جلسة 16 من يونيه سنة 1979
برئاسة السيد المستشار عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: أحمد صلاح الدين زغو، دكتور إبراهيم علي صالح، محمود حسن رمضان، وعبد العزيز عبد العاطي إسماعيل.
------------------
(304)
الطعن رقم 552 لسنة 42 القضائية
(1) إيجار. "إيجار الأماكن".
إشراك المستأجر لآخر معه في النشاط الذي يباشره في العين المؤجرة. لا يعد تأجيراً من الباطن أو نزولاً عن الإيجار. بقاء عقد الإيجار لصالح المستأجر وحده.
(2) شركات. شخصية معنوية.
الشخصية المعنوية للشركة قيامها بمجرد تكوينها. احتجاج الشركة لشخصيتها المعنوية قبل الغير. شرطه. استيفاء. إجراءات نشرها. م 506 مدني.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 569 سنة 1969 مدني كلي كفر الشيخ ضد المطعون عليهما للحكم بإخلائهما من العين المبينة بصحيفة الدعوى وقال بياناً لها أن المطعون عليه الأول بصفته مدير الشركة المتحدة للنقل بالسيارات استأجر عين النزاع بعقد مؤرخ 1/ 6/ 1955 لاستغلالها مكتباً لإدارة الشركة وبعد حل هذه الشركة وتصفيتها قام الطعون عليه الأول في 1/ 5/ 1969 بتأجيرها من الباطن للمطعون عليه الثاني. أبلغ الطاعن الشرطة وتحرر عن ذلك المحضر رقم 1096 سنة 1969 إداري كفر الشيخ ثم أقام دعواه. قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 30 لسنة 4 ق طنطا "مأمورية كفر الشيخ" أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت لشهود الطرفين قضت بتاريخ 23/ 5/ 1972 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالوجه الثاني من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تأويله وفي بيان ذلك يقول أن ما أورده الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه من أن الفقه والقضاء مستقران في أن لمستأجر المحل التجاري الحق في أن يشترك معه آخرين في تجارته بغير موافقة المالك دون أن يعد ذلك تأجيراً من الباطن لوجود نيابة ضمنية واشتراط لمصلحة الغير مستقاة من ظروف الحال عند التعاقد - فيه مخالفة لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين والفقرة (ب) من المادة الثانية من القانون رقم 211 لسنة 1947 التي حظرت على المستأجر تأجير العين من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك، هذا إلى مخالفة الحكم لنص المادة 506 من القانون المدني التي تقضي بعدم الاعتداد بشخصية الشركة على الغير إلا بعد - استيفاء إجراءات النشر التي يقررها القانون.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود ذلك إن النص في المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 - واجب التطبيق على واقعة الدعوى - على أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: - ( أ )....... (ب) إذا كان المستأجر قد أجر من الباطن المكان المؤجر بغير إذن كتابي صريح من المالك في تاريخ التأجير....." يدل على أن الحظر الوارد في هذه المادة مقصور على تأجير العين المؤجرة من الباطن وما يأخذ منه من التنازل عنها للغير، أما فيما عدا ذلك فإن للمستأجر أن ينتفع بالعين المؤجرة بسائر أوجه الانتفاع المقررة اتفاقاًً أو قانوناً، ولما كان الإيجار من الباطن عقداً يؤجر به المستأجر الأصلي منفعة العين المؤجرة له إلى آخر ويلتزم حيال هذا الأخير بتمكينه من الانتفاع بتلك العين - كلها أو بعضها - مدة معينة لقاء أجر معلوم يؤديه المستأجر من الباطن إليه، وكان التنازل عن الإيجار عقداً يحيل المستأجر الأصلي بموجبه حقوقه والتزاماته المتعلقة بالعين المؤجرة والمستمدة من عقد الإيجار إلى آخر محله بها مما مؤداه أن محل كل من هذين العقدين هو منفعة العين المؤجرة، وأنه يترتب عليها خروج هذه المنفعة - التي كان يرتبها عقد الإيجار الأصلي للمستأجر الأصلي - من حوزة هذا الأخير ودخولها في حوزة آخر سواء هو المستأجر من الباطن أو المتنازل إليه، وكانت الشركة عقداً يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو من خسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال يشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وكان لا رابطة بين هذا المؤدى وبين ما قد يكون من مباشرة الشركاء بعد قيام الشركة لنشاطهم المشترك في عين يستأجرها أحدهم لانتفاء التلازم بين قيام الشركة وبين وجود مثل تلك العين أو تحقق ذلك النشاط فيها، لما كان ذلك فإن قيام مستأجر العين بإشراك آخر معه في النشاط المالي الذي يباشره فيها، عن طريق تكوين شركة بينهما، لا يعدو أن يكون متابعة من جانب المستأجر للانتفاع بالعين فيما أجرت من أجله بعد أن ضم إلى رأس ماله المستثمر فيها حصة لآخر على سبيل المشاركة في استغلال هذا المال المشترك، دون أن ينطوي هذا بذاته على معنى تخلي المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها سواء كلها أو بعضها إلى شريكه في المشروع المالي بأي طريق من طرق التخلي - إيجاراً كان من الباطن أو تنازلاً عن الإيجار لانتفاء مقتضى ذلك قانوناً، بل يظل عقد إيجار العين على حاله قائماً لصالح المستأجر وحده ما لم يثبت بدليل آخر تخليه عن حقوقه المتولدة عن ذلك العقد إلى الغير، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه برفض الدعوى على أن إدخال المطعون عليه الأول للمطعون عليه الثاني شريكاً له في نشاطه التجاري بعين النزاع لا يعتبر تأجيراً لتلك العين من الباطن أو تنازلاً عن الإيجار المتعلق بها، وكان ما ساقه الحكم تزيداً بعد تقرير ما تقدم من وجود نيابة ضمنية واشتراطه لمصلحة الغير مستفاد من ظروف الحال عند التعاقد - أياً كان وجه الرأي فيه - لا يقتضي نقضه ذلك لأن الخطأ في القانون الذي يعيب الحكم بما يستوجب نقضه هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه بهذا الشق يكون في غير محله. والنعي في شقه الثاني مردود ذلك أن النص في المادة 506 من القانون المدني على أنه "تعتبر الشركة بمجرد تكوينها شخصاً اعتبارياً ولكن لا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات النشر التي يقررها القانون" يدل على أن الشركة تعتبر شخصاً معنوياً بمجرد تكوينها دون حاجة للنشر عنها غاية الأمر أنه إذا أرادت الشركة أن تحتج بشخصيتها هذه على الغير ممن يتعامل معها أو على الدائنين لها فإنه يتعين استيفاء إجراءات النشر، ولما كان النزاع الماثل غير متصل باحتجاج الشركة على الطاعن بشخصيتها، وكان الحكم المطعون فيه لم يستند في قضائه إلى تلك الشخصية فإن النعي عليه بهذا الشق يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول وبالوجه الأول من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أورد في أسبابه أنه بفرض أن العلاقة بين المطعون عليهما علاقة تأجير من الباطن فقد قرر الشاهد الأول من شهود الطاعن بأن المطعون عليه الثاني هو الذي يقوم بدفع أجرة عين النزاع وأيد ذلك الإيصال المقدم لمحكمة الدرجة الأولى والثابت به أن الأجرة دفعت مناولة للمطعون عليه الثاني دون تحفظ مما يعتبر إجازة ضمنية للتأجير من الباطن وفي ذلك مخالفة لأحكام المادة 2 فقرة (ب) من القانون رقم 121 سنة 1947 واستخلاص غير سائغ لعبارة الإيصال الذي يحمل معنى التحفظ وإهدار لدلالة رفضه استلام الأجرة التي عرضها عليه المطعون عليه الثاني عرضاً رسمياً هذا إلى فساد استخلاص الحكم الابتدائي - الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه - لعلم الطاعن بقيام شركة حقيقية بالعين المؤجرة بين المطعون عليهما من تراخيه في إبلاغ الشرطة بالشكوى رقم 1096 سنة 1969 وفي إقامة الدعوى الماثلة ذلك أن التراخي كان مرده المساعي الودية المبذولة لإنهاء النزاع. فضلاً عن أن الحق لا يسقط إلا بمضي المدة المقررة في القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا بني الحكم على عدة دعامات كل منها مستقلة عن الأخرى وكان بناء الحكم يستقيم على إحداها فإن النعي عليه بما جاوزها يضحى غير منتج، ولما كان الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى على ما ثبت لديه من مشاركة المطعون عليه الثاني للمطعون عليه الأول في تجارة الحبوب والعلف والنقل بالسيارات بعين النزاع، كما أورد الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قوله ".... وحيث إن شاهدي المستأنف "الطاعن" الأول والثاني لم يقطعا بشيء فيما يتعلق بحقيقة العلاقة بين المستأنف عليها إذ قرر الأول أنه لا يعلم كنه هذه العلاقة باعتبارها مسألة خاصة بين صهرين في حين ذكر الثاني أنه لا يعرف شيئاً عن عقد الشركة وبالتالي لا تصلح أقوالهما دليلاً على صورية هذا العقد أما الشاهد الثالث فإن المحكمة لا تطمئن لأقواله بسبب علاقة العمل التي تربطه بالمستأنف خصوصاً وهو يقرر أنه لا يعلم من الذي يدفع الأجرة مع أن المفروض علمه بهذه الواقعة بحكم علاقته بالمؤجر الأمر الذي تخلص منه إلى أن المستأنف قد عجز عن إثبات صورية عقد الشركة التي تربط المستأنف عليها....." ومؤدى ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على انتفاء التأجير من الباطن وثبوت مشاركة المطعون عليه الثاني للأول في تجارة الحبوب والعلف والنقل بالسيارات بعين النزاع مشاركة حقيقية حسبما جاء بعقد الشركة المقدم من المطعون عليه الثاني والذي عجز الطاعن عن إثبات صوريته، ولما كانت هذه الدعامة كافية لحمل قضاء الحكم بذاته يضحى غير ذي أثر ما وجهه الطاعن إلى الدعامات الأخرى للحكم من مطاعن ويكون النعي بهذا السبب غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث والوجه الثالث من السبب الرابع على الحكم المطعون فيه البطلان للفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه أورد في تلخيصه للشكوى رقم 1096 سنة 1969 أن المطعون عليه الثاني أقر بشرائه لعين النزاع من المطعون عليه الأول بالعقد - المؤرخ 1/ 3/ 1969 وأن المطعون عليه الأول قرر بأن المحل أصبح شركة بينه وبين المطعون عليه الثاني ورغم التناقض بين هذين القولين انتهى الحكم إلى الأخذ بعقد الشركة المؤرخ 1/ 1/ 1969 المحرر بين المطعون عليهما. هذا إلى أن عدم إبداء المطعون عليه الأول لأي دفاع في الدعوى وثبوت نقل نشاطه لمحل آخر بذات المدينة يدل على تنازله عن عين النزاع أو تأجيرها من الباطن ويهدم الدفاع القائم على وجود شركة بين المطعون عليها ومع كل ذلك أغفل الحكم تلك الوقائع والرد عليها.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن لمحكمة الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير ما يقدم لها من أدلة ولا تثريب عليها في الأخذ بأي دليل تكون قد اقتنعت به ما دام هذا الدليل من طرق الإثبات القانونية وبحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجه أثاروها ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، ولما كان الحكم المطعون فيه - وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الأول والوجه الأول من السبب الرابع من أسباب الطعن - قد أقام قضاءه على انتفاء التأجير من الباطن وثبوت مشاركة المطعون عليه الثاني للأول في تجارة الحبوب بعين النزاع مشاركة حقيقية حسبما جاء بعقد الشركة والتي عجز الطاعن عن إثبات صورته وهي أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وكافية لحمل قضاء الحكم فإن النعي عليه بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب لإغفاله الرد على ما أثير من وجود تناقض بين أقوال المطعون عليهما لدى سؤالهما بالشكوى رقم 1096 سنة 1969 وما طرح في الدعوى من قرائن تؤيد دفاع الطاعن يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه البطلان للقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول أن الحكم لم يرد على دفاعه الذي أبداه في صحيفة الاستئناف وفي مذكراته والذي تناول فيه بحث الوقائع من الناحية الموضوعية والقانونية الأمر الذي يقطع بأن محكمة الدرجة الثانية لم تلم موضوع الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن القانون أوجب بيان سبب الطعن في صحيفته تعريفاً به وتحديداً لإمكان فهم المقصود منه وإدراك العيب الذي شابه الحكم، ولما كان الطاعن لم يبين في صحيفة الطعن أوجه الدفاع التي أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليها فإن النعي على هذا الحكم بهذا السبب يكون غير مقبول لوروده مجهلاً ولا يغني عن إيراد هذا البيان في صحيفة الطعن ضم القضية المطعون في حكمها وترك الطاعن لمحكمة النقض مقارنة أسباب الاستئناف ومذكرات دفاعه بالحكم المطعون فيه لتقف على وجه القصور الذي يشوب الحكم ذلك أن المستندات لما تقدم لمحكمة النقض - وعلى ما جرى به قضاؤها - لتكون دليلاً على أسباب الطعن بعد بيانها صريحاً في الصحيفة لا سبيلاً لاستخراجها من بين ثناياها.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق