جلسة 25 من يناير سنة 1969
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.
----------------
(39)
القضية رقم 680 لسنة 13 القضائية
موظف "إنهاء خدمة. أسبابها". "الاستقالة".
اعتبار انقطاع الموظف عن العمل، بغير إذن وبدون تقديم أعذار مقبولة، لمدة خمسة عشر يوماً متتالية في حكم الاستقالة - يجوز لجهة الإدارة اعتبار غيابه مخالفة إدارية تستوجب مجازاته وفي هذه الحالة لا يجوز اعتباره مستقيلاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي، السيد/ عبد الحكيم عبد السلام أحمد، أقام الدعوى رقم 2891 لسنة 19 القضائية ضد وزارة الري وتفتيش عام ضبط النيل بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة الجزاءات والفصل بغير الطريق التأديبي" في 31 من مايو سنة 1965 طالباً الحكم بإلغاء القرار الوزاري رقم 438 لسنة 1964 الصادر في 26 من سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 وما يترتب على ذلك من آثار بإعادته إلى عمله وصرف مرتبه عن المدة التي لم يصرف له فيها حتى تاريخ عودته. وقال - شرحاً لدعواه - إن القرار المطعون فيه صدر ناسباً له أنه انقطع عن العمل أكثر من المدة القانونية مع أن هذا يخالف الواقع إذ أنه كان موجوداً فعلاً بالعمل في التواريخ المقول بغيابه فيها وقد صرف مرتبه بالكامل عن شهر أغسطس سنة 1964 الذي أسند إليه الغياب فيه. واستشهد على حضوره ببعض زملائه الموظفين. وأن الإدارة لم تجر معه أي تحقيق، بل فصلته جزاء مشادة وقعت بينه وبين السيد المفتش العام، دون اتباع لما جاء بالنشرة الشهرية لديوان الموظفين رقم 10 لسنة 1957 - من أنه لا يمكن افتراض أن العامل أراد هجر العمل إلا بتحقق شرطين: الأول أن يتغيب بدون إذن والثاني ألا يثبت ما يقنع رئيسه أن غيابه كان بسبب قوة قاهرة، وأرجع المدعي سبب فصله إلى وجود منافسة بينه وبين رئيس شئون العاملين لكونه أعلى منه درجة وأكثر منه أقدمية. وقد استدعاه السيد المفتش العام ذات مرة ونهره بلفظ ناب وطلب من رئيس شئون العاملين قيده غائباً.. ومضى المدعي يقول إنه لا يوقع على ساعة الحضور منذ ثلاث سنوات أسوة بزملائه اكتفاء بحضوره. فضلاً عن أنه رئيس قلم وهو بهذه المثابة معفى من التوقيع كما أنه رقي في شهر يوليه سنة 1964 إلى الدرجة الخامسة بتوصية من التفتيش وبتقارير سرية جيدة. ثم فصل اعتباراً من الشهر التالي للترقية ولم يعلم بالقرار المطعون فيه إلا في 7 من أكتوبر سنة 1964 وتظلم منه في 10 من ذات الشهر ولم يتلق رداً على تظلمه فأقام هذه الدعوى.
ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي لم يجر معه أي تحقيق قبل إصدار القرار المطعون فيه لأنه كان متغيباً الأمر الذي أدى إلى إخطار النيابة الإدارية ووزارة الري بانقطاعاته خلال شهور يونيه ويوليه سنة 1964 وذلك بكتابي التفتيش رقمي 11، 12 سري في 9 من سبتمبر سنة 1964 فاعتبرته الوزارة مستقيلاً بقوة القانون تطبيقاً للمادتين 49 و81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 وأن سبب صرف مرتبه عن شهر يوليه سنة 1964 فلأن التفتيش لا يملك إيقاف صرف مرتبه إلا بعد إخطار الوزارة وموافقتها على ذلك. وأن ما يذكره المدعي من منافسة بينه وبين رئيس شئون العاملين فإنه ادعاء لا يستند إلى أي دليل خاصة وأنه موظف كتابي والسيد رئيس شئون العاملين بالكادر العالي. وأضافت الجهة الإدارية أن بملف خدمة المدعي مذكرة مؤرخة في 13 من نوفمبر سنة 1963 تضمنت أنه لا يحترم مواعيد الحضور والانصراف وأنه متغيب بصفة مستمرة وأنه لا يصلح إطلاقاً للعمل وأنه صدر في 23 من ذات الشهر أمر مكتبي بإلحاقه بقسم شئون العمال وعليه القيام بإنشاء وتنظيم واستيفاء سجلات القسم خاصة سجلات المجندين والمحالين إلى المعاش والنقل والإعارة إلا أنه لم يقم بأي عمل من هذه الأعمال لتغيبه المستمر. وأنه لم يصدر أي أمر باعتباره رئيساً لقسم أو قلم، هذا فضلاً عن أن ملف خدمته حافل بالجزاءات لتلاعبه وكثرة غيابه واستهتاره بالعمل. وأنه يؤيد ذلك ما جاء بقضية النيابة الإدارية رقم 16 لسنة 1959 من كثرة انقطاعه عن العمل بدون إذن سابق وعدم تخصيصه وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته وقد جوزي عن ذلك بالخصم من المرتب مع إنذاره. كما أنه قد أحيل إلى مجلس التأديب في القضية رقم 37 لسنة 1962 وجوزي بخصم شهر من راتبه لما ثبت من مخالفته قانون التوظف الذي حظر اشتغال الموظفين بالأعمال التجارية بأن قدم نفسه مقاولاً لدى مصلحة الطرق والكباري ورست عليه عمليتان من مقاولاتها قام بتنفيذهما مما أدى إلى كثرة انقطاعه عن العمل بدون إذن.
وبجلسة 22 من فبراير سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار وبإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أن تفتيش ضبط النيل أخطر النيابة الإدارية بكتابه السري رقم 11 في 9 من سبتمبر سنة 1964 بأن المدعي دأب على الانقطاع عن العمل دون الحصول على إذن سابق، فضلاً عن انصرافه دون إذن كذلك في الأيام التي يتواجد فيها كما تغيب طوال شهر أغسطس سنة 1964 وما زال منقطعاً حتى تاريخ ذلك الكتاب وطلب من النيابة الإدارية اتخاذ اللازم، الأمر الذي ترتب عليه قيامها بالتحقيق اعتباراً من 28 من سبتمبر سنة 1964. وبعد إرسال الكتاب المذكور للنيابة الإدارية صدر القرار المطعون فيه في 26 من ذات الشهر باعتبار خدمة المدعي منتهية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 لانقطاعه عن العمل أكثر من المدة القانونية استناداً إلى المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 وقد نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه لا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل.. وطبقاً لهذه الفقرة لا يجوز اعتبار المدعي مستقيلاً طالما أن الجهة الإدارية قد طلبت من النيابة الإدارية إجراء التحقيق معه توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضده ومن ثم فقد جاء القرار المطعون فيه في سببه مخالفاً للقانون.
طعنت الحكومة في الحكم المذكور بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من إبريل سنة 1967 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وبنت طعنها على أنه لا وجه لانطباق الفقرة الأخيرة من المادة 81 سالفة الذكر للأسباب الآتية:
أولاً: إن الخطاب الموجه من تفتيش ضبط النيل للنيابة الإدارية في 9 من سبتمبر سنة 1964 لا يعتبر إجراء تأديبياً، ذلك أن التفتيش المذكور أرسل في نفس الوقت وذات اليوم كتاباً آخر للسيد وكيل وزارة الري ببيان حالة المطعون ضده وتغيبه عن العمل أكثر من المدة القانونية. فالتفتيش بذلك عرض الموضوع على الجهتين. وهو، في نهاية الأمر لم يكن يملك أن يقرر إنهاء خدمة المذكور ولا مجازاته تأديبياً لأن ذلك لا بد وأن يكون بقرار من السيد وكيل الوزارة والسيد رئيس المصلحة وقد رأى السيد وكيل الوزارة بمجرد رفع الأمر إليه إنهاء خدمته استناداً إلى القانون ولم يعزز اتخاذ أي إجراء تأديبي ضده.
ثانياً: إن الإجراء التأديبي المانع من اعتبار الموظف مستقيلاً هو ذلك الذي يجب المخالفة وتستنفد به جهة الإدارة سلطتها في العقاب باعتبار أن الغياب بدون إذن يعتبر في ذاته مخالفة والتفتيش لم يتخذ ضد المطعون ضده أي إجراء من هذا النوع لأنه لم يفعل أكثر من الإخطار بالواقعة للجهتين حيث رأت السلطة الإدارية العليا الممثلة في السيد وكيل الوزارة إنهاء الخدمة استناداً إلى نص القانون ولم تشر باتخاذ أي إجراء تأديبي.
ثالثاً: ليس المقصود بالفقرة الأخيرة من المادة 81 أن تكون سلاحاً في يد الموظف يدفع به في مواجهة جهة الإدارة، بل المقصود بها احتياط ارتآه القانون ضرورياً حتى يواجه به حالات الانقطاع المعتمدة من جانب العاملين. فالقيد هنا ليس لصالح العامل بل مقرر ضده ومقصود به تفويت غرضه السيئ إذا كان يتعمد الغياب فعلاً حتى يعتبر مستقيلاً.
قدمت الحكومة حافظة مستندات أرفقت بها صوراً من الأوامر والمنشورات التي تنظم مواعيد الحضور والانصراف للعاملين بتفتيش عام ضبط النيل.
ومن حيث إن المادة 81 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 نصت على أنه: "يعتبر العامل مقدماً استقالته في الحالتين الآتيتين:
1 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب إجازة مرخص بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول وفي هذه الحالة يجوز لوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة، كل في دائرة اختصاصه، أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك وإلا وجب حرمانه من المرتب عن هذه المدة فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2 - إذا التحق بالخدمة في حكومة أجنبية.
ولا يجوز اعتبار العامل مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل أو لالتحاقه بالخدمة في حكومة أجنبية".
ومؤدى هذه المادة أن لجهة الإدارة إذا ما انقطع العامل عن عمله بغير إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية إما أن تفصله من العمل ويقوم الفصل في هذه الحالة على قرينة قانونية هي اعتباره مستقيلاً، وإما أن تتخذ ضده الإجراءات التأديبية باعتبار أن غيابه بدون إذن يشكل مخالفة إدارية تستوجب مجازاته وفي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز اعتباره مستقيلاً.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعي دأب على الانقطاع عن عمله دون الحصول على إذن سابق فتوالت عليه الجزاءات لهذا السبب، إلا أنه مع ذلك لم يرتدع وقام بالتغيب عن عمله بدون إذن مدة 22 يوماً متفرقة خلال شهر يونيه سنة 1964 ومدة 18 يوماً متفرقة خلال شهر يوليه سنة 1964 ثم غاب طوال شهر أغسطس سنة 1964 مما أدى إلى قيام تفتيش ضبط النيل، الذي كان يعمل به المدعي، إلى إخطار السيد وكيل وزارة الري في 9 من سبتمبر سنة 1964 بحالة المدعي سالفة الذكر طالباً تطبيق المادة 81 من القانون المنوه عنها على سيادته. وفي 26 من سبتمبر سنة 1964 أصدر السيد وكيل الوزارة قراره بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 لانقطاعه عن العمل أكثر من المدة القانونية مع حرمانه من المرتب اعتباراً من التاريخ المذكور حتى تاريخ صدور قرار إنهاء الخدمة وأخطر تفتيش ضبط النيل بذلك الذي قام بدوره بإخطار النيابة الإدارية ولم تكن النيابة الإدارية في ذلك الوقت قد بدأت في سماع أقوال المدعي إذ أنها لم تبدأ في ذلك إلا في 29 من أكتوبر سنة 1964.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن المدعي قد انقطع عن عمله بغير إذن طوال شهر أغسطس سنة 1964 وغير ثابت أنه قدم أعذاراً لغيابه عقب الخمسة عشر يوماً الأولى ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من السيد وكيل وزارة الري في 26 من سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 مع حرمانه من مرتبه اعتباراً من التاريخ المذكور قد جاء سليماً وتطبيقاً صحيحاً للفقرة الأولى من المادة 81 من القانون رقم 46 لسنة 1964 سالفة الذكر. ولا مجال لإعمال الفقرة الأخيرة من هذه المادة لأن الكتاب الصادر من تفتيش ضبط النيل إلى النيابة الإدارية في 9 سبتمبر سنة 1964 لا يعتبر إجراء تأديبياً في مفهوم المادة المذكورة لأن التفتيش لم يقصد بكتابه المشار إليه للنيابة الإدارية اتخاذ إجراء تأديبي، بل إنه إنما قصد مجرد إخطارها بالموضوع وبأنه قد أخطر الوزارة لتطبيق المادة 81 بإنهاء خدمته وقد أصدرت الوزارة قرارها في 26 من سبتمبر سنة 1964 بذلك وأخطرت التفتيش الذي قام بدوره بإخطار النيابة الإدارية قبل أن تبدأ في التحقيق بسماع أقوال المدعي. وقد كان يتعين على النيابة الإدارية بمجرد أن أخطرته بصدور قرار إنهاء خدمة المدعي ألا تتخذ أي إجراء معه لأن التحقيق معه أصبح غير ذي موضوع.
ومن حيث إنه لا صحة لما زعمه المدعي من أنه لم ينقطع عن عمله بدون إذن. ذلك أنه، فضلاً عن أنه لم يقدم دليلاً على ذلك، فإن الثابت من الأوراق أن تعليمات تفتيش ضبط النيل (التي قدمت الحكومة صوراً منها بحافظتها الأخيرة) توجب على جميع الموظفين به من الدرجة الرابعة إلى التاسعة - ومنهم المدعي - أن يوقعوا في شريط ساعة الميقات في الحضور والانصراف. وقد اعترف المدعي بأنه لم يوقع في هذا الشريط مما يدل على أنه لم يحضر في الأيام المقال بأنه قد انقطع فيها ولا وجه لما ذكره المدعي - من أنه رئيس قلم وأنه بهذه المثابة معفى من التوقيع. ذلك لأنه فضلاً عن أنه ليس بملف خدمة المدعي المقدم من الحكومة ما يفيد أنه رئيس قلم، فإن التعليمات المنوه عنها لم تعف رؤساء الأقلام من التوقيع بل إنها صريحة في إلزام جميع الموظفين فنيين وإداريين وكتابيين دون استثناء من الدرجة الرابعة إلى التاسعة بالتوقيع على شريط تلك الساعة.
ومن حيث إنه لذلك تكون دعوى المدعي، بطلب إلغاء القرار الصادر في 29 سبتمبر سنة 1964 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول أغسطس سنة 1964 وحرمانه من مرتبه من ذلك التاريخ، غير قائمة على أساس سليم من القانون خليقة بالرفض. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق