جلسة 8 من فبراير سنة 1969
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين محمد السعيد وعلي لبيب حسن المستشارين.
----------------
(45)
القضية رقم 570 لسنة 13 القضائية
(أ) - دعوى الإلغاء. "ميعاد رفعها"
سريانه في حق صاحب الشأن من التاريخ الذي يتحقق معه إعلامه بما تضمنه القرار المطعون فيه - شروط صحة هذا العلم - ترتيب علم ذي الشأن بالقرار على مجرد إعلان إخوته به وتنفيذ مقتضاه وبتعديل طريقة ري أرضه - هو ترتيب حكمي يقوم على الافتراض - عدم قيامه مقام العلم اليقيني.
(ب) - ري. "القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف والقوانين المعدلة له".
إن إعلان كل ذي شأن المنصوص عليه في المادة 16 من هذا القانون يعد إجراء جوهرياً يترتب على عدم مراعاته البطلان.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة على ما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 3346 لسنة 19 القضائية ضد السيد/ وزير الري والسيد/ محافظ الدقهلية بعريضة أودعها قلم كتاب القضاء الإداري في 17 من إبريل سنة 1965 طالباً الحكم بإلغاء قرار مفتش الدقهلية الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1963 بإشراك محمود عبد الحميد رمضان وآخرين في ري أراضيهم الواقعة بحوض السلامونية برقم 6 بالقطع 8، 13، 20 بزمام طرانيس البحر مركز دكرنس محافظة الدقهلية من المسقى (أ ب جـ د) الآخذة من جنابية طرانيس مع تحويل المسافة (د هـ) من المسقى المذكور إلى مسقة راحة ومع إنشاء مسقة رفع بالجهة الشرقية من المسقى (د هـ) وعمل بدالة على المصرف (هـ م). وقال شرحاً لدعواه إنه لم يخطر بهذا القرار وإنما علم به بطريق الصدفة في 10 من فبراير سنة 1965 فتظلم منه في 18 من فبراير سنة 1965 إلى محافظ الدقهلية ثم إلى وزير الري في 20 من فبراير سنة 1965 ولما لم يتخذا أي إجراء وكان من شأن تنفيذ هذا القرار أن يؤثر في ري أرضه وصرفها وما يترتب على ذلك من إصابته بأضرار جسيمة وتلف زراعته وهلاكها فقد أقام هذه الدعوى. وأجاب الدفاع عن المدعى عليهما بأن التحقيق الذي أجري قبل إصدار القرار المطعون فيه أظهر ملاك الأراضي الذين يعنيهم القرار ومن بينهم إخوة المدعي، وإذا كان اسم المدعي لم يظهره التحقيق فإن الإدارة غير مكلفة باستخراج إعلامات الوراثة بالنسبة لمن صدر ضدهم القرار، ومن ثم فإن ظهور اسم من ظهر من هؤلاء الملاك كاف لإصدار القرار المطعون فيه. ولما كان إخوة المدعي قد تظلموا من هذا القرار في 3 من أكتوبر سنة 1963، ورفض تظلمهم ونفذ القرار في أكتوبر سنة 1963 فإن مقتضى ذلك أن يكون المدعي قد علم به في هذا التاريخ، وإذ أقام دعواه في 17 من أكتوبر سنة 1965 فإنه يكون قد فوت على نفسه ميعاد رفع الدعوى. وانتهى الدفاع عن الحكومة إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفضها موضوعاً حيث صدر القرار صحيحاً متفقاً وحكم القانون.
وبجلسة 14 من فبراير سنة 1967 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء قرار مفتش ري شرق الدقهلية الصادر في 14 من سبتمبر سنة 1963 وألزمت الحكومة بالمصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفضها بعد الميعاد على أن جهة الإدارة لم تعلن المدعي بالقرار المطعون فيه كما أن ما ساقته الحكومة من قرائن للتدليل على علم المدعي بالقرار لا تنهض في ذاتها دليلاً على العلم اليقيني الشامل لكافة محتويات القرار وجميع عناصره والتي تمكن المدعي من معرفة مركزه القانوني حياله وتحديد موقفه من الطعن فيه. وإذ اتضح أن المدعي لم يعلم بالقرار المطعون فيه إلا في 10 من فبراير سنة 1965 وتظلم منه في 18 من فبراير سنة 1968 فإن دعواه تكون وقد رفعها في 17 من إبريل سنة 1965 مقبولة شكلاً. وأسست المحكمة قضاءها بإلغاء القرار المطعون فيه على أن المدعي وهو من أصحاب الشأن في النزاع لم يعلن بموعد المعاينة التي تمت في 10 من أغسطس سنة 1963 - قبل صدور القرار المطعون فيه - وهو إجراء جوهري قرره القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف والقوانين المعدلة في المادة 16 منه، وإذ أغفلت الجهة الإدارية هذا الإجراء الجوهري فإن قرارها يكون باطلاً متعين الإلغاء. وأضافت المحكمة أن ذلك لا يمنع الجهة الإدارية المختصة من إعادة بحث الموضوع واتخاذ قرار في ذلك على هدي القوانين واللوائح القائمة.
ومن حيث إن الحكومة أقامت طعنها في هذا الحكم طالبة إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصاريف والأتعاب، وبنت طعنها على سببين الأول: أن المطعون ضده يملك أرضاً بالمشاع مع أخوته وقد تظلموا من القرار المطعون فيه ونفذ القرار بتغيير طريق ري الأرض المذكورة الأمر الذي يستفاد منه علم المدعي بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً، وتكون المحكمة إذ قضت برفض الدفع بعدم بقبول الدعوى لعدم قيام الدليل على علم المدعي بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً قد جانبت الصواب. والسبب الثاني: أن الإدارة أخطرت المالك الظاهر للأرض التي تغير طريق ريها وهي غير مكلفة بالبحث والتحري عن الملاك وإنما تتخذ قراراتها ضد المالك الظاهر. والإدارية لم تخطر المدعي لأنها لا تعلم به وإنما تعلم أن الملاك هم إخوته، وهي إذ استدعتهم في إجراءات إصدار القرار وأجرت تحقيقاً شاملاً وعاينت الأرض، فإن قرارها بذلك يكون صحيحاً ومتفقاً وأحكام القانون بما لا وجه للنعي عليه. وأشار الطعن إلى أن إلغاء هذا القرار سيؤدي إلى نتيجة غريبة مؤداها أن يفيد من هذا الإلغاء من ارتضى القرار بعد أن تقرر رفض تظلمه.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى تأييد الحكم المطعون فيه لما قام عليه من أسباب. وعقبت الجهة الطاعنة بمذكرة رددت فيها دفاعها مصممة على طلباتها.
ومن حيث إن الأصل طبقاً لما تقضي به المادة 22 من قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة أن ميعاد الطعن في القرارات الإدارية يسري من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، أما العلم الذي يقوم مقام الإعلان فيجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً وأن يكون شاملاً لجميع العناصر التي يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانوني بالنسبة لهذا القرار، ويستطيع أن يحدد - على مقتضى ذلك - طريقه في الطعن فيه، ولا يمكن أن يحسب الميعاد في حقه إلا من اليوم الذي يثبت فيه قيام هذا العلم الشامل - وإذا كان المستفاد من استقراء الأوراق أن القرار المطعون فيه لم ينشر ولم يعلن به المدعي، فإن مجرد إعلان إخوة المدعي بهذا القرار وتنفيذ مقتضاه بتعديل طريقة ري أرض المدعي، لا يقطعان في علم المدعي بمضمون القرار بجميع عناصره ومحتوياته علماً يقينياً يقوم مقام النشر أو الإعلان في حساب بداية ميعاد الطعن بالإلغاء، إذ قد لا يطلع الإخوة أخاهم على القرار الذي أعلنوا به لعلة ما، كما أن تعديل طريق ري أرض المدعي على فرض علمه بذلك لا دليل فيه على العلم بأسباب القرار وفحواه علماً نافياً لكل جهالة في هذا الشأن. ومن ثم فإن الدفع المثار بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه يستبين من الاطلاع على المستندات التي تقدم بها طرفا المنازعة إلى المدعي من الملاك الذين عدل القرار المطعون فيه طريقة ري أراضيهم شأنه في ذلك شأن باقي إخوته الذين يملكون معاً على المشاع قطعة من الأرض بحوض السلامونية بناحية طرانيس مركز المنصورة، وأنه لم يتم إعلان المدعي للتحقيق وحضور المعاينة التي أوجب القانون إجراءها قبل إصدار القرار المطعون فيه، وهو ما تسلم به الجهة الإدارية ولا تنازع فيه.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى أحكام القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف المعدل بالقانونين رقمي 29، 385 لسنة 1956 أنه ينظم في المواد 16، 18، 19 - الحالات التي يستحيل أو يتعذر فيها على صاحب الأرض الزراعية ريها رياً كافياً أو صرفها صرفاً كافياً إلا عن طريق إنشاء مسقاة أو مصرف في أرض ليست مملوكة له أو باستعمال مسقاة أو مصرف موجود في أرض الغير وتعذر عليه التراضي مع أصحاب الأراضي ذوي الشأن، ومنح القانون مفتش الري سلطات واسعة تخول له بقرار منه سلطة الفصل فيما يتقدم به ملاك الأراضي مع شكاوى في هذا الخصوص بإجابة طلبه أو رفضه. ولما كان من شأن استجابة مفتش الري إلى طلب مالك الأرض الزراعية بإنشاء مسقاة أو مصرف في أرض الغير أو باستعمال مسقاة أو مصرف موجودة في أرض الغير، المساس بحقوق هذا الغير وما قد يترتب على ذلك من إلحاق أضرار بالغة بهم، فقد وضع القانون من القواعد والضوابط ما يكفل حقوق الأفراد وتحقيق الصالح العام، فعين الأسباب التي يجب أن يقوم عليها قرار مفتش الري وقضي بعدم نفاذه إلا بعد أداء تعويض لجميع الأشخاص الذين لحقهم ضرر من جرائه، كما رسم الإجراءات التي يلتزم مفتش الري بها عند الفصل في هذه المنازعات وحدد طريق التظلم من قراره.
وقد أوجب القانون في المادة 16 منه على أن "يتولى باشمهندس الري إجراء التحقيق في موقع المسقاة أو المصرف وعليه أن يعلن بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول كل ذي شأن أو وكلائهم الرسميين بالمكان والوقت اللذين يحددهما قبل الانتقال إلى الموقع المذكور بأربعة عشر يوماً على الأقل وترفع نتيجة هذا التحقيق إلى المفتش الذي يصدر قراراً مسبباً بإجابة الطلب أو رفضه.." وإذ أوجب القانون هذا الإعلان فإنما أراد تمكين كل ذوي الشأن من إبداء ما لديهم من أقوال وتهيئة دفاعهم قبل تقرير أي حق أو ارتفاق على أراضيهم، والإعلان بهذه المثابة يعد إجراء جوهرياً قرره القانون لصالح ذوي الشأن حتى لا يفاجئوا بانتزاع أراضيهم جبراً عنهم أو تحميلها بحقوق عينية مرهقة وكضمان أساسي أيضاً لتوازن المصالح الخاصة وترتيب الارتفاقات المذكورة في ضوء الصالح العام. ولما كان الأمر كذلك وكان الثابت أن المدعي وهو من ذوي الشأن في حكم المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 سالف الذكر لم يعلن بمكان ووقت التحقيق الذي انتهى بصدور القرار المطعون فيه فإنه يكون باطلاً لقيامه على إجراءات باطلة.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد التزم صواب القانون فيما قضى به ولا يقدح في هذا النظر ما أثارته الجهة الطاعنة من أنها أعلنت الملاك الظاهرين للأرض التي تغير طريق ريها ومن بينهم أخوة المدعي وأنها غير مكلفة بالبحث والتحري عن الملاك الآخرين، ذلك أن المدعي باعتباره من ملاك الأرض التي غير القرار المطعون فيه طريقة ريها على ما تسلم به الجهة الإدارية فإنه يعتبر من ذي الشأن في حكم المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 سالف الذكر وكان يتعين والحالة هذه إعلانه هو أو وكيله الرسمي بمكان ووقت التحقيق، ولا يغني عن ذلك إعلان إخوته الذين يملكون معه الأرض على الشيوع دونه لأنهم لا صفة لهم في النيابة عنه أو تمثيله قانوناً. كما لا يجدي الجهة الإدارية في سبيل تبرير خطئها هذا التذرع بأنها غير ملزمة بالبحث والتحري عن ملاك الأراضي الذين تناول القرار المطعون فيه تعديل طريق ري أراضيهم، ذلك أن القانون وقد أوجب عليها إعلان كل ذوي الشأن أو وكلائهم الرسمين دون ما قيد أو تخصيص، فقد أصبح لزاماً عليها أن تجرى من الأبحاث ما يهديها إلى معرفة جميع ذوي الشأن وإعلانهم، وهو أمر لا عنت فيه، وكان من الميسور الوصول إليه عن طريق رجال الإدارة في القرية والجمعية الزراعية بها والصراف، وذلك ابتغاء تحقيق الغاية التي تغياها القانون من الحرص على إفساح المجال أمام كل ذوي الشأن للإدلاء بأقوالهم ودفاعهم حتى يصدر القرار محققاً للصالح العام.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه وقد صدر دون إعلان المدعي باعتباره من ذوي الشأن وسماع أقواله وتحقيق دفاعه وأغفل بذلك إجراء جوهرياً أوجبه القانون، فإنه يكون باطلاً حقيقاً بالإلغاء ولا يقبل من الإدارة احتجاجها بأن هذا الإلغاء سيؤدي إلى نتيجة غريبة مؤداها أن يفيد منه من ارتضى القرار بعد رفض تظلمه، ذلك أن الإدارة هي التي تسببت بتصرفها غير القانوني في صدور قرارها مشوباً بالبطلان، وقد خول القانون القضاء الإداري الاختصاص في إلغاء القرارات الإدارية الباطلة إرساء لمبدأ المشروعية وإعلاناً لسيادة القانون بما يحقق الصالح العام، ومن ثم فليس لجهة الإدارة أن تتحدى بخطئها في هذا الشأن للإبقاء على قرارها الباطل دون إلغاء. ومع هذا فإن هذا الإلغاء لا يمنع الجهة الإدارية المختصة على ما أفصح عنه الحكم المطعون فيه من إعادة بحث الموضوع بعد استيفاء كافة الإجراءات والقواعد والشروط القانونية التي نص عليها القانون رقم 68 لسنة 1953 المشار إليه والقوانين المعدلة له، واتخاذ قرار في ذلك بعد وزن مناسبات إصداره في ضوء الأبحاث الفنية وعلى هدي القوانين واللوائح القائمة.
ومن حيث إنه يخلص من جماع ما تقدم أن الحكم المطعون فيه أصاب وجه الحق في قضائه. وجاء متفقاً مع حكم القانون، ومن ثم يتعين تأييده والقضاء برفض الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق