الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 724 لسنة 3 ق جلسة 10 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 42 ص 533

جلسة 10 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

------------------------

(42)

القضية رقم 724 لسنة 3 القضائية

قرار إداري 

- الأصل أنه لا يجوز لقرار إداري أن يعطل تنفيذ حكم قضائي - جواز ذلك استثناء إن كان يترتب على تنفيذ الحكم فوراً إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه - مثال بالنسبة لقرار صادر من وزير التربية بموافقة رئيس الجمهورية بالاستيلاء على عقار تشغله مدرسة خاصة بجمعية بعد صدور حكم بإخلائه بالتطبيق للقانون رقم 76 لسنة 1947 - اتفاق ملاك المبنى مع الحكومة بإخلائه وممثلي الجمعية المستأجرة بعد ذلك على تسوية النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى التي كانت سبباً للحكم بالإخلاء وتعهد الجمعية بالإخلاء في ميعاد محدد وإلا كان لملاك المبنى الحق في تنفيذ حكم الإخلاء - اطلاع الوزارة على ذلك وعدم اعتراضها - دلالة ذلك على أن المنازعة في القرار الإداري أصبحت منتهية - للخصوم في هذه الحالة المنازعة في تنفيذ حكم الإخلاء المدني حسبما انتهى إليه اتفاقهم.

--------------------
لئن كان الأصل أنه لا يجوز للقرار الإداري أن يعطل تنفيذ حكم قضائي, وإلا كان مخالفاً للقانون , إلا أنه إذا كان يترتب على تنفيذه فوراً إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تدركه كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام، فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الفردي الخاص، ولكن بمراعاة أن تقدر الضرورة بقدرها, وأن يعوض صاحب الشأن, إن كان لذلك وجه. كما أنه ولئن كان لوزير التربية والتعليم بموافقة السيد رئيس الجمهورية أن يصدر قراراته بالاستيلاء على أي عقار يكون خالياً إذا كان لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها؛ وذلك بالتطبيق للقانون رقم 76 لسنة 1947 الذي تجدد العمل به بعد ذلك, وإن العقار لا يعتبر حالياً جائز الاستيلاء عليه إلا إذا كان لا يوجد ثمت مانع قانوني من ذلك, ولا يجوز في الأصل أن يستعمل قرار الاستيلاء كأداة لإعادة يد شخص حكم بإخلائه من العقار إذا كان السبب في الحكم عليه بالإخلاء هو إخلاله بالتزاماته إخلالاً أضر بالعقار وبمالكه, إلا إذا كان قرار الاستيلاء قد صدر بناء على الأصل المتقدم علاجاً لضرورة ملجئة حتى لا يتعطل سير مرفق التعليم وتقدر الضرورة عند ذلك بقدرها - لئن كان ذلك كله هو كما تقدم - إلا أنه يبين من عناصر المنازعة أن الذي ألجأ وزارة التربية والتعليم لاستصدار قرار الاستيلاء المطعون فيه - كما يبين من المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء - هو أن المدرسة المحكوم بإخلائها تنتظم حوالي الألف طالبة, وترتب على الإخلاء فوراً تشريدهن وتعطيل سير مرفق التعليم بالنسبة لهن؛ مما لا يتفق مع المصلحة العامة بأية حال, فأريد بالقرار المذكور تفادي هذه النتائج الخطيرة. فيكون القرار - والحالة هذه - قد صدر لضرورة ملجئة اقتضاها الصالح العام, وقد جرت بعد ذلك مفاوضات بين المدعين وبين ممثلي الجمعية, أمهلت الجمعية خلالها للإخلاء ريثما تتدبر مكاناً آخر, ثم انتهت بعد ذلك هذه المفاوضات باتفاق سوي فيه النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى - تلك التغييرات التي كانت سبباً للحكم بالإخلاء - وقدر التعويض المناسب على الوجه الذي ارتضاه الطرفان, ثم تعهدت الجمعية بالإخلاء في ميعاد معين, وإلا كان لملاك المبنى الحق في تنفيذ حكم الإخلاء, وقد كان ذلك كله باطلاع الوزارة وعدم اعتراضها, كما يدل على ذلك الخطاب المرسل من منطقة القاهرة الشمالية إلى أحد المدعين ووكيلهم الذي أرفق به صورة من عقد الاتفاق المذكور, وذكر في الخطاب بياناً لهذا العقد أنه "بخصوص استمرار شغل المبنى المؤجر لمدرسة البنات السابقة للجمعية مرة أخرى غايتها...", وطلب إلى الأستاذ المذكور الاطلاع عليه وحفظه لديه. وكل ما تقدم قاطع في الدلالة على أن المنازعة في القرار الإداري ذاته قد أصبحت منتهية, بعد إذ تبين أن هذا القرار كان قد صدر للضرورة الوقتية الملجئة, وهي تفادي تشريد التلميذات كما سلف إيضاحه, وأن هذا القرار قد استنفد أغراضه بعد إذ قبل المدعون أنفسهم إمهال الجمعية في الإخلاء مدة بعد أخرى, إلى أن انتهت المفاوضات في هذا الخصوص بين ذوي الشأن بالاتفاق بالمشار إليه, وهو اتفاق جديد سوي النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى وقدر فيه التعويض المناسب على الوجه الذي ارتضاه الطرفان, وتعهدت الجمعية في الوقت ذاته بالإخلاء في ميعاد معين, وإلا كان للمدعي الحق في تنفيذ الحكم بالإخلاء, وقد كان ذلك كله - كما سلف القول - بعلم الوزارة وإقرارها, فيتعين - والحالة هذه - القضاء باعتبار المنازعة الإدارية في القرار الإداري الخاص بالاستيلاء للسبب الذي قام عليه قد أصبح منتهياً, والخصوم وشأنهم في المنازعة الخاصة بتنفيذ حكم الإخلاء المدني حسبما انتهى إليه اتفاقهم.


إجراءات الطعن

في 4 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرترية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 724 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 12 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 743 لسنة 9 القضائية المقامة من الأستاذ أحمد الديواني وآخرين ضد وزارة التربية والتعليم وآخرين, والقاضي "برفض الدعوى, وإلزام المدعين بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقرار رقم 13477 الصادر في 12 من ديسمبر سنة 1954 المطعون فيه, مع إلزام الوزارة بالمصاريف". وقد أعلن الطعن للحكومة في 12 من مايو سنة 1957, وللمطعون لصالحه في 4 من يوليه سنة 1957, وعين لنظره جلسة أول مارس سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم, مع الترخيص بتقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون لصالحه بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن باقي المدعين أقام الدعوى رقم 743 لسنة 9 القضائية ضد وزارة المعارف العمومية وآخرين أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 23 من ديسمبر سنة 1954 طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير التربية والتعليم رقم 13477 الصادر بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1954 بالاستيلاء على العقار المبين به والمعلن لأول المدعين في 14 من ديسمبر سنة 1954 من المعلن إليها الأخيرة بصفتها ناظرة مدرسة مكارم الأخلاق التي يديرها المدعى عليه الثاني الذي صدر الحكم ضده بإخلاء العين, مع إلزامهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة حكم مشمول بالنفاذ وبلا كفالة". وقال في بيان دعواه إن المدعى عليه الثاني الشيخ محمد أحمد عثمان استأجر - بصفته سكرتير مدرسة مكارم الأخلاق - المنزل رقم 40 بشارع ابن الرشيد المملوك للطالبين بمقتضى عقد إيجار مؤرخ أول سبتمبر سنة 1936 بقصد استعماله مدرسة للبنين والبنات, وحظر في البند السابع على المستأجر إحداث تعديلات أو تغييرات بالعين إلا بإذن كتابي من المالكين, غير أنه استعمل العين بطريقة منافية لشروط العقد؛ بأن قطع أشجار الحديقة وأزال حظيرة السيارات (الجراج) وأنشأ مباني وفتح أبواباً في المنزل المؤجر ووصله بالمنزل المجاور الذي استأجره كملحق للمدرسة. وأوضح أن فيما أحدثه المدعى عليه إساءة استعمال للعين ومضارة لمالكيها, مما يتنافى مع ما أوجبته المادة 376 من القانون المدني والقانون رقم 121 لسنة 1947 الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وينصان على أنه يجوز للمالك أن يطالب بإخلاء المكان المؤجر إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر وسمح باستعماله بطريقة تتنافى شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المالك, غير أن المستأجر - المدعى عليه الثاني بصفته - جاوز كل حد معقول في إهدار نصوص العقد وأحكام القانون؛ إذ عمد إلى إزالة أشجار الحقيقة وأقام مكانها مباني جديدة, ثم أدخل من الإنشاءات والتعديلات البنائية ما أفضى إلى رفع العوائد السنوية المقررة على العين المؤجرة من تسعة جنيهات إلى عشرين جنيهاً, كما أثبت الخبير المعين في دعوى إثبات الحالة رقم 1073 لسنة 1954 مستعجل مصر عديد المخالفات التي قرفها المستأجر المدعى عليه الثاني, كهدم الغرف الأصلية والاستيلاء على أدوات دورات المياه وفتح منافذ بالعين تقرر حق ارتفاق للجار على العين المؤجرة. وبالجملة فقد أوضح الخبير المعين في الدعوى الأنفة الذكر جسامة التعديلات المستحدثة. وحيال هذه المخالفات حكمت الدائرة الثانية عشرة في محكمة مصر الابتدائية في القضية رقم 186 لسنة 54 كلي مصر بإلزام المدعى عليه الثاني بإخلاء ما يشغله بالعين المؤجرة وملحقاتها مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ولم يكد يصدر حكم الإخلاء في 28 من نوفمبر سنة 1954, ويعلن للمدعى عليه الثاني الشيخ محمد أحمد عثمان في 7 من ديسمبر سنة 1954، حتى لجأ إلى الوزارة كي تتخذ الإجراءات اللازمة لإصدار قرار بالاستيلاء على المنزل بقصد تمكينه من استمرار وضع يده؛ وعلى ذلك أصدرت الوزارة القرار المطعون فيه في 12 من ديسمبر سنة 1954, بعد إعلان حكم الإخلاء بأربعة أيام, وكلفت ناظرة المدرسة بإبلاغ المدعي الأول بهذا القرار الذي لم يرد به غير تعطيل تنفيذ حكم الإخلاء, مع أن المفروض أن وزارة المعارف هي التي تتولى إعلان مثل هذا القرار. وقال المطعون لصالحه إن له الحق في طلب إلغاء قرار الاستيلاء لصدوره بدافع الرغبة في تمكين المستأجر من التخلص من الحكم القضائي الصادر عليه بالإخلاء؛ لما ثبت عليه من مخالفة شروط العقد, ولأنه مخالف للقانون في عدم احترام الأحكام وإعانة المستأجر على الإفلات من تنفيذها, مع أن الإدارة ملزمة بحكم القانون بأن تساعد على تنفيذ الأحكام ولو بالقوة الجبرية عند الاقتضاء, وكذلك لأنه لم يتوافر في قرار الاستيلاء شرط خلو العقار من الموانع التي تحول دون الاستيلاء عليه طبقاً للقانون رقم 76 لسنة 1947. وأخيراً فإن المدعين بقبولهم استمرار وضع يد المدعى عليه الثاني بصفته مديراً للمدرسة على العين المحكوم بإخلائها قد أزالوا شرط الضرورة المبرر لقرار الاستيلاء. ثم قال المطعون لصالحه عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي المدعين إن الثابت من تقصي مراحل التشريع الصادر لعلاج مشكلة الأماكن المستأجرة بالنسبة إلى معاهد التعليم أن المقصود من إصدار القانون رقم 76 لسنة 1947 أن يتوقف تطبيقه على قيدين: أولهما, ألا يتقرر الاستيلاء على الأماكن الخالية, والقيد الثاني, أن يؤقت التشريع. وقال إن القيد الأول غير متوافر؛ لأن قرار الاستيلاء المطعون فيه قد سخر كي يكون أداة لإعادة المدعى عليه الثاني إلى العقار المحكوم عليه بإخلائه بسبب إخلاله بالتزاماته العقدية إخلالاً أضر بالعقار وأصحابه, كما أنه لا يقبل القول بأن يد المدعى عليه الثاني قد زالت بتنفيذ الحكم وحلت محلها يد جديدة هي يد وزارة المعارف؛ لأن هذا الدفاع يخالف الواقع؛ إذ سرعان ما تنفذ قرار الاستيلاء وأزيلت يد المدعى عليه الثاني حتى أعيدت يده من جديد في اليوم ذاته؛ وبذلك ظل وضع يده مستمراً, وكان قرار الاستيلاء هو الوسيلة التي ابتغيت إلى هذا الغرض. وقد دفعت الحكومة الدعوى بأنه قد صدر حكم من محكمة مصر في 28 من نوفمبر سنة 1954 بإخلاء مبنى مدرسة جمعية مكارم الأخلاق الإعدادية للبنات لإلغاء عقد الإيجار, وأنه لما كانت هذه المدرسة من المدارس الحرة المعانة, فقد اتصلت ناظرتها المنتدبة من التعليم الأميري بالوزارة لاستصدار قرار بالاستيلاء على العقار الذي تشغله المدرسة, حتى لا تتشرد تلميذاتها في حالة الإخلاء, وأنه بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1954 قد صدر القرار الوزاري رقم 12477 بالاستيلاء على العقار, ثم تولت المنطقة تنفيذه بمعاونة قسم البوليس المختص, وكلف ناظرة المدرسة إعلان المالك بصورة من قرار الاستيلاء المشار إليه. وناقشت الوزارة حكم الإخلاء فقالت إن الإضافات والإنشاءات والتعديلات التي استحدثتها جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية التابعة لها المدرسة كانت لمواجهة نمو عدد طالبات المدرسة نمواً مطرداً, وكان المفروض أن ترد المدرسة العين إلى حالتها الأصلية عند تسليم المكان المؤجر لمالكه. وبجلسة 12 من مارس سنة 1957 حكمت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى, وألزمت المدعين بالمصروفات". وأقامت قضاءها على "أن المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1947 تقضي بأنه يجوز لوزير المعافى - بعد موافقة مجلس الوزراء - أن يصدر قرارات بالاستيلاء على أي عقار خال يراه لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعتين أو غيرهما من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها, وعلى أن القرار المطعون فيه قد صدر استعمالاً لسلطة مشروعة قررها القانون وقصد بها الاستيلاء على العقار لتحقيق مصلحة عامة, وأن وزير التربية والتعليم قد تصرف تصرفاً سليماً بإصدار هذا القرار في الوقت المناسب بوصفه المسئول عن مرفق التعليم في الدولة, وقد تضمن بهذا القرار استدامة فتح المدرسة تحقيقاً لسياسة الحكومة نحو التعليم من حيث تيسير سبله لطلاب العلم, وعلى أنه لا تعارض البتة بين حكم الإخلاء والقرار المطعون فيه, فلكل منهما مجاله, فالحكم أنهى العلاقة بين المؤجرين وبين الجمعية المستأجرة التي أصبحت بمقتضاه غير ذات سند في البقاء في العين, ويتحتم عليها إخلاؤها, بل وأصبح العقار بمقتضاه خالياً. وعلى ذلك الأساس أصدر وزير التربية والتعليم قراره بالاستيلاء على هذا العقار تمكيناً للمدرسة من الاستمرار في عملها ورعاية شئون تلميذاتها العديدات". كما أسست هذا القضاء "على أن حكم الإخلاء الصادر في الدعوى رقم 186 لسنة 1954 كلي مصر بالإخلاء قد رفع يد الجمعية المستأجرة للعقار, دون أن يكون لأحد الحق في شغله حتى صدر القرار المطعون فيه, وخاصة أن الحكم الصادر بإخلاء هذا العقار لم يكن على أساس أن يستغله المالك وأحد أولاده أو ليهدمه ليبنيه بشكل أوسع, وإنما قام حكم الإخلاء على أساس استعمال المستأجر للعقار. وبناء عليه فقد أصبح العقار - بمقتضى هذا الحكم - خالياً بمجرد صدوره؛ ومن ثم يكون لوزير التربية والتعليم حق الاستيلاء عليه لمصلحة التعليم؛ لأن القانون يخوله إياه.. ومن ثم فقراره صحيح حصين من كل إلغاء, وتكون الدعوى على غير أساس".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار الاستيلاء المطعون فيه قد استعمل كأداة لإعادة المدعى عليه الثاني الشيخ محمد أحمد عثمان إلى العقار المحكوم عليه بإخلائه, على الرغم من أن السبب في الحكم عليه بالإخلاء هو إخلاله بالتزاماته إخلالاً أضر بالعقار وبصاحبه, وعلى أن العقار لا يمكن اعتباره خالياً جائز الاستيلاء عليه بمقتضى أحكام القانون رقم 76 لسنة 1947؛ إذ كان ثمت مانع قانوني من ذلك؛ لأن الحكم الصادر بإخلاء العقار على المدعى عليه الثاني بوصفه مديراً للمدرسة التي تشغل هذا العقار هو مانع قانوني من إعادته إليه, فيكون قرار الاستيلاء - والحالة هذه - قد وقع مخالفاً للقانون حين استعمل كأداة تفوت الغرض المقصود من حكم الإخلاء, وهو حكم نهائي حائز لقوة الشيء المحكوم فيه - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب - فإنه يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتطبيقه.
ومن حيث إنه قد تبين من الأوراق أن المطعون لصالحه كان قد أجر في أول سبتمبر سنة 1936 بصفته ناظر وقف المرحوم (الديواني بك) المنزل رقم 40 بشارع ابن الرشيد بمصر للمدعى عليه الثاني الشيخ محمد أحمد عثمان ليكون مقراً لمدرسة للبنين والبنات بأجرة شهرية قدرها ثمانية جنيهات وذلك بموجب عقد إيجار يبدأ من أول أكتوبر سنة 1936, وقد اشترط في البند السابع منه على أن "المستأجر غير مأذون بأن يحدث إحداثاً بالمنزل مثل هدم أو بناء أو تغيير تفاصيل أو تقسيم الأود وفتح شبابيك وأبواب بدون إذن بكتابة من المالك, وإن أجرى شيئاً من ذلك فيكون ملزماً بترجيع المحلات لحالتها الأصلية وبدفع قيمة المصاريف والأضرار..". ولما أخل المستأجر بشروط العقد وأدخل عليه تغييرات وتعديلات رأى المالك أنها تضر بمصلحته, ولما كانت الفقرة (ج) من المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 الخاص بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر قد نصت على أنه يجوز للمؤجر أن يطالب بإخلاء المكان المؤجر إذا استعمله المستأجر أو سمح باستعماله بطريقة تنافي شروط الإيجار المعقولة أو تضر بالمالك, فقد أقام المطعون لصالحه الدعوى رقم 186 لسنة 1954 كلي مصر, طلب فيه الحكم بإخلاء العين المؤجرة إلى الشيخ محمد أحمد عثمان بصفته, والمبينة بالعقد الموقع منه, فقضى له في 28 من نوفمبر سنة 1954 بإلزام المدعى عليه بإخلاء ما يشغله بالعين الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى وملحقاتها مع إلزامه بالمصروفات وبمائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. واستند الحكم في قضائه إلى أن أحكام الفقرة (ج) من المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 تجيز للمالك طلب الإخلاء إذا استعمل المستأجر أو سمح باستعمال العين بطريقة تنافي شروط الإيجار المعقولة أو تضر بمصلحة المالك. وبعد صدور الحكم المذكور وإعلان المدعى عليه به في 7 من ديسمبر سنة 1954 أخطر هذا ناظرة المدرسة بمضمون الحكم الصادر عليه بالإخلاء, فسارعت الناظرة المذكورة بالاتصال بالوزارة مبلغة إياها أن الجمعية تطلب استصدار أمر عسكري بالاستيلاء على المبنى المحكوم بإخلائه لصالح المتعلمات فيه, وهذا الكتاب لم يكن في الواقع إلا ترديداً للطلب الذي تقدم به رئيس جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية لوزير التربية والتعليم في 8 من ديسمبر سنة 1954. وإزاء ذلك رفع السيد وزير التربية والتعليم في 11 من ديسمبر سنة 1954 مذكرة إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على الاستيلاء على المبنى على اعتبار أن تنفيذ الحكم الصادر بالإخلاء من دائرة الإيجارات بمحكمة مصر يؤدي إلى تشريد التلميذات بمدرسة الجمعية المستأجرة, مما لا يتفق مع المصلحة العامة. وفي اليوم ذاته صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على ما جاء في المذكرة المشار إليها. وقبل صدور قرار مجلس الوزراء كتب السيد وزير التربية والتعليم إلى السيد وزير الداخلية, طالباً منه "التنبيه إلى تأجيل تنفيذ الحكم المشار إليه", بناء على هذا "المبنى يضم حوالي ألف تلميذة من أبناء الحي الذي يقع فيه المبنى, ويعتبر تنفيذ هذا الحكم تشريداً لهؤلاء مما لا يتفق مع المصلحة العامة بحال من الأحوال". وبناء على ما قرره مجلس الوزراء أصدر السيد وزير التربية والتعليم في 12 من ديسمبر سنة 1954 القرار رقم 13477 بالاستيلاء على العقار موضوع المنازعة, وتولت بعد ذلك منطقة القاهرة الشمالية التعليمية تنفيذه بمعاونة قسم البوليس المختص, وتحرر محضر الاستيلاء اللازم في 13 من ديسمبر سنة 1954, وبمقتضاه تم تسليم العقار لناظرة المدرسة المعينة من قبل وزارة التربية والتعليم. وقد جرت بعد ذلك مفاوضات بين ذوي الشأن, باطلاع الوزارة, أمهلت الجمعية خلالها للإخلاء, ثم انتهت بالاتفاق المبرم في 22 من سبتمبر سنة 1955, وفيه سوى النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى, وقدر التعويض المناسب, وتعهدت الجمعية بالإخلاء في ميعاد غايته آخر سبتمبر سنة 1956.
ومن حيث إنه ولئن كان لا يجوز للقرار الإداري في الأصل أن يعطل تنفيذ حكم قضائي وإلا كان مخالفاً للقانون, إلا إذا كان ترتيب على تنفيذه فوراً إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تدركه، كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام، فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الفردي الخاص, ولكن بمراعاة أن تقدر الضرورة بقدرها, وأن يعوض صاحب الشأن, إن كان لذلك وجه, كما أنه ولئن كان لوزير التربية والتعليم بموافقة السيد رئيس الجمهورية أن يصدر قراراته بالاستيلاء على أي عقار يكون خالياً, إذا كان لازماً لحاجة الوزارة أو إحدى الجامعات أو غيرها من معاهد التعليم على اختلاف أنواعها وذلك بالتطبيق للقانون رقم 76 لسنة 1947 الذي تجدد العمل به بعد ذلك, وأن العقار لا يعتبر خالياً جائز الاستيلاء عليه إلا إذا كان لا يوجد ثمت مانع قانوني من ذلك, ولا يجوز في الأصل أن يستعمل قرار الاستيلاء كأداة لإعادة يد شخص حكم بإخلائه من العقار إذا كان السبب في الحكم عليه بالإخلاء هو إخلاله بالتزاماته إخلالاً أضر بالعقار وبمالكه, إلا إذا كان قرار الاستيلاء قد صدر بناء على الأصل المتقدم علاجاً لضرورة ملجئة حتى لا يتعطل سير مرفق التعليم، وتقدر الضرورة عند ذاك بقدرها - لئن كان ذلك كله هو كما تقدم - إلا أنه يخلص مما سلف إيضاحه بياناً لعناصر المنازعة الذي ألجأ وزارة التربية والتعليم لاستصدار قرار الاستيلاء المطعون فيه - كما يبين من المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء - هو أن المدرسة المحكوم بإخلائها تنتظم حوالي الألف طالبة, ويترتب على الإخلاء فوراً تشريدهن وتعطيل سير مرفق التعليم بالنسبة لهن؛ مما لا يتفق مع المصلحة العامة بأية حال, فأريد بالقرار المذكور تفادي هذه النتائج الخطيرة, فيكون القرار - والحالة هذه - قد صدر لضرورة ملجئة اقتضاها الصالح العام. وقد جرت بعد ذلك مفاوضات بين المدعين وبين ممثلي الجمعية أمهلت الجمعية خلالها للإخلاء ريثما تتدبر مكاناً آخر. ثم انتهت بعد ذلك هذه المفاوضات بالاتفاق المبرم في 22 من سبتمبر سنه 1955، وفيه سوي فيه النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى - تلك التغييرات التي كانت سبباً للحكم بالإخلاء - وقدر التعويض المناسب على الوجه الذي ارتضاه الطرفان, ثم تعهدت الجمعية بالإخلاء في ميعاد غايته آخر سبتمبر سنة 1956, وإلا كان لملاك المبنى الحق في تنفيذ حكم الإخلاء. وقد كان هذا كله باطلاع الوزارة وعدم اعتراضها, كما يدل على ذلك الخطاب المرسل من منطقة القاهرة الشمالية إلى الأستاذ أحمد الديواني أحد المدعين ووكيلهم المؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1955 رقم 3461/ 2 الذي أرفق به صورة من عقد الاتفاق المذكور, وذكر في الخطاب بياناً لهذا العقد أنه "بخصوص استمرار شغل المبنى المؤجر لمدرسة البنات السابقة للجمعية مرة أخرى غايتها آخر سبتمبر سنة 1956", وطلب الأستاذ المذكور الاطلاع عليه وحفظه لديه. وكل ما تقدم قاطع في الدلالة على أن المنازعة في القرار الإداري ذاته قد أصبحت منتهية, بعد إذ تبين أن هذا القرار كان قد صدر للضرورة الوقتية الملجئة, وهي تفادي تشريد التلميذات كما سلف إيضاحه, وأن هذا القرار قد استنفد أغراضه، بعد إذ قبل المدعون أنفسهم إمهال الجمعية في الإخلاء مدة بعد أخرى إلى أن انتهت المفاوضات في هذا الخصوص بين ذوي الشأن بالاتفاق بالمشار إليه, وهو اتفاق جديد سوى النزاع الخاص بالتغييرات في المبنى وقدر فيه التعويض المناسب على الوجه الذي ارتضاه الطرفان, وتعهدت الجمعية في الوقت ذاته بالإخلاء في ميعاد غايته آخر سبتمبر سنة 1956, وإلا كان للمدعي الحق في تنفيذ الحكم بالإخلاء, وقد كان ذلك كله كما سلف القول بعلم الوزارة وإقرارها, فيتعين - والحالة هذه - القضاء باعتبار المنازعة الإدارية في القرار الإداري الخاص بالاستيلاء للسبب الذي قام عليه قد أصبح منتهية, والخصوم وشأنهم في المنازعة الخاصة بتنفيذ حكم الإخلاء المدني، حسبما انتهى إليه اتفاقهم المؤرخ 22 من سبتمبر سنة 1955.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه باعتبار المنازعة الإدارية منتهية, وألزمت المدعين بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق