جلسة أول فبراير سنة 1968
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.
------------------
(30)
الطعن رقم 168 لسنة 33 القضائية
تهريب. "دخان مغشوش". دخان. اختصاص.
جريمة تهريب الدخان. شرط قيامها أن يكون مخلوطاً بمواد غريبة وأن يكون الحائز عالماً بوجود هذه المواد. هذا العلم لا يفترض. عدم انطباق نص المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 هذا القانون خاص بتنظيم صناعة الدخان وتجارته ولا شأن له بجرائم التهريب المنصوص عليها في ديكريتو 22 يونيه سنة 1891. اختصاص المحاكم الجنائية العادية بتوقيع العقوبات المقررة بالقانون سالف الذكر بخلاف جرائم التهريب التي تنظرها اللجان الجمركية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه بتاريخ 25 يناير سنة 1951 ضبطت مصلحة الجمارك الطاعنة عدداً من أجولة الدخان المملوك للمطعون ضده الأول بحديقة منزل المطعون ضده الثاني وكان الدخان مخلوطاً بأتربة ومواد نباتية ورماد ولما كان هذا الخلط مخالفاً للقرار الوزاري رقم 91 سنة 1933 والقانون رقم 72 سنة 1933 المعدل بالقانون رقم 87 سنة 1948 لذلك صدر قرار اللجنة الجمركية بالقاهرة في 5 سبتمبر سنة 1956 بتغريم المطعون ضدهما متضامنين مبلغ 2230 ج ومصادرة المضبوطات وعارض المطعون ضدهما في هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية في القضية رقم 1674 سنة 1951 واستنداً في ذلك إلى أن الدخان المضبوط ملك لأولهما وأنه لا شأن لثانيهما به ولم يكن يعلم بوجوده في حديقة منزله - وكان ضمن ما تمسك به المطعون ضده الأول أن الأتربة والمواد النباتية التي وجدت بالدخان لم تكن ناتجة عن غش أو خلط بل إنه اشترى الدخان بحالته من شركة الكونتوار من شحنة كانت قد نقلتها على إحدى سياراتها فانقلبت السيارة في الطريق وغرقت الشحنة واختلطت الأتربة والمواد النباتية بالدخان وبتاريخ 5 نوفمبر سنة 1952 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدفع ببطلان إجراءات أخذ العينة وفي الموضوع برفض المعارضة وتأييد القرار المعارض فيه واستأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 600 لسنة 69 ق تجاري القاهرة. الذي حكم فيه بتاريخ 16 فبراير سنة 1954 قبل الفصل في الموضوع بندب قسم الأبحاث والتحليل بإدارة الطب الشرعي لتحليل عينة من الدخان المضبوط وبعد أن قدم التقرير قضت المحكمة في 28 فبراير سنة 1955 بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول المعارضة شكلاً وإلغاء قرار اللجنة الجمركية الصادر في 5 سبتمبر سنة 1959 واعتباره معدوم الأثر وطعنت المصلحة الطاعنة في ذلك الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 445 سنة 25 ق. وفي 27 أكتوبر سنة 1960 قضت محكمة النقض بنقض ذلك الحكم لقصوره في التسبيب فيما قرره من أن الدخان المضبوط من بقايا شحنة سجاير كانت مصدرة على سيارة نقل من الإسكندرية وانقلبت في الطريق دون أن يبين المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة وبتاريخ 23 نوفمبر سنة 1961 عجل المطعون ضدهما الاستئناف. وفي 24 أبريل سنة 1962 قضت محكمة الاستئناف قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنفان (المطعون ضدهما) بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود أن الدخان المضبوط قد سبق نقله من سيارة انقلبت وعلقت الأتربة والمواد الغريبة به ولتنفي مصلحة الجمارك ذلك بذات الطرق وبعد أن سمعت المحكمة شهادة شاهدي المطعون ضدهما إذ لم تشهد مصلحة الجمارك أحداً قضت بتاريخ 19 فبراير سنة 1963 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلغاء قرار اللجنة الجمركية بالقاهرة رقم 31 الصادر بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1951 فيما قرره بالنسبة للغرامة وتأييده بالنسبة لمصادرة الدخان المضبوط. وبتقرير تاريخه 18 أبريل 1963 طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أنه أقام قضاءه على أساسين أولهما أن القانون رقم 72 سنة 1933 المعدل للدكريتو الصادر في 22 يونيه سنة 1891 يستلزم توفر علم المحرز للدخان بالغش أو الخلط وأن هذا العلم لا يمكن القطع به في خصوصية الدعوى والأساس الثاني أن مفهوم الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من هذا الدكريتو أنه يشترط لقيام جريمة خلط الدخان وقوع عمل إيجابي من جانب المتهم هذا في حين أنه ليس في نصوص القانون المذكور ما يستلزم لقيام جريمة التهريب الجمركي توافر علم المتهم بالغش أو الخلط وإنما اقتصرت هذه النصوص على تحديد الجانب المادي لجريمة تهريب الدخان دون الجانب الشخصي منها ومؤدى نص المادة الرابعة من دكريتو 22 يونيه سنة 1891 أن نطاق التحريم يشمل كل من اتصل بمادة الدخان المغشوش سواء بمناسبة صنعه أو حيازته أو نقله أو التصرف فيه سواء كان المحرز أو الناقل أو المتصرف يعلم بالغش أو كان جاهلاً له وإذ كانت المادة السابعة من القانون رقم 74 سنة 1933 قد نصت على أنه لا عقاب على من لم يكن صانعاً وأحرز دخاناً مغشوشاً أو مخلوطاً إذا أثبت حسن نيته فإن مفاد ذلك أن المشرع قد جعل الأصل هو سوء نية الحائز أو الناقل أو البائع لمادة الدخان المغشوش وعليهم يقع عبء إثبات حسن نيتهم ولما كان الثابت في الدعوى أن الدخان المضبوط كان مخلوطاً بالتراب والرماد والمواد النباتية وقد أقر المطعون ضده بعلمه بذلك وبأنه اشترى هذا الدخان من شركة الكونتوار من شحنة كانت تنقلها على إحدى سياراتها وانقلبت السيارة في الطريق وغرقت الشحنة واختلطت الأتربة والمواد النباتية بالدخان وأنه كان ينوي تنقيته قبل عرضه للبيع فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى عدم توافر سوء نية المطعون ضدهما بوجود المواد الغريبة بدعوى أنه لم يثبت له أنهما كانا على علم بغش الدخان المضبوط أو خلطه يكون قضاؤه غير سديد. كما أنه قد أخطأ في اشتراطه وقوع فعل إيجابي من المحرز.
وحيث إنه يشترط لقيام جريمة التهريب المنصوص عليها في المادة الثانية من الدكريتو الصادر في 22 يونيه سنة 1891 المعدل بالقانون رقم 74 سنة 1933 أن يكون الدخان مخلوطاً بمواد أخرى غريبة عنه بأية نسبة كانت وأن يكون الحائز عالماً بوجود هذه المواد الغريبة فيه وليس في نصوص هذا الدكريتو ما يستفاد منه أن المشرع افترض علم الحائز بذلك. ولا محل للاحتجاج في هذا المقام بالمادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 التي تنص على أنه "لا عقاب على من لم يكن صانعاً وأحرز دخاناً مغشوشاً أو مخلوطاً إذا ثبت حسن نيته" وذلك بأن هذا القانون خاص بتنظيم صناعة وتجارة الدخان ولا شأن له بجرائم التهريب المنصوص عليها في دكريتو 22 يونيه سنة 1891 ولم يشر هذا القانون في ديباجته أو في أي نص من نصوصه إلى الدكريتو المشار إليه بل إنه أورد أحكاماً لتنظيم صناعة وتجارة الدخان وفرض عقوبات على مخالفيها تغاير العقوبات المقررة لجرائم التهريب المنصوص عليها في الدكريتو وتختص المحاكم الجنائية العادية بتوقيع هذه العقوبات على خلاف جرائم التهريب التي تنظرها اللجان الجمركية ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه لم يخطئ فيما استلزمه من ثبوت علم المطعون ضدهما بوجود المواد الغريبة في الدخان المضبوط - ولما كان هذا الحكم قد استخلص من أقوال الشهود الذين سمعتهم المحكمة أن دفاع المطعون ضدهما الذي يقوم على أنه لا شأن لهما بخلط الدخان بالمواد الغريبة التي ثبت وجودها به وأن أولهما قد اشتراه بحالته التي ضبط عليها هو دفاع على أساس سائغ ومقبول وأنه لا يمكن القطع في خصوصية هذه الدعوى يتوفر علم المطعون ضدهما بالخلط أو الغش إذ لم تقدم مصلحة الجمارك إثباتاً على توفر علمهما أو علم أحدهما بذلك - وكانت المصلحة الطاعنة على ما يبين من نعيها على الحكم المطعون فيه لم تدع بأنها قدمت لمحكمة الموضوع دليلاً على علم المطعون ضدهما بالخلط سوى ما قرره المطعون ضده الأول في صحيفة معارضته في قرار اللجنة الجمركية من أنه اشترى الدخان وهو يعلم بأنه من بقايا شحنة كانت قد غرقت في الترعة وأنه كان ينوي تنقيته قبل بيعه ولما كان يبين من مطالعة عريضة هذه المعارضة أن المطعون ضده الأول وإن كان قد ذكر فيها ذلك إلا أنه أردفه بقوله "ومن ذلك يتضح أنه لا تجوز مساءلة الطالب الأول إذ أن اختلاط الدخان بشيء من تلك المواد لم يكن بفعله ولا بعلمه" مما مفاده أنه لم يقر بعلمه بوجود الخلط في الدخان بل انتهى إلى نفي هذا العلم. لما كان ذلك، وكانت اللجنة الجمركية التي قضت بإدانة المطعون ضدهما قد أثبتت في حكمها أن المطعون ضده الأول قد قرر بأن الأدخنة المضبوطة ملكه وأنه اشتراها من شركة الكونتوار وأنه متأكد من سلامة الدخان وقت استلامه فإنه لا يكون ثمة إقرار قد صدر من المطعون ضده الأول بعلمه بوجود مواد غريبة بالدخان المضبوط وإذ كان ما قرره الحكم المطعون فيه في سبيل التدليل على عدم توفر ركن العلم سائغاً لأن مصلحة الجمارك هي المكلفة بإثبات علم المحرز بالغش أو الخلط فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في القانون لهذا السبب يكون على غير أساس، وإذ كان فيما قرره الحكم من عدم توفر علم المطعون ضدهما بوجود المواد الغريبة في الدخان المضبوط ما يكفي لإقامة قضائه بإلغاء قرار اللجنة الجمركية الذي أدانهما فإن ما أورده الحكم في أسبابه بعد ذلك من اشتراط وقوع عمل إيجابي من جانب المتهم لقيام تهمة خلط الدخان يكون استطراداً زائداً على حاجة الدعوى ويستقيم الحكم بدونه. ومن ثم يكون النعي عليه لخطئه في هذا التقرير الزائد غير منتج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق