جلسة 30 من يونيه سنة 1974
برياسة السيد الأستاذ المستشار أحمد فؤاد أبو العيون - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد فهمي طاهر وأحمد سعد الدين قمحة ومحمد بدير الألفي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.
-----------------
(163)
القضية رقم 610 لسنة 17 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - ترقية بالاختيار - ضوابطها.
مناط ترخص جهة الإدارة في الترقية بالاختيار - أن يكون الاختيار قد استمد من عناصر صحيحة وأن تجرى مفاضلة حقيقية وجادة بين الموظفين على أساس ملفات خدمتهم وما يبديه الرؤساء عنهم - لا يجدي الإدارة مجرد تمسكها بما لها من سلطة تقديرية دون أن تقدم ما يهون من كفاية المدعي - مثال.
------------------
إن المادة 21 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بنظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أن "تكون الترقيات بالأقدمية المطلقة لغاية الترقية إلى الدرجة الثالثة، أما الترقيات من الدرجة الثالثة وما فوقها فكلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية وقد أصدرت اللجنة العليا لتفسير قانون العاملين بما لها من سلطة في هذا الصدد تفسيراً تشريعياً ملزماً برقم 5 لسنة 1965 إعمالاً لنص المادة 97 من القانون المذكور نص في المادة الخامسة منه على أن "تكون ترقية العاملين الشاغلين للدرجات الثالثة وفقاً لنظام التقارير السنوية أما العاملون الشاغلون للدرجات الثانية وما يعلوها فيستهدى في تحديد مرتبة كفايتهم عند الترقية بما ورد بملف الخدمة وبما يبديه الرؤساء عنهم" ويستفاد من ذلك أن الترقيات من الدرجة الثالثة فما فوقها كلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية وإذا كان العاملون الشاغلون للدرجات الثانية وما يعلوها لا يخضعون لنظام التقارير السرية فقد حدد المشرع المعيار الذي يمكن الاستهداء به في تقدير كفايتهم وهو يتكون من عنصرين وهما ما ورد بملفات خدمتهم باعتباره وعاء الوظيفة وما يبديه الرؤساء عنهم، وغني عن البيان أن هذا الذي أتى به القانون المذكور والتفسير التشريعي هو في الحقيقة تقنين لما استقر عليه القضاء الإداري من أن الترقية بالاختيار تجد حدها الطبيعي في هذا المبدأ العادل وهو عدم تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأكفأ أما عند التساوي في الكفاية فيجب ترقية الأقدم.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه ولئن كان الأصل أن الترقية بالاختيار إلى الوظائف الرئيسية من الدرجة الأولى (والتي تقابل مدير عام قبل العمل بالقانون رقم 46 لسنة 1964) من الملاءمات التي تترخص فيها الإدارة إلا أن مناط ذلك أن يكون هذا الاختيار قد استمد من عناصر صحيحة مؤدية إلى صحة النتيجة التي انتهت إليها وأن تجرى مفاضلة حقيقية وجادة بين الموظفين على أساس ما تحويه ملفات خدمتهم وما يبديه الرؤساء عنهم وذلك للتعرف على مدى تفاوتهم في مضمار الكفاية بحيث لا يتخطى الأقدم إلا إذا كان الأحدث أكثر كفاية وهو أمر تمليه دواعي المشروعية فإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه فسد الاختيار وفسد القرار الذي اتخذ على أساسه.
ومن حيث إن الجهاز المركزي للمحاسبات لم يقدم ما يهون من كفاية المدعي أو بما يشكك فيما قدمه من بيانات عن عمله خلال حياته الوظيفية طوال مدة خدمته للتدليل بها على كفايته بل اكتفى الجهاز في دفاعه بتمسكه بما له من سلطة تقديرية في الترقية بالاختيار وأن من رشحهم للترقية نالوا أعلى درجة في الكفاية.
ومن حيث إن الثابت من ملف خدمة المدعي ومن المستندات التي قدمها المدعي - والتي لم يدحضها الجهاز - أنه حصل على دبلوم مدرسة التجارة العليا في عام 1933 وكان من أوائل دفعته وعين بوزارة التجارة والصناعة في 22/ 8/ 1933 ثم تدرج في وظائف الجهاز المختلفة وتقلد المناصب الرئيسية ذات المسئولية والتقارير السرية التي وضعت عنه في الفترة التي خضع فيها لنظام التقارير (أي حتى الدرجة الثالثة) كلها تنطق بامتيازه كما أن رؤساءه المباشرين طوال حياته الوظيفية أشادوا بدماثة خلقه ونزاهته وحسن معاملته مع الجميع سواء بتعاونه مع زملائه أو توجيهه لمرؤوسيه توجيهاً سليماً مع إلمام تام بالتعليمات والقواعد المالية ودأبه في العمل بإخلاص مع مراعاة الدقة والتنظيم وكان لذلك أثره الكبير في النهوض برسالة الجهاز المركزي للمحاسبات في مجال الرقابة المالية على الجهاز الإداري للدولة في مختلف القطاعات مما يدل على استعداد طيب للعمل والعناية به ووفرة في الإنتاج وحسن معالجته للأمور وهو ما يرقى به إلى مصاف الممتازين.
ومن حيث إن المدعي على النحو السالف بيانه وإن لم يكن يفضل المطعون في ترقيته السيد/ عبد العزيز أحمد حسني ويفوقه في الكفاية فلا أقل من أنه يقف معه جنباً إلى جنب في هذا المضمار ويتساوى معه في هذه الكفاية ومتى كان ذلك وكان المدعي هو الأقدم في التخرج وفي تاريخ دخول الخدمة كما أنه أسبق من زميله في الحصول على جميع الدرجات وبخاصة الدرجة الثانية (التي تقابل الدرجة الأولى في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951) التي حصل عليها في 30/ 4/ 1961 بينما حصل عليها زميله المذكور في 12/ 7/ 1961 وإذ تساوى معه في الكفاية وقد جعلت المادة 21 من القانون رقم 46 لسنة 1964 أن مناط الترقية إلى الدرجة الأولى (مدير عام) بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية فإنه لم يكن إذن ثمة وجه - والحالة هذه لحرمان المدعي من الترقية لأن الجهة الإدارية لم تستمد اختيارها من عناصر صحيحة مؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها - ومن ثم فإن قرارها يكون معيباً وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار فإنه يكون قد أصاب الحق ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق