جلسة 13 من يونيه سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
----------------
(129)
القضية رقم 419 لسنة 4 القضائية
ترقية
- التزام ترتيب الأقدمية في الترقية - محله أن تكون الترقية في نسبة الأقدمية وإلى درجات وظائف متعددة من نوع واحد في طبيعتها - لا وجه لهذا الالتزام إذا كانت الترقية إلى درجة وظيفة مخصصة مما يقتضي إعمال الاختيار في التعيين فيها قبل النظر في الترقية إليها.
إجراءات الطعن
في يوم 16 من إبريل سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20 من فبراير سنة 1958 في القضية رقم 3920 لسنة 9 القضائية المرفوعة من السيد/ صلاح الدين بكير ضد وزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية، والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع برفضها، وبإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته، مع إلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 26 من إبريل سنة 1958، وللحكومة في 28 منه، وعين لنظره جلسة 28 من فبراير سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة 28 من مارس سنة 1959، ثم تأجل لجلسة اليوم، ورخصت في تقديم مذكرات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3920 لسنة 9 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من أغسطس سنة 1955 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصلحة السكك الحديدية في 29 من يناير سنة 1955 بترقية السيد/ عبد الرحمن محمود صبري بالأقدمية المطلقة من الدرجة الخامسة الإدارية إلى الدرجة الرابعة بذات الكادر المقيد على ربطها، وذلك فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في عام 1941، ومارس المحاماة، ثم عين في 11 من نوفمبر سنة 1942 في إحدى الوظائف بمصلحة السكك الحديدية، ثم أخذ يتدرج في وظائفها إلى أن رقي إلى الدرجة الخامسة الإدارية اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1948، وفي 31 من يناير سنة 1955 أصدر مدير عام مصلحة السكك الحديدية القرار رقم 26 بترقية السيد/ عبد الرحمن محمود صبري من الدرجة الخامسة الإدارية بميزانية الإدارة العامة إلى الدرجة الرابعة بنفس الكادر المقيد على ربطها وذلك بالأقدمية المطلقة، وقد نشر هذا القرار بالنشرة الإدارية للمصلحة رقم 1133 المؤرخ 28 من فبراير سنة 1955 والمعلن لجميع فروع المصلحة في 8 من مايو سنة 1955، ولما كان المدعي يسبق السيد/ عبد الرحمن صبري في أقدمية الدرجة الخامسة الإدارية، فقد قدم تظلماً من هذا القرار إلى السيد وزير المواصلات، ولما مضى الميعاد القانوني دون أن يصدر الوزير فيه قراراً، الأمر الذي يعتبر بمثابة رفض للتظلم، فقد بادر إلى رفع هذه الدعوى. واستطرد فقال إنه لا حجة فيما استندت إليه المصلحة من أن حقه في التظلم قد سقط لتقديمه بعد الميعاد؛ بمقولة إن المطعون في ترقيته سبق أن صدر قرار في 17 من أغسطس سنة 1954 بقيده على الدرجة الرابعة الإدارية، ونشر في سبتمبر سنة 1954، ولم يتقدم المدعي بالطعن فيه في الميعاد القانوني، لا حجة في ذلك؛ لأن القيد على الدرجة لا يكسب الموظف حقاً فيها، مما يجوز التظلم منه أو الطعن فيه، وإنما هو قرار مؤقت يمكن العدول عنه في أي وقت. وقد نعى المدعي على قرار الترقية المطعون فيه مخالفته لقانون ربط ميزانية الدولة لسنة 1954/ 1955؛ إذ أن الدرجة الخامسة التي يشغلها في إدارة التحقيقات والمباحث العامة والدرجة الرابعة موضوع النزاع مدرجتان تحت قسم واحد بميزانية المصلحة؛ إذ وردت درجات إدارة التحقيقات والمباحث ضمن درجات الإدارة العامة، فصل 10، بند 1، فرع 1، وليست درجات مستقلة في ميزانية المصلحة، وإنما هي جزء غير منفصل عن درجات الإدارة العامة، وأن الدرجة التي يشغلها ليست لها صبغة خاصة أو طبيعة خاصة، بل هي متفقة في طبيعتها مع الدرجة الرابعة الإدارية المتنازع عليها التي أدرجت ضمن درجات الوظائف الإدارية، ولما كان هو أقدم موظفي الدرجة الخامسة الإدارية ويسبق السيد/ عبد الرحمن صبري، وكانت الدرجة الرابعة المذكورة من الدرجات المخصصة للترقية بالأقدمية في درجات الإدارة العامة، كما هو ظاهر من القرار المطعون فيه؛ فمن ثم يستحق الترقية إليها بالأقدمية المطلقة دون المطعون في ترقيته، ولا وجه للتحدي في هذه الحالة بأن هذه الدرجة متميزة بطبيعتها لأنها مخصصة لوظيفة مدير مكتب المدير العام، وأن المطعون في ترقيته كان يقوم بعملها منذ سنة 1950، وأن الدرجة لا تمنح، طبقاً للمادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة، إلا لمن يقوم بعملها فعلاً - لا وجه ذلك؛ لأنه يشترط لتطبيق المادة 22 المشار إليها بعد تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الشروط الآتية: (1) أن يكون الموظف قائماً بأعباء وظيفة موجودة فعلاً ودرجتها أعلى من درجته. (2) أن يكون قيامه بأعباء هذه الوظيفة حاصلاً عن طريق الندب أو القيد أو رفع الدرجة. (3) أن يكون قد قام بأعباء هذه الوظيفة مدة سنة كاملة. (4) أن يكون الموظف مستوفياً شروط الترقية إلى درجة هذه الوظيفة التي هي أعلى من درجته. وهذه الوظيفة لم تنشأ إلا في ميزانية 1954/ 1955، وأدرجت لها درجة خاصة وهي الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من أول يوليه سنة 1954، ولم يصدر قرار الترقية المطعون فيه إلا في 29 من يناير سنة 1955 وبذلك تخلف شرط مضي سنة على القيام بأعباء هذه الوظيفة، فضلاً عن أن المطعون في ترقيته لم يكن مستوفياً لشروط الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية وقت صدور القرار المطعون فيه؛ إذ أصدر المدير العام قرارات بنقل بعض الموظفين من إدارة لأخرى كي يتيح للمدعي فرصة الترقية بالأقدمية من بين موظفي الإدارة العامة، باعتبارها في نظر المصلحة إدارة مستقلة في الميزانية عن إدارة التحقيقات والمباحث التي يشغل المدعي إحدى درجاتها، وأن نقل المطعون في ترقيته إلى الإدارة العامة وشغله لإحدى الدرجات الخامسة الإدارية بها قد وقع باطلاً؛ لأنه كان يشغل درجة خامسة كتابية بميزانية مكتب التفتيش الهندسي بلندن. وقد ردت المصلحة على ذلك بأن المدعي حصل على ليسانس القوانين في سنة 1941، والتحق بخدمتها في 11 من مارس سنة 1942 بوظيفة باليومية ثم عين في 8 من يوليه سنة 1942 بوظيفة في الدرجة السابعة بعقد مؤقت لمدة سنة بماهية قدرها 120 ج سنوياً، ثم أدركه الإنصاف فسويت حالته باعتباره في الدرجة السادسة الشخصية منذ بدء تعيينه، وفي 31 من أكتوبر سنة 1948 رقي إلى الدرجة الخامسة المخصصة لوظيفة مفتش تحقيقات التي كانت مرتبة في الكادر الفني العادي بإدارة المباحث، وفي ميزانية سنة 1954/ 1955 المالية نقلت درجته من الكادر الفني المتوسط إلى الكادر الإداري ضمن وظائف الكادر الإداري بإدارة التحقيقات والمباحث. أما السيد/ عبد الرحمن محمود صبري فقد حصل على شهادة البكالوريا في سنة 1933، والتحق بخدمة المصلحة في 4 من نوفمبر سنة 1933، وظل يتدرج في وظائفها المختلفة، وفي 4 من يوليه سنة 1946 ندب سكرتيراً لمساعد مدير عام المصلحة، وفي 10 من نوفمبر سنة 1948 ندب سكرتيراً لوكيل وزارة المواصلات، ثم ندب مديراً لمكتب مدير عام المصلحة اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1949. وقد دفعت المصلحة الدعوى بعدم قبولها شكلاً؛ لرفعها بعد الميعاد. وأسست ذلك على أن المدعي قدم تظلمه بعد الميعاد القانوني، ولا حجة فيما ذهب إليه من أنه لم يعلم بالقرار المطعون فيه إلا من النشرة الإدارية التي لم تصله إلا في 8 من مايو سنة 1955؛ وذلك لأن حقيقة الأمر أن القرار الصادر في 17 من أغسطس سنة 1954 بقيد السيد/ عبد الرحمن صبري على الدرجة الرابعة المخصصة لوظيفته والقائم بعملها فعلاً منذ ديسمبر سنة 1949 نشر بالنشرة الإدارية في سبتمبر سنة 1954، ولم يتقدم المدعي بأي تظلم من هذا القرار، ثم قالت إن السيد المذكور رقي إلى الدرجة الرابعة الإدارية في 21 من يناير سنة 1955 بالقرار رقم 26 الذي نشر عقب صدوره مباشرة بلوحة الإعلانات بالإدارة العامة التي تنشر بها عادة جميع القرارات التي تهم موظفي الإدارة العامة دون غيرهم، أما النشرة الإدارية التي يشير إليها المدعي فهي خاصة بنشر التعليمات المصلحية التي يهم الجميع معرفتها. ثم قالت عن الموضوع إن الدرجة التي يشغلها المدعي هي لمحقق ( أ ) في إدارة التحقيقات والمباحث، أما الدرجة الرابعة الإدارية موضوع النزاع فهي درجة مخصصة لمدير مكتب المدير العام بالإدارة العامة، وكل من هاتين الإدارتين قسم مستقل عن الآخر استقلالاً تاماً، وكل منهما منفصلة عن الأخرى وطبيعة عملهما مختلفة، فلا يجوز ترقية موظفي الإدارة العامة إلى وظائف محققين، كما لا يجوز أن يأخذ المحققون الدرجات المالية الخاصة بموظفي الإدارة العامة، ومع ذلك فإنه حتى لو اعتبرت إدارة التحقيقات مندمجة في الإدارة العامة، فإنه يبقى بعد ذلك مجال للقول بأن من الدرجات ما يستلزم بطبيعته أن يخصص لوظائف فنية بالذات، وهذا الاعتبار لم يكن خافياً عند وضع كادر 1939، فنصت الفقرة الثامنة من المادة الثانية من منشور المالية رقم 4 لسنة 1939 على أنه لا يجوز ترقية موظف إداري على وظيفة فنية ولا موظف فني إلى وظيفة إدارية، كما لا يجوز ترقية موظف في قسم خاص من العمل إلى درجة في قسم آخر من نفس المصلحة، ما دام عمل القسمين مختلفا. ومن المسلم أن الوظيفة تتلازم مع الدرجة المخصصة لها؛ إذ الوظيفة هي الأصل والدرجة هي الفرع، فطالما أن المطعون في ترقيته قد وقع عليه الاختيار للقيام بعمل الوظيفة منذ عام 1949 وقام بأعبائها خير قيام كما تشهد بذلك تقاريره السرية؛ فهو لذلك أحق بدرجتها، وقد كانت درجات المحققين مثبتة في مختلف أقسام المصلحة، إلى أن أفردت لها المصلحة في ميزانية سنة 1949/ 1950 ضمن الدرجات الدائمة بالإدارة العامة قسم أ إدارة خاصة تحت عنوان إدارة التحقيقات والمباحث، وصدر قرار في 27 من أغسطس سنة 1949 بتسوية حال موظفي هذه الإدارة على الدرجات التي خصصت لهم في الميزانية المشار إليها اعتباراً من أول مارس سنة 1948، ومن بينهم المدعي؛ فقطعت بذلك الصلة بينهم وبين درجات الإدارة العامة والفروع التي كانوا يتبعونها، وقد نصت المادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة على ألا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً، ولم يقم المدعي بعمل وظيفة مدير مكتب المدير العام التي يتولاها المطعون في ترقيته بكل جدارة وكفاية، بل كان يقوم، حتى رفع هذه الدعوى، بعمله في إدارة التحقيقات كمحقق، وهو بذلك يطالب بدرجة مخصصة لوظيفة لا تمت بصلة لمؤهله الدراسي الحاصل عليه ولا بعمله الذي يقوم به. وإذا أجيز هذا الوضع لجاز ذات الحق لطبيب بالإدارة الطبية أن يرقى إلى درجة مخصصة لمحقق أو لجاز للمطعون في ترقيته أن يرقى إلى درجة محقق أو طبيب أو صيدلي وجميعها واردة تحت باب الوظائف الإدارية بأقسام الإدارة العامة. وقد أفتى قسم الرأي المجتمع بمجلس الدولة بجلستيه المنعقدتين في 8 و15 من فبراير سنة 1955 وكذلك ديوان الموظفين بكتابه رقم 181/ 9/ 6/ ج في 3 من يوليه سنة 1955 باعتبار كل من الإدارة العامة والمراقبة العامة للإيرادات والمصروفات وإدارة المخازن وإدارة التحقيقات والمباحث وحدة مستقلة بذاتها؛ إذ انتظمت عدداً من الدرجات في تسلسل هرمي. ثم قالت إن الدرجة المتنازع عليها هي درجة متميزة مخصصة في الميزانية لوظيفة مدير مكتب المدير العام التي يقوم المطعون في ترقيته بأعبائها، وكان قد تم نقلها في ميزانية سنة 1954/ 1955، من ميزانية المراقبة العامة للإيرادات والمصروفات إلى ميزانية الإدارة العامة، وخصصت لمدير مكتب المدير العام في سلك الوظائف الإدارية. وفضلاً عن ذلك فإن وظيفة مدير مكتب المدير العام يترك اختيار شاغلها للمدير العام شخصياً، مثلها في ذلك مثل وظائف مديري مكاتب الوزراء؛ لأنها ليست من الوظائف العامة التي يجوز شغلها بأي موظف. وخلصت المصلحة من ذلك إلى أن دعوى المدعي قد بنيت على أساس غير سليم من القانون، ويتعين رفضها، وإلزامه بالمصروفات. وبجلسة 20 من فبراير سنة 1958 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفي الموضوع برفضها، وبإلزام المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن وظيفة مدير مكتب المدير العام ووظائف إدارة التحقيقات والمباحث تندرج معاً في الميزانية ضمن وظائف الإدارة العامة، إلا أن وظيفة مدير مكتب المدير العام - حسبما يبين من الميزانية ووفقاً لطبيعتها ومع وصفها بأنها وظيفة إدارية بحتة - هي بطبيعتها من الوظائف المتميزة التي تتطلب في شاغلها صلاحية معينة، وبالتالي لا تجري الترقية إليها طبقاً للقواعد العامة من بين الشاغلين للدرجة الخامسة الإدارية بالأقدمية المطلقة؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في الوظائف غير المتميزة هذا التميز الخاص، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها فيما بين المرشحين الذين تتوافر فيهم الصلاحية المعينة التي يتطلبها تخصيص الميزانية لوظيفة معينة ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المحكمة، إذ أقامت قضاءها على أساس أن الدرجة المطعون في الترقية إليها متميزة بطبيعتها وتتطلب في شاغلها صلاحية معينة وبالتالي لا تجرى الترقية إليها طبقاً للقواعد العامة، قد فاتها أن هذا التميز الخاص يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة. وواضح أن شرط التأهيل الخاص لا يتوافر في وظيفة مدير مكتب مدير مصلحة السكك الحديدية بحكم طبيعة عمل هذه الوظيفة، وبحكم أن المطعون في ترقيته - قد شغل هذه الوظيفة من سنة 1949 - هو من حملة شهادة البكالوريا؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ استبعد تطبيق أحكام المواد 38 و39 و40 من قانون نظام موظفي الدولة وأهدر تطبيق القواعد العامة في الترقية إلى الدرجة المذكورة بدعوى أنها مخصصة لوظيفة متميزة بطبيعتها، يكون بذلك قد صدر مخالفاً للقانون، متعيناً الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانية مصلحة السكك الحديدية لسنة 1954/ 1955 التي صدر القرار المطعون فيه خلالها أن درجات إدارة التحقيقات والمباحث قد أدرجت في القسم ( أ ) من البند (1) من الفصل (1) الإدارة العامة، وتضمن البيان التفصيلي لهذه الدرجات نوعين منها، وهما الدرجات الإدارية والدرجات الفنية المتوسطة؛ مما يدل على أنها لا تعدو أن تكون جزءاً من الإدارة العامة وليست مستقلة عنها؛ ومن ثم فإن موظفي إدارة التحقيقات والمباحث يندمجون مع موظفي الإدارة العامة في أقدمية مشتركة وتجري الترقية بينهم على قدم المساواة وفقاً لأحكام القانون باعتبارهم وحدة واحدة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن السيد/ عبد الرحمن صبري قد منح الدرجة الخامسة في عام 1950، أي أن أقدميته فيها لاحقة لأقدمية المدعي، إلا أنه قيد على الدرجة الرابعة المخصصة لوظيفة مدير مكتب المدير العام للمصلحة التي كان يقوم بعملها والتي أنشئت في ميزانية المصلحة لعام 1954/ 1955، وذلك بقرار صدر من المدير العام في 17 من أغسطس سنة 1954، ثم عين عليها ورقي إليها في 17 من يناير سنة 1955، وقد كان يقوم بهذا العمل منذ سنة 1949، ولو أن هذه الوظيفة لم يكن لها كيان قانوني في ميزانية المصلحة وقتئذ.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة، وتضيف إليها أن الدرجة المطعون في قيد السيد/ عبد الرحمن صبري عليها ثم ترقيته إليها بعد ذلك هي درجة رابعة خصصت في الميزانية لوظيفة وحيدة بذاتها هي وظيفة مدير مكتب مدير عام المصلحة والترقية إلى درجة مثل هذه الوظيفة لا يمكن أن تقع إلا بعد التعيين في الوظيفة ذاتها؛ ذلك لأن الوظيفة هي العمل، أما الدرجة فهي الأجر، ولا يمكن انتزاع الدرجة من الوظيفة ليرقى إليها بالترقية غير من يتولاها فعلاً بالتعيين، والتعيين في وظيفة بذاتها لها مقوماتها الخاصة في الميزانية مناطه الاختيار الذي تترخص فيه الإدارة دون معقب عليها ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة. والثابت من الأوراق أن اختيار السيد/ عبد الرحمن صبري لهذه الوظيفة كان رائده مصلحة العمل لتمرسه في أعمالها منذ سنة 1949، وقت أن لم يكن لها وضع خاص في الميزانية، وقيامه بأعبائها في عهد مديري المصلحة المتعاقبين ثم قيده على درجة هذه الوظيفة في 17 من أغسطس سنة 1954، وندبه للقيام بها تمهيداً لتعيينه فيها. ولا وجه للقول بالتزام الأقدمية في الترقية إلى درجة هذه الوظيفة المخصصة لمدير المكتب؛ ذلك أن التزام الأقدمية في النسبة المقررة لها إنما يكون في الترقيات التي تتم إلى درجات وظائف متعددة من نوع واحد في طبيعتها، ولا يمكن أن يجرى على الترقية إلى درجة وظيفة وحيدة بذاتها في الميزانية لها من الطبيعة الخاصة والمقومات ما استدعى تعيين ذاتية الوظيفة وتخصيص درجة معينة لها بما يستوجب ابتداء إعمال الاختيار للتعيين فيها قبل النظر في الترقية إليها؛ ومن ثم يكون الطعن قد قام على أساس غير سليم من القانون، متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق