الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 يوليو 2023

الطعن 294 لسنة 24 ق جلسة 5 / 3 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 30 ص 194

جلسة 5 من مارس سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: إبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

----------------

(30)
الطعن رقم 294 سنة 24 ق

(أ) دعوى. إحالة. قانون. 

المادة 4/ 2 من ق 77 لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات إذ نصت على عدم جواز الإحالة بالنسبة للدعاوى المحكوم فيها حضورياً أو غيابياً إنما عنت الأحكام المنهية للخصومة كلها أو بعضها. لا يندرج فيها الأحكام التمهيدية.
(ب) اختصاص "الاختصاص النوعي". استئناف "أحكام يجوز استئنافها". 

مناط تطبيق القاعدة الواردة في م 51 مرافعات. مخالفتها. جواز الاستئناف مهما تكن قيمة الدعوى. م 401 مرافعات.

-----------------
1 - إن المشرع إذ نص في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 77 لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات على عدم جواز الإحالة بالنسبة للدعاوى المحكوم فيها حضورياً أو غيابياً إنما عني بذلك - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الدعاوى التي تكون قد صدرت فيها أحكام منهية للخصومة كلها أو بعضها فلا يندرج فيها الدعاوى التي يكون قد صدرت فيها مجرد أحكام تمهيدية.
2 - مناط تطبيق القاعدة الواردة في نص المادة 51 من قانون المرافعات أن تكون المحكمة الابتدائية قد التزمت قواعد الاختصاص التي رسمها القانون بألا تخرج صراحة أو ضمناً على القواعد المتعلقة بالنظام العام فإذا هي خالفت هذا النص وقضت في دعوى ليست من اختصاصها دون أن تحيلها إلى المحكمة المختصة بنظرها فإنها بذلك تكون قد خالفت قاعدة من قواعد النظام العام الأمر الذي يجوز استئناف حكمها في هذه الحالة عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 401 من قانون المرافعات التي تجيز استئناف الأحكام الصادرة في مسائل الاختصاص والإحالة إلى محكمة أخرى مهما تكن قيمة الدعوى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن المطعون عليها بصفتها ناظرة على وقف السيد حسين مبلغ الحج الشريف المعروف بوقف مبلغي جبل عرفات أقامت أمام محكمة طنطا الابتدائية الدعوى رقم 311 لسنة 1947 كلي طنطا على كل من بلال وعبد الجليل وإبراهيم ونور أولاد المرحوم إبراهيم على القرشاوي - طالبة الحكم بتثبيت ملكيتها - بصفتها تلك - إلى قطعة الأرض المبينة الحدود والمعالم بالصحيفة وتسليمها لها مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة... إلخ - وذكرت شرحاً لدعواها أن للوقف المشار إليه المشمول بنظارتها قطعة أرض مساحتها 120 متراً مربعاً - وتدخل ضمن حجة الوقف الصادرة بمحكمة سمنود الشرعية في 20 رمضان سنة 1379 هجرية - وأن المدعى عليهم وضعوا يدهم عليها مما اضطرها لإقامة الدعوى عليهم - وتدخل الطاعنون في الدعوى طالبين قبولهم خصماً ثالثاً فيها قائلين أن العين موضوع النزاع ملك لهم ولا شأن للمدعى عليهم فيها وأنهم لذلك يطلبون رفض الدعوى، فقررت المحكمة الابتدائية قبولهم بجلسة 7/ 4/ 1947. وبتاريخ 16/ 11/ 1948 قضت تلك المحكمة بندب خبير لتطبيق كتاب الوقف ومستندات المدعى عليهم على العقار موضوع النزاع لبيان من المالك له والواضع اليد عليه... إلخ وبعد أن باشر الخبير عمله وقدم تقريره قضت المحكمة الابتدائية في 9 نوفمبر سنة 1949 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما ادعاه الخصم الثالث من وضع اليد ولتنفي وزارة الأوقاف ذلك. وفي 21 نوفمبر سنة 1950 حكم ابتدائياً بتثبيت ملكية جهة الوقف لقطعة الأرض المذكورة وتسليمها للوزارة بصفتها ناظرة الوقف مع إلزام الخصم الثالث وحدهم بالمصاريف ومبلغ 600 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخي 7 و8 مارس سنة 1951 استأنف الطاعنون هذا الحكم إلى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 120 سنة 7 ق (وقد أحيل فيما بعد إلى محكمة استئناف طنطا وقيد فيها برقم 383 لسنة 1 ق) وطلبوا قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المطعون عليها وإلزامها بالمصاريف. وأمام محكمة استئناف طنطا دفعت المطعون عليها بعدم جواز الاستئناف لقلة النصاب - وأسست هذا الدفع على أن الدعوى رفعت ابتداء - بطلب تثبيت ملكية عقار قدرت قيمته وقت رفع الدعوى في 30/ 12/ 1946 بمبلغ 240 جنيهاً. وأنه في أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية صدر قانون المرافعات الجديد. وبمقتضاه تكون هذه الدعوى داخلة فيما تفصل فيه المحكمة الابتدائية انتهائياً - وعلى ذلك فإنه لا يجوز رفع استئناف عن الحكم الصادر في الدعوى موضوع النزاع - وبتاريخ 3 مارس سنة 1953 حكمت محكمة استئناف طنطا بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنفين (الطاعنين) بالمصروفات و500 قرش أتعاباً للمحاماة. وبتاريخ 16 أغسطس سنة 1954 قرر الطاعنون الطعن بالنقض في هذا الحكم - وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف وإحالة القضية إلى المحكمة الجزئية المختصة - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 من يناير سنة 1959 وفيها صممت النيابة العامة على الرأي المبدى بمذكرتها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 19 من فبراير سنة 1959 وفيها صممت النيابة العامة على رأيها السالف ذكره.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون بالسبب الأول أن الحكم المطعون فيه مشوب بمخالفة القانون وفي ذلك ذكروا - أنه كان يتعين على المحكمة الابتدائية - بعد صدور قانون المرافعات الجديد والعمل به ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 - وتطبيقاً للفقرة الأولى من المادة 4 من قانون الإصدار أن تقضي بعدم اختصاصها بنظر هذه الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الجزئية حيث إنها قد أصبحت هي المختصة بنظرها دون المحكمة الابتدائية - وكان يتعين على محكمة استئناف - وقد استأنف الطاعنون هذا الحكم إليها - أن تقضي بإلغائه وبعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الجزئية - ولكنها قضت على خلاف القانون بعدم جواز الاستئناف تأسيساً على أن الدعوى التي كانت مطروحة على المحكمة الابتدائية مقدرة بمبلغ 240 جنيهاً مائتين وأربعين جنيهاً - وأنه ما دام قد صدر فيها حكم بندب خبير من 19 من نوفمبر سنة 1948 فإنها تستمر مختصة بنظرها. ولا تصح إحالتها إلى المحكمة الجزئية وأن الحكم الذي يصدر منها في موضوعها لا يجوز استئنافه - لأنه يكون صادراً منها في حدود اختصاصها الانتهائي المبين بالمادة 51 من قانون المرافعات الجديد.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بعدم جواز الاستئناف على نظر حاصله أنه وإن كانت الدعوى قد قدرت في مرحلتيها الابتدائية والاستئنافية من طرفي النزاع بمبلغ مائتين وأربعين جنيهاً وأدركها قانون المرافعات الجديد وهي في المرحلة الابتدائية - وبمقتضاه صارت هذه الدعوى مما تختص به محكمة المواد الجزئية - مما كان يتعين معه إحالتها إلى المحكمة الجزئية المختصة - إلا أنه لما كان قد صدر فيها بتاريخ 19/ 11/ 1948 حكم قضى بندب خبير فقد أصبح متعيناً على المحكمة الابتدائية استبقاء الدعوى أمامها - والفصل فيها منها إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون الإصدار - وإذ كانت الدعوى مقدرة بمبلغ مائتين وأربعين جنيهاً فإن هذا الحكم - يكون انتهائياً - وغير جائز استئنافه - وهذا الذي أقام عليه قضاءه مخالف للقانون ذلك أن المشرع إذ نص في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون الإصدار على عدم جواز الإحالة بالنسبة للدعاوى المحكوم فيها حضورياً أو غيابياً إنما عنى بذلك - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الدعاوى التي تكون قد صدرت فيها أحكام منهية للخصومة كلها أو بعضها فلا يندرج فيها الدعاوى التي يكون قد صدرت فيها مجرد أحكام تمهيدية كما هو الحال في الدعوى. أما ما ذهبت إليه المطعون عليها وأقرتها عليه محكمة الاستئناف من أن الحكم الابتدائي كان غير قابل للاستئناف لأنه صدر في حدود النصاب النهائي للمحكمة الابتدائية - اعتماداً على نص المادة 51 من قانون المرافعات التي تنص على أن المحكمة الابتدائية تختص بالحكم ابتدائياً في جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من اختصاص محكمة المواد الجزئية ويكون حكمها انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز مائتين وخمسين جنيهاً - فإنه مردود بأن مناط تطبيق للقاعدة الواردة في هذا النص أن تكون المحكمة الابتدائية قد التزمت قواعد الاختصاص التي رسمها القانون بألا تخرج صراحة أو ضمناً على القواعد المتعلقة بالنظام العام فإذا هي خالفت هذا النص - كما هو الحال في الدعوى - وقضت في دعوى ليست من اختصاصها دون أن تحيلها إلى المحكمة المختصة بنظرها فإنها بذلك تكون قد خالفت قاعدة من قواعد النظام العام الأمر الذي يجوز استئناف حكمها في هذه الحالة عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 401 من قانون المرافعات التي تجيز استئناف الأحكام الصادرة في مسائل الاختصاص والإحالة إلى محكمة أخرى مهما تكن قيمة الدعوى.
وحيث إن الحكم من محكمة استئناف بعدم جواز الاستئناف قد حجبها عن النظر في شكل الاستئناف - فيتعين مع نقض الحكم المطعون فيه إحالة الدعوى إليها.

الطعن 126 لسنة 32 ق جلسة 1 / 2 / 1968 مكتب فني 19 ج 1 ق 29 ص 184

جلسة أول فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

---------------

(29)
الطعن رقم 126 لسنة 32 القضائية

(أ) دعوى. "سقوط الخصومة". "طريقة رفع طلب سقوط الخصومة". حكم. "الطعن في الأحكام". "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع".
طلب سقوط الخصومة. جواز رفعه بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى أو بطريق الدفع أمام المحكمة بعد تعجيل الدعوى الأصلية. ضم المحكمة طلب سقوط الخصومة المرفوع بطريق الدعوى إلى الدعوى الأصلية. اندماجه في الدعوى الأصلية التي أبدى فيها ذات الطلب بطريق الدفع. الحكم برفض الطلبين حكم صادر قبل الفصل في الموضوع لا تنتهي به الخصومة الأصلية كلها أو بعضها. عدم جواز الطعن فيه استقلالاً.
(ب) حكم. "الطعن في الأحكام". "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع". دعوى. "سقوط الخصومة".
الخصومة التي ينظر إلى انتهائها وفقاً للمادة 378 مرافعات هي الخصومة المنعقدة بين طرفيها لا الخصومة التي تثار في مسألة فرعية أو دفع متعلق بإجراءات الدعوى كالدفع بسقوط الخصومة.
(ج) دعوى. "ضم دعوى إلى أخرى". "أثره".
ضم دعويين لا يفقد كل منهما استقلالها. محل هذه القاعدة أن تكون الدعويان مختلفتين موضوعاً وسبباً.

------------------
1 - طلب سقوط الخصومة هو في واقع الأمر دفع ببطلان إجراءات الخصومة الأصلية أجاز الشارع في المادة 303 من قانون المرافعات تقديمه إلى المحكمة المقامة أمامها تلك الخصومة بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى أو بطريق الدفع أمامها إذا عجل المدعي دعواه الأصلية بعد انقضاه السنة المقررة للسقوط ومن ثم فإذا تمسك به المدعى عليه بالطريقتين معاً وقررت المحكمة ضم طلب سقوط الخصومة المقدم بطريق الدعوى إلى الدعوى الأصلية ليصدر فيهما حكم واحد فإنه ينبني على الضم في هذه الحالة اندماج هذا الطلب في الدعوى الأصلية التي أبدى فيها ذات الطلب بطريق الدفع لأنه علاوة على اتحاد الطلبين فإن الطلب الأول متفرع عن هذه الدعوى ويتناول الخصومة فيها ويكون الحكم الصادر برفض الطلبين - وهما في حقيقتهما طلب واحد مقدم بطريقين مختلفين - حكماً صادراً قبل الفصل في الموضوع لا تنتهي به الخصومة الأصلية كلها أو بعضها ولا يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات.
2 - قصدت المادة 378 من قانون المرافعات بالخصومة التي ينظر انتهائها وفقاً لهذا النص - الخصومة الأصلية المنعقدة بين طرفيها لا تلك التي تثار عرضاً بشأن مسألة فرعية أو دفع متعلق بإجراءات الدعوى كالدفع بسقوط الخصومة (1).
3 - القول بأن ضم قضيتين ليس من شأنه أن يفقد كلاً منهما استقلالها عن الأخرى محله أن تكون القضيتان مختلفتين سبباً أو موضوعاً أما حيث يكون الطلب في إحدى القضيتين المضمومتين هو ذات الطلب في القضية الأخرى فإنه لا يمكن باستقلال إحداهما عن الأخرى (2).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 25 يناير سنة 1951 ضبطت مصلحة الجمارك بحديقة منزل إبراهيم نخله (المطعون ضده الثاني) دخاناً مملوكاً لقريبه أنيس أسكاروس (المطعون ضده الأول) تبين من الفحص أنه مخلوط بأتربة ومواد نباتية بالمخالفة للقرار الوزاري رقم 91 لسنة 1933 والقانون رقم 72 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1948 وبتاريخ 5 سبتمبر سنة 1951 أصدرت اللجنة الجمركية بالقاهرة قراراً بتغريم المطعون ضدهما متضامنين مبلغ 2330 ج ومصادرة الدخان المضبوط فعارض المطعون ضدهما في هذا القرار أمام محكمة القاهرة الابتدائية بالدعوى رقم 1674 سنة 1951 ودفع المطعون ضده الأول ببطلان إجراءات أخذ العينة والتحليل وبتاريخ 5 نوفمبر سنة 1956 قضت المحكمة الابتدائية برفض هذا الدفع وبرفض المعارضة وتأييد القرار المعارض فيه فاستأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 600 سنة 69 ق وبتاريخ 28 فبراير سنة 1958 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإلغاء قرار اللجنة الجمركية الصادر في 5/ 9/ 1951 واعتباره معلوم الأثر. فطعنت مصلحة الجمارك في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 455 سنة 25 قضائية وبتاريخ 27 أكتوبر سنة 1960 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى وبصحيفة أعلنت لمصلحة الجمارك في 23 نوفمبر سنة 1961 عجل المطعون ضدهما استئنافهما رقم 600 سنة 69 ق لجلسة 15 يناير سنة 1962 طالبين الحكم لهما بطلباتهما السابقة وبصحيفة أعلنت للمطعون ضدهما في 28 نوفمبر سنة 1961. أقامت مصلحة الجمارك الدعوى رقم 551 سنة 58 ق التي تحدد لنظرها جلسة 26 ديسمبر سنة 1961 طالبة الحكم بسقوط الخصومة في الاستئناف رقم 600 سنة 69 ق لمضي أكثر من سنة على آخر إجراء صحيح تم فيه وهو صدور حكم النقض كما دفعت بسقوط الخصومة عند نظر الاستئناف بعد تعجيله - وبعد أن قررت محكمة الاستئناف ضم تلك الدعوى للاستئناف ليصدر فيهما حكم واحد قضت في 6 فبراير سنة 1962 في الدفع المبدى من مصلحة الجمارك وفي الدعوى المقامة منها بطلب سقوط الخصومة برفضهما وفي 10 من مارس سنة 1962 طعنت مصلحة الجمارك في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين دفعت فيهما بعدم جواز الطعن في الحكم وتمسكت بهذا الرأي بالجلسة المحددة لنظر الطعن.
وحيث إن النيابة دفعت بعدم جواز الطعن في الحكم تأسيساً على أن دعوى سقوط الخصومة تعتبر دفعاً للخصومة الأصلية المرددة بين الطرفين في الاستئناف بقصد إسقاط هذه الخصومة وإبطال إجراءاتها وأنه متى قررت المحكمة ضم هذه الدعوى إلى الخصومة الأصلية بعد تعجيلها من جانب المدعي فإنها تندمج في هذه الخصومة وتصبح جزءاً منها ودفعاً من دفوع المدعى عليه فيها كما يصبح الحكم الصادر برفضها حكماً صادراً قبل الفصل في موضوع تلك الخصومة لا يجوز الطعن فيه على استقلال بل يطعن فيه مع الحكم الصادر في موضوع الدعوى.
وحيث إن هذا الدفع صحيح ذلك بأن طلب سقوط الخصومة هو في واقع الأمر دفع ببطلان إجراءات الخصومة الأصلية أجاز الشارع في المادة 303 من قانون المرافعات تقديمه إلى المحكمة المقامة أمامها تلك الخصومة بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى أو بطريق الدفع أمامها إذا عجل المدعي دعواه الأصلية بعد انقضاء السنة المقررة للسقوط ومن ثم فإذا تمسك به المدعى عليه بالطريقين معاً وقررت المحكمة ضم طلب سقوط الخصومة بطريق الدعوى إلى الدعوى الأصلية ليصدر فيهما حكم واحد فإنه ينبني على الضم في هذه الحالة اندماج هذا الطلب في الدعوى الأصلية التي أبدى فيها ذات الطلب بطريق الدفع لأنه علاوة على اتحاد الطلبين فإن الطلب الأول متفرع عن هذه الدعوى ويتناول الخصومة فيها ويكون الحكم الصادر برفض الطلبين - وهما في حقيقتهما طلب واحد قدم بطريقين مختلفين - صادراً قبل الفصل في الموضوع لا تنتهي به الخصومة الأصلية كلها أو بعضها ولا يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات التي قصدت بالخصومة التي ينظر إلى انتهائها وفقاً لهذا النص الخصومة الأصلية المنعقدة بين طرفيها لا تلك التي تثار عرضاً بشأن مسألة فرعية أو دفع متعلق بإجراءات الدعوى كالدفع بسقوط الخصومة ولا وجه للاحتجاج بأن ضم قضيتين ليس من شأنه أن يفقد كلاً منهما استقلالها عن الأخرى إذ محل هذا القول أن تكون القضيتان مختلفتين سبباً أو موضوعاً أما حيث يكون الطلب في إحدى القضيتين المضمومتين هو ذات الطلب في القضية الأخرى فإنه لا يمكن القول باستقلال إحداهما عن الأخرى.
لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن وقد رفع استقلالاً عن الحكم الصادر برفض طلب سقوط الخصومة يكون غير جائز.


(1) راجع نقض 18/ 2/ 1965 مج المكتب الفني س 16 ص 197.
(2) وراجع نقض 28/ 2/ 1966 مج المكتب الفني س 17 ص 1452.

الطعن رقم 47 لسنة 43 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 8 / 7 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من يوليه سنة 2023م، الموافق العشرين من ذي الحجة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 47 لسنة 43 قضائية دستورية

المقامة من
مجدي عبد الغني سيد أحمد
ضد
أولًا: رئيس الجمهوريــة
ثانيًا: رئيس مجلس الوزراء
ثالثًا: رئيس مجلس النواب
رابعًا: النائــب العـام
خامسًا: ورثة/ سيد أحمد أحمد؛ وهم:
1- ورثة/ فاطمة سيد أحمـــد
أ - أشرف أحمد توفيق محمد
ب - إيهاب أحمد توفيق محمد
ج - باهر أحمد توفيــــق محمد
2- ورثة/ عبد العال سيد أحمد أحمد؛ وهم:
أ - سيد عبد العال سيد أحمد
ب - هاني عبد العـال سيد أحمد
ج - جمال عبد العال سيد أحمد
د - أحمد عبد العـــال سيد أحمد
هـ - حسن عبد العــال سيد أحمد
و - محمد عبد العال سيد أحمد
ز - مرفت عبد العـال سيد أحمد
ح - أحمد عاطف عبد العزيز
3- مروة عاطف عبد العزيز محمد
4- نجوى عاطف عبد العزيز محمد
5- سليمان عبد القادر سليمان

-------------------

"الإجراءات "

بتاريخ الحادي عشر من مايو سنة 2021، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، فيما تضمنه من معاقبة كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث رضاءً أو قضاءً نهائيًّا.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وصرحت بمذكرات في أسبوعين، وانقضى الأجل دون تقديم مذكرات.
----------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى عليهم خامسًا أقاموا بطريق الادعاء المباشر، أمام محكمة جنح قسم الدقي الدعوى رقم 5048 لسنة 2020، ضد المدعي وشقيقيه: محمد ومصطفى، بطلب معاقبتهم بموجب نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943، بشأن المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، لامتناعهم عمدًا عن تسليم المدعى عليهم حصصهم في مقابل الانتفاع بجزء من الأرض المملوكة لهم على الشيوع،
وإلزامهم بأداء تعويض مدني مؤقت. وذلك على سند من أن المدعين بالحق المدني، والمدعي وشقيقيه يمتلكون بطريق الميراث - على الشيوع - عن جدهم المرحوم/ سيد أحمد أحمد، قطعة الأرض الواقعة بزمام الوراق، محافظة الجيزة، المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الجنحة المباشرة، وأن المدعي وأخويه قاموا بتاريخ 29/5/2000، بإبرام عقد انتفاع لمساحة ألف متر منها لشركة الغاز الطبيعي للسيارات كار جاز، لاستغلالها محطة غاز دون رضاهم، واحتفظوا بعائد هذا العقد لأنفسهم دون باقي الورثة. فأقاموا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية الدعوى رقم 4192 لسنة 2005 مدني كلي، ضد المدعي وأخويه وشركة كار جاز للمطالبة بحصتهم في مقابل الانتفاع بهذه المساحة، وهي الدعوى التي صار الحكم فيها انتهائيًّا وواجب التنفيذ بقضاء محكمة استئناف القاهرة - مأمورية شمال القاهرة - بجلسة 20/1/2016، في الاستئنافات أرقام 4228، و4265 لسنة 18 قضائية، و4270 لسنة 19 قضائية، بإلزام المدعي وشقيقيه بأن يؤدوا للمدعى عليهم مبلغ (1914137.90) جنيهًا، كمقابل انتفاع عن أرض التداعي عن الفترة من عام 2000 حتى تاريخ إيداع تقرير خبير الدعوى في فبراير 2012، وإذ امتنعوا عمدًا عن تسليمهم حصتهم من الإرث، الثابتة لهم بموجب ذلك الحكم، فقد أقاموا ضدهم ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة كارجاز بطريق الادعاء المباشر الجنحة المار بيانها. تدوول نظر تلك الجنحة، وبجلسة 28/7/2020، قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى قبل رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة كارجاز، فيما قضت غيابيًّا بمعاقبة كل من المدعي وأخويه بالحبس مدة سنة مع الشغل لكلٍ، وتغريمهم مبلغ مائة ألف جنيه، وبالتعويض المدني. عارض المدعي في هذا الحكم، وبجلسة 27/1/2021، قضت المحكمة بقبول المعارضة شكلًا ورفضها موضوعًا وتأييد الحكم المعارض فيه. لم يرتض المدعي الحكم المشار إليه، وطعن عليه أمام محكمة جنح مستأنف الجيزة بالاستئناف رقم 6536 لسنة 2021، وبجلسة 14/4/2021، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى؛ على سند من أن حقيقة طلبات المدعي تنحل إلى إضافة حكم جديد إلى النص المطعون فيه، مما مقتضاه إلزام السلطة التشريعية بتعديل ذلك النص على النحو الذي يرتئيه، وهو ما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا، فإنه مردود؛ بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ولايتها في مجال الرقابة القضائية التي تباشرها على دستورية القوانين واللوائح، إنما تنحصر في إنزال حكم الدستور على النصوص القانونية التي تطرح عليها، وتثور شبهة قوية في شأن مخالفتها لقواعده، سواء أُحيلت إليها هذه النصوص مباشرة من محكمة الموضوع، أو عرضها عليها أحد الخصوم خلال الأجل الذى ضربته له محكمة الموضوع بعد تقديرها لجدية دفعه بعدم دستوريتها، بما مؤداه أن المسائل الدستورية دون غيرها هي جوهر رقابتها، وهى التي تجيل بصرها فيها بعـد إحاطتهـا بأبعادهـا؛ ومن ثم فلا يمتد بحثها لسواهـا ولا تخوض في غيرها، وهو ما أضفى على الدعوى الدستورية طبيعتها العينية باعتبار أن قوامها مقابلة النصوص التشريعية المدعى مخالفتها للدستور، بالقيود التي فرضها لضمان النزول عليها، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هي موضوع الدعوى الدستورية، أو هي بالأحرى محلها، وإهدارها بقدر تعارضها مع أحكام الدستور هي الغاية التي تبتغيها هذه الخصومة، وقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن هذه النصوص هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة صحتها أو بطلانها، ومن ثم لا يجوز أن تتناول هذه المحكمة - في مجال تطبيقها للشرعية الدستورية - غير المسائل التي تدور حولها الخصومة في الدعوى الدستورية، إلا بالقدر الذى يكفل اتصال الفصل فيها بالفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
متى كان ذلك، وكان طلب المدعي ينصرف إلى القضاء بعدم دستورية النص المطعون عليه فيما تضمنه من معاقبة كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، لما ارتآه من أسباب لعدم دستورية هذا النص، انصبت في مجملها على اتساع صياغة النص الجنائي على نحو يحول دون الوقوف على ماهية الفعل المؤثم بموجبه، ومن ثم ينعقد الاختصاص بالفصل في دستورية هذا النص إلى هذه المحكمة، ويضحى الدفع بعدم اختصاصها بالفصل في دستوريته غير سديد، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إن نص المادة (49) من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، يجري على أنه:
مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندا يؤكد نصيبا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين.
وتكون العقوبة في حالة العود الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة.
ويجوز الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتًّا.
ولكل من المجني عليه أو وكيله الخاص، ولورثته أو وكيلهم الخاص، وكذلك للمتهم أو المحكوم عليه أو وكيلهما الخاص، إثبات الصلح في هذه الجرائم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال.
ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلًا بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة على هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن المدعي قُدّم إلى المحاكمة الجنائية بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح الدقي في الجنحة رقم 5048 لسنة 2020، لما نسب إليه من الامتناع عمدًا عن تسليم الورثة - المدعى عليهم خامسًا - أنصبتهم الشرعية في مقابل الانتفاع بقطعة الأرض الشائعة بينهم، المبينة بالأوراق، والتي آلت إليهم ميراثًا عن جدهم، وكان الحكم الجنائي الصادر من محكمة الجنح في الدعوى الموضوعية، قد قضى بحبس المدعي مدة سنة وغرامة مائة ألف جنيه والتعويض المؤقت، جزاء هذا الامتناع؛ إعمالاً لنص المادة (49) من قانون المواريث المشار إليه؛ ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على قضاء محكمة الجنح المستأنفة في الجنحة المطروحة عليها، بما يقيم للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها في نص الفقرة الأولى من المادة المطعون عليها، دون سائر فقراتها الأخرى.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون عليه، في النطاق المحدد سلفًا، مخالفة نصوص المواد (5 و53 و54 و95 و96) من الدستور؛ وذلك لغموض مضمونه، والتجهيل بأحوال انطباقه، وعدم تحديد الركنين: المادي والمعنوي لهذه الجريمة، مما أدى لاختلاف أحوال تطبيقه بين المحاكم، والإخلال بأصل البراءة وضمانات المحاكمة المنصفة، والحق في الحرية الشخصية، والنيل من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، والحق في المساواة بين المخاطبين بهذا النص الجنائي، ولافتقاده إلى الضرورة المبررة للتجريم، بما يؤدي إلى تقطيع الروابط الأسرية.
وحيث إن هذه المناعي في جملتها غير سديدة؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتهـا، وهو بذلك يتغيّا أن يحدد من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفــًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. ومن ثم يتعين على المشرع، حين يقدر وجوب التدخل بالتجريم حماية لمصلحة المجتمع، أن يجري موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وضمان حريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.
وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفـاء فيها أو غموض، فلا تكـون هـذه النصـوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع، متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيّنة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهى التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها عن بعض، وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها؛ ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، وبالتالي لا يتصور - وفقًا لأحكام الدستور - أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
وحيث إن افتراض أصـل البراءة الذي نص عليه الدستور في المادة (96) منه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلًا ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها، حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغيــــر ذلك لا ينهدم أصل البراءة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أنه لا تجوز معاملة المتهمين بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه: أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء من هذا الأصل - أيًّا كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة، بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى، ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها، وأن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها، مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملًا مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالًّا على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا فجًّا منافيًا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، يتمثل جوهرها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - في المفاضلة بين البدائل المختلفة وفق تقديره لتنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
وحيث إن الدستور يعتبر مآبًا لكل سلطة وضابطًا لحركتها. والأصل في النصوص التي يتضمنها أنها تؤخذ باعتبارها مترابطة فيما بينها، وبما يرُدُّ عنها التنافر والتعارض، ويكفل اتساقها في إطار وحدة عضوية تضمها، ولا تفرق بين أجزائها، بل تجعل تناغم توجهاتها لازمًا. وكان الدستور إذ نص في المادة (35) على أن الملكية الخاصـــة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول ، فقد دل بذلك على أن ما يؤول للعباد ميراثًا في حدود أنصبتهم الشرعية، يعتبر من عناصر ملكيتهم التي لا يجوز لأحد أن ينال منها. وأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مقتضى صون الدستور للحق في الملكية الخاصة يتسع للأموال بوجه عام، ومن ثم انصرافها إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعًا، بما تغله من منفعة مالية بحسبانها من بين العناصر الإيجابية للذمة المالية، وكان مؤدى ذلك أن تنبسط هذه الحماية الدستورية على ما يؤول للوارث من حصة مالية سواء تعلقت بملكية الرقبة، أو بغلة الحصة التي آلت إليه بطرق الميراث، أو أية منفعة تنتج عنها.
متى كان ذلك، وكان المشرع في سعيه لتوطيد وحماية الحق في الإرث لكونه أحد مصادر الملكية الخاصة المكفول بنص المادة (35) من الدستور، قد واجه ظاهرة استشرت في المجتمع في العديد من الشرائح الاجتماعية، يجنح فيها البعض من الورثة وغيرهم ممن يضعون أيدِيَهم على التركة أو سندات إثباتها، إلى حرمان مستحقي حصة الوراثة من حقهم في الإرث، لأسباب مُنْبتَّة الصلة باستحقـاق الميراث، وكذلك ما تمليه عادات فاسدة تسود في بعض البيئات المغلقة من حرمان النسوة من تسلم حقوقهن في الإرث، أو غل أيديهن عن السندات المثبتة لحقوقهن، أو غير ذلك من الأسباب التي تُقعِد المستحقين عن المطالبة بحقهم في الميراث، فتصدى المشرع بالنص المطعون فيه لهذه الظاهرة، وأقام سياجًا من الحماية الجنائية، يرد به هذا الاجتراء على حقوقهم الشرعية، فعاقب بموجب هذا النص كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أيّ من الورثة الشرعيين، فإنه بذلك يكون قد استهدف تحقيق مصلحة اجتماعية جوهرية، حرص الدستور على التأكيد عليها في المادة (35) منه، قوامها صون الحق في الملكية الخاصة بصفة عامة، وضمان الحق في الإرث على وجه الخصوص، وكانت غاية المشرع من ذلك تفعيل الحماية الدستورية لانتقال الأموال بالميراث وصون هذا الحق. إذ كان ذلك، فإن النص المطعون فيه يكون قد أصاب مصلحة محل حماية دستورية، متخذًا وسيلة قانونية مبررة، قاصدًا من ذلك تحقيق الصالح العام، وتوطيد دعائم الشرعية الدستورية، الأمر الذي يبرر له التدخل بتجريم تلك الأفعال لإضفاء الحماية عليها.
وحيث إن المشرع - بما له من سلطة تقديرية - اتخذ من فعل الامتناع عن تسليم نصيب الوارث من التركة مناطًا لوقوع الجريمة، قاصدًا من ذلك أن يلقي التزامًا عامًّا على كل من يحوز- سواء أكان وارثًا أم لم يكن- نصيبًا يُستحق ميراثًا لغيره، أن يسلمه إليه، كما ألقى التزامًا على كل من يحوز سندًا يؤكد هذا النصيب، أن يظهره لمستحقي الحصــــة الموروثــــة، وأن يُسلم هــــذا السند متى كان متعينًا عليه تسليمه. وهـــو التزام يمتد إلى كل حق موروث، سواء أكان عقارًا أم منقولًا، وسواء أكان ذا قيمة مالية أم أدبية، في أحوال استحقاقه بطريق الميراث الشرعي. لما كان ذلك، وكان الالتزام بتسليم الأموال تتحدد معالمه، وتنضبط أحكامه بالقواعد العامة الحاكمة لهذا الالتزام، وقوامه أن يكون الحق المالي محقق الوجود، معين المقدار، حال الأداء، فإذا لم تتوافر في الحصة الموروثة أو مستنداتها الشروط السالفة، فلا ينهض التسليم التزامًا على حائزها، حتى ينحسم أمرها رضاءً أو قضاءً بحكم واجب النفاذ؛ ذلك أن الالتزام بتسليم الوارث حصته أو المستندات الدالة عليها، إنما يخضع لأحكام القوانين الموضوعية والإجرائية الحاكمة لاستحقاق الحقوق المدنية وتسليمها.
ولا مجال لمجاراة المدعي فيما نعى به من أن قعود المشرع عن اختيار فعل كالاستيلاء مناطًا لوقوع هذه الجريمة يمثل عيبًا دستوريًّا، لكون ذلك مردودًا بأن المشرع - بما له من سلطة تقديرية - قد أقام هذه الجريمة على فعل الامتناع، وهو فعل واضح الدلالة على نحو يُمكّن المخاطب بأحكامه من الوقوف على موجباته، بما ينفي عنه قالة التجهيل؛ ذلك أن الامتناع مناط وقوع الجريمة المؤثمة بالنص المطعون فيه، إنما ينضبط بسائر الضوابط القانونية لجرائم الامتناع العمدية، إذ لا يقع إلا من حائز المال الموروث، متى كان في سلطته القانونية والفعلية الوفاء بالتزامه بالتسليم، وما يوجبه ذلك - ابتداء - من العلم باستحقاق الوارث الحصة الموروثة أو سندها، وخلوها من المنازعة القانونية، واتجـاه إرادة الحائز للمال الموروث إلى الحيلولة دون تسليم الوارث حصته من المال، أو المستندات الدالة عليه. ليكون النكول عما أوجبه النص امتناعًا عمديًّا عن أداء واجب قانوني، تحددت معالمه على نحو قاطع.
وحيث إنه في شأن النعي على النص المطعون عليه الإخلال بأصل البراءة وضمانات المحاكمة المنصفة، والحق في الحرية الشخصية، والنيل من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فمردود من وجهة أولى: أن المشرع لم يعف النيابة العامة من إقامة الدليل على امتناع الحائز عمدًا عن تسليم الحصة الموروثة أو مستنداتها. ومن وجهة ثانية: لم يمنع المتهم بهذه الجريمة من مواجهة سائر الأدلة القائمة ضده نفيًا وتشكيكًا، فلم يحل بينه وبين حقه في نفي سائر عناصرها بطرق الإثبات كافة، سواء ما تعلق منها بنفي قيام الالتزام الموجب لتسليم الحصة الموروثة أو سندها، أو المنازعة في قدرته على الوفاء بهذا التسليم، أو في إثبات قيامه بالتسليم - فعلًا - بطرق الإثبات القانونية كافة، ومن جهة ثالثة: أسند المشرع الفصل في هذه الجريمة إلى جهة القضاء العادي المنصوص عليها في الدستور، بما تتمتع به من استقلال وحَيْدةٍ، تنظمها القواعد القانونية العامة للمحاكمة الجنائية التي تعقد الاختصاص للمحاكم الجنائية المختصة بنظر الجنح، بما يوفر ضمانات المحاكمة المنصفة، ويحفظ الحق في الحرية الشخصية، في إطار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
وحيث إنه عما نعى به المدعي من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة بين المخاطبين بأحكامه، فلما كان النص المشار إليه قد أحاط بسياج الحماية الجنائية سائر أحوال الامتناع عن تسليم الورثة نصيبهم، أو السندات الدالة عليها، أو حجبها عنهم، مساويًا في ذلك بين كل من يمتنع عن أيّ من هذه الالتزامات، ولم يقصر حكمه على امتناع الوارث فحسب، بل بسطه على كل من يحوز حصة ميراثية، أو سندًا مثبتًا لها، ولو لم يكن وارثًا، ودون أن يقيم تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامه، وإنما شمل حكمه - بعموم عباراته - كل أحوال الامتناع عن التسليم المقرر بموجب هذا النص، دون الوقوف عند فرض بعينه من فروض تحقق الجريمة؛ ومن ثم فإن النعي بمخالفة هذا النص لمبدأ المساواة يضحى قائمًا على غير سند، ويتعين - تبعًا لذلك - الالتفات عنه.
وحيث إنه في مجال تناسب العقوبة المرصودة في النص المطعون فيه لمن يخالف أحكامه، متمثلة في عقوبتي: الحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد عن مائة ألف جنيه، وأجاز للمحكمة أن تكتفي بإحدى هاتين العقوبتين، ولم يحل بينها وبين سلطتها في وقف تنفيذ أيهمـا أو كليهما؛ تحقيقًا لتفريد العقوبة لما يتناسب مع كل حالة على حدة. وكانت هذه العقوبات قد اتسمت بالمعقولية، ولم تحل بين المحكمة الجنائية وتفريدها بحسب جسامة كل فعل، وخطورة كل جانٍ، وأجاز الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة، ولو بعد صدور الحكم البات فيها، فإنه يكون قد تخير عقوبات انضبطت بتخوم الدستور، ووافقت أحكامه، وسلمت من مظنة انتهاكه، الأمر الذي يكون معه هذا النعي قد قام على غير سند، متعينًا طرحه.
وحيث إنه عما نعى به المدعي على النص المطعون فيه قطع الروابط الأسرية، والنيل من السلام الاجتماعي، فمردود بانتفاء الصلة بين عقوبة واجهت فعلًا مؤثَّمًا يرتكبه وارث أو حائز لنصيب موروث، على نحو ما تقدم بيانه، وبين روابط أسرية قوامها الدين والأخلاق والوطنية، تلتئم بتوافرها، وتتبدد بانحسارها، وليس لها من صلة بمن تسول له نفسه الاجتراء على حقوق مالية لغيره من الورثة، فشأن ذلك أن تكون مواجهته بنصوص عقابية تردعه، بعدما أخفقت الروابط الأسرية الحقة في تقويمه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي حكم آخر في الدستور، ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن 679 لسنة 12 ق جلسة 23 / 11 / 1968 إدارية عليا مكتب فني 14 ج 1 ق 10 ص 79

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبه المستشارين.

------------------

(10)

القضية رقم 679 لسنة 12 القضائية

(أ) - أعمال السيادة 

- القرارات التي تعتبر من أعمال السيادة وفقاً لحكم المادة 12 من قانون مجلس الدولة - هي القرارات الجمهورية بإسقاط ولاية الوظيفة عن غير الصالحين لأداء الخدمة العامة - لا تشمل القرارات الصادرة بتعيين موظفي وزارة في وزارة أخرى إذا ما أجاز القانون ذلك ولا القرارات الصادرة بالنقل من وظيفة إلى أخرى - أثر ذلك.
(ب) - نيابة إدارية 

- قواعد تقدير كفاية أعضاء النيابة الإدارية - ورودها في الفصل السادس من اللائحة الداخلية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 - لم تشترط أن يشتمل التقرير على فحص أعمال العضو فترة معينة أو أن يكون عن أعمال سنة كاملة وأن يعرض على لجنة شئون الأعضاء الفنيين للنيابة الإدارية لاعتماده.

--------------------

1 - إن القرارات التي تعتبر من أعمال السيادة وفقاً لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة، هي القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية التي تتضمن إسقاط ولاية الأشخاص الذين تتبين الحكومة أنهم غير صالحين لأداء الخدمة العامة، سواء بإحالتهم إلى الاستيداع أو المعاش أو بفصلهم، فلا يدخل في ضمنها القرارات التي لا تستهدف تحقيق هذا الأثر، وهو تنحية الموظف عن الخدمة العامة كالقرارات الصادرة بتعيين موظفي وزارة في وزارة أخرى إذا ما أجاز القانون ذلك، والقرارات الصادرة بالنقل من وظيفة إلى أخرى، ولذلك فلا تشملها الحصانة التي أراد المشرع إضفاءها على القرارات المشار إليها في المادة 12 سالفة الذكر.
2 - إن القواعد الخاصة بتقدير كفاية أعضاء النيابة الإدارية وردت في الفصل السادس من اللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958، فقد نصت المادة 30 من اللائحة على ما يأتي:
"يقدم المفتشون الفنيون ورؤساء الإدارات إلى الوكلاء العامين المختصين تقديراتهم عن درجة كفاية الأعضاء في حدود اختصاصاتهم، ويقدم هؤلاء الوكلاء تقريراً برأيهم في هذه التقديرات وتقدم هذه التقارير إلى المدير العام للنيابة الإدارية في الأسبوع الأول من شهري يناير ويوليه وفي أي موعد آخر يحدده المدير العام". وتنص المادة 31 على ما يأتي:
"تقدر درجة كفاية عضو النيابة الإدارية بأحد التقديرات الآتية: كفء - فوق الوسط - وسط - دون الوسط، مع مراعاة حالته من حيث استقامته وسلوكه الشخصي وقدر كفايته في العمل وعنايته به ومبلغ استعداده لتحمل المسئولية، ومدى قدرته على الابتكار وغير ذلك من عناصر التقدير". ومفاد هذه النصوص أن القانون نظم كيفية إعداد تقارير درجة كفاية أعضاء النيابة الإدارية، ورسم المراحل والإجراءات التي تمر بها حتى تصبح نهائية، فأوجب أن يحررها المفتشون الفنيون أو رؤساء الإدارات على أن تقدم إلى الوكلاء العامين المختصين ليقدموا تقريراً برأيهم فيما ورد من تقديرات لدرجة الكفاية، ثم ترفع إلى المدير العام للنيابة الإدارية ليضع تقدير درجة الكفاية مع مراعاة العناصر التي أوردتها المادة 31 المشار إليها، فإذا ما انتهى تقدير درجة كفاية العضو على النحو المتقدم أصبح التقدير نهائياً، ولم يشترط المشرع أن يشتمل التقرير على فحص أعمال العضو فترة معينة أو أن يكون عن أعمال سنة كاملة أو أن يعرض على لجنة شئون الأعضاء الفنيين للنيابة الإدارية لاعتماده، كما هو الشأن بالنسبة إلى العاملين الذين كان ينطبق عليهم قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أو قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 ولذلك فلا يمكن النعي بالبطلان على تقرير مقدم عن أحد أعضاء النيابة الإدارية بدعوى أنه لم يقدم عن أعمال سنة كاملة أو لم يمر بالمراحل التي اعتبرتها قوانين التوظف الخاصة بطوائف أخرى من العاملين، من المراحل الجوهرية التي يترتب على تخلفها بطلان التقرير، بل أن المناط في هذا الشأن هو أحكام قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 واللوائح التي صدرت تنفيذاً لأحكامه، وهي لم تستوجب اتباع تلك المراحل والإجراءات ولذلك فلا يترتب على تخلفها أي بطلان. 


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 557 لسنة 16 القضائية ضد السادة مدير عام النيابة الإدارية ووزير الدولة لشئون النيابة الإدارية ووزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 22 من فبراير سنة 1962 طالباً الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 1355 لسنة 1961 الصادر في 26 من أغسطس سنة 1961 بنقله إلى وزارة التربية والتعليم في وظيفة من الدرجة الثالثة بالكادر العالي وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه كان يشغل وظيفة وكيل أول بالنيابة الإدارية ورغم قيامه بعمله على أحسن وجه وأكمله، فقد صدر القرار المطعون فيه متضمناً نقله إلى وزارة التربية والتعليم، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون للأسباب الآتية:
أولاً: لم تلتزم الجهة الإدارية القواعد الواجبة الاتباع طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 183 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام قانون النيابة الإدارية، والتي أجازت النقل بتقرير مسبب، ومعنى ذلك أن تقوم حالة واقعية أو قانونية تبرر النقل، وإذ لم يقم أي سبب من أسباب عدم الصلاحية يبرر نقله كما أن المآخذ التي أخذت عليه بشأن تأخير فتح المحاضر في بعض القضايا لا يمكن أن يعتبر سبباً حقيقياً يكفي لنقله إلى خارج النيابة الإدارية فمن ثم يكون القرار مخالفاً للقانون.
ثانياً: انحرفت جهة الإدارة في استعمال سلطتها عندما نقلته إلى وظيفة من الدرجة الثالثة بالكادر العالي، ذلك لأن مربوط درجة وكيل نيابة إدارية من الفئة الممتازة من 45 جم - 90 جم شهرياً ومتوسط مربوطها 67 جنيه و500 مليم وهو ما يزيد على أول مربوط الدرجة الثانية، ولذلك كان يجب نقله إلى هذه الدرجة لا إلى الدرجة الثالثة من شأنه أن يؤثر على حقوقه المكتسبة لأن علاوته الدورية ستخفض من خمسة جنيهات إلى ثلاثة جنيهات ونصف. كما يخالف هذا النقل ما أفتى به ديوان الموظفين من أن نقل وكلاء النيابة من الفئة الممتازة، إنما يكون إلى الدرجة الثانية وليس إلى الثالثة.
ردت جهة الإدارة على الدعوى بأن المشرع رأى تمكين جهة الإدارة لفترة محددة من إعفاء أعضاء النيابة الإدارية الذي أثبت العمل عدم صلاحيتهم للقيام بمهامهم الخطيرة في الإشراف والرقابة على الجهاز الحكومي ولهذا أصدر القانون رقم 183 لسنة 1960 مقرراً جواز نقل أعضاء النيابة الإدارية على الوجه وخلال المدة المبينة في المادتين الثانية والثالثة من القانون وجددت هذه المدة لسنة أخرى بقرار رئيس الجمهورية رقم 712 الصادر في 16 من يونيه سنة 1961 وتنفيذاً لأحكام هذا القانون اجتمعت لجنة شئون الأعضاء الفنيين للنيابة الإدارية المنصوص عليها في المادة 35 من القانون رقم 117 لسنة 1958 وانتهت في جلستها المنعقدة في 17 من مايو سنة 1961 إلى وضع القواعد التي على أساسها ينقل أعضاء النيابة الإدارية إلى الوظائف الأخرى، فبالنسبة إلى وكلاء النيابة من الفئة الممتازة رأت أن ينقل كل عضو قدرت درجة كفايته عن سنتي 1959، 1960 بدرجة دون المتوسط أو لم يزد تقدير كفايته في أحد هذين التقريرين عن درجة وسط إذا كان قد شاب مسلكه بعض الشوائب أو ثبت تراخيه الشديد في العمل، وقد طبقت هذه القاعدة على المدعي إذ قدرت درجه كفايته عن سنتي 1959، 1960 بدرجة دون الوسط فضلاً عن أنه ثبت تراخيه الشديد في عمله مما استوجب إنذاره بقرار مدير النيابة الإدارية رقم 54 بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1960، وإذ كان القرار المطعون فيه هو قرار نقل إلى وظيفة لا تقل درجتها عن درجة الوظيفة المنقول منها كما أنه صدر استناداً إلى القانون 183 لسنة 1960 ولم ينطو على أي قرار آخر مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة فمن ثم فإن النظر في طلب إلغائه يخرج عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. أما بالنسبة إلى موضوع الدعوى فقالت إدارة قضايا الحكومة إن السببين اللذين استند إليهما المدعي لإلغاء القرار المطعون فيه، على أساس غير سليم من القانون ذلك لأنه بالنسبة للسبب الأول فالظاهر مما تقدم أن شروط القاعدة التي وضعتها اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من القانون توافرت في المدعي بشطريها ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون مستنداً إلى أسباب صحيحة، وأما بالنسبة إلى ما ذكره من أنه كان يجب أن ينقل إلى الدرجة الثانية المعادلة لوظيفته لا إلى الدرجة الثالثة، فهو مردود أيضاً بأن المشرع وضع قاعدة محددة نصت عليها المادة الثانية من القانون 183 لسنة 1960 المشار إليه مؤداها أن ينقل العضو إلى درجة مالية يدخل مرتبه في حدود مربوطها، وقد عومل المدعي على هذا الأساس ومن ثم تكون دعواه حقيقة بالرفض.
ومن حيث إنه بجلسة 19 من يناير سنة 1966 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وباختصاصها، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، وأقامت قضاءها بالنسبة إلى الدفع على أن نقل المدعي من وظيفة وكيل نيابة إدارية من الفئة الممتازة إلى وظيفة من الدرجة الثالثة بالكادر العالي بوزارة التربية والتعليم، وهو نقل من وظيفة إلى أخرى مغايرة لها في الطبيعة سواء من حيث الاختصاصات أو شروط التعيين في كل منهما، وعلى ذلك فالمسألة في حقيقتها بمثابة التعيين في الوظيفة الجديدة، وعلى هذا النحو يدخل النظر في طلب إلغاء قرار النقل في اختصاص محكمة القضاء الإداري، أما بالنسبة إلى الموضوع فقالت المحكمة إن اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية وضعت قاعدة تنظيمية عامة مقتضاها نقل كل عضو قدرت درجة كفايته لسنتي 1959، 1960 بدرجة دون المتوسط، وكل من لم يزد تقدير مرتبة كفايته في إحدى هذين التقريرين عن درجة الوسط إذا كان قد شاب مسلكه بعض الشوائب أو ثبت تراخيه الشديد في عمله وقد وافقت اللجنة على نقل المدعي من وظيفته لأن كفايته قدرت بدرجة تقل عن المتوسط في تقريري 1959، 1960 فضلاً عن أنه ثبت تراخيه الشديد في عمله مما استوجب إنذاره، غير أنه يتضح من الاطلاع على تقريري درجة الكفاية المشار إليهما أن أولهما لا يمثل إلا نصف سنة بالنسبة لأعماله سنة 1959 فقد وضع عن عمل المدعي في المدة من 1 يوليه سنة 1959 إلى 31 من ديسمبر سنة 1959 والثاني لا يمثل إلا المدة من أول يناير سنة 1960 حتى أول يوليه سنة 1960 ومن ثم فإن التقريرين المشار إليهما لا يمثلان تقدير المدعي عن سنتي 1959، 1960 تقديراً مستمداً من تقريرين نهائيين أقرتهما لجنة شئون الأعضاء الفنيين بالنيابة الإدارية وعلى هذا ينعدم السبب الذي استندت إليه اللجنة في نقل المدعي كما أن اللجنة لم تلتزم القاعدة المجردة التي وضعتها مما يعيب القرار المطعون فيه ويبطله.
ومن حيث إن مبنى الطعن - كما جاء بعريضة الطعن وبمذكرات أداة قضايا المحكمة - "أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه من وجهين: أولهما أن القرار المطعون فيه قرار نقل تنفيذاً لأحكام القانون رقم 183 لسنة 1960 ولا يختص مجلس الدولة بنظر طلبات إلغاء قرارات النقل إلا إذا انطوت على قرار مقنع مما يدخل في اختصاصه، ومن ثم فإن قرار نقل المطعون ضده طبقاً لأحكام القانون المشار إليه وتنفيذاً له وما دام لم ينطو على قرار آخر، يخرج الفصل في طلب إلغائه عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، وإذا صح جدلاً منطق الحكم من أن القرار في حقيقته بمثابة التعيين في الوظيفة الجديدة، لكان مؤدى ذلك أن يكون المدعي قد فصل من وظيفته الأولى بقرار من رئيس الجمهورية وبغير الطريق التأديبي، وعين في الوظيفة الجديدة، وإذ كان المدعي يهدف إلى إلغاء قرار فصله من وظيفته الأولى، فإن القضاء الإداري يصبح أيضاً غير مختص بنظر الدعوى طبقاً لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة. والوجه الثاني: أنه طبقاً لنص المادة الثانية من القانون رقم 183 لسنة 1960 يتم النقل بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح مدير النيابة الإدارية بعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية بقرار مسبب، ولم تشترط المادة أية شروط أخرى، فركن السبب في القرار ليس التقارير السرية بل موافقة اللجنة واقتراح مدير النيابة الإدارية، وإذا كانت اللجنة المشار إليها قد وضعت قواعد لإجراء النقل، غير أن هذه القواعد لا تعتبر قواعد تنظيمية عامة تلتزم اللجنة بالسير على مقتضاها، وتنعدم إزاءها كل سلطة تقديرية لها ذلك لأنها من وضعها لتكون دليلاً للعمل، ولكن اللجنة تملك مع ذلك السلطة المطلقة في التقدير، فالقانون لم يقيد سلطتها بأية قواعد وإنما فرض فقط أن تكون موافقتها على النقل بقرار مسبب، وعلى أية حال فإن اللجنة لم تخرج عن القواعد التي وضعتها فقد قدرت كفاية المدعي في عامي 1959، 1960 بدرجة "أقل من الوسط" وليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم من أنه لم يقدم عن المدعي تقارير نهائية ذلك لأن التقريرين استوفيا مراحلهما طبقاً للمادة 30 من اللائحة الداخلية للنيابة الإدارية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 489 لسنة 1958 والتي لا تشترط أن يعرض التقرير على اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية لاعتماده، بل ولا يوجد أي اختصاص لتلك اللجنة في شأن تقدير درجة الكفاية عن السنة المقدم عنها بأكملها، ويترتب على ذلك أن يكون التقريران المقدمان عن المدعي في سنتي 1959، 1960 صحيحين ويمثل التقدير الوارد فيهما كفايته عن هاتين السنتين، وهذا فضلاً عما ثبت من تراخي المدعي الشديد في العمل الأمر الذي استوجب إنذاره فضلاً عن أن اللجنة المشار إليها لم تضمن القواعد التي وضعتها في شأن نقل وكلاء النيابة شرطاً يفيد أن تكون التقارير المقدمة عن الأعضاء عن سنوات كاملة وإنما قررت الاعتماد على تقديرين متتاليين بحيث يكشفان عن حالة العضو، ويترتب على ذلك كله أن اللجنة لم تخطئ أو تتجاوز حدود سلطتها فيما انتهت إليه من رأي في شأن نقل المطعون ضده من وظيفته بالنيابة الإدارية إلى وظيفة عامة أخرى.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من الطعن المتعلق بالاختصاص فإن الأسباب التي أوردها الحكم المطعون فيه تكفي للرد عليه، ومحصلها أن نقل أعضاء النيابة الإدارية من وظائفهم إلى وظائف أخرى في الكادر العام، هو نقل من وظيفة إلى أخرى مغايرة لها في الطبيعة سواء من حيث شروط التعيين أو الاختصاصات، وبهذه المثابة فلا يكون القرار الصادر بالنقل قرار نقل مكاني، وإنما هو بمثابة قرار التعيين في الوظيفة الجديدة ويدخل الطعن فيه على هذا الوجه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة. وأما بالنسبة إلى ما ذهبت إليه إدارة قضايا الحكومة من أن القرار المطعون فيه تضمن فصل المدعي من وظيفته بالنيابة الإدارية من غير الطريق التأديبي، وتعيينه في وظيفة أخرى، مما يترتب عليه خروج القرار في شقه الخاص بالفصل عن ولاية مجلس الدولة عملاً بنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة التي تنص على ما يأتي:
"لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي" فإنه دفاع على غير أساس ذلك لأن القرارات التي تعتبر من أعمال السيادة وفقاً لنص المادة سالفة الذكر حسب مفهومها الصحيح وأخذاً بما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل المادة 12 من قانون مجلس الدولة، هي القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية التي تتضمن إسقاط ولاية الوظيفة عن الأشخاص الذين تتبين الحكومة أنهم غير صالحين لأداء الخدمة العامة، سواء بإحالتهم إلى الاستيداع أو المعاش أو بفصلهم، فلا يدخل في ضمنها القرارات التي لا تستهدف تحقيق هذا الأثر، وهو تنحية الموظف عن الخدمة العامة كالقرارات الصادرة بتعيين موظفي وزارة في وزارة أخرى إذا ما أجاز القانون ذلك، والقرارات الصادرة بالنقل من وظيفة إلى أخرى، ولذلك فلا تشملها الحصانة التي أراد المشرع إضفاءها على القرارات المشار إليها في المادة 12 سالفة الذكر ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني من الطعن المتعلق بالموضوع فإنه يبين من تقصي المراحل الخاصة بإعادة تنظيم النيابة الإدارية، أن المشرع رأى أن يمكن الجهة الإدارية المختصة من نقل الأعضاء الذين يقتضي الصالح العام إبعادهم عن النيابة الإدارية إلى وظائف أخرى، فأصدر القانون رقم 183 لسنة 1960 الذي عمل به اعتباراًً من 13 من يونيه سنة 1960 متضمناً النص في مادته الثانية على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح مدير النيابة الإدارية وبعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من هذا القانون بتقرير مسبب نقل أعضاء النيابة الإدارية إلى وظائف عامة في الكادر العالي في درجة مالية تدخل مرتباتهم عند النقل في حدود مربوطها أو أول مربوط الوظيفة التي يشغلونها" كما نصت المادة الثالثة على أن يعمل بهذا الحكم لمدة سنة من تاريخ العمل بهذا القانون يجوز تجديدها بقرار من رئيس الجمهورية - وقد جددت هذه المدة سنة أخرى بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 712 لسنة 1961.
ومن حيث إنه تنفيذاً للأحكام المشار إليها اجتمعت اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية ووضعت القواعد التي رأت اتباعها في شأن نقل أعضاء النيابة الإدارية إلى الوظائف العامة الأخرى، وتتحصل حسبما جاء بقرارها الصادر بجلسة 17 من مايو سنة 1961 في "الاعتماد على آخر تقديرين لدرجة الكفاية وهما التقديران المستمدان من التقريرين النهائيين عن سنتي 1959، 1960 اللذين عمل فيهما بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 ولائحته التنفيذية والتعليمات العامة المنظمة لسير الأعمال الفنية، ورأت اللجنة أن الاعتماد على تقريرين متواليين يكشف عن أن حال عضو النيابة قد استقر عند تقدير درجة كفايته على نحو معين، وانتهت اللجنة إلى اقتراح نقل كل من قدرت درجة كفايته في هذين التقريرين بدرجة "دون المتوسط" وكل من لم يزد تقدير مرتبة كفايته في أحد هذين التقريرين عن درجة "وسط" إذا كان قد شاب مسلكه بعض الشوائب أو ثبت تراخيه الشديد في عمله" ثم استعرضت اللجنة "على ما هو ثابت في محضرها المشار إليه" ملفات وكلاء النيابة الإدارية من الفئة الممتازة والتقارير الخاصة بدرجة كفايتهم وانتهت إلى أن القواعد المشار إليها تنطبق على المطعون ضده لأن درجة كفايته قدرت بدرجة "أقل من المتوسط" في عامي 1959، 1960 ولتراخيه الشديد في عمله مما استوجب إنذاره.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بإلغاء القرار الصادر بنقل المطعون ضده إلى أن تقديري درجة الكفاية المقدمين لا يمثل أولهما إلا نصف سنة بالنسبة لأعماله في سنة 1959 ولا يمثل الثاني إلا النصف الأول من سنة 1960 ومن ثم فإنهما لا يمثلان تقدير كفاية المدعي عن السنتين تقديراً مستمداً من تقريرين نهائيين أقرتهما لجنة شئون الأعضاء الفنيين بالنيابة الإدارية، وعلى هذا ينعدم السبب الذي استندت إليه اللجنة في نقله، كما أن اللجنة لم تلتزم القاعدة المجردة التي وضعتها مما يعيب القرار الذي صدر بالاستناد إلى قرارها ويبطله.
ومن حيث إن القواعد الخاصة بتقدير كفاية أعضاء النيابة الإدارية وردت في الفصل السادس من اللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958، فقد نصت المادة 30 من اللائحة على ما يأتي: "يقدم المفتشون الفنيون ورؤساء الإدارات إلى الوكلاء العامين المختصين تقديراتهم عن درجة كفاية الأعضاء في حدود اختصاصاتهم، ويقدم هؤلاء الوكلاء تقريراً برأيهم في هذه التقديرات، وتقدم هذه التقارير إلى المدير العام للنيابة الإدارية في الأسبوع الأول من شهري يناير ويوليه وفي أي موعد آخر يحدده المدير العام" وتنص المادة 31 على ما يأتي "تقدر درجة كفاية عضو النيابة الإدارية بأحد التقديرات الآتية: كفء - فوق الوسط - وسط - دون الوسط، مع مراعاة حالته من حيث استقامته وسلوكه الشخصي وقدر كفايته في العمل وعنايته به ومبلغ استعداده لتحمل المسئولية، ومدى قدرته على الابتكار وغير ذلك من عناصر التقدير". ومفاد هذه النصوص أن القانون نظم كيفية إعداد تقارير درجة كفاية أعضاء النيابة الإدارية، ورسم المراحل والإجراءات التي تمر بها حتى تصبح نهائية، فأوجب أن يحررها المفتشون أو رؤساء الإدارات على أن تقدم إلى الوكلاء العامين المختصين ليقدموا تقريراً برأيهم فيما ورد من تقديرات لدرجة الكفاية، ثم ترفع إلى المدير العام للنيابة الإدارية ليضع تقدير درجة الكفاية مع مراعاة العناصر التي أوردتها المادة 31 المشار إليها، فإذا ما انتهى تقدير درجة كفاية العضو على النحو المتقدم أصبح التقدير نهائياً، ولم يشترط المشرع أن يشتمل التقرير على فحص أعمال العضو فترة معينة أو أن يكون عن أعمال سنة كاملة أو أن يعرض على لجنة شئون الأعضاء الفنيين للنيابة الإدارية لاعتماده، كما هو الشأن بالنسبة إلى العاملين الذين كان ينطبق عليهم قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أو قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 ولذلك فلا يمكن النعي بالبطلان على تقرير مقدم عن أحد أعضاء النيابة الإدارية بدعوى أنه لم يقدم عن أعمال سنة كاملة أو لم يمر بالمراحل التي اعتبرتها قوانين التوظف الخاصة بطوائف أخرى من العاملين، من المراحل الجوهرية التي يترتب على تخلفها بطلان التقرير بل إن المناط في هذا الشأن هو أحكام قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 واللوائح التي صدرت تنفيذاً لأحكامه، وهي لم تستوجب اتباع تلك المراحل والإجراءات ولذلك فلا يترتب على تخلفها أي بطلان.
ومن حيث إنه في ضوء القواعد المتقدمة فإن العبارة التي وردت في قرارات اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية الصادرة بجلسة 17 من مايو سنة 1961 المشار إليها فيما تقدم والتي يجرى نصها على الوجه الآتي: "الاعتماد على آخر تقريرين لدرجة الكفاية وهما التقديران المستمدان من التقريرين النهائيين عن سنتي 1959، 1960" لا تفسر هذه العبارة في ظل القواعد التنظيمية الخاصة بتقدير درجة كفاية الأعضاء، إلا على أساس أن اللجنة قصدت الاستناد إلى التقريرين النهائيين المقدمين عن الأعضاء في هاتين السنتين، يؤيد ذلك ويؤكده أن اللجنة لم تضمن قرارها أنها قصدت معنى آخر غير هذا المعنى أو أن التقارير المقدمة عن الأعضاء يجب أن تتناول أعمال العضو طوال السنة التي قدم عنها التقرير.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى أوراق الطعن أن المدعي قدم عنه تقريران عن سنتي 1959، 1960 قدرت كفايته في أولها بدرجة يقرب من المتوسط وقدرت كفايته في الثاني بدرجة أقل من الوسط وقد ورد في تقرير التفتيش الخاص بسنة 1959 أن العضو تراخى في إنجاز بعض القضايا ولهذا أشر السيد مدير عام النيابة الإدارية بإجراء محضر مستقل يخصص للإهمال الذي وقع من العضو وفعلاً أجري تحقيق خاص بهذه الواقعة انتهى بتوقيع عقوبة الإنذار على المطعون ضده بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1960 لما ثبت في حقه من إهماله في عمله إهمالاً جسيماً وتراخيه في أدائه بصورة واضحة.
ومن حيث إنه يتضح من ذلك أن القاعدة التي وضعتها اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون النيابة الإدارية تنطبق في حق المدعي بشطريها ذلك لأن كفايته قدرت بدرجة أقل من الوسط في تقريري عامي 1959، 1960 كما ثبت تراخيه الشديد في عمله مما استوجب أن توقع عليه عقوبة الإنذار بقرار من مدير عام النيابة الإدارية.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن التقريرين المقدمين عن المدعي لم يشملا تقدير الكفاية عن السنتين بأكملهما كما أنهما لم يعرضا على اللجنة المختصة المنصوص عليها في المادة 35 من القانون لتسجيل درجة الكفاية - لا اعتداد بذلك - لأن اللائحة الداخلية وقرار اللجنة المختصة لم يشترطا أن يكون تقرير الكفاية المقدم عن العضو عن سنة كاملة، كما أن اللائحة الداخلية لم تشترط ليكون التقرير نهائياً أن يعرض على اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من القانون لاعتماده، بل ولم يخول المشرع هذه اللجنة أي اختصاص في شأن تقدير درجة كفاية الأعضاء.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره المطعون ضده في عريضة دعواه من أنه نقل إلى وظيفة من الدرجة الثالثة في حين أنه كان يجب نقله إلى الدرجة الثانية أو أن القرار مس بحقوقه في العلاوة المستقبلة إذ سيترتب على نقله نقصان علاوته المستقبلة من خمسة جنيهات إلى ثلاثة جنيهات ونصف، فإن هذا الدفاع على غير أساس، ذلك لأنه بالنسبة إلى الأمر الأول فقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 183 لسنة 1960 على أن يوضع عضو النيابة الإدارية عند نقله في درجة يدخل مرتبه في حدود مربوطها، وإذا كان مرتب المطعون ضده عند النقل هو 57.500 مليمجـ شهرياً ووضع في الدرجة الثالثة ذات المربوط من 45 ج - 90 ج شهرياً فمن ثم يكون قد عومل المعاملة التي أوجبها القانون، وأما بالنسبة إلى مقدار العلاوة المستقبلة فليس من شك في أن المطعون ضده أصبح معاملاً منذ نقله بأحكام قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 ثم بالقانون رقم 46 لسنة 1964 فإنه يستحق العلاوات الدورية المستقبلة طبقاً للأحكام المنصوص عليها في هذين القانونين ولا يكون له أي حق مكتسب في الحصول على العلاوة بفئتها المنصوص عليها في قانون النيابة الإدارية بعد إذ انقطعت صلته بهذا الكادر الخاص منذ نقله إلى إحدى وظائف الكادر العام.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أنه لما كان نقل المطعون ضده قد تم طبقاً لأحكام القانون رقم 183 لسنة 1960 وخلال الفترة المحددة بقرار رئيس الجمهورية رقم 712 لسنة 1961 بناء على اقتراح مدير النيابة الإدارية وبعد موافقة اللجنة المنصوص عليها في المادة 35 من القانون رقم 117 لسنة 1958 ووفقاً للقواعد التي وضعتها تلك اللجنة، فإن القرار المطعون فيه الصادر بهذا النقل يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وتكون الدعوى بطلب إلغائه على غير أساس من القانون حقيقة بالرفض، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه، بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.

الطعن 290 لسنة 24 ق جلسة 5 / 3 / 1959 مكتب فني 10 ج 1 ق 29 ص 189

جلسة 5 من مارس سنة 1959

برئاسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: عثمان رمزي، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، ومحمد رفعت المستشارين.

----------------

(29)
الطعن رقم 290 سنة 24 ق

دعوى "مصروفات الدعوى". رسوم قضائية. اختصاص. 

تنظيم القانون رقم 91 لسنة 1944 طريقة التقدير والمعارضة في الرسوم أمام المحاكم الشرعية. قضاء الجمعية العمومية لمحكمة النقض بوقف تنفيذ حكم شرعي. ليس من شأنه أن يضفي على المحكمة المدنية ولاية الفصل في المنازعة التي تدور حول هذه الرسوم. الاختصاص في هذا الصدد يظل معقوداً للمحكمة الشرعية.

------------------
نظمت المواد 18 و19 و20 من القانون رقم 91 لسنة 1944 بشأن رسوم الدعاوى أمام المحاكم الشرعية طريقة تقدير هذه الرسوم والمعارضة في أوامر تقديرها والمنازعة بشأنها مما تختص به المحاكم الشرعية، فإذا كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليها الأولى قد ترسمت هذا الطريق وعارضت في قائمتي الرسوم المعلنتين لها بناءً على طلب قلم الكتاب أمام المحكمة الشرعية، وكان قضاء الجمعية العمومية لمحكمة النقض بوقف تنفيذ الحكم الشرعي فيما قضى به من تسليم الأعيان موضوع النزاع لا يضفي على المحكمة المدنية ولاية الفصل في المنازعة التي تدور حول هذه الرسوم بين قلم الكتاب وطرفي الخصومة - وإنما يظل الاختصاص في هذا الصدد معقوداً للمحكمة الشرعية، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها الأولى (الجمعية اليونانية) أقامت الدعوى رقم 1690 كلي الإسكندرية على المطعون عليها الثانية (بطريركية الروم الأرثوذكس) وعلى الطاعنين أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية وقالت في بيان دعواها إن البطريركية نازعتها في ملكية قطعتي أرض آلت إليها إحداها من المرحوم ميشيل توسينا والأخرى من المرحوم صفرينوس البطريرك السابق مما اضطرها لمقاضاتها أمام المحاكم المختلطة طالبة الحكم لها بملكية الأرض - وقضى لها بذلك ابتدائياً وتأيد الحكم استئنافياً في 27/ 5/ 1947 فأقامت البطريركية ضدها دعوى أمام المحكمة الشرعية وطلبت الحكم بصحة الوقف وتسليم الأعيان وقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية في الدعوى المذكورة رقم 13 سنة 46 - 47 له بطلباته بتاريخ 24/ 6/ 1948 وأيدت المحكمة الشرعية العليا هذا الحكم في 28/ 6/ 1950 - وأن قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية استصدر ضدها في 21 من أغسطس سنة 1950 قائمة رسوم بمبلغ 11247 جنيهاً و200 مليم باعتبارها باقي الرسوم المستحقة على الدعوى الابتدائية كما استصدر قلم كتاب المحكمة العليا الشرعية في 28 أغسطس سنة 1950 قائمة رسوم أخرى مماثلة باعتبارها باقي رسوم الاستئناف وأنها قد عارضت في هاتين القائمتين بقلم كتاب كل من المحكمتين الشرعيتين. وتقرر وقف السير في المعارضة في قائمة رسوم الاستئناف إلى أن يفصل في المعارضة المنظورة أمام المحكمة الابتدائية وانتهت الجمعية اليونانية إلى طلب الحكم أولاً - بوقف تنفيذ الحكم الشرعي رقم 13 سنة 46 - 47 (المؤيد استئنافياً) وكذا وقف تنفيذ مصاريفه. وثانياً - إلزام البطريركية بالمصاريف والأتعاب والنفاذ مع التنبيه على قلم الكتاب بعدم تنفيذ قانون الرسوم الخاص بالدعويين سالفتي الذكر لحين الفصل في هذه الدعوى - ولما كانت الجمعية اليونانية قد عرضت على الجمعية العمومية لمحكمة النقض أمر التعارض بين الحكمين المختلط والشرعي وطلبت وقف تنفيذ الحكم الشرعي الاستئنافي - وقضى لها بوقف تنفيذه فيما قضى به من تسليم الأرض موضوع النزاع، وذلك في 19/ 5/ 1951 فقد قصرت طلباتها على وقف تنفيذ قائمتي الرسوم - دفع قلما الكتاب بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأنها بمثابة معارضة في قائمة الرسوم الصادرة من المحكمة الشرعية مما تختص هي به لا مما تختص به المحاكم المدنية - كما دفعا بعدم قبول الدعوى لأنها معارضة على معارضة فهي غير جائزة ما دامت هناك معارضة أخرى مرفوعة أمام المحاكم الشرعية المختصة - كما طلبا رفض الدعوى موضوعاً لأن من حق قلم الكتاب أن يستوفي رسوم الدعوى من الخصم المحكوم عليه بالمصاريف - وبتاريخ 20 من مايو سنة 1952 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية في هذه الدعوى حضورياً برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية بنظر النزاع وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لقيامها أمام المحاكم الشرعية وفي الموضوع بوقف تنفيذ قائمتي الرسوم المعلنتين للمدعي (الجمعية اليونانية) في 31/ 8/ 1950 و9/ 9/ 1950 وإلزام المدعى عليهما الثاني والثالث (قلما الكتاب) بالمصاريف وبمبلغ 10 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة فاستأنف قلما الكتاب هذا الحكم بالاستئناف رقم 281 سنة 8 ق. وفي 22 من إبريل سنة 1954 قضت فيه محكمة استئناف الإسكندرية بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف بالمصاريف ومبلغ 10 جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليه الأول (الجمعية اليونانية) ومبلغ 5 جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليه الثاني (البطريركية) وقد طعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وأصر الطاعنان على طلباتهما وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التي انتهت فيها إلى طلب رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره أمامها صممت النيابة على رأيها السابق بيانه.
ومن حيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية بنظر الدعوى قد أخطأ تطبيق القانون - ذلك أن المحاكم المدنية لا تختص بالنظر في الدعاوى المرفوعة بشأن قوائم الرسوم الصادرة من المحاكم الشرعية إذ تختص هذه المحاكم وحدها بنظر تلك الدعاوى عملاً بالمواد 18، 19، 20 من القانون رقم 91 لسنة 1944 الخاص بالرسوم أمام المحاكم الشرعية.
ومن حيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه فيما قضى من رفض الدفع بعدم الاختصاص أنه ورد به في هذا الخصوص ما يلي "ومن حيث إن هذه المحكمة ترى أن المحاكم المدنية الكلية هي المحاكم الأصلية التي يطرح عليها أي نزاع ولذا تسمى محاكم القانون العام - وقد نصت على ذلك صراحة المادة 12 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 عندما أطلقت عبارة الاختصاص بقولها إن المحاكم مختصة بالفصل في جميع المنازعات وفي جميع المواد المدنية والتجارية إلا ما استثنى بنص خاص - وجاءت بعد ذلك المادتان 16، 18 وحصرتا هذه الاستثناءات في أعمال السيادة التي تقوم بها الدولة ووقف أو تأويل الأوامر الإدارية التنظيمية وبعض المسائل المتعلقة بإنشاء الوقف واستبداله والولاية عليه والاستحقاق فيه. وقد أيدت المادة 19 من نفس القانون هذا المبدأ مرة أخرى عندما أعطت لمحكمة النقض وهي الهيئة العليا للقضاء سلطة الفصل في تنازع الاختصاص.... وحيث إن محكمة النقض بدوائرها المجتمعة قضت في 19 من مايو سنة 1951 بأن المحكمة الشرعية لم تكن ذات ولاية عندما حكمت بتسليم الأعيان التي سبق للقضاء المدني المختلط أن قضى بملكيتها للجمعية اليونانية إلى المدعى عليه الأول بصفته مع أنه هو الذي صدر الحكم المختلط ضده بتثبيت ملكية الأعيان للجمعية. وقد أسست محكمة النقض على هذا الرأي الذي أخذت به وجوب وقف تنفيذ الحكم الشرعي فأصبح قضاؤها في هذا الموضوع حجة على طرفي النزاع. وحيث إنه حيال هذا أصبح محتماً ومنطقياً أن يقضي بوقف ملحقات هذا الحكم الشرعي وهي المصاريف لأنه لا معنى أن يكون الأصل موقوفاً في حين أن الفرع يبقى قائماً إذ أن القاعدة هي أن الفرع يتبع الأصل. وحيث إنه لذلك يتعين الحكم برفض الدفع بعدم اختصاص القضاء المدني لأنه لا يرتكن إلى أي أساس من القانون".
ولما كان الثابت - على ما سبق بيانه في الوقائع - أن المطعون عليها الأولى أقامت دعواها أصلاً بطلب وقف تنفيذ الحكمين الشرعيين تأسيساً على عدم ولاية المحاكم الشرعية بالفصل فيهما - وبعد صدور حكم الجمعية لمحكمة النقض بوقف تنفيذ الحكم الشرعي فيما قضى به من تسليم الأعيان موضوع النزاع قصرت طلبها على وقف تنفيذ قائمتي رسوم هذين الحكمين وبذلك أصبحت الخصومة معقودة بينها وبين قلمي الكتاب حول مصروفات هذين الحكمين. ولما كانت المواد 18، 19، 20 من القانون رقم 91 لسنة 1944 بشأن رسوم الدعاوى أمام المحاكم الشرعية قد نظمت طريقة تقدير هذه الرسوم والمعارضة في أوامر تقديرها والمنازعة بشأنها مما تختص به المحاكم الشرعية - وكانت المطعون عليها الأولى قد ترسمت هذا الطريق وعارضت في قائمتي الرسوم المعلنتين لها بناءً على طلب قلمي الكتاب أمام المحكمة الشرعية - وكان قضاء الجمعية العمومية لمحكمة النقض بوقف تنفيذ الحكم الشرعي فيما قضى به من تسليم الأعيان موضوع النزاع لا يضفي على المحكمة المدنية ولاية الفصل في المنازعة التي تدور حول هذه الرسوم بين قلم الكتاب وطرفي الخصومة. وإنما يظل الاختصاص في هذا الصدد معقوداً للمحكمة الشرعية لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم المدنية يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه.
ومن حيث إن الاستئناف صالح للفصل فيه.
وحيث إنه للأسباب السابق بيانها يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف بعدم اختصاص المحكمة المدنية بنظر الدعوى.