الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

الطعن 40 لسنة 23 ق دستورية عليا "دستورية".جلسة 4 / 12 / 2021

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع مــــن ديسمبر سنة 2021م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 23 قضائية "دستورية".

المقامة من
شركة النصر للكيماويات الدوائية
ضد
1- رئيس الجمهوريـة 2- رئيس مجلس الـوزراء 3- رئيس مجلس الشعـب (مجلس النواب حاليًـــا) 4- وزير العـــدل 5- وزير الدفـاع 6- إبراهيم عيد الجليل محمد

--------------

" الإجراءات "

بتاريخ الثامن عشر من مارس سنة 2001، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا؛ طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة (66) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 234 لسنة 1959 في شأن خدمة الضباط الاحتياط بالقوات المسلحة، المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1971، فيما تضمنه من حكم سلبى بعدم مراعاة قيد الزميل. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أولا: بعدم قبول الدعوى فيما جاوز التعديل الوارد بالمادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1971، لانعدام المصلحة. ثانيًــا: برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 9/ 10/ 2021، وفيها قدمت الشركة المدعية مذكرة، كما قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، صمم فيها كل منهما على طلباته، فقررت المحكمة بالجلسة ذاتها إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.
-------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وســــائر الأوراق - في أن المدعى عليه السادس كان قد أقام الدعوى رقم 1323 لسنة 1998 عمال كلى، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ضد الشركة المدعية، طالبًا الحكم بأحقيته في ضم كامل مدة الاستدعاء كضابط احتياط بالقوات المسلحة إلى مدة خدمته بالشركة، وإرجاع أقدميته بالدرجة الثالثة بمقدارها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وصرف كافة مستحقاته المالية المترتبة على ذلك. قولاً منه إنه التحق بالعمل بالشركة المدعية بموجب عقد عمل مؤقت مؤرخ 2/ 4/ 1990، إلى أن عُين فيها بوظيفة محاسب ثالث بتاريخ 1/ 1/ 1991. وقد سبق له أن أدى الخدمة العسكرية الإلزامية كمُلازم مُجند، خلال الفترة من 1/ 7/ 1987 حتى 1/ 9/ 1988، ثم استدعى كضابط احتياط، خلال الفترة من 1/ 9/ 1988 حتى 31/ 12/ 1989، وأنه طلب ضم هاتين المدتين إلى مدة خدمته بالشركة، فاستجابت لطلب ضم مدة خدمته العسكرية الإلزامية، دون مدة الاستدعاء كضابط احتياط، على سند من وجود زميل له في التخرج، معين بالشركة، يقيد ضم تلك المدة.
وبجلسة 27/ 2/ 1999، قضت المحكمة بعدم اختصاصها محليًـّـا بنظر الدعوى، وإحالتها الى محكمة بنها الابتدائية، ونفاذًا لذلك قُيدت الدعوى برقم 708 لسنة 1999 مدنى كلى حكومة بنها، وأثناء نظر الدعوى بجلسـة 15/ 1/ 2001، دفع الحاضر عن الشركة بعدم دستورية نص المادة (66) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 234 لسنة 1959 في شأن خدمة الضباط الاحتياط بالقوات المسلحة، المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1971، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 2/ 4/ 2001، وصرحت للشركة باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقامت دعواها المعروضة .
وحيث إن المادة (66) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 234 لسنة 1959 في شأن خدمة الضباط الاحتياط بالقوات المسلحة، المعدل بالقانونين رقمي 132 لسنة 1964 و10 لسنة 1971، تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أنه " تُضم لضباط الاحتياط في الوظائف العامة مدد الاستدعاء للخدمة بالقوات المسلحة السابقة على التعيين في تلك الوظائف. وتدخل هذه المدد في الاعتبار سواءً عند تحديد أقدميتهم أو تقدير راتبهم". وتنص الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه " وإذا كان التعيين في وظائف القطاع العام فتعتبر فترة الاستدعاء مدة خبرة وتحسب في أقدمية الفئة التى يعينون فيها ".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بهــــا، المطروحــــة على محكمة الموضــــوع. متى كان ذلك، وكانت الشركة المدعية في تاريخ تعيين المدعى عليه السادس في 1/ 1/ 1991، خاضعة لإشراف هيئة القطاع العام وشركاته الصادر في شأنها القانون رقم 97 لسنة 1983، بحسبانها إحدى شركات القطاع العام، ثم أضحت شركة من شركات قطاع الأعمال العام، بموجب أحكام المادة الثانية من مواد إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام رقـم 203 لسنة 1991 ، المعمول بأحكامه اعتبارًا مــــن 20 يوليو سنة 1991. وكانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول طلب المدعى عليه السادس - باعتباره أحد العاملين بتلك الشركة - ضم مدة الاستدعاء كضابط احتياط بالقوات المسلحة، إلى مدة خدمته بالشركة، وما يترتب على ذلك من آثار، واعتبارها مدة خبرة تحسب كاملة في أقدمية الفئة التي عُين فيها. وكان المشرع قد كفل أصل الحق في ضم تلك المدة، بموجب نص الفقرة الأخيرة من المادة (66) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 234 لسنة 1959 المشار إليه، ومن ثم فإن حسم المسألة الدستورية المثارة بشأن هذا النص، سيكون ذا أثر مباشر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، الأمر الذى تتوافر معه للشركة المدعية مصلحة في الطعن على دستورية نص تلك الفقرة. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنه هذا النص من إطلاق حساب مدة استدعاء الضباط الاحتياط العاملين بالقطاع العام، كاملة في أقدمية الفئة التى يعينون فيها، دون تقييدها بألا تجاوز أقدمية زملائهم في التخرج، المعينين في الجهة ذاتها، ولا يستطيل إلى غير ذلك من أحكام تلك المادة.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص التشريعي المطعون عليه - في النطاق المحدد سلفًا - مخالفته لنصوص المواد (30، 32، 33، 34، 40) من دستور 1971، وتقابلها نصوص المواد (4، 12، 33، 34، 35، 53، 92) من دستور 2014، وذلك بما أقامه من تمييز غير مبرر بين ضم مدة الخدمة العسكرية للجندي المجند، بمراعاة ألا يسبق زميله في التخرج المعين معه في الجهة ذاتها، على النحو الوارد في نص المادة (44) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980، وضم مدة استدعاء ضابط الاحتياط السابقة على تعيينه، واعتبارهــا - بموجب نص المادة (66) محــــل الطعــن - مدة خبرة تُحسب كاملة في أقدمية الفئة التى يعين فيها، دون إعمال قيد الزميل، بما يتضمن إهدارًا لمبدأ المساواة، وتقويضًا للحقوق الوظيفية لزميل التخرج المعين بالجهة ذاتها، وينعكس سلبًـــا على ذمته المالية، وينتقص من حقه في ملكيته الخاصة، فضلًا عن كونه سيؤدى إلى إثراء الجانب الإيجابى للذمة المالية للمخاطبين بحكمه، بما يستحقونه من علاوات وزيادة في الأجور، الأمر الذى ينتقص من الملكية العامة، بحسبان أموال الشركة المدعية من قبيل الأموال العامة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التى يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليهـا النظام العـام في المجتمـع، وتشكل أسمى القواعــد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّــا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتــــى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينهـا بين نظـــم مختلفــة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهتها الشركة المدعية للنص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - تندرج، تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على النص المطعون عليه، الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه، في ضوء أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأى العدل وتكافؤ الفرص، أساسًــا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا.
وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه مـــن تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إنه باستقراء القوانين المتعاقبة المُنظمة لشئون خدمة الضُباط الاحتياط بالقوات المسلحة - بدءًا من القانون رقم 472 لسنة 1955 في شأن أقدمية ضـــباط الاحتياط ، وانتهاءً بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 234 لسنة 1959 في شأن قواعد خدمة الضباط الاحتياط بالقوات المُسلحة، السارى حاليًا، وما طرأ عليه من تعديلات كان آخرها القانون رقم 10 لسنة 1971 المشار إليه - يبدو جليًــا أن ضباط الاحتياط بالقوات المسلحة نخبة منتقاة من خيرة شباب مصر، تمثل أحد الركائز الفاعلة في منظومة الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، يجرى اختيارها بدقة وعناية من بين المُجندين ذوى المؤهلات العليا، ويتمتعون بالكفاءة العلمية والثقافية والبدنية ، ويلتحقون فور تجنيدهم بكلية الضباط الاحتياط، لمدة ستة أشهر، بغية تأهيلهم علميًا وعسكريًــا وإكسابهم أعلى مستوى من الانضباط والالتزام والوطنية والكفاءة القتالية وتحمل مسئولية القيادة. ويحصل ضابط الاحتياط عقب تخرجه على رتبة ملازم مجند لمدة ثمانية أشهر، حتى تاريخ إتمامه مدة الخدمة العسكرية الإلزامية المقررة وفقًا لأحكام قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980، ليُرقى عقب ذلك إلى رتبة الملازم أول احتياط، لمدة ستة عشر شهرًا - فترة استدعاء - ويُمكن مد فترة الخدمة لمدة سنة قابلة للتجديد لمدد أخرى بناء على احتياجات شئون ضباط القوات المسلحة، ووقتئذ تكون رتب ضابط الاحتياط مماثلة لرتب الضابط العامل بالقوات المسلحة، مع إضافة كلمة "احتياط" بعد الرتبة مباشرة، وليستطيل الأمر إلى حد معاملة ضباط الاحتياط، أثناء فترة استدعائهم، معاملة نظرائهم من الضباط العاملين بالقوات المسلحة، وذلك بالنسبة للعديد من الحقوق والمزايا المادية والمعنوية . وحيث إنه عن النعى بمخالفة النص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - مبدأ المساواة، فمردود أولاً: بأن ضابط الاحتياط المجند، يُعد طوال مُدة الخدمة العسكرية الإلزامية، بما فيها مدة الاستبقاء (إن وُجدت)، في ذات المركز القانونى لقرينه المُجند (كجُندى)، لكون أساس إلزامهما بالخدمة العسكرية، مرده قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980، وعليه فإن ضم مُدة الخدمة العسكرية الإلزامية له، بما فيها مدة الاستبقاء، في أقدميته، تُنظمها الأحكام الواردة بنص المادة (44) من القانون المار ذكره، بما استلزمته من وجوب قيد هذا الضم بقيد الزميل. وهو أمر يغاير حكم النص المطعون فيه - الفقرة الأخيرة من المادة (66) من القانون رقم 234 لسنة 1959 في شأن خدمة ضباط الاحتياط بالقوات المسلحة - كونه يُعالج حالة وجوب ضم مدد استدعاء ضابط الاحتياط، السابقة على التعيين في الوظائف التى حددها ذلك النص، بموجب قواعد تشريعية خاصة تستلزم حسابها كاملة في أقدميته، لتستقل بذلك عما عداها من مدد الخدمة العسكرية الأخرى أو مدة الخدمة العامة، التى قضاها زميله المعين معه في الجهة ذاتها. وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 234 لسنة 1959 المار ذكره، عن الأهداف التى تغياها المشرع بالتنظيم في ذلك النص، بما يلى" أن المشرع استهدف العديد من المقاصد، أخصها، استكمال كل حوافز ارتفاع الروح المعنوية لضباط الاحتياط بمساواتهم بأقرانهم من الضباط العاملين والمكلفين في المزايا، وإفساح مجال الترقى أمامهم، وتوفير أوفى قدر من الضمانات لاطمئنان هؤلاء الضباط على مستقبلهم في وظائفهم المدنية، والحفاظ على الحقوق والمزايا المادية والأدبية التى يتمتع بها الضابط الاحتياط في وظيفته المدنية حتى يلبى الدعوة إلى الخدمة العسكرية بنفس مطمئنة راضية، ....، ونظرًا لأن استدعاء الضباط الاحتياط لا يتم- في غير حالات الاستدعاء للتدريب المنصوص عليها في المادة (12) من القانون رقم 234 لسنة 1959 المشار إليه - إلا في حالات الحرب والتعبئة والطوارئ. ونظرًا لأن هذه الحالات تعتبر حالات استثنائية تجتازها البلاد، ويجب أن يشارك في تحمل أعبائها كافة الجهات التى يُستدعى منها أفراد لخدمة القوات المسلحة ....، وأن بعض جهات القطاع العام لم تطبق نص المادة (66) - محل الطعن - على من يعين من الضباط الاحتياط، بدعوى أنهم ليسوا شاغلين لوظائف عامة، مما أثار شكوى هؤلاء الضباط، لذلك، وتحقيقًا للمساواة بين من يُعين من ضباط الاحتياط في وزارات الحكومة ومصالحها ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، ومن يُعين منهم في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها، فقد رُؤى إضافة فقرة جديدة إلى المادة (66) تقضى باعتبار فترة الاستدعاء لضباط الاحتياط السابقة على تعيينهم في القطاع العام مدة خبرة وتُحسب في أقدمية الفئة التى يعينون فيها". متى كان ذلك، وكان المركز القانونى لضابط الاحتياط، وإن اتفق في بعض معطياته مع المركز القانونى لأقرانه زملاء التخرج المعينين معه في الجهــــة ذاتهــــا، فإنــــه يختلف في العديد منهــــا، ومن ثم فإن المغايرة في بعض الأحكام القانونية بينهما - طالما اتفقت مع الغرض من تقريرها بما قد يترتب عليها من مفارقة في شأن ضم مدة الاستدعاء كاملة - تغدو مبررة من زاوية دستورية، مهما بدت بعيدة حسابيًا عن الكمال. فضلًا عن أن مشروعية الأهداف التى تغياها المشرع في التنظيم التشريعى المطعون فيه، تعكس إطارًا لمصلحة جوهرية لها اعتبارها يقوم عليها هذا التنظيم، حيث اتخذ المشرع من القواعد القانونية التى تضمنها مدخلاً لها، فاتصل التنظيم الذى أقره، وحواه هذا النص بأهدافه، وارتبط بها برابطة منطقية وعقلية، ليكون كافلاً تحقيقها، بما ينفى عن هذا النص قالة انطوائه على تمييز تحكمي، فضلاً عن ارتكانه إلى أسس موضوعية تبرره، بما لا إخلال فيه بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، اللذين حرص الدستور على كفالتهما بنصوص المواد (4، 9، 53) منه . ومردود ثانيًا: بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في الدائرة التى يُجيز فيهـــا الدستور للمشـــرع أن يُباشـــر سلطته التقديريـــة لمواجهـــة مقتضيـــات الواقـع، وهى الدائرة التى تقع بين حَدّى الوجوب والنهى الدستوريين، فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التى تنظم موضوعًــا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التى يُطبق خلالها النص القانونى الخاضع لضوابط هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية في معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق في مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة إلى سد حائل دون التطور التشريعى. متى كان ذلك، وكان مقتضى نصوص القوانين المنظمة للخدمة العسكرية والوطنية- بدءًا بالقانون رقم 505 لسنة 1955 في شأن الخدمة العسكرية والوطنية وتعديلاته، وانتهاءً بالقانون رقم 127 لسنة 1980 المعدل بالقانون رقم 152 لسنة 2009 - أن الأصل هو ضم مدة الخدمة العسكرية كاملة إلى مدة خدمة العامل المدنية، لئلا يكون تكليف المواطن بأداء واجـب الدفـاع عـن الوطـن وحماية أرضه، سببًا في الإضرار به أو المساس بحقوقـه أو الانتقاص منها، ويقع على عاتق المشرع التزامًا دستوريًا بكفالة تحقيق ذلكغير أن هذا الأصل لم يـــرد على إطلاقه، بل أورد المشــــرع عليه قيدًا، مؤداه: ألا يسبق المجند زميله في التخرج الذي عين في الجهة ذاتهـــا، ليسرى هذا القيد في نطاق الأغراض التى وضع من أجلها دون توسع فـي تفسيره باعتباره استثناءً من ذلك الأصل. وفى مرحلة زمنية لاحقة عدل المشرع عن هذا الاستثناء، وغاير من سياسته التشريعية تجاه ضوابط ضم مدد الخدمة العـسكرية، بموجـب التعـدیل الـذى أدخلـه علـى المادة (٤٤) مــن قانون الخدمة العسكرية والوطنيـة، بموجب القــانون رقــم ١٥٢ لــسنة ٢٠٠٩، واستبعد ذلك القیـد، وأسقطه مـن أحكامها، وارتد إلى الأصل بإطلاقه ضم تلك المدة كاملة إلى الأقدمية في الوظيفة المدنية، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر مراحله الزمنية المختلفة، واستجابة لمقتضيات الحال، ليضحى هذا التنظيم هو الوسيلة المناسبة لحماية الأغراض والأهداف المشروعة التى قصد المشرع بلوغها من إقراره، والكافلة لتحقيقها، وترتبط بها برابطة منطقية، باعتبارها مدخلًا لها. وبهذه المثابة يكون الارتداد للأصل بموجب التنظيم الجديد الذى أقامه القانون رقم 152 لسنة 2009 الآنف البيان، قد جاء متسقًا مع أحكام النص المطعون فيه، ودونما تمييز أو تفرقة بين أن تضم لضابط الاحتياط مدة الاستدعاء للخدمة العسكرية، وبين ضم مدة الخدمة العسكرية الإلزامية لزميله المعين معه في الجهة ذاتها، وبما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة.
وحيث إنه عن النعى بإخلال النص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - بحق العمل، فإنه مردود: بأن الحق في العمل، مكفول بنص المادة (12) من الدستور، لصالح المواطنين، ومراكزهم القانونية بشأنه محمية ومصونة، حماية لحقوقهم الشخصية المكتسبة، وهذه المصالح وتلك الحقوق إذا تعارضت مع مصالح وطنية عليا، تتصل بحماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، فلا يكون من مندوحة عن تسامى الصالح الوطنى العام، على ما هو دونه من صوالح شخصية أو فردية، ذلك أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق هو إطلاقها، باعتبار أن جوهرها تلك المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم التشريعى، موازنًــا بينها، مرجحًــا ما يراه أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها لأكثر المصالح ثقلاً في مجال إنفاذها.
متى كان ذلك، وكان استدعاء ضابط الاحتياط للخدمة بالقوات المُسلحة- المُقرر بمُقتضى النص محل الطعن- هو أمرًا إلزاميًّا، يقع على عاتق ضابط الاحتياط عبء الانصياع له، تلبية منه لنداء الواجب الوطنى، ويُحظر عليه أن يتخلف عنه، إلا لعُذرٍ مشروع، تقبله الجهة المُختصة. وهذا الالتزام ليس التزامًا تشريعيًا- فحسب- بل إنه التزام دُستورى يستقى روافده من المادة (86) من الدُستور ذاته. وانطلاقًا من هذه المسئولية الوطنية، حظر المُشرع الترخيص لضابط الاحتياط- سواء في فترات استدعائه أو في غيرها- مُغادرة البلاد، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المُختصة، على نحو ما نصت عليه المادة (19) من القرار بقانون رقم 234 لسنة 1959 السالف الذكر، بما مؤداه أن ضابط الاحتياط، طوال مُدة الاحتياط، رهن الاستدعاء للخدمة بالقوات المُسلحة في أى وقت تشاء، الأمر الذى يغدو معه تقدير المشرع، جبر الضُر الذى مس ضابط الاحتياط المُستدعى، لقاء تلبيته الواجب الوطنى المقدس، وتقديمه على مصلحته الشخصية، من خلال تقرير حق له في ضم مدة استدعائه، إلى أقدميته في الوظيفة المدنية، يجد مبرراته فيما يُداخله من تضامن والتزام مجتمعى مقابل ما يقع على عاتق أبناء هذا الوطن جميعًا، مبناه تحمل جزء يسير من الأعباء التى يفرضها واجب حماية الوطن والدفاع عن حدوده وأراضيه، وتأمين مصالحه العليا. فضلًا عن مفارقة البُعد المصلحى المرنو إليه تشريعيًــا، بالنسبة لضم مدد الخبرة العملية طبقًا لأحكام المادة (23) من قانون العاملين بالقطاع العام، عنه في ضم مدد الاستدعاء لضابط الاحتياط، حيث استهدف المشــرع في الحالـة الأولى، صالح العمـل أو الوظيفة التي يتم التعيين عليها، إذا توفرت للمُعين خبرات إضافية تفوق أقرانه المعينين معه في التاريخ ذاته، تفيد الوظيفة وبيئة العمل، فتُضم هذه المدة، بمراعاة قيد الزميل، حماية لمصلحة الأخير. أما في الحالة الثانية فمحلها ضم مدة خدمة الاستدعاء لضابط الاحتياط، بما يكفل له الطمأنينة حتى ينصرف لأداء رسالته وواجبه الوطنى المقدس على أكمل وجه. ومن ثم، فإن القواعد في الحالة الأولى لها نطاق تطبيقها الخاص بها، فلا يجوز الخلط بينها وبين القواعد الخاصة بحساب مدة الخدمة العسكرية الإلزامية أو مدة استدعاء ضباط الاحتياط، وغاية الأمر أن أحكام النص المطعون فيه لم يقصد منها إيثار ضباط الاحتياط بمعاملة استثنائية يختصون بها علوًا على غيرهم، بل ربط تلك الميزة التفضيلية بأعباء توازنها، رفعًا لضُر مسهم، وبثًـــا للطمأنينة في نفوسهم، ومن ثم جاء مُحققًا بتلك الوسيلة نوع من التوازن بين من يتحملون عبء التكليف بأداء ذلك الواجب الوطنى، وبين غيرهم ممن لم يكلف بهذا العبء، بما يحول دون أن تقــــع تأديــــة الفئة الأولــــى لتلك المُهمــــة القوميــــة، عُدوانًا عليهــــم أو مساسًا بحقوقهم الوظيفية على نحو يؤدى لضياعها أو الانتقاص منها، خاصة أن تخليهم عن عملهم، وحرمانهم من اكتساب الخبرة الفعلية بالوظائف التى يشغلونها، ليس مرجعه إرادتهم، بل تلبية منهم لنداء الواجب المُقدس، الذى لا يُقارنه عمل مهما بلغت قيمته وأهميته في هذا المجال. وترتيبًــا على ما تقدم، وقد جاء النص المطعون فيه مُحققًا للغايات والاعتبارات الدُستورية السالفة الذكر، فإن قالة إخلاله بمقتضيات حق العمل بالمخالفة لنص المادة (12) من الدستور، تكون فاقدة لسندها، جديرة بالالتفات عنها.
وحيث إنه عن النعى بإخلال النص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - بالحماية المقررة للملكية الخاصة، فمردود بأن الملكية الخاصة وإن كفل الدستور دورها - في المادتين (33 و35) منه - ولم يجز المساس بها إلا استثناء، وأحاطها بما قدره ضروريًا لصونها ووقايتها من تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، فإن تلك الملكية في إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًــا مطلقًــا، ولا هى عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، بل يتعين أن يكون تنظيمها كاشفًــا عن وظيفتها الاجتماعية، ودائرًا حول طبيعة الأموال محلها، والأغراض التى ينبغي رصدها عليها على ضوء واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها مقوماتها.
متى كان ذلك، وكان التنظيم التشريعي للنص المطعون فيه، وإن كانت آثاره ترتب إثراءً في الجانب الإيجابي للذمة المالية للمُخاطبين بحكمه، بحساب فترة استدعائهم للخدمة بالقوات المُسلحة في أقدميتهم، وهو ما يرتب تعديلاً في الأجور والعلاوات التي يستحقونها لقاء ذلك، فإن هذه الآثار المالية قد انحصر محلها على فئة بعينها، هي ضباط الاحتياط العاملين في وظائف القطاع العام، دون أن يكون قِوامها الانتقاص من الذمة المالية لزميله المعين في الجهة ذاتها، ومن ثم فإن قالة مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المادتين (33، 35) من الدستور تكون فاقدة لسندها، جديرة بالرفض.
وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية العامة، فمردود بأنه فضلاً عن أن المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المشتمل على النص المطعون فيه أوضحت بأن " استدعاء ضباط الاحتياط لا يتم إلا في حالات الحرب والتعبئة العامة والطوارئ "، وهى حالات تتعلق بالحفاظ على كيان الدولة ذاته، وأمنها واستقرارها، وسلامة مواطنيها، الذى يُبذل من أجله كل مرتخصٍ وغالٍ، فإن التنظيم التشريعي الـوارد بذلك النص لم يتطـرق - من قريب أو بعيد - إلى الملكية العامة، وإذ لم يؤد ذلك النص محل الطعن إلى سلب أو منع حقوقٍ تتصل بصون هذه الملكية التي كفل الدستور حمايتها ودعمها بموجب نصى المادتين (33، 34) منه، فمن ثم فإن هذا النعى لا يُصادف أيضًا محلاً، ويضحى جديرًا بالرفض.
وحيث إن النص المطعون عليه - في النطاق المتقدم - لا يُخالف أى نص آخر من نصوص الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق