جلسة 3 من ديسمبر سنة 1959
برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.
----------------------
(113)
الطعن رقم 299 لسنة 25 القضائية
(أ) مسئولية "المسئولية التقصيرية" "جزاء المسئولية" "التعويض" "تقدير التعويض". محكمة الموضوع. حكم "عيوب التدليل" "القصور الكافي" "ما لا يعد كذلك". تعويض.
سلطة محكمة الموضوع في تحديد مقدار التعويض. اطراحها لأسباب سائغة الأرقام المقدمة من المضرور تحديداً له. حسبها تبيان أن المبلغ الذي قدرته هو عما لحق المضرور من ضرر مادي وأدبي وأنه تعويض له عما تكبده وناله.
(ب) مسئولية "المسئولية التقصيرية" "جزاء المسئولية" "التعويض" "تقدير التعويض". حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد كذلك".
لا يعيب الحكم إدماجه الضرر المادي والأدبي معاً وتقديره التعويض عنها جملة بغير تخصيص.
(ج) مسئولية "المسئولية التقصيرية" "أركانها" "ركن الضرر" "الضرر المحقق والاحتمالي". حكم "تسبيبه" "الرد على أوجه الدفاع القانونية رداً سليماً".
لا يعيب الحكم استبعاده من عناصر الضرر الحرمان من المكافآت طالما أن نظره بني على أن الضرر المدعى به في هذا الصدد احتمالي وليس محقق الوقوع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 26/ 11/ 1950 أقام الطاعن على المطعون عليها الدعوى رقم 1406 سنة 1950 محكمة الدرب الأحمر الجزئية طالباً فيها الحكم بإلزام المدعى عليها (المطعون عليها) بأن تدفع له مبلغ 5000 جنيه على سبيل التعويض... إلخ. وذكر في دعواه أنه بينما كان يؤدي واجبه كمدرس بمدرسة حلوان الابتدائية في يوم 12/ 3/ 1949 - مر من إحدى الفتحات المخصصة للمرور من شرفة المدرسة إلى فنائها - وكانت الفتحة مغطاة بكمية من الرمل وضعت مكان إحدى درجات السلم - ولكن المدرسة كانت قد رفعتها من مكانها من بضعة أيام دون القيام بأي احتياط لتنبيه المارين ولذلك قد تعثرت قدمه وسقط وكسرت ساقه اليسرى وأصيب بقطع في أعصاب الحس والحركة الأمر الذي كبده نفقات ودواء عدة شهور وانتهى الأمر ببتر ساقه - ثم رفع الدعوى بطلب الحكم بالمبلغ المتقدم ذكره - وبتاريخ 16/ 1/ 1951 قضت محكمة الدرب الأحمر بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 882 لسنة 1951 - وبعد أن أصدرت هذه المحكمة حكماً في 29 من يونيه سنة 1953 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما دوّن بمنطوقه قضت في 28/ 12/ 1953 برفض دعوى الطاعن وإلزامه بالمصروفات، فاستأنف هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة في 10/ 3/ 1954 بالاستئناف رقم 253 لسنة 71 ق. طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم بإلزام "المطعون عليها" بأن تدفع له مبلغ 5000 جنيه والمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، وبتاريخ 22 فبراير سنة 1955 أصدرت محكمة الاستئناف حكماً قررت في أسبابه خطأ إدارة المدرسة وما يستتبع ذلك من مسئولية المطعون عليها وقضت في منطوقه بالانتقال إلى مستشفى الهلال الأحمر وغيره من المستشفيات التي عولج بها الطاعن للاطلاع على أوراق علاجه لبيان مدى اتصال الكسر الحاصل بساقه بحادث السقوط توطئة لتقدير التعويض، وبتاريخ 3 من مايو سنة 1955 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعن مبلغ 700 جنيه والمصروفات المناسبة وعشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبتاريخ 15/ 6/ 1955 قرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بالنقض، وبعد استيفاء الإجراءات أبدت النيابة العامة رأيها بمذكرتها برفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 3 من يونيه سنة 1959 وفيها صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1959 وفيها صممت النيابة العامة على رأيها السالف ذكره.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه قصور التسبيب إذ لم تبين محكمة الموضوع في حكمها العناصر المكونة قانوناً للضرر - والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض ووقفت في ذلك عند حد القول بأن الطاعن غالى في تقدير التعويض وأسرف في الكشف المقدم منه في بيان عناصر التعويض الذي يستحقه ولم تبين المحكمة في حكمها تلك العناصر التي كانت موضع إسرافه كما أنها إذ استبعدت بعضها - بمقولة إنه يفتقر إلى إثبات - لم تحدد الوقائع المفتقرة لذلك واقتصرت على ذكر بعضها على سبيل المثال. ذلك إلى أنها أدمجت الضرر الأدبي والمادي معاً بغير تحديد لمقدار التعويض عن كل منهما. وبالسبب الثاني نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه جاء قاصر التسبيب - إذ لم يلتفت عند تقديره للتعويض المستحق له - إلى ما تمسك به من أن الضرر الذي أصابه لا يقف عند حد ما حل به في الماضي - بل إن آثار الحادث الذي وقع له ونتائجه ستلازمه مستقبلاً - ولم يدخل الحكم المطعون فيه هذا الاعتبار في عناصر التقدير - بل جاء تقديره عاماً من غير تحديد واكتفى بالقول بأن الطاعن لم يحرم من وظيفته مغفلاً أن كفايته قد نقصت بما يعجزه عن القيام بأعمال مشروعة أخرى غير أعمال الوظيفة - كانت تدر عليه الكثير من المال - وبالسبب الثالث نعى الطاعن على ذلك الحكم أنه إذ استبعد من عناصر التعويض مكافآت الدروس الخصوصية والندب للمراقبة في الامتحانات - بمقولة أنها ليست مكافآت ثابتة - فإنه أخطأ في التكييف القانوني للواقع - ذلك أن حرمان الطاعن من هذه المكافآت - هو مما يلحق به ضرراً محققاً - إذ لولا الحادث الذي وقع له لكان مجال الحصول عليها مفتوحاً أمامه - ولا عبرة في هذا الخصوص بأن تلك المكافآت ليست ثابتة.
وحيث إن النعي بهذه الأسباب جميعها مردود بأن محكمة الاستئناف بعد أن صدرت أسباب قضائها بإيراد خلاصة الحكم الذي سبق لها إصداره في 22 فبراير سنة 1955 مبينة أن ذلك الحكم قد انتهى في أسبابه إلى تقرير خطأ إدارة مدرسة حلوان وما يستتبعه من مسئولية الوزارة (المطعون عليها) وبعد أن أوردت نتائج انتقالها للاطلاع على أوراق المستشفيات التي عولج بها الطاعن وخلصت إلى القول بأنه ليس هناك أي تقصير أو مسئولية يمكن إسنادها إليه وأنه بذلك ينهار القول بقيام خطأ مشترك - عرضت بعد ذلك لتقدير التعويض فذكرت "ومن حيث إنه عن التعويض فقد غالى المستأنف (الطاعن) كثيراً في تقديره وأسرف في بيان العناصر التي انطوى عليها الكشف المقدم منه فمنها ما لا حق له في المطالبة به كمصاريف علاج أولاده وأجور مدرسين خصوصيين لهم إذ لا شأن لذلك بالحادث وكذلك مكافآت الدروس الخصوصية أو ندبه في المراقبة لأنها ليست مكافآت ثابتة ومنها ما زاد في تقديرها زيادة ملحوظة فضلاً عن أن بعضها يفتقر إلى إثبات مثل مصاريف الأطباء والممرضات والأدوية وزيارة أسرته له في المستشفى، أما عن العملية التي يقول المستأنف أنه يزمع إجراءها لإخراج العظم المفتت المتخلف برجله نتيجة لسرعة عمل العملية السابقة فإنه ليس في الأوراق دليل على هذا التخلف ولم يظهر له أثر أو مضاعفات في الساق رغم مرور أكثر من خمس سنوات بعد البتر كما أنه ليس له أن يطالب بمصاريف السفر بالطائرة إلى الخارج لصنع رجل أخرى بعد أن أصبحت صناعة الأطراف الصناعية في مصر كفيلة بتلبية الحاجة إليها. ومن حيث إن المحكمة ترى إزاء ما تقدم اطراح هذه الأرقام التي تقدم بها المستأنف وأن تقدر له إجمالياً مبلغ 700 جنيه وهو مع ما يتناسب مع الضررين المادي والأدبي وتعويض جميع ما تكبده من مصروفات وما ناله من متاعب مراعية في ذلك أن الحادث والأثر المترتب عليه لم يؤثر على قدرته على القيام بوظيفته كمدرس أو ينقص من كفايته في أدائها على الوجه المطلوب منه فهو لم يفقد هذه الوظيفة أو يحرم من مواردها كلاً أو بعضاً" ومن ذلك يبين أن محكمة الموضوع وهي بسبيل تقدير ما يستحقه الطاعن من تعويض قد أطرحت للأسباب السائغة التي ذكرتها الأرقام التي أوردها الطاعن في الكشف المقدم منه تحديداً من جانبه للتعويض الذي يرى نفسه مستحقاً له - وتولت هي - بما لها في هذا الخصوص من سلطة التقدير تحديد مقدار التعويض الذي رأت أن الطاعن يستحقه - مبينة في حكمها أن المبلغ الذي قدرته هو عن جميع ما لحق بالطاعن من ضرر مادي وأدبي - وأنه تعويض عن جميع ما تكبده من مصروفات وما ناله من متاعب وحسبها ذلك ليستقيم قضاؤها - ولا يعيبه أنه أدمج الضرر المادي والأدبي معاً وقدر التعويض عنهما جملة بغير تخصيص لمقداره عن كل منهما إذ ليس هذا التخصيص بلازم قانوناً، كما لا يعيبه إنه فيما قرر استبعاده من عناصر الضرر لم يدخل في اعتباره حرمان الطاعن من مكافآت الدروس الخصوصية والندب للمراقبة في الامتحانات - ذلك أن نظر الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص سديد لابتنائه كما هو مفهوم من أسبابه على أن الضرر الذي يدعيه الطاعن في هذا الصدد هو ضرر احتمالي وليس بضرر محقق الوقوع.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق