باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2025م،
الموافق الرابع من رجب سنة 1446ه.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد
شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين
عباس نواب رئيس المحكمة وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 135 لسنة 35
قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية)، بحكمها
الصادر بجلسة 24/ 3/ 2013، ملف الدعوى رقم 4566 لسنة 55 قضائية
المقامة من
عبد السلام عبد السلام إبراهيم الجمال
ضد
1- رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع
2- رئيس مجلس الدولة خصم مدخل
3- النائب العام خصم مدخل
---------------
" الإجراءات "
بتاريخ العشرين من أغسطس سنة 2013، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 4566 لسنة 55 قضائية، نفاذًا لحكم محكمة القضاء
الإداري (الدائرة الثانية)، الصادر بجلسة 24/ 3/ 2013، بوقف الدعوى، وإحالة
أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (60) من النظام الأساسي للهيئة العربية للتصنيع، الصادر بقرار اللجنة
العليا للهيئة رقم 6 لسنة 1975.
وقدم المدعي في الدعوى الموضوعية مذكرتين، طلب فيهما الحكم بعدم
دستورية النص المحال وقراري مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع رقمي: 44 لسنة 1976
و14 لسنة 1989 بإصدار لائحة اللجان القضائية للهيئة، ونص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 30 لسنة 1979، فيما تضمنته من أن تظل
الهيئة العربية للتصنيع خاضعة في وجودها ونشاطها للأحكام المقررة في نظامها
الأساسي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة والهيئة العربية للتصنيع مذكرتين، طلبتا
فيهما الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
-----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل -على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- في
أن المدعي أقام أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) الدعوى رقم 4566 لسنة
55 قضائية، ضد المدعى عليهم، بطلب الحكم -وفقًا لطلباته الختامية حسبما كيَّفتها
محكمة الإحالة- أولًا: بإلغاء قرار اللجنة القضائية للهيئة العربية للتصنيع في
الدعاوى أرقام: 25 و45 لسنة 21 قضائية و9 لسنة 24 قضائية. ثانيًا: بإلغاء قراري
رئيس مجلس إدارة تلك الهيئة رقمي: 88 لسنة 2000 و187 لسنة 2004، فيما تضمناه -على
الترتيب- من نقله إلى مصنع صقر للصناعات المتطورة، وإحالته إلى المعاش المبكر.
ثالثًا: ببطلان تشكيل اللجنة القضائية للهيئة المذكورة اعتبارًا من عام 1999، وما
يترتب على ذلك من آثار. وذلك على سند من أنه بتاريخ 11/ 1/ 2001، في أثناء نظر
الدعوى رقم 42 لسنة 23 قضائية أمام تلك اللجنة، طلب المدعي ردَّ هيئتها لِما نسبه
إليها من أخطاء جسيمة أوردها بمذكرته المقدمة في هذا الشأن، وإذ أكد قرار مجلس
إدارة الهيئة المدعى عليها الأولى رقم 3 لسنة 2001 خلو لائحة اللجنة القضائية
للهيئة من نظام رد القضاة؛ فقد أقام الدعوى. وقد تراءى لمحكمة القضاء الإداري أن
نص المادة (60) من
النظام الأساسي للهيئة العربية للتصنيع الصادر بقرار اللجنة العليا للهيئة رقم 6
لسنة 1975، فيما تضمنه من قصر الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية والعمالية
على اللجنة القضائية المذكورة، ينطوي على شبهة مخالفة أحكام المادتين (75 و174) من
دستور سنة 2012، فحكمت بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في
دستوريته.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن ولايتها في
الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالًا مطابقًا للأوضاع المقررة
في المادة (29) من
قانونها؛ وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص
القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى
موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت محكمة الموضوع جدية دفعه،
ورخصت له في رفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، وهذه الأوضاع
الإجرائية -سواء ما اتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها- تتعلق
بالنظام العام، باعتبارها شكلًا جوهريًّا في التقاضي، تغيا به المشرع مصلحة عامة
حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية.
متى كان ما تقدم، وكان طلب المدعي بمذكرتي دفاعه أمام هيئة المفوضين
الحكم بعدم دستورية قراري مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع رقمي 44 لسنة 1976
و14 لسنة 1989 بإصدار لائحة اللجان القضائية للهيئة، ونص المادة الأولى من القرار بقانون رقم 30 لسنة 1979، فيما تضمنته من أن تظل
الهيئة العربية للتصنيع خاضعة في وجودها ونشاطها للأحكام المقررة في نظامها
الأساسي، قد أقيم دون دفع وتصريح من محكمة الموضوع؛ ومن ثم فإن الدعوى الدستورية
المعروضة في شأن هذا الطلب تنحل إلى دعوى دستورية أصلية، أقيمت بالطريق المباشر،
بالمخالفة لنص المادة (29/ ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة
1979، مما لزامه الالتفات عن هذا الطلب.
وحيث إن البت فى اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائيًّا بنظر دعوى
بذاتها سابق بالضرورة على بحث شرائط قبولها أو الخوض فى موضوعها، وتواجهه هذه
المحكمة من تلقاء نفسها؛ إذ لا يتصور أن تفصل فى شرائط اتصال الدعوى بها وفقًا
للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، قبل تثبتها من أن النزاع موضوعها مما يدخل فى
ولايتها، وكان من المقرر كذلك أن تحقيقها لولايتها بنظر دعوى بذاتها قد يقتضيها أن
تعرض لموضوعها، بقدر ما يكون ذلك لازمًا لتحديد ما إذا كان الطعن المطروح عليها
داخلًا فى نطاق ولايتها، أم واقعًا فيما وراء تخومها.
وحيث إن عبارة المعاهدة الدولية لا تعدو أن تكون مصطلحًا عامًّا يمتد
إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دُوّنَ هذا الاتفاق سواء
فى وثيقة واحدة أو أكثر، وأيًّا كان نطاق المسائل التى ينظمها، أو موضوعها، ومن ثم
يندرج تحتها ما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهدًا، أو ميثاقًا، أو
إعلانًا، أو بروتوكولًا، أو نظامًا، أو تبادلًا لمذكرتين. في حين يطلق مصطلح
المعاهدات الشارعة على المعاهدات التي تبرم بين عدد من الدول لتخدم مصالحها، وتكون
الغاية منها وضع قواعد جديدة، على أن تنضم إليها في وقت لاحق دول أخرى، إما باتخاذ
إجراء رسمي وفقًا لشروط المعاهدة أو بموافقتها ضمنًا على القاعدة الجديدة
واحترامها، ولذلك فالمعاهدة الشارعة هي وثيقة تعلن الدول من خلالها الارتضاء بحكم
معين من أحكام القانون، أو توضع بموجبه أحكام عامة جديدة تتصرف وفقًا لها في المستقبل
كل الدول التي تنضم إليها أو تصدق عليها، ويتم بواسطتها إلغاء أو تعديل عادة أو
عرف قائم، أو إنشاء منظمة دولية جديدة تضطلع ببعض المهام في الحياة الدولية.
وحيث إن المعاهدات التي تعني عددًا من الدول غالبًا ما تتضمن نصًّا
يبيح للدول التي لم تسهم في إبرامها الانضمام إليها انضمامًا لاحقًا باستيفاء شروط
أو اتباع إجراءات معينة، ويطلق الفقهاء على تلك المعاهدات المعاهدات المفتوحة، ولا
يحصل الانضمام على هذا الوجه إلا بعد أن تصبح نافذة بين أطرافها الأصليين، وبتمام
إجراءات الانضمام تصبح للدولة المنضمة كافة الحقوق والمزايا، كما تتحمل كافة
الأعباء التي تقررها المعاهدة بالنسبة لأطرافها.
وحيث إنه من المستقر عليه في قواعد القانون الدولي أنه يقصد ب المنظمة
الدولية كل تجمع لعدد من الدول في كيان متميز ودائم يتمتع بالإرادة الذاتية
وبالشخصية القانونية الدولية، تتفق هذه الدول على إنشائه، كوسيلة من وسائل التعاون
الاختياري بينها في مجال أو مجالات معينة يحددها الاتفاق المُنشِئ للمنظمة، وعليه
فإن العناصر الأساسية للمنظمة الدولية تنحصر في أربعة عناصر هي: الكيان المتميز
الدائم، والإرادة الذاتية، والاستناد إلى اتفاقية دولية، وعدم انتقاص المنظمة من
سيادة الدول المشتركة في عضويتها، كما أن تلك المنظمات تتمتع بالشخصية القانونية
الدولية، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية برأيها الاستشاري الذي أصدرته عام
1949، مؤكدة أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام، وأن المنظمات التي
نشأت نتيجة لتطورات الظروف الدولية يمكن اعتبارها أشخاصًا قانونية من طبيعة خاصة متميزة
عن طبيعة الدول، تتمتع بأهلية خاصة تتناسب في اتساع مجالها أو ضيقه مع الأهداف
التي أُنشئت المنظمة من أجل تحقيقها.
وحيث إن التعريف الاصطلاحي للتصرفات الدولية الصادرة عن الإرادة
المنفردة، في مجال العلاقات الدولية، إنما ينصرف إلى كل تعبير -صريح أو ضمني- عن
الإرادة المنفردة لشخص واحد بعينه من أشخاص القانون الدولي، متى استهدف من ورائه
ترتيب آثار قانونية معينة، ومن ثم فإن الوعد الصادر عن الإرادة المنفردة لا يكتسب
قوته الملزمة إلا إذا توافرت فيه شروط الصحة الرئيسة الواجب توافرها في أي من
التصرفات الدولية الصادرة عن الإرادة المنفردة، كما أن تفسيره يخضع لكل ما تخضع له
الاتفاقيات الدولية من قواعد التفسير.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تجد أساسًا لها -كأصل
عام- فى مبدأ الشرعية وسيادة القانون الذى أرساه الدستور، غير أنه يرد على هذا
الأصل ما استقر عليه القضاء والفقه من استبعاد أعمال السيادة من مجال الرقابة
القضائية على أساس أن طبيعتها تأبى أن تكون محلًّا لدعوى قضائية، وإذا كانت نظرية
أعمال السيادة فى أصلها الفرنسي قضائية النشأة، وُلدت فى ساحة القضاء الإداري
وتطورت به قواعدها، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعي يرجع إلى بداية التنظيم
القضائي الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب التشريعات المتعاقبة المنظمة
للمحاكم ومجلس الدولة، وآخرها ما ورد فى قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون
رقم 46 لسنة 1972، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، اللذين
استبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادي والقضاء الإداري على السواء.
واستبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء إنما يأتي تحقيقًا للاعتبارات السياسية
التي تقتضى بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالًا وثيقًا
أو بسيادتها فى الداخل والخارج النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية، وذلك لدواعي
الحفاظ على كيان الدولة فى الداخل والذود عن سيادتها فى الخارج ورعاية مصالحها
العليا، وقد وجدت هذه الاعتبارات صدى لدى القضاء الدستوري فى الدول التى أخذت
بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين، وبخاصة في المسائل السياسية التى
تعد المجال الحيوي والطبيعي لنظرية أعمال السيادة واستبعادها من نطاق هذه الرقابة.
وحيث إن نظرية الأعمال السياسية -كقيد على ولاية القضاء الدستوري- تجد
فى ميدان العلاقات والاتفاقيات الدولية معظم تطبيقاتها بأكثر مما يقع في المجال
الداخلي، نظرًا لارتباط ذلك الميدان بالاعتبارات السياسية وسيادة الدولة ومصالحها
العليا.
وحيث إن العبرة في تحديد التكييف القانوني للأعمال السياسية -على ما
جرى عليه قضاء هذه المحكمة- هي بطبيعة العمل ذاته، لا بالأوصاف التى قد يخلعها
المشرع عليه متى كانت طبيعته تتنافى وهذه الأوصاف، ذلك أن استبعاد الأعمال
السياسية من ولاية القضاء الدستوري إنما يأتي تحقيقًا للاعتبارات السياسية التي تقتضى
-بسبب طبيعة هذه الأعمال واتصالها بنظام الدولة السياسي اتصالًا وثيقًا أو
بسيادتها فى الداخل أو الخارج- النأي بها عن نطاق الرقابة القضائية استجابة لدواعي
الحفاظ على الدولة والذود عن سيادتها ورعاية مصالحها العليا، مما يقتضى منح الجهة
القائمة بهذه الأعمال -سواء كانت هي السلطة التشريعية أو التنفيذية- سلطة تقديرية
أوسع مدى وأبعد نطاقًا؛ تحقيقًا لصالح الوطن وسلامته، دون تخويل القضاء سلطة
التعقيب على ما تتخذه فى هذا الصدد، ولأن النظر فيها والتعقيب عليها يستلزم توافر
معلومات وضوابط وموازين تقدير لا تتاح للقضاء، فضلًا عن عدم ملاءمة طرح هذه
المسائل علنًا في ساحاته؛ ومن ثم فالمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التى تحدد
-بالنظر إلى طبيعة المسائل التى تنظمها النصوص المطعون عليها- ما إذا كانت النصوص
المطروحة عليها تعتبر من الأعمال السياسية فتخرج عن ولايتها بالرقابة على الدستورية،
أم أنها ليست كذلك فتبسط عليها رقابتها.
وحيث إن إنهاء الاتفاقية الدولية يُعد من الأعمال السياسية التي تخرج
بطبيعتها عن الرقابة القضائية، وهذه القاعدة ذاتها هي التي يتعين تطبيقها إذا قرر
رئيس الجمهورية أن الاتفاقية الدولية التي ارتبطت بها الدولة لا تزال معمولًا بها،
رغم إخلال إحدى الدول المتعاقدة بأحكامها أو تنصلها منها، وليس لجهة الرقابة على
الدستورية أن تنازع رئيس الجمهورية في تقديره، ولا أن تفرض عليه تصورها للطريقة
التي ينبغي أن يدير بها السياسة الخارجية من خلال الاتفاقية الدولية التي تعتبر
العنصر الحاسم في تقدير أبعادها وتطوير ملامحها؛ ذلك أن قرار رئيس الجمهورية في
ذلك يكون نهائيًّا فلا يعاق، وعلى جهة الرقابة الدستورية أن تتقيد به، وألا تعتد
بعمل أو إجراء يعطل إنفاذ السياسة الخارجية أو يرهقها.
متى كان ذلك، وكانت اتفاقية تأسيس الهيئة العربية للتصنيع، المبرمة
بين مصر والمملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات العربية المتحدة - المصدق
عليها في مصر بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٧٥- قد توخت بناء قاعدة صناعية داخل الوطن
العربي، تكفُل الوفاء باحتياجات الدول العربية في مجال الصناعات المتقدمة؛ توثيقًا
لعُرى المودة والأخوة، وتأكيدًا لروابط التعاون المشترك بين الدول العربية،
وتأمينًا لاستخدام الموارد العربية في تحقيق النفع الاقتصادي والمصلحة القومية
للوطن العربي، فنشأت الهيئة المذكورة بموجب تلك الاتفاقية كمنظمة دولية إقليمية
متخصصة، أُبرمت بين الدول الأربع لتخدم مصالحها، وأفسحت المجال لغيرها من الدول
العربية للانضمام إليها باعتبارها معاهدة مفتوحة، حسبما جاء بنص المادة (14) منها،
وخلت من النص على توقف استمرارها ببقاء عدد محدد من أطرافها. وعلى إثر انسحاب
المملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات العربية المتحدة من هذه الاتفاقية،
لظروف قدرتها، صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979، المتضمن في
مادته الأولى بقاء الشخصية الاعتبارية للهيئة العربية للتصنيع، وتتمتع بالاختصاصات
والسلطات والمزايا والحصانات المقررة وفقًا لقرار اللجنة العليا لها رقم 6 لسنة
1975 بإنشاء تلك الهيئة وإقرار نظامها الأساسي، وتظل خاضعة في وجودها ونشاطها
لجميع الأحكام المقررة في تشريع مقرها ومركز نشاطها وفي نظامها الأساسي، كما أبقت المادة السادسة
من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه على التنظيم الساري في شأن وجود
الهيئة العربية للتصنيع ونشاطها مفتوحًا لانضمام الدول التي ترغب في ذلك، وإذ
أبرمت الدول الأربع اتفاقية - وُوفق عليها بموجب قرار رئيس جمهورية مصر العربية
بالقانون رقم 219 لسنة 1994- أُودعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتضمنت
إنهاء علاقة الدول الثلاث لشراكتها في الهيئة، وتحديد أُطر المسئوليات المتبادلة
بينها، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 326 لسنة 1994 في شأن الهيئة العربية
للتصنيع، متضمنًا استمرار الهيئة في مزاولة نشاطها، وأن تظل خاضعة في وجودها
ونشاطها لجميع الأحكام المقررة في القوانين وقرارات رئيس الجمهورية المنظمة لها،
مع استمرار العمل بالنظام الأساسي للهيئة، الذي أحالت إليه اتفاقية تأسيسها، في
بيان تحقيق أغراضها، والذي نص على أن تهدف الهيئة إلى بناء قاعدة صناعية حربية
تكفل إقامة وإنماء وتطوير الصناعات المتقدمة وتحقيق المصالح المشتركة للدول
الأعضاء على أسس علمية وفنية، وأن تعمل الهيئة على تنسيق وتحقيق التكامل الصناعي
والاقتصادي بين الدول الأعضاء في مجال تطوير الصناعات المتقدمة، وأن تضع الخطط
العلمية والعملية لتوحيد الموارد والطاقات البشرية في الدول الأعضاء، في ميدان
الصناعات المتقدمة؛ لما فيه خيرها جميعًا والتقدم الشامل للشعوب العربية. ويكون
مفاد ما تقدم عدم انقضاء الشخصية الاعتبارية الدولية للهيئة العربية للتصنيع؛
اعتدادًا بالإرادة المنفردة لجمهورية مصر العربية التي أفصح عنها قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979 وقرار رئيس الجمهورية رقم 326 لسنة 1994 في شأن
الهيئة العربية للتصنيع، وبما تواترت عليه قواعد القانون الدولي، على النحو السالف
البيان، وإذ أبقت الدولة المصرية هذه الاتفاقية سارية دون تغيير في طبيعتها الدولية
التي تقررت بصريح نصوصها، فتظل للهيئة التي أنشأتها هذه الاتفاقية الدولية الشارعة
خصائص الشخصية الاعتبارية الدولية، التي لا ينال منها انسحاب ثلاث من الدول
الأطراف في اتفاقية إنشائها، ما دامت أبقت عليها دولة طرف فيها، بما مؤداه أن
الهيئة المذكورة لم تنضوِ خلال أي فترة زمنية، منذ نشأتها، ضمن فئات الأشخاص
الاعتبارية المحلية التي عددتها المادة (52) من القانون المدني. إذ كان ذلك، وكان النظام الأساسي للهيئة، الذي
تضمن النص المحال، هو الأداة القانونية التي عينتها اتفاقية إنشائها لتنظيم سائر
شئونها، بما لا تنفصم به البتة العروة الوثقى بين الاتفاقية والنظام الأساسي لها،
فبهذه المثابة يكون إقرار هذا النظام وعمل الهيئة بأحكامه -على نحو ما تقدم- عملاً
من الأعمال السياسية، وليس تشريعًا بالمعنى الموضوعي؛ مما تنحسر عنه الرقابة
القضائية على دستوريته، ولزامه الحكم بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق