جلسة 14 من يونيه سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، محمود رمضان وإبراهيم فراج.
----------------
(282)
الطعن رقم 117 لسنة 44 ق
(1 و2) تزوير. إثبات "الكتابة".
1 - تغيير الحقيقة في الورقة الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها. اعتباره بمثابة خيانة أمانة إذا كان تسليم الورقة له اختياراً. يعد تزويراً إذا حصل الاستيلاء على الورقة بغير التسليم الاختياري. عدم جواز إثبات التغيير في الحالة الأولى بغير الكتابة، جواز إثباته بالبينة في الحالة الثانية. مثال.
(2) قضاء محكمة أول درجة بعدم قبول الادعاء بالتزوير اعتبار أن الواقعة خيانة أمانة لا يجوز إثباتها بالكتابة. قضاء المحكمة الاستئنافية بإحالة الدعوى للتحقيق لتثبت المستأنفة هذه الواقعة بالبينة. إحضار المستأنف عليه شهوده. لا يفيد تنازله عن دفاعه أمام محكمة أول درجة بعدم جواز الإثبات بالبينة. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1563 لسنة 1969 مدني أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد المطعون عليها بطلب الحكم بإخلائها من العين المؤجرة المبينة بصحيفة الدعوى وتسليمها له خالية. وقال بياناً لها إنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 1/ 1957 استأجرت منه المطعون عليها حجرة بجوار قطعة أرض فضاء بمدينة طنطا بأجرة شهرية قدرها جنيهاً واحداً، وإذ تأخرت في سداد الأجرة عن المدة من 1/ 1/ 1964 حتى 30/ 6/ 1969 رغم تكليفها بالوفاء، فقد أقام الدعوى، ادعت المطعون عليها بتزوير عقد الإيجار المشار إليه. وبتاريخ 29/ 1/ 1970 حكمت المحكمة بعدم قبول الادعاء بالتزوير وبصحة عقد الإيجار وإخلاء المطعون عليها من العين المؤجرة وتسليمها للطاعن. استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 50 سنة 20 ق طنطا طالبة إلغاءه ورفض الدعوى، وبتاريخ 16/ 6/ 1971 حكمت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أن الطاعن استوقعها على عقد الإيجار بعد أن أفهمها أنها توقع على طلب إلى وزارة الشئون الاجتماعية للحصول على إعانة شهرية أو إلحاقها بإحدى الوظائف، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 11/ 12/ 1973 فقضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرد وبطلان عقد الإيجار وبرفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة أضاف الطاعن سبباً جديداً ذهب إلى أنه متعلق بالنظام العام، والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى على سند من تزوير عقد الإيجار المبرم بين الطرفين، وأنها تطمئن إلى أقوال شاهدي المطعون عليها من أن الطاعن استوقعها على ورقة بيضاء موهماً إياها أنها لمساعدتها في الحصول على معونة اجتماعية مستغلاً ثقتها فيه وجهلها القراءة والكتابة؛ وحرر على الورقة عقد الإيجار آنف الذكر؛ في حين أن المطعون عليها أقرت في جميع مراحل النزاع بأن البصمة المنسوبة لها هي بصمتها فعلاً؛ وملء الورقة الموقعة على بياض ممن سلمت إليه اختياراً بغير المتفق عليه يعتبر بمثابة خيانة أمانة، ويخضع للقواعد العامة في الإثبات، فلا يجوز إثبات عكس الثابت بالمحرر إلا بالكتابة؛ وإذ اعتد الحكم بالبينة في غير حالاتها فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان المستقر في قضاء هذه المحكمة أن تغيير الحقيقة في الأوراق الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها هو نوع من خيانة الأمانة يرجع في إثباته للقواعد العامة، ومن مقتضاها أنه لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت في الورقة الموقعة على بياض إلا أن تكون هناك كتابة أو مبدأ ثبوت بالكتابة، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا حالة ما إذا كان من استولى على الورقة قد حصل عليها خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأية طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري فعندئذ يعد تغيير الحقيقة فيها تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق وكان الاحتيال أو الغش الذي يجعل من تغيير الحقيقة في الورقة الموقعة على بياض تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق هو الذي يكون قد استخدم كوسيلة للاستيلاء على الورقة ذاتها بحيث ينتفي معه تسليمها بمحض الإرادة. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليها ادعت تزوير عقد الإيجار المقدم من الطاعن على سند من أنه استغل فرصة لجوئها إليه لمساعدتها في تقديم طلبات إلى وزارة الشئون الاجتماعية للحصول على معونة أو لتعيينها في إحدى الوظائف، وأنه استغل أميتها وثقتها فيه فاستعمل المحرر الذي وقعت عليه لكتابة عقد الإيجار مثار النزاع، وكان مؤدى ما سلف أن المطعون عليها هي التي سلمت الورقة الموقعة على بياض للطاعن اختياراً، وأنه غير الحقيقة فيها وملأ بياناتها بعقد الإيجار على غير المتفق عليه بينهما، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر مجرد ادعاء المطعون عليها تسليمها المحرر الموقع منها على بياض من قبيل الاحتيال الذي يجعل من تغيير الحقيقة فيه تزويراً يجوز إثباته بكافة الطرق، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون على واقع الدعوى بخروجه على قواعد الإثبات سالفة البيان وليس يسوغ التذرع في هذا المجال بأن عدم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام، وأنه على الرغم من أن محكمة الاستئناف أحالت الدعوى إلى التحقيق خلافاً لهذه القواعد فإن الطاعن لم يثبت اعتراضه عليه بل ساهم في تنفيذه باستحضار شهوده؛ مما قد يعد سكوته ذاك تنازلاً عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون؛ وبالتالي فلا يجوز له التحدث به أمام محكمة النقض؛ لأنه لما كان الثابت أن محكمة أول درجة قد أخذت بالدفاع الذي ساقه الطاعن من اعتبار الواقعة خيانة أمانة؛ وكان الحكم الابتدائي قد انتهى استناداً إلى هذا النظر إلى عدم قبول الادعاء بالتزوير وبصحة عقد الإيجار، وكان على محكمة الاستئناف أن تفصل في كافة الأوجه التي تمسك بها المستأنف عليه أمام محكمة الدرجة الأولى ما دام الحكم قد قضى لصالحه في الدعوى ولم يثبت تنازله عن تلك الأوجه، وكان الثابت من مدونات الحكم الاستئنافي أن الطاعن تقدم بمذكرة طلب فيها تأييد الحكم المستأنف وأن المطعون عليها عجزت عن النيل من عقد الإيجار وتحاول إخراج الدعوى عن نطاقها مما مفاده أن مشاركته في تنفيذ حكم الإحالة إلى التحقيق لا ينم بذاته على التنازل عن عدم جواز الإثبات بالبينة؛ ولا يقطع برضائه الإثبات بهذه الطريقة بل يشير إلى أن استحضاره شهود إذعاناً لحكم إجراءات الإثبات لازمه التحفظ وصاحبه التمسك بدفاع مناطه عدم جواز الإثبات بشهادة الإشهاد، لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم على أن يكون مع النقض الإحالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق