئن كان أنه
لا محل لرقابة القضاء الإداري على الملاءمات التقديرية التي تباشرها السلطات
الإدارية المختصة عند إصدار قراراتها سواء من حيث اختيارها لمحل القرار أو وقت
وأسلوب تنفيذه مادام كان ذلك في إطار الشرعية وسيادة القانون، وما لم تتنكب جهة
الإدارة الغاية وتنحرف عن تحقيقها إلى غاية أخرى لم يقصدها المشرع عندما خولها تلك
السلطة التقديرية أو تتعمد تحقيق غايات خاصة لا صلة لها بالمصلحة العامة، إلا أن
ذلك لا ينفصل عن أن السلطة القضائية، ومنها محاكم مجلس الدولة، معهود لها إقامة
العدالة وحماية الشرعية والمشروعية وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة
والخاصة للمصريين في إطار ما أوردته نصوص الدستور والقانون من أصول ومبادئ حاكمة
لنظام الدولة والمجتمع وغايات المصلحة العامة وترتيب أولويات تلك الغايات على وفق
مقتضيات السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية. (في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية
العليا في الطعن رقم 1875 و1914 لسنة 30 ق. ع بجلسة 9/3/1991، والطعنين رقمي 5730
و6585 لسنة 55 ق.ع بجلسة 6/2/2010( ))
وحيث إن الثابت من أوراق الطعن أن القرار المطعون فيه قد صدر متضمنا
إزالة 187 حالة تعدٍّ بالمباني على أرض مملوكة للدولة ملكية خاصة كائنة خارج زمام
قرية البرميل طريق الكريمات- الزعفرانة، وتقع المباني الخاصة بالطاعنين والخصوم
المتدخلين ضمن المباني الصادر بشأنها القرار المطعون فيه، وأن الجهة الإدارية قد
نفذت القرار على جزء من المباني وأرجأت التنفيذ عن الباقي لاعتبارات أمنية، وذلك
رغم أن عددا كبيرا من هذه المباني عبارة عن منازل متكاملة المرافق أو مشروعات
قائمة، وأن غالبية الطاعنين يتعاملون على مساحات الأرض المقام عليها المباني مع
الجهات الإدارية المسئولة، وأن عددا حصل على موافقات بالبدء في اتخاذ إجراءات
تقنين وضع اليد خاصة مع ثبوت أن الأرض صحراوية غير زراعية.
وحيث إن كثرة عدد قرارات وحالات الإزالة تنبئ عن هدم مجتمع سكني نشأ
تحت بصر جهة الإدارة مصدرة القرار، وتؤدي حتما إلى تشريد ساكنيه وحرمانهم من حق
السكن والعمل، على وجه يستصرخ رقابة القضاء الإداري لحماية وضع يد ساكنيه الظاهر
وتستدعي وجه المصلحة العامة، وعلى وجه تتداخل فيه ومعه مشروعية القرار المطعون فيه
ومدى مناسبته، ويقف استهداف وجه المصلحة العامة بحماية أملاك الدولة في وضع أدنى
بالرعاية من المصالح العامة الأعلى المتمثلة في المحافظة على السلام الاجتماعي
والأمن القومي، وتمثل المحافظة عليها احتراما للمبادئ الدستورية التي يقوم عليها
النظام القانوني المصري، مما لا مناص معه من القضاء بإلغاء القرار.
وحيث إن مذكرة دفاع الطاعنين الواردة في 22/1/2012 قد ذكرت أن
الطاعنين أرقام 6 و12 و22 و14 و25 و34 و37 و38 و40 و42 و44 و46 و47 و48 و49 و51
و53 لم يشملهم قرار الإزالة، فإن المحكمة تقضي بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهم
لانتفاء شرط المصلحة، وتقضي المحكمة بتعديل الحكم المطعون فيه في هذا الصدد.
- وحيث إنه عما قضى الحكم المطعون فيه في البند (ثالثا) من عدم قبول طلب
إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تقنين أوضاع الطاعنين والخصوم المتدخلين لعدم
مراعاة أحكام القانون رقم 7 لسنة2000، فإن الثابت من أحكام القانون المشار إليه أن
المشرع قضى بإنشاء لجان توفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص
الاعتبارية طرفا فيها، وقد نصت المادة رقم (11) منه أنه: "عدا المسائل التي
يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض
والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات
وقف التنفيذ، لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداءً إلى المحاكم إلا بعد تقديم طلب
التوفيق إلى اللجنة المختصة، وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد
المقرر لعرضها دون قبول".
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن القرار السلبي
هو امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار يتعين عليها إصداره، وتظل حالة السلبية قائمة
ما لم تصدر الجهة القرار المطعون فيه، أو يقضى بإلغائه، أو تعلن جهة الإدارة
بإرادتها عن رفض إصدار القرار، ويظل قرارها السلبي خاضعا لرقابة القضاء في الحالة
الأولى والثالثة، وإذا كان المشرع في القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه قد
استلزم ضرورة اللجوء إلى لجان التوفيق قبل ولوج طريق القضاء، فإن المستقر عليه أن
اقتران طلب إلغاء القرار بطلب وقف تنفيذه يهيئ لصاحب الشأن اللجوء مباشرة إلى
القضاء المختص، وعطفا على ما تقدم فإن مبادرة رافع الدعوى إلى تعديل طلباته وإضافة
طلب وقف تنفيذ القرار السلبي أثناء نظر الدعوى وقبل الفصل فيها يؤدي إلى قبولها،
مادامت حالة السلبية ما انفكت قائمة.
وحيث إنه وبالبناء على ما تقدم، فإن المحكمة تقضي بقبول الدعوى في
الشق الخاص بوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تقنين أوضاع
الطاعنين والخصوم المتدخلين وتتصدى لموضوع الدعوى بعد قبوله شكلا.
- وحيث إنه عن موضوع هذا الطلب فإن المادة رقم (45) من القانون رقم 100
لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها تنص على
أنه: "يجوز التصرف في الأراضي المبنية أو المشغولة بمنشآت ثابتة أو غير ثابتة
إلى شاغليها وذلك بطريق الممارسة وفقا للقواعد والشروط التي تحددها اللائحة
التنفيذية".
وتنص المادة (31 مكررا) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر
بالقانون رقم 89 لسنة 1998، المضافة بموجب المادة الأولى من القانون رقم 148 لسنة
2006 على أنه: "استثناءً من أحكام المادتين 30 و31 من هذا القانون يجوز
التصرف في العقارات أو الترخيص بالانتفاع بها أو باستغلالها بطريق الاتفاق المباشر
لواضعي اليد عليها الذين قاموا بالبناء عليها أو قاموا باستصلاحها واستزراعها من
صغار المزارعين بحد أقصى مئة فدان في الأراضي الصحراوية والمستصلحة، وعشرة أفدنة
في الأراضي الزراعية القديمة، وكذلك بالنسبة لزوائد التنظيم، وفي غير ذلك من حالات
الضرورة لتحقيق اعتبارات اجتماعية أو اقتصادية تقتضيها المصلحة العامة، وذلك كله
وفقا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير
المالية يتضمن الشروط التي يلزم توافرها لإجراء التصرف أو الترخيص...".
وتنص المادة الرابعة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2041 لسنة 2006
على أن: "يكون التعامل على العقارات المبنية بالبيع أو التأجير أو الترخيص
بالانتفاع بها أو باستغلالها لواضعي اليد الذين قاموا بالبناء عليها قبل تاريخ
العمل بأحكام القانون رقم 148 لسنة 2006 المشار إليها إذا كان البناء عليها لغرض
السكنى لواضع اليد وأسرته أو لأحد المشروعات الإنتاجية الصغيرة أو المتناهية
الصغر، ولا تسري أحكام المادة السابقة على الأراضي الفضاء المقام عليها منشآت
خفيفة قابلة للإزالة أو المحاطة بأسوار أو تلك التي تتعارض مع مقتضيات الأمن
القومي والطيران المدني، وبصفة عامة أي وضع لا يستند إلى مظهر جدي وحقيقي".
وتنص المادة السابعة من هذا القرار على أن: "يصدر الوزير أو
المحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال قرارا بتشكيل لجان تختص بمباشرة
إجراءات التعامل طبقا لأحكام القانون رقم 148/2006 وذلك على النحو التالي:
أولا: اللجنة الفنية:
ويتم تشكيلها من عناصر فنية ومالية وقانونية وتختص بفحص الأوراق
والمستندات المقدمة، ولها أن تستوفي من مقدمي الطلبات ما تراه لازما من بيانات
ومستندات للتحقق من توفر الشروط المنصوص عليها بهذا القرار ويحق للجنة المعاينة
على الطبيعة إذا ما رأت لزوما لذلك".
وحيث إن المستفاد مما تقدم أن المشرع استقرارا لأوضاع واضعي اليد على
الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة رخص للجهة الإدارية التصرف في العقارات أو
الترخيص بالانتفاع بها أو استغلالها بطريق الاتفاق المباشر مع واضعي اليد الذين
قاموا بالبناء عليها، أو لمن قام باستصلاحها واستزراعها من صغار المزارعين، ووسد
المشرع إلى مجلس الوزراء إصدار قرار ينظم ذلك بناء على اقتراح من وزير المالية
يتضمن الشروط التي يلزم توفرها لإجراء التصرف أو الترخيص مع تحديد السلطة المختصة
بإجرائه واعتماده، وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2041 لسنة 2006 المشار إليه
محددا آلية التعامل في الأراضي المملوكة للدولة بالبيع أو التأجير أو الترخيص بالانتفاع،
ويكون ذلك بقرار من الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس الإدارة للهيئة بالجهة مالكة
العقار حسب الأحوال، وفي إطار اللجنة الفنية المشكلة من عناصر فنية ومالية
وقانونية تختص بفحص الأوراق والمستندات، ولجان التقييم التي تختص بتحديد المقابل
العادل الذي يتم التعامل على أساسه، وبمراعاة تاريخ وضع اليد وطبيعة استغلال
العقار وغير ذلك من العناصر التي حددها قرار رئيس مجلس الوزراء، وبإجمالي القول
فإن قرار رئيس مجلس الوزراء مستندا إلى أحكام القانون رقم 148 لسنة 2006 قد أرسى
قاعدة مؤداها التزام جهة الإدارة المالكة بتقنين وضع اليد على الأراضي المملوكة
لها والتي لا تكون مخصصة للنفع العام بأداة قانونية صحيحة، وأن تكون حيازة واضع
اليد ظاهرة وهادئة ومستقرة، وأن تقتصر استفادة كل أسرة على مرة واحدة، ولا خلاف
على أن الرقابة القضائية للقرار السلبي المطعون فيه على هذا الطعن تقف عند حد إلزام
جهة الإدارة اتخاذ إجراءات تقنين وضع يد الطاعنين في إطار التحقق من شروط وضع اليد
والتي يكتفى فيها بوضع اليد والحيازة الظاهرة والمستقرة، أما كل حالة من الحالات
فإنها تخضع للشروط الموضوعية التي وردت بقرار رئيس مجلس الوزراء، ويكون ما يصدر
بشأنها من قرارات تحت رقابة القضاء كل على حدة.
وحيث إنه ولما كان الثابت من أوراق الطعن أن الجهة الإدارية (الإصلاح
الزراعي) قد تضاربت المستندات المقدمة منها في إثبات حالات الحصر والربط وقصرتها
على عدد (6) حالات فقط، وأن باقي الحالات لا يوجد لها حصر أو ربط وذلك بعد نفيها لسبق
وجود حالات ربط، والمحكمة تطرح هذا الدفاع لاعتبارين: (أولهما) أن البين طبقا
لأحكام قرار مجلس الوزراء المشار إليه هو وضع اليد، سواء صدر قرار بالإزالة أم لا،
ويكون الربط قرينة على وضع اليد لا ينتفي بجعلها عن واضع اليد بحيازة هادئة
ومستقرة، وهو الشرط الذي استلزمه المشرع لإلزام جهة الإدارة بتقنين الأوضاع،
و(ثانيهما) أنه على الدولة وأجهزتها المختلفة أن تبسط جناح التبصر واستهداف
المصلحة العامة فيما يصدر عنها من قرارات أو حال امتناعها عن إصدار قرار يتعين
عليها إصداره، خاصة إذا اتصلت هذه القرارات اتصالا مباشرا بحقوق الأفراد وحقهم في
السكن والعمل، وإذا كان تدبير المسكن من مسئوليات الدولة، فإن محاولة المواطن
استئداء هذا الحق له ولأسرته بنفسه وإعلان رغبته في توفيق أوضاعه على وفق القوانين
والتشريعات المنظمة التي تحفظ للدولة حقها وتُرسِّخ وشائج الانتماء القومي، يجب أن
يلقى من القائمين على أمور البلاد الحرص والجد، خاصة أن محل الطعن قرار إزالة شمل
مجتمعا سكنيا كاملا، وأن إجراءات توفيق الأوضاع بدأت الجهة الإدارية اتخاذها بصدور
القرار رقم 195 لسنة 2000 من محافظ الجيزة بتنظيم طلبات توصيل المرافق لمناطق
عديدة في نطاق المحافظة منها المنطقة محل الطعن الماثل، وقد توقفت هذه الإجراءات
بصدور قرار الإزالة وما تبعه من إجراءات قام بها مسلك الجهة الإدارية وما مثله من
امتناع مخالف للقانون.
وحيث إنه ولما كان الأمر كذلك فإن المحكمة تقضي بإلغاء الحكم المطعون
فيه فيما قضى من عدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن
تقنين الأوضاع، والقضاء بقبولها وبإلغاء القرار السلبي، ويشمل ذلك جميع المدعين
والخصوم المتدخلين في الدعوى والذين أقاموا دعواهم، ومن بعد تدخلهم، على أساس إما
وضع اليد، أو وجود علاقة بينهم وبين الجهة الإدارية (بربط أو حصر)، وتلتزم الجهة
الإدارية باتخاذ إجراءات تقنين وضع اليد في ضوء الشروط والإجراءات وما يصدر عن
اللجان المنصوص عليها في قرار رئيس مجلس الوزراء المشار إليه آنفا.
- وحيث إنه عن طلب التعويض، فإنه فضلا عن أن الطلب لم يَستوفِ الأوضاع
القانونية، وهو ما قضى به الحكم المطعون فيه، فإن الطاعنين والخصوم المتدخلين قد
أقروا في صحيفة الطعن 37115 لسنة 55ق أنهم لم يطلبوا الحكم لهم بالتعويض، بل
اقتصرت طلباتهم على إثبات حقهم في الحصول على التعويضات، ولا ريب أن إثبات الحق
رهين بمراعاة إجراءات الحصول عليه، وتقضي المحكمة برفض الطعن في هذا الشق.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعنين شكلا.
(ثانيا) بتعديل الحكم الصادر في الدعوى رقم 1253 لسنة 63ق بالنسبة لطلب
إلغاء قرار الإزالة ليكون عدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعين أرقام (6 و12 و13 و22
و24 و25 و34 و37 و38 و40 و42 و44 و46 و47 و48 و49 و51 و53) شكلا، وبقبولها بالنسبة
لباقي المدعين والخصوم المتدخلين، وإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك
من آثار.
(ثالثا) بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى
بالنسبة لطلب إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن توفيق الأوضاع، والقضاء مجددا
بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن توفيق أوضاع جميع المدعين
والخصوم المتدخلين -على الوجه المبين بالأسباب-، وبرفض الطعن على الحكم المطعون فيما
قضى بشأن التعويض على الوجه المبين بالأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.