الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 31 مايو 2023

الطعن 847 لسنة 33 ق جلسة 11 / 5 / 1991 إدارية عليا مكتب فني 36 ج 2 ق 125 ص 1199

جلسة 11 من مايو سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

-------------------

(125)

الطعن رقم 847 لسنة 33 القضائية

محال تجارية وصناعية - 

إيقاف إدارة المحل - أسبابه - الخطر الداهم على الأمن العام. المادة (12) من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة، والمضرة بالصحة والخطرة.

------------------
لجهة الإدارة إيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام وذلك حماية للمجتمع من هذا الخطر - المقصود بالخطر الداهم على الأمن العام هو الخطر على الأمن بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حد الأمن الخاص بحماية الأرض وغيرها من الممتلكات وحياة الفرد وعرضه وماله وحرياته، وحقوقه العامة والخاصة واستقراره وثقته في مجتمعه - الأمن العام يتجاوز ذلك إلى شمول الحماية من الاعتداء غير المشروع على كل ما يتصل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية - مثال ذلك: حماية الشباب من استغلال حاجتهم إلى العمل ومنحهم عقود مزورة للعمل بالخارج - قرار إيقاف إدارة المحل ليس إلغاء للترخيص بصفة نهائية وإنما هو إجراء ضبطي مؤقت لحين زوال الخطر الداهم الذي يهدد الصحة العامة أو الأمن العام - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق السابع من فبراير سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الداخلية ومحافظ الجيزة ورئيس حي شمال الجيزة بصفاتهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 847 لسنة 33 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1986 في الشق المستعجل من الدعوى رقم 4671 لسنة 40 القضائية المقامة من المطعون ضده ضد الطاعنين والذي قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنون - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المذكور مع القضاء برفض طلب وقف التنفيذ وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقد أودع السيد الأستاذ المستشار علي رضا تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن رأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 15 من أكتوبر سنة 1990، وبجلسة 18 من مارس سنة 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 6/ 4/ 1991 والجلسات التالية وفق الثابت بمحاضر الجلسات ثم حددت لإصدار الحكم جلسة اليوم 11 من مايو سنة 1991، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في 17 من يوليو سنة 1986 أقام.... الدعوى رقم 4671 لسنة 40 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إدارة الرخص بحي شمال الجيزة رقم 103 لسنة 1986 الصادر في 26 من يونيه سنة 1986 بغلق مطبعته الكائنة بالعقار رقم 8 شارع السلام. قسم إمبابة بمحافظة الجيزة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه في 17 من يونيه سنة 1986. وأثناء غيابه عن المطبعة المذكورة - حضر إليها أحد الأشخاص، وطلب من العامل الذي يعمل بها تصوير ألف عقد عمل باسم مؤسسة خاصة بالمملكة العربية السعودية وأعطاه النموذج المطلوب تصويره، كما طلب إليه تجليد هذه العقود في عشرة دفاتر يحوي كل منها مائة عقد، وذلك بمقابل اتفقا عليه. وفي الموعد المحدد للتسليم فوجئ بقوة من الشرطة تقتحم المطبعة واصطحبته مع العامل (.....) إلى مباحث إدارة مكافحة التزييف والتزوير حيث حرر لهما محضراً قامت نيابة قسم إمبابة بتحقيقه وانتهت إلى توجيه تهمة تزوير محرر عرفي قدم إليه - هو عقد العمل الخاص بمؤسسات وشركات أجنبية وتزييف علامات تلك المؤسسات والشركات - وكذلك إدارة المطبعة دون ترخيص، وأفرج عنهما بضمان مالي.
وأضاف المدعي أنه فوجئ في أول يوليو سنة 1986 بصدور القرار رقم (103) لسنة 1986 من إدارة رخص المحلات بحي شمال الجيزة بغلق المطبعة بناء على كتاب الإدارة العامة لمكافحة جرائم التزييف والتزوير رقم 1092 في 25 من يونيو سنة 1986 والذي ورد به أن صاحب المطبعة قد حرر له المحضر رقم (3664) في 25 من يونيو سنة 1986 جنح إمبابة لقيامه باستخدام - المطبعة في تقليد علامات الشركات الأجنبية على عقود العمل.
واستطرد المدعي في دفاعه إلى أن الاتهام المنسوب إليه قد جاء خلواً من أية جريمة يمكن نسبتها إليه خاصة وأن المطبعة برخصة دائمة مستخرجة من حي شمال الجيزة، ومسدد عنها الترخيص حتى العام الأخير.
وردت جهة الإدارة على الدعوى بأنه قد تم ضبط المدعي يستخدم مطبعته في تقليد علامات الشركات الأجنبية على عقود العمل، وقد حرر له محضر عن ذلك، ثم تم غلق المطبعة تنفيذاً لكتاب الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، وذلك طبقاً للسلطة المخولة لها في مباشرة وظيفتها ووفقاً لحكم المادة (12) من القانون رقم 453 لسنة 1954، وقد راعى بذلك القرار المطعون فيه المصلحة العامة بالحفاظ على الأمن العام كما راعى مصلحة المدعي باعتبار أن قرار الغلق قرار موقوت حتى يتم التصرف في المحضر الذي حرر له.
وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1986 صدر حكم محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل من الدعوى قاضياً بوقف القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أنه وفقاً لحكم المادة (49) من قانون مجلس الدولة فإن مناط الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بالإلغاء توافر ركن الجدية والاستعجال وفي مجال بحث الجدية، فإن القرار المطعون فيه - بحسب الظاهر من الأوراق - لم يقم على سند صحيح لأن القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، ينص في المادة (12) منه على جواز إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام ولم يثبت من الوقائع أن المدعي أدار المطبعة على نحو يهدد بخطر داهم أياً من الصحة العامة أو الأمن العام. وفي مجال بحث ركن الاستعجال فقد استظهرت المحكمة أن في إغلاق المطبعة تهديد لمورد رزق المدعي، الأمر الذي يعني توافر الركنين اللازمين للحكم بوقف تنفيذ القرار.
وإذ لم ترتض الجهة الإدارية هذا القضاء، فقد أقامت الطعن الماثل على أساس أنه قد توافر في المطبعة التي صدر القرار الإداري بغلقها الشرط اللازم لصدور هذا القرار وهو التهديد بخطر على الأمن العام لما ينطوي عليه تزييف عقود العمل من أخطار. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن جهة الإدارة الطاعنة تطلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص حسبما يبين من الأوراق. وفي مقدمتها حكم محكمة جنح قسم إمبابة الصادر بجلسة 15 من يناير سنة 1987 في قضية النيابة العمومية رقم 3664 لسنة 1986. في أنه قد ثبت من محضر تحريات مؤرخ في 21/ 6/ 1986 بمعرفة أحد ضباط مباحث مكافحة التزييف والتزوير بأنه توالت التحريات السرية الموثوق في صحتها التي تفيد وجود أشخاص يقومون بتقليد علامات الشركات والمؤسسات الأجنبية واستخدامهما في تزوير عقود العمل المزورة واصطناع بعض المستندات المستخدمة في السفر، وقد دلت التحريات على أن السيد/...... (المطعون ضده) والسيد/...... يقومان بإدارة محل طباعة خاص بتقليد علامات المؤسسات والشركات الأجنبية واستخدام تلك العلامات واصطناع عقود العمل وترويجها ولذلك أمرت النيابة العامة بضبط وتفتيش شخصي ومسكن المذكورين وذلك لضبط ما بحوزتهما من عقود عمل مزورة ومن علامات مقلدة للمؤسسات والشركات الأجنبية، وكذلك الأدوات المستخدمة في تلك الطباعة أو أية ممنوعات أخرى تظهر عرضاً أثناء التفتيش. وقد ثبت من محضر الضبط المؤرخ في 21/ 6/ 1986 أن ضابط الشرطة توجه إلى المطبعة وطلب الحصول على العقود التي سبق الاتصال بالمطبعة لشرائها فقام من يدير المطبعة بإعطائه ستة دفاتر، فلما طلب الضابط مائة عقد عمل على العلامة الخاصة بمؤسسة العقيلي بالمملكة العربية السعودية طلب منه من يدير المطبعة (مائة جنيه) وهنا تدخلت القوة المرافقة وتم ضبط عقود العمل التي تحمل العلامة المقلدة لمؤسسة العقيلي بالسعودية وذلك في حضور المطعون ضده......
ومن حيث إنه من المسلمات أن أجهزة الأمن تترخص في تقدير الخطورة الناشئة عن الحالات الواقعية التي تواجهها والتي توجب عليها أن تتدخل لمواجهتها حماية للأمن العام وبالإجراء الضبطي المناسب، ولكن ذلك التقدير الذي لا يكون مشروعاً إلا لو استند إلى حالة واقعية لها وجود حقيقي وتتوافر لها الشروط والأوصاف التي حددها المشرع في القانون لتبرر تدخل الإدارة.
ومن حيث إن حكم محكمة جنح إمبابة المشار إليه لم ينته إلى نفي وقوع ما تقدم من وقائع إلا أنه نفى التكييف القانوني والوصف الجنائي في الحدود التي تضمنها قرار الاتهام عنها حيث ذكر إن جريمة الاستعمال للمحررات لم تتم واعتبر الأفعال والوقائع التي أقر الحكم الجنائي المذكور ثبوتها قبل المتهم (المطعون ضده) تشكل شروعاً في تزوير محررات عرفية وهي ليست من الجنح التي يعاقب على الشروع فيها، وقد انتهى الحكم المشار إليه إلى براءة المتهمين دون أن تنفي صحة الوقائع المنسوبة إليهما بل أنه رجح حقه بما تضمنه من ثبوتها قبلهم وبينهم المطعون ضده.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن جهة الإدارة متمثلة في حي شمال الجيزة إذ أصدرت القرار رقم 103 لسنة 1986 بغلق مطبعة المطعون ضده في 26 من يونيه سنة 1986، فإنها تكون قد أصدرت هذا القرار خلال أسبوع من تاريخ إجراء الضبط الذي تم بناء على إذن النيابة العامة وضبط العقود التي تحمل علامات مقلدة لإحدى المؤسسات الأجنبية الخاصة ومن ثم فإن هذا القرار يكون قد استند إلى واقعة ثابتة في محضر رسمي لم يطعن على ما ورد به بالتزوير ولم ينته القضاء إلى الحكم بعدم صحتها أو عدم سلامتها أو عدم صحة إدانة المطعون ضده بارتكابها.
ومن حيث إن القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة ينص في المادة (12) على أنه "في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال التي تسري عليها أحكام هذا القانون، يجوز لمدير عام إدارة الرخص بناء على اقتراح فرع الإدارة الذي يقع في دائرته إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كلياً أو جزائياً، ويكون هذا القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري".
ومن حيث إن مقتضى هذا النص أنه وإن كان من حق صاحب المحل أن يداوم مزاولته لنشاطه فيه تأميناً لكسب رزقه والاستمرار في تحصيل قوته، إلا أنه إذا ما خرج رب المحل على الحدود المشروعة في مباشرته لنشاطه كان من حق جهة الإدارة الأمينة على الصالح العام أن توقف هذا النشاط بقرار إداري يصدر من جانبها بشرط أن يكون هذا الخروج بأفعال يتحقق في شأنها الأوصاف التي حددها نص القانون وهي وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة المحل الخاضع لأحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 ومن ثم فإن مقطع النزاع في الطعن الماثل هو مدى توفر الخطر الداهم على الأمن العام بالنسبة لما يثبت من أفعال قبل المطعون ضده.
ومن حيث إن الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/ 12/ 1966 وقد وقعت عليها جمهورية مصر العربية بتاريخ 4/ 8/ 1967 وصدر بالموافقة عليها قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981. ومن حيث إن هذه الاتفاقية تنص في المادة (6) منها على أن "تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بالحق في العمل الذي يتضمن حق كل فرد في أن تكون أمامه فرصة كسب معيشته عن طريق العمل الذي يختاره أو يقبله بحرية. وتتخذ هذه الدول الخطوات المناسبة لتأمين هذا الحق".
كما تنص في المادة (4) على أن "تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بأنه يجوز للدولة، في مجال التمتع بالحقوق التي تؤمنها تمشياً مع الاتفاقية الحالية، أن تخضع هذه الحقوق للقيود في القانون فقط وإلى المدى الذي يتمشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط ولغايات تعزيز الرضاء العام في مجتمع ديمقراطي.
ومن حيث إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948 ينص في المادة الثالثة والعشرين منه أنه "لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره... كما ينص هذا الإعلان العالمي في المادة التاسعة والعشرين منه أنه (1) على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحدة لشخصيته أن تنمو نمواً حراً كاملاً. (2) يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي".
ومن حيث إنه يبين من هذه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أنه ليس لأحد الزعم بأن له حقوقاً مطلقة لا تتقيد بحقوق الآخرين في ذات المجتمع ولا تتحدد بما يقتضيه الصالح العام لغيره من الناس، بل إن للدولة أن تضع حقوق وحريات الفرد في إطارها الصحيح بحيث يكون استخدامه لها إضافة الناتج والنشاط والقدرة القومية في توافق مع مصلحة غيره من المواطنين ومع المصلحة القومية العامة، وهذا الإطار يبرر أن يضع بدقة حدوده وشروطه ومداه المشرع الداخلي بمقتضى القانون وليس بأداة أدنى وقد تم التقنين الدستوري لهذه القاعدة المقررة دولياً في دستور جمهورية مصر العربية الذي نص على أن يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي (م 7) وعلى أن يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها (م 12) وعلى أن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة (م 13) وأن تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة (م 29) وعلى أن "الملكية الخاصة تتمثل في رأس المال غير المستغل، وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية، دون انحراف أو استغلال، ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، وعلى أن الملكية الخاصة مصونة (م 34).
ومن حيث إن مقتضى هذه النصوص جميعاً أن لكل مواطن حق اختيار مجال نشاطه في كسب رزقه وتدبير سبل حياته بواسطة عمله وله حرية ممارسة هذا النشاط أو العمل سواء أكان عملاً بحتاً أو عملاً مع ملكية رأس مال أو استثمار لرأس المال وحده دون تعرض له في ممارسته ودون تقييد حقه في مباشرته إلا في حدود ما ينظمه القانون وبموجب قواعد تضمن عدم تعارض نشاط الملكية الخاصة مع الصالح العام للمجتمع أو مع الخير العام للشعب بل على القانون أن ينظم كيفية حماية هذا الصالح العام والخير العام ورعايته من أي عدوان أو استغلال أو إيذاء للمجتمع أو لأفراده وعلى الجهات الإدارية أن تعمل على تحقيق هذه الغايات في إطار من الشرعية وسيادة القانون.
ومن حيث إنه تطبيقاً لذلك فقد نصت المادة (12) من القانون رقم 453 لسنة 1954 على حق جهة الإدارة في إيقاف إدارة المحل كلياً أو جزئياً في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام وذلك حماية للمجتمع من هذا الخطر المترتب على مباشرة أي مواطن لنشاطه في استغلال محل عام ووقاية للأفراد من استغلالهم أو العدوان على صحتهم أو أمنهم أو استقرارهم بسبب مباشرة أي فرد لهذا لنشاط ومن حيث إنه في ضوء ما سلف جميعه يتحدد ما قصده المشرع بالخطر الداهم الذي يهدد الصحة العامة أو الأمن العام وعلى أساس موضوع يرتبط بنوعية النشاط وبظروف مباشرته سواء من حيث المكان أو الزمان فيما يعد خطراً داهماً يهدد الأمن العام في زمن معين أو في مدينة معينة لا يعد كذلك في زمن آخر أو في مكان آخر في الدولة.
ومن حيث إنه بمراعاة كل ذلك فإن المقصود "بالخطر الداهم على الأمن العام" هو الخطر على الأمن بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حد الأمن الخاص بحماية الأرض وغيرها من ممتلكاته وحياته وعرضه من العدوان عليها بالصورة التقليدية وإنما يشمل ذلك الأمن الخاص بحماية الفرد وحياته وعرضه وماله وحرياته وحقوقه العامة والخاصة واستقراره وثقته في مجتمعه وليس فقط في حدود الأمن الذي لا يقف عند حد حماية الفرد من الاعتداء التقليدي غير المشروع على جسده أو حريته، ولكنه يتجاوز ذلك إلى شمول الحماية من الاعتداء غير المشروع على كل ما يتصل بحياة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية العامة التي تحوطه ومن أبرزها في مصر الآن ما يعانيه المصريون من أزمة اقتصادية تدفعهم دفعاً إلى البحث باندفاع ولهفة عن عمل تتحسن به أوضاعهم في البلاد العربية وبصفة خاصة في الدول النفطية مما يساعد على سهولة استهوائهم وبخاصة استهواء الشباب منهم واستغلالهم ويوجب على المشرع والإدارة العاملة حمايتهم من كل مستغل انتهازي لظروفهم.
ومن حيث إن واقعة أعداد نسخ مطبوعة من عقود عمل توحي بأنها صادرة من مؤسسات تعمل بالخارج مما يتيح للغير القيام بعمليات تغرير واسعة النطاق براغبي العمل بالخارج من المواطنين الذين يحتاجون في الظروف الاقتصادية الراهنة لكسب الرزق الحلال أينما كان مصدر الرزق خاصة إذا كان الإغراء بالعمل بدولة عربية نفطية توجد بها سوق للعمالة المصرية التي تسهم بعمالها وخبرائها في بنائها مقابل الأجور العالية التي يتحصل عليها لا شك ينطوي على التلاعب بآمال من يعانون من البطالة أو الأزمة الاقتصادية الذين يعانون في هذه الآونة الحرجة من مراحل العمل الوطني في سبيل إصلاح مسار مصر الاقتصادي والخروج من أزمتها الاقتصادية، وهذا التغرير والاستغلال يهدد بلا جدال المغرر بهم وهم ملايين في أمنهم وسلامهم الاجتماعي والاقتصادي بما يترتب عليه من سخط واسع النطاق بقدر عدد الأسر التي تبتلى بعقود عمل مزورة مقابل كل مدخراتها أو معظمها ولا يكتشف العامل أمر التغرير والزيف إلا بعد إنفاق الجهد والمال في سبيل السفر الذي يسفر عن سراب يكتشفه العامل المتعطش إلى الرخاء في العمل في دولة نفطية مغترباً عن بلده وولده فإذا به يرحل خائباً إلى وطنه أو يساق إلى السجون بتهمة الاشتراك في تزوير عقد صادر عن جهة لم تصدره وهو من هذا الاتهام برئ بعد أن يفقد مقابل العقد المزور والأمل المزيف كل أو معظم ما يملكه من مدخرات ومن حيث إنه لا شك في ظل هذه الظروف فإن من شأن الاضطراب العام الذي ينشأ نتيجة استعمال أعداد ضخمة من عقود العمل المزورة بالخارج أن ينشأ خطر داهم على الأمن العام بهذا المفهوم وفي إطار المعيار القانوني الصحيح سالف البيان ومن ثم فإن الشروط التي تطلبها المشرع في المادة (12) من القانون رقم 453 لسنة 1954 سالف الذكر يكون متحققاً في حالة المطعون ضده الذي ثبت في حقه أنه كان يطبع العديد من عقود العمل المزورة بأسماء مؤسسات خاصة سعودية سواء ثبت أنه قد قام بترويجها بنفسه أو يسر ذلك لغيره من الذين يعتمدون عليها في الاحتيال والنصب لاستغلال آمال المواطنين وسلبهم مدخراتهم مقابل تقديم عقود مزورة بفرص عمل زائفة يحددها المطعون ضده لهذا الغرض.
"ولا يفوت المحكمة أن تثبت أنها إذ تزن الحكم والقرار الطعين بميزان الشرعية وسيادة القانون - فإن هذا القرار الذي صدر استناداً إلى المادة (12) من القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية ليس عقوبة جنائية أصلية أو تبعية أو تكميلية، وإنما هو إجراء ضبطي مصدره وسنده أحكام المادة (12) من القانون المذكور وهذا القرار بحسب طبيعته والأسباب المبررة لصدوره والغاية منه ليس إلغاء للترخيص بصفة نهائية، وإنما هو إجراء ضبطي مؤقت بإيقاف إدارة النشاط بالمحل كلياً أو جزئياً لحين زوال الخطر الداهم الذي يهدد الصحة العامة أو الأمن العام أو كليهما إذ ترتبط شرعية القرار ووجوده وزواله بوجود الحالة الواقعية التي يتحقق معها توقع هذا الخطر الداهم وفقاً للتقدير الموضوعي والمنطقي للأمور، ولا شك أن هذا القرار بوقف إدارة النشاط بالمحل يفقد شرعيته بزوال التهديد بالخطر الداهم للصحة العامة أو الأمن العام نتيجة لتغير الظروف التي يباشر خلالها النشاط بحيث يتحقق لدى الجهة الإدارية أن تغير الظروف يترتب عليه أن العودة إلى مباشرة النشاط بالمحل في الحدود المشروعة لن يرتبط بالحتم والضرورة بإيجاد حالة واقعية يعيبها بحسب طبائع الأمور نشوء خطر داهم للأمن العام أو الصحة العامة أو استمرار وجوده وكما أنه من الواجب على الإدارة إعمالاً للمشروعية وإعلاء للصالح العام أن تتدخل لوقف أي نشاط مرخص به لتهديد الأمن العام والصحة العامة فإن عليها أيضاً أن تتدخل لإزالة هذا الوقف فور أن تزول الأسباب الموجهة له ويزول التهديد بالخطر الداهم للأمن العام أو الصحة العامة احتراماً لحصانة الملكية الفردية وحرية النشاط الفردي وحق كل مواطن في العمل المشروع للإسهام على حسب ما يستطيع في مجال الإنتاج والخدمات في إطار الشرعية والمشروعية.
ومن حيث إن مؤدى ما سلف بيانه أن القرار الإداري الطعين الصادر بوقف إدارة المطبعة قد صدر وفقاً لما يبين من ظاهر الأوراق صحيحاً وموافقاً لصحيح حكم القانون.
ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وقد صدر بوقف تنفيذه يكون قد صدر دون سند صحيح من أحكام الدستور والقانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق