الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يوليو 2023

الطعن 915 لسنة 5 ق جلسة 11 / 2 / 1961 إدارية عليا مكتب فني 6 ج 2 ق 92 ص 697

جلسة 11 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم وعبد المنعم سالم مشهور وعزت عبد المحسن المستشارين.

------------------

(92)

القضية رقم 957 لسنة 5 القضائية

قرار تأديبي - ضمانات التحقيق والتأديب 

- صدور القرار التأديبي قبل العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري - وجوب التزام الإدارة في التحقيق والتأديب الأصول العامة في المحاكمات التأديبية إلى جانب ما نص عليه القانون رقم 210 لسنة 1951 في هذا الشأن - مثال.

-----------------
إنه ولئن كان القرار الجزائي المطعون فيه رقم 1011 لسنة 1957 قد صدر في تاريخ سابق لصدور ونشر القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري، فيكون بهذه المثابة غير خاضع لأحكامه فيما يتعلق بضبط قواعد الشكل والإجراءات عند توقيع الجزاءات الإدارية وبوجه خاص ما تعلق منها بالتحقيق الإداري، إلا أنه ليس معنى ذلك أن الأمر كان يجرى في التحقيق والتأديب الإداري بغير أصول أو ضوابط. وإنما تعين استلهامها وتقريرها في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية. ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع ولا يتعين اتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذا لجأت الإدارة مختارة إلى إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه. ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه ".... وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوى الجزاء". وقالت في ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957 "ونظمت المادة 85 السلطات التي تتولى توقيع الجزاء الإداري وزيدت جملة ما يمكن خصمه من المرتب في السنة الواحدة إلى 45 يوماً حتى يمكن الإقلال من الدعاوى التأديبية كما أشير إلى سلطة الوزير في توقيع هذه العقوبات أو تعديل القرارات الصادرة بها من غيره. وكما نص على جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً تسهيلاً للعمل مع المحافظة على كافة الضمانات". فإذا كان الثابت من الأوراق أن جزاء خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة المحقق المختص الذي واجهه بالمخالفة المنسوبة إليه والصكوك التي وجدت في حوزته، وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه فجاء دفاعه مؤكداً الذنب الإداري قبله. ثم صدر القرار الجزائي المطعون فيه ممن يملك إصداره قانوناً فيكون الذنب الإداري قد وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بخصم ثلاثة أيام من مرتبه وقد تم ذلك كله في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً. فلا محل للطعن فيه، ولا سبيل إلى القضاء بإلغائه.


إجراءات الطعن

في 11 من يونيه سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 957 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 20 من أبريل سنة 1959 في الدعوى رقم 131 لسنة 6 القضائية المقامة من يوسف يعقوب كركور ضد بلدية القاهرة والذي قضى بإلغاء القرار رقم 1011 لسنة 1957 المؤرخ 23 من أكتوبر سنة 1957 فيما تضمنه من خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن هذا الطعن إلى بلدية القاهرة في 11 من يوليه سنة 1959 وإلى الخصم في 18 منه وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16 من أكتوبر سنة 1960 فأحالت هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 131 لسنة 6 القضائية ضد بلدية القاهرة بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية في 22 من ديسمبر سنة 1958 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 1011 لسنة 1957 المؤرخ 23 من أكتوبر سنة 1957 فيما تضمنه من خصم ثلاثة أيام من مرتبه وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي بياناً لدعواه إنه يشغل وظيفة وكيل حسابات بالإدارات العامة للتنظيم. وفي 16 من نوفمبر سنة 1957 علم بصدور القرار الإداري الذي يطعن فيه بالإلغاء. وفي أول يناير سنة 1958 تظلم من هذا القرار وقيد تظلمه برقم 29 في 15 من يناير سنة 1958. وفي 28 من أبريل سنة 1958 تقدم بطلب لإعفائه من رسوم الدعوى وقضى بقبول طلبه في 10 من نوفمبر سنة 1958. وقال أن جزاءه ترتب على ما ثبت من التحقيق الذي أجراه التفتيش المالي والإداري من عدم إرساله الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى المحفوظات لتصديرها بمجرد استخراجها ولم توجه إليه في التحقيق الذي أجري معه أية مخالفة أو إهمال أو تهمة حتى يمكن أن يسمع دفاعه وتحقيقه في حينه. وبذلك يكون سبب القرار الإداري مستخلصاً من تحقيق باطل لمخالفته للقانون إذ فوت على المدعي ركناً هاماً هو تحقيق دفاعه. ولو كانت قد وجهت إليه المخالفة المنسوبة إليه وسمعت أقواله وحقق دفاعه لتحقق للإدارة أنه لا ثمة إهمال أو مخالفة وقعت من جانبه. وأسند المدعي إلى نص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وإلى المبدأ الذي استقر عليه القضاء الإداري من أن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره وللقضاء مراقبة صحة قيام الوقائع وصحة تكييفها القانوني وعما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً.
وقد ردت بلدية القاهرة على الدعوى بأن المخالفة المنسوبة إلى المدعي هي عدم إرساله الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى المحفوظات لتصديرها فور استخراجها مخالفاً بذلك نص المادة 470 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات وبذلك يكون ما ارتكبه المدعي وجوزي من أجله هو مخالفة إدارية يسأل عنها طبقاً للواجبات العامة للوظيفة التي يشغلها وتكون مجازاته عنها من اختصاص الوزير أو وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة طبقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 وما طرأ عليه من تعديلات. وتقول البلدية أن التحقيق الإداري الذي أجرته مراقبة التفتيش المالي والإداري بالإدارة العامة للمصروفات قد أثبت إهمال المدعي الذي لم ينكر المخالفة المنسوبة إليه وانحصر دفاعه في أنه أراد تسليم الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى صاحب الشأن، وهذه مخالفة أخرى لو تمت لاستوجبت إحالته عنها إلى ديوان المحاسبة طبقاً لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1957، وانتهت البلدية إلى القول بأنها واجهت المدعي بالمخالفة المنسوبة إليه، وحققت دفاعه وليس على تصرفها أي قصور وطلبت الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
وبجلسة 20 من أبريل سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية "بإلغاء القرار رقم 1011 لسنة 1957 المؤرخ 23 من أكتوبر سنة 1957 فيما تضمنه من خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي وما ترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت المحكمة قضاءها على أن التحقيق الذي أجري مع المدعي لم تراع فيه الأوضاع التي استلزمها القانون، فلم يواجه بالمخالفة المنسوبة إليه، ولا تعدو الأسئلة التي وجهت إليه أن تكون مجرد استعلام أو استفهام عن الطريقة التي يتم بها تسليم الشيكات وأذون الصرف لمستحقيها فأجاب المدعي بما جرى عليه العمل، وبهذا جاء التحقيق وقد شابه قصور بين أهدر حق المدعي الذي كفله القانون في إبداء دفاعه وتفنيد الاتهام الموجه إليه ومن ثم يكون القرار موضوع الطعن قد صدر مستنداً إلى تحقيق غير قانوني وبالتالي فهو قرار باطل. وفضلاً عن ذلك فإن المحكمة قد تعرضت لموضوع القرار وهو إهمال المدعي في أداء واجبه على النحو المحدد في المادة 470 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات. وقالت المحكمة أن مفاد نص هذه المادة هو أن المخالفة التي أوردها والتي تبرر مجازاة الموظف، لا تتوافر أركانها لمجرد عدم مراعاة الاحتياطات التي ذكرتها بل يجب أن يترتب على إهمالها صرف مبلغ لغير صاحبه فإذا انتفت هذه الحالة فإنه لا تقوم للجريمة التأديبية قائمة. فالمادة 470 المذكورة قد أوردت جريمة تأديبية مقيدة إذ اشترطت لقيامها توافر أركان محددة. وبهذا أوردت قيداً على سلطة الجهة الإدارية في تقرير الخطورات الناجمة عن عدم اتخاذ الاحتياطات المنصوص عليها فيها، فاستلزمت لكي تستعمل سلطتها في التدخل وإصدار القرار التأديبي أن ينجم عن المخالفة، مقيدة بقيد قانوني معين، صرف مبلغ لغير مستحقه. فإذا انتفت هذه الواقعة الفاصلة في حالة المدعي امتنع على البلدية التدخل واستعمال سلطتها التأديبية لعدم قيام الجريمة التأديبية يتخلف ركن من أركانها تطلبه القانون، ولعدم توافر الخطورة بالضرر المنصوص عليه، وبذلك يكون قرار البلدية التأديبي بمجازاة المدعي استناداً إلى المادة 470 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات قد صدر مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما ذهب إليه من أن التحقيق الذي أجري مع المدعي لم يخرج عن أن يكون مجرد استعلام أو استفهام عن الطريقة التي يتم بها تسليم الشيكات ومن ثم يكون التحقيق قد شابه قصور أهدر حق المدعي الذي كفله القانون في الدفاع عن نفسه وتفنيد الاتهام الموجه إليه. وهذا قول غير سديد. لأن المقصد الأول الذي حرص المشرع عليه هو أن تقوم الجزاءات الموقعة على الموظفين على أساس من الوقائع الصحيحة الثابتة التي تصلح سبباً لذلك. وقد تكون المخالفة ثابتة من دليل واقعي صارخ في الأوراق، فلا مطعن إذن على جهة الإدارة إن هي اكتفت من التحقيق مع المدعي بما تراه لازماً لاستيفاء الأدلة. كذلك خالف الحكم القانون فيما ذهب إليه من عدم مؤاخذة المدعي عن الفعل المنسوب إليه إلا إذا توافرت أركان معينة. فقرار التأديب لم يصدر مستنداً إلى المادة 470 من اللائحة المالية. وهي التي قامت المحكمة بتحليل أركانها ولم يرد لها ذكر في القرار. وكل ما هناك أن الإدارة دعمت دفاعها بالاستشهاد بهذه المادة. ومعلوم أن الجرائم التأديبية لا تدخل تحت حصر تشريعي معين، ولذلك فلا محل للتقيد فيها بالنصوص والأركان. ومن أجل هاتين العمليتين في الحكم المطعون فيه، قام هذا الطعن من جانب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة وانتهى إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إن الثابت في الأوراق أن قسم التفتيش المالي والإداري ببلدية القاهرة قام خلال شهري أغسطس وسبتمبر سنة 1957 ببحث قيد وتصدير الشيكات وأذون الصرف، الصادرة من حسابات الإدارات العامة للتنظيم فأسفر التفتيش عن الملاحظات الآتية (1) أن القيد بالدفاتر (56، 54) ع. ح لا يتم بانتظام كما تقضي التعليمات. فقد اتضح أنه لم يتم حتى تاريخ التفتيش يوم 5 من سبتمبر سنة 1957 قيد الشيكات والأذون الخاصة بتلك السنة المالية ونبه التفتيش بقيدها على أن يتم ذلك بالدفاتر أولاً بأول. (2) أنه لا يوقع على كعوب الشيكات والأذون توقيعاً أولاً من الموظف الإداري المسئول وفي ذلك مخالفة لتعليمات المادة 465 من اللائحة المالية، وأن بعض الشيكات والأذون تنتزع من الدفتر الخاص بهما، وترسل للتوقيع عليها دون باقي الأذون والشيكات الأخرى التي يكون قد تم استخراجها عندئذ وقام التفتيش بالتنبيه إلى ملافاة ذلك (3) أن يوسف يعقوب كركور (المدعي) وكيل حسابات التنظيم يحجز لديه الشيكات وأذون الصرف المعتمدة، ولا يرسلها للمحفوظات لتصديرها بمجرد استخراجها وقد وجد لديه وقت التفتيش خمسة وثلاثون شيكاً وثمانية عشر إذن صرف، معتمدة ترجع إلى المدة من (30 من أغسطس سنة 1957 إلى 5 من سبتمبر سنة 1957). وبسؤاله عن سبب وجودها لديه، وعن سبب عدم إرسالها للمحفوظات لتصديرها لأصحابها أو تسليمها إليهم بمعرفتها كما تقضي بذلك تعليمات اللائحة المالية، أجاب بأنه يسلم الشيكات وأذون الصرف بمعرفته إلى أصحابها إذا كانوا موجودين أو يبقيها لديه مدة أربعة أو خمسة أيام ثم بعد ذلك يرسلها إلى المحفوظات لتصديرها إليهم إذا لم يحضروا في هذه المدة.
ومن حيث إنه بمجرد اكتشاف هذه المخالفات الإدارية والمالية، قام المفتش المالي والإداري بفتح محضر تحقيق مع المدعي في 5 من سبتمبر سنة 1957 وسأله عن الطريقة التي يتبعها لتصدير الشيكات والإذونات ليتبين منه أسباب تأخيرها لديه. كما أعد المحقق كشفاً تفصيلياً بجميع الشيكات والإذونات المعتمدة ولم يتم تسليمها لأصحابها، ووجدت في حوزة المدعي. وقد وقع هذا الأخير محضر التحقيق وكشف حصر هذه الشيكات والإذونات كما وقعهما السيد المحقق. وتأسيساً على ذلك كتب السيد مدير عام المصروفات ببلدية القاهرة في 15 من سبتمبر سنة 1957 إلى السيد مدير عام الإيرادات العامة للتنظيم يقول أنه "لا يوجد ما يدعو السيد وكيل الحسابات إلى إشغال نفسه وإضاعة وقته في عمل كهذا تافه بالنسبة لوظيفته، وليس من اختصاصه فوق أنه يخالف التعليمات المالية ويترتب عليه تأخير وصول كثير من الشيكات إلى أصحابها في الوقت المناسب. وطلب الرأي في الجزاء الذي يقترح توقيعه على السيد وكيل حسابات التنظيم (المدعي)." وفي 23 من أكتوبر سنة 1957 أصدر السيد مدير عام بلدية القاهرة القرار رقم 1011 لسنة 1957 - وهو القرار المطعون فيه بالإلغاء - هذا نصه: "بعد الاطلاع على كتاب إدارة التفتيش المالي والإداري رقم 31110 المؤرخ 7 من أكتوبر سنة 1957 المرفق معه أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة الإدارة المذكورة مع السيد/ يوسف يعقوب كركور وكيل إدارة الحسابات، والذي ثبت منه عدم إرساله الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى المحفوظات لتصديرها بمجرد استخراجها. فلذلك، وعملاً بأحكام المادة 49 من القانون رقم 145 لسنة 1949 والمادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة: قرر خصم ثلاثة أيام من مرتب يوسف يعقوب كركور وكيل إدارة الحسابات جزاء له على ما وقع منه وعلى مراقبة المستخدمين والمعاشات تنفيذ هذا القرار".
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعي أنه يشغل وظيفة وكيل إدارة حسابات التنظيم ببلدية القاهرة بالدرجة الخامسة المدرجة بميزانيتها، وقد صدر القرار الجزائي الذي يطعن فيه بالإلغاء في 23 من أكتوبر سنة 1957، فإنه يكون بهذه المثابة خاضعاً لأحكام القانون رقم 145 لسنة 1949 - المنشور بالجريدة الرسمية العدد 115 في أول سبتمبر سنة 1949 بإنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة والمعدل بالقانونين رقم 5 لسنة 1950 بنقل الإشراف على المجالس البلدية والقروية إلى وزير الشئون البلدية والقروية ورقم 77 لسنة 1950 بتعديل بعض أحكام القانون الذي أنشأ ذلك المجلس - وقد تعرض الباب الرابع من هذا القانون لأموال المجلس البلدي لمدينة القاهرة وميزانيته وحساباته فنص على أن يتبع في شأنها القواعد المتعلقة بإدارة أموال الدولة، ونظم الباب الخامس منه وضع موظفي بلدية القاهرة فقررت المادة 47 "للمدير العام الإشراف التام على جميع الموظفين والمستخدمين وهو الرئيس الفعلي لهم" وجاء في المادة 48 "مع مراعاة أحكام هذا القانون تسري على موظفي المجلس جميع القوانين واللوائح الخاصة بموظفي الحكومة ومستخدميها". وحددت المادة 49 "اختصاص المدير العام بما يأتي: (أولاً) تنفيذ قرارات المجلس (ثانياً) تعيين موظفي المجلس ومستخدميه الدائمين لغاية الدرجة السادسة وترقيتهم ومنحهم العلاوات في الحدود المقررة في القوانين واللوائح. أما من عدا هؤلاء من الموظفين، فيكون تعيينهم وترقيتهم ومنحهم العلاوات من اختصاص المجلس (ثالثاً) جميع المسائل الأخرى الخاصة بموظفي المجلس ومستخدميه الدائمين كالنقل والإجازات والعقوبات التأديبية وغيرها لغاية الدرجة الرابعة في الحدود المقررة في القوانين واللوائح" وما لم ينص عليه قانون إنشاء مجلس بلدي مدينة القاهرة كانت ترتبه أحكام القانون العام الصادر بتنظيم المجالس البلدية والقروية رقم 145 لسنة 1944 والذي جرى تعديله تعديلاً جوهرياً بالقانون رقم 66 لسنة 1955 بنظام المجالس البلدية وقد صدر في 9 من فبراير سنة 1955 وانتظم الباب السادس منه الأحكام الخاصة بالموظفين والمستخدمين والعمال فنيط برئيس المجلس تعيينهم طبقاً لللاعتمادات المدرجة في الميزانية المعتمدة، وطبقاً للشروط والأوضاع التي يحددها وزير الشئون البلدية والقروية يتضمن علاوة على ذلك القواعد الخاصة بالترقية والنقل والتأديب وترك الخدمة رعاية لما يخضعون له من نظم خاصة تغاير في بعضها النظم الموضوعة لموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة. وجاءت المادة 66 من القانون رقم 66 لسنة 1955 تسد نقصاً في الرقابة المالية والحسابية خلا منه قانون إنشاء مجلس بلدي مدينة القاهرة فقال هذا النص المستحدث "يلزم كل مجلس بالمساهمة في النفقات التي تتكبدها وزارة الشئون البلدية والقروية في القيام بأعمال التفتيش المالي والحسابي والفني...." وغني عن البيان أن تخصيص بعض هذه المجالس البلدية لمدن القاهرة والإسكندرية وبورسعيد مثلاً، بقوانين مستقلة ليس الغرض منه إلا ضمان الأحكام والأوضاع التي تتفق مع ما لهذه المجالس من الأهمية. ولكن هذا لا يخرجها عن طبيعتها من كونها إحدى المجالس البلدية، فتخضع لما تخضع له سائر المجالس البلدية من أحكام القانون العام المنظم للمجالس البلدية، وأحكام المراسيم والقرارات الصادرة تنفيذاً له فيما لا تعارض فيه مع قانونها الخاص، وكلما كان هناك نقص في التشريع الخاص بأحد هذه المجالس.
ومن حيث إن الفعل المنسوب إلى المدعي الذي كان محلاً للتحقيق معه ومواجهته به وسؤاله عنه ووضع تقرير في شأنه وترتب عليه توقيع الجزاء المطعون فيه عليه لثبوت إهماله في أداء واجبات وظيفته ولمخالفته لصريح أحكام وتعليمات اللوائح والقوانين، هو أنه كان لديه الشيكات وأذون الصرف المعتمدة، ولا يرسلها للمحفوظات لتصديرها بمجرد استخراجها. دليل ثبوت هذه الواقعة أنه وجد في حوزته خمسة وثلاثون شيكاً مختلفة ولمستفيدين عديدين وكذلك ثمانية عشر إذن صرف وكل هذه الشيكات والأذون معتمدة وتتراوح تواريخها بين 20 من أغسطس، 5 من سبتمبر سنة 1957. ولما واجهته إدارة التفتيش المالي بهذه المخالفة لم ينكرها بل وقع بخطه على كشوف جرد هذه الصكوك وحاول تبرير هذه المخالفة بما يفيد عزمه على ارتكاب مخالفة مالية جديدة هي أشد خطورة من المخالفة الإدارية الأولى موضوع التحقيق معه فأجاب على سؤال التفتيش بأنه احتجز هذه الصكوك لديه ليقوم بتسليمها "بمعرفته" إلى أصحابها إذا حضروا. والتعليمات المالية تقضي بوجوب إرسال الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى قلم المحفوظات لتصديرها لأصحابها فور استخراجها أو ليقوم هذا القلم بتسليمها لأصحابها بمعرفته أي بواسطة هذا القلم المختص وحده بتسليمها. ونص البند 470 من الفصل الرابع عشر من القسم الثاني الخاص بالحسابات في اللائحة المالية للميزانية والحسابات واضح في ذلك: "يرسل إذن الصرف مهما كانت قيمته رأساً إلى صاحب الحق بالبريد داخل مظروف موصى عليه، وفي حالة حضور أرباب الحقوق لاستلام أذون تخصهم أو حضور مندوبيهم المرخص لهم باستلامها تسلم إليهم الأذون بواسطة قلم قيودات المصلحة، ولا تسلم إلى غيرهم من الموظفين أو الأفراد. ولا تكلف مراكز وأقسام البوليس بتسليم أذون الصرف إلى أربابها وكل إهمال يصدر من أحد الموظفين في اتخاذ هذه الاحتياطات، ويترتب عليه صرف مبلغ لغير صاحبه يعتبر مرتكبه مسئولاً مادياً عن ذلك المبلغ، فضلاً عن الجزاء الإداري، الذي قد يرى توقيعه عليه". وجاء البند التالي أمعن في الدلالة على حرص المشرع المالي على مراعاة هذا الإجراء لاعتبارات تمس الثقة والذمة على السواء فقال البند 471 "لا يجوز استعادة أذون الصرف من أقلام القيودات بعد تسليمها إليها لعمل بعض استيفاءات أو تصحيحات إلا بالشروط الآتية: (1) يقدم طلب كتابي بذلك من رئيس قلم الحسابات أو من ينوب عنه في حالة غيابه (2) يسلم الإذن إلى وكيل قلم الحسابات أو من يحل محله أثناء غيابه بموجب استمارة خاصة من دفتر الاستمارات رقم 25 ع. ح - (3) يكون وكيل الحسابات أو من ينوب عنه في الاستلام مسئولاً عن الإذن الذي استلمه وعليه أن يراعى تنفيذ ما طلب من أجله هذا الإذن) ثم جاءت الفقرة الثانية من البند 487 تؤكد اتباع هذه الخطوات أيضاً في الشيكات الصادرة وغني عن البيان أن المدعي، فضلاً عن أنه خالف صراحة تعليمات هذه البنود المشددة فإنه باحتجازه عشرات الصكوك المعتمدة لديه وعدم تسليمها إلى قلم قيودات المصلحة ثم التصدي لعملية تسليمها بواسطته مباشرة إلى أصحابها يكون قد شغل نفسه وأضاع وقته في عمل مادي تافه بالنسبة لوظيفته ذات المسئوليات الكبيرة - وكيل حسابات الإدارات العامة للتنظيم - وهو عمل لا يدخل في نطاق اختصاصه وقد يترتب عليه تأخير وصول تلك الصكوك إلى أصحابها في الوقت المناسب.
ومن حيث إنه ولئن كان القرار الجزائي المطعون فيه رقم 1011 لسنة 1957 قد صدر في تاريخ سابق لصدور ونشر القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري، فيكون بهذه المثابة غير خاضع لأحكامه فيما يتعلق بضبط قواعد الشكل والإجراءات عند توقيع الجزاءات الإدارية وبوجه خاص ما تعلق منها بالتحقيق الإداري، إلا أنه ليس معنى ذلك أن الأمر كان يجرى في التحقيق والتأديب الإداري بغير أصول أو ضوابط. وإنما تعين استلهامها وتقريرها في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية. ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع ولا يتعين اتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذا لجأت الإدارة مختارة إلى إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه. ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه ".... وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوى الجزاء". وقالت في ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 73 لسنة 1957 "ونظمت المادة 85 السلطات التي تتولى توقيع الجزاء الإداري وزيدت جملة ما يمكن خصمه من المرتب في السنة الواحدة إلى 45 يوماً حتى يمكن الإقلال من الدعاوى التأديبية كما أشير إلى سلطة الوزير في توقيع هذه العقوبات أو تعديل القرارات الصادرة بها من غيره. وكما نص على جواز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً تسهيلاً للعمل مع المحافظة على كافة الضمانات". وثابت من الأوراق على النحو المتقدم، أن جزاء خصم ثلاثة أيام من مرتب المدعي قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة المحقق المختص الذي واجه المدعي بالمخالفة المنسوبة إليه والصكوك التي وجدت في حوزته، وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه فجاء دفاعه مؤكداً الذنب الإداري قبله. ثم صدر القرار الجزائي المطعون فيه ممن يملك إصداره قانوناً وهو السيد مدير عام بلدية القاهرة بعد اطلاعه على كتاب إدارة التفتيش المالي والإداري رقم 31110 والمؤرخ 7 من أكتوبر سنة 1957 المرفق معه أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة الإدارة المذكورة مع المدعي والذي ثبت منه عدم إرساله الشيكات وأذون الصرف المعتمدة إلى المحفوظات لتصديرها بمجرد استخراجها. فالذنب الإداري وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بخصم ثلاثة أيام من مرتبه وقد تم ذلك كله في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً. فلا محل للطعن فيه ولا سبيل إلى القضاء بإلغائه، والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى غير ذلك وقضى بإلغاء القرار التأديبي يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وقام الطعن فيه بالإلغاء على سند سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق