جلسة 8 من نوفمبر سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ ناجي اسحق نائب رئيس المحكمة وعلي الصادق عثمان وإبراهيم عبد المطلب وأحمد عبد الباري.
----------------
(148)
الطعن رقم 3672 لسنة 59 القضائية
(1) محكمة الجنايات "نظرها الدعوى والحكم فيها". إجراءات "إجراءات المحاكمة".
نظر الدعوى المعروضة أمام محكمة الجنايات بدور الانعقاد في غير اليوم المحدد لها أو مجاوزتها لتاريخ المحدد لنهاية الدور لا يرتب بذاته بطلاناً. أساس ذلك؟.
(2) محكمة الجنايات. إجراءات "إجراءات المحاكمة". إعلان. محاماة.
الحضور أمام محكمة الجنايات. عدم استلزامه سوى تكليف المتهم بالحضور دون اشتراط إعلان محاميه. المادتان 374، 378 إجراءات.
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محاماة. وكالة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
ندب المحكمة محامياً عن المتهم لغياب محاميه الموكل. عدم اعتراض المتهم على هذا الإجراء وعدم تمسكه بالتأجيل لحضور محاميه. لا إخلال بحق الدفاع.
استعداد المدافع أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته.
(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". قتل عمد. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي.
حالة الدفاع الشرعي. مناط تحققها؟
تجريد المجني عليه من آلة العدوان وطعنه بها. لا يعد من قبيل الدفاع الشرعي. حد ذلك؟
حق الدفاع الشرعي. لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي.
(5) قصد جنائي. جريمة "أركانها". قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص هذا القصد. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على توافر نية القتل.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل....... عمداً بأن طعنها بأداة (سكين) عدة طعنات في جسدها وأطبق بيديه على عنقها وعاجلها بخنقها برباط رأسها قاصداً من ذلك إزهاق روحها، فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ادعت...... والدة المجني عليها و...... و...... و...... و..... و...... و...... أشقاء المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة عاماً، وإلزامه بأن يؤدي للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وإحالة القضية إلى محكمة جنايات شبين الكوم لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة قضت حضورياً بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة عاماً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد شابه البطلان والإخلال بحق الدفاع وانطوى على قصور وتناقض في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المحكمة نظرت الدعوى في غير اليوم المحدد لها بدور الانعقاد وفي غيبة المحامي الأصلي الذي يباشرها ودون إخطاره، وانتدبت محامياً آخر يوم الجلسة لم تمكنه حداثته من مباشرة الدفاع على الوجه الأكمل، وردت بما لا يصلح رداً على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وخلصت إلى انتفائها رغم ما حصلته عن تماسك المجني عليها مع الطاعن وإحداثها بعنقه سحجات ظفرية قبل اعتدائه عليها بالسكين وهو ما يؤذن - مع خشية بطش أهلها لو سمعوا صياحها وقت الاعتداء - بقيام حالة الدفاع الشرعي والتي لا يصح محاسبة الطاعن من بعد ثبوتها إلا عن تجاوزها، هذا إلى أن المحكمة لم ترد على دفعه بانتفاء نية القتل ولم تفطن إلى أن الواقعة في الظروف التي حدثت فيها لا تعدو أن تكون ضرباً أفضى إلى الموت. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه لما كانت المادة 371 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن يعد في كل دور جدول للقضايا التي تنظر فيه، وتوالي محكمة الجنايات جلساتها إلى أن تنتهي القضايا المقيدة بالجدول، فإن نظر المحكمة للقضايا بدور الانعقاد في غير اليوم المحدد لها أو مجاوزتها التاريخ المحدد لنهاية الدور لا يترتب عليه بذاته أي بطلان. لما كان ذلك، وكانت المادتان 374، 378 من القانون المشار إليه لا تستلزمان بشأن الحضور أمام محكمة الجنايات سوى تكليف المتهم بالحضور لجلسة المحاكمة دون اشتراط إعلان محاميه بها، وكان الثابت من المفردات المضمومة أن النيابة العامة قد أعلنت الطاعن في يوم 20 من أكتوبر سنة 1988 للحضور لجلسة المحاكمة يوم 15 من نوفمبر سنة 1988 مخاطباً مع مأمور السجن عملاً بالمادة 235 من قانون الإجراءات الجنائية، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن نظر الدعوى في غير يوم دورها بجلسة لم يعلن بها محاميه يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن المحكمة ندبت محامياً عن الطاعن بناء على طلبه وترافع عنه المحامي بما هو مدون بمحضر الجلسة الذي خلا من اعتراض للطاعن على هذا الإجراء، كما خلا والمفردات المضمومة من أي طلب للطاعن بتأجيل الدعوى لحضور محاميه الموكل عنه وكان الأصل أنه إذا لم يحضر المحامي الموكل عن المتهم وندبت المحكمة محامياً آخر ترافع في الدعوى، فإن ذلك لا ينطوي على بطلان في الإجراءات ولا يعد إخلالاً بحق المتهم في الدفاع ما دام لم يبد اعتراضاً على هذا الإجراء أو يتمسك أمام المحكمة بطلب تأجيل نظر الدعوى حتى يحضر محاميه الموكل، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل، ولا وجه لما يتحدى به من أن المحامي المنتدب لم يتمكن لحداثته من مباشرة الدفاع على الوجه الأكمل ما دام لم يدع بأن دفاعه كان شكلياً أو أنه من غير المقبولين للمرافعة أمام محكمة الجنايات، ولما هو مقرر من أن استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في أنه بعد احتدام نقاش بين المجني عليها وزوجها الطاعن أهانته فيه بالقول وتشاجرا صفع الطاعن المجني عليها ولما ذهبت وأحضرت سكيناً للاعتداء بها عليه انتزعها منها وعندئذ أحدثت سحجات في رقبته قام على أثرها بطعنها عدة طعنات في مقتل وخنقها بيديه ثم ضغط على عنقها بمنديل قاصداً من ذلك قتلها ولم يتركها إلا بعد أن فارقت الحياة، وبعد أن أورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من اعترافه في تحقيقات النيابة وتحريات الشرطة وتقرير الصفة التشريحية رد على دفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي بقوله "فإن المتهم في اعترافه بتحقيقات النيابة قرر أنه انتزع السكين من المجني عليها فور إحضارها لها ومحاولة اعتدائها عليه ومن ثم فقد زال الخطر من جانبها ولا مجال للمتهم في ذلك للتخوف منها ولا يكون بطعنه لها بالسكين في حالة دفاع شرعي عن النفس ولا صلة للإصابات الظفرية من سحجات بعنق المتهم بتلك الحالة لأنه قد حدث تماسك بينهما قبل الطعن للمجني عليها بسكين ولا تبرر تلك السحجات طعنة المتهم للمجني عليها على النحو سالف الذكر". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها إنما هو من الأمور التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بلا معقب ما دام استدلالها سائغاً، وأن تلك الحالة تتوافر بوقوع فعل إيجابي يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي سواء وقع اعتداء بالفعل أو بدر من المجني عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لأسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه أو نفس غيره أو ماله، وأن الأصل أن تجريد المجني عليه من آلة العدوان ثم طعنه بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعي إلا إذا كان تجريد المجني عليه من آلة العدوان وإن ليس من شأنه - بمجرده - أن يحول دون مواصلة العدوان، فإنه يحق للمعتدى عليه أن يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الأخذ في الاعتبار ما يحيط بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه في رده على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وتدليله على انتفائها - على السياق المتقدم - أنه بعد انتزاع الطاعن للسكين من يد المجني عليها لم يعد هناك ما يخشى منها عليه وأن السحجات الظفرية التي أحدثتها برقبته - لا تنهض دليلاً على أن خطراً يتهدده، وهو ما له أصله في اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة من أنه لم يقتل المجني عليها دفاعاً عن نفسه بسبب خطر يتهدده، وإنما قتلها لسوء معاملتها له، ولما كان حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه فإن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من عدم توافر هذا الحق للأسباب التي أوردها يكون صحيحاً ويكون منعى الطاعن في هذا الصدد وبصدد أن الواقعة لا ترشح إلا لتجاوز حالة الدفاع الشرعي في غير محله. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون قد استظهر نية القتل في قوله "فهي قد ثبتت في حق المتهم من ظروف الحادث وملابساته على التفصيل سالف البيان وذلك من طعن المجني عليها بسكين في مقتل عدة طعنات وخنقها بالضغط على عنقها بيديه وللتأكد من إزهاق روحها قيامه بخنقها بمنديل حول عنقها ثم الضغط عليه ولم يتركها إلا أن فارقت الحياة". فإنه يكون قد دلل على توافر نية القتل بما يكفي لثبوتها، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص وبأن الواقعة مجرد ضرب أفضى إلى الموت غير مقبول. ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق