الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الطعن 903 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 124 ص 1423

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

------------------

(124)

القضية رقم 903 لسنة 4 القضائية

جريمة تأديبية 

- تردد مدرس على منزل زميلات له يقمن بمفردهن - اعتباره من قبيل الخروج على مقتضى الواجب في أداء الوظيفة؛ لمخالفته لتقاليد المجتمع المصري وللتعليمات الإدارية الصادرة في هذا الشأن - في محله - محاولة تبرير المخالفة بالقول بسلامة الدوافع إليها ونبل الغرض منها - غير مجد - وجوب البعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات.

---------------
إن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع المصري لا يمكن أن تتفق مع دخول رجل غير محرم في منزل أنثى لا يقيم معها أحد من أهلها، مهما كانت الدوافع نبيلة والمبررات شريفة، وأنه كان أسلم للمدعي وأطهر له أن يبتعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات، وأن يمتنع عن الاقتراب من منزل المدرسات تنفيذاً للتعليمات الإدارية وأوامر رئيسه ناظر المدرسة، وأن يترك المدرسات وشأنهن؛ حتى لا تتأذى سمعتهن ويطمع الذي في قبله مرض. ومن ثم يكون المدعي قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته كمدرس حين زار المدرسات في مسكنهن الخاص وعندما زرنه في منزله بناء على دعوته لهن للقيام بهذه الزيارة، كما خالف أوامر الرؤساء الصادرة إليه في حدود التعليمات الإدارية.


إجراءات الطعن

في أول سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها برقم 903 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 3 من يوليه سنة 1958 في القضية رقم 355 لسنة 4 ق المقامة من راغب شعبان جودة ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات. وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار التأديبي المطعون فيه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلنت الحكومة في 25 من أكتوبر سنة 1958، كما أعلن المدعي في 29 منه، وتحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من إبريل سنة 1959، وأبلغت الحكومة والمدعي في 18 من فبراير سنة 1959 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 23 من إبريل سنة 1957 أودع المدعي سكرتارية المحكمة الإدارية عريضة دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير التربية والتعليم بمنطقة دمنهور التعليمية والمبلغ إلى المدعي بكتاب تاريخه 5 من ديسمبر سنة 1956 بمجازاته باستقطاع سبعة أيام من راتبه، ومع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه تلقى في 8 من ديسمبر سنة 1956 إخطاراً من منطقة دمنهور التعليمية يتضمن أن المنطقة قررت مجازاته باستقطاع سبعة أيام من راتبه للأسباب الآتية: خروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته، ودعوته للمدرسات إلى منزله، ومحاولته إفساد الجو المدرسي. ويستطرد المدعي قائلاً إنه قد سبق توقيع هذا الجزاء تحقيقات أجراها مفتش التعليم المنوط به تفتيش مدرسة كوم شريك المجمعة، وأن هذه التحقيقات اتسمت بالانحراف عن الطريق القويم والتماس الذرائع للإيقاع والتنكيل به، وأنه قد شكا إلى المنطقة ميل المحقق وتنكبه طريق الحق وتواطؤه مع ناظر المدرسة على الانتقام منه والإساءة إليه، فكلفت المنطقة المحقق بإعادة التحقيق. ويقول المدعي إن سلوك المحقق في المرة الثانية لم يكن بأفضل من سلوكه في المرة الأولى، وأن المفتش خلص من تحقيقاته إلى اقتراح توقيع الجزاء الذي أبلغ إليه في 8 من ديسمبر سنة 1956، وقد تظلم منه للوزير بكتاب مسجل بعلم وصول بتاريخ 19 من يناير سنة 1957 وقيد تظلمه برقم 2710 بمكتب التظلمات الإدارية لوزارة التربية والتعليم، وتلقى بتاريخ 27 من فبراير سنة 1957 إخطاراً مؤرخاً 23 من فبراير سنة 1957 يتضمن أن نتيجة فحص التظلم قد عرضت على الوزارة فقررت رفضه في 18 من فبراير سنة 1957. وناقش المدعي التهم المنسوبة إليه والتي جوزي من أجلها، فذهب بالنسبة للواقعة الأولى، التي تخلص في أن المنطقة تقول إنه خرج على التقاليد لأنه دعا سيدة لزيارته ودعا مدرسات المدرسة التي يعمل بها إلى منزله، ذهب إلى أنه من أبناء بلدة كوم شريك التي يعمل بها، وهي بلدة صغيرة تجمع أهلها روابط القربى وصلات المعرفة، وهو - بحكم هذا الوضع وبحكم أقدميته في الوظيفة باعتباره التالي مباشرة لناظر المدرسة في الأقدمية ولأن الناظر غير مقيم بمقر عمله - يقع على عاتقه وحده عبء تقديم أية معونة لمدرسات المدرسة باعتبارهن غريبات عن القرية ويقمن في منزل مملوك لإحدى السيدات قريباته، وهو متزوج وله أولاد يعيشون معه وليس في دعوته للسيدة قريبته هذه أي خروج على التقاليد، قد حضرت مع المدرسات المقيمات بمنزلها واستقبلتهن السيدة زوجته. وقال المدعي إن المخالفة الثانية مختلقة وأوضح أنها ترجع لوشاية ناظر المدرسة به لدى المفتش الذي أجرى التحقيق، وذلك بعد ما أدلى في التحقيق بالمخالفات التي نسبها إلى ذلك الناظر كتغيبه بانتظام في أيام معينة وكاستخدامه لفراش المدرسة وزوجته في شئونه الخاصة، الأمر الذي يدخل في معنى استغلال الوظيفة، وشروعه بالتصرف في جهاز الراديو الخاص بالمدرسة والمشترى بنقود تلاميذها ومدرسيها إلى ناظر مدرسة واقد المجمعة لأنه كبير بين النظار باعتباره نقيب المعلمين بالمدرية وعضو النقابة عن المنطقة، وأنه لما قاوم هذه الرغبة وانضم إليه زملاؤه وشى به الناظر إلى زميله المذكور وحرضه عليه فأثار هذا المفتش ضد المدعي وكان ما كان. وانتهى المدعي إلى القول بأن التهم المسندة إليه والتي جوزي من أجلها لا سند لها ولا تعبر عن الحقيقة، وأن مبعثها الأهواء الشخصية والغايات التي استبدت بالمفتش المحقق وناظر المدرسة المتآمر معه. وقالت إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم رداً على الدعوى بأن أسباب الجزاء محل القضية تتلخص في أن المدعي يعمل مدرساً بمدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك التابعة لمنطقة دمنهور، وارتكب المخالفات الآتية: أولاً - اتهم ناظر المدرسة بعدة تهم ثبت من التحقيق عدم صحتها وأنها كيدية. ثانياً - قام بزيارة الآنسة زينب الجزار المدرسة في مسكنها الخاص وحدها عدة مرات، كما زار زميلاتها بحجة قضاء ما يحتجن إليه، وتناولن الطعام في منزله أكثر من مرة. ثالثاً - تشجيعه المدرسة المذكورة على عدم تنفيذ أمر المنطقة القاضي بندبها إلى مدرسة أخرى. وقد قام مفتش كوم حمادة بالتحقيق في المخالفات السابقة مع المدعي وثبت صحتها واقترح توقيع عقوبة على المدعي. وقد خصمت المنطقة التابع لها سبعة أيام من مرتبه؛ لخروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات إلى منزله ومحاولته إفساد الجو بالمدرسة. وتقول الوزارة إنه يبين أن مثار دفاع المدعى: (أولاً) أنه لم يواجه بما نسب إليه وبالحجج التي سيقت ضده. (ثانياً) أن السيدة، التي نسب إليه عدم اللياقة لدعوته لها، من أقاربه وأنه متزوج وله أولاد. (ثالثاً) أنه لا يعرف السبب فيما نسب إليه من أنه أفسد الجو المدرسي. وتذكر الوزارة أنه يبين من الاطلاع على أوراق التحقيق أن المحقق واجهه بواقعة تردده على مسكن المدرسات فاعترف بها، كما اعترف بترددهن على منزله بالرغم من تنبيه الناظر له. وبرر تصرفه بأنه المسئول عن راحتهن، وهو تبرير غير مستساغ؛ لأنه لا يخرج عن كونه أحد مدرسي المدرسة، والناظر هو المسئول عن جميع ما يتعلق بالمدرسة في هذه الناحية. ويدعي المدعي أن السيدة التي دعاها لمنزله هي مالكة المنزل الذي كانت تسكنه المعلمات وأنها قريبته، ولم يذكر هذا القول في التحقيق؛ مما يتنافى مع دفاعه بالرغم من أنه ذكر واقعة ترددها عليه مع المعلمات. أما واقعة إفساد الجو المدرسي فكل أوراق التحقيق تنطق بها. وانتهت الوزارة إلى القول بأن أدلة الإثبات بناء على ذلك تكون مستمدة من أصول ثابتة في أوراق التحقيق، ويكون دفاع المدعي في غير محله؛ مما يتعين معه رفض دعواه. وبجلسة 3 من يوليه سنة 1958 حكمت المحكمة الإدارية برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصاريف. وأسست قضاءها على أنه يبين من الأوراق أنه قد أجري تحقيق بمعرفة مفتش قسم كوم حمادة أثبتت فيه أقوال ناظر وأعضاء هيئة التدريس بمدرسة كوم شريك المجمعة، وثبت بالتحقيق من إقرار المدعي نفسه أنه كثيراً ما زار الآنسات المدرسات بالمدرسة لقضاء حوائجهن والاطمئنان عليهن بوصفه من أهل البلد التي بها المدرسة ويقوم بأعمال الناظر الذي لا يقيم بالبلد، كما أقر بأن المدرسة الآنسة زينب الجزار قد تناولت الطعام بمنزله وحدها، ثم تناولت الطعام مع زميلاتها عنده بعد ذلك أكثر من مرة، كما أقر بأنه دعا الآنستين زينب وانتصار المدرستين بالمدرسة إلى زيارته بمنزله، وتمت الزيارة فعلاً، وذلك رغم إقراره أن ناظر المدرسة لفت نظره إلى عدم زيارة الآنسات المدرسات في منزلهن. ويذكر الحكم أن الآنسة زينب الجزار قد أقرت بأنها تعتبر المدعي ممثلاً لولي أمرها بالبلدة ومسئولاً عنها. ويقول الحكم إن الثابت من التحقيق أن المدعي نسب إلى ناظر المدرسة وإلى أحد المدرسين بها أخطاء في تصرفاتهما بالمدرسة ولم يؤيده في ذلك من سئلوا بالتحقيق من المدرسين، وأن التحقيق انتهى بمذكرة حررها مفتش قسم كوم حمادة ضمنها ما ثبت لديه من زيارة المدعي للمدرسة زينب الجزار في مسكنها الخاص وكذلك للمدرسات جميعاً ودعوته لهن لتناول الطعام في منزله ومحاولته إلصاق تهم باطلة بزملائه، وقرر مدير منطقة دمنهور التعليمية توقيع جزاء بخصم سبعة أيام من مرتب المدعي لخروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات بمنزله ومحاولته إفساد الجو المدرسي. ويستطرد الحكم قائلاً؛ بأنه لما كانت رقابة المحكمة على القرار التأديبي - متى تبينت صدوره من مختص وفي الشكل المقرر قانوناً - إنما تنصرف إلى التثبت من أن القرار قد أسس على واقعة صحيحة لها أصل ثابت بالأوراق ولم يقصد به غير المصلحة العامة، وإذ تبينت المحكمة فيما سلف أن القرار الإداري الصادر بالخصم من مرتب المدعي محل الطعن قد استكمل عناصر المشروعية فإن طلب المدعي الحكم بإلغاء هذا القرار يكون غير مستند إلى أساس من القانون، ويتعين الحكم برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصاريف.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار التأديبي المطعون فيه قام على سببين الأول خروج المدعي على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته المدرسات إلى منزله، والثاني محاولته إفساد الجو المدرسي. ويقول الطعن إنه بالنسبة للسبب الأول فإنه ولئن كان الثابت من أوراق التحقيق أن المدعي كان يقوم بزيارة المدرسات في مسكنهن الخاص، كما كن يقمن بزيارته في منزله فإن هذه الوقائع لا تنهض في ذاتها - على ضوء ما أبداه المدعي في التحقيق من مبررات - إلى الخروج على التقاليد المرعية خاصة إذا ما لوحظ أن المدعي متزوج وله أولاد، ولم تثر هذه الزيارات شكوكاً أو ريباً في القرية ولم يقم دليل في التحقيق على أن المدعي أساء إلى وظيفته بتلك الزيارات أو استغلها استغلالاً غير مشروع، وبالنسبة للسبب الثاني فإنه لم يثبت من أوراق التحقيق أن المدعي ارتكب أفعالاً تنبئ عن اتجاهاته وانحرافه نحو إفساد الجو المدرسي، اللهم إلا ما أدلى به المدعي في التحقيق من أقوال في شأن تصرفات ناظر المدرسة وبعض المدرسين من ناحية العمل ومن الناحية الأخلاقية، وهذه الأقوال في مجموعها إنما جاءت في مجال الرد على استفسارات المحقق عن أحوال العمل في المدرسة بمناسبة ما أثارته إحدى المدرسات في شأن تصرفات ناظر المدرسة وبعض المدرسين. ويقول الطعن إنه لا جدال في أن الإدلاء بالمعلومات المجردة وأن قصر الدليل عليها لا يمكن حمله على أنه اتجاه من جانب المدعي لإيقاع الاضطراب وتعكير صفو الجو المدرسي مما يعتبر خروجاً على مقتضيات الوظيفة وواجباتها. وينتهي الطعن إلى التقرير بأنه على هذا المقتضى يكون القرار التأديبي المطعون فيه قد استخلص استخلاصاً غير سائغ من أصول لا تنتجه قانوناً؛ ومن ثم يكون قد صدر فاقداً لركن السبب مخالفاً للقانون حرياً بالإلغاء. ويقول الطعن إنه إذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن منطقة دمنهور التعليمية قد عينت الآنسة زينب الجزار وزميلتين لها مدرسات بمدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك ولم يكن بناء الوحدة قد استكمل بعد، فقامت المدرسات بالعمل في المدرسة الابتدائية بقسم الصباح، ولما كان مبنى تلك المدرسة متصدعاً ولا يصلح لمبيت المعلمات تنازل محمد الأشقر ناظر المدرسة عن سكنه الخاص بأثاثه للمدرسات وصرح لهن مفتش منطقة كوم حمادة بالمبيت فيه بعد معاينته واستئذانه المنطقة. وفي 18 من أكتوبر سنة 1956 أرسل ناظر المدرسة لمفتش التربية بكوم حمادة كتاباً ضمنه شكواه من الآنسة زينب الجزار لحضورها إلى المدرسة في الفترة المسائية ولزيارتها بعض الأهالي من قطان البلد في بيوتهم، وأنه لما تحدث إليها في هذا الشأن أجابت بأنها حرة في تصرفاتها ومسئولة عن نفسها وليس للمدرسة أو المنطقة أن تتدخل في هذه الأمور. ولخشية الناظر من هذه التصرفات رفع الأمر للتفتيش، فانتدب مفتش قسم كوم حمادة في 20 من أكتوبر سنة 1956 الآنسة زينب الجزار وزميلتها الآنسة لطيفة الشخيبي، وهما المدرستان القائمتان بالعمل في مدرسة كوم شريك للعمل بمدرسة الوحدة المجمعة بواقد، وعلى أن يحل محلهما بمجمعة كوم شريك مدرسان من مجمعة واقد، بيد أن هذا الندب لم يرق للمدرسة المذكورة، فذهبت إلى المفتش يوم 22 من أكتوبر سنة 1956 معترضة على ذلك وطالبة إبقاءها بمجمعة كوم شريك، فلما أوضح لها أن هذا الندب من مصلحتها أصرت على موقفها وأعقبت ذلك بتقديم استقالة مسببة من العمل. وإزاء هذا أفهمها المفتش أن عليها الاستمرار في العمل حتى يبت في أمر استقالتها ولكنها لم تنصع للأمر وانقطعت عن العمل. ولما كان بالاستقالة المقدمة من الآنسة زينب الجزار المدرسة المشار إليها ما يستدعي التحقيق قام مفتش المنطقة التعليمية بكوم حمادة بإجراء هذا التحقيق بادئاً بسؤال المدرسة المذكورة التي وجهت تهماً عديدة إلى ناظر مدرسة كوم شريك وبعض مدرسيها، وبسؤال هؤلاء دافعوا عن أنفسهم قائلين إن ما نسب إليهم من تهم هو من تلفيق المدرسة والمدعي؛ لأن بينهما صلة معينة، وقد آلمهما أن تنقل هذه المدرسة إلى مدرسة واقد وما يترتب على ذلك من انقطاع صلتهما ببعض؛ ومن ثم عمدا معاً إلى تلفيق هذه التهم للإيقاع بالناظر وبعض المدرسين لظنهما أنهم هم الذين وشوا بهما إلى المفتش. ومن الإجابات المختلفة ظهر أن الآنسة زينب الجزار والمدعي يتهمان الناظر بعدة تهم هي: (1) سوء الإدارة. (2) خضوعه في إدارة المدرسة لتأثير بعض المدرسين من بلدته (قرية الصواف). (3) استخدامه التلاميذ والفراش في قضاء حوائجه. (4) وانفرد المدعي باتهام الناظر بأنه يتأخر في الحضور في الصباح وينصرف قبل الموعد الرسمي في نهاية اليوم المدرسي، كما يتغيب يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وفي شهر رمضان الماضي بالذات، ويتهمان الأستاذين عبد الله سلام ومحمد المؤذن بالسيطرة على الناظر وإخضاعه لأمرهما وتوجيه كلام مبتذل للمدرسة الآنسة زينب الجزار والتلميذات. ويبين من التحقيق أن هذه التهم لم تنسب للناظر والمدرسين إلا بعد صدور أمر ندب الآنسة زينب الجزار واعتقاد المدعي والمدرسة المذكورة أن الناظر هو الذي وشى بهما عند التفتيش بإيعاز من المدرسين المذكورين وحرمهما من التزاور، وأن المدعي عمل في مدرسة كوم شريك ست سنوات كان الناظر عنده خلالها المثل الأعلى، وهو الذي كان يخلفه عند غيابه. ويفهم من إجابة المدعي بالتحقيق أنه يرغب ويطمع في نظارة مدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك. ويقرر مفتش منطقة التعليم بكوم حمادة أنه زار وفتش المدرسة ست سنوات ولم يلحظ تقصيراً أو إهمالاً، وأن العمل فيها يفوق الكثير من المدارس الأخرى، وأن الناظر والمدرسين يتمتعون بسمعة طيبة في بلادهم وفي كوم شريك بالذات حيث يعملون بمدرستها، وأنه بحث كراسة غياب المدرسين فوجد أن الناظر غاب أربعة أيام وتأخيرا ته 45 ق و3 س في أربعة أيام ولم يكن من بينها أي يوم اثنين أو خميس في شهر رمضان، كما بان من التحقيق أن المدعي زار الآنسة زينب الجزار المدرسة في مسكنها الخاص، ثم تكررت زياراته لها ولزميلتيها بمسكنهن الخاص بحجة قضاء ما يحتجن إليه، وتناولت هذه المدرسة الطعام بمفردها بمنزل المدعي، ثم تناولته وزميلتاها بمنزله أكثر من مرة رغم نصح الناظر للمدعي وللمدرسات بالإقلاع عن هذه الزيارات تنفيذاً للتعليمات، كما يتضح أن المدعي حاول إلصاق التهم بالناظر والمدرسين الذين عمل معهم طويلاً لمجرد ظنه أنهم وشوا به وبالمدرسة ولاعتقاده أنه بهذا الاتهام سيتسبب في نقل الناظر، وبالتالي يحل محله في نظارة المدرسة؛ لأنه كما يرى أحق بنظارة مدرسة بلده. ويقول المدعي - تبريراً لزيارته للمدرسة زينب الجزار وزميلاتها ودعوتها ودعوتهن لزيارة منزله - إنه قام بذلك بدافع المروءة والنخوة باعتبارهن غريبات عن البلدة، وقد تعوزهن بعض الحوائج فأفهمهن أنهن يستطعن أن يجدن كل ما يحتجن إليه في بيته، وهو رجل متزوج معروف بالصلاح والسمعة الطيبة بين أهل قريته. وعن محاولة إفساد جو المدرسة يقول المدعي إنه اتهام غير صحيح؛ لأن موظفي المدرسة جميعاً غرباء عنها، والمدرسة مدرسة بلدته، وهو أحرص الناس على رفعة شأنها، فلا يعقل أن يعمل على إفساد جوها.
ومن حيث إنه يبدو من ذلك بجلاء أن زيارة المدعي للمدرسات - وعلى الأخص للآنسة زينب الجزار - وهن غريبات عن البلدة ولسن بمتزوجات ويقمن بمفردهن في مسكن خاص بهن، أمر ثابت على وجه اليقين؛ إذ المدعي نفسه معترف بأنه دعاهن مراراً لزيارته بمنزله وأنهن ذهبن إلى هناك وتناولن الطعام كثيراً في بيته.
ومن حيث إن المدعي لا ينازع في هذا ولكنه يحاول تبرير ذلك بأنه كان يبسط عليهن رعايته، ولا يجوز تأويل عمله هذا تأويلاً سيئاً؛ لما هو معروف عنه من حسن الأخلاق وجميل السمعة، وينسى المدعي أو يتناسى أن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع المصري لا يمكن أن تتفق مع دخول رجل غير محرم في منزل أنثى لا يقيم معها أحد من أهلها، مهما كانت الدوافع نبيلة والمبررات شريفة، وأنه كان أسلم للمدعي وأطهر له أن يبتعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات وأن يمتنع عن الاقتراب من منزل المدرسات تنفيذاً للتعليمات الإدارية وأوامر رئيسه ناظر المدرسة وأن يترك المدرسات وشأنهن، حتى لا تتأذى سمعتهن، ويطمع الذي في قبله مرض.
ومن حيث إنه يبين من المساق المتقدم أن المدعي قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته كمدرس حين زار المدرسات في مسكنهن الخاص وعندما زرنه في منزله بناء على دعوته لهن للقيام بهذه الزيارة، كما خالف أوامر الرؤساء الصادرة إليه في حدود التعليمات الإدارية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتهمة الثانية وهي محاولة المدعي إفساد الجو المدرسي باتهامه ناظر المدرسة وبعض مدرسيها وإصراره على ما جاء بهذا الاتهام حسبما ظهر من التحقيق الذي أجراه مفتش منطقة كوم حمادة وما صدر من المدعي من أقوال في هذا التحقيق ضد ناظر المدرسة وبعض مدرسيها رغم ما بان من أن المدعي قضى سنوات عدة بالمدرسة تحت رياسة ذلك الناظر ومزاملاً لهؤلاء المدرسين، وكانت العلاقة بينه وبينهم طيبة، فلما حضرت الآنسة زينب الجزار وبدأ الناظر - قياماً بواجبه - يتدخل في العلاقة بين المدعي وتلك المدرسة لفصم عراها أراد المدعي أن يثير حول الناظر التهم، فنسب إليه سوء الإدارة وخضوعه لبعض المدرسين من بلدته واستخدامه لتلاميذ المدرسة وفراشها في قضاء حوائجه واتهامه بكثرة تغيبه عن المدرسة وانقطاعه عن العمل، ولم يثبت ضد الناظر شيء من هذا كله، الأمر الذي يتضح منه أن هذه الاتهامات تنطوي على تحدي المدعي لرئيسه ناظر المدرسة وزملائه من المدرسين وتطاوله عليهم، وأن هذا السلوك المستفاد من جماع هذه الاتهامات يكون المخالفة الإدارية، وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن القرار التأديبي - كأي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعة أو القانونية التي تكون ركن السبب تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فإذا كانت منتزعة عن غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً ومنضبطاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه فتنتجه إرادة الإدارة لتوقيع جزاء عليه بحسب الأشكال والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إن القرار التأديبي المطعون فيه قام على سببين، الأول: خروج المدعي على التقاليد بدعوة سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات إلى منزله. والثاني: محاولة إفساد الجو المدرسي.
ومن حيث إنه قد وضح أن الأسباب التي استند إليها مدير المنطقة التعليمية بدمنهور في قراره بتوقيع الجزاء المطعون فيه هي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق؛ ومن ثم فإن قراره يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ولا ينال من ذلك تجريح المدعي للمحقق أو ما وجهه من مطاعن إلى ما أجراه من تحقيق لتقرير المدعي لارتياحه لهذا التحقيق وأنه تم بمحض إرادته (صفحة 24 من تحقيقات مفتش التعليم بمنطقة كوم حمادة).
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق