جلسة 27 من يونيه سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع (نواب رئيس مجلس الدولة).
-----------------
(145)
الطعن رقم 1774 لسنة 29 القضائية
اختصاص - اختصاص محكمة القيم بنظر التظلمات المتعلقة بتطبيق المادة 74 من الدستور.
المادة 74 من الدستور، والمادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980، القرار بقانون رقم 154 لسنة 1981 بإضافة بند جديد برقم "خامساً" إلى المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب.
قرار رئيس الجمهورية رقم 492 لسنة 1981 بحل عدد من الجمعيات من بينها جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً شأنه في ذلك شأن القرار الذي يصدر عن وزير الشئون الاجتماعية بحل الجمعيات الخاضعة لأحكام القانون رقم 32 لسنة 1964 إعمالاً لنص المادة 57 منه إذ أثبت ارتكابها لمخالفة جسيمة للقانون أو خروجها على النظام العام أو الآداب - القراران كلاهما يتوخيان إنهاء الوجود القانوني للجمعية لخروجها على حكم القانون بمعناه العام - لا يحول الاستفتاء الشعبي دون الطعن على هذا القرار أو تطهيره من العيوب التي شابته - أساس ذلك: ليس من شأن هذا الاستفتاء أن يرد قراراً معدوماً إلى الحياة ولا إسباغ الصحة على قرار باطل ولا أن يغير من طبيعته فيلحقه بأعمال السيادة - العبرة في تحديد التكييف القانوني لأي عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان عملاً إدارياً أم من أعمال السيادة هي بطبيعته العمل ذاته - انتزع المشرع بالقرار بقانون رقم 154 لسنة 1981 من الولاية العامة لمجلس الدولة جانباً من المنازعات التي تدخل أصلاً فيها وسلكها في عداد التظلمات التي تفصل فيها محكمة القيم فصلاً قضائياً وفقاً للقواعد والإجراءات التي رسمها قانونها - التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة 74 من الدستور والتي تدخل في ولاية محكمة القيم تعد خصومة قضائية بمعنى الكلمة ولا تعتبر من التظلمات الإدارية - تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 24 من إبريل سنة 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا صحيفة الطعن رقم 1774/ 29 ق. ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1927/ 36 ق والقاضي برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى سواء لوجود طريق طعن أو مواز أو لرفعها بعد الميعاد القانوني وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من حل جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة وبرد رسوم الدعوى إلى المدعي بصفته، وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم والقضاء أصلياً بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى واحتياطياً: بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد ولوجود طريق طعن مقابل، ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى، وفي جميع الحالات إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي، وقدم الأستاذ المستشار مفوض الدولة تقريراً برأي هيئة مفوضي الدولة رأى فيه الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القيم، وإلزام المطعون ضده بمصروفات الطعن.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 17 من أكتوبر سنة 1988 وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره جلسة 26/ 11/ 1988 وبالجلسة الأخيرة قررت المحكمة وقف نظر الطعن إلى حين الفصل في موضوع تنازع الاختصاص في الطعن رقم 2350 لسنة 31 ق وبجلسة 27/ 12/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 24/ 1/ 1993 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 14/ 3/ 1993 ثم بجلسة اليوم لإتمام المداولة، وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 5/ 2/ 1982 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 1927 لسنة 26 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طلب في ختامها بقبول الدعوى شكلاً وبصفة عاجلة وبوقف تنفيذ القرار الجمهوري رقم 942 لسنة 1981 فيما تضمنه من حل جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، باعتباره كأن لم يكن، وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقال شرحاً لدعواه أن رئيس الجمهورية السابق أصدر في 2/ 9/ 1981 القرار المطعون فيه والذي قضي بحل كافة الجمعيات المشهرة وفقاً للقانون رقم 32 لسنة 1964 المبينة بالكشف المرفق بالقرار والتي ما رست نشاطاً هدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن، ومن بين الجمعيات التي وردت - بالكشف المذكور جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة التي يمثلها المدعي بوصفه رئيساً لمجلس إدارتها، وأنه قبض على المدعي ضمن المتحفظ عليهم، وينعى المدعى على القرار المطعون فيه انعدامه لانعدام سببه فالجمعية لم تمارس نشاطاً يهدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن، وتقوم على مدى ثلاثين عاماً بتدعيم الوحدة الوطنية في كافة ميادين الخدمة الاجتماعية، وطلب الحكم له بطلباته السابقة.
وبجلسة 15 من مارس سنة 1983 صدر الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبرفض الدفع بعدم فبول الدعوى سواء لوجود طريق طعن مواز أو لرفعها بعد الميعاد القانوني وبقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من حل جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة وبرد رسوم الدعوى إلى المدعي بصفته، وأقامت قضاءها بالنسبة لما دفعت به الحكومة بعدم اختصاص - المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على أن القرار المطعون فيه استهدف حل الجمعية المدعية ضمن بعض الجمعيات وهذا الحل من الأعمال الإدارية العادية التي تصدر تنفيذاً لحكم المادة 57 من القانون رقم 32 لسنة 1964 في شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة وصدوره من رئيس الجمهورية استناداً إلى المادة 74 من الدستور لا يغير من طبيعته كقرار إداري حتى لو كان الباعث عليه سياسياً، لأن نظرية الباعث السياسي كمعيار للتميز بين أعمال السيادة وأعمال الإدارة نظرية مهجورة عدل عنها الفقه والقضاء نهائياً وأخذ بمعيار آخر هو طبيعة العمل في ذاته، وموافقة الشعب على القرار المطعون فيه في الاستفتاء الذي جري عليه لا يغير من طبيعته القانونية أو من مشروعيته، لأن الاستفتاء مؤداه موافقة الشعب أو عدم موافقته على القرار من حيث ملاءمته سياسياً وليس من شأنه تطهير القرار من العيوب التي يكون مشوباً بها أو تغيير طبيعته القانونية بحيث يقلب العمل الإداري إلى عمل تشريعي لأن الشعب في مصر يمارس حقه في التشريع بطريق غير مباشر عن طريق نواب في مجلس الشعب وليس بطريق مباشر، يضاف إلى ذلك أن غاية ما تستهدفه نظرية أعمال السيادة هو حجب هذه الأعمال عن رقابة القضاء وقد أعطى القانون - رقم 154 لسنة 1981 محكمة القيم الاختصاص بنظر التظلم من القانون المطعون فيه، وأصبحت بذلك تحت رقابة القضاء بغض النظر عن طبيعة هذه الرقابة وكونها رقابة تظلم ولائية وليست رقابة قضائية شاملة، وهذا من شأنه نفي شبهة عمل السيادة عن القرار المطعون فيه، وفي مقام الرد على الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود طريق طعن مواز أمام محكمة القيم طبقاً للقانون رقم 154 لسنة 1981 المعدل للمادة 34 من القانون رقم 95 لسنة 1980 بشأن محكمة القيم ذهبت المحكمة إلى أن التظلم الذي يقدم إلى محكمة القيم من الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة (74) من الدستور وهو في حقيقته مجرد تظلم ولائي شأن التظلم الذي يقدم لجهة الإدارة نفسها ارتأى المشرع إعطاء الاختصاص بالفصل فيه إلى محكمة القيم بدلاً من السلطة التنفيذية في محاولة منه ألا تكون جهة الإدارة خصماً وحكماً في ذات الوقت في تظلم من قرارات على جانب كبير من الأهمية والخطورة ابتغاء الحيدة والموضوعية وهذا التظلم لا ينهض بديلاً عن الطعن القضائي أمام القضاء المختص ولا يصح اعتباره طريق طعن مواز يحجب اختصاص هذه المحكمة لأن التظلم الولائي رغم إسناده لمحكمة القيم لا يحقق مزايا قضاء الإلغاء وضماناته، وطبقاً لقضاء المحكمة الإدارية العليا بجلسة 29/ 12/ 1979 في الطعن رقم 830/ 20 ق لا يستقيم التظلم المذكور اختصاصاً مانعاً من ولاية القضاء الإداري صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية وأنه في حقيقته محض تظلم إداري لا يعتبر بديلاً ولا يغني عن حق المواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وهو قاضي الإلغاء.
وفي الموضوع شيدت المحكمة قضاءها على أن البين من الأوراق أن الخطر الجسيم المفاجئ الذي دفع رئيس الجمهورية إلى إصدار القرار هو الأحداث التي وقعت بالزاوية الحمراء وأن الشرطة سيطرت على الموقف وصانت الأمن العام في حينه وأن النيابة العامة وضعت الأمور في نصابها وكان ذلك في شهر يونيو سنة 1981 ولذلك فإن القرار المطعون فيه وقد صدر بتاريخ 2/ 9/ 1981 في تاريخ لاحق على الأحداث المشار إليها وعلى السيطرة عليها يكون قد صدر في وقت لم تكن فيه الأمور تستلزم صدورها حتى لو كان رئيس الجمهورية يخشى وقوع أحداث خطيرة في المستقبل، لأن اتخاذ هذا القرار منوط بتوافر خطر حال لا خطر زال أو خطر قد يحدث في المستقبل، وبذلك ينتفي الركن الأول لقيام حالة الضرورة، ويكون القرار المطعون فيه غير قائم على السبب الذي استند إليه، فضلاً عن صدوره على خلاف حكم المادة (57) من القانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة مما يعيبه بعيب عدم الاختصاص، وكذلك لصدوره في غير الحالات التي عددها النص المذكور لحل مثل هذه الجمعيات، وما ذكرته جهة الإدارة من أسباب لحل هذه الجمعية تصلح لمساءلة المدعي رئيس مجلس الإدارة وحده أو مع مجلس الإدارة ولا تصلح سبباً لحل الجمعية ذاتها، الأمر الذي يعتبر معه القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله فالمسلم به أن دعوى الإلغاء لا توجه إلى القرارات الإدارية التنفيذية، والقرار المطعون فيه لا يعتبر بحسب جميع المعايير قراراً إدارياً مما يختص مجلس الدولة بنظر المنازعة المتعلقة بوقف تنفيذه وإلغائه لأنه لم يصدر عن جهة إدارية أو عن السلطة التنفيذية، كما أنه صدر عن رئيس الدولة باعتباره سلطة حكم، وقد وافق عليه الشعب في الاستفتاء الذي أجرى وفقاً لأحكام المادة 74 من الدستور ومن ثم لا يعد القرار المطعون فيه قراراً إدارياً وإنما هو عمل من أعمال السيادة وهو بهذا الوصف لا يقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن سوى التظلم الذي أجازه المشرع استثناء بالقانون رقم 154 لسنة 1981 أمام محكمة القيم ولا تكون محكمة القضاء الإداري مختصة بنظره، كما أخطأ الحكم المطعون فيه إذ لم يقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فقد نشر القرار بالجريدة الرسمية في 3/ 9/ 1981 ولم يقم المدعي دعواه إلا في 27/ 2/ 1982 كما أخطأ الحكم إذ لم يقض بعدم قبول الدعوى لوجود طريق طعن مقابل فالتظلم القضائي الذي كفله القانون أمام محكمة القيم تتحقق كل المزايا التي يمكن أن تكون لدعوى الإلغاء، كما أخطأ الحكم حين قرر زوال حالة الخطر الجسيم - المفاجئ التي تبيح رئيس الجمهورية إصدار مثل هذا القرار ذلك لأن رئيس الجمهورية هو وحده الذي يقدر توافر شروط قيام حالة الخطر الجسيم، كما أن تلك الحالة ظلت قائمة بعد الأحداث المؤسفة التي وقعت في تلك الآونة، وقد عرض رئيس الجمهورية ما اتخذه من إجراءات من بينها القرار المطعون فيه على الشعب في استفتاء جاءت نتيجته مؤيده لتلك الإجراءات ولما كانت الجمعية مسئولة على أعمال مجلس إدارتها إخلالاً بالأمن والنظام طالما أن أجهزتها لم تتخذ من جانبها ما يفيد عدم رضاها عن نشاط المطعون ضده أو مجلس الإدارة خاصة وأن النشاط المذكور كان يمارس في مقر الجمعية وبين أعضائها المترددين عليها مما يؤكد تورط الجمعية وتأييدها لما وقع من المطعون ضده وكان سبباً في إصدار القرار المطعون فيه ومن ثم فالقرار المطعون فيه صدر صحيحاً ومشروعاً ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضي بإلغائه قد خالف القانون وجانب الصواب متعين الإلغاء.
ومن حيث إن البين من حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 14 لسنة 8 قضائية "تنازع" الصادر بجلسة 7/ 3/ 1992 أن محكمة القيم المشكلة وفقاً لقانون حماية القيم من العيب - الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 جهة قضاء أنشئت كمحكمة دائمة لتباشر ما نيط بها من اختصاصات حددتها المادة (34) من هذا القانون وفقاً للضوابط والإجراءات التي نصت عليها المواد من 27 - 55 منه، وإذ صدر القرار بقانون رقم 154 لسنة 1981 بإضافة بند جديد برقم "خامساً" إلى المادة (34) من قانون حماية القيم من العيب المشار إليه تختص بمقتضاه محكمة القيم - دون غيرها - بالفصل في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة (74) من الدستور، وكان هذا القرار بقانون لم يفرد تلك التظلمات بقواعد خاصة تنتظم نظرها وتبين كيفية الفصل فيها، فإنه يكون قد أحال في شأنها إلى القواعد التي تلتزمها محكمة القيم وفقاً لقانونها بالنسبة إلى ما يدخل في اختصاصها أصلاً من مسائل، وهذه التظلمات التي تدخل في ولاية محكمة القيم تعد خصومة قضائية بمعنى الكلمة ولا تعتبر من التظلمات الإدارية وإذ خولت المادة (74) من الدستور رئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر وأن يوجه بشأنها بياناً إلى الشعب وإجراء الاستفتاء عليها خلال ستين يوماً من اتخاذها، ولما كان قرار رئيس الجمهورية رقم 492 لسنة 1981 بحل عدد من الجمعيات من بينها جمعية الكرمة القبطية بالقاهرة - محدداً على ضوء المجال الذي يعمل فيه وبالنظر إلى مضمونة وطبيعته الذاتية - لا يعد أن يكون قراراً إدارياً شأنه في ذلك شأن القرار الذي يصدر عن وزير الشئون الاجتماعية بحل الجمعيات الخاضعة لأحكام القانون رقم 32 لسنة 1964 إعمالاً لنص المادة (57) منه إذا ثبت ارتكابها لمخالفة جسيمة للقانون أو خروجها على النظام العام أو الآداب فالقراران كلاهما يتوخيان إنهاء الوجود القانوني للجمعية لخروجها على حكم القانون بمعناه العام وكلاهما يتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها النصوص القانونية، ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانوني معين يعتبر في ذاته ممكناً وجائزاً قانوناً والباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة مثلماً هو الشأن في القرارات الإدارية جميعها ولا يحول الاستفتاء الشعبي دون الطعن على هذا القرار أو تطهيره من العيوب التي شابته. إذ ليس من شأن هذا الاستفتاء أن يرد قراراً معدوماً إلى الحياة، ولا إسباغ الصحة على قرار باطل، ولا أن يغير من طبيعته فيلحقه بأعمال السيادة، وذلك أن العبرة في تحديد التكييف القانوني لأي عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان عملاً إدارياً أم من أعمال السيادة هي بطبيعة العمل ذاته وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (172) منه على اختصاص مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، فدل بذلك على أن ولاية المجلس في شأنها هي ولاية عامة وأنه أضحى قاضي القانون العام بالنسبة إلها وأن المسائل التي تدخل في ولايتها لم تعد محددة حصراً مثلماً كان عليه الأمر عند إنشائه. كما أن يبين من الأعمال التحضيرية للدستور أن عموم هذه الولاية انبساطها على المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية في أشكالها المختلفة وصورها المتعددة لا يعني غل يد المشرع على إسناد الفصل في بعضها إلى جهات قضائية أخرى، على أن يكون ذلك استثناء من الأصل العام المقرر بنص المادة (172) المشار إليها وبالقدر وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام، وفي إطار التفويض المخول للمشرع بنص المادة (167) من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها. وكان ما ارتآه القرار بقانون رقم 154 لسنة 1981 من أن محكمة القيم هي الأقدر على الفصل في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة (74) من الدستور، مؤداه أنه انتزع من الولاية العامة لمجلس الدولة جانباً من المنازعات التي تدخل أصلاً فيها وسلكها في عداد التظلمات التي تفصل فيها محكمة القيم فصلاً قضائياً وفقاً للقواعد والإجراءات التي رسمها قانونها وهي توفر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ضمانات كاملة للتقاضي ومتى كان ذلك فإن قضاء القيم - دون جهة القضاء الإداري - يكون هو جهة القضاء التي عقد لها - المشرع استثناء - ولاية الفصل في خصوص طلب الإلغاء المثار في النزاع الماثل.
ومن حيث إنه أخذاً بما سلف من قضاء المحكمة الدستورية العليا فإن الحكم المطعون فيه يغدو - مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء وهو ما تقضي به هذه المحكمة وباختصاص قضاء القيم بالفصل في النزاع.
ومن حيث إنه طبقاً لأحكام المادة (184) مرافعات يتعين إبقاء الفصل في المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الطعن الماثل، واختصاص محكمة القيم بنظره، وأمرت بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القيم لنظرها في إحدى جلساتها القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق