جلسه 11 من يناير سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ محمد محمد زايد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد حسام الغرياني ومحمد شتا نائبي رئيس المحكمة وأسامة توفيق وهشام البسطويسي.
---------------
(7)
الطعن رقم 11343 لسنة 68 القضائية
(1) نقض "التقرير بالطعن وإيداع الأسباب".
عدم إيداع الطاعنة أسباباً لطعنها. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) إعدام. نيابة عامة.
عرض النيابة العامة القضية في الميعاد المحدد بالمادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن بالقانون رقم 57 لسنة 1959 بمذكرة برأيها. أثره: قبول هذا العرض.
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
طلب الطاعنة توكيل محام. قعودها عن ذلك وطلبها من المحكمة ندب محام للدفاع عنها. ندب المحكمة محامياً لها ومنحه الوقت للاطلاع والاستعداد وإبدائه مرافعته وطلباته. كفايته رداً على نعى الطاعنة بالإخلال بحق دفاعها.
(4) إثبات "اعتراف". دفوع "الدفع بالبطلان الاعتراف للإكراه". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الاعتراف من عناصر الاستدلال. لمحكمة الموضوع تقدير صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع.
قول الدفاع بأن الطاعنة كانت تحت سيطرة الشرطة ويمكن أن يحدث تأثيراً عليها ولا يعقل أن تعترف في النهاية. من العبارات المرسلة التي لا تحتمل معنى الإكراه ولا معنى التهديد.
(5) أسباب الإباحة وموانع العقاب "عاهة عقلية".
تحصيل الحكم من تقرير مستشفى الصحة النفسية أن المتهمة كانت بكامل وعيها وقت ارتكابها جريمتها ولا يوجد ما ينفي مسئوليتها. كفايته رداً على نعى الطاعنة بارتكابها الواقعة تحت تأثير عاهة في العقل.
(6) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب للتدليل على توافر نية القتل.
(7) قتل عمد. سبق إصرار. ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. البحث في توافره. موضوعي.
(8) إعدام. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الحكم الصادر بالإعدام. ما يلزم من تسبيب لإقراره؟
2 - إذ كانت النيابة العامة عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - وذلك في الميعاد المحدد بالمادة 34 منه - بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليها ومن ثم يتعين قبول هذا العرض.
3 - إذ كانت الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكوم عليها طلبت من المحكمة أجلاً لتتمكن من توكيل محام فأجابتها المحكمة إلى ذلك غير أنها لم توكل أحداً وإنما طلبت من المحكمة أن تندب لها من يدافع عنها فندبت المحكمة لذلك المحامي...... ومكنته من الاطلاع على القضية وأفسحت له الأجل الذي طلبه للاستعداد ثم ترافع وأبدى ما عن له من أوجه الدفاع فاستوفت المحكوم عليها بذلك حقها في الدفاع.
4 - إن المدافع عن المحكوم عليها وإن أشار في مرافعته إلى أنها كانت تحت سيطرة الشرطة واستنتج من ذلك أنه يمكن أن يحدث تأثير عليها لتغير أقوالها وأنه لا يعقل أن تعترف في النيابة، إلا أن العبارات التي ساقها الدفاع في هذا المساق من العبارات المرسلة التي لا تحمل معنى الإكراه ولا معنى التهديد. وإذ كان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة وللواقع.
5 - إذ كان الحكم المعروض قد حصل من تقرير مستشفي الصحة النفسية أن المتهمة كانت بكامل وعيها وقت ارتكابها الجريمة المنسوبة إليها وأنه لا يوجد ما ينفي مسئوليتها من الناحية العقلية عن تلك الجريمة، فإن في هذا ما يفي بالرد على ما أثير في الأوراق من شبهة أن تكون المتهمة قد ارتكبت جريمتها تحت تأثير عاهة في العقل.
6 - إذ كان الحكم قد استظهر قيام نية القتل في حق المحكوم عليها بقوله "أن الظروف والملابسات التي أحاطت بالدعوى تقطع بتوافر هذا القصد لدى المتهمة فقد تكمن منها الحقد والحسد فقامت بخطف الطفلة المجني عليها من شرفة مسكنها وتسللت بها خفية إلى مسكنها وقامت بلف الايشارب حول عنقها وراحت تشد عليه بكل قوتها وقسوتها وهى تعلم يقيناً أن ذلك سوف يؤدى حتماً إلى وفاتها ولم تتركها إلى جثة هامدة وقد فارقت الحياة وعندما سمعت طرق الأم الثكلى على باب مسكنها لفتها في جلباب لها وأخفتها في صيوان الملابس ووضعت عليها بعض الملابس المبللة بالماء، فإن كل هذه الظروف والمظاهر تقطع بأن المتهمة إنما قصدت من فعلتها قتل المجني عليها غلاً وحسداً وحقداً على والدتها التي كانت فرحة بها وكانت دوماً تداعبها وتلاعبها أماهما وهى العاقر العقيم" وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم - فيما سلف - يكفي في استظهار نية القتل، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
7 - إن البحث في وجود سبق الإصرار من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
8 - إذ كان الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وجريمة الخطف اللتين دان بهما المحكوم عليها أورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة مردودة إلى أصولها الثابتة في الأوراق وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما نصت الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية من استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام، وصدور هذا الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وصدر من محكمة مؤلفة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن تستفيد منه المحكوم عليها على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدامها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بوصف 1 - قتلت...... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدت العزم وبيتت النية على قتلها وحملتها من شرفة مسكن ذويها إلى منزلها وما أن ظفرت بها حتى طوقت عنقها بغطاء رأس "ايشارب" وجذبته بشدة قاصدة من ذلك قتلها فأحدثت بها الأعراض الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. 2 - خطفت بالإكراه المجني عليها سالفة الذكر حالة تواجدها بشرفة مسكن ذويها وتوجهت بها إلى محل إقامتها وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتها إلى محكمة جنايات دمنهور لمعاقبتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعت والدة المجني عليها مدنياً قبل المتهمة بإلزامها أن تؤدي لها مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قررت وبإجماع الآراء إرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتى الجمهورية لإبداء الرأي وحددت جلسة للنطق بالحكم وبالجلسة المحددة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 290/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من ذات القانون، وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهمة بالإعدام شنقاً وفي الدعوى المدنية بإلزامها بأن تؤدى للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المؤقت فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض كما عرضت النيابة القضية بمذكرة مشفوعة بالرأي وقضت تلك المحكمة - محكمه النقض - أولاً: بعدم قبول الطعن المقدم من المحكوم عليها شكلاً.
ثانياً: بقبول عرض النيابة وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات دمنهور لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة بهيئة "مغايرة" قررت بإجماع الآراء إرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتى الجمهورية لإبداء الرأي وحددت جلسة .... للنطق بالحكم وبالجلسة المحددة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 290/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من ذات القانون وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهمة بالإعدام شنقاً.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) كما عرضت النيابة العامة القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها.
المحكمة
من حيث إن المحكوم عليها وإن قررت بالطعن في الميعاد إلا أنها لم تقدم أسباباً لطعنها ومن ثم يكون الطعن المقدم منها غير مقبول شكلاً لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم الأسباب يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر.
ومن حيث إن النيابة العامة عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - وذلك في الميعاد المحدد بالمادة 34 منه - بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليها ومن ثم يتعين قبول هذا العرض.
وحيث إن الحكم حصل واقعة الدعوى في قوله "أن المتهمة...... شاء الله لها أن تكون عاقراً - لم تلد رغم زواجها مرتين - غير أنها لم تصبر على قضاء الله وقدره وتملكها الضعف والهوى فوسوس لها الشيطان وتمكن منها وأغواها وملأ قلبها بالحقد الأسود، فعاشت مغمومة محرومة وصارت عند الخالق والخلائق شقية مذمومة، فقد اجتمعت في العاشرة من صباح يوم الحادث مع.... أم الطفلة المجني عليها...... بشرفة مسكن الأولى التي كانت تحنو على صغيرتها وتداعبها وتلاعبها وتدللها، وبعد فترة انصرفت المتهمة....... إلى مسكنها لقضاء مصالحها، وبعد أن وصلت المتهمة إلى مسكنها فكرت وعقدت العزم على قتل الطفلة المجني عليها وتملكتها الغيرة والحسد وبعد حوالي ساعة عادت ثانية إلى الشرفة فوجدت الطفلة المجني عليها بمفردها فقامت بخطفها إلى منزلها وحملها إلى الحمام وخلعت الايشارب من فوق رأسها ولفته حول رقبتها وجذبته بشدة ولم تتركها إلا جثه هامدة، والمجني عليها لا تعرف إذا سئلت بأي ذنب قتلت، وإذ بالأم الثكلى تطرق باب المتهمة ملهوفة على صغيرتها تسأل عنها، فأسرعت وقامت بوضع الجثة بصيوان الملابس وغطتها ببعض الملابس المبللة بالماء وأجابت الأم المسكينة بأنها قد حملت الصغيرة إلى مسكنها وأعطتها برتقالة ثم أعادتها إلى الشرفة ثانية وتركتها وحدها وراحت تبحث عن المجني عليها مع الباحثين - وهى لا تعلم بأن الله يرى وأن فعلها سوف يرى - وفي المساء وبعد أن شعرت أن الكل قد أوى إلى مسكنه لفت جثة المجني عليها بجلباب لها ليشير إلى قاتلتها وألقت بها من نافذة الحمام إلى فناء مسكن..... المجاور لمسكن المتهمة، وفي الصباح, صباح اليوم التالي، تم العثور على جثة المجني عليها ملفوفة بجلباب المتهمة، وقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليها نتيجة اسفكسيا الخنق". وساق الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة استقاها من أقوال شهود ذكرهم ومن اعتراف المتهمة في تحقيق النيابة العامة ومن معاينة النيابة لمكان الحادث ومن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليها ومن تقرير مستشفي الصحة النفسية، وأورد مضمون كل من هذه الأدلة بما يتفق وحقيقته الثابتة بالأوراق وخلص إلى إدانة المحكوم عليها بوصف أنها في يوم 5 من يناير سنة 1996 أولاً: قتلت عمداً ومع سبق الإصرار..... ثانياً: خطفت الطفلة المجني عليها سالفة الذكر، الأمر المؤثم بالمواد 230، 231، 290/ 1 من قانون العقوبات وأنزلت المحكمة عقوبة الجريمة الأشد (الإعدام) عملاً بالمادة 32 منه. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكوم عليها طلبت من المحكمة أجلاً لتتمكن من توكيل محام فأجابتها المحكمة إلى ذلك غير أنها لم توكل أحداً وإنما طلبت من المحكمة أن تندب لها من يدافع عنها فندبت المحكمة لذلك المحامي ..... ومكنته من الاطلاع على القضية وأفسحت له الأجل الذي طلبه للاستعداد ثم ترافع وأبدى ما عن له من أوجه الدفاع فاستوفت المحكوم عليها بذلك حقها في الدفاع. ولما كان المدافع عن المحكوم عليها وأن أشار في مرافعته إلى أنها كانت تحت سيطرة الشرطة واستنتج من ذلك أنه يمكن أن يحدث تأثير عليها لتغيير أقوالها وأنه لا يعقل أن تعترف في النيابة، إلا أن العبارات التي ساقها الدفاع في هذا المساق من العبارات المرسلة التي لا تحمل معنى الإكراه ولا معنى التهديد، وإذ كان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة وللواقع، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف المتهمة المفصل في التحقيقات لما ارتأته من أنه يطابق الواقع الذي استظهرته من تقرير الصفة التشريحية أيدته أقوال الشهود الإثبات فإنه لا يعيب الحكم إعراضه عما أثاره الدفاع بشأنه على نحو ما سلف. لما كان ذلك, وكان الحكم المعروض قد حصل من تقرير مستشفى الصحة النفسية أن المتهمة كانت بكامل وعيها وقت ارتكابها الجريمة المنسوبة إليها وأنه لا يوجد ما ينفي مسئوليتها من الناحية العقلية عن تلك الجريمة، وكان في هذا ما يفي بالرد على ما أثير في الأوراق من شبهة أن تكون المتهمة قد ارتكبت جريمتها تحت تأثير عاهة في العقل. ولما كان الحكم قد استظهر قيام نية القتل في حق المحكوم عليها بقوله "أن الظروف الملابسات التي أحاطت بالدعوى تقطع بتوافر هذا القصد لدى المتهمة فقد تكمن منها الحقد والحسد فقامت بخطف الطفلة المجني عليها من شرفة مسكنها وتسللت بها خفية إلى مسكنها وقامت بلف الايشارب حول عنقها وراحت تشد عليه بكل قوتها وقسوتها وهى تعلم يقيناً أن ذلك سوف يؤدى حتماً إلى وفاتها ولم تتركها إلى جثة هامدة وقد فارقت الحياة وعندما سمعت طرق الأم الثكلى على باب مسكنها لفتها في جلباب لها وأخفتها في صيوان الملابس ووضعت عليها بعض الملابس المبللة بالماء، فإن كل هذه الظروف والمظاهر تقطع بأن المتهمة إنما قصدت من فعلتها قتل المجني عليها غلاً وحسداً وحقداً على والدتها التي كانت فرحة بها وكانت دوماً تداعبها وتلاعبها أمامها وهى العاقر العقيم"، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم - فيما سلف - يكفي في استظهار نية القتل، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. ولما كان الحكم قد استظهر بعد ذلك وجود سبق الإصرار لدى المحكوم عليه بقوله: "أن المحكمة تستخلص توافر هذا الظرف لدى المتهمة من غيرتها الشديدة وغلها من والدة المجني عليها ومعاناتها الشديدة من عدم الإنجاب رغم زواجها مرتين والضغينة التي تولدت في نفسها كلما شاهدت الأم الثكلى تحنو على صغيرتها المجني عليها، فقد اعترفت المتهمة صراحة أنها بعد أن تركت المجني عليها مع والدتها وانصرفت إلى مسكنها انتوت قتل المجني عليها وصممت على ذلك وحدث وخرجت من مسكنها لخطفها وقتلها لحقدها على والدتها وجمال وحسن المجني عليها الصغيرة، وما أن واتتها الفرصة وانفردت بالمجني عليها وأيقنت بأنها تقف بمفردها بشرفة منزلها حتى قامت بخطفها وقد امتلأت بالحقد والغيرة وقامت بتنفيذ ما صممت وأصرت عليه بقتل المجني عليها لتطفي بذلك نار حقدها وحسدها. ومن ثم، فإن المحكمة ترى من كل ذلك توافر ظروف سبق الإصرار في حق المتهمة". وما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به القانون، ذلك بأنه من المقرر أن البحث في وجود سبق الإصرار من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع الاستنتاج - كما هو الحال في الحكم المعروض - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وجريمة الخطف اللتين دان بهما المحكوم عليها وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة مردودة إلى أصولها الثابتة في الأوراق وتؤدي ما رتبه الحكم عليها، كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية من استطلاع رأى مفتى الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام، وصدور هذا الحكم بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه وتأويله وصدر من محكمة مؤلفة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى يصح أن تستفيد منه المحكوم عليها على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدامها.