جلسة 15 من سبتمبر سنة 1994
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد، وعادل محمود فرغلي، وعبد القادر هاشم النشار، والسيد محمد السيد الطحان - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(162)
الطعن رقم 4237 لسنة 40 القضائية
(أ) تعليم - طبيعة مرحلة التعليم قبل الجامعي - كيفية تنظيم علاقة التلميذ بالقائمين على التعليم.
القانون رقم 139 لسنة 1981 بإصدار قانون التعليم معدلاً بالقانون رقم 233 لسنة 1988.
الرسالة التعليمية علاقة بالغة الأثر بين الأجهزة التعليمية والتلاميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي - التلاميذ في هذه المرحلة من القصر غير كاملي الأهلية الذين يقعون عادة فريسة الإغراء أو التهديد مما حدا بالمشرع إلى حمايتهم في شتى المجالات المدنية والتجارية والجنائية - من تطبيقات ذلك: 1 - حق القاصر في إبطال العقود التي يبرمها بنفسه ما لم يوافق عليها الولي أو الوصي 2 - تقوم جريمة اغتصاب الأنثى لو تم الوقاع برضاها ما دامت لم تبلغ سنة الثامنة عشرة 3 - حق التقاضي لا يمارسه القاصر بنفسه - أساس ذلك: أن إرادة القاصر في هذه المرحلة لا تزال في دور التكوين - علاقة التلميذ بالقائمين على العملية التعليمية تنظم بنصوص عامة لا تخضع عامة لقوالب جامدة - جعل المشرع مهمة تنظيم شئون التلاميذ أمانة في عنق الأجهزة التنفيذية بوزارة التعليم بدءاً من وزير العليم وحتى المعلم بهدف انسياب العصارة الفكرية في قنواتها الشرعية إلى التلاميذ بصورة تتفق وتقاليد المجتمع وقيمه على نحو يساعد في تكوين إرادتهم وتحقيق ذواتهم - تطبيق.
(ب) تعليم - سلطة جهة الإدارة في تحديد الزي المدرسي.
قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 قراره رقم 208 لسنة 1994.
للعملية التعليمية أطراف ثلاث هي: 1 - الأجهزة التعليمية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتعليم برئاسة وزير التعليم المسئول عن العملية التعليمية والتربوية والسلوكية 2 - التلميذ وهو وعاء العملية التعليمية 3 - ولي الأمر - لكل طرف التزاماته - لا تثريب على وزير التعليم أن يفرض الخطوط الرئيسية لزي موحد بقصد فرض مظهر من مظاهر الانضباط في المدارس الرسمية والخاصة والقضاء على التفرقة بين الفقراء والأغنياء ليكون الجميع سواء لا تميز بين تلميذ وآخر إلا بتفوقه الدراسي - إذا كان التعليم حقاً يكفله الدستور وتشرف عليه الدولة فإن الانتظام في الدراسة لبلوغ هذه الغاية واجب يتحمل مسئوليته كل من التلميذ والأجهزة التعليمية - من غير المستساغ الاعتراف للأجهزة التعليمية بدورها في تنشئة الأجيال المختلفة من التلاميذ وتنظيم أفكارهم وسبر أغوارهم في الوقت الذي يعد فيه انتظامهم في زي ظاهر موحد أمراً منكراً - قرار وزير التعليم المشار إليه لا يتعارض مع حرية العقيدة التي كفلها الدستور ولا يخل بحق الفتاة المسلمة في ارتداء الحجاب إذا ما بلغت سن المحيض في التعليم قبل الجامعي التزاماً لما أمر الله بستره وبما لا يحول دون كشف وجهها وكفيها على ما استقر عليه جمهور علماء المسلمين - لا ينال من القرار المشار إليه أنه استخدم عبارة غطاء الشعر ولم يستخدم لفظ الحجاب بما قد يوحي بأنه لا يسمح بإسدال الغطاء على العنق والرقبة - أساس ذلك: أن القرار لم يشترط في غطاء الشعر سوى كشف الوجه فقط دون حظر حجب العنق أو الرقبة أو فتحة الصدر - القرار لم يتضمن حظراً صريحاً على ارتداء الحجاب - القرار بعد تعديله اكتفى بأن يكون ولي الأمر على علم باختيار التلميذ لارتداء غطاء الشعر مع حظر منع أي تلميذة من دخول المدرسة إذا ارتدت الحجاب بصورة تسمح بكشف الوجه فقط - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 28/ 8/ 1994 أودعت هيئة قضايا الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4237 لسنة 40 قضائية عليا وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" في الدعوى رقم 6631 لسنة 48 قضائية بجلسة 23/ 8/ 1994 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلبت هيئة قضايا الدولة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض طلب وقف القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
كما أودعت هيئة قضايا الدولة في ذات التاريخ الطعون أرقام 4234، 4235، 4236، 4238 لسنة 40 ق وذلك في الأحكام الصادرة في الدعاوى أرقام 7631 لسنة 48 ق، 798 لسنة 48، 6502 لسنة 48 ق، 7287 لسنة 48 ق على التوالي والمقامة من الدكتور/....... بصفته ولياً طبيعياً على ابنته.... و..... بصفته ولياً طبيعياً على ابنته...... و..... و..... و...... و...... و...... و...... بصفتهم أولياء طبيعيين على بناتهم القصر و....... والتي قضت محكمة القضاء الإداري فيها بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعون المشار إليها ارتأت فيه - للأسباب المبينة بالتقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد عين لنظر الطعون المشار إليها أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4/ 9/ 1994 حيث نظرت الطعون بالجلسة المذكورة وقررت الدائرة إحالة الطعون إلى هذه المحكمة لتنظرها بجلسة 2/ 8/ 1994، وبناء على الطلب المقدم من هيئة قضايا الدولة بتعجيل نظر الطعن قررت المحكمة نظر الطعن بجلسة 14/ 9/ 1994 حيث تم نظر الطعن ومناقشة أدلته التفصيلية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث قررت الدائرة ضم الطعون المذكورة إلى الطعن الماثل ليصدر فيها حكم واحد، وقررت الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 29/ 7/ 1994 أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 7287 لسنة 48 ق أمام محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات طالبين في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من وزير التعليم بتحديد زي موحد للطالبات مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وذلك تأسيساً على أن بناتهم وهن تلميذات بمدرسة شبين القناطر الثانوية الصناعية من التلميذات الملتزمات بالزي الإسلامي "الحجاب" وقد أصدر وزير التعليم قراره المطعون فيه متضمناً تحديد زي موحد يخالف الزي الإسلامي ويحظر على تلميذات المدارس الإعدادية والثانوية تغطية شعرهن في المدرسة إلا بعد أن يتقدم ولي الأمر بطلب مكتوب بالنسبة لطلبة المدارس الإعدادية ويجوز أن يكون غير مكتوب بالنسبة للمدارس الثانوية وهو قرار يخالف حكم المادتين 2، 46 من الدستور الذي يجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، كما يخالف المادتين 41، 57 من الدستور المتعلقة بالحرية الشخصية بوضعه قيوداً على مجرد ستر الطالبة شعرها وذلك بتقديم طلب مكتوب أو غير مكتوب من ولي الأمر حسب الأحوال كما أقام المطعون ضدهم في الطعون المنضمة الدعاوى أرقام 7631 لسنة 48 ق، 798 لسنة 48 ق، 798 لسنة 48 ق، 6502 لسنة 48 ق و7287 لسنة 48 ق طالبين الحكم لهم بذات الطلبات طبقاً للأساس المشار إليه. وقد أجابت هيئة قضايا الدولة على الدعوى بمذكرة جاء بها أن مرفق التعليم يزاول نشاطه تحت رعاية الدولة التي تضع له الضوابط المنظمة له وتكفل تحقيق أهدافه ووسيلته في ذلك هي القرارات الإدارية ومن المتعارف عليه منذ أن وجد هذا المرفق والتلاميذ والتلميذات يرتدون زياً خاصاً به تنظمه كل مدرسة وتضع قواعده وشروطه ومن ثم فإن توحيد الزي لا يتعارض مع الحرية الشخصية في ارتداء الملابس وعندما وجدت الوزارة أن ثمة تضارباً في تفسير بعض العبارات التي وردت بالقرار رقم 113 لسنة 1994 المطعون عليه فقد أصدر وزير التعليم القرار رقم 208 لسنة 1994 الذي حرص على السماح لكل تلميذة بارتداء الحجاب وعدم منعها من دخول المدرسة بشرط التحقق من علم ولي الأمر بذلك، بل إن القرار قد حث التلميذات على مراعاة الوقار والاحتشام في الزي بما يتفق والقيم الأخلاقية للمجتمع.
وبجلسة 23/ 8/ 1994 أصدرت محكمة القضاء الإدارية "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" حكمها الطعين والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وأقامت قضاءها على أن "الدستور المصري قد حرص على كفالة الحريات الشخصية وصونها، ومن بين هذه الحريات الشخصية حقه في أن يرتدي ما يشاء من ملابس دون إلزامه بزي معين أو منعه من ارتدائه، وإذا كانت هذه الحريات لا تستعصى على التنظيم فإن تنظيمها لا يكون إلا بقانون يصدر في السلطة التشريعية، ومن ثم يمتنع على السلطة التنفيذية أن تتدخل في مجال الحريات العامة يهدف تنظيم أي منها، لأن هذا المجال محجوز للمشرع وحده، كما لا تستطيع أن تتخذ أي إجراء قبل أن تصدر السلطة التشريعية القانون الذي يضع الضوابط والشروط التي تحدد دور السلطة التنفيذية في هذا الخصوص، ومن ثم فإن القرار رقم 113 لسنة 1994 الصادر من وزير التعليم والقرار الذي أعقبه بالتعديل رقم 208 لسنة 1994 - وقد تضمنت أحكامهما قواعد تنظيمية مجردة بشأن الزي المدرسي الذي يتعين على تلاميذ المراحل الثلاث ارتداؤه أثناء الدراسة ورتبت على عدم ارتدائه جزاء عدم دخول المدرسة - يكون قد قام بتنظيم إحدى الحريات الشخصية لفئة من المواطنين هم تلاميذ المدارس فيما هو محجوز أصلاً للشارع وغريب على القانون لأن الحرمان من الحق في التعليم لعدم ارتداء الزي المفروض جبراً عنهم يتعارض مع مما تضمنته المادة 18 من الدستور من أن التعليم حق تكفله الدولة.. ومن ثم فإن صدور القرار المطعون من جهة غير منوط بها إصداره قانوناً يعيبه بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة العدم طالما كان منطوياً على افتئات على سلطة أخرى هي السلطة التشريعية مما يجعله معدوم الأثر قانوناً ولا يعدو أن يكون عقبة مادية لا تحول دون حق هؤلاء التلاميذ وأولياء أمورهم في مباشرة حقوقهم وحرياتهم الشخصية.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم الطعين قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: أغمض الحكم عن تحديد نطاق الدعوى المطروحة متجاوزاً طلبات الخصوم التي انحصرت في التضرر من عدم السماح للتلميذات بارتداء غطاء الشعر إلا بناء على موافقة كتابية من ولي الأمر بينما تضمنت حافظة مستندات الحكومة صورة القرار رقم 208 لسنة 1994 والذي اكتفى بشرط علم ولي الأمر وأنه لا حرمان للتلميذات من دخول المدارس أو الانتظام في الدراسة بسبب ارتدائهن هذا الغطاء الأمر الذي كان يتعين معه القضاء باعتبار الخصومة منتهية.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه لم يفصل في الطلب المستعجل من ظاهر الأوراق وإنما فصل في الدعوى متوغلاً في الموضوع منتهياً إلى اعتبار القرار معدوماً لاغتصابه اختصاص السلطة التشريعية، ومع ذلك انتهى إلى وقف تنفيذ القرار، وأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
ثالثاً: أغفل الحكم الطعين أوجه الدفاع الجوهري المتعلقة بحق المؤسسات التعليمية في تنظيم وإدارة مرفق التعليم تحقيقاً للصالح العام وأن ترتيب المصالح ومن بينها المؤسسات التعليمية هو من اختصاص السلطة التنفيذية وليس السلطة التشريعية طبقاً لنصوص الدستور.
رابعاً: إن الحكم المطعون فيه قد تصدى لبحث المسألة الدستورية حينما انتهى إلى اعتبار القرار المطعون فيه مخالفاً لأحكام الدستور رغم أن أياً من المدعين لم يدفع بعدم دستورية القرار المذكور فضلاً عن أنه كان يتعين عليه في حالة الدفع بعدم الدستورية أن يوقف الفصل في الدعوى ريثما يتم الفصل في المسألة الدستورية بمعرفة المحكمة الدستورية العليا، لا سيما وأن النظر في أمر دستورية نص قانوني من عدمه أمر معقود لقاضي الموضوع وليس للقضاء المستعجل طبقاً لما استقر عليه قضاء النقض.
ومن حيث إنه يبين من استعراض النصوص الدستورية والتشريعية للأنظمة التعليمية في مصر والعالم المتقدم أن الرسالة التعليمية - في مصر بصفة خاصة - هي علاقة بالغة الأثر عظيمة الشأن بين الأجهزة التعليمية من ناحية وبين التلاميذ الذين لم يبلغوا بعد - في مراحل التعليم قبل الجامعي - من ناحية أخرى حداً يجعل لكل منهم إرادة حرة واعية قادرة على الاختيار السليم، فجميعهم - بحسب الأصل من القصر غير كاملي الأهلية الذي يقعون عادة فريسة الإغراء أو التهديد مما حدا بالمشرع إلى مراعاتهم وحمايتهم في كافة النظم القانونية وفي شتى مجالاتها المدنية والتجارية والجنائية، فخول القاصر حق إبطال العقود التي يبرمها بنفسه ما لم يوافق عليها الولي أو الوصي، وجعل جريمة اغتصاب الأنثى واقعة حتى ولو تم الوقاع برضاها متى لم تبلغ سنة الثامنة عشرة بل إن حق التقاضي التي تكفله الدساتير كافة بحسبانه حق استصراخ القضاء لرفع الظلم والأضرار التي تحيق بالقاصر، محظور عليه ممارسته إلا عن طريق وليه إذا رأى الأخير وجهاً لذلك ومرد ذلك كله إلى عدم الاعتراف للقاصر بقدرته على الاختيار الحر في ظل إرادة لا تزال في دور التكوين، ولا توجد علاقة يمكن أن توقع القاصر فريسة للطيش البين أو الهوى الجامع والاندفاع الأعمى نحو المثل المتباينة، وأخطر من علاقة التلاميذ في هذه السن المبكرة بالمعلمين والقائمين على العملية التعليمية وسواء أكانت هذه العلاقة موضع تنظيم خاص أو لم تكن كذلك فإن التأثير لا بد واقع ما له من دافع، ومن ثم فقد كان حرياً بالمشرع المصري أن يتناول هذه العلاقة بالتنظيم بمقتضى نصوص عامة لا تجعلها خاضعة لقوالب جامدة، وتلك صنيعة المشرع المصري في القانون رقم 139 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 233 لسنة 1988 حيث جعل مهمة تنظيم شئون التلاميذ أمانة في عنق الأجهزة التنفيذية بوزارة التعليم وحدد دور كل منها ابتداء من وزير التعليم وحتى المعلم المختص حتى تنساب العصارة الفكرية في قنواتها الشرعية إلى التلاميذ بالصورة التي تتفق وتقاليد المجتمع وقيمه وتنفذ إلى وجدانهم بطريقة تلقائية ميسرة تعين على التلقي وتدعو إلى الاستجابة وتحقيق أهدافها في تكوين إراداتهم وتحقيق ذواتهم فبعد أن أوضحت المادة الأولى من القانون المشار إليه أهدافه بالنص على أن "يهدف التعليم قبل الجامعي إلى تكوين المدارس تكويناً ثقافياً وعلمياً مرتباً على مستويات متتالية من النواحي الوجدانية والقومية والعقلية والاجتماعية والصحية والسلوكية والرياضية..." نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن "ينشأ مجلس أعلى للتعليم قبل الجامعي برئاسة وزير التعليم يتولى التخطيط لهذا التعليم ورسم خططه وبرامجه، ويضم ممثلين لقطاعات التعليم والجامعات والأزهر والثقافة والتخطيط والمالية والإنتاج والخدمات والقوى العاملة وغيرهم من المهتمين بشئون التعليم - ويصدر بتشكيل هذا المجلس وتحديد اختصاصاته قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم.
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 523 لسنة 1981 ونص في المادة الأولى منه على تشكيل المجلس الأعلى برئاسة وزير التعليم وعدد من ممثلي القطاعات المشار إليها بالقانون ونصت المادة الثانية منه على أن "يختص المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي بالتخطيط لهذا التعليم ورسم خططه وبرامجه وبدراسة كل ما يعرضه عليه وزير التعليم خاصاً بالسياسة العامة للتعليم وله في سبيل ذلك 1 - تحديد الخطط العامة للسياسات التعليمية والتربوية في كافة مراحل التعليم قبل الجامعي ونوعياته المختلفة بما يحقق الأهداف القومية في إطار السياسة العامة للدولة..... 2 -...... 7 - تنظيم شئون التلاميذ الثقافية والاجتماعية والرياضية والاتحادات.
وبناء على موافقة المجلس الأعلى للتعليم بجلسته المعقودة في 20/ 4/ 1994 بشأن تحديد زي موحد لتلاميذ المدارس الرسمية والخاصة في مراحلها الثلاث صدر قرار وزير التعليم رقم 113 لسنة 1994 في 17/ 5/ 1994 محل الطعن الماثل بتحديد المواصفات الخاصة بالزي المدرسي وتوحيدها من حيث اللون أو الشكل أو المكونات ونص فيه على السماح للتلميذات بارتداء غطاء للرأس لا يحجب الوجه بناء على طلب مكتوب من ولي الأمر - وبتاريخ 6/ 8/ 1994 صدر قرار وزير التعليم رقم 208 لسنة 1994 بتفسير بعض العبارات الواردة في القرار السابق ونص فيه على أنه يقصد بعبارة "بناء على طلب ولي الأمر" أن يكون ولي الأمر على علم باختيار التلميذة لارتداء غطاء الشعر وأن اختيارها وليد رغبتها دون ضغط أو إجبار، وعلى ذلك لا تمنع أي تلميذة ترتدي غطاء الشعر وإنما يحق لها الدخول على أن يتم التحقق من علم ولي الأمر، كما حدد غطاء الشعر بأنه كل غطاء تختاره التلميذة بما لا يحجب الوجه، كما نص في البند ثانياً على أنه "يقصد بالزي المناسب المحافظة في الزي على مراعاة الاحتشام بما يتفق مع تقاليد المجتمع وأخلاقه وكل زي يخرج على هذا الاحتشام يكون مخالفاً للزي المدرسي ولا يسمح للتلميذة التي ترتديه بدخول المدرسة.
ومن حيث إنه يبين من النصوص المتقدمة أن العملية التعليمية لا تقوم لها قائمة إلا بين أطراف ثلاثة أولها: الأجهزة التعليمية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتعليم برئاسة وزير التعليم بحسبانه - بنص القانون - قائد العملية التعليمية والتربوية والسلوكية ولو أن يضع ما يشاء من نصوص منظمة لشئون التلاميذ التعليمية والثقافية والاجتماعية والرياضية...." ما لم يخالف نصاً صريحاً في القانون أو يتعارض مع أصل لا خلاف عليه من أصول الشريعة الإسلامية التي تعد مصدراً من مصادر التشريع وثانيها: التلميذ وهو وعاء العملية التعليمية ومناط نجاحها في أهدافها المتمثلة في تكوين إرادته وتنظيم فكره وتزويده بالقدر المناسب من القيم والدراسات النظرية والتطبيقية والمقومات التي تحقق إنسانيته وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته وثالثها: ولي الأمر الذي ينبغي أن يكون على علم مستمر ودائم بالعملية التعليمية ويسهم إسهاماً إيجابياً في تكوين إرادة التلميذ واستكمال ما نقص منها، من ثم ينبغي أن يكون على علم تام بسلوك التلميذ في المدرسة من الناحية النفسية والأخلاقية ومدى انتظامه في الدراسة وقدرته على الاستجابة للتعليم ومستوى تحصيله للمعلومات. ومن ثم فلا تثريب على وزير التعليم تنفيذاً لمقررات المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي وهو القوام بنص القانون على تنظيم شئون التلاميذ وتكوين إرادتهم أن يفرض الخطوط الرئيسية لزي موحد بقصد فرض مظهر من مظاهر الانضباط في المدارس الرسمية والخاصة والقضاء على صور التفرقة المستفزة بين الفقراء والأغنياء ليكون الجميع في دور التعليم سواء لا تميز بين تلميذ وآخر إلا بتفوقه الدراسي وإذا كان التعليم حقاً يكفله الدستور وتشرف عليه الدولة، فإن الانتظام في الدراسة لبلوغ هذه الغاية واجب يتحمل مسئوليته كل من التلميذ والأجهزة التعليمية التي تتولى مهمة تكوين إرادته وتحديد أحلامه وتطلعاته وتهيئته لتلقي العلم على النحو الذي يحقق إنسانيته وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته واستكمال أهليته في الصورة التي تجعله قادراً على الاختيار الحر السلم، وأهلاً لاكتساب الحقوق والواجبات، ومن ثم يبدو غريباً الاعتراف للأجهزة التعليمية بدورها في تنشئة هذه الأجيال المختلفة من التلاميذ وتنظيم أفكارهم وسبر أغوارهم وتشكيل جوهرهم في الوقت الذي يعد فيه انتظامهم في زي ظاهر موحد أمراً منكراً.
ومن حيث إن الحكم الطعين قد انتهج غير هذا النهج وأنكر على الأجهزة التعليمية دورها في تنظيم شئون التلاميذ بتحديد زي موحد لانتظامهم في الدراسة فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وأغفل حقيقة جوهرية قوامها أن التلاميذ في مراحل التعليم قبل الجامعي من البراعم الغضة التي لم يكتمل نضجها بعد وقد جعل المشرع مهمة رعايتها وتنشئتها أمانة في عنق الأجهزة التعليمية، وأنها ملزمة بتكوين إرادتهما واستكمال أهليتها ومن ثم فلا يسوغ الاحتجاج للقاصر بحريته في ارتداء ما يراه من أزياء لا سيما إذا كان المقصود بالزي هو ارتداؤه له فترة واحدة في المدرسة دون أن يشكل ذلك مصادرة لحريته في ارتداء ما يراه من أزياء خارجها ولا يعدو القرار المذكور أن يكون صورة من ممارسة الوزارة لتنظيم مرفق التعليم وهو حق لا مراء فيه لها يجد سنده في قانون التعليم وقرار رئيس الجمهورية بإنشاء المجلس الأعلى للتعليم دون أن يحد منه الادعاء بحرية التلاميذ فيما يرتدون ما دام المشرع قد خص وزارة التعليم وحدها وبما تملكه من أجهزة تعليمية وتربوية بتنظيم شئونهم ورعايتهم ولا يعدو تحديد مواصفات الزي أن يكون وجهاً من أوجه التنظيم المشار إليها في القانون وقد استقرت هذه المفاهيم في ضمير المجتمع المصري منذ بدء العملية التعليمية النظامية في بداية القرن الماضي حتى رقت إلى مرتبة القاعدة القانونية الواجبة الاتباع والتي يؤدي الإخلال بها إلى حرمان التلاميذ من الانتظام في الدراسة ولم تكن مجرد قاعدة اجتماعية توجيهية كما ذهب الحكم الطعين الأمر الذي يتعين معه الاعتراف لوزارة التعليم باختصاصها الثابت في تحديد الزي الذي تراه مناسباً لتلاميذ كل مرحلة من مراحل التعليم قبل الجامعي عند انتظامهم في الدراسة ما دام قرارها في هذا الشأن قد صدر مجرداً عن الميل والهوى مستهدفاً وجه الصالح العام، وإذ انتهى الحكم الطعين إلى اعتبار القرار مثار الطعن منعدماً لاغتصابه اختصاص السلطة التشريعية فيما هو محجوز لها بنص الدستور فإنه يكون قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة القرار مثار الطعن بصيغته المعدلة أنه لا يتعارض مع حرية العقيدة التي كفلها الدستور ولا يخل بحق الفتاة المسلمة في ارتداء الحجاب إذا ما بلغت سن المحيض في التعليم قبل الجامعي في مراحله الثلاث الابتدائي والإعدادي والثانوي، التزاماً بأحكام دينها وامتثالاً بما أمر به ربها ستراً لما أمر الله بستره بما لا يحول دون كشف وجهها وكفيها على ما استقر عليه جمهور علماء المسلمين عملاً بقوله تعالى في سورة النور "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن.. الآية 31" وقوله تعالى في سورة الأحزاب "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين.... الآية 59" وما جاء في السنة المطهرة عن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها "أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاقة تشف عن جسدها فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها سوى هذا وهذا...... وأشار إلى وجهه وكفيه وما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا تركت - أي بلغت - أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا".
ولا يوهن في سلامة هذا النظر القول بأن القرار الطعين استخدم عبارة غطاء الشعر ولم يستخدم لفظ الحجاب بما قد يوحي بأنه لا يسمح بإسدال الغطاء على العنق والرقبة، فهذا القول لا يسنده دليل ما دام القرار لم يشترط في غطاء الشعر سوى كشف الوجه فقط دون أن يحظر حجب العنق أو الرقبة أو فتحة الصدر بل يبقى على ما هو عليه من إباحة بما لا يتعارض مع حكم الشرع على ما استقر عليه جمهور الفقهاء ومن ثم فلا يحول القرار الطعين بعد تعديله بين الفتاة المسلمة وحقها في إسدال غطاء شعرها على عنقها ورقبتها، وفتحة صدرها دون أن يكون لأي مسئول حق حرمانها من ذلك أو الحيلولة بينها وبين الانتظام في الدراسة لهذا السبب، كما لا حجة في القول إذا سمح لتلميذات المدارس الإعدادية والثانوية فقط بارتداء غطاء الشعر فقد حظر على تلميذات المدارس الابتدائية - ولو بلغت سن الحيض - ارتدائه إذ أن الأصل في الأحكام الإباحة والحظر لا يكون إلا بنص صريح، وهو أمر غير وارد في القرار مثار الطعن الذي جرى مجرى العادة فغالب الأمر أن التلميذة في المرحة الابتدائية لا يجاوز سنها الحادية عشرة مما لا تبلغ وهي مرحلة لا يغلب عليها بلوغ هذه السن، ومع ذلك فالأصل أنه إذا ما بلغت الفتاة سن المحيض وهي لا تزال في مرحلة التعليم الابتدائي فإن حقها في ارتداء الحجاب قائم لم ينكره عليها القرار المطعون فيه ما دام لم يتضمن حظراً صريحاً على ارتدائه، ولا يسوغ لأي مسئول الاعتراض عليها أو الوقوف في سبيلها.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه المطعون ضدهم من أن القرار قد تطلب أن يكون الزي بطول مناسب تاركاً تحديد الطول لكل إدارة تعليمية على نحو ما قد تضطر فيه التلميذة للكشف عن ساقيها على وجه يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف ولا حجة في ذلك ما دام القرار بعد تعديله قد نص صراحة على المحافظة على الزي مع مراعاة الاحتشام بما يتفق ما أخلاق وتقاليد المجتمع وذلك بالنسبة لجميع مراحل التعليم قبل الجامعي، ولم تقف عند هذا الحد بل نص على أن كل زي يخرج عن هذا الاحتشام يكون مخالفاً للزي المدرسي ولا يسمح للتلميذة التي ترتديه بدخول المدرسة، وليس من شك في أن التقاليد والأخلاق الإسلامية جزء من تقاليد المجتمع وأخلاقه فالإسلام بصريح نص المادة الثانية من الدستور هو دين الدول، والأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وهذه الأصول الدستورية قد استلهمتها وسجلتها المواد 1، 71، 22 من قانون التعليم المشار إليه عند تحديد أهداف التعليم قبل الجامعي والتأكيد على تعميق القيم الدينية بقصد إعداد الإنسان المؤمن بربه ووطنه.
وأخيراًَ فليس بصحيح القول بأن القرار قد اشترط لتحجب الفتاة أن يكون ذلك بناء على طلب كتابي من ولي الأمر فالقرار بعد تعديله قد اكتفى بأن يكون ولي الأمر على علم باختيار التلميذة لارتداء غطاء الشعر مع حظر منع أي تلميذة من دخول المدرسة إذا كانت ترتدي الحجاب بالصورة التي تراها مع كشف الوجه فقط ولا يرد على ذلك من قيد سوى أمر موجه إلى المسئولين بالمدارس هو التحقق من علم ولي الأمر، وهو أمر لا يمس حقها في مواصلة الدراسة أو الانتظام فيها وتبعاً لذلك يسقط أي ادعاء بأن إعلان ولي الأمر أو إحاطته به يمثل قيداً على حق التلميذ في التحجب، أما الخوف من أن إعلام ولي الأمر قد يكون سبباً في منعه ابنته من الاستمرار في الحجاب فهو تخوف يعوزه الدليل، ولا يؤثر على أية حال في صحة القرار الطعين أو سلامته من الناحية القانونية.
ولكل أولئك يكون طلب المطعون ضدهم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أو إلغائه قائماً - بحسب الظاهر من الأوراق - على غير أساس سليم من القانون مما يفقده ركن الجدية المسوغ لوقف تنفيذ القرار ويتعين القضاء برفضه.
ومن حيث إن المطعون ضدهم قد خسروا الطعن فيلزمون بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق