جلسة 16 من مارس سنة 2021
حكـم
صادر باسم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر
برئاسـة السيد القاضي عبد الله بن أحمد السعدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة قضاة المحكمة / د. مبارك بن ناصر الهاجري وأحمد بن علي حجر البنعلي نائبي رئيس المحكمة وأحمد رشدي سلام ورياض عبد الستار بوجاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5)
الطعن رقم 553 لسنة 2020
(1 -3) بطلان "بطلان العقد". عقد "عقد العمل: بطلانه". عمل "كفالة العامل ". قانون "القوانين المتعلقة بالنظام العام". كفالة "نقل الكفالة". موظفون " مكافأة نهاية الخدمة". نظام العام "القوانين المتعلقة بالنظام العام ". هيئات "هيئات عامة: هيئة الرقابة الإدارية والشفافية". حكم "عيوب التدليل: ما لا يعد كذلك".
(1) مكافأة نهاية الخدمة للموظف غير القطري. احتسابها على أساس شهر واحد فقط عن كل سنة على أساس آخر راتب تقاضاه قبل التقاعد بحد أقصى عشرة أشهر مهما طالت مدة الخدمة سواء كانت متصلة أو منفصلة (م 118 من ق 15 لسنة 2016). انطباق ذلك على موظفي الهيئات والمؤسسات والشركات العامة لو تعددت مدد خدمتهم في أكثر من جهة منها. خلو لوائحها الخاصة من تنظيم مسألة مكافأة نهاية الخدمة أو قصر تنظيمها على فترة عمل الموظف لديها. أثره. تطبيق القاعدة العامة بشأن تعدد مدد خدمة الموظف الواردة بقانون الموارد البشرية. التزام الحكم ذلك النظر. صحيح. (مثال بشأن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والشفافية).
(2) إنهاء علاقة العمل بين العامل وجهة عمله. أثره. عدم استلزام موافقة جهة العمل على نقل كفالة العامل لجهة عمل أخرى. (م 21 من ق رقم 21 لسنة 2015 المعدل بق رقم 19 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية). التزام الحكم المطعون فيه ذلك النظر. صحيح.
(3) القوانين المنظمة لعلاقات العمل كأصلٍ عام. تضمنها قواعد آمرة تتعلق بالنظام العام بشأن الحد الأدنى من الحصانة لحقوق العامل ومميزاته. مفاده. جواز تضمن عقد العامل أو الموظف حقوقاً تزيد عن الحد الأدنى الوارد بالقانون وبطلان شروط العقد التي تقل عن ذلك الحد الأدنى. (مثال بشأن تضمن لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية وعقد الموظف نصوص تنتقص من حقوق العامل الواردة بقانون الموارد البشرية).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-النصّ في المادة الثانية من مواد إصدار قانون الموارد البشرية المدنية الصادر بالقانون رقم (15) لسنة 2016 على أن: " تسري أحكام القانون المرفق على الموظفين المدنيين بالوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة، وُيستثنى من تطبيق أحكامه في حدود ما نصّت عليه أنظمة توظفهم، الفئات الآتية: ... 7- موظفو ديوان المحاسبة."، والمادة (118) من القانون ذاته على أن: " يستحق الموظف غير القطري الذي أمضى في خدمة الجهة الحكومية سنة على الأقل، مكافأة نهاية الخدمة على أساس راتب شهر واحد من كل سنة من سنوات الخدمة بحد أقصى عشرة أشهر، طوال مدة خدمته بالدولة سواء كانت متصلة أم غير متصلة ..."، والمادة (2) إصدار من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012 – والمعمول بها بمقتضى نصّ المادة (19) من القرار الأميري رقم (6) لسنة 2015 بشأن إعادة تنظيم هيئة الرقابة الإدارية والشفافية- على أنه: " فيما لم يرد بشأنه نصّ خاص في اللائحة المرفقة، تسري على أعضاء وموظفي الهيئة أحكام قانون إدارة الموارد البشرية المشار إليه."؛ يدلّ على أنه ولئن كان لكل من ديوان المحاسبة والهيئة المطعون ضدها لائحة خاصة بكل منها تنظم شئون موظفيها والعاملين فيها، بما مقتضاه أنه إذا نظمت أي لائحة فيهما أمراً، فإنه لا يجوز الرجوع بشأنه إلى قانون إدارة الموارد البشرية المدنية، إلا فيما خلت أيهما أو كلاهما من تنظيمه، وفي هذه الحالة الأخيرة، لا مناص من تطبيق قانون إدارة الموارد البشرية المدنية باعتباره الشريعة العامة لكافة موظفي الدولة، وكان المقصود بالدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع منه الأشخاص المعنوية الأخرى، فلا يترتّب على منح هذه الشخصية العامة وعلى التمتع بذمة مالية مستقلّة عن ميزانية الدولة الاستقلال عن الدولة، فتخضع هذه الأشخاص جميعها للنظم (الوصاية الإدارية) التي تمارسها السلطة المركزية في الدولة لضمان احترام هذه الأشخاص للقانون والسياسة العامة للدولة وعدم تجاوز الغرض الذي من أجله أُنشئت، وقد تسمى هذه الأشخاص بالهيئات العامة أو المؤسسات أو الشركات العامة، إلا أن جميعها تدور وظيفتها في رحى مباشرة إدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة، ويتـــــرتّب على ذلك أن موظفي الأشخاص المعنوية العامة يعدون موظفين عامين ويرتبطون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم. ومن ثم فإنه ولئن كان لكل من ديوان المحاسبة والهيئة المطعون ضدها لائحة خاصة بموظفيها نظمت شروط وضوابط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة للموظفين بكل منها، إلا أن كلتيهما اقتصر على تنظيمها في حدود مدة خدمة الموظف لديها، والتزمت كلاهما على وضع حد أقصى لمكافأة نهاية الخدمة يتماشى مع نصوص قانون الموارد البشرية المدنية، وخلت كل منهما من تنظيم مسألة تعدد مدد خدمة الموظف لدى جهات متعددة بالدولة، وهو ما أفرد له المشرّع نصّاً جامعاً موحداً بقانون إدارة الموارد البشرية بوضع حد أقصى لمكافأة نهاية الخدمة لكافة الموظفين طوال مدة خدمته لدى أي جهة من الجهات العامة بالدولة سواء كانت متصلة أم غير متصلة، فقصرها على عشر سنوات من مدة الخدمة. لمّا كان ذلك، وكان الطاعن قد سبق له وأن صرف من جهة عمله السابقة بديوان المحاسبة مكافأة نهاية خدمته بحدها الأقصى عن عشر سنوات على أساس راتبه الأخير الذي كان يتقاضاه في تاريخ استقالته من عمله بديوان المحاسبة، فإن التحاقه للعمل لدى الهيئة المطعون ضدها، وهي من الأشخاص المعنوية العامة شأنها شأن ديوان المحاسبة، لا يترتّب عنه تجدد استحقاقه لمكافأة نهاية الخدمة لوحدة الشخص المعنوي العام الذي عمل لديه الطاعن وهو الدولة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى برفض طلب الطاعن لتكرار صرف مكافأة نهاية الخدمة التي سبق تقاضيها بحدها الأقصى، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
2-النصّ في المادة (21) من القانون رقم (21) لسنة 2015 بشأن تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم – قبل تعديلها بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2020- على أنه: " يجوز بموافقة صاحب العمل والجهة المختصّة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، انتقال الوافد للعمل إلى صاحب عمل آخر قبل انتهاء مدة عقد العمل. ويجوز للوافد للعمل، بعد موافقة الجهة المختصّة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الانتقال إلى صاحب عمل آخر فور انتهاء مدة عقد العمل محدد المدة، أو بعد مضي خمس سنوات على اشتغاله مع صاحب العمل إذا كان العقد غير محدّد المدة... وفي جميع الأحوال، لا يجوز الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل المستقدم، بموجب أحكام قانون العمل المشار إليه، أو عقد العمل المبرم مع الوافد للعمل."، والمادة (65) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (21) لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم (25) لسنة 2019 – قبل تعديلها بقرار وزير الداخلية رقم (51) لسنة 2020- على أن: " يجوز للجهة المختصّة الموافقة على تغيير جهة عمل الوافد؛ طبقاً للأوضاع المقرّرة قانوناً، وفقاً للضوابط التالية: 1- أن يقدم الوافد العامل طلباً لتغيير جهة عمله على النموذج المعد لذلك. 2- موافقة المستقدم الحالي والمستقدم الجديد على نفس النموذج المعد لهذا الغرض إذا كان طلب التغيير قبل انتهاء مدة عقد العمل المحدد المدة، أو قبل انقضاء مدة خمس سنوات إذا كان العقد غير محدّد المدة. 3- موافقة الجهة المختصّة بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، بالنسبة للفئات الخاضعة لأحكام قانون العمل. 4- أن تكون رخصة إقامة الوافد سارية المفعول، ما لم تكن قد انتهت لأسباب خارجة عن إرادته. 5- أن يكون الوافد قد أمضى سنة على الأقل في العمل مع المستقدم الحالي، ويجوز للجهة المختصة؛ وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة التجاوز عن هذه المدة."؛ يدلّ على أن المشرّع حماية للالتزامات المتبادلة بين طرفي علاقة العمل، وحرصاً على عدم التنصّل منها، فقد اشترط لانتقال الموظف أو العامل لجهة عمل أخرى، الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي على ذلك الانتقال، وقد مايز المشرّع بين عقد العمل محدد المدة، وغير محدّد المدة، فقصر اشتراط الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي في العقد محدد المدة، أن يكون طلب نقل الكفالة خلال مدة العقد المتفق عليها ولو استطالت لعشر سنوات، بينما في العقد غير محدّد المدة، فقد قصرها على الخمس سنوات الأولى من مدة العقد، فإذا كان طلب نقل الكفالة خلال إحدى هاتين المدتين، فقد أوجب المشرّع الحصول على تلك الموافقة، أما إذا كانت علاقة العمل قد انتهت سواء بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد محدّد المدة، أو باتفاق الطرفين، أو بإنهاء العقد بالإرادة المنفردة لصاحب العمل، أو بانقضاء مدة خمس سنوات في العقد غير محدّد المدة – مع عدم الإخلال بالالتزامات والحقوق المدنية التي قد تترتّب لصاحب العمل عن عدم استكمال تنفيذ العامل لالتزاماته المتفق عليها في العقد غير محدّد المدة بعد الخمس سنوات–، فإن مقتضى ذلك انتفاء العلة التي ابتغاها المشرّع من استلزام موافقة المستقدم الأصلي، ويجيز للجهة المختصة نقل الكفالة دون موافقة المستقدم الأصلي ما دامت قد توافرت في الموظف أو العامل باقي الشروط التي تطلبها المشرّع لذلك، ومن بينها موافقة الجهة المختصّة بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، إذا ما كان طلب نقل الكفالة مقدماً من أحد الخاضعين لأحكام قانون العمل دون سواهم من الموظفين بالجهاز الإداري للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة. وإمعاناً في ترسيخ مبدأ حرية العمل، بحسبانه أحد الحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين والمقيمين بالدولة، واتّساقاً مع نصّ المادة (30) من الدستور من اعتبار العلاقة بين العمال وأرباب العمل أساسها العدالة الاجتماعية وينظمها القانون، فقد ارتأى المشرّع بمقتضى المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2020 تعديل نصّ المادة (21) سالفة الذكر، ليكون نصّها: " للوافد للعمل أن ينتقل للعمل لدى صاحب عمل آخر؛ وفقاً للقواعد والإجراءات التي تحددها وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية."؛ بما مؤداه أن رغبة الموظف أو العامل في هجر وظيفته أو عمله، والانتقال لجهة أخرى، أو صاحب عمل آخر، ولئن قد يترتّب عليها إخلال بالتزاماته تجاه الجهة التي يعمل بها أو صاحب العمل، إلا أن هذا الإخلال تحكمه قواعد القانون واتفاق الطرفين بالعقد، وهي قواعد مدنية نظمتها قانون الموارد البشرية أو اللوائح الخاصة لكل جهة، أو قانون العمل بالنسبة لمن يسري عليهم، ويتحمّل تبعاتها الموظف أو العامل الذي حاد عنها، ويتم حسمها رضاءً باتفاق الطرفين، أو قضاءً في حالة عدم اتفاقهما، ومن ثم فلا يجوز إجباره على الاستمرار في هذا العمل دون إرادته، ولا يخل بحقه في الانتقال للعمل لدى جهة أخرى ونقل كفالته لها، دون موافقة المستقدم الأصلي أياً كانت المدة التي انقضت من العقد المبرم بينهما، فإن كان من الخاضعين لقانون العمل، وجب أن يلتزم بالقواعد والإجراءات التي تضعها وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية في هذا الشأن. لمّا كان ذلك، وكانت الهيئة المطعون ضدها قد قامت بإنهاء عقد العمل مع الطاعن بالإرادة المنفردة، وانفصم عرى علاقة العمل بينهما، فإن نقل كفالة الطاعن – والحال كذلك- لا يستلزم موافقتها، ويجوز للجهة المختصّة الموافقة على نقل الكفالة دونها إذا ما استوفى الطاعن باقي الشروط، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص للنتيجة ذاتها، فلا يعيبه ما وقع فيه من تقريرات قانونية خاطئة، ما دامت لا تنال أو تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها؛ إذ لمحكمة التمييز تصحيح ما وقع فيه من خطأ دون أن تميزه، ويضحى النعي عليه بهذا السبب غير مقبول.
3-المقرّر - في قضاء هذه المحكمة- أن القوانين المنظمة لعلاقات العمل كأصل عام سواء أكانت حاكمة للعلاقات التعاقدية أو للعلاقات اللائحية التنظيمية تتضمن بعض أحكامها قواعد آمرة تتعلّق بالنظام العام تضمن للعامل أو الموظف الحد الأدنى من الحصانة لحقوقه ومميزاته بحسبانه هو الطرف الأضعف في تلك العلاقة بما يقتضي تدخل المشرّع بنصوص ملزمة حماية له من تغول صاحب العمل أو جهة الإدارة، وهو ما يترتّب عليه أنه إن تضمن عقد العامل أو الموظف حقوقاً أو مزايا تزيد عن ذلك الحد الأدنى الوارد بالقانون، فإن نصوص العقد تكون هي واجبة التطبيق دون النص القانوني، أما أي شروط بالعقد تنتقص من الحد الأدنى القانوني، فإنها تضحى باطلة، ويضحى النصّ القانوني هو الواجب إعماله في شأن أي مسألة وردت في العقد بالمخالفة للقانون. وكان النصّ في المادة (169) من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012– والمقابل لنصّ المادة (107) من قانون إدارة الموارد البشرية المدنية الصادر بالقانون رقم (15) لسنة 2016- على أن: " تنتهي خدمة العضو أو الموظف لأحد الأسباب الآتية: 1- بلوغ سن الستين. 2- انتهاء مدة العقد. 3- الاستقالة أو إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي. 4- عدم اللياقة للخدمة طبياً. 5- الفصل أو العزل بقرار تأديبي. 6- الفصل بقرار أميري لأسباب تتعلق بالصالح العام. 7- الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة. 8- سحب أو إسقاط الجنسية القطرية. 9- إلغاء الوظيفة. 10- الوفاة."؛ يدلّ على أنه إذا أبرمت الجهة الإدارية عقداً لمدة محدّدة مع أحد الموظفين باعتباره أحد أدوات التعيين في الوظيفة، فإن هذا العقد يرتّب التزامات متبادلة بين الطرفين، فتلتزم الجهة الإدارية بعدم إنهاء العقد بغير مبرر طوال المدة المتفق عليها به، ويقابله التزام الموظف بأن يضع نفسه تحت تصرّفها خلال تلك المدة، ذلك أن المشرّع قد حدّد على سبيل الحصر أسباب انتهاء خدمة الموظف – سواء الموظفين الذين يسري عليهم قانون إدارة الموارد البشرية أو هؤلاء الخاضعين للائحة شئون الأعضاء والموظفين بالهيئة- ومن بينها انتهاء مدة العقد، بما مؤداه وجوب انقضاء مدة العقد كاملة غير منقوصة، حتى يمكن الاستناد إليه كسبب من أسباب انتهاء الخدمة، ومن ثم فلا يجوز للجهة الإدارية إنهاء خدمة الموظف خلال سريان مدة العقد ما لم يتوافر سبب آخر من أسباب إنهاء الخدمة كالفصل التأديبي أو الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في الجرائم التي تعتبر مخلّة بالشرف أو الأمانة، أو غيرها من تلك الأسباب التي حددها المشرّع بالنصّ ذاته. ولا يغير من ذلك إيراد الجهة الإدارية بالعقد المبرم مع الموظف نصّاً يتيح لها إنهاء العقد قبل انقضاء مدته، أو النصّ به على أسباب لإنهاء خدمة الموظف لم يوردها المشرع نفسه بالقانون، وإلا كان هذا النصّ باطلاً حابط الأثر، ذلك أن العقد الذي تبرمه جهة الإدارة مع الموظف كأداة من أدوات التعيين بالوظيفة العامة يجب أن يتضافر في إطار منظومة القانون، ويتناغم مع قيمها وثوابتها، فلا يتخطاها أو يتحلل عنها، ولا يتدنى أو ينتقص من حقوق الموظف ومستحقاته، ولا أن تتناقض نصوص العقد وتتعارض، فتكون بعضها لبعض نكيراً، فيجب أن يلتزم العقد بتخوم القانون، ويتحدد بضوابطه، ويتغيّا تحقيق إرادة المشرّع من إيراده كأداة من أدوات التعيين في الوظيفة العامة، فتكون نصوصه التي لم ترد بنصّ القانون تستهدف حقوق الموظف بالمنح وليس المنع، وبالإضافة لا السلب، وبالمزية لا الطوية، فيتسع العقد لإكساب حقوق ومزايا لشاغل الوظيفة، وينوء عن الانتقاص من الحدود الدنيا لما كفله المشرّع له بنصّ القانون، وإلا كان ذلك نقضاً للحق بعد تقريره ومصادرة له بعد نشوئه.و كان المشرّع قد خصّ بالباب الرابع من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012 الرواتب والبدلات والعلاوات والمزايا الوظيفية التي يستحقها أعضاء وموظفو الهيئة، وأفرد لمنحة الإجازة الدورية نصّ المادة (106) منها، والذي جرى على أن: " يُصرف للعضو أو الموظف، منحة إجازة دورية تعادل راتب شهر واحد عن كل سنة، بشرط قيام العضو أو الموظف بالإجازة الدورية."، والمادة (107) من اللائحة ذاتها بأن: " تُصرف للعضو أو الموظف كامل مستحقاته عن الإجازة الدورية مع راتب الشهر الذي يسبق الإجازة." بما مفاده أن المشرّع مايز بين البدلات التي اعتبرها من توابع الراتب الشهري، وبين منحة الإجازة الدورية التي تصرف مرة واحدة في السنة بما لا يجوز معه الخلط بينها وبين الراتب وملحقاته، ولا يتوقف هذا الصرف على قرار من الجهة الإدارية بتحديد مستحقيها، ما دام المشرّع قد أوجبها لكافة موظفي الهيئة دون تخصيص، فلا يجوز عندئذٍ حرمان أيهم منها ما دام قد قام بإجازته الدورية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب الطاعن بالتعويض عن إنهاء العقد بغير مبرر قبل انتهاء مدته المتفق عليها، على ما أورده بمدوناته من أن النصّ بالمادة (16) من العقد المبرم بينهما يمنح الهيئة المطعون ضدها أحقية في إنهاء العقد في أي وقت بعد إخطار كتابي للطاعن مدته ستون يوماً على الأقل، في حين أن هذا النصّ بالعقد فضلاً عن تعارضه مع اتفاق الطرفين بالمادة الثالثة من العقد ذاته على تحديد مدة العقد بخمس سنوات، فإنه أيضاً يضحى باطلاً لانتقاصه من حقوق الطاعن التي كفلها له المشرّع بنصّ لائحة شئون الموظفين بالهيئة بقصر إنهاء الخدمة قبل انتهاء مدة العقد على أسباب أوردها على سبيل الحصر، فإن إنهاء العقد لغير أحد هذه الأسباب لا يعدو أن يكون تعسّفاً في استعمال السلطة. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه في خصوص طلب منحة الإجازة الدورية المقررة بلائحة شئون الموظفين بالهيئة إلى اعتبارها ضمن البدلات المعلق صرفها للطاعن على موافقة رئيس الهيئة المطعون ضدها؛ استناداً لنصّ المادة (6) من العقد، وأياً ما كان وجه الرأي في هذا النصّ، فإن هذه المنحة لا تعتبر من بين هذه البدلات التي عناها النصّ واللصيقة بالراتب، بل إنها ميزة خصّ بها المشرّع الموظف بالهيئة بنصّ اللائحة، وأفرد لها نصاً مستقلاً عن الراتب وبدلاته، ولا يجوز حرمانه منها ولو بنصّ في العقد المبرم مع الموظف، فإن الحكم المطعون فيه يكون فضلاً عن فساده في الاستدلال قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
بعد الاطّلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق– تتحصل في أن الطاعن أقام على الهيئة المطعون ضدها الدعوى رقم .... لسنة 2019 [إداري]، بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي له .... ريالاً عن مكافأة نهاية خدمته، ..... ريال عن منحة إجازته الإدارية، مع التعويض عن الفصل التعسّفي، وإلزامها بنقل كفالته، على سندٍ من أنه التحق بالعمل لدى المطعون ضدها اعتباراً من ../../2016 إلى أن أنهت التعاقد معه في ../../2019 إلا أنها لم تصرف له مستحقاته موضوع المطالبة، ومن ثم أقام الدعوى. حكمت محكمة أول درجة بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي للطاعن .... ريالاً لقاء مكافأة نهاية خدمته عن الفترة من ../ ../ 2016 إلى ../../2019، وبرفض ما زاد عن ذلك من طلبات. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم ..... لسنة 2020، كما استأنفته الهيئة المطعون ضدها بالاستئناف رقم .... لسنة 2020، وبتاريخ ../ ../ 2020 قضت المحكمة برفض استئناف الطاعن، وفي استئناف المطعون ضدها بإلغاء قضاء الحكم المستأنف بمكافأة نهاية الخدمة، وبرفض هذا الطلب، وتأييد الحكم في باقي قضائه، طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق التمييز، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة – في غرفة المشورة –؛ حُدّدت جلسة لنظره.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه؛ ذلك أن العقد المبرم مع الهيئة المطعون ضدها نصّ فيه على أحقيته في مكافأة نهاية الخدمة وفقاً للائحة أعضاء وموظفي الهيئة، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذه المكافأة لسبق تقاضيه الحد الأقصى لها من جهة عمله السابقة بديوان المحاسبة استناداً لقانون الموارد البشرية، رغم أن لكلتا الجهتين السابقة والهيئة المطعون ضدها لائحة خاصة لكل منها ولا يسري على أيهما قانون الموارد البشرية؛ بما يعيبه، ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد؛ ذلك أنه لمّا كان النصّ في المادة الثانية من مواد إصدار قانون الموارد البشرية المدنية الصادر بالقانون رقم (15) لسنة 2016 على أن: " تسري أحكام القانون المرفق على الموظفين المدنيين بالوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى والهيئات والمؤسسات العامة، ويُستثنى من تطبيق أحكامه في حدود ما نصّت عليه أنظمة توظفهم، الفئات الآتية: ... 7- موظفو ديوان المحاسبة."، والمادة (118) من القانون ذاته على أن: " يستحق الموظف غير القطري الذي أمضى في خدمة الجهة الحكومية سنة على الأقل، مكافأة نهاية الخدمة على أساس راتب شهر واحد من كل سنة من سنوات الخدمة بحد أقصى عشرة أشهر، طوال مدة خدمته بالدولة سواء كانت متصلة أم غير متصلة ..."، والمادة (2) إصدار من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012 – والمعمول بها بمقتضى نصّ المادة (19) من القرار الأميري رقم (6) لسنة 2015 بشأن إعادة تنظيم هيئة الرقابة الإدارية والشفافية- على أنه: " فيما لم يرد بشأنه نصّ خاص في اللائحة المرفقة، تسري على أعضاء وموظفي الهيئة أحكام قانون إدارة الموارد البشرية المشار إليه."؛ يدلّ على أنه ولئن كان لكل من ديوان المحاسبة والهيئة المطعون ضدها لائحة خاصة بكل منها تنظم شئون موظفيها والعاملين فيها، بما مقتضاه أنه إذا نظمت أي لائحة فيهما أمراً، فإنه لا يجوز الرجوع بشأنه إلى قانون إدارة الموارد البشرية المدنية، إلا فيما خلت أيهما أو كلاهما من تنظيمه، وفي هذه الحالة الأخيرة، لا مناص من تطبيق قانون إدارة الموارد البشرية المدنية باعتباره الشريعة العامة لكافة موظفي الدولة، وكان المقصود بالدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع منه الأشخاص المعنوية الأخرى، فلا يترتّب على منح هذه الشخصية العامة وعلى التمتع بذمة مالية مستقلّة عن ميزانية الدولة الاستقلال عن الدولة، فتخضع هذه الأشخاص جميعها للنظم (الوصاية الإدارية) التي تمارسها السلطة المركزية في الدولة لضمان احترام هذه الأشخاص للقانون والسياسة العامة للدولة وعدم تجاوز الغرض الذي من أجله أُنشئت، وقد تسمى هذه الأشخاص بالهيئات العامة أو المؤسسات أو الشركات العامة، إلا أن جميعها تدور وظيفتها في رحى مباشرة إدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة، ويتـــــرتّب على ذلك أن موظفي الأشخاص المعنوية العامة يعدون موظفين عامين ويرتبطون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم. ومن ثم فإنه ولئن كان لكل من ديوان المحاسبة والهيئة المطعون ضدها لائحة خاصة بموظفيها نظمت شروط وضوابط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة للموظفين بكل منها، إلا أن كلتيهما اقتصر على تنظيمها في حدود مدة خدمة الموظف لديها، والتزمت كلاهما على وضع حد أقصى لمكافأة نهاية الخدمة يتماشى مع نصوص قانون الموارد البشرية المدنية، وخلت كل منهما عن تنظيم مسألة تعدد مدد خدمة الموظف لدى جهات متعددة بالدولة، وهو ما أفرد له المشرّع نصّاً جامعاً موحداً بقانون إدارة الموارد البشرية بوضع حد أقصى لمكافأة نهاية الخدمة لكافة الموظفين طوال مدة خدمته لدى أي جهة من الجهات العامة بالدولة سواء كانت متصلة أم غير متصلة، فقصرها على عشر سنوات من مدة الخدمة. لمّا كان ذلك، وكان الطاعن قد سبق له وأن صرف من جهة عمله السابقة بديوان المحاسبة مكافأة نهاية خدمته بحدها الأقصى عن عشر سنوات على أساس راتبه الأخير الذي كان يتقاضاه في تاريخ استقالته من عمله بديوان المحاسبة، فإن التحاقه للعمل لدى الهيئة المطعون ضدها، وهي من الأشخاص المعنوية العامة شأنها شأن ديوان المحاسبة، لا يترتّب عنه تجدد استحقاقه لمكافأة نهاية الخدمة لوحدة الشخص المعنوي العام الذي عمل لديه الطاعن وهو الدولة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى برفض طلب الطاعن لتكرار صرف مكافأة نهاية الخدمة التي سبق تقاضيها بحدها الأقصى، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال؛ ذلك أن إنهاء الهيئة المطعون ضدها لخدمته لديها بالإرادة المنفردة، يوجب عليها الموافقة على نقل كفالته لجهة أخرى، لا سيما وأنه تحصّل على عروض عمل أخرى، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض طلبه في هذا الشأن؛ تأسيساً على أن الهيئة المطعون ضدها غير ملزمة بإصدار هذه الموافقة؛ بما يعيبه، ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي في غير محلّه؛ ذلك أن النصّ في المادة (21) من القانون رقم (21) لسنة 2015 بشأن تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم – قبل تعديلها بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2020- على أنه: " يجوز بموافقة صاحب العمل والجهة المختصّة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، انتقال الوافد للعمل إلى صاحب عمل آخر قبل انتهاء مدة عقد العمل. ويجوز للوافد للعمل، بعد موافقة الجهة المختصّة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الانتقال إلى صاحب عمل آخر فور انتهاء مدة عقد العمل محدد المدة، أو بعد مضي خمس سنوات على اشتغاله مع صاحب العمل إذا كان العقد غير محدّد المدة... وفي جميع الأحوال، لا يجوز الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل المستقدم، بموجب أحكام قانون العمل المشار إليه، أوعقد العمل المبرم مع الوافد للعمل."، والمادة (65) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (21) لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم (25) لسنة 2019 – قبل تعديلها بقرار وزير الداخلية رقم (51) لسنة 2020- على أن: " يجوز للجهة المختصّة الموافقة على تغيير جهة عمل الوافد؛ طبقاً للأوضاع المقرّرة قانوناً، وفقاً للضوابط التالية: 1- أن يقدم الوافد العامل طلباً لتغيير جهة عمله على النموذج المعد لذلك. 2- موافقة المستقدم الحالي والمستقدم الجديد على نفس النموذج المعد لهذا الغرض إذا كان طلب التغيير قبل انتهاء مدة عقد العمل المحدد المدة، أو قبل انقضاء مدة خمس سنوات إذا كان العقد غير محدّد المدة. 3- موافقة الجهة المختصّة بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، بالنسبة للفئات الخاضعة لأحكام قانون العمل. 4- أن تكون رخصة إقامة الوافد سارية المفعول، ما لم تكن قد انتهت لأسباب خارجة عن إرادته. 5- أن يكون الوافد قد أمضى سنة على الأقل في العمل مع المستقدم الحالي، ويجوز للجهة المختصة؛ وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة التجاوز عن هذه المدة."؛ يدلّ على أن المشرّع حماية للالتزامات المتبادلة بين طرفي علاقة العمل، وحرصاً على عدم التنصّل منها، فقد اشترط لانتقال الموظف أو العامل لجهة عمل أخرى، الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي على ذلك الانتقال، وقد مايز المشرّع بين عقد العمل محدد المدة، وغير محدّد المدة، فقصر اشتراط الحصول على موافقة صاحب العمل الأصلي في العقد محدد المدة، أن يكون طلب نقل الكفالة خلال مدة العقد المتفق عليها ولو استطالت لعشر سنوات، بينما في العقد غير محدّد المدة، فقد قصرها على الخمس سنوات الأولى من مدة العقد، فإذا كان طلب نقل الكفالة خلال إحدى هاتين المدتين، فقد أوجب المشرّع الحصول على تلك الموافقة، أما إذا كانت علاقة العمل قد انتهت سواء بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد محدّد المدة، أو باتفاق الطرفين، أو بإنهاء العقد بالإرادة المنفردة لصاحب العمل، أو بانقضاء مدة خمس سنوات في العقد غير محدّد المدة – مع عدم الإخلال بالالتزامات والحقوق المدنية التي قد تترتّب لصاحب العمل عن عدم استكمال تنفيذ العامل لالتزاماته المتفق عليها في العقد غير محدّد المدة بعد الخمس سنوات–، فإن مقتضى ذلك انتفاء العلة التي ابتغاها المشرّع من استلزام موافقة المستقدم الأصلي، ويجيز للجهة المختصة نقل الكفالة دون موافقة المستقدم الأصلي ما دامت قد توافرت في الموظف أو العامل باقي الشروط التي تطلبها المشرّع لذلك، ومن بينها موافقة الجهة المختصّة بوزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، إذا ما كان طلب نقل الكفالة مقدماً من أحد الخاضعين لأحكام قانون العمل دون سواهم من الموظفين بالجهاز الإداري للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة. وإمعاناً في ترسيخ مبدأ حرية العمل، بحسبانه أحد الحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين والمقيمين بالدولة، واتّساقاً مع نصّ المادة (30) من الدستور من اعتبار العلاقة بين العمال وأرباب العمل أساسها العدالة الاجتماعية وينظمها القانون، فقد ارتأى المشرّع بمقتضى المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2020 تعديل نصّ المادة (21) سالفة الذكر، ليكون نصّها: " للوافد للعمل أن ينتقل للعمل لدى صاحب عمل آخر؛ وفقاً للقواعد والإجراءات التي تحددها وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية."؛ بما مؤداه أن رغبة الموظف أو العامل في هجر وظيفته أو عمله، والانتقال لجهة أخرى، أو صاحب عمل آخر، ولئن قد يترتّب عليها إخلال بالتزاماته تجاه الجهة التي يعمل بها أو صاحب العمل، إلا أن هذا الإخلال تحكمه قواعد القانون واتفاق الطرفين بالعقد، وهي قواعد مدنية نظمتها قانون الموارد البشرية أو اللوائح الخاصة لكل جهة، أو قانون العمل بالنسبة لمن يسري عليهم، ويتحمّل تبعاتها الموظف أو العامل الذي حاد عنها، ويتم حسمها رضاءً باتفاق الطرفين، أو قضاءً في حالة عدم اتفاقهما، ومن ثم فلا يجوز إجباره على الاستمرار في هذا العمل دون إرادته، ولا يخل بحقه في الانتقال للعمل لدى جهة أخرى ونقل كفالته لها، دون موافقة المستقدم الأصلي أياً كانت المدة التي انقضت من العقد المبرم بينهما، فإن كان من الخاضعين لقانون العمل، وجب أن يلتزم بالقواعد والإجراءات التي تضعها وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية في هذا الشأن. لمّا كان ذلك، وكانت الهيئة المطعون ضدها قد قامت بإنهاء عقد العمل مع الطاعن بالإرادة المنفردة، وانفصم عرى علاقة العمل بينهما، فإن نقل كفالة الطاعن – والحال كذلك- لا يستلزم موافقتها، ويجوز للجهة المختصّة الموافقة على نقل الكفالة دونها إذا ما استوفى الطاعن باقي الشروط، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص للنتيجة ذاتها، فلا يعيبه ما وقع فيه من تقريرات قانونية خاطئة، ما دامت لا تنال أو تؤثر في سلامة النتيجة التي انتهى إليها؛ إذ لمحكمة التمييز تصحيح ما وقع فيه من خطأ دون أن تميزه، ويضحى النعي عليه بهذا السبب غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثالث والرابع من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال؛ ذلك أن مدة العقد المبرم بينه والهيئة المطعون ضدها خمس سنوات، إلا أن الهيئة قامت بإنهاء العقد قبل انتهاء تلك المدة، استناداً إلى أحد نصوص العقد، رغم أنه لا يوجد مبرر لهذا الإنهاء، ويتعارض مع اتجاه إرادة الطرفين إلى الالتزام بمدة العقد المتفق عليها، بما يكون قرار الهيئة المطعون عليها معيباً بالتعسّف في استعمال الحق، فضلاً على استحقاقه لمنحة الإجازة الدورية؛ وفقاً للائحة شئون الموظفين بالهيئة، إلا أن الحكم المطعون فيه اعتدّ بإنهاء العقد قبل مدته، وقضى بعدم أحقيته في منحة الإجازة الدورية المقررة بلائحة شؤون الموظفين بالهيئة باعتبارها أحد البدلات التي علقها العقد المبرم بينهما بالمادة السادسة منه على موافقة رئيس الهيئة المطعون ضدها؛ بما يعيبه، ويستوجب تمييزه.
وحيث إن هذا النعي في شقيه سديد؛ ذلك أنه من المقرّر - في قضاء هذه المحكمة- أن القوانين المنظمة لعلاقات العمل كأصل عام سواء أكانت حاكمة للعلاقات التعاقدية أو للعلاقات اللائحية التنظيمية تتضمن بعض أحكامها قواعد آمرة تتعلّق بالنظام العام تضمن للعامل أو الموظف الحد الأدنى من الحصانة لحقوقه ومميزاته بحسبانه هو الطرف الأضعف في تلك العلاقة بما يقتضي تدخل المشرّع بنصوص ملزمة حماية له من تغول صاحب العمل أو جهة الإدارة، وهو ما يترتّب عليه أنه إن تضمن عقد العامل أو الموظف حقوقاً أو مزايا تزيد عن ذلك الحد الأدنى الوارد بالقانون، فإن نصوص العقد تكون هي واجبة التطبيق دون النص القانوني، أما أي شروط بالعقد تنتقص من الحد الأدنى القانوني، فإنها تضحى باطلة، ويضحى النصّ القانوني هو الواجب إعماله في شأن أي مسألة وردت في العقد بالمخالفة للقانون. وكان النصّ في المادة (169) من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012– والمقابل لنصّ المادة (107) من قانون إدارة الموارد البشرية المدنية الصادر بالقانون رقم (15) لسنة 2016- على أن: " تنتهي خدمة العضو أو الموظف لأحد الأسباب الآتية: 1- بلوغ سن الستين. 2- انتهاء مدة العقد. 3- الاستقالة أو إنهاء الخدمة بغير الطريق التأديبي. 4- عدم اللياقة للخدمة طبياً. 5- الفصل أو العزل بقرار تأديبي. 6- الفصل بقرار أميري لأسباب تتعلق بالصالح العام. 7- الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة. 8- سحب أو إسقاط الجنسية القطرية. 9- إلغاء الوظيفة. 10- الوفاة."؛ يدلّ على أنه إذا أبرمت الجهة الإدارية عقداً لمدة محدّدة مع أحد الموظفين باعتباره أحد أدوات التعيين في الوظيفة، فإن هذا العقد يرتّب التزامات متبادلة بين الطرفين، فتلتزم الجهة الإدارية بعدم إنهاء العقد بغير مبرر طوال المدة المتفق عليها به، ويقابله التزام الموظف بأن يضع نفسه تحت تصرّفها خلال تلك المدة، ذلك أن المشرّع قد حدّد على سبيل الحصر أسباب انتهاء خدمة الموظف – سواء الموظفين الذين يسري عليهم قانون إدارة الموارد البشرية أو هؤلاء الخاضعين للائحة شئون الأعضاء والموظفين بالهيئة- ومن بينها انتهاء مدة العقد، بما مؤداه وجوب انقضاء مدة العقد كاملة غير منقوصة، حتى يمكن الاستناد إليه كسبب من أسباب انتهاء الخدمة، ومن ثم فلا يجوز للجهة الإدارية إنهاء خدمة الموظف خلال سريان مدة العقد ما لم يتوافر سبب آخر من أسباب إنهاء الخدمة كالفصل التأديبي أو الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في الجرائم التي تعتبر مخلّة بالشرف أو الأمانة، أو غيرها من تلك الأسباب التي حددها المشرّع بالنصّ ذاته. ولا يغير من ذلك إيراد الجهة الإدارية بالعقد المبرم مع الموظف نصّاً يتيح لها إنهاء العقد قبل انقضاء مدته، أو النصّ به على أسباب لإنهاء خدمة الموظف لم يوردها المشرّع نفسه بالقانون، وإلا كان هذا النصّ باطلاً حابط الأثر، ذلك أن العقد الذي تبرمه جهة الإدارة مع الموظف كأداة من أدوات التعيين بالوظيفة العامة يجب أن يتضافر في إطار منظومة القانون، ويتناغم مع قيمها وثوابتها، فلا يتخطاها أو يتحلل عنها، ولا يتدنى أو ينتقص من حقوق الموظف ومستحقاته، ولا أن تتناقض نصوص العقد وتتعارض، فتكون بعضها لبعض نكيراً، فيجب أن يلتزم العقد بتخوم القانون، ويتحدد بضوابطه، ويتغيّا تحقيق إرادة المشرّع من إيراده كأداة من أدوات التعيين في الوظيفة العامة، فتكون نصوصه التي لم ترد بنصّ القانون تستهدف حقوق الموظف بالمنح وليس المنع، وبالإضافة لا السلب، وبالمزية لا الطوية، فيتسع العقد لإكساب حقوق ومزايا لشاغل الوظيفة، وينوء عن الانتقاص من الحدود الدنيا لما كفله المشرّع له بنصّ القانون، وإلا كان ذلك نقضاً للحق بعد تقريره ومصادرة له بعد نشوئه. وكان المشرّع قد خصّ بالباب الرابع من لائحة شؤون أعضاء وموظفي هيئة الرقابة الإدارية والشفافية الصادرة بالقرار الأميري رقم (35) لسنة 2012 الرواتب والبدلات والعلاوات والمزايا الوظيفية التي يستحقها أعضاء وموظفو الهيئة، وأفرد لمنحة الإجازة الدورية نصّ المادة (106) منها، والذي جرى على أن: " يُصرف للعضو أو الموظف، منحة إجازة دورية تعادل راتب شهر واحد عن كل سنة، بشرط قيام العضو أو الموظف بالإجازة الدورية."، والمادة (107) من اللائحة ذاتها بأن: " تُصرف للعضو أو الموظف كامل مستحقاته عن الإجازة الدورية مع راتب الشهر الذي يسبق الإجازة." بما مفاده أن المشرّع مايز بين البدلات التي اعتبرها من توابع الراتب الشهري، وبين منحة الإجازة الدورية التي تصرف مرة واحدة في السنة بما لا يجوز معه الخلط بينها وبين الراتب وملحقاته، ولا يتوقف هذا الصرف على قرار من الجهة الإدارية بتحديد مستحقيها، ما دام المشرّع قد أوجبها لكافة موظفي الهيئة دون تخصيص، فلا يجوز عندئذٍ حرمان أيهم منها ما دام قد قام بإجازته الدورية. لمّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب الطاعن بالتعويض عن إنهاء العقد بغير مبرر قبل انتهاء مدته المتفق عليها، على ما أورده بمدوناته من أن النصّ بالمادة (16) من العقد المبرم بينهما يمنح الهيئة المطعون ضدها أحقية في إنهاء العقد في أي وقت بعد إخطار كتابي للطاعن مدته ستون يوماً على الأقل، في حين أن هذا النصّ بالعقد فضلاً عن تعارضه مع اتفاق الطرفين بالمادة الثالثة من العقد ذاته على تحديد مدة العقد بخمس سنوات، فإنه أيضاً يضحى باطلاً لانتقاصه من حقوق الطاعن التي كفلها له المشرّع بنصّ لائحة شئون الموظفين بالهيئة بقصر إنهاء الخدمة قبل انتهاء مدة العقد على أسباب أوردها على سبيل الحصر، فإن إنهاء العقد لغير أحد هذه الأسباب لا يعدو أن يكون تعسّفاً في استعمال السلطة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه في خصوص طلب منحة الإجازة الدورية المقررة بلائحة شئون الموظفين بالهيئة إلى اعتبارها ضمن البدلات المعلق صرفها للطاعن على موافقة رئيس الهيئة المطعون ضدها؛ استناداً لنصّ المادة (6) من العقد، وأياً ما كان وجه الرأي في هذا النصّ، فإن هذه المنحة لا تعتبر من بين هذه البدلات التي عناها النصّ واللصيقة بالراتب، بل إنها ميزة خصّ بها المشرّع الموظف بالهيئة بنصّ اللائحة، وأفرد لها نصاً مستقلاً عن الراتب وبدلاته، ولا يجوز حرمانه منها ولو بنصّ في العقد المبرم مع الموظف، فإن الحكم المطعون فيه يكون فضلاً عن فساده في الاستدلال قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه؛ مما يوجب تمييزه في هذين الشقين.