جلسة 24 من مارس سنة 1991
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فؤاد عبد العزيز عبد الله رجب - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حسن حسنين علي حسنين ومحمد يسرى زين العابدين عبد الله والطنطاوي محمد الطنطاوي وفريد نزيه حكيم تناغو - المستشارين.
----------------
(95)
الطعن رقم 498 لسنة 20 القضائية
مجلس الدولة - أعضاؤه - تأديب - انتهاء الخدمة بسبب الحكم بعقوبة جنائية.
وضع قانون مجلس الدولة نظاماً متكاملاً لصلاحية وتأديب أعضائه - أساس هذا النظام هو لجنة التأديب والتظلمات - سكوت المشرع عن بيان أثر صدور حكم بعقوبة جنائية على عضو من أعضاء مجلس الدولة ليس معناه تطبيق قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة فيما تضمنه بشأن إنهاء الخدمة للحكم على العامل بعقوبة جنائية - تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 8/ 4/ 1974 أودع الأستاذ/...... بالنيابة عن الأستاذ/........ الوكيل عن الأستاذ/..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا صحيفة طعن قيدت تحت رقم 498 لسنة 20 القضائية طلب فيها قبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة الأمر بصرف مرتب الطاعن كاملاً منذ 4/ 9/ 1966، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في 9/ 6/ 1973 في الدعوى رقم 43 لسنة 19 القضائية - فيما طلبه من تسليمه عمله بمجلس الدولة وتدرج ترقيته إلى مستشار مساعد " أ " بالأقدمية التي نص عليها قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية في 5/ 11/ 1973، وصرف مرتبه كاملاً مع بدلاته من التاريخ الذي أوقفه عنده مجلس الدولة (تاريخ صدور الحكم الجنائي في 4/ 9/ 1966) واستمرار صرفه بعد ذلك، مع احتفاظه بحقه في التعويض وفي كافة الآثار الأخرى.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة ثلاثة تقارير انتهت جميعها إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام هذه الدائرة، حيث استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن، وبجلسة 9/ 12/ 1990 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن الأستاذ/...... أقام طعنة الماثل طالباً قبوله شكلاً وبصفة مستعجلة الأمر بصرف راتبه كاملاً منذ 4/ 9/ 1966 وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بتاريخ 9/ 6/ 1973 في الدعوى رقم 43 لسنة 19 ق فيما طلبه الطاعن من تسليمه عمله بمجلس الدولة، وتدرج ترقيته إلى مستشار " أ " بالأقدمية التي نص عليها قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية في 5/ 11/ 1973 وصرف مرتبه كاملاً مع بدلات من التاريخ الذي أوقفه عنده مجلس الدولة (تاريخ صدور الحكم الجنائي في 4/ 9/ 1966) واستمرار صرفه بعد ذلك، مع احتفاظه بحقه في التعويض وفي كافة الآثار الأخرى.
وقال الطاعن شارحاً لدعواه إنه بتاريخ 9/ 6/ 1973 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في القضية رقم 43 لسنة 19 القضائية بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 13 من فبراير سنة 1966 بقبول استقالته وإلزام الحكومة المصروفات، وأعلن هذا الحكم إلى مجلس الدولة بتاريخ 4/ 7/ 1973، وتقدم الطاعن بطلب تسليمه العمل في 17/ 7/ 1973، وأكد طلبه هذا في مذكرة قدمها إلى كل من السيدين/ وزير العدل ورئيس مجلس الدولة بتاريخ 22/ 8/ 1973، وأسس طلبه على أن منطوق الحكم تضمن بطلان الاستقالة التي انتهت بموجبها الخدمة، وأضاف أن الحكم الجنائي الصادر بعد تقديم الاستقالة في القضية رقم 12 لسنة 1965 أمن دولة عليا، لا قيمة له، ولا أثر له في إنهاء خدمته، إذ أن خدمة رجل القضاء لا تنتهي إلا بأحد طريقين، بقرار من رئيس الجمهورية بالضمانات المنصوص عليها، أو عن طريق لجنة التأديب والتظلمات بالضمانات المنصوص عليها، أما الحبس تنفيذاً للحكم الجنائي، فقد شكل قوة قاهرة وعقبة مادية حالت دون مباشرة اختصاصه كعضو مجلس الدولة، وزالت هذه العقبة بصدور قرار العفو عن نصف العقوبة في 23 يوليو سنة 1973 وحق له تسلم عمله، إلا أن مجلس الدولة اتخذ إجراءات تعيين له من جديد، وتنفيذاً لحكم المحكمة الإدارية العليا صرف له مرتبه أثناء فترة حبسه احتياطياً وحتى صدور الحكم الجنائي، وطالما تبين انعدام هذا الحكم الجنائي انعدمت آثاره في العزل من الوظيفة، وبالتالي يحق له الاستمرار في صرف راتبه دون التقيد بقاعدة الأجر مقابل العمل، طالما أن امتناعه لم يكن وليد إرادته، بل كان وليد عمل من أعمال الغصب.
ورداً على الطعن أفاد مجلس الدولة بأن الطاعن اعتقل بتاريخ 24/ 8/ 1965 ضمن المتحفظ عليهم من جماعة الإخوان المسلمين، وبتاريخ 1/ 10/ 1965 أوقف صرف راتبه بناء على كتاب وزارة العدل، وبتاريخ 7/ 2/ 1966 قدم استقالته، ووافق رئيس مجلس الوزراء على قبولها في 14/ 2/ 1966 وصدر قرار رئيس مجلس الدولة في 21/ 3/ 1966 برفع اسمه اعتباراً من 13/ 2/ 1966 وفي 8/ 8/ 1966 قضت محكمة أمن الدولة في الجناية رقم 12 لسنة 1965 بمعاقبة المدعي بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 12 سنة وصدق رئيس الجمهورية على هذا الحكم في 4/ 9/ 1966 وتقدم بطلب لصرف نصف مرتبه الذي أوقف صرفه من تاريخ اعتقاله حتى تاريخ قبول استقالته، وتم صرف راتبه حتى تاريخ الحكم في الجناية المشار إليها، وبناء على طلب منه بإعادة تعيينه، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 998 لسنة 1974 بتاريخ 20/ 6/ 1974 بتعيين الطاعن مستشاراً مساعد " أ " بمجلس الدولة على أن يكون تالياً في الأقدمية للأستاذ/...... ومن حيث إنه عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 43 لسنة 19 القضائية بتاريخ 9/ 6/ 1973، فقد قضى الحكم المشار إليه بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر في 13 من فبراير سنة 1966 بقبول استقالة الطاعن وإلزام الحكومة المصروفات.
ومن حيث إن الثابت أن مجلس الدولة قام بتنفيذ الحكم المشار إليه، واعتبر استقالة الطاعن كأن لم تكن، وقام بصرف ما لم يصرف من مرتبه في الفترة من أول أكتوبر سنة 1965 تاريخ اعتقاله حتى 8 أغسطس سنة 1966 تاريخ الحكم عليه في الجناية رقم 12 لسنة 1965 تأسيساً على أن خدمته لا تعتبر منتهية من 13 فبراير سنة 1966 تاريخ قبول استقالته، ثم أوقف مجلس الدولة صرف راتبه من تاريخ الحكم عليه في الجناية تأسيساً على أن الحكم عليه في هذه الجناية يعد منهياً لخدمته بقوة القانون.
ومن حيث إنه متى كان ذلك فإن الفيصل في النزاع الماثل هو ما إذا كان صدور حكم على الطاعن من محكمة أمن الدولة العليا في الجناية رقم 12 لسنة 1966، ومعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة اثنتى عشر سنة ينهي خدمته اعتباراً من تاريخ الحكم، باعتبار أنه قام بحقه سبب من أسباب إنهاء الخدمة أم أنه كان يلزم اتخاذ إجراء آخر لإنهائها.
ومن حيث إنه من المقرر فقهاً وقضاء أنه لا عقوبة إلا بنص، ولا مجال في شأن العقاب للقياس أو الاجتهاد، سواء في ذلك العقوبات الأصلية أو العقوبات التبعية، ومتى خلت النصوص من العقاب على الوجه المتقدم أغلق بالضرورة باب الاجتهاد والقياس والتفسير.
ومن حيث إنه باستقراء أحكام قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 الذي صدر في ظله الحكم الجنائي المشار إليه يتضح أنه لم ينص على أثر صدور حكم على عضو من أعضاء مجلس الدولة بعقوبة جناية، وأمام ذلك فلا مجال للجوء إلى القياس واستعارة أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رغم ما استقر عليه القضاء من اعتباره القانون العام في تنظيم ما لم تنظمه القوانين الخاصة بطوائف خاصة من العاملين، إذ أنه لو صح ذلك، فيكون ذلك في غير الجانب العقابي والتأديبي، خاصة وأنه بالضرورة وفي كل نظام سواء النظام العام للعاملين المدنيين بالدولة، أو الأنظمة الخاصة، هناك سلطة تأديبية تختص بتقدير مدى إمكان مؤاخذة العامل عن أي مسلك تأديبي ويكون قرارها في هذا الشأن صحيحاً ومتفقاً مع القانون طالما كانت الإجراءات قد اتفقت مع صحيح حكم القانون.
ومن حيث إن بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة المطبق عند صدور الحكم على الطاعن يبين أنه نظم في المواد 64 وما بعدها تأديب وعزل أعضاء مجلس الدولة فتقضي المادة 64 منه بأن: أعضاء مجلس الدولة من درجة مستشار مساعد فما فوقها غير قابلين للعزل.
ويكون النواب غير قابلين للعزل متى أمضوا ثلاث سنوات متصلة في وظيفتهم أو في وظيفة مماثلة لها يتمتع شاغلها بالضمانة عينها.
ويسري بالنسبة إلى هؤلاء سائر الضمانات التي يتمتع بها القضاة وتكون لجنة التأديب والتظلمات هي الجهة المختصة في كل ما يتصل بهذا الشأن.
ومع ذلك إذا اتضح أن أحدهم فقد الثقة والاعتبار اللذين تتطلبهما الوظيفة، أحيل إلى المعاش بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة لجنة التأديب والتظلمات وبعد سماع أقوال العضو.
أما من عدا هؤلاء من أعضاء المجلس فيكون فصلهم بقرار من رئيس الجمهورية وبعد موافقة اللجنة المشار إليها.
وتنص المادة 65 من القانون المشار إليه على أن: -
"تنظم اللائحة الداخلية الأحكام الخاصة بتأديب أعضاء مجلس الدولة والعقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها هي:
الإنذار - اللوم - العزل.
وتنص المادة 66 على أن:
"تشكل لجنة التأديب والتظلمات من أعضاء المجلس الخاص منضماً إليهم ثمانية من وكلاء ومستشاري المجلس بحسب ترتيبهم في الأقدمية.
"وتختص هذه اللجنة بتأديب أعضاء المجلس وبالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية.." وتفصل اللجنة فيما ذكر بعد سماع أقوال العضو والاطلاع على ما يبديه من ملاحظات وتصدر قراراتها بالأغلبية المطلقة إلا في حالة التأديب فتصدر قراراتها بأغلبية ثلثي أعضائها.
ويكون قرار اللجنة في جميع ما تقدم نهائياً، ولا يقبل الطعن بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن قانون مجلس الدولة أقام نظاماً متكاملاً لصلاحية وتأديب أعضائه محوره وأساسه هو لجنة التأديب والتظلمات، وخلو القانون من تحديد أفعال أو جرائم من شأن إدانة عضو مجلس الدولة فيها مجازاته بجزاءات محددة أو فقده للثقة والاعتبار هو أمر منطقي يتسق مع هذا الاختصاص الشامل للجنة التأديب والتظلمات التي لا يحد اختصاصها حدود، فيمكن أن يعرض عليها أي فعل أو سلوك يرتكبه عضو مجلس الدولة ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها في القانون، وترى اللجنة رأيها فيه، سواء بتبرئته أو بفقده الثقة والاعتبار أو إدانته تأديبياً وتتخذ القرار المناسب في إطار النصوص القانونية من إحالة للمعاش أو الإنذار أو اللوم أو العزل.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإن القياس أو استعارة حكم قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة بشأن إنهاء الخدمة للحكم بعقوبة جناية، وتطبيقه على الطاعن لا يجد سنداً من القانون.
ومن حيث إن العرض على لجنة التأديب والتظلمات هو ضمانة جوهرية، بل هي الضمانة الهامة لتقرير صلاحية أو تأديب أعضاء مجلس الدولة في حدود القانون، ويترتب على إهدارها، بطلان أي إجراء يتخذه مجلس الدولة بإنهاء خدمة العضو أياً كان ما نسب إليه من أفعال سواء جوزي عنها جنائياً أم لا.
ومن حث إنه بناء على ما تقدم وإذ اعتبر مجلس الدولة أن خدمة الطاعن منتهية اعتباراً من 8/ 8/ 1966 بالحكم عليه في الجناية رقم 12 لسنة 1965 بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 12 سنة، فإن هذا القرار سلبياً أو إيجابياً لا يكون قائماً على سند من القانون، ويتعين من ثم اعتبار خدمة الطاعن متصلة، ويكون طلب الطاعن بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بتاريخ 9/ 6/ 1973 في الدعوى رقم 43 لسنة 19 ق قائماً على سنده، خلال الفترة التالية للحكم عليه في الجناية رقم 12 لسنة 1965 أخذاً في الاعتبار أن مجلس الدولة قد نفذ حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه حتى تاريخ صدور الحكم الجنائي.
ومن حيث إنه عن استحقاق الطاعن لأجره عن الفترة التي نفذ فيها الحكم الصادر بمعاقبته بالأشغال الشاقة، فإنه وفقاً للقاعدة التي جرى عليها قضاء هذه المحكمة من أن الأجر مقابل العمل، إلا إذا كانت الإدارة بفعلها قد عاقت الطاعن عن مباشرة عمله، وهو الأمر الذي لا يتوافر بشأن المدة التي سجن فيها الطاعن تنفيذاً للحكم الجنائي، ومن ثم لا يستحق أجراً إلا من التاريخ الذي أبدى فيها استعداده لتسلم العمل بعد الإفراج عنه وهو 17/ 7/ 1973 على النحو الثابت بما قدمه مجلس الدولة من أوراق.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس الدولة السلبي بالامتناع عن الاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بتاريخ 9/ 6/ 1973 في الدعوى رقم 43 لسنة 19 القضائية واعتبار خدمة الطاعن متصلة خلال الفترة التي حبس فيها تنفيذاً للحكم الصادر بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة وبعدم استحقاقه لأجره عن المدة التي حبس فيها وحتى الإفراج عنه وإبداء استعداده لتسلم العمل بمجلس الدولة بتاريخ 17/ 7/ 1973 وما يترتب على اعتبار مدة خدمته متصلة من آثار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق