جلسة 12 من نوفمبر سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الصاوي يوسف وعادل عبد الحميد نائبي رئيس المحكمة وحسام عبد الرحيم وسمير أنيس.
--------------
(154)
الطعن رقم 4408 لسنة 59 القضائية
(1) نقض. "التقرير بالطعن". إيداع الأسباب".
التقرير بالطعن. مناط اتصال المحكمة به. إيداع الأسباب في الميعاد. شرط لقبوله. التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
عدم تقديم أسباب الطعن. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) محكمة الجنايات "نظرها الدعوى والحكم فيها". قضاة "صلاحيتهم للحكم". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نظر القاضي المعارضة التي رفعت من المتهم في الأمر الصادر بحبسه احتياطياً ورفضها. لا يمنعه من الحكم عليه في الدعوى ذاتها. أساس ذلك؟
(3) ضرب "أفضى إلى موت". مسئولية جنائية. رابطة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيراد الحكم أن وفاة المجني عليه حدثت من إصاباته التي أحدثها الطاعن وآخر. وأن كلاً منهما أسهم في إحداث الوفاة. يصح معه مساءلة الطاعن عن جناية الضرب المفضي إلى الموت. وفي إثبات علاقة السببية بين فعلته والنتيجة.
(4) ضرب "أفضى إلى موت". إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير أراء الخبراء والمفاضلة بينها. موضوعي.
عدم التزام محكمة الموضوع باستدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته. ما دام أن الواقعة وضحت لديها.
القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى. قرار تحضيري. لا تتولد عنه حقوق الخصوم.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
مفاد أخذ المحكمة بأقوال الشهود؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع بتحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى. ما دام له أصل فيها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما ضربا عمداً مع سبق الإصرار.... بالأيدي وعصي الخيزران فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدا من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلي موته. وأحالتهما إلي محكمة جنايات القاهرة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 39/ ثانياً فقرة (1)، 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالسجن لمدة خمس سنوات.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الطعن المقدم منه شكلاً، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة بالطعن وأن إيداع الأسباب التي بني عليها في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وإيداع أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
ومن حيث إن مبنى أوجه الطعن التي تضمنتها تقارير الأسباب الثلاثة المقدمة من الطاعن الثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت، قد ران عليه البطلان وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال وخطأ في الإسناد فضلاً عما شابه من إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأن أحد أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه سبق له أن نظر معارضة الطاعن في الأمر الصادر بحبسه احتياطياً وقرر استمرار حبسه مما يعد مانعاً له من نظر الدعوى بعد ذلك والحكم فيها. كما أن الحكم حين أورد الأدلة على ثبوت الواقعة في حق الطاعن نفى قيام سبق الإصرار لديه ولدى المتهم الآخر كما نفى اتفاقهما على ضرب المجني عليه، وكان مقتضى ذلك أن يحدد الحكم الأفعال التي قارفها الطاعن مستقلاً عن غيره وأن يدلل على قيام رابطة السببية بين فعل الطاعن وبين وفاة المجني عليه إلا أن الحكم دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت مستنداً في ذلك إلى ما أورده تقرير الصفة التشريحية من أن وفاة المجني عليه حدثت نتيجة إصاباته جميعها وهو ما خلا منه التقرير المذكور. هذا إلى أن الحكم أطرح التقرير الطبي الاستشاري رغم أن تقرير وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي جاء مؤيداً له. كما أن المدافع عن الطاعن أصر في دفاعه على مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في أمر الحالة المرضية التي أصابت المجني عليه بالرئتين والقلب والتي كانت سابقة على حصول الاعتداء واستجابت المحكمة بهيئة سابقة لطلب الدفاع وأجلت الدعوى لهذا السبب أكثر من مرة إلا أن الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ضربت صفحاً عن هذا الطلب ولم تعن بتحقيقه. ثم إن المحكمة سبق أن رأت ضرورة سماع شهادة الطبيبة الشرعية واضعة التقرير، وإذ تبين لها سفرها إلى الخارج قررت المحكمة سماع شهادة أحد الأطباء الشرعيين وأجلت نظر الدعوى لحضوره بيد أنها عدلت عن قرارها ومضت في نظر موضوع الدعوى دون بيان علة ذلك. وفوق ما تقدم فإن الحكم قد عول في قضائه على أقوال شهود الإثبات والمتهمين مع ما شابها من تناقض في شأن من وقع منه الاعتداء ومحاولة إسعاف المجني عليه وعلى الرغم من أن أقوال بعضهم تؤكد عدم وقوع اعتداء من الطاعن على المجني عليه، كما أنه لم يورد مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه ولم يبين موضعها من الأوراق، وأخيراً فقد اعتمد الحكم في توافر ظرف سبق الإصرار على مجرد أفعال الاعتداء، وكل ذلك مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وأقوال الطاعنين في التحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد نظر القاضي المعارضة التي رفعت من المتهم في الأمر الصادر بحبسه احتياطياً ورفضها ليس من شأنه أن يمنعه من الحكم عليه بعد ذلك في الدعوى ذاتها، إذ أن الفصل في المعارضة لا يلزم له بمقتضى القانون من القاضي والتحقيق في مرحلته الأولى الرأي المستقر الذي يتحرج معه إذا ما رأى العدول عنه بعد استكمال الدعوى، وهي في دور المحاكمة تقدير كل عناصرها إثباتاً ونفياً. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى البطلان لهذا السبب يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وحصل مؤدى أقوال شهود الإثبات بما مفاده أن الطاعن والمتهم الآخر ضربا المجني عليه بالعصي والأيدي خلص إلى إدانته استناداً إلى ما استخلصه من تقرير الصفة التشريحية من أن وفاة المجني عليه حدثت نتيجة الإصابات جميعها. وكان البين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن أن ما استخلصه الحكم من ذلك له أصله الثابت بتقرير الصفة التشريحية إذ تبين من مطالعته أنه بعد أن أشار إلى إصابات المجني عليه بالرأس والعنق والظهر والصدر والطرفين العلويين والسفليين انتهى إلى أن هذه الإصابات رضية تحدث من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة راضة كعصا أو ما شابه وأنها لنوعيتها وتعددها ومواضعها تحدث من مثل التعدي عليه بالضرب وأن الوفاة إصابية ناشئة عن هذه الإصابات الرضية ومضاعفاتها من تقيحات وامتصاص توكسيمي عفن. وإذ كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم - على نحو ما تقدم - أن وفاة المجني عليه نشأت من إصاباته المرضية مجتمعة التي أوقعها به الطاعن والمحكوم عليه الآخر وأن كلاً منهما ضربه على الأقل ضربة ساهمت في إحداث الوفاة فإن ما انتهى إليه من مساءلة الطاعن عن جناية الضرب المفضي إلى الموت يكون قد أصاب محجة الصواب في تقدير مسئوليته، وأثبت بما فيه الكفاية العناصر التي تستقيم بها علاقة السببية بين فعلته والنتيجة التي حدثت وهي موت المجني عليه، ويضحى منعى الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد والفساد في الاستدلال على غير سند. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة - في الدعوى الماثلة - قد استخلصت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه إنما كانت بسبب الإصابات الرضية التي حدثت به نتيجة اعتداء الطاعن والمحكوم عليه الآخر عليه بالضرب بالعصي والأيدي، وكان ما أوردته في حكمها ما يبرر إطراحها - في حدود سلطتها التقديرية - للتقرير الطبي الاستشاري المقدم من الطاعن، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلبه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، ولا جناح عليها إذا أصدرت قراراً باستدعاء الطبيب الشرعي ثم عدلت عن قرراها لما هو مقرر من أن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، كما أن التناقض بين أقوال الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود وصحة تصويرهم للواقعة فإن كل ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. أما ما يثيره الطاعن من عدم بيان الحكم مؤدى الأدلة التي تساند إليها في قضائه وموضعها من الأوراق فمردود في شقه الأول بما أورده الحكم من بيان لما عول عليه من أقوال شهود الإثبات وما أورده تقرير الصفة التشريحية على نحو يستقيم به قضاؤه، وفي شقه الثاني بما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم تحديد موضع الدليل من أوراق الدعوى ما دام له أصل ثابت فيها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان الحكم قد نفى قيام سبق الإصرار لدى الطاعن - خلافاً لما يدعيه - فإن ما يثيره الطاعن بمقولة إن الحكم قد اعتمد في توافر ظرف سبق الإصرار لديه على مجرد أفعال الاعتداء لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.