باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من أغسطس سنة 2023م،
الموافق الثامن عشر من المحرم سنة 1445 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 90 لسنة 43
قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالأقصر - بهيئة استئنافية -
بحكمها الصادر بجلسة 6/ 7/ 2021، ملف الطعن رقم 3027 لسنة 6 قضائية.
المقام من
وائل عبد الموجود محمد
ضد
1 - وزير الدولـة لشئون الآثـار
2 - رئيس المجلس الأعلـى للآثـار
3- الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار
----------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ العشرين من أكتوبر سنة 2021، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الطعن رقم 3027 لسنة 6 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء
الإداري بالأقصر، بهيئة استئنافية، بجلسة 6/ 7/ 2021، بوقف الطعن، وإحالة الأوراق
إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية كل من قانون الخدمة المدنية
الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، ونص المادة (194) من لائحته التنفيذية الصادرة
بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
------------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالــة وســـائــر
الأوراق - في أن المدعي، في الدعوى الموضوعية، أقام أمام المحكمة الإدارية بالأقصر
الدعوى رقم 6371 لسنة 5 قضائية، طالبًا الحكم بأحقيته في ضم مدة خبرته العملية السابقة
بوزارة الآثار، خلال الفترة مـــن 11/ 4/ 2011، حتى تاريخ تعيينه في 1/ 3/ 2019،
إلـــى مـــدة خدمته الحاليـــة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: أحقيته في
ضم تلك المدة واستحقاقه صرف خمس علاوات، تأسيسًا على أنه يعمل بوظيفة مفتش آثار
بالجهة الإدارية المدعى عليها، وقد سبق له العمل بالجهة ذاتها، بنظام التعاقد
المؤقت، ثم عُــين على درجة دائمة بها، فتقدم بطلب إلى الجهة الإدارية لضم مدة
عمله السابقة إلى مدة خدمته الحالية، إلا أنها رفضت طلبه، فأقام دعواه بطلباته
الآنفة البيان. وبجلسة 18/ 2/ 2020، قضت المحكمة برفض الدعوى، مشيدة قضاءها على
سند من أن المدعي قد تم تعيينه بعد العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون
رقم 81 لسنة 2016، والذي خلا من النص على ضم مدة الخبرة العملية السابقة على
التعيين إلى مدة خدمته الحالية، وأن المادة (194) من لائحته التنفيذية قصرت الضم
على المعينين قبل تاريخ العمل بذلك القانون، وهو ما لا ينطبق على حالة المدعي. لم
يرتض المدعي هذا الحكم فطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري بالأقصر - بهيئة
استئنافية - وقُيد الطعن برقم 3027 لسنة 6 قضائية، وبجلسة 6/ 7/ 2021، قضت المحكمة
بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية كل من
قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، ونص المادة (194) من
لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017، فيما لم
يتضمناه من النص على أحقية الموظفين المعينين في ظل العمل بأحكامهما في ضم مدة
خبرتهم العملية السابقة إلى مدة خدمتهم الحالية، لما تراءى لها من مخالفتهما لنصوص
المـــواد (4 و8 و53) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة القضائية التي
تباشرها تثبيتًــا للشرعية الدستورية، مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها
السلطة التشريعية أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها
الدستور، وبالتالي يخـرج عن نطاقهـا إلـزام هاتين السلطتين بإقـرار قانـون أو
إصدار قرار بقانون في موضوع معين، إذ إن ذلك مما تستقل بتقديره تلك السلطتان
وفقًــا لأحكام الدستور، ولا يجوز بالتالي حملهما على التدخل لإصدار تشريع في زمن
محدد أو على نحو معين.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنها لا تزن بنفسها - ومن خلال
مناهجها الذاتية - ما إذا كان التنظيم التشريعي المعروض عليها لازمًــا، وما إذا
كان إقراره في مناسبة بعينها ملائمًــا، إذ ليس لها إلا أن ترد النصوص التشريعية
المطعون عليها لأحكام الدستور؛ ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة
على دستورية القوانين واللوائح غايتها التحقق من توافقها مع أحكام الدستور،
وإحاطتها بحقوق وحريات المواطنين من كافة جوانبها على الوجه الأوفى، ودون قصور
ينال من جوهرها أو إلى بعض عناصرها بما يُعد عدوانًــا عليها وامتهانًــا لها، غير
أن تلك الرقابة لا تمتد بحال إلى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها،
كما لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع لتنظيم أوضاع معينة.
وحيث إن المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الخدمة المدنية المشار إليه،
قد بينت العلة من مغايرة الأحكام التي تضمنتها مواده، لأحكام مواد قانون العاملين
المدنيين بالدولة، ممثلة في أن التجربة العملية خلال الفترة الماضية كشفت عن
الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني جديد، ينظم شئون الخدمة المدنية لمواجهة التحديات
الراهنة على صعيد الإصلاح الإداري، لا سيما وقد رُفعت بشأن قانون نظام العاملين
المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ملايين الدعاوى القضائية،
وأصدرت المحكمة الدستورية العليا أكثر من حكم بعدم دستورية بعض أحكامه، وصدرت
بشأنه آلاف الفتاوى من مجلس الدولة وآلاف الكتب الدورية من الجهاز المركزي للتنظيم
والإدارة لتفسير ما غمُض به من أحكام، وتدخـل المشرع سبعَ عشرة مـرة لتعديـل بعض
أحكامـه، في محاولة منه لإصلاح ما في هذا القانون من ثغرات، أدت - في ظل غياب
الشفافية خاصة في مجال التعيينات وغياب نظام موضوعي لتقييم أداء الموظفين، ووجود
نظام أجور معقد غير واضح وعادل يرسخ للتفاوت الشديد غير المبرر في الدخول - إلى
تغول البيروقراطية في الجهاز الإداري، ومن ثم تدنى الخدمات المقدمة للمواطنين. ومن
هذا المنطلق كانت الحاجة ماسة إلى وضع قانون للخدمة المدنية، يقوم على فلسفة جديدة
- مغايرة تمامًا للفلسفة القائمة - مفادها حصول المواطن على الخدمة الحكومية بأعلى
جودة وبشفافية مطلقة ونزاهة تامة، فالرؤية الأساسية للإصلاح الإداري هي إيجاد جهاز
إداري ذي كفاءة وفاعلية، يتسم بالشفافية والعدالة ويخضع للمساءلة، ويُعنى برضا
المواطن ويحقق الأهداف التنموية للبلاد، مستندًا إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس
لنظام العمل.
وحيث إن المشرع في قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة
2016، في إطار تنظيمه للوظيفة العامة، قد سكت عن تنظيم مسألة ضم مدة الخبرة
العملية، الذي كانت تتبناه أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر
بالقانون رقم 47 لسنة 1978، والذي أُلغى بقانون الخدمة المدنية المشار إليه، لما
تكشف من سلبيات وإشكاليات عملية أظهرها الواقع العملي، واتساقًــا مع الفلسفة الجديدة
في التعيين والترقية وحساب الأقدمية، التي يعتد بها عند الترقي من وظيفة إلى ما
يعلوها من وظائف.
وحيث إن ما يطرحه حكم الإحالة، لا يعدو أن يكون تعرضًــا للسياسة
التشريعية التي انتهجها المشرع في قانون الخدمة المدنية المشار إليه، واقتحامًــا
للأغراض التي توخاها وسعى إلى تحقيقها بالتنظيم الذي تضمنه هذا القانون، باستحداث
حكم تشريعي جديد، تتولى اللائحة التنفيذية لهذا القانون تنفيذه في إطار الضوابط
الحاكمة لذلك، والمقــررة بمقتضى نص المادة (170) مـن الدستور، وهو ما يجاوز
تقريره نطاق الولاية المقررة لهذه المحكمة، ويُعد تدخلاً في عمل السلطتين
التشريعية والتنفيذية بالمخالفة لنصي المادتين (101و170) من الدستور، مما يتعين
معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق