الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 ديسمبر 2021

الطعن 56 لسنة 6 ق جلسة 21 / 6/ 1986 دستورية عليا مكتب فني 3 دستورية ق 51 ص 353

جلسة 21 يونيه سنة 1986م

برئاسة السيد المستشار محمد على بليغ رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمود حمدي عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة -المفوض،

وحضور السيد/ أحمد على فضل الله - أمين السر.

-----------

قاعدة رقم (51)
القضية رقم 56 لسنة 6 قضائية "دستورية"

(1) الأعمال السياسية - الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح - الاستفتاء - دستور - المادة 152 من الدستور.
رخص الدستور - في المادة 152 منه - لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا.
لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء ذريعة إلى إهدار أحكام الدستور أو مخالفتها. الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت في الاستفتاء لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية، ولا تصحح ما يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور - تخضع هذه النصوص التشريعية لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
(2) دستور - المادة الخامسة بعد تعديلها في 22 مايو سنة 1980.
الدستور تطلب في المادة الخامسة منه تعدد الأحزاب ليقوم على أساسها النظام السياسي في الدولة، وكفل حرية تكوينها في الإطار الذي رسمه لها بما يستتبع ضمان حق الانضمام إليها. الحرمان من حق الانضمام إليها يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
(3) دستور - المادة 62 من الدستور - حق سيأسى.
الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة 62 من الدستور من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة. إهدار تلك الحقوق يعد مخالفة لأحكام الدستور.
(4) الحرمان من الحقوق والأنشطة السياسية - دستور - القانون رقم 33 لسنة 1978.
الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 تحرم فئة من المواطنين حرمانا مطلقا ومؤبدا من حقهم في الانتماء إلى الأحزاب السياسية ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة - ينطوي ذلك على إهدار لأصل تلك الحقوق ويشكل اعتداء عليها بالمخالفة لحكم المادتين 5، 62 من الدستور.
(5) السلطة التقديرية للمشرع - الرقابة القضائية على دستورية التشريعات.
الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية: والرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور - خضوع هذه التشريعات لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

-----------------
1 - أن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعي المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبي تم إعمالاً لنص المادة 152 من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسي وتحقيق مصلحتها السياسية في حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة 152 من الدستور من أن "لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا"، لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التي يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء - الذي رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه - ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت في الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التي لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها في المادة 189 من الدستور، وبالتالي لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعي أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالي لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. هذا فضلاً عن أن النص التشريعي المطعون عليه، قد صدر في شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين في مباشرة الحقوق السياسية التي كفلها الدستور، والتي ينبغي على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى - برمته - على غير أساس متعيناً رفضه.
2 - الدستور إذ نص في مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسي في جمهورية مصر العربية، وجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها - سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها - بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وهو ما لا يعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور - بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها في الإطار الذي رسمه لها، بما يستتبع حتماً ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعي للحزب وتتأكد شرعية وجوده في واقع الحياة السياسية، وبالتالي فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
3 - إن المادة 62 من الدستور. التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن: "للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني" ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسة لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة في المادة 62 منه.
4 - لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً بما ينطوي على إهدار لأصل الحقوق، ويشكل بالتالي اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
5 - الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعنى إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغي ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.


الإجراءات

بتاريخ 7 مايو سنة 1984، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري في 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبين فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين الصادرين من المدعى العام الاشتراكي في الثاني عشر من يونيه سنة 1978، المتضمنين إخطارهما بسريان حكم المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي في حقهما لاشتراكهما في قيادة حزب الوفد المصري القديم وإدارته. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإداري عدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 المشار إليه، فقد قضت في 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتها استناداً إلى ما استظهرته من مخالفتها لأحكام المواد 5، 40، 41، 62، 178 من الدستور.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعي المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبي تم أعمالاً لنص المادة 152 من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسي وتحقيق مصلحتها السياسية في حمايه الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة 152 من الدستور من أن "لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا"، ولا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التي يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء - الذي رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه - ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت في الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التي لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها في المادة 189 من الدستور، وبالتالي لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعي أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالي لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية هذا فضلاً عن أن النص التشريعي المطعون عليه، قد صدر في شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين في مباشرة الحقوق السياسية التي كفلها الدستور، والتي ينبغي على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى - برمته - على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي - المطعون عليها - تنص على أنه "لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب في إفساد الحياة السياسية قبل ثورة يوليو سنة 1952 سواء كان ذلك بالاشتراك في تقلد المناصب الوزارية منتمياً إلى الأحزاب السياسية التي تولت الحكم قبل 23 يوليو 1952، أو بالاشتراك في قيادة الأحزاب وإدارتها، وذلك كله فيما عدا الحزب الوطني والحزب الاشتراكي (حزب مصر الفتاة).
ويعتبر اشتراكاً في قيادة الحزب وإدارته، تولى مناصب الرئيس أو نواب الرئيس أو وكلائه أو السكرتير العام أو السكرتير العام المساعد أو أمين الصندوق أو عضوية الهيئة العليا للحزب.
ويخطر المدعى العام الاشتراكي مجلس الشعب، وذوى الشأن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون ببيان أسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى ولصاحب الشأن خلال عشرة أيام من تاريخ إبلاغه بذلك، أن يتظلم إلى مجلس الشعب من إدراج اسمه في هذا البيان إذا لم يكن قد تقلد أحد المناصب المشار إليها بالفقرة الأولى.
ويبت المجلس في التظلم بأغلبية أعضائه مع مراعاة حكم المادة 96 من الدستور".
وحيث إنه مما ينعاه قرار الإحالة على هذه المادة، أنها إذا قضت بحرمان فئة من المواطنين من حق الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية، تكون قد انطوت على مخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
وحيث إن المادة 5 من الدستور - المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 - تنص على أن " يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية" وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذري في إحدى ركائز النظام السياسي في الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن "الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديموقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية وفى متابعة العمل الوطني في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل إلى أهدافه المرسومة". وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي، بنظام تعدد الأحزاب، وذلك تعميقاً للنظام الديموقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة بما نص عليه في مادته الأولى من أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديموقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة..." وبما ردده في كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديموقراطية التي أرساها، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية - وهى جوهر الديموقراطية - أو بكفالة الحقوق والحريات العامة - وهى هدفها - أو بالاشتراك في ممارسة السلطة - وهى وسيلتها - ، كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديموقراطية تقوم أصلاً على الحرية، وأنها تتطلب - لضمان إنفاذ محتواها - تعدداً حزبياً، بل هى تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
لما كان ذلك، وكان الدستور إذ نص في مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسي في جمهورية مصر العربية، يجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها - سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها - بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وهو ما لا يعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور- بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها في الاطار السياسي فالذي رسمه لها، بما يستتبع حتماً ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعي للحزب وتتأكد شرعية وجوده في واقع الحياة السياسية، وبالتالي فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
وحيث إن المادة 62 من الدستور. التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن: "للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني" ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة في المادة 62 منه.
وحيث إنه لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً بما ينطوي على إهدار لأصل تلك الحقوق، ويشكل بالتالي اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
وحيث أنه لا يقدح في هذا النظر، ما ذهبت إليه الحكومة من أن النص المطعون عليه يسانده ما قدره المشرع من استبعاد من أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة من ممارسة أي نشاط سياسي وذلك في إطار السلطة التقديرية المخولة له أعمالاً للتفويض الدستوري الذي تضمنته المادتان 5، 62 من الدستور عندما أحالتا تنظيم الأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية إلى القانون، دون وضع قيود محددة لهذا التنظيم، ذلك أنه وإن كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغي ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، ولما كانت باقي أحكام هذه المادة مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة الأولى المشار إليها، بما مؤداه ارتباط فقرات المادة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فأن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط إبطال باقي فقرات المادة المشار إليها مما يستوجب الحكم بعدم دستوريتها برمتها.

لهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق