جلسة 2 من يونيه سنة 2021
برئاسة السيد القاضي / محمد هلالي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أشرف محمد مسعد ، خالد حسن محمد ، خالد الشرقبالي ومحمد يوسف نواب رئيس المحكمة .
------------------
(40)
الطعن رقم 13817 لسنة 90 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وإيراده مؤدى الأدلة السائغة التي استخلص منها الإدانة في بيان وافٍ . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) حكم " وضعه والتوقيع عليه وإصداره " .
عدم تحرير الحكم على نموذج مطبوع . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول . حد ذلك ؟
(3) قانون " تفسيره " " تطبيقه " . آثار . جريمة " أركانها " . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
عدم جواز الانحراف عن عبارة القانون عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث . متى كانت واضحة لا لبس فيها . علة ذلك ؟
الاجتهاد إزاء صراحة النص . غير جائز .
المادتان 5 و 42 فقرة ثالثة بند 2 من القانون 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار المعدلتان بالقانونين 3 لسنة 2010 و 91 لسنة 2018 . مفادهما ؟
التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وتنظيم التنقيب عنها . علة وأساس ذلك ؟
وجوب عقاب كل من يقوم بأعمال الحفر في أي موقع سواء كان أثرياً أو غير ذلك مملوكاً ملكية عامة أو خاصة . متى كان القصد الحصول على الآثار دون ترخيص سواء تحقق القصد أو لم يتحقق . أساس ذلك ؟
قصر مناط التجريم على الأراضي المعتبرة أثرية أو المتاخمة لها . قول لا يسعفه النص بل يصطدم بصراحته ومقصود الشارع منه . التزام الحكم هذا النظر . صحيح .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من تقرير لجنة الفحص وأقوال أعضائها ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة . متى اطمأنت لما أوردته منهما . إغفالها بعض التفصيلات . مفاده : اطراحها . علة ذلك ؟
(5) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . محضر الجلسة . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه . غير مقبول .
خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الطاعن كاملاً . لا يعيب الحكم . علة ذلك ؟
مثال .
(6) تفتيش " التفتيش بغير إذن " " تفتيش المساكن " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " .
للمحكمة استبيان الرضا بدخول المسكن وتفتيشه من وقائع الدعوى وظروفها وما استنتجته من دلائل مؤدية إليه .
إغفال الحكم الرد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس . لا عيب . علة ذلك ؟
(7) دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات".
الدفع بعدم جدية التحريات . غير مقبول . متى اطمأنت المحكمة لصحتها .
(8) دفوع " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " " الدفع بنفي التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الدفع بعدم معقولية الواقعة وانتفاء الصلة بها . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) آثار . نقض " المصلحة في الطعن " .
النعي بخلو الأوراق من تقرير يقطع بأن ناتج الحفر له قيمة أثرية . غير مجد. علة ذلك ؟
(10) عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
معاقبة الطاعنين بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة بالمخالفة لحكم المادة 20 عقوبات . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما ، وأورد مؤدى الأدلة السائغة التي استخلص منها إدانتهما في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، ويضحى النعي عليه في هذا الصدد في غير محله .
2- لما كان الحكم المطعون فيه – خلافاً لما يدعي الطاعن الثاني – لم يحرر على نموذج مطبوع ، هذا فضلاً عن أن تحرير الحكم على نموذج مطبوع لا يقتضي بطلانه ما دام قد استوفى بياناته الجوهرية ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد .
3 - من المقرر أن القاعدة العامة في التفسير أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها ، فإنه بحسب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب تطبيقه ، وكانت المادة 42/2 من القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار المعدلة بالقانونين رقمي 3 لسنة 2010 ، 91 لسنة 2018 - المنطبقة على واقعة الدعوى - قد نصت على عقاب كل من أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص ، والبين من هذا النص في واضح عبارته وصريح دلالته أن المشرع فرض حظراً مطلقاً على القيام بأعمال الحفر في جميع المواقع دون اعتبار لطبيعة المكان الذي يجرى فيه الحفر سواء كانت أثرية أو غير ذلك وأوجد تنظيماً يسمح بذلك شرطه الحصول على ترخيص من الجهة المختصة، حيث خصت المادة الخامسة من القانون آنف الذكر المجلس الأعلى للآثار- دون غيره - بشئون الآثار وكل ما يتعلق بها وكذلك البحث والتنقيب في الأراضي أياً كان مالكها مع مراعاة حكم المادة 32 من هذا القانون بما تضمنته من ضوابط وشروط لمنح الترخيص بذلك وإن كان البحث أو التنقيب في أرض غير أثرية ، ومما يؤكد هذا المعنى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون ، وتقرير اللجنة المشتركة والمناقشات التي دارت حوله في المجلس من أن الأسس التي قام عليها هذا القانون يأتي إعمالاً لحكم المادتين 49 ، 50 من الدستور من التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه ، إذ إن تراث مصر الحضاري والثقافي المادي والمعنوي بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته والاعتداء على أي من ذلك يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ، خاصة بعد الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة يناير سنة 2011 والذي ترتب عليه انتشار أعمال التنقيب غير المشروعة في شتى بقاع مصر ، ومن ثم تحتم القول - طبقاً للمادة 42 من قانون حماية الآثار سالفة الذكر - بوجوب عقاب كل من يقوم بأعمال الحفر في أي موقع سواء كان أثرياً أو غير ذلك مملوكاً ملكية عامة أو خاصة ، متى كان القصد من ذلك هو الحصول على الآثار دون ترخيص من الجهة المختصة وسواء تحقق الغرض الذي قصده من ذلك أو لم يتحقق ودون أن يكون هناك محل للتحدي بقصر مناط التجريم على الأراضي المعتبرة أثرية أو تلك المتاخمة للمواقع والأراضي الأثرية أو التي تقع في محيطها ، وهو قول لا يسعفه النص بل يصطدم بصراحته وبمقصود الشارع منه ، كما يتنافى مع الفلسفة التي أملت إجراء التعديل والتي تفيد التصدي لكل المحاولات غير المشروعة للتنقيب على الآثار ومحاصرة مرتكبيها ، إذ لا تخصيص بغير مخصص ولا إلزام بما لا يلزم . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم المطعون فيه وقد وافق هذا النظر يكون سديداً فيما انتهى إليه من إدانة الطاعنين ، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس .
4- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من تقرير لجنة الفحص ومن أقوال أعضائها ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة ما دامت قد أطمأنت إلى ما أوردته منها واعتمدت عليه في تكوين عقيدتها ، إذ إن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه ، ومن ثم فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً لها ، فإن النعي على الحكم بالقصور لهذا السبب غير سديد .
5- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعنين لم يطلب إلى المحكمة استخراج شهادة من الإدارة العامة لحماية الآثار تحقيقاً لدفاعهما بشأن طبيعة الأرض محل الحفر موضوع الاتهام ، فلا يصح لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان أياً من الطاعنين لا يدعي بأن المحكمة قد منعته من إبداء دفاعه ، فإنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاعه كاملاً ، إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته في المحضر ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير مقبول .
6- لما كان مفاد ما أثبته الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى وإيراداً لمؤدى ما شهد به شاهد الإثبات الأول أنه على إثر إبلاغه من الأهالي بقيام الطاعنين بإجراء أعمال الحفر خلسة داخل مسكن الطاعن الأول بقصد التنقيب عن الآثار وخروج كميات كبيرة من ناتج الحفر ، انتقل ومرافقه إلى مسكن الطاعن الأول الذي سمح لهما بالدخول فتلاحظ لهما وجود حفرة كبيرة بقطر متر ونصف وعمق تسعة أمتار ، والطاعن الثاني وبحوزته أدوات الحفر ، فإن هذا الذي ساقه تتوافر به حالة التلبس بالجريمة التي تبيح القبض والتفتيش ويفيد أن دخول الشاهد الأول مسكن الطاعن الأول كان برضاء من الأخير ، ذلك بأن الرضاء بدخول المسكن وتفتيشه يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية إليه ، وهو ما لا يجادل الطاعن الأول في حصوله ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد ، ولا على الحكم إن أغفل الرد عليه ؛ لأنه - في صورة الدعوى - ظاهر البطلان لا يستأهل رداً .
7- لما كانت المحكمة في حدود سلطها التقديرية قد اطمأنت إلى سلامة التحريات وصحتها ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
8- من المقرر أن الدفع بعدم معقولية الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بها من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
9- لما كان النعي بخلو الأوراق من تقرير يقطع بأن ناتج الحفر له قيمة أثرية لا جدوى فيه إذ صار لا ينال من النتيجة التي خلص إليها الحكم ، فضلًا عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً لتعييب الحكم .
10- لما كانت المادة 20 من قانون العقوبات تنص على أنه " يجب أن يحكم بالحبس مع الشغل كلما كانت مدة العقوبة المحكوم بها سنة فأكثر " فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمعاقبة الطاعنين بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما كان يتعين تصحيحه ، إلا أن محكمة النقض لا تملك تصحيحه في هذه الحالة ؛ لأن من شأن ذلك الإضرار بالطاعنين ، وهو ما لا يجوز عملاً بمقتضى المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما :
1- أجريا أعمال الحفر خلسة بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص من الجهة المختصة بأن باشرا أعمال الحفر والتنقيب بداخل مسكن المتهم الأول باستخدام الأدوات محل التهمة الثانية وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
2- حازا أدوات " مقطف ، فاس ، حبال " والمبينة وصفاً بالأوراق دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة الشخصية والحرفية والمستخدمة في الجريمة محل الاتهام الأول ، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً وعملاً بالمواد 1 ، 3 ، 5 /1 ، 32 /1 ، 40 ، 42 /3 بند (2) من القانون رقم 117 لسنة 1983 المعدل بالقانونين رقمي 3 لسنة 2010، 91 لسنة 2018 ، والمواد 1/1 ، 25 مكرراً/1 ، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 ، 5 لسنة 2019 ، والبند رقم (9) من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 1756 لسنة 2007 والمضاف بقرار وزير الداخلية رقم 213 لسنة 2008 ، مع إعمال نص المادتين 17 ، 32 من قانون العقوبات ، بمعاقبة كل من .... ، .... بالحبس لمدة سنة واحدة وبتغريم كل منهما مبلغ خمسمائة ألف جنيه والتحفظ على موقع الحفر لصالح المجلس الأعلى للآثار لاستكمال أعمال الحفائر على نفقة المتهمين وبمصادرة الأدوات المضبوطة .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان – بمذكرتي أسبابهما – على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي إجراء أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص وحيازة أدوات مما تستخدم في تلك الأعمال دون مسوغ قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه خلا من الأسباب التي تكفي لحمل قضائه بالإدانة ، ولم يورد على نحو كافٍ مؤدى أدلة الثبوت التي أخذ بها ، وحرر على نموذج مطبوع ، هذا ولم يفطن الحكم إلى دفاعهما القائم على أن موقع الحفر ليس من المواقع الأثرية ولا يخضع لقانون حماية الآثار - ومن ثم تنتفي الجريمة المسندة إليهما - ولم يورد في تحصيله لمضمون تقرير اللجنة المشكلة من النيابة العامة ولأقوال أعضائها ما يظاهر هذا الدفاع ، ودون أن يعني بتحقيقه باستخراج شهادة من الإدارة العامة لحماية الآثار في هذا الصدد ، ورغم تمسك دفاعهما بهذا الطلب فقد خلا محضر الجلسة من إثباته ، كذلك فقد أغفل الحكم الرد على دفوعهما ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس ، وعدم جدية التحريات وتناقضها لقرائن عُدِدَت ، وعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاء صلة الطاعن الثاني بها ، هذا فضلاً عن خلو الأوراق من تقرير يقطع بأن ناتج الحفر له قيمة أثرية ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما ، وأورد مؤدى الأدلة السائغة التي استخلص منها إدانتهما في بيان وافٍ يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها ، وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، كان ذلك محققاً لحكم القانون ، ويضحى النعي عليه في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه – خلافاً لما يدعي الطاعن الثاني – لم يحرر على نموذج مطبوع ، هذا فضلاً عن أن تحرير الحكم على نموذج مطبوع لا يقتضي بطلانه ما دام قد استوفى بياناته الجوهرية ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكانت القاعدة العامة في التفسير أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها ، فإنه بحسب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب تطبيقه ، وكانت المادة 42/3 بند 2 من القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار المعدلة بالقانونين رقمي 3 لسنة 2010 ، 91 لسنة 2018 - المنطبقة على واقعة الدعوى - قد نصت على عقاب كل من أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص ، والبين من هذا النص في واضح عبارته وصريح دلالته أن المشرع فرض حظراً مطلقاً على القيام بأعمال الحفر في جميع المواقع دون اعتبار لطبيعة المكان الذي يجرى فيه الحفر سواء كانت أثرية أو غير ذلك وأوجد تنظيماً يسمح بذلك شرطه الحصول على ترخيص من الجهة المختصة ، حيث خصت المادة الخامسة من القانون آنف الذكر المجلس الأعلى للآثار- دون غيره - بشئون الآثار وكل ما يتعلق بها وكذلك البحث والتنقيب في الأراضي أياً كان مالكها مع مراعاة حكم المادة 32 من هذا القانون بما تضمنته من ضوابط وشروط لمنح الترخيص بذلك وإن كان البحث أو التنقيب في أرض غير أثرية ، ومما يؤكد هذا المعنى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون ، وتقرير اللجنة المشتركة والمناقشات التي دارت حوله في المجلس من أن الأسس التي قام عليها هذا القانون يأتي إعمالاً لحكم المادتين 49 ، 50 من الدستور من التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه ، إذ إن تراث مصر الحضاري والثقافي المادي والمعنوي بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته والاعتداء على أي من ذلك يشكل جريمة يعاقب عليها القانون ، خاصة بعد الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة يناير سنة 2011 والذي ترتب عليه انتشار أعمال التنقيب غير المشروعة في شتى بقاع مصر ، ومن ثم تحتم القول - طبقاً للمادة 42 من قانون حماية الآثار سالفة الذكر - بوجوب عقاب كل من يقوم بأعمال الحفر في أي موقع سواء كان أثرياً أو غير ذلك مملوكاً ملكية عامة أو خاصة ، متى كان القصد من ذلك هو الحصول على الآثار دون ترخيص من الجهة المختصة وسواء تحقق الغرض الذي قصده من ذلك أو لم يتحقق ودون أن يكون هناك محل للتحدي بقصر مناط التجريم على الأراضي المعتبرة أثرية أو تلك المتاخمة للمواقع والأراضي الأثرية أو التي تقع في محيطها ، وهو قول لا يسعفه النص بل يصطدم بصراحته وبمقصود الشارع منه ، كما يتنافى مع الفلسفة التي أملت إجراءالتعديل والتي تفيد التصدي لكل المحاولات غير المشروعة للتنقيب على الآثار ومحاصرة مرتكبيها ، إذ لا تخصيص بغير مخصص ولا إلزام بما لا يلزم . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم المطعون فيه وقد وافق هذا النظر يكون سديداً فيما انتهى إليه من إدانة الطاعنين ، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تورد في حكمها من تقرير لجنة الفحص ومن أقوال أعضائها ما يكفي لتبرير اقتناعها بالإدانة ما دامت قد أطمأنت إلى ما أوردته منها واعتمدت عليه في تكوين عقيدتها ، إذ إن ذلك أمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه ، ومن ثم فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً لها ، فإن النعي على الحكم بالقصور لهذا السبب غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعنين لم يطلب إلى المحكمة استخراج شهادة من الإدارة العامة لحماية الآثار تحقيقاً لدفاعهما بشأن طبيعة الأرض محل الحفر موضوع الاتهام ، فلا يصح لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلب منها ولم تر هي حاجة لإجرائه . لما كان ذلك ، وكان أياً من الطاعنين لا يدعي بأن المحكمة قد منعته من إبداء دفاعه ، فإنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاعه كاملاً ، إذ كان عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته في المحضر ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان مفاد ما أثبته الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى وإيراداً لمؤدى ما شهد به شاهد الإثبات الأول أنه على إثر إبلاغه من الأهالي بقيام الطاعنين بإجراء أعمال الحفر خلسة داخل مسكن الطاعن الأول بقصد التنقيب عن الآثار وخروج كميات كبيرة من ناتج الحفر ، انتقل ومرافقه إلى مسكن الطاعن الأول الذي سمح لهما بالدخول فتلاحظ لهما وجود حفرة كبيرة بقطر متر ونصف وعمق تسعة أمتار ، والطاعن الثاني وبحوزته أدوات الحفر ، فإن هذا الذي ساقه تتوافر به حالة التلبس بالجريمة التي تبيح القبض والتفتيش ويفيد أن دخول الشاهد الأول مسكن الطاعن الأول كان برضاء من الأخير ، ذلك بأن الرضاء بدخول المسكن وتفتيشه يكفي فيه أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها واستنتجته من دلائل مؤدية إليه ، وهو ما لا يجادل الطاعن الأول في حصوله ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد ، ولا على الحكم إن أغفل الرد عليه ؛ لأنه - في صورة الدعوى - ظاهر البطلان لا يستأهل رداً . لما كان ذلك ، وكانت المحكمة في حدود سلطها التقديرية قد اطمأنت إلى سلامة التحريات وصحتها ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بعدم معقولية الواقعة وانتفاء صلة الطاعن بها من الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل رداً صريحاً من الحكم ما دام الرد مستفاداً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان النعي بخلو الأوراق من تقرير يقطع بأن ناتج الحفر له قيمة أثرية لا جدوى فيه إذ صار لا ينال من النتيجة التي خلص إليها الحكم ، فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً لتعييب الحكم . لما كان ذلك ، وكانت المادة 20 من قانون العقوبات تنص على أنه " يجب أن يحكم بالحبس مع الشغل كلما كانت مدة العقوبة المحكوم بها سنة فأكثر " فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمعاقبة الطاعنين بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما كان يتعين تصحيحه ، إلا أن محكمة النقض لا تملك تصحيحه في هذه الحالة ؛ لأن من شأن ذلك الإضرار بالطاعنين ، وهو ما لا يجوز عملاً بمقتضى المادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق