الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 أغسطس 2023

الطعن 507 لسنة 16 ق جلسة 1 / 12 / 1973 إدارية عليا مكتب فني 19 ق 12 ص 31

جلسة 1 من ديسمبر سنة 1973

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمود طلعت الغزالي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.

-----------------

(12)

القضية رقم 507 لسنة 16 القضائية

عاملون مدنيون - تأديب - إعارة.
اختصاص الجهة المعار إليها العامل بتأديبه منوط بأن تكون من الجهات التي تملك قانوناً توقيع الجزاءات التأديبية - تخلف الحكمة في حالة الإعارة إلى جهة لا تملك توقيع الجزاءات التأديبية - اختصاص الجهة الأصلية التي يتبعها العامل بمساءلته تأديبياً عما وقع منه خلال الإعارة - أساس ذلك - مثال.

----------------
إن الثابت من استقراء الأحكام الخاصة بالتحقيق مع العاملين وتأديبهم التي تضمنها نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 46 لسنة 1964 - الذي وقعت في ظله المخالفات المسندة إلى المخالف - وتلك التي نص عليها نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 58 لسنة 1971، أن المشرع حدد في المادة 61 من النظام الأول التي تقابله المادة 57 من النظام الثاني الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين والتي تندرج بالنسبة لطائفة منهم من الإنذار إلى الفصل من الخدمة مع جواز الحرمان من المعاش أو المكافأة في حدود الربع وتصل الجزاءات بالنسبة للطائفة الأخرى من العاملين إلى الإحالة إلى المعاش والعزل من الوظيفة مع جواز الحرمان من المعاش أو المكافأة وفي حدود الربع أيضاً. كما حدد المشرع في المادتين 63 من النظام الأول و58 من النظام الثاني، السلطات التأديبية التي تختص بتوقيع الجزاءات التأديبية المشار إليها، ومبيناً نطاق اختصاص كل من السلطات الإدارية والمحكمة التأديبية في هذا الشأن، وأردف ذلك في الفقرة الأخيرة من كل من هاتين المادتين وبصيغة تكاد أن تكون واحدة أنه في حالة إعارة العامل أو ندبه للقيام بعمل وظيفة تكون السلطة التأديبية بالنسبة إلى المخالفات التي يرتكبها في مدة إعارته أو ندبه هي الجهة التي أعير إليها أو ندب للعمل بها.
ومن حيث إن مفاد النصوص السالفة البيان أن المشرع ناط بالسلطات التأديبية في الجهات التي يعار إليها العاملون المدنيون بالدولة أو يندبون للعمل بها الاختصاص في تأديب هؤلاء العاملين بالنسبة إلى ما يرتكبونه من مخالفات في مدة إعارتهم أو ندبهم، وسلب المشرع بذلك كل اختصاص للجهة الأصلية التي يتبعها العامل في أن تنظر فيما اقترفه أثناء إعارته أو ندبه من مخالفات أو فيما قد يترتب على هذه المخالفات من انعكاسات تخدش سمعته وتسيء إلى سلوكه في عمله الأصلي. وبديهي أن هذا الحكم لا تتحقق حكمته إلا إذا كانت السلطة التأديبية في الجهة التي يعار إليها العامل أو ينتدب للقيام بالعمل فيها تملك قانوناً توقيع جزاءات تأديبية على العاملين المعارين إليها أو المنتدبين للقيام بالعمل فيها من جنس الجزاءات التي يخضع لها هؤلاء العاملون في الجهات الأصلية التي يتبعونها، وذلك استهدافاً للمساواة بين العاملين المدنيين بالدولة سواء منهم من يمارس أعباء وظيفته الأصلية أو يباشر عملاً آخر في جهة أخرى بطريق الإعارة أو الندب. وهذا المعنى هو ما يتبادر فهمه من سياق نصوص المواد الخاصة بالتحقيق مع العاملين وتأديبهم سالفة البيان، فقد ربط المشرع بين السلطات التأديبية وبين الجزاءات التأديبية التي نص عليها عندما حدد اختصاص كل سلطة منها بتوقيع جزاءات تأديبية معينة. على وجه يتحدد معه أن المشرع قد قصد من عبارة السلطات التأديبية في حكم الفقرة الأخيرة من كل من المادة 63 من نظام العاملين المدنيين بالدولة السابق والمادة 58 من نظام العاملين المدنيين بالدولة القائم، أنها هي السلطات التأديبية التي تملك قانوناً الاختصاص بتوقيع جزاءات تأديبية مماثلة للجزاءات التي تملكها السلطات التأديبية في الجهاز الإداري أو من جنسها، بمعنى أنه يكون من شأنها أن تمس أساساً المركز الوظيفي الأصلي للعامل أو الحقوق المنبثقة عنه، كالخصم من مرتبه ووقفه عن العمل وتأجيل موعد استحقاق علاواته والحرمان منها وتتجاوز ذلك إلى إنهاء الرابطة الوظيفية ذاتها كما هو الشأن بالنسبة للفصل والعزل من الخدمة والإحالة إلى المعاش وتتطرق إلى حقوق العامل بعد انتهاء خدمته كالحرمان من المعاش أو المكافأة في حدود الربع مثلاً. ومن ثم فإنه إذا امتنع قانوناً على السلطات التأديبية، في الجهات التي يعار إليها العاملون المدنيون بالدولة أو ينتدبون للقيام بالعمل فيها، أن توقع عليهم جزاءات لها سمات الجزاءات التأديبية المشار إليها، فإنها لا تعد في مفهوم القانون المذكور من السلطات التأديبية التي تجب سلطة الجهات الأصلية - التي يتبعها العامل - في النظر فيما يرتكبه من مخالفات أثناء فترة إعارته أو ندبه للعمل ويكون لها ثمة انعكاس على سلوكه العام في عمله الأصلي من حيث الإخلال بكرامتها ومقتضياتها.
ومن حيث إن النيابة الإدارية قد نسبت إلى المخالف ارتكاب أمور في دولة الجزائر أثناء فترة إعارته للعمل بالتدريس فيها من شأنها لو ثبتت في حقه - أن تصفه بالخروج على ما يجب أن يتصف به العاملون بعامة ومربو النشء بخاصة من التحلي بواجبات السلوك الطيب والسمعة الحميدة والحرص على سمعة مصر والمصريين في الخارج والبعد عن كل ما يسيء إليها، الأمر الذي ينعكس أثره ولا شك على سلوكه العام في عمله الأصلي من حيث الإخلال بكرامته ومقتضياته ويشكل بهذه المثابة مخالفة إدارية تستتبع المساءلة التأديبية. وإذا كان الأمر كذلك وكانت الجهة المعار إليها المخالف المذكور إحدى الدول العربية التي لا سلطان لها قانوناً على الرابطة الوظيفية التي تربط العاملين المصريين بالجهاز الإداري المصري، وبالتالي لا يمتد سلطانها إلى المساس بالمراكز القانونية المترتبة على هذه الروابط، فإنه ترتيباً على ذلك لا تملك دولة الجزائر، أن توقع على المخالف جزاءات تأديبية تمس الرابطة الوظيفية المشار إليها، كالخصم من مرتبه أو وقفه عن عمله الأصلي أو تأجيل موعد علاواته المستحقة له في مصر أو حرمانه منها أو فصله من خدمة الحكومة المصرية أو عزله أو إحالته إلى المعاش أو المساس بما يستحقه من معاش أو مكافأة مهما كانت جسامة المخالفة المسندة إليه. وكل ما تملكه في هذا الشأن هو مجرد توقيع جزاءات تمس الروابط الناشئة عن الإعارة فقط وهي تلك التي تتعلق بالمزايا المالية المترتبة على هذه الإعارة أو إنهائها دون أن يتعدى أثرها إلى الرابطة الأصلية التي تربط هذا العامل بوظيفته الأصلية، وهو الأمر الذي سلكته دولة الجزائر فعلاً عندما أنهت إعارته باعتبار أن هذا الإجراء هو أقصى ما تملكه حياله.
ومن ثم فلا يسوغ القول - على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه - بأن تأديب المخالف عن المخالفة التي ارتكبها خلال فترة إعارته في الجزائر معقودة قانوناً للجهة المعار إليها هذا العامل دون الجهة المعيرة، وأنه بالتالي لا اختصاص للمحكمة بنظر هذه المخالفة، لا يسوغ هذا القول لأن مؤداه أن تسلب السلطات التأديبية في مصر حق مساءلة العامل المذكور مهما كانت درجة جسامة خروجه على مقتضيات وظيفته الأصلية ومهما تراءى لها أن ما نسب إليه يستتبع المؤاخذة التأديبية الرادعة، وذلك في الوقت الذي لا تملك فيه السلطات التأديبية في دولة الجزائر ممارسة هذا الاختصاص قانوناً قبله.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - وقد أخذ بغير هذا النظر - وقضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر المخالفة المنسوبة إلى المخالف، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ومن ثم يتعين الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم باختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل في موضوعها مع إلزام المطعون ضده مصروفات الطعن المقام من النيابة الإدارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق