الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 1 لسنة 4 ق جلسة 22 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 17 ص 188

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

-----------------

(17)

القضية رقم 1 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف عام 

- موظفو كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة - سريان الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية عليهم فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم - الاختصاص في نظر الطعن المقدم في قرار فصل موظف في كلية فيكتوريا ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره.
(ب) اختصاص 

- مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية هو أهمية النزاع - استناد هذا المعيار إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته من حيث مرتبة الموظف ومستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها - انطباق هذا المعيار كلما تحققت حكمته التشريعية - عدم ارتباطه بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 - عبارة "الموظفين الداخليين في الهيئة في الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة - وجوب فهمها على أنها وصف عام للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الاصطلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر - شمول قاعدة توزيع الاختصاص الوارد في المادة 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين سواء الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين - صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها - عدم التقيد بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة في الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 - حجة ذلك.
(ج) اختصاص 

- توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية - عدم وجود اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين - اشتراك كل من الهيئتين في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين - توزيع هذا الاختصاص بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع - حجة ذلك.
(د) اختصاص 

- وظيفة مدرس مادة الطبيعة بمرتب قدره 550 ج سنوياً مضافاً إليه 50 ج نظير الإشراف على المعامل - هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم - عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا - لا يجرد هذه الوظيفة من أهميتها التي هي مناط تعيين الاختصاص - افتراض قيام علاقة المدعي بكلية فيكتوريا على رابطة أساسها عقد استخدامه - أحكام هذا العقد قاعدة تنظيمية تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام - عدم وجود التنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو في الفئة العالية أو مشبهاً بذلك - اختصاص محكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية بنظر المنازعة المتعلقة بالقرار الصادر بفصله.

---------------------
1 - إن كلية فيكتوريا منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 والعقد المرافق له قد أصبحت شخصاً من أشخاص القانون العام يقوم بالإسهام في شئون مرفق عام من مرافق الدولة هو مرفق التعليم؛ ومن ثم فإن موظفي كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة مع هؤلاء الموظفين؛ وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي الصادر في 30 من يونيه سنة 1957 من خدمة كلية فيكتوريا بالإسكندرية ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره, وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة, وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية".
2 - إن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نص في المادة 13 منه على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية: (1) بالفصل في الطلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها. (2) بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم". ونص في المادة 14 على أن "تختص محكمة القضاء الإداري بصفة نهائية بالفصل في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه خاصاً بهاتين المادتين "... وغني عن البيان أن محكمة القضاء الإداري بحسب النظام الحالي الذي تتحمل فيه وحدها عبء الفصل في هذه الكثرة الهائلة من القضايا... لن تستطيع والحالة هذه الفصل في القضايا بالسرعة الواجبة مع أهمية ذلك كي تستقر الأوضاع الإدارية ولو زيد عدد دوائرها أضعافاً. لذلك كان لا بد من علاج هذه المشكلة, والنظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع...". ويتضح من هذا أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية - بمراعاة التدرج القضائي بينهما - هو أهمية النزاع, ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته منظوراً إليها من حيث مرتبة الموظفين المستمدة من مستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها. ومتى كان الفيصل في تعيين الاختصاص القائم على أهمية النزاع هو هذا المعيار المجرد فإنه ينطبق كلما تحققت حكمته التشريعية غير مرتبط بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في إطار قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وإلا فاتت هذه الحكمة. فتفهم عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 على أنها وصف عام على سبيل الحصر للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الإصلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة, أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر؛ ذلك أن المشرع في قانون مجلس الدولة لم يخص بالعبارة آنفة الذكر الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية بحسب تعريفهم في قانون نظام موظفي الدولة والجداول الملحقة به أو في ميزانية الدولة العامة الخاصة بالحكومة المركزية فحسب, وإنما اتبع هذه المصطلحات على حكم الغالب, وعنى بذلك من في مستواهم الوظيفي من حيث طبيعة العمل ونوع الوظيفة ومرتبتها في مدارجها بما لا يمنع من تأويل هذا الاصطلاح بما يقابله ويتعادل معه معنى ومدلولاً في مفهوم القواعد واللوائح التي تحكم حالة الموظفين العموميين في كل مصلحة أخرى أو هيئة عامة من الهيئات التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها وميزانيتها ولا تلتزم النظام الوظيفي أو المالي المتبع في شأن الموظفين الحكوميين؛ وبذلك تشمل قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة وتتسع لهم جميعاً, الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين؛ تحقيقاً للمساواة بينهم في المعاملة القضائية, كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين العموميين ذوي الكادرات الخاصة الذين تنظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة - كرجال القضاء وإدارة قضايا وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات - ولا يحكمهم قانون نظام موظفي الدولة أساساً, وكما هو الحال كذلك بالنسبة إلى موظفي المؤسسات العامة الداخلة في إطار الدولة العام وفي نطاق وظيفتها الإدارية بعد إذ امتد نشاط هذه الأخيرة إلى مختلف المرافق والتي يتبعها موظفون عموميون ولا تتقيد بالأوضاع والنظم المالية المقررة لموظفي الإدارة الحكومية سواء في تبويب الميزانية أو في تقسيم الوظائف والدرجات, كما لا تلتزم مصطلحاتها بنصها وتعبيراتها بل تنفرد بنظمها وتعبيراتها الخاصة وإن قارب فيها ترتيب الوظائف وطبيعتها ومستوياتها نظائرها في الكادر العام. ومن ثم فإن صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية, متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها حسبما يتلاءم مع طبيعة نظام المؤسسة وأوضاع ميزانيتها ومركزة فيها, فهو في الحكومة غيره في المؤسسة بيد أن المركز القانوني لطلبهما واحد, وبالتالي فإن حكمهما من حيث الاختصاص باعتباره أثراً من الآثار المترتبة على هذا المركز واحد كذلك. وبالقياس ذاته تتحدد الفئة العالية, فما هذه التسمية إلا مظهر الأهمية التي هي معيار توزيع الاختصاص, وتتحقق هذه الأهمية بتوافر عناصرها بالفعل في أي صيغة ركبت, فيعرف نظراء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية في المؤسسات العامة بحقيقة أوضاعهم الوظيفية والمالية لا بوصفهم وتسمياتهم. ومتى كان الأمر كذلك فلا تعديل ولا تغيير في قواعد الاختصاص بل إعمال لها وتطبيق صحيح لضوابطها بروحها ومغزاها بما يتفق وحكمة للتشريع ويتلاءم مع طبيعة نظم التوظيف وتقسيم الوظائف والدرجات وأوضاع الميزانية التي تقررها اللوائح الخاصة بالمؤسسات العامة. أما الاستمساك بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فلزوم ما لا يلزم, بل إعراض عن جوهر قصد الشارع في قانون مجلس الدولة بما قد يفضي إلى الخروج على مفهوم القانون ذاته فيما يتعلق بالموظفين الشاغلين للوظائف العليا ذات المربوط الثابت الذين لا يدخلون في نطاق تقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون نظام موظفي الدولة, وهو تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل من هاتين الفئتين إلى نوعين: فني وإداري للأولى وفني وكتابي للثانية؛ إذ لم ترد وظائفهم في الجدول الثاني المرافق لهذا القانون ضمن وظائف الكادر الفني العالي والإداري, وهو منطق غير مقبول أن يخرج أفراد هذه الفئة من الموظفين من اختصاص محكمة القضاء الإداري ويخضعون في منازعاتهم الإدارية لولاية المحاكم الإدارية, مع أن وظائفهم في مدارج السلم الإداري تتعادل وتتساوى مع وظائف الكادر الفني العالي والإداري المقرونة بهذا الوصف في الجدول الثاني من القانون, الأمر الذي يتنافى مع ما قصده الشارع من جعل أهمية النزاع المشتقة من مرتبة الوظيفة مناط تحديد الاختصاص.
3 - متى كان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو إلى أهمية النزاع, وكان تقدير هذه الأهمية يقوم على أسس واقعية منضبطة على نحو ما سلف بيانه مردها إلى المستوى الوظيفي وخطورة المسئولية والدرجة المالية ومقدار المرتب وما إلى ذلك من ضوابط ومعايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية ومثيلات كل منها؛ لقيام الفارق بينهما بحكم طبائع الأشياء. فليس ثمت اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين, بل مشاركة في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه هذه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين, وتوزيع لهذا الاختصاص بين الهيئتين المذكورتين بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع بما يجعل كلاً منهما أصيلة فيما أسند إليها الاختصاص بنظره معزولة عما سواه. وآية ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من قولها: "وكل ذلك بحيث تختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالفصل نهائياً فيما نص عليه في البندين أولاً وسادساً, وتختص بالاشتراك مع المحاكم الإدارية بالفصل فيما نص عليه في البنود: ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسابعاً", وهذا الاختصاص المشترك بالفصل فيما نص عليه في البنود: ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة الثامنة من القانون في شئون الموظفين العموميين هو ما تحدثت عنه المادتان 13 و14 منه, ووزعت فيه الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بصفة نهائية على أساس أهمية النزاع بما يتمشى مع التدرج القضائي بين كل من هاتين الهيئتين. ومما يؤكد هذا النظر ما ورد في كلتا المادتين المشار إليهما من قول الشارع "عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط" في المادة الأولى, وعدا ما تختص به المحاكم الإدارية في الثانية؛ الأمر الذي يفيد تبادل الاستثناء بين الهيئتين, وما بدء الشارع بالمحاكم الإدارية بسبب سهولة حصر اختصاصها إلا اقتصاد في العبارة وإيجاز في السرد.
4 - إن وظيفة مدرس مادة الطبيعة التي كان يشغلها المدعي ومرتبه الذي كان يتقاضاه وقدره 550 جنيهاً سنوياً مضافاً إليه 50 جنيهاً نظير الإشراف على المعامل والمؤهل الذي يحمله - وهو الدكتوراه من جامعة شيفيلد - هذه الوظيفة هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم. ولا يقدح في هذا أو يجرد الوظيفة من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا؛ ذلك أن مرتب وظيفة المدعي يصعد إلى مستوى يناهز المرتبات العالية في الدولة؛ الأمر الذي يجعله في حد ذاته يدخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة. ومتى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر - فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية - كون علاقته بكلية فيكتوريا كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف فإن أحكام العقد ذاتها تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام, وهي مع ذلك لا تمنع من سريان أحكام نظام التوظف في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً. ولما تقدم من أسباب, فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية.


إجراءات الطعن

في يوم 10 من أكتوبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن قيد برقم 1 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 13 من أغسطس سنة 1957 في القضية رقم 520 لسنة 4 ق المرفوعة من محمد أحمد عجلان ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي باستمرار صرف مرتب المدعي لمدة غايتها آخر ديسمبر سنة 1957 ومع مراعاة حكم المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - (أولاً) وبصفة أصلية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. (ثانياً) وبصفة احتياطية بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 17 من أكتوبر سنة 1957, وإلى المطعون ضده في 22 من أكتوبر سنة 1957, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من أكتوبر سنة 1958. وفي 12 من يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أنه في 14 من يوليه سنة 1957 أقام المدعي الدعوى رقم 520 لسنة 4 ق ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية, وضمن صحيفتها أنه كان يعمل بخدمة كلية النصر كمدرس منذ أول أكتوبر سنة 1955. وفي 30 من يونيه سنة 1957 أخطره مدير الكلية بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه 1957, وينعى على قرار فصله أنه جاء مشوباً بعيب التعسف في استعمال السلطة, وأريد به الانتقام منه لترشيحه نفسه في الانتخابات الأخيرة رغم ما تقرر من استبعاد اسمه من قوائم الترشيح, ويضيف أنه موظف عمومي, وقد ثبتت له هذه الصفة منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957. ويذكر أنه تظلم في 13 من يوليه سنة 1957 لوزير التربية والتعليم من القرار الصادر بفصله, وأنه يحتفظ لنفسه بالحق في طلب إلغائه, وطلب بصفة مستعجلة استمرار صرف مرتبه من تاريخ فصله استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بتنظيم مجلس الدولة مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 13 من أغسطس سنة 1957 حكمت المحكمة باستمرار صرف مرتب المطعون ضده لمدة غايتها آخر ديسمبر سنة 1957 ومع مراعاة حكم المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955, مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على ما استخلصته من ظروف الحال, وعرضت لاختصاصها بنظر الدعوى فقالت إن المدعي كان يعمل مدرساً بكلية فيكتوريا البريطانية التي أخضعت للحراسة, ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص بالتعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والأستراليين على شراء المدارس الأجنبية التي كانت خاضعة لأحكام الحراسة نظراً لضمها للوزارة, وتضمن العقد إقرار الوزارة بتسلمها جميع هذه المدارس, وانتقال ملكيتها تبعاً لذلك للوزارة, وحلول الوزارة محل الحراسة العامة على هذه المدارس في جميع الالتزامات الواقعة عليها, وأن تلتزم الوزارة بجميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك مكافآت ترك الخدمة. وأنه نتيجة لضم هذه المدارس إلى وزارة التربية والتعليم اعتباراً من 30 أبريل سنة 1957 اعتبر المدعي موظفاً عاماً لارتباطه بالعمل بصفة منتظمة في مرفق التعليم الذي تباشره هذه الوزارة وإن لم ينته الأمر بعد إلى تحديد وضعه من حيث تعرف الكادر أو الدرجة المقررة أن يشغلها في ظل هذا التظلم الجديد, ومن سبق الحوادث القول بأنه يعتبر من الموظفين بالكادر الفني العالي بالنظر إلى المؤهل الدراسي العالي الذي يحمله. وانتهت المحكمة إلى أنها مختصة بنظر منازعة المدعي؛ لأنها تقوم على اختصام القرار الصادر بفصله من الخدمة عملاً بأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955. ثم عرضت المحكمة لموضوع الدعوى وبينت أن الحكم باستمرار صرف المرتب طبقاً لمقتضى نص المادة 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 حكم مؤقت يقتضي استظهار مشروعية قرار الفصل دون الخوض في صميم الموضوع لتعرف ملابسات إصداره لتلمس ما إذا كان سليماً مما يشوبه من عدمه. وذكرت المحكمة أنه يبين من مطالعة ملف خدمة المدعي المقدم من الجهة الإدارية أنه عين في وظيفة مدرس بكلية فيكتوريا اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1955 وتضمنت شروط استخدامه أنه يمكن إنهاء العقد إذا أخطر أحد الطرفين الطرف الآخر قبل ذلك بفترة (Term), وقد بعثت الكلية إلى المطعون ضده في 30 من يونيه سنة 1957 خطاباً تضمن إخطاره بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957، وذلك بناء على إشارة تليفونية صادرة في 25 من يونيه سنة 1957 من مكتب المدير الفني لمكتب وزير التربية والتعليم, ولم تفصح الجهة الإدارية عن مضمون هذه الإشارة, غير أن مندوب الجهة الإدارية قرر بجلسة المرافعة أن إنهاء خدمة المطعون ضده كان لعدم صلاحيته في عمله. ثم استطردت المحكمة وقالت إن العقد وإن أجاز للجهة الإدارية إنهاء خدمة المطعون ضده استناداً إلى ما جاء بكتاب مدير الكلية إلى المطعون ضده المؤرخ 6 من أغسطس سنة 1955 متضمناً شروط توظفه بالكلية, غير أنه يتعين التزام ما جاء بهذا الشأن من أن إخطار أي طرف بالعقد للطرف الآخر بإنهاء العقد يجب أن يكون قبل الميعاد المحدد لإنهاء العقد بفترة (Term). وانتهت المحكمة إلى أن فترة العطلة الصيفية التي بدأت في أول يوليه سنة 1957 لا تعتبر بمثابة (Term) عند النظر في إنهاء عقد استخدام المطعون ضده, على أساس أن العام الدراسي بالكلية ينقسم إلى ثلاث فترات (Term): تبدأ الفترة الأولى من أول أكتوبر وتنتهي في 31 من ديسمبر, وتبدأ الفترة الثانية من أول يناير وتنتهي في 31 من مارس, وتبدأ الفترة الثالثة من أول أبريل وتنتهي في 30 من يونيه. وأن الفترة من أول يوليه حتى آخر سبتمبر عطلة دراسية ولا تعتبر بمثابة (Term) دراسي. وانتهت المحكمة إلى أن إخطار الجهة الإدارية للمطعون ضده بإنهاء خدمته جاء مخالفاً لعقد استخدامه؛ إذ كان يتعين أن يمنح مهلة قدرها فترة دراسية (Term) تمضي بين الإخطار وبين الموعد المحدد لإنهاء عقده. وتقول المحكمة إن أول (Term) بعد تاريخ الإخطار يبدأ من أول أكتوبر سنة 1957 وينتهي بآخر ديسمبر سنة 1957. ورتبت المحكمة على ذلك أن إخطار الجهة الإدارية للمطعون ضده بإنهاء خدمته قد جاء مخالفاً لما ورد بالبند السادس من تعاقد الوزارة مع الحارس العام في شأن ضم المدارس الأجنبية التي كانت خاضعة للحراسة إلى الوزارة من التزام الوزارة بتنفيذ جميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها, واستطردت المحكمة إلى أن الجهة الإدارية قد ذهبت إلى أن فصل المطعون ضده من الخدمة كان لما تبين من عدم صلاحيته لمباشرة أعمال وظيفته؛ الأمر الذي يتنافى مع ما جاء بالتقرير المقدم في 27 من مايو سنة 1957 من مفتش مادة العلوم التي كان المطعون ضده يقوم بتدريسها بالكلية, وقد تضمن أن المطعون ضده (ذو شخصية قوية, مادته ممتازة, طريقته استقرائية ممتازة, يجيد مناقشة تلاميذه كما يجيد تحضير دروسه, أعمال تلاميذه التحريرية جيدة, إجابة تلاميذه جيدة, جيد التعاون جداً مع إدارة المدرسة, التقرير العام ممتاز)؛ بما لا يتفق والقول بأن إنهاء خدمة المطعون ضده كان مرده إلى عدم صلاحيته في أداء عمله, ويكون هذا التدليل مما يعيب قرار الفصل من الخدمة. وذكرت المحكمة أنها استظهرت من ذلك أن طلب المطعون ضده الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه يستند إلى أسباب جدية, وذكرت أنه إزاء ما للجهة الإدارية من الحق في إنهاء عقد استخدام المطعون ضده في ظل القاعدة التي حددتها أحكام عقد استخدامه طالما لم تصدر عنها قاعدة تنظيمية جديدة في هذا الشأن, وأن هذا الحق مرهون بأن يتم الإخطار بإنهاء العقد قبل التاريخ المحدد لذلك بفترة دراسية (Term)؛ ومن ثم فقد صح لها أن تخطر المطعون ضده في 30 من يونيه سنة 1957 بإنهاء عقد استخدامه اعتباراً من أول يناير سنة 1958. وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن المطعون ضده يستحق صرف مرتبه على النحو الذي كان يصرف له قبل فصله حتى آخر ديسمبر سنة 1957. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم طالباً: (أولاً) وبصفة أصلية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. (ثانياً) وبصفة احتياطية الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات. واستند رئيس هيئة المفوضين في أسباب طعنه إلى أن المطعون ضده - حسبما يبين من الأوراق - كان يعمل معيداً بجامعة الإسكندرية, ثم فصل من الخدمة لأسباب سياسية, وفي 6 من أغسطس سنة 1955 تم الاتفاق بينه ويبن ناظر كلية فيكتوريا على أن يعمل مدرساً بهذه الكلية, وتضمن الاتفاق على حق كل من طرفيه في إنهائه بإخطار يوجهه إلى الطرف الآخر قبل الموعد بفترة دراسية (Term). وفي سنة 1956 وضعت كلية فيكتوريا تحت الحراسة على إثر العدوان على مصر. وفي 29 من أبريل سنة 1957 صدر قرار جمهوري بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين طبقاً للشروط المرافقة للقانون. وقد نص البند السادس من هذه الشروط على أن يلتزم وزير التربية والتعليم بصفته بجميع الالتزامات التي كانت المدارس المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها مستخدميها وعمالها, وبمقتضى ذلك اشترت وزارة التربية والتعليم كلية فيكتوريا بالإسكندرية التي كان يعمل بها المطعون ضده, وفي 30 من يونيه سنة 1957 أخطرت إدارة الكلية المطعون ضده بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957. وتقول هيئة المفوضين إنه في هذا النطاق الذي رسمته الوقائع يبين أن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير مختص بنظر هذه المنازعة؛ لأن وزارة التربية والتعليم - على مقتضى البند السادس من العقد المبرم بينها وبين الحارس العام - قد حلت محل كلية فيكتوريا في علاقتها العقدية بالمطعون ضده, مما ينتفي معه القول بأن المدعي قد أصبح موظفاً عاماً بأيلولة المدرسة إلى المرفق العام للتعليم, كما أنه لا يمكن أن ينشأ له هذا المركز القانوني العام طالما لم يصدر قراره بتعيينه من الجهة الإدارية, وأن إسهامه في إدارة المرفق عرضية غير مستمرة مما يتخلف عنه شط جوهر من شروط اعتباره موظفاً عاماً. وتستطرد هيئة المفوضين قائلة إنه لو سلم جدلاً بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من اعتبار المطعون ضده موظفاً عاماً وقضى باختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى فقد أخطأ الحكم حين جعل مناط الصلاحية تقرير التفتيش عن عمل المطعون ضده؛ إذ فات الحكم أن المطعون ضده كان موظفاً عاماً ثم فصل لأسباب سياسية، مما يتعين معه رد عدم الصلاحية إلى هذا السبب دون غيره. وترتب هيئة المفوضين على ذلك أن طلب المطعون ضده الحكم صفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه غير مستند إلى أسباب جدية, وأن الحكم المطعون فيه حين أخذ بغير هذا النظر يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي حاصل على بكالوريوس كلية العلوم سنة 1944, وعلى الدكتوراه من جامعة شيفيلد في 5 من مارس سنة 1954, وكان يعمل في وظيفة معيد بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية منذ 22 من أكتوبر سنة 1944, وفصل من الخدمة تنفيذاً لقرار مجلس قيادة الثورة الصادر بجلسته المنعقدة في 21 من سبتمبر سنة 1954, ثم عين في 6 من أغسطس سنة 1955 في وظيفة مدرس لمادة الطبيعة بكلية فيكتوريا بالإسكندرية ابتداء من أول أكتوبر سنة 1955 بمرتب سنوي قدره خمسمائة وخمسون جنيهاً يضاف إليه مبلغ خمسين جنيهاً نظير الإشراف على المعامل.
ومن حيث إن كلية فيكتوريا قد أخضعت للحراسة باعتبارها من أموال الرعايا البريطانيين بالأمر رقم 5 لسنة 1956 الخاص بالاتجار مع الرعايا البريطانيين أو الفرنسيين.
ومن حيث إن ملكية كلية فيكتوريا قد انتقلت إلى الحكومة المصرية تنفيذاً للقانون رقم 111 لسنة 1957 الخاص بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين بمقتضى عقد البيع المحرر بين الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين, وذلك بموجب السلطة المخولة له من وزير المالية والاقتصاد بالقرار رقم 387 لسنة 1957 (طرف أول) وبين السيد وزير التربية والتعليم بصفته نائباً عن الحكومة المصرية بمقتضى التفويض الصادر له (طرف ثان). وقد تضمن العقد أن الحكومة المصرية قد تسلمت المدرسة بجميع موجوداتها وكافة أوراقها, وأن ملكية الأصول المبيعة قد انتقلت إليها منذ التوقع على العقد في 29 من أبريل سنة 1957, وأنها حلت محل الطرف الأول في جميع الالتزامات الواقعة على عاتق المدرسة المبيعة اعتباراً من تاريخ انتقال الملكية إليها, وأنها - أي الحكومة - تلتزم بجميع الالتزامات التي كانت المدرسة المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك من مكافآت ترك الخدمة. وقد ظل المدعي في عمله بعد صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 وعقد البيع المؤرخ 29 من أبريل سنة 1957 المشار إليهما إلى أن صدر القرار المطعون فيه في 30 من يونيه سنة 1957 بالاستغناء عن خدماته اعتباراً من أول يوليه سنة 1957.
ومن حيث إن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يقوم بصفة أصلية على عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
ومن حيث إن اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعة الحالية يستلزم البحث فيما إذا كان المدعي يعتبر موظفاً عمومياً أم لا, وإذا كان كذلك ما مرتبة وظيفته ومستواها من حيث الأهمية في التدرج الوظيفي.
ومن حيث إن عقد البيع - المبرم بين الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين وبين وزير التربية والتعليم بصفته نائباً عن الحكومة المصرية والصادر تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 111 لسنة 1957 بالترخيص لوزير التربية والتعليم في التعاقد مع الحارس العام على أموال الرعايا البريطانيين والفرنسيين والاستراليين - قد تضمن في مادته الرابعة ما يفيد تسلم الحكومة المصرية المدرسة المبيعة بجميع موجوداتها وكافة أوراقها, كما نصت مادته الخامسة على انتقال ملكية الأصول المبيعة إلى المشتري بمجرد التوقيع على هذا العقد, كما يحل الطرف الثاني محل الطرف الأول في جميع الالتزامات الواقعة على عاتق المدرسة المبيعة, وكذلك في الدعاوى المرفوعة منه أو ضده, وذلك اعتباراً من تاريخ انتقال الملكية إليه, ونصت المادة السادسة على أن يلتزم الطرف الثاني (الحكومة المصرية) بجميع الالتزامات التي كانت المدرسة المبيعة ملتزمة بها قبل موظفيها ومستخدميها وعمالها بما في ذلك مكافآت ترك الخدمة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن كلية فيكتوريا منذ صدور القانون رقم 111 لسنة 1957 والعقد المرافق له قد أصبحت شخصاً من أشخاص القانون العام يقوم بالإسهام في شئون مرفق عام من مرافق الدولة هو مرفق التعليم؛ ومن ثم فإن موظفي كلية فيكتوريا يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لمؤسسة عامة تقوم على مرفق عام من مرافق الدولة, وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة مع هؤلاء الموظفين؛ وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار فصل المدعي الصادر في 30 من يونيه سنة 1957 من خدمة كلية فيكتوريا بالإسكندرية ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهي التي تقضي بأن "يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة:.... رابعاً - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية"، إلا أنه لما كان قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه قد وزع الاختصاص - في المسائل الداخلية في ولاية القضاء الإداري في المادتين 13 و14 منه - بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري, فإنه يتعين بحث أي هذه المحاكم هو المختص بنظر المنازعة الحالية في ضوء قاعدة الاختصاص التي قررتها هاتان المادتان والحكمة التي أسس عليها الشارع هذه القاعدة.
ومن حيث إن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نص في المادة 13 منه على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية: 1 - بالفصل في الطلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود ثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها. 2 - بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم". ونص في المادة 14 على أن "تختص محكمة القضاء الإداري بصفة نهائية بالفصل في الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8 و9 و10 و11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه خاصاً بهاتين المادتين: "... وغني عن البيان أن محكمة القضاء الإداري بحسب النظام الحالي الذي تتحمل فيه وحدها عبء الفصل في هذه الكثرة الهائلة من القضايا... لن تستطيع - والحالة هذه - الفصل في القضايا بالسرعة الواجبة مع أهمية ذلك؛ كي تستقر الأوضاع الإدارية ولو زيد عد دوائرها أضعافاً؛ لذلك كان لا بد من علاج هذه المشكلة, والنظام المقترح يوزع العبء بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية على أساس أهمية النزاع...".
ومن حيث إنه يتضح من هذا أن مناط توزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري وبين المحاكم الإدارية - بمراعاة التدرج القضائي بينهما - هو أهمية النزاع, ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى طبيعة النزاع في ذاته ودرجة خطورته منظوراً إليها من حيث مرتبة الموظفين المستمدة من مستوى الوظيفة التي يشغلها في التدرج الوظيفي وأهميتها، ومتى كان الفيصل في تعيين الاختصاص القائم على أهمية النزاع هو هذا المعيار المجرد فإنه ينطبق كلما تحققت حكمته التشريعية غير مرتبط بتعبير اصطلاحي خاص قصد به معنى محدد في إطار قانون معين كالقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وإلا فاتت هذه الحكمة. فتفهم عبارة "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" الواردة في المادة 13 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 على أنها وصف عام لا على سبيل الحصر للضابط الذي يتخذ أساساً لتقدير الأهمية, سواء طابق هذا الوصف الإصلاح الوارد في قانون نظام موظفي الدولة أو في ميزانية الدولة العامة أو صادف حالة واقعية مماثلة قائمة بموظف عمومي خاضع لأحكام قانون آخر؛ ذلك أن المشرع في قانون مجلس الدولة لم يخص بالعبارة أنفه الذكر الموظفين الداخليين في الهيئة من الفئة العالية بحسب تعريفهم في قانون نظام موظفي الدولة والجداول الملحقة به أو في ميزانية الدولة العامة الخاصة بالحكومة المركزية فحسب, وإنما اتبع هذه المصطلحات على حكم الغالب, وعنى بذلك من في مستواهم الوظيفي من حيث طبيعة العمل ونوع الوظيفة ومرتبتها في مدرجها بما لا يمنع من تأويل هذا الاصطلاح بما يقابله ويتعادل معه معنى ومدلولاً في مفهوم القواعد واللوائح التي تحكم حالة الموظفين العموميين في كل مصلحة أخرى أو هيئة عامة من الهيئات التي تستقل بأنظمة خاصة لموظفيها وميزانيتها ولا تلتزم النظام الوظيفي أو المالي المتبع في شأن الموظفين الحكوميين، وبذلك تشمل قاعدة توزيع الاختصاص الواردة في المادتين 13 و14 من قانون مجلس الدولة طوائف الموظفين العموميين كافة وتتسع لهم جميعاً, الخاضعين منهم لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وغير الخاضعين، تحقيقاً للمساواة بينهم في المعاملة القضائية, كما هو الحال بالنسبة إلى الموظفين العموميين ذوي الكادرات الخاصة الذين تنظم قواعد توظيفهم قوانين خاصة كرجال القضاء وإدارة قضايا وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ولا يحكمهم قانون نظام موظفي الدولة أساساً, وكما هو الحال كذلك بالنسبة إلى موظفي المؤسسات العامة الداخلة في إطار الدولة العام وفي نطاق وظيفتها الإدارية بعد إذ امتد نشاط هذه الأخيرة إلى مختلف المرافق والتي يتبعها موظفون عموميون ولا تتقيد بالأوضاع والنظم المالية المقررة لموظفي الإدارة الحكومية، سواء في تبويب الميزانية أو في تقسيم الوظائف والدرجات, كما لا تلتزم بمصطلحاتها بنصها وتعبيراتها، بل تنفرد بنظمها وتعبيراتها الخاصة وإن تقارب فيها ترتيب الوظائف وطبيعتها ومستوياتها نظائرها في الكادر العام؛ ومن ثم فإن صفة الموظف الداخل في الهيئة في عرف الاصطلاح الجاري في النظام الحكومي تتوافر في الموظف التابع للمؤسسة العامة وإن لم تضف عليه بحرفيتها هذه التسمية متى اجتمعت لديه مقوماتها وخصائصها حسبما يتلاءم مع طبيعة نظام المؤسسة وأوضاع ميزانيتها ومركزة فيها, فهو في الحكومة غيره في المؤسسة، بيد أن المركز القانوني لكليهما واحد وبالتالي فإن حكمهما من حيث الاختصاص باعتباره أثراً من الآثار المترتبة على هذا المركز واحد كذلك، وبالقياس ذاته تتحدد الفئة العالية, فما هذه التسمية إلا مظهر الأهمية التي هي معيار توزيع الاختصاص, وتتحقق هذه الأهمية بتوافر عناصرها بالفعل في أي صيغة ركبت, فيعرف نظراء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية في المؤسسات العامة بحقيقة أوضاعهم الوظيفية والمالية لا بوصفهم وتسمياتهم. ومتى كان الأمر كذلك فلا تعديل ولا تغيير في قواعد الاختصاص، بل إعمال لها وتطبيق صحيح لضوابطها بروحها ومغزاها بما يتفق وحكمة للتشريع ويتلاءم مع طبيعة نظم التوظيف وتقسيم الوظائف والدرجات وأوضاع الميزانية التي تقررها اللوائح الخاصة بالمؤسسات العامة، أما الاستمساك بوجوب التزام حرفية تعبير "الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية" بمدلوله اللفظي المحدد في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فلزوم ما لا يلزم, بل انحراف عن جوهر قصد في قانون مجلس الدولة بما قد يفضي إلى الخروج على مفهوم القانون ذاته فيما يتعلق بالموظفين الشاغلين للوظائف العليا ذات المربوط الثابت الذين لا يدخلون في نطاق تقسيم الوظائف الداخلة في الهيئة المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون نظام موظفي الدولة, وهو تقسيم هذه الوظائف إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل من هاتين الفئتين إلى نوعين: فني وإداري للأولى، وفني وكتابي للثانية؛ إذ لم ترد وظائفهم في الجدول الثاني المرافق لهذا القانون ضمن وظائف الكادر الفني العالي والإداري, وهو منطق غير مقبول أن يخرج أفراد هذه الفئة من الموظفين من اختصاص محكمة القضاء الإداري ويخضعون في منازعاتهم الإدارية لولاية المحاكم الإدارية, مع أن وظائفهم في مدارج السلم الإداري تتعادل وتتساوى مع وظائف الكادر الفني العالي والإداري المقرونة بهذا الوصف في الجدول الثاني من القانون, الأمر الذي يتنافى مع ما قصده الشارع من جعل أهمية النزاع المشتقة من مرتبة الوظيفة مناط تحديد الاختصاص.
ومن حيث إنه متى كان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية هو إلى أهمية النزاع, وكان تقدير هذه الأهمية يقوم على أسس واقعية منضبطة على نحو ما سلف بيانه مردها إلى المستوى الوظيفي وخطورة المسئولية والدرجة المالية ومقدار المرتب وما إلى ذلك من ضوابط ومعايير يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية ومثيلات كل منها لقيام الفارق بينهما بحكم طبائع الأشياء، فليس ثمت اختصاص عام أصيل واختصاص استثنائي لأي من هاتين الهيئتين بل مشاركة في الاختصاص على قدم المساواة من حيث مبدأ الولاية فيما اتحدت فيه هذه الولاية من المنازعات الخاصة بالموظفين العموميين, وتوزيع لهذا الاختصاص بين الهيئتين المذكورتين بمراعاة التدرج القضائي بينهما وفقاً لأهمية النزاع بما يجعل كلاً منهما أصيلة فيما أسند إليها الاختصاص بنظره معزولة عما سواه. وآية ذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من قولها "وكل ذلك بحيث تختص محكمة القضاء الإداري وحدها بالفصل نهائياً فيما نص عليه في البندين أولاً وسادساً, وتختص بالاشتراك مع المحاكم الإدارية بالفصل فيما نص عليه في البنود ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسابعاً", وهذا الاختصاص المشترك بالفصل فيما نص عليه في البنود ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة الثامنة من القانون في شئون الموظفين العموميين هو ما تحدثت عنه المادتان 13 و14 منه ووزعت فيه الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بصفة نهائية على أساس أهمية النزاع بما يتمشى مع التدرج القضائي بين كل من هاتين الهيئتين. ومما يؤكد هذا النظر ما ورد في كلتا المادتين المشار إليهما من قول الشارع "عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط" في المادة الأولى, وعدا ما تختص به المحاكم الإدارية في الثانية؛ الأمر الذي يفيد تبادل الاستثناء بين الهيئتين, وما بدء الشارع بالمحاكم الإدارية بسبب سهولة حصر اختصاصها إلا اقتصاد في العبارة وإيجاز في السرد.
ومن حيث إنه ما من شك في أن وظيفة مدرس مادة الطبيعة التي كان يشغلها المدعي ومرتبه الذي كان يتقاضاه وقدره 550 جنيهاً سنوياً مضافاً إليه مبلغ 50 جنيهاً نظير الإشراف على المعامل والمؤهل الذي يحمله وهو الدكتوراه من جامعة شيفيلد، هي في القمة من الوظائف الفنية في مرفق التعليم, ولا يقدح في هذا أو يجرد الوظيفة من أهميتها المستمدة من طبيعة خصائصها والتي هي مناط تعيين الاختصاص عدم وجود كادر خاص بموظفي كلية فيكتوريا؛ ذلك أن مرتب وظيفة المدعي يصعد إلى مستوى يناهز المرتبات العالية في الدولة؛ الأمر الذي يجعله في حد ذاته يدخل في نطاق المرتبات المقررة لوظائف الفئة العالية بحسب قانون نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه متى كان هذا هو وضع المدعي فلا يغير من الأمر فيما يتعلق بتعيين الهيئة المختصة بنظر دعواه الحالية كون علاقته بكلية فيكتوريا كانت تقوم على رابطة أساسها عقد استخدامه الذي ظل معاملاً بأحكامه؛ لأنه على فرض صحة هذا التكييف فإن أحكام العقد ذاتها تكون هي القاعدة التنظيمية التي تحكم حالته والتي تضعه في مركز لائحي يخضع لأحكام القانون العام, وهي مع ذلك لا تمنع من سريان أحكام نظام التوظف في حقه فيما لا يتعارض مع ما هو وارد بهذا العقد. ولا تنافر بين قيام العقد وبين كون الموظف داخلاً في الهيئة أو من الفئة العالية أو مشبهاً بذلك حكماً.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يكون لمحكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية, وإذ قضى الحكم المطعون فيه باختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى فإنه يكون قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى لكونها من اختصاص محكمة القضاء الإداري, وذلك دون حاجة إلى التطرق إلى ما عدا ذلك من دفوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبعدم اختصاص المحكمة الإدارية لمصالح الحكومة بالإسكندرية بنظر الطلب, وباختصاص محكمة القضاء الإداري به, وبإحالته إليها للفصل فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق