باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة السبت (ه) المدنية
برئاسة السيد القاضي/ مجدي جاد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ شريف العشري، هاني فؤاد ، عمر الهادي ومحمد
مجدي البسيوني بحضور
رئيس النيابة السيد/ عاطف صبحي.
وأمين السر السيد/ محفوظ عز الرجال.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة
القاهرة.
في يوم السبت 24 من ذي القعدة سنة 1440 هـ الموافق 27 من يوليو سنة
2019.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 5889 لسنة 88 ق.
(1) أنه يشترط في المسجد - وفقا للرأي الراجح
من مذهب الإمام أبي حنيفة - أن يكون خالصا لله تعالى بحيث إذا كان علوا تحته سفل
مملوك أو كان سفلا فوقه علو مملوك لا يصير مسجدا لأنه لم يخلص لله تعالى لتعلق
حقوق العباد به بغير الصلاة فيه ولأن في وجود مسكن أو مستغل فوقه أو تحته ما ينافي
تعظيمه، ولقد أوضح فقهاء المذهب الحنفي هذه المسألة بقولهم إنه قبل تمام المسجدية
لا يصير المبنى مسجدا إلا إذا انقطع تعلق حق كل عبد بما أريد أن يجعل مسجدا، فلو
أن شخصا بنى مسجدا وتحته حوانيت ليست للمسجد أو بنى عليه بيتا لسكناه أو استغلاله
لنفسه لا يصير هذا البناء مسجدا لعدم انقطاع حق العبد بما أراد أن يجعله مسجدا.
أما إذا جعل السفل سردابا أو بيتا لمصالح المسجد أو بنى فوقه بيتا لمصالح المسجد
فإن هذا المبنى يصير مسجدا ويخرج عن ملكه ويكون على حكم ملك الله تعالى. وهذا
التفصيل السابق - الذي أوضحه الفقهاء - فيما إذا لم تتم المسجدية، أما إذا تمت
المسجدية فلا يجوز البناء على المسجد ولو لمصالحه، فالتفصيل بين البناء لمصالح
المسجد وبين البناء لغير مصالحه إنما هو قبل تمام المسجدية، أما بعد تمامها فلا
يجوز البناء مطلقا.
(2) إذ كانت محكمة الموضوع ملزمة في كل
الأحوال بإعطاء الدعوى وصفها الحق وإسباغ التكييف القانوني الصحيح وإنزال حكم
القانون عليها دون تقيد بتكييف الخصوم، وكانت العبرة في تكييف الدعوى بأنها دعوى
مرفوعة بأصل الحق هي بحقيقة المطلوب فيها بصرف النظر عن العبارات التي صيغت بها
الطلبات، وكان ذلك من المسائل القانونية التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة
محكمة النقض التي لها في هذا الصدد أن تعطي الوقائع الثابتة تكييفها القانوني
الصحيح ما دامت لا تعتمد فيه على غير ما حصلته محكمة الموضوع منها.
(3) لما كان ذلك؛ وكان الواقع المطروح
بالدعوى أن الطاعنين قد رفعاها بطلب الحكم بمنع تعرض الجهة المطعون ضدها لهما في
استكمال بناء الدورين الثاني والثالث العلويين أعلى سطح العقار الكائن به المسجد
باعتبارهما المالكين لهذا السطح، فإن هذه الدعوى بالنظر إلى الطلبات الواردة بها
والأساس الذي أقيمت عليه ليست دعوى استرداد حيازة وإنما هي بحسب تكييفها الصحيح
دعوى الحق ذاته الهدف منها تمكينهما من البناء على الجزء المدعى ملكيتهما له ومنع
تعرض الجهة المطعون ضدها لهما في ذلك، وإذ كان الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنين
قد تمسكا أمام محكمة الموضوع بملكيتهما للحوانيت التي أسفل المسجد وللسطح الذي
يعلوه وقدما بجلسة 22/ 11/ 2017 عقدي إيجار كان الطاعن الأول قد حررهما لصالح
مستأجري الحوانيت الواقعة أسفل العقار كقرينة على أنهما ما زالا يحتفظان بملكية
أجزاء منه غير ملحقة بالمسجد أو مخصصة لخدمة أغراضه، فإن الحكم المطعون فيه إذ حجب
نفسه عن بحث هذه الملكية ثبوتا أو نفيا مجتزأ القول - تبريرا لما خلص إليه من قضاء
برفض الدعوى - بأن العقار بأكمله يخضع للمنفعة العامة، على الرغم من أنه إذا ما
ثبتت ملكيتهما ومورثهما لهذه الحوانيت قبل تمام المسجدية لا يصير المبنى مسجدا
خالصا لله تعالى أخذا بالرأي الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة على نحو ما سلف
بيانه، ويكون لهما آنذاك حق تعليه المبنى إذا ما أقاما الدليل أمام محكمة الموضوع
على ملكيتهما للسطح المراد إقامة التعلية عليه، وإذ جاءت مدونات الحكم المطعون فيه
قاصرة البيان عن بحث مسألة الملكية أصل الحق المدعى به والفصل فيها ثبوتا أو نفيا
بشأن الأجزاء المتنازع عليها، وما إذا كانت هذه الملكية ثابتة للطاعنين قبل تمام
المسجدية من عدمه، فإنه يكون قد جاء معيبا بالقصور في التسبيب مما يبطله ويستوجب
نقضه
----------------
الوقائع
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الطاعنين قد أقاما الدعوى رقم 447 لسنة 2012 مدني كلي دكرنس على
المطعون ضدهما بصفتيهما بطلب الحكم بمنع تعرضهما لهما في استكمال بناء الدورين
الثاني والثالث العلويين بالعقار المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى. وقالا
بيانا لذلك إنهما يمتلكان أجزاء من هذا العقار خلفا عن مورثهما وأن المطعون ضدهما
بصفتيهما قد تعرضا لهما في إقامة الدورين الثاني والثالث العلويين أعلى سطح العقار
لوجود مسجد به لا يجوز البناء أعلاه، وإذ كانا هما المالكان لسطح العقار وأجزاء
أخرى منه غير ملحقة بالمسجد أو مخصصة لخدمة أغراضه واستحصلا من الجهات المعنية على
التراخيص اللازمة لإقامة هذه التعلية، ومن ثم كانت دعواهما. ندبت المحكمة خبيرا
فيها أودع تقريرا خلص فيه إلى أن عقار النزاع مكون من دورين يقع المسجد بالدور
الأول العلوي منه وينقسم الدور الأرض لجزء تابع للمسجد والجزء الأخير يوجد به
أربعة حوانيت لم يبين الخبير مالكهم. وبتاريخ 28/ 2/ 2017 حكمت المحكمة برفض
الدعوى تأسيسا على خلو أوراقها من أي حيازة للطاعنين على عقار النزاع تستحق
الحماية. استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم
1711 لسنة 69 ق والتي قضت بتاريخ 23/ 1/ 2018 بتأييد الحكم المستأنف لأسبابه
ولانتفاء حيازتهما بتخصيص العقار بأكمله للمنفعة العامة. طعن الطاعنان في هذا
الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض
الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
في يوم 21/ 3/ 2018 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف المنصورة
الصادر بتاريخ 23/ 1/ 2018 في الاستئناف رقم 1711 لسنة 69 ق وذلك بصحيفة طلب فيها
الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.
وفي 6/ 5/ 2018 أعلن المطعون ضدهما بصفتيهما بصحيفة الطعن.
وفي 12/ 5/ 2018 أودع المطعون ضدهما بصفتهما مذكرة بدفاعهما طلبا فيها
رفض الطعن.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه.
وبجلسة 27/ 4/ 2019 عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه
جدير بالنظر فحددت جلسة لنظره.
وبجلسة 8/ 6/ 2019 سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر
الجلسة حيث صمم كل من محامي الطاعنين ونائب الدولة والنيابة العامة كل على ما جاء
بمذكرته، والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر/ محمد مجدي البسيوني والمرافعة وبعد المداولة:
وحيث إنه عن الدفع المبدى من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون
ضده الثاني بصفته "وكيل وزارة مديرية الأوقاف بالدقهلية" فهو في محله،
ذلك أن تمثيل الدولة في التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو نوع من
النيابة القانونية عنها، والمرد في تعيين مداها وحدودها يكون بالرجوع إلى مصدرها
وهو حكم القانون، وأن الوزير هو الذي يمثل وزارته فيما ترفعه الوزارة والمصالح
والإدارات التابعة لها أو يرفع عليها من دعاوى وطعون، إلا إذا منح القانون الشخصية
الاعتبارية لجهة إدارية معينة منها وأسند صفة النيابة عنها إلى غير الوزير فتكون
له عندئذ هذه الصفة في الحدود التي يعينها القانون. لما كان ذلك؛ وكان وزير
الأوقاف هو الذي يمثل وزارته - دون سواه - ولم يمنح القانون الشخصية الاعتبارية
للمطعون ضده الثاني بصفته، ومن ثم يضحى اختصامه في الطعن الماثل غير مقبول.
وحيث إن الطعن - فيما عدا ما تقدم - قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب،
والفساد في الاستدلال، ذلك أن الجهة المطعون ضدها لم تكتسب ملكية الأجزاء الملحقة
بالمسجد والغير مخصصة لخدمة أغراضه، وأن ملكية هذه الأجزاء ثابتة لهما خلفا عن
مورثهما، وأنهما قد قدما أمام محكمة الموضوع عقدي إيجار للحوانيت الواقعة أسفل
المسجد والتي قام الطاعن الأول بتحريرهما بوصفه مالكا لهم لصالح مستأجريها، إلا أن
الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث هذه المستندات رغم ما لها من دلالة على احتفاظهما
ومورثهما بملكية بعض أجزاء من العقار موضوع النزاع من بينها السطح الخاص به
والمراد إقامة تعلية البناء عليه، منتهية بقضائه إلى رفض الدعوى تأسيسا على عدم
ثبوت حيازتهما للعقار وتخصيصه بأكمله للمنفعة العامة دون أن يوضح بأسبابه الأساس
الذي بنى عليه ذلك، فإنه يكون قد جاء معيبا مستوجبا نقضه.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه يشترط في المسجد - وفقا للرأي الراجح
من مذهب الإمام أبي حنيفة - أن يكون خالصا لله تعالى بحيث إذا كان علوا تحته سفل
مملوك أو كان سفلا فوقه علو مملوك لا يصير مسجدا لأنه لم يخلص لله تعالى لتعلق
حقوق العباد به بغير الصلاة فيه ولأن في وجود مسكن أو مستغل فوقه أو تحته ما ينافي
تعظيمه، ولقد أوضح فقهاء المذهب الحنفي هذه المسألة بقولهم إنه قبل تمام المسجدية
لا يصير المبنى مسجدا إلا إذا انقطع تعلق حق كل عبد بما أريد أن يجعل مسجدا، فلو
أن شخصا بنى مسجدا وتحته حوانيت ليست للمسجد أو بنى عليه بيتا لسكناه أو استغلاله
لنفسه لا يصير هذا البناء مسجدا لعدم انقطاع حق العبد بما أراد أن يجعله مسجدا.
أما إذا جعل السفل سردابا أو بيتا لمصالح المسجد أو بنى فوقه بيتا لمصالح المسجد
فإن هذا المبنى يصير مسجدا ويخرج عن ملكه ويكون على حكم ملك الله تعالى. وهذا
التفصيل السابق - الذي أوضحه الفقهاء - فيما إذا لم تتم المسجدية، أما إذا تمت
المسجدية فلا يجوز البناء على المسجد ولو لمصالحه، فالتفصيل بين البناء لمصالح
المسجد وبين البناء لغير مصالحه إنما هو قبل تمام المسجدية، أما بعد تمامها فلا
يجوز البناء مطلقا. وإذ كانت محكمة الموضوع ملزمة في كل الأحوال بإعطاء الدعوى
وصفها الحق وإسباغ التكييف القانوني الصحيح وإنزال حكم القانون عليها دون تقيد
بتكييف الخصوم، وكانت العبرة في تكييف الدعوى بأنها دعوى مرفوعة بأصل الحق هي
بحقيقة المطلوب فيها بصرف النظر عن العبارات التي صيغت بها الطلبات، وكان ذلك من
المسائل القانونية التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض التي لها في
هذا الصدد أن تعطي الوقائع الثابتة تكييفها القانوني الصحيح ما دامت لا تعتمد فيه
على غير ما حصلته محكمة الموضوع منها. لما كان ذلك؛ وكان الواقع المطروح بالدعوى
أن الطاعنين قد رفعاها بطلب الحكم بمنع تعرض الجهة المطعون ضدها لهما في استكمال
بناء الدورين الثاني والثالث العلويين أعلى سطح العقار الكائن به المسجد
باعتبارهما المالكين لهذا السطح، فإن هذه الدعوى بالنظر إلى الطلبات الواردة بها
والأساس الذي أقيمت عليه ليست دعوى استرداد حيازة وإنما هي بحسب تكييفها الصحيح
دعوى الحق ذاته الهدف منها تمكينهما من البناء على الجزء المدعى ملكيتهما له ومنع
تعرض الجهة المطعون ضدها لهما في ذلك، وإذ كان الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنين
قد تمسكا أمام محكمة الموضوع بملكيتهما للحوانيت التي أسفل المسجد وللسطح الذي
يعلوه وقدما بجلسة 22/ 11/ 2017 عقدي إيجار كان الطاعن الأول قد حررهما لصالح
مستأجري الحوانيت الواقعة أسفل العقار كقرينة على أنهما ما زالا يحتفظان بملكية
أجزاء منه غير ملحقة بالمسجد أو مخصصة لخدمة أغراضه، فإن الحكم المطعون فيه إذ حجب
نفسه عن بحث هذه الملكية ثبوتا أو نفيا مجتزأ القول - تبريرا لما خلص إليه من قضاء
برفض الدعوى - بأن العقار بأكمله يخضع للمنفعة العامة، على الرغم من أنه إذا ما
ثبتت ملكيتهما ومورثهما لهذه الحوانيت قبل تمام المسجدية لا يصير المبنى مسجدا خالصا
لله تعالى أخذا بالرأي الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة على نحو ما سلف بيانه،
ويكون لهما آنذاك حق تعليه المبنى إذا ما أقاما الدليل أمام محكمة الموضوع على
ملكيتهما للسطح المراد إقامة التعلية عليه، وإذ جاءت مدونات الحكم المطعون فيه
قاصرة البيان عن بحث مسألة الملكية أصل الحق المدعى به والفصل فيها ثبوتا أو نفيا
بشأن الأجزاء المتنازع عليها، وما إذا كانت هذه الملكية ثابتة للطاعنين قبل تمام
المسجدية من عدمه، فإنه يكون قد جاء معيبا بالقصور في التسبيب مما يبطله ويستوجب
نقضه دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
فلهذه الأسباب
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف
المنصورة وألزمت المطعون ضده الأول بصفته المصاريف، ومائتي جنيه مقابل أتعاب
المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق