جلسة 7 من مايو سنة 1991
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد العزيز أحمد حماده - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حنا ناشد مينا حنا والدكتور/ أحمد مدحت علي ومحمد عبد الرحمن سلامة والدكتور/ أحمد محمود جمعة - المستشارين.
------------------
(124)
الطعن رقم 2074 لسنة 34 القضائية
فوائد قانونية.
المادة 226 من القانون المدني - الالتزام بدفع مبلغ من النقود يجب أن يكون معلوم المقدار وقت الطلب - المقصود بكون الالتزام معلوم المقدار وقت الطلب هو أن يكون تحديد مقداره قائماً على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة مطلقة في التقدير - إذا كان تحديد مقدار الالتزام وقت الطلب قائماً على أسس ثابتة يمتنع معها أن يكون للقاضي سلطة رحبة في التقدير فإن الالتزام يعتبر معلوم المقدار عند الطلب حتى ولو نازع فيه الخصم الآخر - إذا كان المشرع قد قصد من عبارة "وقت الطلب" منع سريان الفوائد القانونية على التعويض عن العمل غير المشروع من تاريخ المطالبة القضائية فإن الحكمة من تقرير هذه القاعدة تتحقق أيضاً بالنسبة للتعويض عن الخطأ العقدي والمتمثل في عدم تنفيذ الالتزام بمعناه الدقيق متى كان التعويض المطالب به عن هذا الخطأ يرجع فيه إلى تقدير القاضي المطلق - أساس ذلك: أن المبلغ المطالب به في الحالتين لا يكون معلوم المقدار وقت الطلب وبالتالي لا يستحق عنه فوائد قانونية إلا من تاريخ صدور الحكم في الدعوى باعتبار أنه التاريخ الذي يصبح فيه كل الالتزام بالتعويض معلوم المقدار - إذا كان من شأن منازعة الخصم في المبلغ المطالب به أن تجعله غير معلوم المقدار وقت الطلب أو غير مستحق أصلاً فإنه لا يستحق عنه فوائد قانونية إلا من تاريخ الحكم بتحديده وليس من تاريخ المطالبة القضائية به في الحالة الأولى وفي الحالة الثانية لا يكون ثمة محل للمطالبة بالفوائد القانونية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأربعاء الموافق 25 من مايو سنة 1988 أودعت الأستاذة/ كاميليا عثمان المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نائبة عن السيد/ وزير التعليم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2074 لسنة 34 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) في الدعوى رقم 3806 لسنة 40 قضائية المرفوعة من السيد/ وزير التعليم العالي (الطاعن) ضد السيد/..... (المطعون ضده)، والذي قضى بجلسة 27/ 3/ 1988 بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعي بصفته مبلغاً مقداره سبعمائة جنيه وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمته المصروفات.
وطلب الجهة الإدارية الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام المطعون ضده بالمبلغ المحكوم به والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 24/ 5/ 1986 وحتى تمام السداد، مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن للمطعون ضده طبقاً للقانون، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعن المصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) جلسة 20/ 6/ 1990 ثم تدوول نظره أمامها على النحو الوارد بمحاضر الجلسات، وبجلسة 7/ 11/ 1990 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 4/ 12/ 1990 حيث نظرته المحكمة بهذه الجلسة والجلسات التالية وقررت إصدار الحكم بجلسة 19/ 3/ 1991 وفيها أرجأت إصداره لجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الميعاد، واستوفى باقي أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن وقائعه تتحصل - حسبما هو ثابت من الأوراق - في أن هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن السيد/ وزير التعليم العالي أقامت الدعوى رقم 3806 لسنة 40 قضائية بصحيفة أودعتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بتاريخ 24/ 5/ 1986 ضد السيد/...... مدير مكتب المشد للنقل والتجارة بطلب الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي بصفته مبلغاً مقداره سبعمائة جنيه (700جنيه) والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وشرحاً للدعوى قال المدعي بصفته إنه بتاريخ 18/ 9/ 1982 تم إبرام عقد نقل بينه وبين المدعى عليه التزام بمقتضاه المدعى عليه بأن يقوم بنقل الرسائل الخاصة بالعمليات أرقام 72 - 79 - 85 و91 من جمارك الإسكندرية إلى المعاهد الفنية بالإسكندرية وقويسنا وبنها، غير أن المدعى عليه لم يقم بتنفيذ العقد مما أدى إلى تنفيذه على حسابه عن طريق شركة حجازي للنقل بالسيارات، وأنه نتجت عن ذلك فروق أسعار بلغت قيمتها سبعمائة جنيه ومن ثم فقد أقام هذه الدعوى يطلب الحكم بالطلبات سالفة الذكر.
وقدمت الجهة الإدارية المدعية تدعيماً لدعواها حافظة مستندات تضمنت صورة العقد المبرم بينها وبين المدعى عليه ومذكرة موضحاً بها فروق الأسعار الناتجة عن تنفيذ العقد على حساب المدعى عليه بواقع 175 جنيهاً عن كل عملية من العمليات محل العقد والمشار إليها وبجلسة 27/ 3/ 1988 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، والذي قضى بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعي بصفته مبلغاً مقداره سبعمائة جنيه، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمته المصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن العقد المشار إليه قد تضمن في البند الخاص من بنوده النص على أنه (إذا امتنع الطرف الثاني (المدعى عليه) عن نقل أو تحميل أو تعتيق إحدى الرسائل خلال فترة سريان العقد، فإنه يحق للطرف الأول (المدعي) إتمام هذه الأعمال، ويتحمل الطرف الثاني كافة التكاليف المترتبة على ذلك)، وإن الثابت أن المدعى عليه لم يقم بتنفيذ العقد، فقامت الجهة الإدارية بتنفيذه على حسابه عن طريق شركة حجازي للنقل بالسيارات بالإسكندرية مقابل مبلغ مقداره 1860 جنيهاً عن العمليات المشار إليها في العقد، على حين أنه طبقاً للعقد المبرم مع المدعى عليه تبلغ تكلفة النقل مبلغاً مقداره 1160 جنيهاً، وأنه بذلك يصبح الفرق بين أسعار المدعى عليه وأسعار شركة حجازي للنقل بالسيارات مبلغاً مقداره سبعمائة جنيه يلتزم المدعى عليه بدفعه للمدعي بصفته طبقاً لنص البند الخامس من بنود العقد المشار إليه. بالنسبة لطلب الفوائد القانونية عن هذا المبلغ، فقد استندت المحكمة في قضائها برفض هذا الطلب إلى أنها لا ترى محلاً للحكم بها لأنها لا تخرج عن كونها في حد ذاتها تعويضاً، وأنه لا يجوز الجمع بين تعويض وآخر عن واقعة واحدة، وأنه يكفي لجبر الضرر القضاء للمدعي بالمبالغ المستحقة له.
ومن حيث إن الجهة الإدارية الطاعنة تقصر طعنها الماثل على شق الحكم المطعون فيه المتعلق بطلب الفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به وتؤسس نعيها عليه بأنه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه استناداً إلى القول بأنه طبقاً للمادة 226 من القانون المدني فإنه إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية، وأن هذه الفوائد تسري من تاريخ المطالبة القضائية بها، وأن المبلغ الذي طلبت الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفعه إليها كان معلوم المقدار في تاريخ المطالبة القضائية حيث حددته على أسس ثابتة ليس للقضاء فيه سلطة التقدير، وبمثل فروق الأسعار التي نتجت عن تنفيذ عقد النقل المشار إليه على حساب المطعون ضده، كما أن أساس المطالبة بهذه الفروق وهو حكم المادة 94 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بالقرار الوزاري رقم 542 لسنة 1957، يختلف عن أساس المطالبة بتلك الفوائد التأخيرية التي تعتبر تعويضاً عن التأخر في الوفاء بالتزام بدفع مبلغ من النقود.
ومن حيث إن مثار النزاع في هذا الطعن ينحصر فيما إذا كان المبلغ المطالب به في الدعوى معلوم المقدار وقت رفع الدعوى، وبالتالي يلتزم المدين (المطعون ضده) بأن يدفع للجهة الإدارية (الطاعنة) على سبيل التعويض عن التأخر في الوفاء به فوائد قانونية من تاريخ المطالبة القضائية، أم أن هذا المبلغ لم يكن معلوم المقدار في هذا التاريخ لأنه كان لمحكمة أول درجة سلطة مطلقة في تحديده، ومن ثم لا يلتزم المدين (المطعون ضده) في هذه الحالة بأن يدفع للجهة الإدارية (الطاعنة) فوائد قانونية عن هذا المبلغ إلا من تاريخ الحكم بتحديده بحسبان أنه لا يعتبر معلوم المقدار إلا من هذا التاريخ، وذلك بالنظر إلى أن المادة 226 من القانون المدني تنص على أنه (إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره).
ومن حيث إنه يؤخذ من هذا النص أنه في تحديد منطقة استحقاق الفوائد القانونية، فإن الالتزام بدفع مبلغ من النقود يجب أن يكون معلوم المقدار وقت الطلب، وأن المقصود بكون الالتزام معلوم المقدار وقت الطلب هو أن يكون تحديد مقداره قائماً على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة مطلقة في التقدير، فإذا كان تحديد مقدار الالتزام وقت الطلب قائماً على أسس ثابتة يمتنع معها أن يكون للقاضي سلطة رحبة في التقدير، فإن الالتزام يعتبر معلوم المقدار عند الطلب حتى ولو نازع فيه الخصم الآخر.
ومن حيث إنه إذا كان المشرع قد قصد من عبارة "وقت الطلب" منع سريان الفوائد القانونية على التعويض عن العمل غير المشروع من تاريخ المطالبة القضائية، فإن الحكمة من تقرير هذه القاعدة تتحقق أيضاً بالنسبة للتعويض عن الخطأ العقدي والمتمثل في عدم تنفيذ الالتزام بمعناه الدقيق متى كان التعويض المطالب به عن هذا الخطأ يرجع فيه إلى تقدير القاضي المطلق، لأن المبلغ المطالب به في الحالتين لا يكون معلوم المقدار وقت الطلب، وبالتالي لا يستحق عنه فوائد قانونية إلا من تاريخ صدور الحكم في الدعوى باعتبار أنه التاريخ الذي يصبح فيه محل الالتزام بالتعويض معلوم المقدار. وكذلك فإذا كان من شأن منازعة الخصم في المبلغ المطالب به أن تجعله غير معلوم المقدار وقت الطلب أو غير مستحق أصلاً، فإنه لا يستحق عنه فوائد قانونية إلا من تاريخ الحكم بتحديده وليس من تاريخ المطالبة القضائية به في الحالة الأولى، وفي الحالة الثانية لا يكون ثمة محل للمطالبة بالفوائد القانونية.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، فإنه ولئن كان لجهة الإدارة (الطاعنة) سلطة تقديرية في تقرير التنفيذ على حساب المتعاقد معها المقصر في تنفيذ التزامه تطبيقاً لقاعدة تنفيذ الالتزام عيناً حيث تقوم جهة الإدارة بالتنفيذ بنفسها وعلى حسابه وتحت مسئوليته دون أن تلجأ في ذلك إلى القضاء ضماناً لحسن سير المرافق العامة واطراد سيرها ومنعاً من تعطلها بما قد يعرض المصلحة العامة للضرر إذا توقفت هذه المرافق، وفي هذه الحالة تلزمه بما قد يطرأ على تنفيذ العملية من فروق في الأسعار أو المصروفات التي تتكبدها نتيجة التنفيذ على حسابه طبقاً للمادة 94 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بالقرار الوزاري رقم 542 لسنة 1957 - والمعمول بها في تاريخ قيامها بالتنفيذ على حساب المطعون ضده، فإنه ولئن كان ذلك إلا أن حقها في ذلك ليس نهائياً إذ يجوز للمتعاقد مع جهة الإدارة دائماً أن ينازعها في ذلك بما لا يجعل للمبالغ التي تطالبه بها نتيجة للتنفيذ على حسابه وصف المبالغ معلومة المقدار، كما أن لجوءها إلى القضاء للحصول على حكم يقضي بإلزامه بتلك المبالغ إذا لم تكف المبالغ المستحقة له لديها أو قيمة التأمين النهائي للوفاء بها، يجعل للمحكمة في هذه الحالة أن تبسط رقابتها القانونية لبحث أسس تحديدها لهذه المبالغ للتحقق مما إذا كان هذا الإجراء وهو تنفيذ على حساب المتقاعد معها لا يخالف قواعد القانون التي تحكم العقود الإدارية، وهو ما يتصل برقابة المشروعية ومصدرها أن مناط الطلب في دعوى العقود الإدارية هو دائماً ألا يخالف الطابع الخاص المميز للعقد الإداري أو الأحكام العامة في المسئولية العقدية، فمتى كان الطلب في الدعوى مبنياً على العقد الإداري وتحكمه نصوص هذا العقد، فإنه يتعين ألا يخالف شروط هذا العقد أو الطابع المميز لهذه الشروط أو الأحكام العامة المتعلقة بالمسئولية العقدية بصفة عامة. ومن مظاهر الرقابة القانونية التي تفرضها المحكمة في مجال بحث أسس سلامة إجراء التنفيذ على حساب المتعاقد معها، أنه إذا اشترت الإدارة الأصناف التي قصر المتعهد في توريدها، ألا تكون هذه الأصناف مغايرة للأصناف المتعاقد عليها، وأن تتحقق المحكمة أيضاً من عجز المتعاقد مع جهة الإدارة عن التنفيذ، وكلها أمور تتعلق بأسس المطالبة، وكذلك تتحقق المحكمة مما إذا كانت جهة الإدارة قد أبقت في هذه الحالة على العلاقة التعاقدية القائمة بينها وبين المتعاقد معها ذلك أنه - كما تقدم - فإن التنفيذ على حساب المتعاقد المقصر إنما هو تطبيق لقاعدة تنفيذ الالتزام عيناً تقوم به جهة الإدارة عند امتناع المتعاقد معها أو إخلاله بتعهده ضماناً لحسن سير المرافق العامة وتحقيق المصلحة العامة ولا يعد بذاته عقوبة توقع عليه بسبب إخلاله بالتزامه، ومن ثم فإنها تحل محل التعاقد معها فيما لم ينفذه من العقد على حسابه وتحت مسئوليته. كما أن للمحكمة الإدارية العليا أن تتصدى لمسألة إجراء التنفيذ على حساب المتعاقد مع جهة الإدارة ولو لم تكن مطروحة أمام محكمة القضاء الإداري إذا كان النزاع في الدعوى متعلقاً بالمنازعة في مصادرة التأمين النهائي في هذه الحالة أو بمطالبته بالتعويض عن الأضرار التي تكون قد أصابته نتيجة حرمانه من إتمام التنفيذ، باعتبار أن المسألتين كلُّ واحد لا يتجزأ ومرد ذلك إلى أن اختصاص القضاء الإداري بمنازعات العقد الإداري إنما هو اختصاص شامل ومطلق لأصل هذه المنازعات وما يتفرغ عنها.
ومن حيث إنه متى تبين مما تقدم أن المبالغ التي تحددها جهة الإدارة بصحيفة الدعوى وتطلب الحكم بإلزام المتعاقد معها بدفعها إليها نتيجة للتنفيذ على حسابه، تفرض المحكمة رقابتها القانونية في شأن الأسس التي استندت جهة الإدارة إليها في تحديدها لهذه المبالغ، فإنه من ثم لا حجاج لما تستند إليه الجهة الإدارية الطاعنة في طعنها الماثل بالقول إنها لم تطلب من محكمة القضاء الإداري في صحيفة الدعوى تقدير الخسائر التي تكبدتها في قيامها بتنفيذ العقد على حساب المطعون ضده، وإنما اكتفت بأن طلبت الحكم بإلزامه بدفع مبلغ حددته بنفسها سلفاً قبل رفع الدعوى، وبالتالي كان معلوم المقدار وقت رفع الدعوى بحسبان أن المشرع قد خولها سلطة هذا التحديد وأن حقها في هذا الشأن من حقوق الامتياز التي تتمتع بها في العقود الإدارية كسلطة إدارية دون اللجوء إلى القضاء في هذا التحديد.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن المقصود من إلزام المتعاقد مع جهة الإدارة بفروق الأسعار التي تكون قد تحملتها نتيجة للتنفيذ على حساب المتعاقد معها، إنما هو مواجهة الأضرار التي لحقت جهة الإدارة من جراء خطأ المتعاقد معها، وهو على هذا الوجه يعتبر بمثابة تعويض لها عن تلك الأضرار، والأصل في التعويض عن الضرر سواء في العقود المدنية أو العقود الإدارية أن القاضي هو الذي يقدره حسبما نصت عليه المادة 170 من القانون المدني بأن (يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور...)، الأمر الذي يجعل المبلغ المطالب به في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه معلوم المقدار.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، فإن المبلغ المطالب به في الدعوى المقامة من الجهة الإدارية الطاعنة لا يكون معلوم المقدار، وبالتالي لا يستحق عنه فوائد قانونية من تاريخ المطالبة القضائية، ما دام أن للقضاء الإداري أن يفرض رقابته القانونية في بحث الأسس التي استندت إليها جهة الإدارة في تحديدها، وإذا ذهب الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة وقضي برفض طلب الجهة الإدارية (الطاعنة) إلزام المطعون ضده بالفوائد القانونية عن ذلك المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون فيما انتهى إليه بهذه النتيجة، ويكون النعي عليه بهذا الوجه غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً الرفض.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإنه يتعين الحكم برفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.