جلسة 21 من يناير سنة 1961
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم وعبد المنعم سالم مشهور وعبد العزيز البرادعي المستشارين.
----------------
(77)
القضية رقم 904 لسنة 5 القضائية
موظف - إنهاء الخدمة
- الإحالة إلى المعاش لعدم اللياقة للخدمة صحياً - تقرير المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة حق الإدارة في إحالة الموظف إلى المعاش لعدم لياقته للخدمة صحياً - وجوب مراعاة ما نصت عليه المادة 109 من ضمانات للموظف هي وجوب ثبوت عدم اللياقة الصحية بقرار من القومسيون الطبي العام وعدم جواز فصله لهذا السبب قبل استنفاذ إجازاته المرضية والاعتيادية - صدور قرار الإحالة إلى المعاش بالمخالفة لذلك - يجعله قائماً على سبب غير صحيح.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس 28 من مايو سنة 1959 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الأوقاف سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة المنازعات في الفصل بغير الطريق التأديبي وقرارات الإحالة إلى المعاش والاستيداع) بجلسة أول أبريل سنة 1959 في القضية رقم 669 لسنة 12 القضائية المقامة من عمر بسيم ضد وزارة الأوقاف ورئاسة الجمهورية والقاضي "بإلغاء القرار الجمهوري الصادر برقم 815 لسنة 1957 بإحالة المدعي إلى المعاش وألزمت الوزارة المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي". وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد أعلن الطعن للمدعي في 12 من يوليه سنة 1959 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من أكتوبر سنة 1960 وأبلغت إدارة قضايا الحكومة والمدعي في 23 من يونيه سنة 1960 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 19 من نوفمبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 12 من مارس سنة 1958 طالباً "الحكم بصفة أصلية بإلغاء القرار الجمهوري رقم 815 لسنة 1957 الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش قبل بلوغه السن القانونية وهو القرار المنفذ لقرار وكيل وزارة الأوقاف رقم 1011 المؤرخ 21 من سبتمبر سنة 1957 - وبصفة احتياطية بإلزام وزارة الأوقاف بأن تدفع إليه على سبيل التعويض المؤقت قرشاً واحداً مع المصروفات في الحالتين ومقابل أتعاب المحاماة" وقال شرحاً لدعواه أنه بتاريخ أول أكتوبر سنة 1957 أبلغ بقرار رئاسة الجمهورية بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 14 من سبتمبر سنة 1957 مع ضم سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفروق بين ماهيته ومعاشه عن هذه المدة مشاهرة وبقرار وكيل وزارة الأوقاف رقم 1011 الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1957 تنفيذاً للقرار الجمهوري وذكر أنه مولود في 17 من فبراير سنة 1905 وأنه حاصل على دبلوم التجارة العليا من فرنسا في سنة 1930 وبدأ خدمته الحكومية في مصلحة السكك الحديدية في وظيفة كتابية من الدرجة الثامنة في 22 من مارس سنة 1931 ولكنه استقال منها في 27 من يونيه من نفس السنة ثم عين اعتباراً من اليوم التالي - 28 في وظيفة كتابية من الدرجة الثامنة بوزارة الأوقاف في قسم الأوقاف الأهلية وفي أول سبتمبر سنة 1940 نقل إلى وظيفة خبير محاسب بقسم محاسبة النظار مع ترقيته إلى الدرجة السابعة وعندما صدرت قواعد الإنصاف اعتبر في الدرجة السادسة من بدء تعيينه ثم رقي إلى الدرجة الخامسة في حركة التنسيق اعتباراً من 15 من أغسطس سنة 1947 وإلى الدرجة الرابعة في سنة 1950 وإلى الدرجة الثالثة في سنة 1957 واقترنت الترقية الأخيرة بنقله إلى وظيفة مفتش مالي وإداري بمراقبة أوقاف أسيوط ولكنه كان قبل صدورها واعتباراً من 17 من مايو سنة 1957 شاغلاً لنفس الوظيفة بمراقبة أوقاف بني سويف ولم ينفذ قرار النقل إلى أسيوط فبقى في وظيفته ببني سويف ويقول المدعي أنه كان دائماً مثال الموظف الكفء المتفاني في عمله ومنذ وضع نظام التقارير السنوية والسرية ورؤساؤه يقدرون كفايته بأعلى مراتب التقدير ولم يوقع عليه أي جزاء طيلة خدمته التي جاوزت في وزارة الأوقاف وحدها ستة وعشرين سنة ولم يحدث أن أجلت له علاوة أو حرم من ترقية في موعدها وأنه بينما يؤدي عمله بهمة ونشاط ويتنقل بين مأموريات الوزارة في تفاتيش بني سويف إذ بالوزارة تفاجئه في يوم أول أكتوبر سنة 1957 بأنها استصدرت قراراً جمهورياً بإحالته إلى المعاش اعتباراً من يوم 14 من سبتمبر سنة 1957 مع ضم سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفرق بين ماهيته ومعاشه عن المدة المضمومة على أقساط شهرية وعلم أنه أسند إليه أن حالته الصحية لا تساعده على القيام بأعماله بسبب مرضه ويقول المدعي أن هذا السبب ينفيه ما كان يقوم به من التنقل بين تفاتيش الوزارة يفحص دفاترها في بني سويف وببا والفيوم ويجرد خزائنها ويحضر جلسات فتح المظاريف فيها وجلسات إشهار مزاداتها وجلسات تقدير محاصيلها وغير ذلك مما ينبئ عن نشاط وعمل مستمر وإنتاج دائم ويعزو المدعي صدور القرار إلى بواعث شخصية وأحقاد دفينة لدى المهندس إبراهيم عسكر وكيل الوزارة.
ويقول المدعي إن الوزارة خانها التوفيق في استصدار القرار الجمهوري بإحالته إلى المعاش لأسباب صحية لأنه ليس به ما يمنعه من العمل أو يقلل من صلاحيته للقيام بأعباء وظيفته وذكر أنه قد اعتراه المرض كأي موظف من موظفي الدولة ولكنه أبل من مرضه وعاد إلى عمله دون أن يتخلف عنده ما يعجزه عن أداء واجباته نحو الدولة ولم يسجل عليه أحد من رؤسائه في أية وظيفة تولاها تقصيراً في العمل أو عجزاً عن القيام بتبعاته وأن الحالات التي منح من أجلها أجازات مرضية محدودة وأنه مرض بسبب وضعه وزملائه الخبراء في حجرة ضيقة وغير صحية وقد شكا وزملاؤه الخبراء من سوء حال المكان الذي يعملون فيه بتاريخ 16 من أغسطس سنة 1952 وأيد شكواهم مدير قسم محاسبة النظار وقتذاك الأستاذ عبد الكريم الخطيب ولكن الوزارة لم تصنع لهم شيئاً وقد أصيب من جراء ذلك بجرح درني في أعلى الرئة اليمنى اضطر بسببه إلى دخول مصحة ألماظه للعلاج وبقي بها حتى 12 من يونيه سنة 1954 حيث شفي تماماً وعاد إلى عمله وقد استغرقت مدة مرضه سبعة أشهر تقريباً ويدل إنتاجه بعد شفائه على أن حالته عادت طبيعية كما كانت. كما منح إجازة أخرى مدتها شهر وعشرة أيام بسبب إصابته في 18 من يونيه سنة 1957 بذبحة صدرية ثم عاد بعد انتهاء هذه الإجازة إلى عمله اعتباراً من 4 من أغسطس سنة 1957 وكان قد شفي من مرضه وفي 24 من أغسطس سنة 1957 أصيب بالأنفلونزا الآسيوية وعاد بعد شفائه منها إلى عمله يوم أول سبتمبر سنة 1957 ويستطرد المدعي قائلاً أن تلك هي المناسبات التي مرض فيها طول مدة خدمته والتي بلغت ستاً وعشرين سنة وقد وضح أن المرض الذي أصابه بسبب العمل وألزمه الفراش أطول مدة قد زايله وأنه منذ أبل منه في يونيه سنة 1954 لم يعد إلى الشكوى منه ولم يتأثر به إنتاجه في العمال وأما الذبحة الصدرية والأنفلونزا الآسيوية فهما من الأمراض العادية والكثيرة الحدوث والتي قلما يسلم منها موظف وليس لأي منهما تأثير على حالته وعلى إنتاجه وليس بينها مرض مزمن تلازم أعراضه المريض به وتنتقص من قدرته على العمل كما هو شأن وحال بعض موظفي الوزارة الذين عددهم المدعي والمصابون بأمراض مزمنة تعجزهم عجزاً تاماً عن الاضطلاع بأعباء الوظيفة والذين يحتاجون فعلاً إلى الراحة.
ويقول المدعي إن السبب الذي استند إليه القرار الجمهوري بإحالته إلى المعاش هو سبب غير صحيح وأنه مشوب بعيب مخالفة القانون وعيب الانحراف بالسلطة، ويستطرد إلى أن المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 قد أوردت ضمن الأسباب التي تنتهي لقيامها خدمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة بسبب عدم اللياقة للخدمة صحياً، وبينت المادة 109 من نفس القانون إن عدم اللياقة الصحية "يثبت بقرار من القومسيون الطبي العام وبناء على طلب الموظف أو الحكومة. ولا يجوز فصل الموظف لعدم اللياقة الصحية قبل نفاذ إجازاته المرضية والاعتيادية ما لم يطلب الموظف نفسه الإحالة إلى المعاش دون انتظار انتهاء إجازاته".
ويقول المدعي إن وزارة الأوقاف لم تعرضه على القومسيون الطبي العام للكشف على صلاحيته للبقاء في الوظيفة من عدمه كما أنها لم تراع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 109 سالفة الذكر حيث لم يستنفذ إجازاته المرضية والاعتيادية وفضلاً عن ذلك فإنه كان في العمل ولم يكن في إجازة عندما صدر القرار بإحالته إلى المعاش وكان في تنقل من بلد إلى آخر دون أن يلازم الفراش أو يسقط من الإعياء والعجز عن القيام للوظيفة بما تتطلبه من همة ونشاط فيكون قرار إحالته إلى المعاش بالإضافة إلى استناده إلى سبب غير صحيح قد خالف القانون فيما نصت عليه المادة 109 سالفة الذكر ومن ثم أصبح متعين الإلغاء.
ويقول إنه قد أصابه ضرر مادي وأدبي من جراء فصله الذي لا مشروعية فيه فيكون من حقه أن يطالب بتعويض يجبر هذه الأضرار ولكنه يكتفي مؤقتاً بتعويض رمزي مقداره قرش واحد محتفظاً بحقه في تعديله أثناء نظر الدعوى.
وينتهي المدعي إلى القول بأن طريق التظلم الإداري لم يجد نفعاً في مراجعة الوزارة في قرارها فلم يعد محيص من التوجه إلى القضاء.
وقالت وزارة الأوقاف رداً على الدعوى أن الدافع الحقيقي لطلب إحالة المدعي إلى المعاش هو صالح العمل وقد صدر القرار المطعون فيه مستهدفاً هذه الغاية ومستنداً إلى نص الفقرة السادسة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة التي تنص انتهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة بفصله بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء، وأن هذا النص صدر لحكمة معينة هي هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام وإطلاق حريتها في اختيار الموظفين الذين ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض وفصل من ترى أنه أصبح غير صالح لذلك باعتبارهم عمال هذه المرافق. وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قد خلا قرارها من عيب إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف سوى المصلحة العامة. كما تقول الوزارة أنه لا سند لما يقول به المدعي من أن فصله كان بسبب حالته الصحية وأنه إنما فصل لصالح العمل وملف خدمته وهو الوعاء الطبيعي المصور لحالته قاطع في الدلالة على ذلك إذ يكفي الرجوع إلى التقارير السنوية الأخيرة المقدمة عنه لإثبات هذه الحقيقة فإنتاجه في هبوط ودرجة كفايته في نقصان.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قضت بجلسة أول أبريل سنة 1959 "بإلغاء القرار الجمهوري الصادر برقم 815 لسنة 1957 بإحالة المدعي إلى المعاش وألزمت الوزارة المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي". وأقامت المحكمة قضاءها على ما تبين لها من الرجوع لملف خدمة المدعي من أن وزارة الأوقاف قد رفعت لرئاسة الجمهورية مذكرة أبانت فيها أنها قد لاحظت أن المدعي وآخرين قد أصبحت حالتهم الصحية لا تساعدهم على القيام بأعمالهم بسبب مرضهم - الأمر الذي يترتب عليه عدم صلاحيتهم للعمل ويستدعي إحالتهم إلى المعاش والتمست المذكرة من رئاسة الجمهورية التفضل بالموافقة والنظر في إحالتهم إلى المعاش مع ضم سنتين إلى خدمة كل منهم بحيث لا يجاوز سن الستين وصرف الفرق بين الماهية والمعاش مشاهرة عن المدة المضافة، وقد قرر السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1957 الموافقة على ما جاء بهذه المذكرة (القرار رقم 815 لسنة 1957) وتنفيذاً لهذا القرار أصدرت الوزارة قرارها رقم 1011 بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1957. وتقول المحكمة أنه إذا كان هذا ما ينطق به ملف خدمة المدعي فإن إنكار وزارة الأوقاف بأن فصل المدعي لم يكن بسبب حالته الصحية غير صحيح ويكون هذا السبب خاضعاً لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقته أو عدم مطابقته للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار.
ويقول الحكم أنه يتعين معرفة ما إذا كان السيد رئيس الجمهورية يملك استناداً إلى المادة 107 فقرة 6 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة فصل الموظف من الخدمة بالنظر إلى أن حالته الصحية لم تعد تمكنه من أداء ما يعهد إليه من أعمال أم أنه يتعين في هذه الحالة التزام ما نصت عليه المادة 109 من ثبوت عدم اللياقة الصحية بقرار من القومسيون الطبي العام وبعد استنفاذ الموظف لإجازاته المرضية والاعتيادية.
ومن حيث إنه وإن كان حق الحكومة في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي حق ثابت لها إلا أنه متى استندت الحكومة في هذا الفصل إلى سبب وارد في القانون وأفصحت عن نيتها في تطبيق هذا النص تعين التقيد بأحكامه، وفي هذه الخصوصية قد ثبت للمحكمة أن الحكومة استندت لفصل المدعي إلى عدم لياقته الصحية.
ومن حيث إن المشرع قد تحدث عن عدم اللياقة الصحية في الفقرة الثانية من المادة 107 وفي المادة 109 وعلى ذلك فلو أن هذه الحالة يمكن أن تدخل ضمن الحالات التي يجوز للحكومة مع قيامها فصل الموظف بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء إعمالاً لحكم الفقرة السادسة من هذه المادة لكان ورودها على هذا النحو لغواً يتنزه عنه الشارع ذلك لأن المشرع لم ير محلاً لأن يترك للحكومة حق فصل الموظف لعدم اللياقة الصحية إلا بعد الرجوع إلى القومسيون الطبي العام ليصدر قراره بعد الكشف الطبي عليه بعدم لياقته صحياً للخدمة وبعد استنفاذ إجازاته المرضية والاعتيادية وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في لائحة القومسيون والنتيجة التي ينتهي إليها القومسيون الطبي في هذا الشأن لا تعدو أن تكون أمراً فنياً يترخص فيه ولا تستطيع المحكمة التدخل في تقديره طالما أنه قد خلا من سوء استعمال السلطة.
وتقول المحكمة أنه يتضح مما تقدم أن المشرع قد اختص عدم اللياقة الصحية للخدمة بنص خاص (المادة 109) وأنه لا يستقيم مع ذلك القول بأن للحكومة في هذه الحالة إعمالاً لحكم المادة 107 فقرة سادسة فصل الموظف بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء - على أنه من ناحية أخرى - فإنه إذا لم يكن يتسنى إصدار قرار من القومسيون الطبي العام بعدم لياقة الموظف صحياً للخدمة فإنه يمكن القول من ناحية أخرى أنه إذا كان من شأن الحالة المرضية للموظف أن تؤثر في كفايته فإن ذلك سوف ينعكس فيما يقدم عنه من تقارير سنوية وقد رتبت المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على تقديم تقرير واحد بدرجة ضعيف عن الموظف حرمانه من أول علاوة دورية مع تخطيه في الترقية في السنة التي قدم فيها التقرير كما استلزمت المادة 32 من نفس القانون رقم 210 لسنة 1951 تقديم الموظف الذي يقدم عنه تقريران متتاليان بدرجة ضعيف للهيئة المشكل منها مجلس التأديب تفحص حالته فإذا تبين لها أنه قادر على الاضطلاع بأعباء وظيفة أخرى قررت نقله إليها بذات الدرجة والمرتب أو على خفض درجته أو مرتبه أو نقله إلى كادر أدنى فإذا تبين لها أنه غير قادر على العمل فصلته من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة.
كما يقول الحكم أنه إلى جانب ما أشير إليه من أن عدم اللياقة الصحية يلزم أن يثبت بقرار من القومسيون الطبي العام فإنه لا يوجد في ملف خدمة المدعي ما يؤيد ما ذهبت إليه الوزارة في المذكرة التي رفعتها إلى السيد رئيس الجمهورية من أن حالة المدعي الصحية لا تساعده على القيام بأعباء الوظيفة أما ما ذهبت إليه الوزارة من أن التقارير السرية المودعة بملف خدمة المدعي قاطعة الدلالة على هبوط إنتاجه ونقصان درجة كفايته فهو لا ينهض سبباً للقرار المطعون فيه ذلك لأنه بالرجوع إلى هذه التقارير لم تجد المحكمة من بينها تقريراً واحداً بدرجة ضعيف فقد قدرت كفايته عن أعوام 1952 بجيد وعن 1953 بـ 86.5% وعن 1954 بـ 52% وعن 1955 بـ 65% وعن 1956 بـ 51% وأنه إن كان نقص درجة كفايته في 1954، 1956 مرده إلى حالته المرضية إلا أن هذا التقدير لم ينزل إلى درجة ضعيف.
وانتهى الحكم إلى القول بأنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه غير قائم على سبب صحيح يبرره كما جاء مخالفاً للقانون ومن ثم تعين الحكم بإلغائه، كما يقول الحكم أن في إلغاء القرار جباً للطلب الاحتياطي الذي تقدم به المدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار إحالة المدعي إلى المعاش لا يقوم سببه على عدم اللياقة الصحية كما ذهبت إلى ذلك المحكمة إنما يقوم في حقيقته على صالح العمل وقد كشفت عن ذلك مذكرة الوزارة المرفوعة إلى السيد رئيس الجمهورية، فهي تقول أن حالته الصحية هو وزملاؤه لا تساعدهم على القيام بأعمالهم بسبب مرضهم الأمر الذي ترتب عليه عدم صلاحيتهم للعمل مما يستدعي إحالتهم إلى المعاش. فصالح العمل وحده هو الباعث على صدور قرار الإحالة إلى المعاش وهو ما قصدت إليه مذكرة الوزارة حيث هبط إنتاجه إلى درجة ظاهرة وتقريره الأخير عن أعماله عام 1956 المودع بملف خدمته يثبت هذه الحقيقة فقد سجل هذا التقرير درجة الكفاية ب 51 درجة وضعف إنتاجه هذا إنما يرجع إلى حالته المرضية التي دخل بسببها مصحة الأمراض الصدرية في عام 1953 وبقي بها تحت العلاج حتى 10 من يونيه سنة 1954 وما دام الثابت أن ثمت سبباً واقعياً قام عليه قرار الفصل وأن هذا السبب له أصل ثابت في الأوراق وليس ثمت أي دليل إيجابي على انحراف الإدارة عن المصلحة العامة تحت تأثير دوافع شخصية أو ابتغاء غاية غير مشروعة فقد انتفت مخالفة القرار للقانون. وأن السبب الحقيقي الذي يقوم عليه القرار الجمهوري المطعون فيه هو الصالح العام وقد صدر هذا القرار مستهدفاً هذه الغاية وإعمالاً لحكم الفقرة السادسة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 التي تنص على انتهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة بفصله بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء، وذلك للحكمة التشريعية التي يقوم عليها هذا النص وهي وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام ولما كان الموظفون هم عمال هذه المرافق فلزم أن تكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف سوى المصلحة العامة وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار الجمهوري الصادر بإحالة المدعي إلى المعاش فإنه يكون غير صائب في قضائه ومن ثم فقد قامت به إحدى حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 مما يتعين معه إلغاؤه والحكم برفض طلبات المدعي.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً حددت فيه وقائع الدعوى. والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً انتهت إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
ومن حيث إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً له، فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للواقع وللقانون، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، ورقابته هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فإذا كانت هذه النتيجة غير مستخلصة على هذا النحو فقد القرار الإداري سببه وتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة قد أجاز في المادة 107 فقرة ثانية إنهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لعدم اللياقة للخدمة صحياً وقرن ذلك بما يضمن حقوق الموظف فنصت المادة 109 من القانون سالف الذكر على أنه "يثبت عدم اللياقة الصحية بقرار من القومسيون الطبي العام بناء على طلب الموظف أو الحكومة، ولا يجوز فصل الموظف لعدم اللياقة الصحية قبل نفاذ إجازاته المرضية والاعتيادية ما لم يطلب الموظف نفسه الإحالة إلى المعاش دون انتظار انتهاء إجازاته". ومفاد هذا النص أنه لا يجوز إنهاء خدمة الموظف لعدم اللياقة للخدمة صحياً إلا إذا ثبت ذلك بقرار من القومسيون الطبي العام في الحدود وبالقيود التي تضمنها قانون موظفي الدولة في المادة 109 المشار إليها مما وفره القانون للموظف من ضمانات في حالة هو أحوج ما يكون فيها إلى الرعاية والعطف.
ومن حيث إن الواضح من المذكرة المرفوعة إلى رئاسة الجمهورية من وزارة الأوقاف - خلافاً لما تذكره الوزارة - أنها قد بنت طلبها الإحالة إلى المعاش على حالة المدعي الصحية وما انتابه من مرض كانت نتيجته عدم صلاحيته للعمل، أي أن الوزارة بنت طلب الإحالة على عدم اللياقة الصحية بقولها "لوحظ أن السادة محمد حافظ البيه الموظف من الدرجة الثالثة بمكتب الخبراء بقسم النظار وعمر بسيم المفتش المالي من الدرجة الثالثة ومحمود عبد الحكيم السنهوري الموظف من الدرجة الرابعة بالوزارة قد أصبحت حالتهم الصحية لا تساعدهم على القيام بأعمالهم بسبب مرضهم الأمر الذي يترتب عليه عدم صلاحيتهم للعمل ويستدعي إحالتهم إلى المعاش. لذلك يرفع الأمر إلى سيادتكم رجاء التفضل بالنظر والموافقة على إحالة السادة الموضحة أسماؤهم بعاليه إلى المعاش مع ضم سنتين إلى خدمة كل منهم بحيث لا يجاوز سن الستين وصرف الفرق بين الماهية والمعاش مشاهرة عن المدة المضافة". فإنه لذلك كان يتعين إعمال ما تقضي به المادة 109 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 وذلك بالعرض على القومسيون الطبي العام بناء على طلب الموظف أو جهة الإدارة ليصدر قراره المثبت لعدم اللياقة الصحية مع التريث في فصل الموظف لعدم اللياقة الصحية حتى يستنفذ إجازاته المرضية والاعتيادية ما لم يطلب نفسه الإحالة إلى المعاش دون انتظار انتهاء إجازاته.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ذلك، يتضح من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه حصل في التقرير السنوي السري عام 1954 على اثنين وخمسين درجة من مائة وحصل في عام 1955 على خمس وستين درجة من مائة وحصل في عام 1956 على إحدى وخمسين درجة من مائة، وقد كانت الدرجات التي حصل عليها في تقدير العمل والإنتاج في هذه السنوات الثلاث على التوالي هي: 25 درجة من خمسين و32 درجة من خمسين و26 درجة من خمسين، الأمر الذي يبين منه بجلاء أن تقدير درجة كفاية المدعي وخاصة في الإنتاج والعمل، لم ينحدر به إلى ما تنعته به الوزارة من ضعف في الإنتاج وعدم الصلاحية للعمل بل يرتفع به عمله وإنتاجه وتسمو به كفايته كما هو ثابت بتقاريره إلى درجة من الكفاية لا يصدق فيها ما وصمته به جهة الإدارة.
ومن حيث إنه من أجل ذلك يكون القرار المطعون فيه قد قام على غير سبب صحيح ووقع ترتيباً على ذلك، مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه لهذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه لما تقدم وللأسباب التي استند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وفي هذه الأسباب المفصلة كل الغناء للرد على أسباب الطعن ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت وزارة الأوقاف بالمصروفات وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق