الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 يوليو 2023

الطعن 260 لسنة 33 ق جلسة 8 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 37 ص 243

جلسة 8 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

------------------

(37)
الطعن رقم 260 لسنة 33 القضائية

(أ) قانون. "تفويض تشريعي". تموين.
تفويض المشرع إلى وزير التموين اتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وشرط موافقة لجنة التموين العليا. ليس للوزير إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدابير.
(ب) تموين. "تحديد أسس الأسعار". "السعر الجبري للقمح والدقيق".
لم يخول المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وزير التموين سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق. وضع أسس تحديد أسعار الحبوب والغلال والدقيق - بما في ذلك تكاليف الإنتاج وأجور النقل من اختصاص اللجنة العليا التي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء. اختصاص لجان التسعير المحلية بتعيين أقصى الأسعار طبقاً لهذه الأسس.
(ج) تموين. "تحديد السعر الجبري للقمح". "أجرة النقل".
تحديد السعر الجبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي تنتجه بمراعاة احتساب أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من الشون المحلية إلى المطحن فإن كان الاستلام من شون بعيدة تصرف لهم الوزارة ما زاد من أجرة النقل على ذلك. ليس لوزارة التموين فرض زيادة في السعر الجبري بزيادة أجرة النقل. عدم مشروعية منشور الوزارة الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 بفرض هذه الزيادة.
(د) تموين. "البيع بأكثر من السعر الجبري". جريمة.
البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة معاقب عليها قانوناً ولو قبل المشتري الزيادة في السعر. عدم الاعتداد بقبول صاحب المطحن للزيادة في أجرة النقل التي فرضتها وزارة التموين بغير الطريق القانوني.
(هـ) تموين. "التزام وزارة التموين بتسليم القمح". "أجرة النقل". إثراء بلا سبب.
التزام وزارة التموين أصلاً بتسليم القمح لأصحاب المطاحن من الشون المحلية لأن تحديد سعر القمح وضع على هذا الأساس. عدم المساس بهذا السعر بزيادة أجرة النقل ليس للوزارة أن تحتج بإثراء صاحب المطحن من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.

------------------
1 - يبين من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أن التفويض باتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى منه صادر من المشرع إلى وزير التموين وبشرط موافقة لجنة التموين العليا ولم ينص في هذا المرسوم بقانون على تخويل الوزير الحق في إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدابير ولهذا فلا يكون لغير الوزير من موظفي وزارة التموين اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة لجنة التموين العليا (1).
2 - ليس من بين السلطات المخولة لوزير التموين بمقتضى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المذكور سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق وإنما وقد ورد ذكر الحبوب والغلال بأنواعها والدقيق ومشتقاته في الجدول رقم (1) الملحق بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الخاص بشئون التسعير الجبري ومن ثم فإن وضع أسس تحديد أسعارها - بما في ذلك تكاليف الإنتاج التي تدخل فيها أجور النقل يكون - على ما تقضي به المادة الثالثة من هذا المرسوم بقانون - من اختصاص اللجنة العليا المنصوص عليها في تلك المادة والتي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء. كما يكون تحديد الأسعار الجبرية للغلال والدقيق على الأسس التي تضعها تلك اللجنة من اختصاصها أو اختصاص لجان التسعير المحلية المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون ذاته. وقد أبقى المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 - الذي حل محل المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 - على اختصاص اللجنة العليا بوضع أسس تعيين الأسعار للجان التسعير المحلية كما أبقى على اختصاص هذه اللجان الأخيرة بتعيين أقصى الأسعار للمواد المبينة بالجدول الملحق به ومن بينها الغلال والحبوب والدقيق ومشتقاته.
3 - متى تحدد السعر الجبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي ينتجه هؤلاء من هذا القمح وروعي عند وضع أسس تحديد أسعار الدقيق بواسطة اللجنة العليا المشار إليها بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 احتساب مبلغ أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من القمح من الشون المحلية إلى المطحن وأنه في حالة استلام المطاحن القمح من شون بعيدة عن مطاحنهم تصرف لهم وزارة التموين ما زاد من أجرة نقله على هذه الأربعين مليماً. متى كان ذلك فإن وزارة التموين لم تكن تملك فرض مبلغ العشرين مليماً الذي فرضته على أصحاب المطاحن بمنشورها الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 لأن ذلك يؤدي إلى زيادة في السعر الجبري لبيع القمح بغير الطريق القانوني المشار إليه بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 كما يؤدي إلى زيادة في أجرة نقل القمح السابق تحديدها بواسطة لجنة التسعير العليا عند وضعها أسس تحديد أسعار بيع الدقيق وهو ما لا تملكه وزارة التموين بغير الرجوع إلى تلك اللجنة ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب في عدم اعتداده بمنشور الوزارة سالف الذكر لعدم مشروعيته.
4 - إذ لا تملك وزارة التموين فرض زيادة في السعر الجبري للقمح أو زيادة تكاليف إنتاج الدقيق وكان البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة يعاقب عليها القانون ولو كان المشتري قابلاً للزيادة في السعر ومن ثم فإن قبول صاحب المطحن للزيادة في أجرة النقل التي فرضتها وزارة التموين لا يعتد به لمخالفته للقانون.
5 - متى كانت وزارة التموين ملتزمة أصلاً بتسليم القمح لأصحاب المطاحن من الشون المحلية لأن سعر القمح حدد على هذا الأساس وأنها في سبيل عدم المساس بهذا السعر كانت تصرف لهم في حالة استلامهم القمح من شون بعيدة ما يزيد من أجرة النقل على مبلغ الأربعين مليماً المحددة في تكاليف إنتاج الدقيق نظير نقل القمح من تلك الشون المحلية إلى المطحن، ومتى كانت الوزارة هي الملتزمة أصلاً بنقل القمح إلى الشون المحلية فإنه لا يقبل منها القول بأن صاحب المطحن قد أثرى من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة التموين الطاعنة أقامت في 27 من مايو سنة 1957 الدعوى رقم 227 سنة 1957 كلي دمنهور على المطعون ضده طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 322 ج و324 م وقالت في بيان دعواها إنها في عام 1947 رأت تنظيم صرف أجور نقل القمح لأصحاب المطاحن فأصدرت المنشور الدوري رقم 9 لسنة 1947 الذي يقضي بأن تحتسب الأجرة التي تصرف لهم نظير قيامهم بنقل حبوب التموين المسلمة لهم من شون البنوك بدائرة المديرية على أساس المسافة مضروبة في أجرة النقل للإردب وهي الأجرة التي حددتها الوزارة أو الأجرة التي تسفر عنها مناقصات النقل داخل المديرية أيهما أقل على أن يخصم من الأجور التي تستحق لأصحاب المطاحن على هذا الأساس أجرة النقل المحتسبة لهم في تكاليف وأرباح المطحن وقدرها أربعون مليماً عن كل أردب - وبتاريخ 9 ديسمبر سنة 1947 صدر منشور دوري آخر أشار إلى شكوى أصحاب المطاحن من الصعوبات التي يلاقونها في نقل الحبوب من الشون البعيدة عن مطاحنهم حيث تتوافر لديهم وسائل النقل وأنه في سبيل تنظيم هذه العملية وعدم إرهاق أصحاب المطاحن قررت الوزارة (أولاً) أن يقتصر صرف أجور النقل لأصحاب المطاحن على حالة النقل من الشون التي تقع على بعد لا يجاوز ثلاثين كيلو متراً وأن يجرى الحساب عن مصاريف النقل في هذه الحالة طبقاً للمنشور رقم 9 لسنة 1947 (ثانياً) في حالة وجود الحبوب في شون تبعد أكثر من هذه المسافة تنقل بمعرفة بنك التسليف إلى شونه بالجهة الكائن بها المطحن وعندئذ يلزمه صاحبه بدفع عشرين مليماً عن كل إردب يتسلمه من هذه الشونة. ولما اتضح للوزارة أن بعض أصحاب المطاحن ما زال مديناً بقيمة العشرين مليماً المستحقة طبقاً للمنشور الأخير عن كل إردب تسلموه من الشون المحلية فقد أصدرت الوزارة كتاباً دورياً في أول فبراير سنة 1953 بتكليف مراقبات التموين بالاتصال بفروع البنوك المحلية وحصر المبالغ المستحقة على كل مطحن وكميات الحبوب التي استحقت عنها هذه المبالغ. وإذ تبين من سجلات البنك أن المبالغ المستحقة على المطعون ضده - وهو صاحب مطحن بمدينة دمنهور - طبقاً للمنشور آنف الذكر مقدارها 322 ج و324 م لم تجد المطالبة الودية في حصول الوزارة عليها فقد أقامت هذه الدعوى عليه بطلب إلزامه بها وقد أجاب المطعون ضده على الدعوى بأنه مع عدم تسليمه بأي حق للوزارة في مطالبته بهذا المبلغ فإنه يدفع بسقوط حقها في هذه المطالبة بالتقادم طبقاً للمادة 180 من القانون المدني لأن مصدر التزامه بالمبلغ المطالب به حسب تكييف الوزارة هو الإثراء بلا سبب وقد انقضى أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ علمها بحقها في هذا المبلغ قبل أن ترفع دعواها. فردت الوزارة على هذا الدفع بأن عملية الطحن تعتبر مرفقاً عاماً تديره الدولة بطريق الاستغلال المباشر عن طريق موظفيها ومن تستعين بهم من أصحاب المطاحن وتتمتع بامتيازات السلطة العامة في قيامها على هذا المرفق وأنه على هذا الأساس تكون علاقتها بالمطعون ضده علاقة تنظيمية تحددها القوانين والقرارات الصادرة بتنظيم المرفق والتي تملك الوزارة تعديلها دون توقف على رضائه وأنه بذلك يكون أساس التزامه بالمبلغ المطالب به هو المنشور المؤرخ 9 ديسمبر سنة 1947 وليس الإثراء بلا سبب وأن هذا المنشور من مستلزمات تسيير المرفق ويرجع أساسه القانوني إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 - وبتاريخ 31 مايو سنة 1960 أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً نفت في أسبابه قيام مرفق لطحن الغلال وانتهت إلى أن علاقة الوزارة بأصحاب المطاحن بالنسبة للحبوب التي يتسلمونها منها هي علاقة بائع بمشتر إذ الوزارة تبيعهم القمح بثمن مسعر على أن يستخرجوا منه الدقيق ويبيعونه لأصحاب المخابز بالسعر الرسمي بمقتضى أذونات تصدرها الوزارة إليهم وقضى هذا الحكم في منطوقه برفض دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة كان قد أبداه المطعون ضده وبضم الدفع بسقوط الحق في المطالبة بالتقادم إلى الموضوع وبإعادة الدعوى للمرافعة فيه وبتاريخ 29 يونيه سنة 1960 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى. فاستأنفت الوزارة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافها برقم 603 سنة 18 قضائية وذهبت في صحيفة استئنافها إلى أن أساس التزام المطعون ضده بالمبلغ المطالب به هو المنشورات التنظيمية التي أصدرتها بالاستناد إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والقوانين واللوائح اللاحقة له ثم عدلت الوزارة عن هذا الأساس في مذكرتها الختامية المودعة ملف الاستئناف برقم 8 دوسيه حيث ذكرت أن الأساس القانوني لالتزام المطعون ضده هو الفعل المادي الذي قامت به لمصلحته بنقلها الحبوب إلى الشون القريبة من مطحنه وأنها قد أنفقت في سبيل القيام بهذا العمل مصاريف فإن من حقها أن ترجع بها عليه ومن ثم فلم يكن المبلغ المطالب به رسماً بلا سند كما ذهب إلى ذلك الحكم المستأنف لأن المطالبة ليس مصدرها القوانين أو الأوامر الصادرة من الوزارة وإنما مصدرها القواعد العامة وما قامت به الوزارة من عمل للمطعون ضده يلزمه دفع المقابل عنه حتى لا يثري على حسابها وبتاريخ 23 من أبريل سنة 1963 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف فطعنت الوزارة في قضائها بطريق النقض بتقرير تاريخه 19 من يونيه سنة 1963 وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد تنعى فيه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك تقول أن ذلك الحكم أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من رفض دعواها على ما ذهب إليه من اعتبارات مؤداها أن الطاعنة تؤسس مطالبتها بالمبلغ موضوع الدعوى على المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وعلى المنشور رقم 9 لسنة 1947 وما تلاه من منشورات وأن المرسوم بقانون المذكور لم يخول لأحد من مرءوسي وزير التموين ولا لأية مصلحة من المصالح التابعة له سلطة إصدار قرارات بفرض رسم على السلع المسعرة وأنه لذلك تكون هذه المنشورات لا سند لها من القانون وللمحاكم أن تمتنع عن تطبيقها وأن تأسيس المطالبة على القواعد العامة لا يجدي الطاعنة لأن تلك القواعد لا تبيح لها زيادة السعر المقرر لتسليم الحبوب للمطاحن من الشون المحلية تحت ستار إلزام أصحابها بمصروفات نقل من شون بعيدة لا شأن لهم بها أصلاً وأن هذا العمل من الطاعنة ما هو إلا محاولة لرفع السعر المقرر بغير الطريق القانوني وترى الطاعنة أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في هذا الذي أقام عليه قضاءه ذلك أن من العمليات الأساسية التي يتولاها مرفق التموين في صنع الرغيف والتي تنظمها الحكومة بقرارات ومنشورات عملية نقل القمح إلى المطاحن وقد جرت الوزارة الطاعنة منذ سنة 1943 على أن تصدر إلى أصحاب المطاحن أذونات استلام القمح على مختلف الشون القريب منها والبعيد وحددت أجرة نقل الإردب بأربعين مليماً أياً كانت المسافة بين الشونة والمطحن ولما تظلم أصحاب المطاحن قررت الوزارة الطاعنة محاسبتهم على التكاليف الفعلية للنقل وصدر بذلك المنشور الدوري رقم 9 لسنة 1947 في 23 يناير سنة 1947 وكان من الطبيعي أن يخصم من هذه القيمة الفعلية مبلغ الأربعين مليماً المقرر جزافاً كأجرة للنقل والذي أجازت لجنة التسعير العليا لأصحاب المطاحن إضافته إلى سعر الدقيق وأصبحت الطاعنة تتحمل الفرق الذي كان يصرف لأصحاب المطاحن إذا ما زادت أجرة النقل الفعلية على أربعين مليماً حتى لا تمس سعر الدقيق المحدد بمعرفة تلك اللجنة وعلى أثر شكوى أصحاب المطاحن من عدم توافر وسائل النقل لديهم رأت الوزارة الطاعنة أن تكلف البنوك بنقل القمح من الشون البعيدة إلى شون قريبة من المطاحن بقدر الإمكان على أن تتسلمه هذه المطاحن من تلك الشون المحلية في نظير قيامهم بدفع مبلغ عشرين مليماً عن كل إردب يتسلمونه من هذه الشون وبهذا صدر منشور دوري في 9 ديسمبر سنة 1947 إلحاقاً للمنشور رقم (9) الصادر في 23 يناير سنة 1947 ومن ذلك يبين أن المبلغ المطالب به ليس رسماً كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه وإنما هو في حقيقته عبارة عن استرداد لجزء من المبالغ التي سبق أن دفعتها الطاعنة لأصحاب المطاحن عند تحديدها لأسعار الدقيق مقابل تحملهم بتكاليف نقل القمح من أي مكان في البلاد إلى مطاحنهم وهذا الاسترداد أساسه قيام الوزارة بدلاً من أصحاب المطاحن بنقل القمح من الشون البعيدة إلى شون محلية قريبة من مطاحنهم وأنه وإن كانت علاقة الوزارة بالمطعون ضده هي علاقة بائع بمشتر إلا أن هذا البيع يخضع للقيود والضوابط التي وضعتها الطاعنة بما لها من سلطة عامة وبغية تحقيق الصالح العام واستناداً إلى أحكام القانون التي تخولها هذا الحق وتعتبر منشوراتها سالفة الذكر بعض شروط العقد الذي تم بينها وبين المطعون ضده لأنه تقدم لاستلام القمح وهو قابل لها ويتعين لذلك إعمالها باعتبارها جزءاً من العقد الذي يربطه بالطاعنة كما أن هذه المنشورات وقد صدرت من الوزارة الطاعنة استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والقوانين والقرارات اللاحقة له فإنه ما كان يجوز للحكم المطعون فيه إهدارها بحجة أنها لم تصدر من الوزير شخصياً لأن المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 لم يقصد بتعبير وزير التموين شخص الوزير وإنما قصد وزارة التموين بأكملها بوصفها هيئة عليا في الدولة وبذلك يكون ما يصدر منها من قرارات استناداً إلى المرسوم بقانون سالف الذكر قانونياً سواء صدر من الوزير شخصياً أو من هيئات الوزارة المختلفة ما دام قد صدر في حدود السياسة التموينية التي رسمها الوزير ومن ثم يكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من إهدار منشورات الوزارة المشار إليها لعدم صدورها من الوزير شخصياً مخالفاً للقانون كما يكون خطأ أيضاً ما ذهب إليه ذلك الحكم من اعتبار المبالغ المطالب بها رسمياً إذ أنها لا تخرج عن كونها مبالغ أنفقتها الوزارة في عمل قامت به لمصلحة المطعون ضده وبدلاً منه فيحق لها استردادها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه علاوة على أنه يبين من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 أن التفويض باتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة الأولى منه صادر من المشرع إلى وزير التموين وبشرط موافقة لجنة التموين العليا ولم ينص في هذا المرسوم بقانون على تخويل الوزير الحق في إنابة غيره في اتخاذ أي من هذه التدبيرات وبذلك لا يكون لغير الوزير من موظفي وزارة التموين اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة لجنة التموين العليا - علاوة على هذا فإنه ليس من بين السلطات المخولة لوزير التموين بمقتضى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المذكور سلطة تحديد أجور نقل القمح المسلم من وزارة التموين لأصحاب المطاحن أو تحديد السعر الجبري له أو للدقيق وإنما وقد ورد ذكر الحبوب والغلال بأنواعها والدقيق ومشتقاته في الجدول رقم (1) الملحق بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الخاص بشئون التسعير الجبري فإن وضع أسس تحديد أسعارها ومن بين هذه الأسس تكاليف الإنتاج التي يدخل فيها أجور النقل يكون - على ما تقضي به المادة الثالثة من هذا المرسوم بقانون - من اختصاص اللجنة العليا المنصوص عليها في تلك المادة والتي يصدر بتأليفها قرار من مجلس الوزراء وكان يرأسها وزير التجارة والصناعة كما يكون تحديد الأسعار الجبرية للغلال والدقيق على الأسس التي تضعها تلك اللجنة من اختصاصها أو اختصاص لجان التسعير المحلية المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون ذاته وهي اللجان التي كان يصدر بتشكيلها قرار من وزير التجارة والصناعة بالاتفاق مع وزير الداخلية ولم يحل وزير التموين محل وزير التجارة في الاختصاص المقرر له في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 إلا بالمرسوم الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1951 الذي نص على أن يباشر وزير التموين الاختصاص المقرر لوزير التجارة والصناعة بموجب المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبري وتحديد الأرباح وهو المرسوم بقانون الذي أبطل العمل بالمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 وحل محله وأبقى على اختصاص اللجنة العليا بوضع أسس تعيين الأسعار للجان التسعير المحلية كما أبقى على اختصاص هذه اللجان الأخيرة بتعيين أقصى الأسعار للمواد المبينة بالجدول الملحق به ومن بينها الغلال والحبوب والدقيق ومشتقاته - لما كان ذلك وكان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه ومما أوردته الطاعنة في تقرير الطعن بصدد بيانها للوقائع أنه حدد سعر جبري للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي ينتجه هؤلاء من هذا القمح وأنه روعي عند وضع أسس تحديد أسعار الدقيق بواسطة اللجنة العليا المشار إليها في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 احتساب مبلغ أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الإردب من القمح من الشون المحلية إلى المطحن وأنه في حالة استلام المطاحن القمح من شون بعيدة عن مطاحنهم كانت وزارة التموين تصرف لهم ما زاد من أجرة نقله على هذه الأربعين مليماً فإن هذه الوزارة لم تكن تملك فرض مبلغ العشرين مليماً الذي فرضته عليهم بالمنشور الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 من مراقبة الحبوب والمطاحن بحجة تغطية بعض النفقات التي تكبدتها في نقل القمح من الشون النائية إلى الشون المحلية ذلك بأنه وقد حدد السعر الجبري لبيع القمح لأصحاب المطاحن على أساس استلامهم له من الشون المحلية فإن فرض مبلغ العشرين مليماً يؤدي إلى زيادة في هذا السعر بغير الطريق القانوني المشار إليه فيما سبق والمنصوص عليه في المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1945 الذي صدر منشور الوزارة بفرض هذه الزيادة في ظله كما يؤدي فرض هذا المبلغ أيضاً إلى زيادة في أجرة نقل القمح السابق تحديدها بواسطة لجنة التسعيرة العليا عند وضعها أسس تحديد أسعار بيع الدقيق وهو ما لا تملكه وزارة التموين بغير الرجوع إلى تلك اللجنة لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون مصيباً في عدم اعتداده بمنشور الوزارة سالف الذكر لعدم مشروعيته أما عن استناد الطاعنة في المطالبة بهذا المبلغ إلى القول بأن علاقتها بالمطعون ضده وهي علاقة بائع بمشتر تخضع للقيود التي تضعها في سبيل تحقيق الصالح العام وأن منشوراتها تعتبر بعض شروط العقد الذي تم بينهما لأن المطعون ضده تقدم لاستلام القمح وهو قابل لها وأنها قد أنفقت المبلغ المطالب به في عمل أفاد منه المطعون ضده فيلزمه رده - هذا الدفاع مردود بأنه لو جاز للوزارة الطاعنة أن تفرض بعض القيود على أصحاب المطاحن المشترين للقمح منها فإنه لا يجوز أن يترتب على أي من هذه القيود زيادة السعر الجبري للقمح أو زيادة تكاليف إنتاج الدقيق لأن الوزارة لا تملك فرض هذه الزيادة كما سلف القول كما أن البيع بأكثر من السعر الجبري جريمة يعاقب عليها القانون ولو كان المشتري قابلاً للزيادة في السعر ومن ثم فإنه حتى مع التسليم جدلاً بأن المطعون ضده قد قبل قبولاً ضمنياً الزيادة في أجرة النقل التي فرضتها الطاعنة عليه فإن هذا القبول لا يعتد به لمخالفته للقانون كما أنه لا وجه للقول بأن المطعون ضده قد أفاد من نقل القمح من الشون البعيدة إلى الشون المحلية فيلزمه رد بعض ما أنفقته الوزارة في هذا العمل حتى لا يثري على حسابها ذلك بأن الوزارة - على ما سلف بيانه وعلى ما قرره الحكم المطعون فيه بحق - كانت ملتزمة أصلاً بتسليمه القمح من الشون المحلية لأن سعر القمح حدد على هذا الأساس وأنها في سبيل عدم المساس بهذا السعر كانت تصرف لأصحاب المطاحن في حالة استلامهم القمح من شون بعيدة ما يزيد من أجرة النقل على مبلغ الأربعين مليماً المحددة في تكاليف إنتاج الدقيق نظير نقل القمح من تلك الشون المحلية إلى المطحن ومتى كانت الوزارة هي الملتزمة أصلاً بنقل القمح إلى الشون المحلية فإنه لا يقبل منها القول بأن المطعون ضده قد أثرى من هذا العمل على حسابها بغير سبب مشروع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.


(1) صدر ذات المبدأ في الحكم رقم 180 لسنة 33 ق - جلسة 5/ 3/ 1968.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق