جلسة 21 من مارس سنة 1968
برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.
---------------------
(86)
الطعن رقم 307 لسنة 34 القضائية
مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "مسئولية جهة الإدارة عن المرافق العامة". حكم. "قصور. ما يعد كذلك".
مسئولية الحكومة عن تعويض الأضرار التي تلحق بالأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل. مناطها ثبوت امتناع القائمين على شئون الأمن عن القيام بواجباتهم وتقصيرهم في إدارتها تقصيراً يمكن وصفه في الظروف التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ. عدم بيان الحكم مظهر تهاون رجال الأمن في تفريق المتظاهرين ودليله على ذلك عيب في التسبيب.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على وزارة الداخلية "الطاعنة" الدعوى رقم 168 سنة 1961 مدني كلي بور سعيد طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. وقال بياناً لدعواه إن الشغب الذي أحدثه الجمهور في ملعب بور سعيد يوم 23 يناير سنة 1960 لمناسبة نتيجة مباراة لكرة القدم قد جاوز نطاق الملعب وامتد إلى بعض أنحاء المدينة وأدى ذلك إلى تحطيم المتظاهرين لمحله وسرقة بضائعه وأدواته وذلك على ما هو ثابت في دعوى إثبات الحالة رقم 37 سنة 1960 مستعجل بور سعيد وأنه إذ كان الضرر الذي لحقه قد حدث بسبب تقصير وإهمال رجال الأمن العام في القيام بواجباتهم وكانت وزارة الداخلية مسئولة عن أعمالهم باعتبارهم تابعين لها فقد أقام عليها الدعوى بطلب إلزامها بتعويض الضرر الذي لحقه والذي قدره بالمبلغ المطالب به. وبتاريخ 23 فبراير سنة 1963 قضت محكمة بور سعيد الابتدائية بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 328 ج و800 م على سبيل التعويض فاستأنفت الوزارة هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 56 سنة 4 ق مأمورية بور سعيد طالبة إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، كما استأنفه المطعون ضده بالاستئناف رقم 43 سنة 4 ق مأمورية بور سعيد طالباً تعديل الحكم المستأنف والقضاء له بكامل طلباته. وبعد أن ضمت تلك المحكمة الاستئنافين قضت بتاريخ 9 مارس سنة 1964 برفض استئناف الوزارة وفي استئناف المطعون ضده بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام وزارة الداخلية بأن تؤدي للمستأنف مبلغ 328 ج و800 م والمصروفات المناسبة عن الدرجتين مع رسوم دعوى إثبات الحالة وأمانة الخبير فيها - طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الوزارة الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ومخالفة القانون، وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت الدعوى بانتفاء ركن الخطأ في جانبها وذكرت للتدليل على أن رجال الأمن في المدينة قد سارعوا بمجرد وقوع الاشتباك بين جمهور النظارة في ملعب الكرة إلى تفريقهم وأنهم اتبعوا ذلك باستدعاء القوات الاحتياطية وقوات أخرى من البلاد المجاورة، واستطاعوا بذلك السيطرة على الموقف والقضاء على الشغب الذي كان قد امتد إلى المدينة وأن هذا من جانب رجال الأمن هو المسلك الطبيعي للشخص العادي الذي يوجد في نفس الظروف. ولكن الحكم المطعون فيه قد أطرح هذا الدفاع وأقام قضاءه بمسئولية الوزارة على ما قرره من أن رجال الأمن قد تهاونوا في اتخاذ الحيطة اللازمة لمنع وقوع الجرائم وأنهم بذلك قد أخطأوا وقصروا في أداء وظائفهم، دون أن يبين الحكم وجه هذا الخطأ الذي أسنده إلى الوزارة، وبذلك يكون معيباً بالقصور ومخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئولية الوزارة الطاعنة على قوله "أنه وقد بدأ الشغب بين فريقي اللاعبين في ملعب الكرة فقد كان من المتعين على رجال الأمن أن يفطنوا لخطورة الموقف ويعملوا على تفريق المتظاهرين واتخاذ جميع الاحتياطات لتفادي وقوع الاشتباك بينهم فإن تهاونوا في ذلك وحصل الاشتباك وزاد الهرج والشغب واتسعت دائرته إلى داخل المدينة بغير أن يتخذ رجال الشركة الاحتياط اللازم لمنع وقوع الجرائم فإن ذلك بلا شك يكون خطأ منهم وتقصيراً في أداء وظيفتهم الأساسية يستوجب مساءلتهم عما يحدث نتيجة ذلك من أضرار". ولما كان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أن الوزارة الطاعنة أسست استئنافها على ما سبق أن دفعت به أمام محكمة الدرجة الأولى من انتفاء ركن الخطأ في جانبها وقالت إنه لا يمكن نسبة أي إهمال إليه في المسلك الذي سلكته وذلك لما هو ثابت من أن قوات الشرطة المخصصة لحراسة الملعب قد سارعت إلى تفريق الجمهور واستدعت على الفور قوات احتياطية من فرق الأمن وتمكنت تلك القوات جميعها من السيطرة على الجماهير الثائرة والقضاء على حالة الشغب التي أحدثتها - لما كان ذلك وكان يبين مما تقدم ذكره من أسباب الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بوقوع الخطأ من جانب الوزارة الطاعنة على أن رجال الأمن التابعين لها قد تهاونوا في العمل على تفريق المتظاهرين وفي اتخاذ الاحتياطات لتفادي وقوع الاشتباك بينهم دون أن يبين الحكم مظهر هذا التهاون ويورد دليله عليه وبخاصة بعد أن سجل الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه - في تقريراته أن رجال الشرطة قد تدخلوا إثر ثورة الجمهور على الحكم لتفريق المتظاهرين. لما كان ذلك وكان ما ذكره الحكم من حصول الاشتباك وزيادة الهرج والشغب واتساع دائرته إلى داخل المدينة لا يدل بذاته على حصول التهاون من رجال الشرطة في أداء واجباتهم إذ لا تقوم مسئولية الحكومة عن تعويض الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم أو قصروا في أدائها تقصيراً يمكن وصفه في الظروف التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ. وإذ كان الحكم المطعون فيه على ما سلف القول قد خلا من التدليل على حصول هذا الامتناع أو التقصير من جانب رجال الأمن واعتبر مجرد حصول الاشتباك بين رجال الجمهور ورجال الشرطة وزيادة الهرج والشغب واتساع دائرته نتيجة حتمية لتهاون رجال الأمن في أداء أعمال وظيفتهم كما لم يواجه دفاع الوزارة الطاعنة الذي سجله في أسبابه بما يقتضيه فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
(1) راجع نقض 20 مايو سنة 1965 و16 نوفمبر سنة 1965 مج المكتب الفني س 16 ص 614 و1082 على التوالي ونقض 10 مارس سنة 1966 س 17 ص 536.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق