الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 مايو 2023

الطعن 819 لسنة 45 ق جلسة 29 / 12 / 1983 مكتب فني 34 ج 2 ق 387 ص 1980

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1983

برئاسة السيد المستشار عاصم المراغي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين مصطفى صالح سليم نائب رئيس المحكمة، وأحمد كمال سالم، إبراهيم زغو وشمس ماهر.

------------------

(387)
الطعن رقم 819 لسنة 45 القضائية

(1) حكم "إصدار الحكم". بطلان "بطلان الحكم".
وجود مانع مادي لدى القاضي الذي اشترك في المداولة من الحضور وقت تلاوة الحكم. توقيعه على المسودة. لا بطلان. عدم لزوم الإفصاح في تلاوة الحكم عن بيان المانع. علة ذلك.
(2) حكم "بيانات الحكم". بطلان.
البيان الجوهري في الحكم الذي يترتب على إغفاله البطلان. ماهيته. هو الذي يكون ذكره ضرورياً للفصل في الدعوى. لا محل لبيان تفصيل خطوات ومراحل النزاع أمام المحكمة. مادة 178 مرافعات معدلة بالقانون 13 لسنة 1973.
(3، 4) حكم "تسبيب الحكم". استئناف "تسبيب الحكم الاستئنافي".
3 - إحالة الحكم الاستئنافي في بيان الوقائع إلى ما ورد بالحكم الابتدائي. صحيح ولو كان قد قضي بإلغائه.
(4) إغفال الحكم ذكر نصوص المستندات المقدمة للمحكمة. لا عيب ما دامت مبينة في مذكرات الخصوم بما يكفي الإشارة إليها.
(5) حكم "تسبيبه". خبرة. محكمة الموضوع.
تقرير الخبير. اعتباره جزءاً مكملاً لأسباب الحكم متى أخذت به محكمة الموضوع.
(6) حكم "عيوب التدليل: الفساد في الاستدلال، ما لا يعد كذلك".
الموازنة بين الأدلة والأخذ بدليل معين منها. لا يعد من قبيل الفساد في الاستدلال.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيب الحكم".
محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على المستندات غير الحاسمة التي أطرحتها. حسبها إقامة حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله.
(8) استئناف "الأثر الناقل للاستئناف".
نقل النزاع إلى محكمة الدرجة الثانية بالاستئناف. أثره. وجوب فرض محكمة الاستئناف رقابتها على أعمال محكمة أول درجة لسلطتها التقديرية وفصلها في النزاع من جديد.
(9) حكم "تسبيب الحكم". استئناف.
محكمة الاستئناف. عدم التزامها بالرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي ألغته أو عدلته. حسبها إقامة قضائها على ما يكفي لحمله.
(10) إثبات. نقض "أسباب الطعن: السبب غير المنتج"
خطأ الحكم في إسناد صورة خطاب إلى غير الجهة الصادر عنها المحرر. لا تأثير له على ما انتهى إليه من إسقاط قيمة هذه الصورة في الإثبات. النعي على هذا الخطأ. غير منتج.
(11) تسجيل. عقد. بطلان. قاضي الأمور الوقتية.
عقد البيع الذي يرد على مال عام. باطل بطلاناً مطلقاً. أمر قاضي الأمور الوقتية بإبقاء الشهر المؤقت لهذا العقد لا يصححه. علة ذلك.

----------------
1 - يدل نص المادة 170 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع قد توقع أنه قد يعرض للقاضي الذي اشترك في إصدار الحكم ما يحول بينه وبين حضوره بشخصه وقت تلاوته فاكتفى بأن يوقع على المسودة، على أنه يبين في الحكم أن القاضي الذي لم يحضر النطق به قد اشترك في المداولة ووقع على مسودته وإلا كان باطلاً، ولئن كان من المتعين أن يكون المانع القهري الذي يجيز الاستعاضة بتوقيع القاضي مسودة الحكم عن حضوره شخصياً هو المانع المادي المجرد دون المانع القانوني الذي معناه زوال صفة القاضي أو انتفاء ولايته لضرورة صدور الحكم ممن يتصف بوصف القاضي ولزوم ثبوت هذه الصفة له حتى النطق بالحكم كي تتوافر له مكنة الإصرار على رأيه أو العدول عنه حتى ذلك الوقت إلا أنه ليس بلازم الإفصاح في الحكم عن بيان المانع لأنه لصيق بشخص القاضي ومن العسير التعرف عليه وقت النطق بالحكم.
2 - التعديل الذي جرى على المادة 178 من قانون المرافعات بمقتضى القانون رقم 13 لسنة 1973 قد استهدف - وعلى ما جلته المذكرة الإيضاحية - وجوب الاقتصار على اشتمال الحكم لعرض وجيز لوقائع النزاع وإجمال للجوهري من دفاع طرفيه وإيراد الأسباب التي تحمل قضاء الحكم المطعون فيه، أما تفصيل الخطوات والمراحل التي قطعها النزاع أمام المحكمة فإنه تزيد لا طائل من ورائه قد يضيع في غمارها أمام القاضي معالم الطريق إلى نقاط النزاع الجوهرية والمقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين لاعتبار البيان جوهرياً يترتب على إغفاله البطلان أن يكون ذكره ضرورياً للفصل في الدعوى لتعلقه بسير الخصومة فيها باعتباره حلقة من حلقاتها قام بين الطرفين نزاع بشأنه.
3 - لا يعيب الحكم الاستئنافي أن يحيل في بيان الوقائع إلى ما ورد بالحكم الابتدائي وإن قضي بإلغائه.
4 - لا يعيب الحكم الاستئنافي إغفال ذكر نصوص المستندات المقدمة إلى المحكمة ما دامت مبينة في مذكرات الخصوم بما يكفي معه مجرد الإشارة إليها.
5 - المقرر في قضاء هذه المحكمة إن محكمة الموضوع متى رأت الأخذ بتقرير الخبير وأحالت إليه اعتبر جزءاً مكملاً لأسباب حكمها.
6 - الموازنة بين الأدلة والأخذ بدليل معين منها دون دليل آخر لم تطمئن إليه محكمة الموضوع لا يعتبر من قبيل الفساد في الاستدلال.
7 - محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على المستندات غير الحاسمة التي أطرحتها إذ حسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله.
8 - يترتب على الاستئناف نقل النزاع إلى محكمة الدرجة الثانية التي يجب عليها أن تعمل رقابتها على الحكم المستأنف من حيث العناصر الواقعية والقانونية جميعاً حتى فيما يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إذ يعد النزاع مطروحاً عليها لتفصل فيه من جديد بمجرد رفع الاستئناف، ومن ثم تكون قد تخلت عن مهمتها إذ اكتفت بالقول بأن استخلاص محكمة أول درجة للواقع في الدعوى إنما وقع في حدود سلطتها الموضوعية بل يجب عليها أن تسلط رقابتها على أعمال محكمة أول درجة لسلطتها التقديرية فإن رأت سلامة تقديرها تبنته بحيث يكون تقديرها هي وليس تقدير محكمة أول درجة هو أساس حكمها.
9 - لا إلزام على محكمة الاستئناف بأن ترد على ما جاء بحكم محكمة أول درجة - الذي ألغته أو عدلته - طالما أقامت قضاءها على أسباب مؤدية.
10 - خطأ الحكم في إسناد صورة خطاب إلى الجهة الصادر عنها المحرر لا تأثير له على ما انتهى إليه من إسقاط قيمة هذه الصورة في الإثبات إذ يستوي بالنسبة للطاعنة أن تكون هذه الصورة لأصل صادر عن الإدارة الهندسية التابعة للشهر العقاري أو صادر عن مصلحة الأملاك - ويكون نعيها في هذا الصدد غير منتج.
11 - المادة 87 من القانون المدني تحظر التصرف في المال العام، ولما كان هذا النص من النظام العام إذ قصد به اعتبارات عامة هي حماية ملكية الدولة العامة فإن البيع الذي يرد على مال من الأموال العامة يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التسجيل لا يصحح عقداً باطلاً، لما كان ذلك، وكان المحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن البيع الحاصل للطاعنة باطل بطلاناً مطلقاً لوقوعه على محل غير قابل للتعامل فيه إذ كانت الأرض محل العقد عند إبرامه من المنافع العامة، وأن أمر السيد رئيس محكمة القاهرة رقم...... بإبقاء الشهر المؤقت لهذا العقد لا يضفي أية شرعية لتملك الأرض بهذا العقد لأنه لا يجوز تملكها بأي وجه من الوجوه، فإن الحكم يكون قد التزم صحيح القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 7645 سنة 69 مدني كلي القاهرة على المطعون ضدهم بصفاتهم بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لها مبلغ 9994 جنيه استناداً إلى أنها تمتلك حصة مقدارها 11 قيراط و8 أسهم من 24 قيراط في كامل أرض وبناء المنزل المبين بصحيفة الدعوى بموجب عقد بيع مسجل برقم 4092 توثيق القاهرة بتاريخ 16/ 5/ 61 وإن السلطة القائمة على شئون التنظيم قامت في منتصف سنة 1968 وبمناسبة افتتاح كاتدرانية الأقباط الأرثوذكس الجديدة - بإخلاء المنزل من شاغليه وبهدمه دون إخطارها وإن المطعون ضده الثالث بصفته يدعي أنه المالك للأرض - وبتاريخ 6/ 6/ 70 ندبت المحكمة خبيراً في الدعوى وبعد أن أودع الخبير تقريره وقيدت الدعوى برقم 2956 سنة 71 مدني كلي جنوب القاهرة. قضت المحكمة بتاريخ 15/ 6/ 1974 بإلزام المطعون ضده الثالث بصفته بأن يؤدي للطاعنة مبلغ 4177.600 جنيهاً. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 4035 سنة 91 ق. م. القاهرة كما استأنفه المطعون ضده الثالث بصفته بالاستئناف رقم 4012 سنة 91 ق. م القاهرة. وبتاريخ 10/ 5/ 75 حكمت محكمة استئناف القاهرة في الاستئنافين بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام المطعون ضده الثالث بصفته بأن يدفع للطاعنة 550 جنيه طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثمانية أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك تقول إن الحكم جاء خلو من بيان سبب المانع لدى السيد المستشار...... عضو الهيئة التي أصدرته - الذي سمع المرافعة واشترك في المداولة ووقع على المسودة - من حضور جلسة النطق به بالمخالفة لنص المادة 170 من قانون المرافعات فيكون باطلاً عملاً بالمادة 178 من هذا القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن النص في المادة 170 من قانون المرافعات على أنه يجب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع مسودة الحكم يدل وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع قد توقع أنه قد يعرض للقاضي الذي اشترك في إصدار الحكم ما يحول بينه وبين حضوره بشخصه وقت تلاوته فاكتفى بأن يوقع على المسودة، على أن يبين في الحكم أن القاضي الذي لم يحضر النطق به قد اشترك في المداولة ووقع على مسودته وإلا كان باطلاً، ولئن كان من المتعين أن يكون المانع القهري الذي يجيز الاستعاضة بتوقيع القاضي مسودة الحكم عن حضوره شخصياً هو المانع المادي المجرد دون المانع القانوني الذي معناه زوال صفة القاضي أو انتفاء ولايته لضرورة صدور الحكم ممن يتصف بوصف القاضي ولزوم ثبوت هذه الصفة له حتى النطق بالحكم كي تتوافر له مكنة الإصرار على رأيه أو العدول عنه حتى ذلك الوقت إلا أنه ليس بلازم الإفصاح في الحكم عن بيان المانع لأنه لصيق بشخص القاضي ومن العسير التعرف عليه وقت النطق بالحكم. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تقدم ما يفيد تحقق مانع قانوني بالمستشار الذي لم يحضر النطق بالحكم ووقع على مسودته فإن هذا النعي يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أغفل بيان الأدلة الواقعية والحجج القانونية الدالة على ملكية الطاعنة لعقار النزاع أرضاً وبناء والتي ضمنتها مذكرة دفاعها لمحكمة الاستئناف رداً على استئناف المطعون ضده الثالث بصفته، كما أغفل الإشارة إلى مستنداتها العديدة المقدمة الدالة على أن العقار كان مبنياً وقائماً قبل سنة 1940 ومنها الصورة الرسمية بصحيفة دعوى الحراسة والحكم الصادر في 27/ 11/ 1940 بفرض الحراسة على العقار وصورة رسمية من مستخرج الخرائط التاريخية لمنطقة العباسية قسم الوايلي الممسوحة سنة 1911 والتي حلت محلها خرائط مساحة سنة 1944 وظاهر منها أن المنزل قائم وموجود وأنه لا يوجد به ولا بالدائرة المحيطة له أية علامة تفيد إنه كان مدفناً ظاهراً، ومع ذلك اكتفى الحكم المطعون فيه بالإحالة في بيان الوقائع ودفاع الخصوم وأدلتهم إلى الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة مع تحصيل ما تضمنته صحيفتي الاستئنافين وبذلك يكون باطلاً عملاً بالمادة 178 من قانون المرافعات بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن التعديل الذي جرى على المادة 178 من قانون المرافعات بمقتضى القانون رقم 13 لسنة 1973 قد استهدف - وعلى ما جلته المذكرة الإيضاحية - وجوب الاقتصار على اشتمال الحكم لعرض وجيز لوقائع النزاع وإجمال للجوهري من دفاع طرفيه وإيراد الأسباب التي تحمل قضاء الحكم المطعون فيه، أما تفصيل الخطوات والمراحل التي قطعها النزاع أمام المحكمة فإنه تزيد لا طائل من ورائه، قد يضيع في غمارها أمام القاضي معالم الطريق إلى نقاط النزاع الجوهرية، ولما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين لاعتبار البيان جوهرياً يترتب على إغفاله البطلان أن يكون ذكره ضرورياً للفصل في الدعوى لتعلقه بسير الخصومة فيها باعتباره حلقة من حلقاتها قام بين الطرفين نزاع بشأنه، وكان لا يعيب الحكم الاستئنافي أن يحيل في بيان الوقائع إلى ما ورد بالحكم الابتدائي وإن قضي بإلغائه، كما لا يعيبه إغفال ذكر نصوص المستندات المقدمة إلى المحكمة ما دامت مبينة في مذكرات الخصوم بما يكفي معه مجرد الإشارة إليها، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة إن محكمة الموضوع متى رأت الأخذ بتقرير الخبير وأحالت إليه اعتبر جزءاً مكملاً لأسباب حكمها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أحال بصدد بيان وقائع الدعوى إلى الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة التي تضمنت عرضاً مجملاً لهذه الوقائع وطلبات الخصوم وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية ثم حصل الحكم أسباب استئناف كل من الطاعنة والمطعون ضده الثالث بصفته مقيماً قضاءه على ما انتهى إليه خبير الدعوى في تقريره المتضمن بيان ما قدمته الطاعنة من مستندات ومنها الخرائط المساحية وما أثارته من دفاع لا يخرج عما رددته بمذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف وبذلك يكون الحكم قد استكمل شروط صحته ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أغفل مستنداتها التي أطلع عليها الخبير والحاسمة في عدم صحة النتيجة التي انتهى إليها والدالة على أن منزل النزاع لم يكن في يوم من الأيام (مدفناً) ولم يكن مخصصاً لمنفعة عامة بل كان ملكاً خاصاً لمورث البائعة لها الذي يرتد وضع يده إلى سنة 1890 كما لم يناقش الحكم اعتراضاتها على تقرير الخبير والتي ضمنتها مذكرة دفاعها المقدمة لمحكمة الاستئناف.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه لما كان وضع اليد على الأموال العامة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - مهما طالت مدته لا يكسب الملكية إلا إذا وقع بعد انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وذلك قبل صدور القانون 39 لسنة 1959 - إذ من تاريخ هذا الانتهاء فقط تدخل في عداد الأملاك الخاصة فتأخذ حكمها ثم يثبت وضع اليد عليها بعد ذلك المدة الطويلة المكسبة للملكية بشرائطها القانونية. على أنه يجب أن يكون انتهاء التخصيص للمنفعة العامة واضحاً لا يحتمل لبساً ومن ثم فمجرد سكوت الإدارة عن عمل يقوم به الغير في المال العام بدون موافقتها لا يؤدي إلى زوال تخصيص هذا المال للمنفعة العامة، وكان تحصيل فهم الواقع في الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أيضاً - من شأن قاضي الموضوع وحده فله السلطة التامة في تقدير أعمال أهل الخبرة وبحث الدلائل والمستندات المقدمة إليه تقديماً صحيحاً وموازنة بعضها بالبعض الأخر وترجيح ما يطمئن إليه منها وفي استخلاص ما يراه متفقاً مع صحيح الواقع ما دام استخلاصه سائغاً وله مأخذه من الأوراق، وكان المقرر أن الموازنة بين الأدلة والأخذ بدليل معين منها دون دليل آخر لم تطمئن إليه محكمة الموضوع لا يعتبر من قبيل الفساد في الاستدلال، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على الطعون التي يوجهها الخصم إلى تقرير الخبير فما دام أنها قد أخذت بالنتيجة التي انتهى إليها ففي ذلك الرد الضمني المسقط لما عداها، وهي أيضاً غير ملزمة بالرد على المستندات غير الحاسمة التي أطرحتها إذ حسبها أن تقيم حكمها على ما يصلح من الأدلة لحمله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعنة لا تمتلك أرض النزاع استناداً إلى ما ثبت لخبير الدعوى من أن هذه الأرض كانت أصلاً من المنافع العامة ثم تحولت إلى أرض مملوكة ملكية خاصة للدولة في 10/ 2/ 1949 وأن المدة منذ هذا التاريخ حتى صدور القانون رقم 39 لسنة 59 الذي حظر تملك الأموال المملوكة ملكية خاصة للدولة بالتقادم - دون الخمس عشرة سنة وبالتالي فليس من شأن هذه المدة أن تكسب الطاعنة ملكية تلك الأرض بالتقادم المكسب الطويل المدة، وهي أسباب سائغة مستمدة من أوراق الدعوى وتتضمن الرد المستند لكل حجة مخالفة، وتعتبر - وقد أخذ الحكم المطعون فيه بما انتهى إليه خبير الدعوى في تقريره - جزءاً مكملاً لأسباب هذا الحكم، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الحكم الابتدائي استدل على ملكيتها لعقار النزاع أرضاً وبناءاً بعقد البيع المسجل مؤقتاً برقم 4192 في 16/ 5/ 61 وخطاب مصلحة الأملاك المؤرخ 24/ 2/ 60 بأن الأرض لم تحصر ضمن جبانة الأنبا رديس وبالتالي تخرج عن المساحة المسلمة للمصلحة وليست من أملاكها على حين استخلص الحكم المطعون فيه ما يخالف هذا النظر فيما قدره بأن بيع هذه الأرض قد ورد على أرض جبانات من الأموال العامة.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان يترتب على الاستئناف نقل النزاع إلى محكمة الدرجة الثانية التي يجب عليها أن تعمل رقابتها على الحكم المستأنف من حيث العناصر الواقعية والقانونية جميعاً حتى فيما يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إذ يعد النزاع مطروحاً عليها لتفصل فيه من جديد بمجرد رفع الاستئناف، ومن ثم تكون قد تخلت عن مهمتها إذا اكتفت بالقول بأن استخلاص محكمة أول درجة للواقع في الدعوى إنما وقع في حدود سلطتها الموضوعية بل يجب عليها أن تسلط رقابتها على أعمال محكمة أول درجة لسلطتها التقديرية فإن رأت سلامة تقديرها تبنته بحيث يكون تقديرها هي وليس تقدير محكمة أول درجة هو أساس حكمها. وكان لا إلزام على محكمة الاستئناف بأن ترد على ما جاء بحكم محكمة أول درجة - الذي ألغته أو عدلته - طالما أقامت قضاءها على أسباب مؤدية، وكانت الموازنة بين الأدلة لا تعتبر من قبيل الفساد في الاستدلال، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بأن الطاعنة لا تمتلك شيئاً من أرض النزاع على ما يحمله من تقرير الخبير وسلف بيانه فإن ما تثيره بهذا السبب يكون جدلاً موضوعياً غير جائز أمام محكمة النقض ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إن الشهر العقاري قد استفسر بخطابه لمصلحة الأملاك في 20/ 2/ 1960 عما إذا كان عقار النزاع يدخل في أملاك الحكومة الخاصة أم لا - لا مكان شهر حق الإرث وعقد البيع الصادر فردت مصلحة الأملاك بخطابها المؤرخ 24/ 2/ 60 بأن جبانة الأنبا رويس قد تم الاستغناء عنها وحصرت ضمن أملاك الحكومة الخاصة ولم يحصر ضمنها عقار النزاع لخروجه عن المساحة المسلمة إليها وانتقل الخبير إلى مصلحة الأملاك واطلع على أصل ذلك الخطاب وتبين أنه يحمل توقيعات المختصين بما يقطع بمطابقة الصورة الشمسية المقدمة منها لأصل الخطاب بصرف النظر عن تشكك الخبير في عبارة "وليس من أملاكها" الواردة في نهاية الخطاب والتي لا تتنافى مع ما ورد بصلبه ولا تعتبر سوى ترديد لمحتواه، ومع ذلك نسب الحكم المطعون فيه صورة الخطاب إلى الإدارة الهندسية التابعة للشهر العقاري وأسقط حجية صورته الشمسية لعدم وجود الأصل وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الحكم المطعون فيه أفصح عن سبب عدم اعتداده بالصورة الشمسية لخطاب مصلحة الأملاك المؤرخ 24/ 2/ 60 بقوله أن عبارة "وليس من أملاكها" مضافة بمداد وقلم مخالفين وذلك مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير ما يترتب على العيوب المادية في المحرر من إسقاط قيمته في الإثبات أو إنقاصها بما أذن لها بنص المادة 28/ 1 من قانون الإثبات ويكون ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن جدلاً موضوعياً فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع وتنحسر عنه رقابة محكمة النقض. هذا إلى أن خطأ الحكم في إسناد صورة الخطاب إلى غير الجهة الصادر عنها المحرر لا تأثير له على ما انتهى إليه من إسقاط قيمة هذه الصورة في الإثبات إذ يستوي بالنسبة إلى الطاعنة أن تكون هذه الصورة لأصل صادر عن الإدارة الهندسية التابعة للشهر العقاري أو صادر عن مصلحة الأملاك ويكون نعيها في هذا الصدد غير منتج وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول أن ما انتهى إليه الخبير بمحضر أعماله رقم 20 بتاريخ 15/ 11/ 72 بشأن محضر التسليم المؤرخ 10/ 2/ 49 يدل على أن أرض النزاع تخرج عن مسطح الأرض المسلمة لمصلحة الأملاك بموجب هذا المحضر بينما استدل الحكم مما جاء بتقرير الخبير على أنها تدخل فيها وهو ما يعيبه بالفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الثابت من الصور الرسمية لتقرير خبير الدعوى ومحاضر أعماله المودعة حافظة مستندات الطاعنة الثانية أنه انتهى إلى أن أرض النزاع وإن كانت لا تدخل ضمن مساحة الـ 6 سهم و3 قيراط و8 فدان المسلمة لمصلحة الأملاك بتاريخ 10/ 2/ 49 لدخولها ضمن المساحة المخصصة بالمرسوم الصادر بتاريخ 16/ 10/ 1926 للمنفعة العامة، إلا أنها دخلت الملكية الخاصة للدولة منذ 10/ 2/ 1949 - وهو تاريخ الاستغناء عنها كجبانة وإلغاء تخصيصها للمنفعة العامة، ولما كان قضاء الحكم المطعون فيه قد استقام على هذه النتيجة التي خلص إليها الخبير فإنه لا ينال منه العبارة التي ضمنها أسبابه من أنه "قد جاء بتقرير الخبير أن أرض النزاع تدخل ضمن محضر التسليم" إذ لا تأثير لهذه العبارة على النتيجة التي ضمنها الخبير تقريره واعتمدها الحكم وهي أن أرض النزاع باتت في ملكية الدولة الخاصة منذ إنهاء تخصيصها للمنفعة العامة بالاستغناء عنها كجبانة ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى السبب السابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول أنها لم تتمسك بأنها تمتلك أرض النزاع بالتقادم الخمسي ومع ذلك تعرض الحكم لبحث ملكيتها بهذه الطريقة قولاً منه أنها تمسكت بذلك في مذكرتها.
وحيث إن هذا النعي غير منتج ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن الطاعنة لم تمتلك أرض النزاع بالتقادم المكسب الطويل المدة استناداً إلى ما انتهى إليه خبير الدعوى في هذا الشأن وسلف بيانه، ولما كان هذا وحده كافياً لحمل قضائه فإنه لا يعيبه ما استطرد إليه من بحث ما إذا كانت قد تملكت تلك الأرض بالتقادم المكسب القصير المدة أم لا إذ كان ذلك من باب التزيد الذي يستقيم الحكم بدونه وليس من شأنه أن يغير من الأساس الذي أقام عليه الحكم قضاءه وبذلك يكون النعي بهذا السبب غير مجد ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثامن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أهدر حجية قرار قاضي الأمور الوقتية بإبقاء الشهر المؤقت لعقد البيع الصادر لها والذي أخطر به المطعون ضده الثالث حال صدوره سنة 1961 بمقولة أن هذا القرار لا يضفي على عقدها أية شرعية في حين أن المادتين 53، 54 من التعليمات المنفذة لقانون الشهر العقاري تضفيان على الشهر المؤقت - متى أمر قاضي الأمور الوقتية بتثبيته - نفس الآثار المترتبة على التسجيل العادي إذ لا يجيز القانون الطعن في قراره بإبقاء أو إلغاء الشهر المؤقت.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن المادة 87 من القانون المدني تحظر التصرف في المال العام، ولما كان هذا النص من النظام العام إذ قصد به اعتبارات عامة هي حماية ملكية الدولة العامة فإن البيع الذي يرد على مال من الأموال العامة يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون، وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التسجيل لا يصحح عقداً باطلاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن البيع الحاصل للطاعنة باطل بطلاناً مطلقاً لوقوعه على محل غير قابل للتعامل فيه إذ كانت الأرض محل العقد عند إبرامه من المنافع العامة، وأن أمر السيد رئيس محكمة القاهرة رقم 714 لسنة 61 بإبقاء الشهر المؤقت بهذا العقد لا يضفي أية شرعية لتملك الأرض بهذا العقد لأنه لا يجوز تملكها بأي وجه من الوجوه فإن الحكم يكون قد التزم صحيح القانون ويغدو النعي على غير أساس. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق