جلسة 24 من فبراير سنة 1961
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد إبراهيم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.
----------------
(86)
القضية رقم 514 لسنة 4 القضائية
(أ) مرتب - سقوط - ميعاد السقوط
- المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات - نصها على سقوط الحق في الماهيات وما في حكمها إذا لم يطالب بها ذو الشأن خلال خمس سنوات من تاريخ استحقاقها - تطبيق حكمها رهين بتوافر أمرين: نشوء حق مالي في ذمة الدولة، وتخلف المطالبة به قضائياً أو إدارياً مدة خمس سنوات رغم علم صاحب الشأن بقيام حقه علماً حقيقياً وافتراضياً - لا ينفتح ميعاد السقوط إلا إذا تكامل نشوء الحق وكانت المطالبة به أمراً ميسوراً من جهة القانون - أساس ذلك - مثال.
(ب) مدة خدمة سابقة
- الحكم بضمها - أثره على القرارات الصادرة بتخطي المحكوم له في الترقية قبل تقرير الضم - عدم سقوط هذه القرارات إلا بالإلغاء.
إجراءات الطعن
في 12 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد تحت رقم (514) لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة ب) بجلسة 13 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم (448) لسنة 11 القضائية المقامة من حسن محمد زكي سليم ضد وزارة المالية والاقتصاد - مصلحة الضرائب - والذي يقضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 وبما يترتب على ذلك من آثار، وباعتبار أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 31 من أكتوبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة بالمصروفات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من إطلاق صرف الفروق المالية المترتبة على الحكم، والقضاء باستحقاق المدعي فقط للفروق على الوجه الوارد بأسباب الطعن" وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 9 من يونيه سنة 1958 وإلى الخصم في (16) منه. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19 من ديسمبر سنة 1959 وفيها أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 9 من يناير سنة 1960 وقد تدوول الطعن في الجلسات وأجل الفصل فيه مراراً لضم ملف خدمة المدعي الذي كان قد سحبته مصلحة الضرائب لتسوية معاشه بمناسبة استقالته من الخدمة، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم (448) لسنة 11 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 13 من يناير سنة 1957 طالباً الحكم أولاً: بإلغاء القرار الصادر في 19 من أغسطس سنة 1948 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية. ثانياً: بإلغاء القرار الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة، مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية. وذلك مع إلزام المدعى عليه في الحالتين بالمصروفات ومقابل الأتعاب، وقال شرحاً لدعواه أنه تظلم في 23 من سبتمبر سنة 1956 من القرارين المشار إليهما والمطلوب الحكم بإلغائهما. ولم يرد على تظلمه السيد ويزر المالية حتى انقضى يوم 22 من نوفمبر سنة 1956 مما اعتبره المدعي رفضاً للتظلم، وفي خلال الستين يوماً التالية لهذا التاريخ أقام دعواه في 13 من يناير سنة 1957 ويقول أنها مقبولة شكلاً لأن القرارين المطعون فيهما لم ينشرا ولم يعلم هو بهما إلا منذ أسبوع وبطريق المصادفة. وفضلاً عن ذلك فإن حق الطعن لم ينشأ له إلا بعد الحكم الصادر في الطعن رقم (9150) لسنة 8 القضائية من محكمة القضاء الإداري بجلسة 23 من أبريل سنة 1956 الذي قضى بضم مدة خدمة المدعي في مكتب البلاد المحتلة بالكامل، وبعد أن أصبحت أقدميته في الدرجة السادسة راجعة إلى 20 من نوفمبر سنة 1941 بدلاً من 20 من يناير سنة 1944. وكان الواجب على الوزارة أن تمنح المدعي كافة المراكز القانونية المستحقة له بناء على الأقدمية المعدلة، فتجعل ترقيته إلى الدرجة الخامسة راجعة إلى التاريخ الذي يستحقها فيها بحسب أقدميته الجديدة، وكذلك الحال بالنسبة للدرجة الرابعة. ولكن المصلحة أصدرت قراراً بتنفيذ الحكم المذكور في أغسطس سنة 1956 ونشر في سبتمبر سنة 1956 بنشرة المصلحة ولم ينفذ الشرط الخاص بآثار الحكم. ولهذا فإن ميعاد الطعن يبدأ من تاريخ نشر قرار التسوية، ومن ثم يكون الطعن مقبولاً شكلاً، أما فيما يتعلق بالدرجة الخامسة فقد صدر في 23 من أبريل سنة 1956 حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 9150 لسنة 8 القضائية بأحقية المدعي في احتساب مدة خدمته، بمكتب البلاد المحتلة والخاضعة للرقابة، كاملة في أقدميته مع ما يترتب على ذلك من آثار. ومن ثم رجعت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 20 من نوفمبر سنة 1941 بدلاً من 20 من يناير سنة 1944 وبالتالي يكون معظم من رقوا بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة في قرار وزير المالية الصادر في 19 من أغسطس سنة 1948 إنما هم أحدث من المدعي ولو أن أقدميته كانت قد عدلت قبل القرار المذكور لوجبت ترقيته في نسبة الأقدمية. ويشير المدعي على سبيل المثال إلى (إسماعيل عبد الحافظ فكري) الذي رقي بالأقدمية المطلقة في قرار أغسطس سنة 1948 إلى الدرجة الخامسة، فإن أقدميته في السادسة ترجع إلى 22 من ديسمبر سنة 1941 في حين أن أقدمية المدعي في تلك الدرجة ترجع إلى 20 من نوفمبر سنة 1941 ولكان من الواجب أن يكون اسم المدعي في كشف الأقدمية للدرجة السادسة سابقاً على (إسماعيل فكري) وبالتالي يكون مستحقاً للترقية بالأقدمية في قرار 19 من أغسطس سنة 1948. أما فيما يتعلق بالدرجة الرابعة فقد ترتب على عدم ترقية المدعي في دوره بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة في قرار أغسطس سنة 1948 أنه لم يرق في حركة الترقيات إلى الدرجة الرابعة الصادرة بقرار وزير المالية في 31 من أكتوبر سنة 1953 والذي رقي بمقتضاه الكثيرون ممن هم أحدث من المدعي في الدرجة الخامسة، ومنهم على سبيل المثال أيضاً (إسماعيل فكري) بالذات ولو أن أقدمية المدعي كانت قد عدلت، لوجبت ترقيته ضمن نسبة الأقدمية إلى الدرجة الرابعة في قرار 31 من أكتوبر سنة 1953 وسابقاً على من تخطوه من أقرانه. ولما كان المدعي موظفاً بالكادر الفني العالي فإنه يكون محقاً في طلب الحكم بإلغاء قراري أغسطس سنة 1948 وأكتوبر سنة 1953 فيما تضمنه القرار الأول من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة، والثاني من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة. وقد ردت مصلحة الضرائب على هذه الدعوى بمذكرة أودعت في 10 من فبراير سنة 1957 دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وقالت شرحاً لهذا الدفع أن القرارات المطعون فيها قد صدرت منذ زمن طويل، وقد نشرت ووزعت عقب صدورها على جميع الأقسام بالمصلحة، ومن بينها الجهة التي كان المدعي يعمل بها وقت صدورها مما يفترض معه علمه بها. أما ما أثاره المدعي من أنه لم يعلم بهذه القرارات إلا في وقت تقديمه التظلم في 23 من سبتمبر سنة 1956 فمرد ذلك إلى رغبته في إخراج هذا النزاع من نطاق تطبيق المادة (19) من القانون رقم 165 لسنة 1955. أما قوله أن ميعاد الطعن يبدأ من تاريخ نشر قرار التسوية فذلك مردود عليه أيضاً بأن ميعاد الطعن في القرارات الإدارية يبدأ من تاريخ صدور الحكم الذي يكشف عن المركز القانوني للمدعي، وما دام الحكم الصادر لصالحه قد صدر بجلسة 23 من يونيه سنة 1956 فإن ميعاد الطعن في القرارات المطعون فيها ينتهي في 22 من أغسطس سنة 1956 إن لم يقطع هذا الميعاد بالتظلم الإداري، والثابت أن المدعي قدم تظلمه في 23 من سبتمبر سنة 1956 فتكون الدعوى والحالة هذه قد رفعت بعد الميعاد. وفي الموضوع قالت مصلحة الضرائب أن طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 19 من أغسطس سنة 1948 - مردود عليه بأن الدور لم يكن قد لحقه قبل تسوية حالته بالحكم الصادر لصالحه من محكمة القضاء الإداري، أما بعد صدور الحكم وإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 30 من نوفمبر سنة 1941 فأصبح الدور يدركه بهذا القرار للترقية بالأقدمية المطلقة، ولما كانت تسوية حالة المدعي قد جاءت بعد صدور القرار المطعون فيه بسنين طويلة تجعله حصيناً بمنأى عن الإلغاء لأنه صدر كسند صحيح، ولم يشبه عيب قانوني، لأن أقدمية المدعي ما كانت لتسمح بترقيته وقت صدوره في سنة 1948 ومن ثم يكون القرار المطعون فيه، قد صدر سليماً متمشياً مع القانون، وأضافت المصلحة أنه لما كان المدعي يؤسس طلبه إلغاء القرار الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1953 على أساس تعديل أقدميته في الدرجات الخامسة إلى أغسطس سنة 1948 ولما كان لا يجوز إجابته إلى طلبه في ذلك لما تقدم من أسباب المصلحة فمن ثم يكون طلبه الثاني أيضاً غير قائم على أساس سليم، وانتهت المصلحة إلى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وفي الموضوع برفضها في شقيها مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وبجلسة 13 من مارس سنة 1958 قضت محكمة القضاء الإداري - الهيئة الثالثة ب - "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 وما يترتب على ذلك من آثار وباعتبار أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 31 من أكتوبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات" وأقامت قضاءها على أن ميعاد رفع دعوى الإلغاء هو ستون يوماً تسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به أما العلم الذي استقر القضاء الإداري على أنه يقوم مقام النشر أو الإعلان فينبغي أن يكون علماً يقينياً، لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي لصاحب الشأن، على أساسها، أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا القرار. ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه في الطعن فيه، ولا يمكن أن يحسب الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم اليقيني الشامل. ولما كان قرار التسوية الصادر تنفيذاً للحكم رقم (9150) لسنة 8 القضائية، على النحو الذي صدر به، قد دعا المدعي إلى التظلم منه، فلما لم تجبه الإدارة على تظلمه، اضطر إلى رفع الدعوى طالباً تنفيذ الآثار الحتمية للحكم، المترتبة على ضم مدة خدمته كاملة في أقدمية الدرجة السادسة وترقيته بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة فالدرجة الرابعة. ولم يستبن المدعي ما إذا كانت الجهة الإدارية ستقوم تلقائياً بتعديل أقدميته في هاتين الدرجتين، من عدمه إلا من تاريخ علمه بقرار التسوية الذي بادر إلى التظلم منه، ثم قام برفع دعواه، ولئن كان الحكم في الدعوى رقم (9150) لسنة 8 القضائية قد أرسخ اليقين في علم المدعي بمركزه القانوني، وبما كشف عنه بقضائه، ومن ثم فإن ميعاد الطعن في قرارات من يلونه أقدمية في الدرجات الأعلى لا ينفتح أمامه حتى يعلم بقرار تنفيذ الحكم، وما كان في مقدوره أن، يتكهن بما عساه أن يكون هذا التنفيذ مطابقاً للحكم أم مبتوراً مقصوراً عنه. وإذ آنس عدم التنفيذ على مقتضاه، بادر متظلماً إلى الجهة الإدارية في 23 من سبتمبر سنة 1956 ولما لم ترد الإدارة على تظلمه خلال الستين يوماً رفع دعواه في 13 من يناير سنة 1957 وبذلك يكون المدعي قد رفع الدعوى في الميعاد القانون، ويتعين تبعاً لذلك رفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، أما في موضوع الدعوى فقد أقامت المحكمة قضاء إلغاء القرارين المطعون فيهما، على أنه لا يسوغ أن يضار الموظف بتراخي جهة الإدارة في تسوية حالته، طبقاً للقواعد المعمول بها، سيما إذا كان لديها من الوقت ما يسمح بإجرائها في الميعاد المناسب، ولم يكن لهذا الموظف يد في هذا التراخي. ولا يجوز من باب أولى أن يضار الموظف من تراخي جهة الإدارة في تسوية حالته لمنازعتها في حقه إذا ما كان هذا النزاع لا يقوم على أساس سليم من القانون، وكشف عنه حكم صدر لصالحه في هذا الخصوص. والحكومة لا تنازع في أنه لو كانت أقدمية المدعي في الدرجة السادسة عند صدور القرار المطعون فيه سنة 1948 مرتدة إلى 20 من نوفمبر سنة 1941 لكان سابقاً في ترتيب أقدمية هذه الدرجة على كثير من المرقين بالقرار المطعون فيه، وثابت من مطالعة كشف أقدمية الدرجة السادسة أن المدعي يسبق زميله (إسماعيل فكري) الذي ترجع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 22 من ديسمبر سنة 1941 ومن يلونه، فمن ثم كان من حق المدعي أن يرقى ضمن من رقوا بالأقدمية المطلقة، في القرار المطعون فيه. ويتعين إلغاؤه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة في دوره بالأقدمية، والقضاء له بما يترتب على ذلك من آثار, أما فيما يتعلق بطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، فإنه يتضح لمحكمة القضاء الإداري من الاطلاع على الأوراق وعلى كشف أقدمية موظفي المصلحة الشاغلين للدرجة الخامسة، عند صدور القرار المطعون فيه، أن ترتيب أقدمية المدعي فيما لو كانت أقدميته في الدرجة الخامسة مرتدة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 تالياً لزميله (إسحق سرور) الذي ترجع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 19 من أغسطس سنة 1948، وفي الدرجة السادسة إلى 19 من نوفمبر سنة 1941 وسابقاً على أقدمية زميله (إسماعيل فكري) المطعون عليه. والذي ترجع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 وفي الدرجة السادسة إلى 22 من ديسمبر سنة 1941 وثابت أيضاً من مطالعة التقرير السنوي المقدم عن المدعي لعام (1953) - أنه قد حصل على درجة جيد، وقد كانت أقصى درجات الكفاية طبقاً للقواعد المعمول بها في ذلك الحين، ومن ثم فما كان يجوز تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية في نسبة الاختيار، وإذ صدر القرار المطعون فيه متخطياً المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة فإنه يكون لذلك قد صدر مخالفاً للقانون وحقيقاً بالإلغاء، ولما كان المدعي قد رقي بالفعل إلى الدرجة الخامسة الفنية في 13 من ديسمبر سنة 1948 وإلى الدرجة الرابعة الفنية بالفعل في 13 من نوفمبر سنة 1954، فتكون دعواه والحالة هذه مقصورة على تعديل أقدميته في الدرجتين المذكورتين إلى التاريخ المحدد في القرارين المطعون فيما وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن هذا الطعن، لا يهدف إلى المساس بما قضى به، وبحق، الحكم المطعون فيه، من رفض دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وبقبولها، كما لا يهدف الطعن إلى النيل مما قضى به، ويحق أيضاً الحكم المطعون فيه، باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة راجعة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 وباعتبار أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 31 من أكتوبر سنة 1953، وإنما ينحصر تقرير الطعن فيما قضى به الحكم المطعون فيه، من إطلاق صرف الفروق المالية المترتبة على الحكم. وطلب الطاعن القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، في هذا الشق المتعلق منه بالآثار فحسب ثم القضاء باستحقاق المدعي من الفروق المالية فقط ما لم يكن قد انقضى عليه أكثر من خمس سنوات من تاريخ أخر مطالبة له بضم المدة التي طالب بها، وقد جاء بأسباب الطعن ما يأتي "أن الحكم المطعون فيه أثار - فيما يتعلق بالفروق المالية المترتبة على رد أقدمية المدعي في الدرجتين الخامسة والرابعة - خلافاً حول تحديد الفترة الزمنية للفروق المستحقة، فهل يستحق المدعي جميع الفروق المالية المترتبة على الوضع الذي كشف عنه الحكم بالإلغاء باعتبار أن الفروق في هذه الحالة، ليست سوى أثر من الآثار المالية المترتبة على الإلغاء، فلا يتصور في هذه الحالة الإبقاء على بعض آثار القرار الملغي بل يتعين إعادة الوضع من كافة نواحيه إلى ما كان ينبغي قانوناً أن يكون عليه، مهما طال الزمن على القرار الملغي إذ أن حق المدعي الشخصي في هذه الفروق لم يتولد له إلا بصدور الحكم بالإلغاء لما هو معروف من أن الأصل في القرار هو الصحة، فيظل إلى أن يقضي بإلغائه قائماً منتجاً لكافة آثاره، فإذا ما صدر الحكم بالإلغاء فإنه من هذا التاريخ فقط ينشأ الحق في اقتضاء الفروق، أم أن الفروق المالية المستحقة للموظف في حالة الإلغاء، شأنها في ذلك شأن الفروق الناتجة مباشرة من قاعدة تنظيمية عامة، هي مما تسقط جميعها طبقاً للمادة (50) من لائحة الميزانية والحسابات بمضي خمس سنوات على المطالبة بها أياً كان سبب الاستحقاق أو سند المطالبة. وترى هيئة المفوضين، في عموم نص المادة المذكورة ما يسمح بتطبيقه على جميع المرتبات المستحقة للموظفين. ومما يجدر التنبيه إليه أن هذه الدعوى بالذات كانت مسبوقة بدعوى تسوية خاصة بضم مدد الخدمة السابقة للمدعي، وليس من شك في أن مطالبة المدعي بضم هذه المدة إنما يعني في الوقت نفسه ضرورة إعادة النظر في وضعه الوظيفي على ضوء المركز الجديد الذي سيكشف عنه الحكم في هذا النزاع بحيث ترد أقدميته في الدرجات التالية إلى التاريخ الذي كان مفروضاً أن يحصل عليها فيه فيما لو لم تتراخ الإدارة في ضم هذه المدة. ومن ثم يتعين الاعتداد بمطالبة المدعي بضم المدة في قطع مدة الخمس سنوات. وبذلك يستحق المدعي من هذه الفروق، ما لم يكن قد مضى عليها أكثر من خمس سنوات من تاريخ أخر مطالبة بضم المدة المذكورة" وخلص تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع "بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إطلاق صرف الفروق المالية المترتبة على الحكم، والقضاء باستحقاق المدعي فقط، للفروق على الوجه الوارد بأسباب هذا الطعن".
ومن حيث إن دعوى المطالبة بإلغاء القرارين المطعون فيهما وهي الدعوى رقم (448) لسنة 11 القضائية والصادر فيها بجلسة 13 من مارس سنة 1958 الحكم محل هذا الطعن، كانت مسبوقة بدعوى تسوية أولى بدأت بتظلم رقم (4912) لسنة 1 القضائية قدمه المدعي في 23 من سبتمبر سنة 1953 إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد مطالباً بضم مدة خدمته السابقة كلها بمكتب البلاد المحتلة في الفترة من (20 من نوفمبر سنة 1941 لغاية 20 من مارس سنة 1946) إلى مدد خدمته الفعلية بمصلحة الضرائب، تأسيساً على قرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947.
وبجلسة 5 من ديسمبر سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قرارها في التظلم برفضه. فأقام المدعي طعناً في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري في 27 من فبراير سنة 1954 قيد تحت رقم (9150) لسنة 8 القضائية وبجلسة 23 من أبريل سنة 1956 أصدرت المحكمة حكمها في ذلك الطعن وهو يقضي: "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وبأحقية المدعي في احتساب مدة خدمته بمكتب البلاد المحتلة كاملة في أقدميته، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات" وفي 30 من يوليه سنة 1956 صدر قرار مدير عام مصلحة الضرائب بتسوية حالة المدعي على أساس احتساب مدة خدمته التي قضاها بمكتب البلاد المحتلة كاملة في أقدميته في الدرجة السادسة الفنية، واعتباره فيها بالحساب الفرضي من 20 من نوفمبر سنة 1941 بدلاً مما كانت عليه (20 من يناير سنة 1944) قبل إجراء التسوية، وذلك مع صرف الفرق الناتج عنها اعتباراً من 11 من مايو سنة 1947 تاريخ قرار مجلس الوزراء بالموافقة على حساب مدد الخدمة السابقة، وقد أجرت المصلحة هذه التسوية نزولاً على منطوق حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في أبريل سنة 1956، ولكن هذا القرار التنفيذي من جانب المصلحة، لهذا الحكم، قد اقتصر على تسوية حالة المدعي في الدرجة السادسة فقط ورد أقدميته فيها وحدها دون أن يجرى تعديلاً في أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة وفي الدرجة الرابعة مما كان يتعين على المصلحة إجراؤه تنفيذاً للعبارة "وما يترتب على ذلك من آثار". التي نص عليها منطوق حكم التسوية الصادر في أبريل سنة 1956 وظلت أقدمية المدعي في الدرجة الخامسة على ما كانت عليه من 13 من ديسمبر سنة 1948 وفي الدرجة الرابعة من 13 من نوفمبر سنة 1954. وهذا ما دفع المدعي إلى المبادرة بالتظلم في 24 من سبتمبر سنة 1956 من قراري تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة ثم إلى الدرجة الرابعة وهما القراران الصادران أولهما في 19 من أغسطس سنة 1948 وثانيهما في 31 من أكتوبر سنة 1953 وطلب المدعي منحه كافة المراكز القانونية المترتبة على تعديل أقدميته، ولما أغفلت المصلحة الرد على تظلمه الأخير من قرار تسوية حالته، أقام المدعي الدعوى رقم (448) لسنة 11 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 13 من يناير سنة 1957 يطلب فيها الحكم بإلغاء هذين القرارين فيما تضمنه كل منهما من تخطيه في الترقية أولاً إلى الدرجة الخامسة وثانياً إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك الإلغاء من آثار مالية. ولما كان المدعي قد رقي فعلاً إلى الدرجتين المذكورتين، فقد صدر الحكم في دعوى الإلغاء، باعتبار أقدميته في الدرجة الخامسة راجعة إلى 19 من أغسطس سنة 1948 وما يترتب على ذلك من آثار وباعتبار أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 31 من أكتوبر سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار. وهذا الحكم فيما قضى به من استحقاق المدعي لما يترتب على تعديل أقدميته في الدرجتين الخامسة والرابعة من آثار، هو وحده الشق الذي ينصب عليه هذا الطعن.
ومن حيث إنه يبين من الاستعراض المتقدم لوقائع هذه المنازعة، أن مطالبة المدعي بضم مدة خدمته السابقة بمكتب البلاد المحتلة إلى مدة خدمته الفعلية بمصلحة الضرائب، إنما يعني في الوقت ذاته ضرورة إعادة النظر في وضعه الوظيفي على هدي ما سيكشف عنه الحكم الصادر في طلب إلغاء القرارين من مركز جديد. وغني عن القول أن الأصل في الأحكام أنها مقررة للحقوق، وليست منشئة لها، فوظيفة المحكمة هي أن تبين حق كل خصم بالنسبة لموضوع المنازعة، ولا تخلق للخصوم حقوقاً جديدة. ومن أجل هذا يبقى للحق القائم أصلاً سببه ووصفه. ويحتفظ بكافة آثاره، ومفاد ذلك في خصوصية هذه المنازعة، هو أن ترد إلى المدعي أقدميته في الدرجات التالية - الخامسة فالرابعة - إلى التاريخ الذي كان مفروضاً أن يحصل فيه عليها إذا لم تكن جهة الإدارة قد تراخت في ضم تلك المدة التي طالب المدعي بضمها، متى قطع حكم القضاء بحقه الثابت فيها.
ومن حيث إن المادة (50) من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص على أن "الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أن الماهيات وما في حكمها من المبالغ التي تكون مستحقة قبل الحكومة، تصبح حقاً مكتسباً لها، إذا لم تتم المطالبة بها قضائياً أو إدارياً خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق في اقتضائها. ومناط تطبيق حكم هذه المادة رهين بأمرين الأول - نشوء حق مالي في ذمة الدولة، نتيجة قرار تنظيمي عام أو قرار إداري فردي. الثاني - تخلف المطالبة لهذا الحق قضائياً أو إدارياً مدة خمس سنوات من تاريخ نشوء هذا الحق، رغم علم صاحب الشأن بقيامه علماً حقيقياً أو افتراضياً. والاعتبارات التي يقوم عليها هذا النص اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة، وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض الميزانية، وهي في الأصل سنوية، للمفاجآت والاضطراب، وعلى هذا المقتضى فإن تطبيق حكم المادة (50) لا يتأتى بداهة إلا حيث يكون الحق قد نشأ وتكامل في ذمة الدولة. وحينما تكون المطالبة به أمراً ميسوراً من جهة القانون. أما إذا قام مانع قانوني تستحيل مع وجوده، المطالبة قانوناً بهذا الحق من جانب صاحب الشأن، فإن ميعاد السقوط لا ينفتح إلا من التاريخ الذي يزول فيه هذا المانع. وحينئذ فقط تصبح المطالبة أمراً ميسوراً قانوناً، ويكون المتخلف عنها أو المقصر فيها بعد ذلك، محلاً لإعمال حكم المادة (50) من اللائحة المالية وتطبيقها على حالته. والثابت من المنازعة التي أدت إلى الحكم المطعون فيه، أن المدعي قد تخطى في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة الخامسة في سنة 1948 وإلى الدرجة الرابعة في سنة 1953 رغم أنه أسبق في الأقدمية قانوناً ممن رقوا بالقرارين المطعون فيهما بالإلغاء. ومن ثم فإن حق المدعي في الترقية بهذين القرارين، ولا شك ثابت وقائم من تاريخ نفاذهما، ويكون حقه في اقتضاء الفروق المالية المترتبة على هذه الترقية قائماً كذلك من هذا التاريخ. إلا أنه ما كان في مكنة المدعي أن يطالب بهذه الفروق المالية قبل أن يطالب أولاً بإلغاء قراري التخطي القائمين في مواجهته، واللذين، حال دون سريان ميعاد الطعن فيهما بالإلغاء، بالنسبة إليه، على فرض التسليم جدلاً بعلمه بهما إبان صدورهما، الخلاف الذي دار حول تحديد مركزه القانوني في الأقدمية في الدرجة السادسة والذي لم يرسخ يقينه فيه، إلا بالقرار الصادر من مدير مصلحة الضرائب في 30 من يوليه سنة 1956، فمن هذا التاريخ وحده، ينفتح ميعاد الطعن بالإلغاء في قراري التخطي. وكذلك يسري منه ميعاد التقادم الخمسي، بالنسبة للفروق المالية المتفرعة عنهما، وأيضاً ميعاد التقادم الخمسي بالنسبة لدعوى التعويض. فمما يتنافى وطبائع الأشياء أن يبقى الحق في طلب الإلغاء قائماً بينما يكون طلب الفروق المالية، وهي الأثر وطلب التعويض، وهو الإلغاء غير المباشر، قد سقط بالتقادم الخمسي.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون التقادم الخمسي، بالنسبة للفروق المالية المستحقة للمدعي عن قراري التخطي في الترقية، الصادرين في 19 من أغسطس سنة 1948 و31 من أكتوبر سنة 1953 إنما يسري من التاريخ الذي رسخ فيه اليقين في تحديد مركز المدعي القانوني في الأقدمية أي من 30 من يوليه سنة 1956 وإذ بادر المدعي إلى التظلم في 24 من سبتمبر سنة 1956 وأقام دعواه في 15 من يناير سنة 1957 فلا وجه للتحدي، بعدئذ، في مواجهته بالتقادم الخمسي، ويكون الطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 13 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم (448) لسنة 11 القضائية قد قام على غير سند سليم من القانون واجب الرفض. وغني عن البيان أن الفروق المالية المطالب بها، ليست نتيجة أو أثراً لحق المدعي في ضم مدة خدمته السابقة إلى مدة خدمته في الدرجة السادسة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947، وإنما هي أثر من الآثار المترتبة على إلغاء قراري تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجتين الخامسة والرابعة الصادرين في 19 من أغسطس سنة 1948 وفي 31 من أكتوبر سنة 1953 ومعلوم أن قراري التخطي لا يسقطان في المجال القانوني كأثر من آثار الحكم بضم مدة الخدمة السابقة في الدرجة السادسة وإنما يتعين على صاحب الشأن أن يطالب بإلغائهما.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق