جلسة 17 من يناير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
-----------------
(50)
القضية رقم 3 لسنة 4 القضائية
رقابة القضاء الإداري
- للقضاء الإداري التعقيب على تصرف الإدارة من الناحية القانونية وأن يبين من هو الأولى قانوناًَ بالترشيح للترقية - الحكم الصادر بإلغاء نقل موظف إلى الوظيفة ذات الدرجة المتنازع عليها - تضمنه أن الترشيح للترقية إلى هذه الدرجة يجب أن يقتصر على المدعيين - صحيح - إحالة المدعيين إلى المعاش لا يضيع عليهما حقاً يكون لهما في الفترة بين إصدار القرار محل الطعن وتاريخ الإحالة إلى المعاش - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 12 من أكتوبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 15 من أغسطس سنة 1957 في القضية رقم 297 لسنة 9 القضائية المرفوعة من السيد المهندس محمد موسى ضد مدير عام مصلحة التليفونات وآخر, والقاضي "بتفسير الحكم الصادر بتاريخ 21 من يناير سنة 1954 في الدعويين رقمي 616 لسنة 5 القضائية و1634 لسنة 6 القضائية بأنه يقضي بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في 6 من يونيه سنة 1950، القاضي بنقل السيد/ مصطفى بغدادي من مصلحة البريد إلى مصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة ليشغل إحدى الدرجات الأولى الخالية بالتلغرافات والتلفونات إلغاء نسبياً فيما تضمنه من حرمان أحد المدعيين في الدعويين المذكورتين من الترقية إلى الدرجة الأولى المشار إليها, على أن تتولى جهة الإدارة إعمال سلطتها في الاختيار والترجيح بين المدعيين للترقية إلى تلك الدرجة طبقاً للقانون, وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها - الحكم "بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 16 و19 من أكتوبر سنة 1957, وللمدعي في 19 منه, وعين لنظره جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر, وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من نوفمبر سنة 1954، طالباً تفسير الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعويين رقمي 616 لسنة 5 القضائية و1634 لسنة 6 القضائية, مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه أقام الدعوى رقم 1634 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 13 من أغسطس سنة 1952 ضد وزارة المواصلات وآخرين, وطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير المواصلات في 6 من يونيه سنة 1950 بنقل السيد/ مصطفى بغدادي مراقب عام مصلحة البريد إلى الدرجة الأولى المخصصة لوظيفة مدير الحركة بمصلحة التليفونات فيما ترتب عليه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة المذكورة المخصصة في ميزانية المصلحة عن السنة المالية 1950/ 1951 للوظيفة التي يشغلها المدعي منذ عام 1948. ولما كان المهندس فوزي تكلا مساعد المفتش العام لمصلحة التليفونات وقتئذ قد أقام الدعوى رقم 616 لسنة 5 القضائية بالطعن في القرار الوزاري السالف الذكر على أساس أنه المستحق الوحيد للدرجة الأولى التي شغلها السيد/ مصطفى بغدادي؛ لأنه الأول في ترتيب الأقدمية, وكان مقيداً على هذه الدرجة, فقد قررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد. وقد دفع المهندس فوزي تكلا بعدم قبول دعوى المهندس محمد موسى, استناداً إلى فوات ميعاد الطعن بالنسبة إليه؛ وعندئذ عدل المهندس محمد موسى طلباته إلى ما يأتي: (أولاً) الحكم برفض الدفع بعدم قبول دعواه وبقبولها. (ثانياً) وبصفة أصلية, إلغاء القرار الصادر من وزير المواصلات رقم 175 في 6 من يونيه سنة 1950 بنقل السيد/ مصطفى بغدادي المراقب العام لمصلحة البريد إلى وظيفة مدير الحركة بمصلحة التليفونات فيما أدى إليه من حرمان المدعي من الترقية إلى الدرجة الأولى المخصصة لوظيفته اعتباراً من التاريخ المذكور, مع ما يترتب على تقرير استحقاقه للترقية إلى هذه الدرجة من 6 من يونيه سنة 1950 من آثار مالية وفروق, وإلزام المصلحة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبصفة احتياطية, الحكم بإلغاء القرار الضمني المستفاد من امتناع وزير المواصلات عن ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى المخصصة لوظيفة مدير الحركة بمصلحة التليفونات التي نقل إليها من 3 من أبريل سنة 1948, وذلك اعتباراً من 6 من يونيه سنة 1950, تاريخ نقل السيد/ مصطفى بغدادي نقلاً باطلاً إلى وظيفة مدير الحركة التي كان المدعي شاغلاً لها, أو على الأقل اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951, مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وفروق, وإلزام المصلحة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ومن قبيل الاحتياط الكلي الحكم بأحقيته في أن يوضع بالدرجة المخصصة لوظيفة مدير الحركة اعتباراً من أول يوليه سنة 1951, مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وفروق. (ثالثاً) رفض الدعوى رقم 616 لسنة 5 القضائية المرفوعة من المهندس فوزي تكلا, مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد كان رد الحكومة في هاتين الدعويين أن القرار المطعون فيه هو قرار نقل موظف من مصلحة إلى مصلحة أخرى, وهذا أمر من إطلاقات الإدارة تترخص فيه في حدود سلطتها التقديرية, فضلاً عن أن الترقية إلى الدرجة الأولى تتم بالاختيار, وليس هناك من إلزام عليها في إجراء الترقية في وقت معين, بل تترخص في اختيار الوقت الملائم لها. وخلصت من ذلك إلى طلب الحكم برفضها, وإلزام المدعيين بالمصروفات. وبجلسة 21 من يناير سنة 1954 قضت المحكمة بما يأتي "رفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 1634 لسنة 6 القضائية, وبقبولها, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير المواصلات في 6 من يونيه سنة 1950 الرقيم 175 بنقل السيد/ مصطفى بغدادي من مصلحة البريد إلى مصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة ليشغل إحدى الدرجات الأولى الخالية بمصلحة التلفونات فيما تضمنه من حرمان أحد المدعيين من الترقية في الدرجة الأولى المذكورة, وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة لكل من المدعيين, ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". ويقول المدعي في دعواه الحالية إنه أعلن هذا الحكم لوزير المواصلات في 6 من مارس سنة 1954 ونبه عليه بأن ينفذه طبقاً لمنطوقه وأسبابه بأن يعمل اختياره في المفاضلة بينه وبين المهندس فوزي تكلا في الترقية إلى الدرجة الأولى محل النزاع من التاريخ الذي ألغى منه قرار نقل السيد/ مصطفى بغدادي, ولكن الوزير لم يقم بذلك بمقولة إن الحكم - أسباباً ومنطوقاً - ليس له من أثر إلا إخلاء الدرجة الأولى التي شغلها السيد/ مصطفى بغدادي بطريق النقل, ولا يترتب عليه كسب أي من المدعيين في الدعوى حقاً في الترقية إليها من تاريخ خلو تلك الدرجة, أو شغل السيد/ مصطفى بغدادي لها بالنقل, أو من أي تاريخ لاحق لذلك وسابق على إحالة المدعيين إلى المعاش. ولذلك فقد رفع هذه الدعوى، إزاء غموض الحكم في نظر وزارة المواصلات، لتقوم محكمة القضاء الإداري التي أصدرته بتفسيره بما يؤدى إلى تنفيذه طبقاً لما قصدته من إصداره. وقد ردت الحكومة على ذلك بأن المصلحة قامت - بعد صدور الحكم المطلوب تفسيره - بترشيح المدعي لشغل الدرجة الأولى؛ وذلك بكتابها رقم 734/ 13 - 72 بتاريخ 20 من أبريل سنة 1954, المرسل للسيد سكرتير عام وزارة المواصلات, ولكن إجراءات التعيين لم تتم؛ نظراً لما أفتت به شعبة الأشغال العامة بمجلس الدولة بكتابها المؤرخ 7 من سبتمبر سنة 1954, من أن أثر الحكم, منطوقاً وأسباباً, قاصر على إخلاء الدرجة الأولى المشار إليها, ولا يترتب عليه كسب أي من المدعيين حقاً في الترقية إليها من تاريخ خلوها أو من تاريخ شغل السيد/ مصطفى بغدادي لها بالنقل أو من أي تاريخ لاحق لذلك وسابق على إحالة المدعيين للمعاش. وأضافت الحكومة أن المدعي والمهندس فوزي تكلا اعتزلا الخدمة بناء على طلبهما اعتباراً من أول يناير سنة 1954 بالنسبة للأول، ومن 16 من ديسمبر سنة 1953 بالنسبة للثاني, وصرفت لهما ماهيتهما لمدة سنتين على أقساط شهرية, ولم يشغل أي منهما الدرجة الأولى إطلاقاً. وبجلسة 15 من أغسطس سنة 1957 حكمت المحكمة "بتفسير الحكم الصادر بتاريخ 21 من يناير سنة 1954 في الدعويين رقمي 616 لسنة 5 القضائية و1634 لسنة 6 القضائية بأنه يقضى بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير المواصلات في 6 من يونيه سنة 1950، القاضي بنقل السيد/ مصطفى بغدادي من مصلحة البريد إلى مصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة ليشغل إحدى الدرجات الأولى الخالية بالتلغرافات والتليفونات إلغاء نسبياً فيما تضمنه من حرمان أحد المدعيين في الدعويين المذكورتين من الترقية إلى الدرجة الأولى المشار إليها, على أن تتولى جهة الإدارة إعمال سلطتها في الاختيار والترجيح بين المدعيين للترقية إلى تلك الدرجة طبقاً للقانون, وبإلزام الحكومة بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن الحكم المطلوب تفسيره, في منطوقه وما اشتمل عليه من أسباب, ظاهر الدلالة على أن الإلغاء الذي قضى به الحكم يستهدف النتيجة التي أدى إليها القرار المطعون فيه, وهى حرمان أي من المدعيين من الترقية إلى الدرجة الأولى محل النزاع. وإذ كان الإلغاء بهذه المثابة بالنسبة للمدعيين لا يعدو أن يكون إلغاء نسبياً فإن الطريق الذي سلكته الوزارة - في صدد تنفيذ الحكم على اعتبار أن هذا الحكم ليس له من أثر إلا إخلاء الدرجة الأولى التي شغلها السيد/ مصطفى بغدادي بطريق النقل دون أن يتعدى ذلك إلى كسب أي من المدعيين في الدعوى حقاً في الترقية إليها - يكون على غير سند من الحكم, قاصراً عن استيعاب مفهوم ما نص عليه منطوقه وما ورد في أسبابه. وإذ كان الظاهر أن ما استغلق على الوزارة فيما يتعلق بمنطوق هذا الحكم وتقضي نتائجه حيال تنفيذه إنما أساسه وقوفها عند حد مدلول الإلغاء المجرد الوارد بهذا المنطوق والذي لا يتعدى أثره إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الملغى؛ إذ الواقع أن الإلغاء المجرد الذي أشار إليه منطوق الحكم إنما يلحق القرار الباطل الصادر بنقل السيد/ مصطفى بغدادي فقط, أما ما تعلق من هذا الإلغاء بالمدعيين فهو في حقيقة تكييفه من الناحية القانونية إلغاء نسبى يتعلق به حق أي من المدعيين في الترقية إلى الدرجة الأولى محل النزاع؛ ومن ثم يتعين توضيح ما أبهم على الوزارة من منطوق الحكم المذكور على وجهه الصحيح حتى يكون منتجاً لآثاره التي قصد إليها في صراحة, والتي خلصت المحكمة في أنه ينصب على إلغاء قرار نقل السيد/ مصطفى بغدادي, على أن تتولى الجهة الإدارية إعمال سلطتها في الاختيار للوظيفة محل النزاع فيما بين المدعيين دون سواهما.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن أسباب الحكم المطلوب تفسيره هي من الوضوح بحيث لا تدع مجالاً للخلاف الذي أثير في شأن كيفية تنفيذه؛ ذلك أنها قد كشفت في صراحة لا يشوبها أي غموض عن أن أحداً من المدعيين لم يتعلق له بقرار المطعون فيه أدنى حق؛ لذلك كان طبيعياً أن تنتهي المحكمة إلى إلغاء القرار إلغاء مجرداً فيما تضمنه من شغل الدرجة؛ لتتولى الإدارة, على ما أوضح الحكم, إعمال سلطتها في الاختيار للوظيفة المذكورة فيما بين المدعيين؛ فالإلغاء مجرد والإدارة لم تباشر بعد سلطتها في الترقية لسبب بسيط هو أن القرار المطعون فيه قرار نقل وليس قرار ترقية. وإذ كانت لم تعمل بعد هذه السلطة فأي من المدعيين أو غيرهما لم يتعلق له أدنى حق بالدرجة المذكورة. والإلغاء المجرد ليس له من أثر، كما هو معلوم، إلا إعدام القرار، فتعود الحالة إلى ما كانت عليه وكأنه لم يصدر, ثم تسترد الوزارة سلطتها من جديد في شغل الوظيفة سواء بالترقية أو النقل إليها طبقاً للقواعد المعمول بها. فإذا كان لأحد من ذوي المصلحة وجه للطعن على القرار الذي تصدره في هذا الشأن إذا شابه عيب يبطله فإن الباب مفتوح أمامه ليباشر حقه في الطعن. وإذا كان الأمر كذلك ولم تكن الإدارة قد أعملت بعد سلطتها في الترقية ولم يكن ثمت حق تعلق للمدعي أو غيره, فإنه لا يستقيم مع ذلك إرغام الإدارة على إصدار قرار لم تباشر سلطتها بعد في إصداره، وإجبارها على أن يكون هذا القرار بأثر رجعى منسحب إلى الماضي, دون سند من الحكم المفسر؛ لما ينطوي عليه ذلك من مصادرة على سلطتها, الأمر الذي يمتنع على مجلس الدولة الذي له فقط التعقيب على تصرف الإدارة عند وجوده, سواء أكان هذا التصرف إيجابياً أم سلبياً, وليس له الحلول محل الإدارة في إجرائه. وعلى أساس هذا النظر فإن حق المدعي في الترقية لا يتصور تحققه إلا بصدور القرار المنشئ له في الوقت الذي تراه الإدارة ملائماً لإصداره, وهذا الوقت مسألة موضوعية أمرها متروك لمطلق تقديرها. ولما كان الثابت أن المدعي قد اعتزل الخدمة, فانقطعت بذلك علاقته الوظيفية بجهة الإدارة قبل أن يصدر هذا القرار بل قبل أن يصدر الحكم المطلوب تفسيره, فإن طلبه اعتباره مرقى للدرجة المنتزع عليها لا يقوم على سند من القانون, وبالتالي يقع الحكم الذي يستجيب لمثل هذا الطلب مخالفاً للقانون, لمخالفته للمبادئ المستقرة قضاء, ولما فيه من اعتداء على حجية الشيء المقضي به, وتحميل للحكم المفسر بما لا يسمح به منطوقه أو أسبابه الوثيقة الصلة به, مما يتعين معه الطعن فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه فيما انتهى إليه من نتيجة في شأن إيضاح ما ثار من انبهام لدى تطبيق الحكم المفسر, وذلك للأسباب التي استند إليها الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة. أما ما أثاره الطعن من أن الحكم المفسر وكذا الحكم المطعون فيه المفسر له قد انطوى على مصادرة للإدارة في تقدير ملاءمة الترقية إلى الدرجة الأولى المتنازع عليها وأوان إجراء هذه الترقية, فمردود بأن القضاء الإداري وإن كان لا يملك أن يحل محل الإدارة في إجراء أمر هو من اختصاصها إلا أنه يملك أن يعقب على تصرف الإدارة من الناحية القانونية, وأن يبين حكم القانون فيما هو متنازع عليه من ذوي الشأن, فيضع الأمور في نصابها القانوني الصحيح, وأن له بهذه المثابة أن يبين من هو الأولى قانوناً بالترشيح للترقية, وإذا ما أبان ذلك فليس معنى هذا أنه حل محل الإدارة في ترقيته, بل مفاد تنبيه الإدارة إلى حكم القانون لتجرى الترقية بقرار منها على هذا الأساس, إلا كان قرارها على خلاف ذلك مخالفاً للقانون. وقد أبان حكم القضاء الإداري - بعد إذ ألغى نقل السيد/ مصطفى بغدادي إلى الوظيفة ذات الدرجة المتنازع عليها استناداً إلى أن هذا النقل كان حائلاً دون ترقية أي من المدعيين - أن الترشيح للترقية إلى هذه الدرجة يجب أن يقتصر عليهما. كما أن ما أثاره الطعن من جهة أخرى, من أن ترقية أي من المدعيين قد أصبحت الآن غير ذات موضوع بعد أحيلا إلى المعاش, مردود بأن هذا الأمر اللاحق لا يضيع على ذي الشأن حقاً قد يكون له قبل ذلك فيما بين إصدار القرار الأول الذي كان محل الطعن وتاريخ الإحالة إلى المعاش؛ لأن الأحكام مقررة لا منشئة, فالمفروض في القرار الإداري الذي يصدر تنفيذاً لمقتضى الحكم أن ينسحب إلى التاريخ الذي ينسحب إليه الحكم في قضائه, وهو مقرر وراجع إلى الماضي كما سلف الذكر. فإذا ما صدر القرار الإداري مثلاً بالترقية تنفيذاً لهذا المقتضى فالمفروض أن تعتبر الترقية في مبدئها مستندة في الماضي إلى تاريخ أسبق ومنتهية بتاريخ الإحالة إلى المعاش الذي طرأ خلال نظر الدعوى أو بعده وقبل إصدار القرار الإداري تنفيذاً لمقتضى الحكم. وغنى عن القول أن لذلك آثاره المالية وكذلك في حساب المعاش؛ ومن ثم يتعين قبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق