الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

الطعن 1000 لسنة 4 ق جلسة 17 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 53 ص 653

جلسة 17 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

----------------

(53)

القضية رقم 1000 لسنة 4 القضائية

اختصاص 

- دفن الموتى يعتبر من المرافق العامة - تنظيم المشرع لهذا المرفق بموجب القانون رقم 1 لسنة 1922 ولائحة ممارسة مهنة الحانوتية والتربية وإخضاعه الحانوتية والتربية لنظام إداري مماثل لنظم التوظف باعتبارهم عمال هذا المرفق - اعتبارهم من الموظفين العموميين - النظر في المنازعة المتعلقة بصحة التعيين في وظيفة تربي يدخل في اختصاص المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية.

------------------
إن دفن الموتى بالجبانات هو من المرافق العامة لاتصاله اتصالاً وثيقاً بالشئون الصحية والإدارية والشرعية؛ ومن أجل ذلك تدخل المشرع فنظمه تنظيماً عاماً بموجب القانون رقم 1 لسنة 1922 ولائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتربية التي صدرت بتفويض من القانون المذكور. ولما كان الحانوتية والتربية ومساعدوهم هم عمال هذا المرفق فقد نظم القانون واللائحة المشار إليهما طريقة تعيينهم ومباشرتهم لوظيفتهم, وحدد واجباتهم والأعمال المحرمة عليهم وتأديبهم, وأخضعهم في ذلك كله لنظام إداري مماثل لنظم التوظف, فلا يجوز لأحد منهم مباشرة مهنته إلا بقرار إداري من لجنة الجبانات يرخص له في ذلك بعد استيفاء الشروط الواجب توافرها, وهى شروط خاصة بالسن وبالدين وباللياقة الصحية وبعدم سبق صدور حكم جنائي عليه وبحسن السمعة ومعرفة القراءة والكتابة والإلمام بالأحكام الشرعية والصحية والإدارية اللازمة لأداء هذه المهنة. كما أنه أخضعهم لنظام تأديبي, شأنهم في ذلك شأن سائر الموظفين, وأجاز توقيع جزاءات تأديبية عليهم من الجهة الإدارية المختصة, وهذه الجزاءات تماثل الجزاءات التأديبية التي توقع على سائر الموظفين؛ فهم بهذه المثابة يعتبرون من الموظفين العموميين وليسوا من الأفراد. ولما لم يكونوا من الفئة العالية أو الضباط أو ممن هم في مستواهم الوظيفي فإن المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية تكون - والحالة هذه - مختصة بهذه الدعوى.


إجراءات الطعن

في 29 من سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة طعناً قيد بجدولها تحت رقم 1000 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية بجلسة 2 من أغسطس سنة 1958 في الدعوى رقم 329 لسنة 5 القضائية المرفوعة من أحمد أحمد حجاج الشهير بأحمد بدوي ضد بلدية القاهرة وآخر, القاضي "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى, وإحالتها إليها للفصل فيها موضوعاً. وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 19 من أكتوبر سنة 1958, وإلى الخصم في 19 من يوليه سنة 1958, وعينت لنظره جلسة 20 من ديسمبر سنة 1958. وفي 18 من نوفمبر سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 471 لسنة 12 القضائية بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من يناير سنة 1958 طالباً الحكم: أولاً, وبصفة مستعجلة, بوقف تنفيذ قرار لجنة الجبانات الخاص بتعيين محمود محمد يوسف تربياً بجبانة باب الوزير لحين الفصل في الموضوع. ثانياً, وفي الموضوع, بإلغاء قرار لجنة الجبانات الصادر في 21 من يناير سنة 1958 بوقف طلب تعيينه وحفظه, وبأحقيته في التعيين بوظيفة تربي بجبانة باب الوزير, مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وذكر بياناً لدعواه أنه عين بوظيفة تربي بجبانة باب الوزير عقب وفاة خالة, وظل يباشر عمله حتى اتهم بتدبير من خصومه في جريمة حوكم من أجلها جنائياً وفصل تأديباً بتاريخ 4 من مايو سنة 1946 بناء على صدور حكم بالعقوبة ضده, وقامت لجنة الجبانات بتعيين ابنه محمد أحمد بدوي تربياً, إلى أن عين مدرساً بوزارة التربية والتعليم, فتنازل عنها لوالده المفصول الذي حصل على حكم برد اعتباره في القضية رقم 509 و106 سنة 1954. وبتاريخ 20 من فبراير سنة 1956 أصدرت اللجنة التأديبية قرارها بالتوصية بسحب رخصته والنظر في تعيين والده الذي أعيد رد اعتباره, فانعقدت اللجنة في 24 من أبريل سنة 1956 للنظر في تعيينه, وأصدرت قرارها بأنها رأت إعادة تعيينه لأحقيته في العودة إلى عمله بعد رد اعتباره, مع رفع الأمر للبلدية للاستئناس برأي مجلس الدولة, إذا رأت ضرورة لذلك. وفي 26 من سبتمبر سنة 1956 أصدر المجلس البلدي قراراً بوقف تعيينه وحفظ طلبه استناداً إلى فتوى قسم قضايا الحكومة بحرمان التربي المفصول من حق إعادة تعيينه ما دام قد صدر ضده حكم جنائي وفقاً للمادة 25 من لائحة ممارسة مهنة الحانوتية والتربية, فأرسل إنذاراً إلى المدعى عليهما بتاريخ 29 من سبتمبر سنة 1956 - مبيناً وجه الخطأ القانوني في قرار المجلس البلدي السالف الذكر, وبأن الفتوى التي قام عليها لا تنطبق على حالته, فضلاً عن أنها صادرة عام 1938, وقد نسخت بتشريعات لاحقة - طالباً إيقاف اتخاذ الإجراءات لحين الفصل في الدعوى المرفوعة منه لإلغاء هذا القرار أمام المحكمة, كما أرسل تظلماً إلى الوزير بنفس المعنى. وقد انتهز محمود محمد يوسف فرصة ضم ملفات المنطقة لأوراق الدعوى المشار إليها وقدم طلباً جديداً إلى بلدية القاهرة لتعيينه تربياً لهذه المنطقة, وصدر قرار اللجنة في 21 من يناير سنة 1958 بتعيينه دون إخطار المدعي أو النشر خلو المنطقة وإخطار من يتقدم لحضور الجلسة, في حين أن المنطقة لم تكن خالية من تربي, فالقرار باطل لأنه بني على الغش, وقد نصت المادة 28 من اللائحة المعدلة بقرار 24 من يناير سنة 1949 على أنه إذا خلا محل حانوتي أو تربي فللجنة عند تعيين بدله أن تراعى الأولوية لأولاده وأقربائه متى توافرت فيهم شروط الانتخاب. وقدم تقدم شقيق التربي المفصول وهو ابنه (ابن المدعي) لتعيينه وهو صاحب الأولوية في التعيين طبقاً للمادة 28 من اللائحة المشار إليها. وقد حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلستها المنعقدة في 18 من فبراير سنة 1958 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, وأمرت بإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية. واستندت في قضائها إلى أن المنازعة تدور حول صحة تعيين آخر خلاف المدعي في وظيفة تربي بجبانة باب الوزير نظراً لأحقيته لها, وهذه الوظيفة ليست من وظائف الفئة العالية ولا الضباط, فتكون الدعوى من اختصاص المحكمة الإدارية الخاصة بوزارة الشئون البلدية, وأحيلت إليها فعلاً.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية نظرت الدعوى وقدمت لها بلدية القاهرة مذكرة دفاعها طلبت فيها رفض طلب وقف التنفيذ؛ استناداً إلى تخلف عنصري وقف التنفيذ, وهما النتائج التي يتعذر تداركها واحتمال كسب الدعوى, وذلك استناداً إلى أن القرار المطعون فيه لا يعدو أن يكون توصية بالتعيين أو الترشيح له؛ إذ أن السلطة التي تملك تعيين التربية وعزلهم هي الهيئة الإدارية لمجلس بلدي مدينة القاهرة بعد مصادقة وزير الشئون البلدية والقروية وذلك بناء على الاختصاصات المخولة له بمقتضى قانون إنشاء المجلس رقم 145 لسنة 1949 وما لحقه من تعديلات, وأن الأولوية التي تضمنتها المادة 28 من هذه اللائحة جوازية, وقد فصل المدعي من هذه المهنة لإخلال بواجبات مهنته؛ فقد حكم عليه في جريمة نصب رقم 555 لسنة 1945 بالسجن خمس سنوات لاحتياله على سيدة داخل المقابر وابتزازه ما يربو على الألف جنبه منها, وأنه لا يفيده رد اعتباره إليه, ما دام القانون يشرط في التعيين حسن السمعة وحميد السيرة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية حكمت بجلسة 2 من أغسطس سنة 1958 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات, واستندت في قضائها إلى أن مهنة التربي ليست وظيفة عمومية, وبالتالي لا يكون التربي موظفاً عمومياً خلافا لرئيس الحانوتية الذي يعتبر كذلك, وأن الدعوى لا تعدو أن تكون طعناً من أحد الأفراد في قرار إداري برفض الترخيص باحتراف مهنة تربي, وهو أمر خارج عن اختصاصها.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى نفي صفة الموظف العمومي عن التربي, وهو حكم سليم في نظر هيئة المفوضين, فتكون محكمة القضاء الإداري وحدها المختصة بنظر الدعوى.
من حيث إنه نص في المادة العاشرة من تلك اللائحة على أن "التربية ومساعدي التربية هم الذين يتولون دفن الموتى...", ونص في المادة 11 على أنه "لا يجوز لأحد مباشرة مهنة تربي إلا بترخيص من لجنة الجبانات...", ثم تلا ذلك في هذه المادة بيان الشروط الواجب توافرها في التربي أو مساعده, ونصت المادة 12 على أن "تحدد لجنة الجبانات للتربي منطقة يعمل بها, ولا يجوز للتربي أن يباشر الدفن في غير المنطقة المعينة في رخصته", ثم بينت اللائحة في المواد التالية واجبات التربي أو مساعد والأعمال المحرمة عليهما, ثم نصت المادة 23 على أن كل تقصير أو مخالفة لأحكام هذه اللائحة يعاقب عليها بأحد الجزاءات الآتية: (أولاً) الإنذار. (ثانياً) الغرامة التي لا تزيد على خمسة جنيهات. (ثالثاً) التوقيف عن العمل مدة لا تجاوز ستة أشهر. (رابعاً) الحرمان من المهنة, وهذا مع عدم الإخلال بالدعوى الجنائية التي يكون هناك محل لإقامتها على المخالف, أو الدعوى المدينة التي قد يرفعها عليه الغير, كما نصت المادة 26 على "أن كل حانوتي أو تربي فقد شرطاً من الشروط المقررة لممارسة مهنته تسحب رخصته بقرار من لجنة الجبانات".
ومن حيث إنه يبين من تلك النصوص أن دفن الموتى بالجنايات هو من المرفق العامة؛ لاتصاله اتصالاً وثيقاً بالشئون الصحية والإدارية والشرعية؛ ومن أجل ذلك تدخل المشرع فنظمه تنظيماً عاماً بموجب القانون رقم 1 لسنة 1922 ولائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتربية التي صدرت بتفويض من القانون المذكور. ولما كان الحانوتية والتربية ومساعدوهم هم عمال هذا المرفق فقد نظم القانون واللائحة المشار إليهما طريقة تعيينهم ومباشرتهم لوظيفتهم وحدد واجباتهم والأعمال المحرمة عليهم وتأديبهم, وأخضعهم في ذلك كله لنظام إداري مماثل لنظم التوظف, فلا يجوز لأحد منهم مباشرة مهنته إلا بقرار إداري من لجنة لجبانات يرخص له في ذلك بعد استيفاء الشروط الواجب توافرها, وهى شروط خاصة بالسن وبالدين وباللياقة الصحية وبعدم سبق صدور حكم جنائي عليه وبحسن السمعة ومعرفة القراءة والكتابة والإلمام بالأحكام الشرعية والصحية والإدارية اللازمة لأداء هذه المهنة, كما أنه أخضعهم لنظام تأديبي, شأنهم في ذلك شأن سائر الموظفين, وأجاز توقيع جزاءات تأديبية عليهم من الجهة الإدارية المختصة, وهذه الجزاءات تماثل الجزاءات التأديبية التي توقع على سائر الموظفين؛ فهم بهذه المثابة يعتبرون من الموظفين العموميين وليسوا من الأفراد. ولما لم يكونوا من الفئة العالية أو الضباط أو ممن هم في مستواهم الوظيفي, فإن المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية تكون - والحالة هذه - مختصة بهذه الدعوى. ويكون الحكم المطعون فيه, إذ ذهب غير هذا المذهب، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه, وإعادة القضية إلى المحكمة المذكورة للفصل فيها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وباختصاص المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية بنظر الدعوى, وبإحالتها إليها للفصل في موضوعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق