الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 يوليو 2023

الطعن 5821 لسنة 75 ق جلسة 15 / 6 / 2022 مكتب فنى 73 هيئة عامة ق 5 ص 48

جلسة 15 من يونيو سنة 2023

برئاسة السيد القاضي/ محمد عيد محجوب " رئيس محكمة النقض " وعضوية السادة القضاة/ محمود سعيد محمود، عبد العزيز إبراهيم الطنطاوي، عاطف عبد الجليل الأعصر، رفعت أحمد فهمي العزب، نبيل أحمد صادق، محمد أحمد أبو الليل، سمير حسن حسين، صلاح الدين محمود مجاهد، د. مصطفى محمد سالمان ومحمد عبد العزيز أبازيد " نواب رئيس المحكمة ".

-----------------

(5)

الطعن رقم 5821 لسنة 75 القضائية " هيئة عامة "

(1) اتفاقيات دولية " شروط اعتبارها من قوانين الدولة ".

الاتفاقيات الدولية التي تبرمها مصر. صيرورتها من قوانين الدولة. شرطه. موافقة مجلس النواب عليها وصدور قرار جمهوري بها.

(2) معاهدات دولية " التحلل منها ".

الدول الأعضاء في المعاهدات الدولية. عدم جواز تحللها منها بعملٍ منفردٍ. علة ذلك.

(3 - 7) جمارك " التخفيضات الجمركية الواردة باتفاقية منظمة التجارة العالمية وجداولها ".

(3) منظمة التجارة العالمية " الجات ". ماهيتها. التزام الدول الأعضاء فيها بتقديم تنازلات في التعريفة الجمركية تنفذ على مراحل زمنية تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية سواء في ذلك الأعضاء الأصليين أو المنضمين للاتفاقية. شرطه. عدم اعتراض دولة من الأعضاء على ذلك في الجدول الخاص بها. علة ذلك.

(4) التنازلات في التعريفة الجمركية الملحقة باتفاقية التجارة العالمية. اعتبارها جزءًا لا يتجزأ منها. انضمام مصر إلى الاتفاقية. مقتضاه. التزامها بالاتفاقية وسريانها كقانونٍ من قوانين الدولة. لازمه. تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة وفق الترتيب الزمني المحدد بالاتفاقية وبروتوكول مراكش على خمس مراحل حتى نهاية المدة المبينة بالجداول. علة ذلك.

(5) تطبيق أحكام المعاهدات ولو تعارضت مع أحكام القوانين الداخلية للدول. مؤداه. نفاذ جداول التزامات مصر من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية. أثره. تطبيقها على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفق المراحل الزمنية التي وردت بالجداول الملحقة بها. علة ذلك.

(6) تطبيق الدول الأعضاء للتخفيضات الجمركية يتم وفق مدى زمني محدد خمس سنوات. م 2 بروتوكول مراكش. مؤداه. الالتزام بالجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول. علة ذلك.

(7) التعريفة الجمركية المخفضة المنصوص عليها باتفاقية منظمة التجارة العالمية والجداول المكملة لها. سريانها من تاريخ نفاذ الاتفاقية في 1/1/1995 مع مراعاة المدى الزمني المحدد بالجداول والتدرج في تخفيضها. تطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من التاريخ الأخير. إقرار الهيئة ذلك المبدأ والعدول عما يخالفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أن الاتفاقيات التي تُبرمها حكومة جمهورية مصر العربية تُصبح بصدور القرار الجمهوري الخاص بها وبعد الموافقة عليها من مجلس النواب قانونًا من قوانين الدولة.

2- المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه ليس للدول الأعضاء في المعاهدات التحلل من أحكامها بعملٍ منفردٍ، وذلك أخذًا بأحكام القانون الدولي في شأن المعاهدات.

3- مفاد النص في البند رقم 2 من المادة الرابعة عشرة من اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 72 لسنة 1995 الصادر بتاريخ 20 مارس 1995 ووافق عليها مجلس الشعب – النواب حاليًا - بجلسته المعقودة في 16 إبريل 1995 ونُشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 1995 فأصبحت قانونًا من قوانين الدولة، والنص في المادة الثانية من بروتوكول مراكش الملحق بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 أنه تمشيًا مع كون منظمة التجارة العالمية هي الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات التجارية الدولية وذلك على أساسٍ من حرية التجارة في مجالات السلع والخدمات والحقوق الفكرية وما تهدف إليه من إزالة الحواجز والقيود الجمركية بين الدول الأعضاء من أجل تنشيط التجارة ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية ومنع التفرقة بين المنتج المحلي والمستورد، ولتكون السوق العالمية سوقًا واحدة، فقد ألزمت اتفاقية إنشاء المنظمة الدول الأعضاء فيها بإجراء تنازلات في التعريفة الجمركية التي وردت في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع - ومنها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 والتي تُعرف باسم اتفاقية جات 1994 - والملحقة باتفاقية المنظمة التي نصت في البند رقم 2 من المادة الثانية منها على اعتبار الاتفاقات متعددة الأطراف الملحقة بها جزءًا لا يتجزأ منها ومُلزمة لجميع الأعضاء، كما فرضت الاتفاقية وكذا بروتوكول مراكش المنعقد في 15/4/1994 نظامًا محددًا يحكم تنفيذ التخفيضات في التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي والتي تلتزم بها الدول الأعضاء وتُدرج بجداول تعهداتها التي تُرفق بالاتفاقية وتُعد أيضًا جزءًا لا يتجزأ منها - مقتضاه أن التخفيضات في التعريفة تنفذ على مراحل زمنية خمس تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية في يناير 1995، وقد ساوت الاتفاقية في ذلك بين الدول الأعضاء الأصليين الموقعين على الاتفاقية قبل دخولها حيز النفاذ وبين الأعضاء المنضمين إليها بعد نفاذها بحيث يلتزم الأعضاء الآخرون بالبرنامج الزمني المُحدد سلفًا لحصول التخفيضات وما يستتبعه من المبادرة إلى تنفيذ ما يكون قد تجمع من مراحـل للتخفيضات على التعريفة حل أجلها قبل انضمامهم إلى الاتفاقية وذلك ما لم يكن قد اتُفق في الجدول الخاص بالدولة العضو على خِلاف ذلك.

4- التنازلات في التعريفة الجمركية الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الملحقة باتفاقية منظمة التجارة العالمية فصارت جزءًا لا يتجزأ منها وتعتبر مُلزمة للدولة المصرية بموجب انضمامها إلى عضوية المنظمة وإدراجها في جدول التزاماتها المرفق بالاتفاقية، فإنها تُطبق على الرسائل الواردة بعد تاريخ سريان الاتفاقية كقانونٍ من قوانين الدولة بمقتضى نشرها بالجريدة الرسمية، ويخضع تنفيذ هذه التنازلات في التعريفة للتنظيم الوارد بالاتفاقية وبروتوكول مراكش الذي تلتزم به الدول الأعضاء وهو ما أكدته مصر في جدول التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية - الجدول LXIII المرفق بالاتفاقية - إذ تعهدت فيه بتنفيذ التخفيضات في التعريفة خلال فترة خمس سنوات على خمس مراحل متساوية ابتداءً من دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز النفاذ في يناير 1995، بما لازمه وجوب تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة التي قبلتها مصر في مفاوضاتها مع الدول الأعضاء وكانت محلًا للاتفاقات التي تضمَّنتها الوثيقة الختامية المُتضمِّنة نتائج جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف بتاريخ 15/4/1994 والملحقة بالاتفاقية وقت نفاذها وفقًا للترتيب الزمنى الوارد بجدول التزامات مصرLXIII، وذلك على خمس مراحل من التخفيضات حتى نهاية المدة المبينة بالجداول، والقول بغير ذلك يخل بالتوازن الاقتصادي بين الدول الأعضاء في علاقتها التجارية ويقوض الأساس الذي قامت عليه اتفاقية منظمة التجارة العالمية من تحرير التجارة الدولية من القيود والعوائق الجمركية.

5- وفقًا للمبدأ المعمول به في القانون الدولي والتي جاءت المادة ۲۷ من معاهدة فيينا لسنة ١٩٦٩ تقنينًا له أن أحكام المعاهدات - بحسبانها اتفاقًا دوليًا معقودًا بين دولٍ ويخضع للقانون الدولي - تسمو على القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثم فلا يجوز لهذه الدول بجميع سلطاتها وأجهزتها الحكومية والإدارية أن تُعطل أحكام معاهدة انضمت إليها أو تمتنع عن تنفيذها متذرعة في ذلك بقوانينها الداخلية طالما أنها لم تتحفظ على حكم معين فيها عند الموافقة عليها، ويُشكل هذا المبدأ بلا شك أحد الأسس التي ترتكز عليها القوة الإلزامية للمعاهدة الدولية طبقًا للمادة ٢٦ من معاهدة فيينا التي وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٥ لسنة ۱۹۸۱ الصادر في أول أكتوبر ۱۹۸۱ والتي مؤداها أن الاتفاقات الدولية التي تُبرمها الدول تعتبر موجودة قانونًا ويُفترض عِلمها بها من تاريخ الموافقة والتصديق عليها من السلطة المختصة، فتسري في مواجهة هذه الدول المتعاقدة باعتبارها من أشخاص القانون الدولي من ذلك التاريخ وتلتزم بتنفيذها ولو لم تُنشر في الجريدة الرسمية عملًا بالمادة ٢٧ من الاتفاقية السالف الإشارة إليها، وبما مؤداه أن المعاهدة الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها تُصبح واجبه الإعمال فيما يثور من نزاع بشأن المسائل التي تنظمها ولو تعارضت أحكامها مع قانون آخر داخلي، وهو ما يتعيَّن معه اعتبار جدول التزامات مصر نافذًا من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية كقانونٍ من قوانين الدولة وتطبيق أحكامه على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفقًا للمراحل الزمنية التي وردت بتلك الجداول وتم النص عليها صراحةً بالاستدراك ذاته المنشور في 29 أغسطس 2002، لا سيما وأنه لم يصدر عن مصر حال انضمامها إلى الاتفاقية والموافقة والتصديق عليها أي تحفظ.

6- إذ كانت المادة الثانية من بروتوكول مراكش قد نصت على المراحل الزمنية التي يتم خلالها تطبيق التزامات وتعهدات الأعضاء وأهمها التخفيضات الجمركية وذلك وفقًا لمدى زمني محدد، وهى أن تُوضع موضع التنفيذ على مدى خمس سنوات (وعلى خمس مراحل تخفيض متساوية) ابتداءً من تاريخ التنفيذ للعضو المعني، وكان النص على هذا المدى الزمني – الذي كان بالقطع محل تقدير واعتبار عند إقرار الاتفاقية من المشرع المصري- قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة، وهي أن التعريفة الجمركية يتعيَّن أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة وأن قصورها عن أداء هذا الدور - إزاء الزيادة المضطردة في القوانين الاستثنائية التي تُقرر إعفاءً ضريبيًا، وكذلك حال انتفاء الأغراض الحيوية التي يتعيَّن أن يكون التخفيض في الضريبة الجمركية مرتبطًا بها – يؤدي إلى تقليص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، ويفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير في الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي مصلحة مُعتبرة يحرص المشرع دومًا على صونها، ومن ثم يتعيَّن الالتزام بهذا الجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول - الملحقة ببروتوكول مراكش- بحيث يبدأ المدى الزمني في تنفيذ التخفيضات الجمركية من تاريخ سريان الاتفاقية ونفاذها في مصر، على خمس مراحل تنتهي بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، بحيث تسري التخفيضات تباعًا حتى الوصول للقيمة النهائية للتعريفة الجمركية الواردة بتلك الجداول .

7- إذ كانت بعض دوائر المحكمة قد ذهبت في أحكامها إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العِلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المُشار إليه آنفًا العدول عن هذا الرأي وإقرار المبدأ الذي تبنَّته الدوائر في أحكامها إلى الاعتداد بتاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ، مع مراعاة المدى الزمني المنصوص عليه في الجداول وذلك بالتدرج في تخفيض التعريفة الجمركية وتطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، ومن هذا التاريخ تسري القيمة النهائية للتخفيضات في التعريفة الجمركية المنصوص عليها بتلك الجداول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهيئــــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الـذي تـلاه السيد القاضي المقرر، وبعد المداولة.

حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم.... لسنة ۲۰۰۳ مدني كلي بورسعيد قِبل المطعون ضدهم بصفاتهم بطلب الحكم أصليًا بإلزامهم برد مبلغ ۲۱۱۷۰۰جنيهٍ (مائتين وأحد عشر ألفًا وسبعمائة جنيهٍ) قيمة فروق الرسوم الجمركية بين ما هو مُستحق طبقًا لاتفاقية الجات والمسدد الفعلي الذي سددته للمطعون ضدهم دون وجه حـق ضِمــن استحقاقات شهادات الوارد المدونة بصلب صحيفة الدعوى والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، واحتياطيًا ندب أحد خبراء وزارة العدل لتحقيق عناصر الدعوى، على سندٍ من القول إن الشركة الطاعنة قامت باستيراد أربع رسائل بلوكات رخام من دولتي إيطاليا وتركيا الموقعتين على اتفاقية منظمة التجارة العالمية (الجات)، التي انضمت إليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم ٧٢ لسنة ١٩٩٥ بتاريخ ۲۰ مارس ١٩٩٥، وصدر بشأنها قرار وزير الخارجية رقم ٤٢ لسنة ١٩٩٥ بتاريخ 17 من مايو 1995 الذي أقر العمل بالاتفاقية اعتبارًا مـن ١/١/١٩٩٥، وكان صنف بلوكات الرخام ضمن السلع المُدرجة بجداول تعهدات جمهورية مصر العربية المرفقة بالاتفاقية يخضع وفقًا لهذه الجداول لفئة الضريبة الجمركية مقدارها 15% من قيمة الرسالة ابتداءً من 1/1/2000، إلا أن مصلحة الجمارك امتنعت عن تطبيق الاتفاقية دون سندٍ وطبَّقت فئة ضريبة جمركية مقدارها 43%، فكانت الدعوى، وبتاريخ 27/9/2003 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم.... لسنة 44 ق لدى محكمة استئناف الإسماعيلية – مأمورية بورسعيد - التي ندبت خبيرًا في الدعوى، وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 28/2/2005 برفض الاستئناف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت الرأي في موضوع الطعن برفضه، وإذ عُرض الطعن على الدائرة التجارية والاقتصادية بالمحكمة في غرفة المشورة والتي حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة وجدت تباينًا في الأحكام الصادرة من دوائر المحكمة في شأن تاريخ سريان التخفيضات الواردة على التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي التي تلتزم بها الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية وأُدرجت بجداول تعهداتها؛ إذ اتجهت بعض الدوائر إلى أنه يُفترض عِلم جهة الإدارة بهذه الجداول من تاريخ صدورها فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ ولو لم تُنشر بالجريدة الرسمية، ولا يُقبل منها التحدي بعدم نفاذها في حقها إلا بنشرها، مُرتبًا على ذلك الاعتداد بها من تاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 والتزام جهة الإدارة بها ولو تأخر نشر الجداول، بينما ذهبت دوائر أخرى إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية في الجريدة الرسمية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة.

وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة بجلستها المعقودة بتاريخ 3/5/2023 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها ؛ عملًا بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 - المُعدل- للفصل في هذا الاختلاف، وإقرار المبدأ الذي استقرت عليه دوائر المحكمة من أنه يفترض علم جهة الإدارة بهذه الجداول من تاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتكون نافذة في مواجهتها اعتبارًا من هذا التاريخ ولو لم تُنشر بالجريدة الرسمية، ولا يُقبل منها التحدي بعدم نفاذها في حقها إلا بنشرها.

وإذ حددت الهيئة جلسة 16/5/2023 لنظر الطعن، وأودعت النيابة العامة لدى محكمة النقض مذكرة برأيها أبدت فيها الرأي بالأخذ بالمبدأ الذي تبنته أحكام الاتجاه الأول التي انتهت إلى الاعتداد بتاريخ نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 72 لسنة 1995 بالجريدة الرسمية الحاصل في 15/6/1995، في شأن تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة المدرجة بجداول التزامات مصر لدى منظمة التجارة العالمية المرفقة ببروتوكول مراكش الذي تضمَّنته الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 المدرج بالملحق رقم 1/أ المسمى بالاتفاقات متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع، والعدول عن رأي النيابة السابق برفض الطعن موضوعًا، والانتهاء في موضوعه إلى نقض الحكم المطعون فيه، وبجلستي 16/5/2023، 30/5/2023 تداولت الهيئة في المسألة المعروضة عليها من الدائرة المُحيلة، والتزمت النيابة رأيها، وقررت الهيئة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

وحيث إنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن الاتفاقيات التي تُبرمها حكومة جمهورية مصر العربية تُصبح بصدور القرار الجمهوري الخاص بها وبعد الموافقة عليها من مجلس النواب قانونًا من قوانين الدولة، وأنه ليس للدول الأعضاء في المعاهدات التحلل من أحكامها بعملٍ منفردٍ، وذلك أخذًا بأحكام القانون الدولي في شأن المعاهدات، وأن النص في البند رقم 2 من المادة الرابعة عشرة من اتفاقية مراكش لإنشاء منظمة التجارة العالمية، التي انضمت إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 72 لسنة 1995 الصادر بتاريخ 20 مارس 1995 ووافق عليها مجلس الشعب – النواب حاليًا - بجلسته المعقودة في 16 إبريل 1995 ونُشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو 1995 فأصبحت قانونًا من قوانين الدولة، على أن " على العضـــو الذى يقبل الاتفاقية الحالية بعد دخولها حيز التنفيذ أن يُنفذ التنازلات والالتزامات الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف والتي تُنفذ على فترة زمنية تبدأ بدخول الاتفاقية الحالية حيز النفاذ كما لو كان قد قبل الاتفاقية الحالية في تاريخ دخولها حيز النفاذ "، والنص في المادة الثانية من بروتوكول مراكش الملحق بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 على أن " تخفيضات التعريفة التي يوافق عليها كل عضو تنفذ على خمس شرائح متساوية إلا إذا ورد خِلاف ذلك في جدول العضو. ويُعمل بأول هذه التخفيضات في تاريخ نفاذ اتفاق المنظمة، ويُعمل بكل تخفيض ثانٍ في أول كانون الثاني / يناير من كل سنة من السنوات التالية، ويُعمل بآخر شريحة في موعد لا يتأخر عن أربع سنوات من نفاذ اتفاقية المنظمة، إلا إذا ورد خِلاف ذلك في جدول ذلك العضو. وما لم يرد خِلاف ذلك في الجدول فإن العضو الذي يقبل اتفاق المنظمة بعد نفاذه يكون عليه في تاريخ سريان الاتفاق بالنسبة له أن يُطبق جميع تخفيضات التعريفة التي حدثت بالفعل مع التخفيضات التي كان مُلزمًا بها بموجب الجملة السابقة في أول كانون الثاني / يناير من السنة التالية، وأن يُطبق جميع تخفيضات التعريفة المتبقية على الجدول المذكور في الجملة السابقة. ويجب في كل حالة تقريب رقم التعريفة المخفضة في كل مرحلة إلى أقرب عشرة...." مفاده أنه تمشيًا مع كون منظمة التجارة العالمية هي الإطار القانوني الذي ينظم العلاقات التجارية الدولية وذلك على أساسٍ من حرية التجارة في مجالات السلع والخدمات والحقوق الفكرية وما تهدف إليه من إزالة الحواجز والقيود الجمركية بين الدول الأعضاء من أجل تنشيط التجارة ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية ومنع التفرقة بين المنتج المحلي والمستورد، ولتكون السوق العالمية سوقًا واحدة، فقد ألزمت اتفاقية إنشاء المنظمة الدول الأعضاء فيها بإجراء تنازلات في التعريفة الجمركية التي وردت في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف بشأن التجارة في السلع - ومنها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة 1994 والتي تُعرف باسم اتفاقية جات 1994 - والملحقة باتفاقية المنظمة التي نصت في البند رقم 2 من المادة الثانية منها على اعتبار الاتفاقات متعددة الأطراف الملحقة بها جزءًا لا يتجزأ منها ومُلزمة لجميع الأعضاء، كما فرضت الاتفاقية وكذا برتوكول مراكش المنعقد في 15/4/1994 نظامًا محددًا يحكم تنفيذ التخفيضات في التعريفة الجمركية التي أسفرت عنها مفاوضات جولة أوروجواي والتي تلتزم بها الدول الأعضاء وتُدرج بجداول تعهداتها التي تُرفق بالاتفاقية وتُعد أيضًا جزءًا لا يتجزأ منها - مقتضاه أن التخفيضات في التعريفة تنفذ على مراحل زمنية خمس تبدأ من تاريخ نفاذ الاتفاقية في يناير 1995، وقد ساوت الاتفاقية في ذلك بين الدول الأعضاء الأصليين الموقعين على الاتفاقية قبل دخولها حيز النفاذ وبين الأعضاء المنضمين إليها بعد نفاذها بحيث يلتزم الأعضاء الآخرون بالبرنامج الزمني المحدد سلفًا لحصول التخفيضات وما يستتبعه من المبادرة إلى تنفيذ ما يكون قد تجمع من مراحل للتخفيضات على التعريفة حل أجلها قبل انضمامهم إلى الاتفاقية وذلك ما لم يكن قد اتُفق في الجدول الخاص بالدولة العضو على خِلاف ذلك، ومن ثم فإن التنازلات في التعريفة الجمركية الواردة في الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الملحقة باتفاقية منظمة التجارة العالمية فصارت جزءًا لا يتجزأ منها وتُعتبر مُلزمة للدولة المصرية بموجب انضمامها إلى عضوية المنظمة وإدراجها في جدول التزاماتها المرفق بالاتفاقية، فإنها تُطبق على الرسائل الواردة بعد تاريخ سريان الاتفاقية كقانونٍ من قوانين الدولة بمقتضى نشرها بالجريدة الرسمية، ويخضع تنفيذ هذه التنازلات في التعريفة للتنظيم الوارد بالاتفاقية وبرتوكول مراكش الذي تلتزم به الدول الأعضاء وهو ما أكدته مصر في جدول التزاماتها في إطار منظمة التجارة العالمية - الجدول LXIII المرفق بالاتفاقية - إذ تعهدت فيه بتنفيذ التخفيضات في التعريفة خلال فترة خمس سنوات على خمس مراحل متساوية ابتداءً من دخول اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز النفاذ في يناير 1995، بما لازمه وجوب تطبيق التعريفة الجمركية المخفضة التي قبلتها مصر في مفاوضاتها مع الدول الأعضاء وكانت محلًا للاتفاقات التي تضمَّنتها الوثيقة الختامية المُتضمِّنة نتائج جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف بتاريخ 15/4/1994 والملحقة بالاتفاقية وقت نفاذها وفقًا للترتيب الزمني الوارد بجدول التزامات مصرLXIII، وذلك على خمس مراحل من التخفيضات حتى نهاية المدة المبينة بالجداول، والقول بغير ذلك يخل بالتوازن الاقتصادي بين الدول الأعضاء في علاقتها التجارية ويقوض الأساس الذي قامت عليه اتفاقية منظمة التجارة العالمية من تحرير التجارة الدولية من القيود والعوائق الجمركية؛ ذلك أنه من المقرر وفقًا للمبدأ المعمول به في القانون الدولي والتي جاءت المادة ۲۷ من معاهدة فيينا لسنة ١٩٦٩ تقنينًا له أن أحكام المعاهدات - بحسبانها اتفاقًا دوليًا معقودًا بين دول ويخضع للقانون الدولي - تسمو على القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثم فلا يجوز لهذه الدول بجميع سلطاتها وأجهزتها الحكومية والإدارية أن تُعطل أحكام معاهدة انضمت إليها أو تمتنع عن تنفيذها متذرعة في ذلك بقوانينها الداخلية طالما أنها لم تتحفظ على حكم معين فيها عند الموافقة عليها، ويُشكل هذا المبدأ بلا شك أحد الأسس التي ترتكز عليها القوة الإلزامية للمعاهدة الدولية طبقًا للمادة ٢٦ من معاهدة فيينا التي وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٥ لسنة ۱۹۸۱ الصادر في أول أكتوبر ۱۹۸۱ والتي مؤداها أن الاتفاقات الدولية التي تُبرمها الدول تعتبر موجودة قانونًا ويُفترض عِلمها بها من تاريخ الموافقة والتصديق عليها من السلطة المختصة، فتسري في مواجهة هذه الدول المتعاقدة باعتبارها من أشخاص القانون الدولي من ذلك التاريخ وتلتزم بتنفيذها ولو لم تُنشر في الجريدة الرسمية عملًا بالمادة ٢٧ من الاتفاقية السالف الإشارة إليها، وبما مؤداه أن المعاهدة الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها تصبح واجبه الإعمال فيما يثور من نزاع بشأن المسائل التي تُنظمها ولو تعارضت أحكامها مع قانون آخر داخلي، وهو ما يتعيَّن معه اعتبار جدول التزامات مصر نافذًا من تاريخ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية كقانونٍ من قوانين الدولة وتطبيق أحكامه على الرسائل التي ترد بعد سريان الاتفاقية وفقًا للمراحل الزمنية التي وردت بتلك الجداول وتم النص عليها صراحةً بالاستدراك ذاته المنشور في 29 أغسطس 2002، لا سيما وأنه لم يصدر عن مصر حال انضمامها إلى الاتفاقية والموافقة والتصديق عليها أي تحفظ، وكانت المادة الثانية من بروتوكول مراكش قد نصت على المراحل الزمنية التي يتم خلالها تطبيق التزامات وتعهدات الأعضاء وأهمها التخفيضات الجمركية وذلك وفقًا لمدى زمني محدد، وهى أن تُوضع موضع التنفيذ على مدى خمس سنوات (وعلى خمس مراحل تخفيض متساوية) ابتداءً من تاريخ التنفيذ للعضو المعني، وكان النص على هذا المدى الزمني – الذي كان بالقطع محل تقدير واعتبار عند إقرار الاتفاقية من المشرع المصري- قد تقرر لأغراض بعينها لها أساسها من المصلحة العامة، وهي أن التعريفة الجمركية يتعيَّن أن تظل محتفظة بدورها كأداة موجهة للسياسة الاقتصادية والمالية للدولة وأن قصورها عن أداء هذا الدور - إزاء الزيادة المضطردة في القوانين الاستثنائية التي تُقرر إعفاءً ضريبيًا، وكذلك حال انتفاء الأغراض الحيوية التي يتعيَّن أن يكون التخفيض في الضريبة الجمركية مرتبطًا بها – يؤدي إلى تقليص الموارد السيادية للدولة بما يهدد حصيلتها، ويفقد التعريفة الجمركية مقوماتها كأداة يمكن من خلالها التأثير في الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي مصلحة مُعتبرة يحرص المشرع دومًا على صونها، ومن ثم يتعيَّن الالتزام بهذا الجدول الزمني لإجراء التخفيضات الجمركية المقررة بموجب تلك الجداول - الملحقة ببروتوكول مراكش - بحيث يبدأ المدى الزمني في تنفيذ التخفيضات الجمركية من تاريخ سريان الاتفاقية ونفاذها في مصر، على خمس مراحل تنتهي بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، بحيث تسري التخفيضات تباعًا حتى الوصول للقيمة النهائية للتعريفة الجمركية الواردة بتلك الجداول.

لما كان ما تقدم، وكانت بعض دوائر المحكمة قد ذهبت في أحكامها إلى أن الجداول المُكملة للمعاهدة قد حُجبت عن النشر بما مقتضاه عدم سريانها في مواجهة ذوي الشأن لعدم العِلم بها، والذي لا يكون إلا بطريق النشر، ورتبت على ذلك الاعتداد بتاريخ نشر الجداول المرفقة بالاتفاقية الحاصل في 29/8/2002 حتى تضحى نافذة وسارية في مواجهة جهة الإدارة، فقد رأت الهيئة، بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المُشار إليه آنفًا العدول عن هذا الرأي وإقرار المبدأ الذي تبنَّته الدوائر في أحكامها إلى الاعتداد بتاريخ سريان الاتفاقية في 1/1/1995 فتسري في مواجهتها من هذا التاريخ، مع مراعاة المدى الزمني المنصوص عليه في الجداول وذلك بالتدرج في تخفيض التعريفة الجمركية وتطبيقها كاملة بانقضاء خمس سنوات من تاريخ نفاذ الاتفاقية، ومن هذا التاريخ تسري القيمة النهائية للتخفيضات في التعريفة الجمركية المنصوص عليها بتلك الجداول.

ومن ثم فإن الهيئة – وبعد الفصل في المسألة المعروضة – تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه، وفقًا لِما سبق، وطبقًا لأحكام القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق