جلسة 13 من يونيه سنة 1979
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، محمد طه سنجر، إبراهيم فراج ومحمد أحمد حمدي.
-----------------
(303)
الطعن رقم 34 لسنة 48 ق "أحوال شخصية"
(1، 2) أحوال شخصية "الطعن في الحكم". نقض "الطعن بالنقض".
(1) الطعن بالنقض في مسائل الأحوال الشخصية. وجوب إيداع صورة رسمية من الحكم الابتدائي. شرطه. أن يكون الطعن قد انصب على ما أحال إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه.
(2) طلب الزوجة التطليق للتضرر من غيبة زوجها. شرطه. أن تكون غيبته في بلد آخر لمدة سنة ميلادية فأكثر وبغير عذر مقبول تقدره المحكمة. وجوب إعذار القاضي للزوج للإقامة مع زوجته أو نقلها إليه. مناطه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 362 لسنة 1975 "أحوال شخصية نفس" أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للهجر والضرر، وأمره بعدم التعرض لها في أمور الزوجية، وقالت شرحاً لها أنها زوجته بصحيح العقد الشرعي، وعاشرها معاشرة الأزواج ولا زالت على عصمته وفي طاعته، وإذ هجرها قرابة عامين وتركها بلا نفقة أو منفق بما تتضرر منه، فقد أقامت دعواها. وبتاريخ 25/ 5/ 1976 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أنها زوجة الطاعن ومن خولته ولا تزال على عصمته. وفي طاعته وأنه تركها وغاب عنها أكثر من سنة دون عذر مقبول أو بعد سماع شاهدي المطعون عليها وحكمت غيابياً بتاريخ 29/ 6/ 1976 بتطليق المطعون عليها على الطاعن طلقة بائنة وأمرته بعدم التعرض لها في أمور الزوجية استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 38 سنة 26 ق طنطا. وبتاريخ 4/ 4/ 1977 حكمت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أنه لم يمتنع عن الإنفاق على المطعون عليها وأنه لم يهجرها وكان يقيم معها ويعاشرها في صيف السنوات منذ سنة 1974 إلى سنة 1976، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وحكمت بتاريخ 17/ 4/ 1978 بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن وأبدت الرأي في الموضوع برفضه. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع من النيابة العامة بعدم قبول الطعن أن الطاعن لم يودع مع تقرير الطعن صورة من الحكم الابتدائي عملاً بالمادة 881 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات رقم 99 لسنة 1947 الذي أبقى عليه القانون رقم 13 لسنة 1968.
وحيث إن الدفع في غير محله، ذلك أنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين على من يطعن بطريق النقض في الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية أن يودع قلم كتاب محكمة النقض خلال ميعاد الطعن صورة مطابقة لأصله من الحكم المطعون فيه، وصورة من الحكم الابتدائي إذا كان قد أحال إليه في أسبابه، وهو إجراء جوهري يترتب على إغفاله بطلان - الطعن، إلا أن ذلك مشروط أن تكون أسباب الطعن قد انصبت على ما أحال إليه الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم الابتدائي، وإذ كان البين أن الطعن انصب على أسباب مستقلة أنشأ معاً الحكم المطعون فيه وعلى ما استخلصه من أقوال الشهود الذين سمعوا أمام المحكمة الاستئنافية ومتبينة الصلة بأسباب الحكم الابتدائي فإن الدفع يكون على غير أساس.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن النعي أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم بنى قضاءه بالتطليق بائناً على سند من ثبوت واقعة الهجر الموجبة له بالتطليق للمادة 12 من القانون رقم 25 لسنة 1929، في حين أن شروطها غير متوافرة لأن غيبته سردها إلى إبقاءه في إعارة حكومية بالخارج. فسببها مشروع لا يد ولا عمد من جانبه فيه، فلا يصدق عليه معنى الهجر. هذا إلى أن المطعون عليها كانت على علم تام بموطنه في الخارج بدليل إعلانه بالحكم الابتدائي في محل إقامته بجمهورية ليبيا فكان من المتعين إعذاره. بالإضافة إلى أن أقوال الشهود إثباتاً ونفياً أمام محكمة الاستئناف لا يمكن أن تؤدي عقلاً إلى ثبوت واقعة الهجر منه، بل أن النشوز منها إذ المقطوع به أنه كان يتردد عليها خلال العطلات الصيفية ويعاشرها معاشرة الأزواج، حتى تزوج بأخرى لعدم قدرة المطعون عليها على الإنجاب فدفعتها الغيرة إلى الإدعاء بغيبته. فضلاً عن أن الحكم لم يكشف عن الظروف والملابسات التي أدت إلى استحالة استمرار الحياة الزوجية بينهما، وعلى نحو يجعل إمساكه لها مناقض لأحكام الشريعة السمحاء التي تتيح تعدد الزوجات، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 12 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أنه "إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي تطليقها بائناً إذا تضررت من بعده عنها ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه." وفي المادة 13 منه على أنه "إن أمكن وصول الرسائل إلى الغائب ضرب له القاضي أجلاً وأعذر إليه بأنه يطلقها إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها. فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولم يبد عذراً مقبولاً فرق القاضي بينهما بتطليقه بائنة. وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضي عليه بلا أعذار وضرب أجل"، وفي المادة 23 منه على أن "المراد بالسنة في المواد 12 إلى 18 هي السنة التي عدد أيامها 365 يوماً" يدل على أن المشرع أجاز للزوجة إذا ادعت على زوجها غيابه عنها سنة عدتها 365 يوماً فأكثر، وتضررت فعلاً من بعده عنها هذه المدة الطويلة، أن تطلب الطلاق بسبب هذا الضرر، ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه، والطلقة هنا بائنة لأن سببها الضرر فكانت كالفرقة بسببي مضارة الزوج، وشروط لذلك توافر أمرين: أولهما أن تكون غيبة الزوج المدة المشار إليها في بلد آخر غير البلد الذي تقيم فيه الزوجة، أما إذا كانا يقطنان بلداً واحداً وترك الزوج زوجته فيعتبر ذلك منه هجراً بها يجيز التطليق وفق المادة السادسة من القانون. والثاني أن تكون غيبة الزوج بغير عذر مقبول، وتقدير العذر أمر متروك لقاضي الموضوع طالما كان استخلاصه سائغاً. وخول المشرع القاضي التطليق لهذا السبب من غير أعذار أو ضرب أجل. إن كان الزوج الغائب غير معلوم محل إقامته أو معلوماً ولا سبيل إلى مراسلته، أما إن أمكن وصول الرسائل إليه فيحدد القاضي له أجلاً يحضر فيه للإقامة معها أو ينقلها إليه أو يطلقها، ولما كان الواقع في الدعوى أخذاً من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى أمام محكمة أول درجة أعلنت للطاعن في مواجهة وكيل نيابة بندر طنطا تبعاً لعدم الوقوف على عنوانه بليبيا، وكان الطاعن لم يقدم ما يدل على إعلان الحكم الابتدائي إليه في موطنه هناك للتدليل على علم المطعون عليها اليقيني بمحل إقامته فيها، فإن النعي على الحكم ببطلان الإجراءات تبعاً لعدم إعذاره يكون عارياً عن دليلاً. لما كان ذلك فإنه وإن ضربت المذكرة الإيضاحية للقانون الأمثال على العذر المقبول بأنه طلب العلم أو التجارة أو انقطاع المواصلات، إلا أن المناط في اعتباره كذلك هو ألا يقصد الزوج به الأذى، بحيث يتعين ثبوت أن الزوج لا يستطيع لظروفه نقل زوجته إلى حيث يطلب العلم أو يمارس العمل، وكان تقدير توافر الغيبة والهجر المتعمد يخضع لتقديرات قاضي الموضوع دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً له أصله الثابت من الأوراق، لما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص سائغاً من أقوال الشهود نفياً وإثباتاً ومن المستندات في الدعوة، أن النزاع بين الزوجين بدأ سنة 1973 واستفحل بعد زواج الطاعن بأخرى سنة 1975، وأنه غاب عنها وهجرها عاماً ولم يجتمعا في بلدة واحدة منذ بدء النزاع ورتب على ذلك توافر شرائط المادة 12 من القانون رقم 25 لسنة 1979. فإن ما خلص إليه الحكم لا مخالفة فيه للقانون. ولما كان ما سلف وكان الطاعن لم يبين مواطن العيب التي شابت أقوال الشهود، واكتفى بمجرد القول بأن شهادتهم لا تؤدي في العقل إلى ثبوت واقعة الهجر، وأن استقرارها يؤكد النص من جانب المطعون عليها، وهي أقوال مرسلة لا معول عليها، وكان التفريق للتعذر من الغيبة ملفق بين مذهبي مالك وأبي حنيفة، لمواجهة خشية تعرض الزوجة للفتنة والوقوع في المعصية من جراء إقامة زوجها في مكان بعين الشقة عنها لا يضمها إليه فيه مضارة لها، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فإنه لا تناقض بين التطليق وسببه وبين مبدأ إباحة تعدد الزوجات في الشرع الإسلامي، طالما يفتقد العدل في تصرفات الزوج، ويكون النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب غير مردود.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق