الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 ديسمبر 2021

الطعن 1 لسنة 29 ق جلسة 9 / 2 / 1961 مكتب فني 12 ج 1 أحوال شخصية ق 16 ص 144

جلسة 9 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: صبحي الصباغ، ومحمود القاضي، وفرج يوسف، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

----------------

(16)
الطعن رقم 1 لسنة 29 ق أحوال شخصية

(أ ) وقف "شرط الواقف".
شرط الانقراض. مثال....
(ب، ج) وقف "الاستحقاق فيه".
استعمال المشرع لفظ الحصة في المادة 33/ 1 من قانون الوقف 48/ 46 بمعنى الموقوف.
المقصود بالنص المخالف في معنى المادة 58 من قانون الوقف هو النص الصريح الذي يدل على إرادة الواقف دلالة قطعية. لا يتناول اللفظ إذا كان في دلالته على المعنى خفاء.

---------------
1 - إذا كان يبين من كتاب الوقف أن الواقفة جعلت وقفها من بعد وفاتها على معتوقتها ثم من بعدها على ذريتها وذرية ذريتها طبقة بعد طبقة الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع على أن من مات منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه واستحق ما كان يستحقه أصله لو كان حياً "فإذا انقرضوا جميعاً بأسرهم وأبادهم الموت عن آخرهم" كان ذلك وقفاً على جهات البر التي عينتها الواقفة - وإذ توفيت معتوقتها أثناء حياتها فقد غيرت الواقفة في وقفها بما لها من الشروط العشرة وكان التغيير قاصراً على تعيين الموقوف عليهم من بعدها فجعلته من بعد وفاتها وقفاً على معاون سرايها وعلى معتوقة أخرى بالسوية بينهما لكل منهما النصف فيه ثم من بعد كل واحد منهما تكون حصته المذكورة وقفاً على أولاده وذريته على النص والترتيب المشروحين بكتاب الوقف إلى حين انقراضهم "فإذا انقرضوا جميعاً" كان ذلك وقفاً على جهات البر المعينة في الكتاب المذكور - ونصت في إشهاد التغيير على أن باقي وقفها المذكور على حالة لم تغير منه شيئاً سوى ما ذكر بإشهادها - ولما كانت الواقفة قد جعلت وقفها بعد التغيير من بعد وفاتها على اثنين معينين بأسمائهما وجعلت حصة كل منهما من بعده وقفاً على أولاده وذريته وقفاً مرتب الطبقات وأدت هذا الإنشاء بعبارة واحدة وعقدة واحدة تناولت جميع الموقوف عليهم من جميع الطبقات وفي كل طبقة من طبقات الحصتين وبعد أن فرغت من كل هذا جاءت في أعقابه بشرط الانقراض الذي يتحقق به استحقاق جهات البر التي عينتها ولم تورد هذا الشرط في إنشاء خاص بكل حصة على حدة حتى كان يجوز القول بأنها عينت لكل حصة على استقلال مصرفها بعد انقراض أهلها وإن كان للحصة الأخرى مستحقون - لما كان ذلك وكانت العبارة التي عبرت بها الواقفة عن الانقراض وهي "فإذا انقرضوا جميعاً" من العموم والشمول بحيث تستغرق جميع الموقوف عليهم من أهل الحصتين وقد خلا كتاب الوقف وإشهاد التغيير مما يفيد تخصيصها بفئة من المستحقين دون فئة أخرى - فإن مؤدى ذلك أن يكون استحقاق جهات البر التي عينتها الواقفة مشروطاً بانقراض جميع المستحقين من أهل الحصتين لأن الواقفة لم تقف على تلك الجهات إلا بعد انقراض هؤلاء جميعاً فلا يخرج شيء من الريع عنهم إليها ما بقى أحد منهم حياً.
2 - تنص الفقرة الأولى من المادة 33 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 على أنه "وإذا مات مستحق وليس له فرع يليه في الاستحقاق عاد نصيبه إلى غلة الحصة التي كان يستحق فيها" - ولفظ الحصة استعمله المشرع في هذه الفقرة بمعنى الموقوف وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون.
3 - المقصود بالنص المخالف في معنى المادة 58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 هو النص الصريح الذي يدل على إرادة الواقف دلالة قطعية لا يتطرق إليها الاحتمال فلا يتناول اللفظ إذا كان في دلالته على المعنى خفاء لأي سبب كان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 51 سنة 1958 كلي أحوال شخصية القاهرة ضد وزارة الأوقاف "المطعون عليها" بصفتها ناظرة وحارسة على حصة المرحومة محجوب عبد الله البيضاء في وقف المرحومة السيدة أنجي هانم حرم المرحوم محمد سعيد باشا وتضمنت الدعوى إنه بمقتضى كتاب وقف صادر من محكمة دمنهور ذو تاريخين ثانيهما 2 من جمادي الثانية سنة 1282 هجرية وقفت السيدة أنجي المذكورة ثمانين فداناً على نفسها مدة حياتها ثم من بعدها على معتوقتها مقبولة بنت عبد الله البيضاء ثم من بعدها على ذريتها وذرية ذريتها ذكوراً وإناثاً بالسوية بينهم طبقة بعد طبقة العليا منهم تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرغه دون فرغ غيره يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع على أن من مات منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه واستحق ما كان يستحقه أصله لو كان حياً باقياً فإذن انقرضوا جميعاً وأبادهم الموت عن آخرهم كان ذلك وقفاً على جهات البر التي عينتها الواقفة في كتاب وقفها وشرطت الواقفة لنفسها الشروط العشرة. ولما ماتت مقبولة الموقوف عليها أثناء حياة الواقفة غيرت هذه في وقفها وذلك بإشهاد تغيير صادر منها لدى محكمة الإسكندرية الشرعية في تاريخين ثانيهما 10 من ربيع الأول الموافق 3 من نوفمبر سنة 1889 وجعلته من بعد وفاتها وقفاً على محمد فاضل معاون سراياها وعلى معتوقتها محجوب عبد الله البيضاء بالسورية بينهما لكل واحد منهما النصف أي اثنى عشر قيراطاً ثم من بعد كل واحد منهما تكون حصته المذكورة وقفاً على أولاده وذريته ونسله وعقبه ذكوراً وإناثاً بالسوية بينهم على النص والترتيب المشروحين بكتاب الوقف الأصلي إلى حين انقراضهم فإذا انقرضوا جميعاً كان ذلك وقفاً على جهات البر المعينة في هذا الكتاب وعلى الوجه المبين فيه - ثم توفى محمد فاضل في 19 من سبتمبر سنة 1914 عن أولاده محمد وعلى وفاطمة فوزية فانتقل إليهم نصيبه في الوقف وهو النصف بالسوية بينهم ثم توفى محمد عقيماً فآل نصيبه إلى أخيه علي وأخته فاطمة فوزية ثم توفيت فاطمة فوزية عقيماً في سنة 1935 فانتقل نصيبها الأصلي والآيل إلى أخيها علي وبذلك انحصرت حصة النصف الموقوفة علي محمد فاضل في ابنه علي والد الطاعنين وفي 11 من مارس سنة 1942 توفيت محجوب عبد الله الموقوف عليها النصف الآخر عقيماً فعادت حصتها إلى أصل غلة الوقف واعتبرت زيادة في الحصة الأخرى فتصرف مصرفها ويستحقها مستحقوها طبقاً لشرط الواقفة وعملاً بالنصوص الفقهية وبحكم المادة 33 من قانون الوقف رقم 48 سنة 1946 وبتاريخ 27 من أبريل سنة 1945 توفى على محمد فاضل عن أولاده عبد الفتاح ومحمد فاضل وحسن وفريدة الطاعنين فآل إليهم ما كان يستحقه والدهم ومنه حصة محجوب عبد الله بالتساوي بينهم لكل منهم الربع فيها ولكن وزارة الأوقاف تنكر عليهم هذا الاستحقاق بمقولة أيلولة حصة محجوب بعد موتها إلى جهة البر وامتنعت بغير حق عن تسليم كل منهم نصيبه فيها من تاريخ وفاة والدهم - لذلك طلبوا في دعواهم الحكم لهم على وزارة الأوقاف باستحقاق كل منهم ريع الحصة المذكورة وأمرها بأن تسلم كلاً منهم نصيبه فيها ومنع معارضتها لهم في ذلك وأن تدفع لهم جنيهاً واحداً مما استغلته من ريعها - دفعت الوزارة الدعوى بعدم سماعها لعدم انطباقها على شرط الواقفة الذي يقضي بأيلولة حصة محجوب إلى جهات البر تأسيساً على أن كل حصة من الموقوف تعتبر وقفاً مستقلاً فلا تعطى للمستحقين في الحصة الأخرى واستندت الوزارة إلى قرار محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية الصادر في 13 من مايو سنة 1943 والمؤيد استئنافياً في 7 من أكتوبر سنة 1943 بإقامتها ناظراً على حصة محجوب باعتبار أنها آلت إلى الخيرات كما استندت إلى أن والد الطاعنين سبق أن أدعى استحقاق هذه الحصة فقضى برفض دعواه في القضية رقم 29 سنتي 1943 و1944 كلي القاهرة وأيدت المحكمة العليا الشرعية هذا الحكم في 26 من سبتمبر سنة 1944 في الاستئناف رقم 199 سنتي 1943 و1944 - وبتاريخ 6 من مايو سنة 1958 قضت محكمة القاهرة الابتدائية أولاً برفض الدفع بعدم السماع. ثانياً - بعدم اختصاصها بنظر طلب التسليم والريع. ثالثاً - بأحقية كل من الطاعنين لثلاثة قراريط من اثنى عشر قيراطاً إليها حصة العقيم محجوب عبد الله البيضاء في وقف المرحومة أنجي هانم وبمنع تعرض وزارة الأوقاف لهم في هذا النصيب... وقد استأنفت الوزارة هذا الحكم بالاستئناف رقم 102 سنة 75 ق طالبة إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وتمسكت بالدفع بعدم سماع الدعوى لمخالفتها لشروط الواقفة ولسبق الفصل في موضوعها من المحكمة الشرعية، وفي 21 من يناير سنة 1959 قضت محكمة استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى تأسيساً على أن الحكم الشرعي الصادر ضد والد الطاعنين والذي قضى بأن نصيب محجوب لا يعود إلى ذرية محمد فاضل هذا الحكم "وإن لم يكن حجة على الطاعنين لأنهم لم يكونوا ممثلين فيه إلا أنه حكم نهائي في فهم نص الواقعة وتطبيق القواعد الشرعية واللغوية عليه وأن الوقف على محمد فاضل ومحجوب متعدد من جهتين - الأولى - أن الواقفة ذكرت أن الموقوف بعد كل من الموقوف عليهما يعود إلى أولاده إلى آخره. والثانية إن الواقفة جعلت لكل من الموقوف عليهما نصف الموقوف وذكرت أن هذا النصف ينتقل بعد كل منهما إلى أولاده وذريته ونسله وجعلت تسلسل الاستحقاق على الوجه المشروح فالوقف في بداية الإنشاء ونهايته يدل على التعدد وعلى أن نصف الوقف يتلقاه الفرع عن أصله الموقوف عليه دون الاستحقاق في النصف الآخر - يؤيد ذلك أن الموقوف عليهما لا تربطهما صلة نسب أو قرابة وصلة كل منهما بالواقفة تخالف صلة الآخر بها... ومن ثم يكون ذكر الواقفة أنه بعد انقراضهم جميعاً يعود الموقوف إلى الخيرات لا تريد بهذا النص إلا أنه بعد انقراض كل من أولاد وذرية الموقوف عليهما يعود نصيبه إلى الخيرات ولا يتأتى أن يعود إلى انقراض جميع المستحقين من الموقوف عليهما لأنه لم يسبق ذكر الاستحقاق كما لم يسبق مشاركة في هذا الاستحقاق لا بين الموقوف عليهما أصلاً ولا بين أولاد وذرية كل منهما بل الوقف من أوله إلى آخره مقسوم بين محمد فاضل ومحجوب..... ولم تذكر الواقفة تصريحاً ما يفيد انتقال نصيب من لم يترك ذرية منهما إلى ذرية الآخر وليس في حجتي الوقف والتغيير أية إشارة أو قرينة تدل على ذلك.... وإن المادة 33 من قانون الوقف لا تفيد الطاعنين لأن أحداً منهم لا يستحق في نصيب محجوب ولأن محمد فاضل وذريته لا يشارك محجوب وذريتها في الاستحقاق" - وبتاريخ 3 من فبراير سنة 1959 طعن الطاعنون في هذا الحكم بالنقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت في 4 من مايو سنة 1960 إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 5 يناير سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها السالف الذكر.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون من ناحيتين الأولى أنه خالف أحكام المادة 58 من قانون الوقف رقم 48 سنة 1946 وترتب على ذلك مخالفته أحكام المادة 33 من القانون المذكور وخطؤه في تفسيرها ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 33 تقضي بأنه إذا مات مستحق وليس له فرع يليه في الاستحقاق عاد نصيبه إلى غلة الحصة التي كان يستحق فيها وبينت المذكرة التفسيرية أن الحصة في معنى هذه الفقرة كما تشمل الحصة من الوقف فإنها تشمل الوقف الأصلي جميعه وأن حكم هذه الفقرة يطبق على الأوقاف إذا كانت مرتبة وانقسم كل وقف منها إلى جملة من الحصص بحيث تعتبر كل حصة بمثابة وقف مستقل عن باقي الحصص وأنه إذا انقرض أهل حصة من هذه الحصص عادت هذه الحصة برمتها إلى المستحقين في بقية الحصص التي ما كان يستحق أهلها أصلاً في الحصة التي انقرض أهلها وذلك عن طريق عودة هذه الحصة إلى غلة الوقف الأصلي وتنص المادة 58 على أنه لا يطبق حكم المادة 33 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها والمقصود بالنص هنا هو النص الصريح الذي يدل على أن الواقف قصد مخالفة هذه الأحكام وكتاب الوقف مثار النزاع خلو من مثل هذا النص وشرط الانقراض الذي تستحق بتحققه جهة البر والمعبر عنه بعبارة "فإذا انقرضوا جميعاً" والوارد في أعقاب الإنشاءات المختلفة هو شرط جرت عادة الواقفين على ذكره بعد الانتهاء من الإنشاء وهو شرط عام شامل ينصرف إلى جميع الموقوف عليهم من جميع الطبقات وفي جميع الحصص وذلك على ما جرى به الفقه والإفتاء والقضاء ومؤدى هذا الشرط أن الجهات الخيرية المعينة في كتاب الوقف لا يثبت لها استحقاق في الوقف إلا بعد انقراض جميع الموقوف عليهم في جميع الطبقات ومن جميع الحصص. والتعدد الذي استند إليه الحكم المطعون فيه لا صلة له بهذا الشرط أصلاً ولا يمكن أن يكون له أثر في تغيير معناه أو تخصيص دلالته الواضحة كما أنه لا محل لاستناد الحكم إلى عدم النص في كتاب الوقف على مشاركة أهل الحصة في الاستحقاق ذلك أن الطاعنين لم يدعوا بأنهم ممن وقفت عليهم حصة محجوب أو شيء منها ولم يقولوا بأن للواقفة شرطاً يقضي بعودة نصيبها إليهم إذا ماتت من غير ذرية إنما طالبوا باستحقاقهم لهذه الحصة استناداً إلى الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون الوقف وحدها هذه الفقرة التي تقضي بعودة هذه الحصة إلى أصل الوقف الكلي دون قيد ولا شرط - الناحية الثانية - أن الحكم إذ عرض لقضاء المحكمة العليا الشرعية في الاستئناف قم 199 سنة 43/ 44 المؤيد لحكم محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية في الدعوى رقم 29 سنة 43/ 44 برفض دعوى والد الطاعنين باستحقاق نصيب العقيم محجوب تأسيساً من الحكم على أن هذا النصيب يعود بموتها عقيماً إلى جهات البر المبينة في كتاب الوقف عملاً بشرط الواقفة - إذ عرض الحكم المطعون فيه لهذا القضاء قال إنه وإن لم يكن حجة على الطاعنين لأنهم لم يكونوا ممثلين فيه إلا أنه حكم نهائي في فهم نص الواقفة وتطبيق القواعد الشرعية واللغوية عليه - وهذا القول من الحكم ينطوي على تناقض واضح ومخالفة للقانون ذلك أنه إذا كان قد صرح بعدم حجية منطوق حكم المحكمة العليا الشرعية على الطاعنين لأنهم لم يكونوا ممثلين فيه فإنه لا تكون لأسباب ذلك الحكم منعزلة عن المنطوق حجيته عليهم. هذا إلى أن اعتداد الحكم المطعون فيه بقضاء المحكمة العليا الشرعية مخالف لحكم المادة 60 من قانون الوقف كما هو مخالف للقواعد القانونية العامة التي تحكم حجية الأحكام والتي تستلزم لقيام هذه الحجية اتحاد الخصوم في الدعويين.
وحيث إنه عن الشق الأول من النعي فإنه يبين من كتاب الوقف أن الواقفة جعلت وقفها أصلاً من بعد وفاتها على معتوقتها مقبولة ثم من بعدها على ذريتها وذرية ذريتها طبقة بعد طبقة الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعة دون فرع غيره يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع على أن من مات منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه واستحق ما كان يستحقه أصله لو كان حياً "فإذا انقرضوا جميعاً بأسرهم وأبادهم الموت عن آخرهم" كان ذلك وقفاً على جهات البر التي عينتها الواقفة. وإذ توفيت مقبولة أثناء حياة الواقفة فقد غيرت هذه في وقفها بما لها من الشروط العشرة وكان التغيير قاصراً على تعيين الموقوف عليهم من بعدها فأحلت محمد فاضل معاون سراياها ومحجوب معتوقتها محل مقبولة وجعلت الوقف من بعدها وقفاً عليهما بالسوية بينهما لكل منهما النصف فيه ثم من بعد كل واحد منهما تكون حصته المذكورة وقفاً على أولاده وذريته على النص والترتيب المشروحين أعلاه - أي في كتاب الوقف - إلى حين انقراضهم "فإذا انقرضوا جميعاً" كان ذلك وقفاً على جهات البر المعينة في الكتاب المذكور وجعلت الواقفة النظر على وقفها من بعدها لكل واحد من محمد فاضل ومحجوب على حصته فقط ونصت في إشهاد التغيير على أن باقي وقفها المذكور على حاله لم تغير منه شيئاً سوى ما ذكر على الوجه المسطور أعلاه حسب إشهادها - ولما كانت الواقفة قد جعلت وقفها بعد التغيير من بعد وفاتها على اثنين معينين بأسمائهما وجعلت حصة كل منهما من بعده وقفاً على أولاده وذريته وقفاً مرتب الطبقات وأدت هذا الإنشاء بعبارة واحدة وعقدة واحدة تناولت جميع الموقوف عليهم من جميع الطبقات وفي كل طبقة من طبقات الحصتين وبعد أن فرغت من كل هذا جاءت في أعقابه بشرط الانقراض الذي يتحقق به استحقاق جهات البر التي عينتها ولم تورد هذا الشرط في إنشاء خاصاً بكل حصة على حدة حتى كان يجوز القول بأنها عينت لكل حصة على استقلال مصرفها بعد انقراض أهلها وإن كان للحصة الأخرى مستحقون - لما كان ذلك وكانت العبارة التي عبرت بها الواقفة عن الانقراض وهي "فإذا انقرضوا جميعاً" من العموم والشمول بحيث تستغرق جميع الموقوف عليهم من أهل الحصتين وقد خلا كتاب الوقف وإشهاد التغيير مما يفيد تخصيصها بفئة من المستحقين دون فئة أخرى فإن مؤدى ذلك أن يكون استحقاق جهات البر التي عينتها الواقفة مشروطاً بانقراض جميع المستحقين من أهل الحصتين لأن الواقفة لم تقف على تلك الجهات إلا بعدد انقراض هؤلاء جميعاً فلا يخرج شيء من الريع عنهم إليها ما بقى أحد منهم حياً ولما كان الثابت أنه ما زال من أهل حصة محمد فاضل مستحقون على قيد الحياة فإن شرط استحقاق هذه الجهات لا يكون قد تحقق.
وحيث إن حصة محجوب لا تعتبر بعد وفاة صاحبتها عقيماً منقطعة المصرف بعد قانون الوقف رقم 48 سنة 1946 بل إنها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 33 من هذا القانون تعود إلى أصل الوقف وتقسم مقسمة إذ تنص هذه الفقرة على أنه "إذا مات مستحق وليس له فرع يليه في الاستحقاق عاد نصيبه إلى غلة الحصة التي كان يستحق فيها" وقد استعمل المشرع في هذه الفقرة لفظ الحصة بمعنى الموقوف وأفصح عن ذلك في المذكرة التفسيرية فذكر ما مفاده أنه قد عدل عن مذهب الحنفية الذي يقضي بالانقطاع في أمثال صورة النزاع الحالي في الوقف مرتب الطبقات الذي تتعدد فيه الحصص وتعتبر بمثابة أوقاف مستقلة وأخذ بمذهب المالكية الذي يقضي بعودة نصيب من مات عقيماً من الموقوف عليهم إلى الباقين فراراً من القول بالانقطاع الذي لا يتفق مع أغراض الواقفين ولتكون الأحكام مطرده وفي هذه الحال يصدق القول بأن نصيبه عاد إلى غلة الحصة التي كان يستحق فيها مع شيء من التسامح دعا إليه الإتيان بعبارة جامعة تتناول كل الصور وتتفق مع التحرير التقنيني - ونص في المادتين 56 و58 على تطبيق أحكام المادة 33 المذكورة على جميع الأوقاف الصادرة قبل العمل بالقانون إلا إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها والمقصود بالنص المخالف في معنى المادة 58 هو النص الصريح الذي يدل على إرادة الواقف دلالة قطعية لا يتطرق عليها الاحتمال فلا يتناول اللفظ إذا كان في دلالته على المعنى خفاء لأي سبب كان ولما كان كتاب الوقف مثار النزاع خلواً من نص بهذا الوصف يدل على أن الواقفة أرادت أن يكون وقفها منقطع المصرف بعد انقراض أهل إحدى الحصتين الموقوف عليهما فإنه يجب تطبيق الفقرة الأولى من المادة 33 وينبني على ذلك أن حصة محجوب التي انقرض أهلها بوفاة صاحبتها عقيماً تعود إلى أصل الوقف باعتباره الوحدة الجامعة لجميع مستحقيه ويصرف ريع هذه الحصة للباقين من أهله وهم المستحقون في حصة محمد فاضل.
وحيث إنه عن الشق الثاني من النعي فإن مفهوم ما ورد في الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص أن محكمة الاستئناف لم تعول على حكم المحكمة العليا الشرعية الصادر في 26 سبتمبر سنة 1944 برفض دعوى مورث الطاعنين باعتباره ملزماً للطاعنين وصرحت في أسباب حكمها أنه ليس حجة عليهم لأنهم لم يكونوا ممثلين فيه وتأسيساً على ذلك عرضت من جديد لتفسير شروط الواقفة وانتهت إلى ذلك التفسير الذي تبين خطؤه على النحو السالف بيانه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما سلف وللأسباب التي بني عليها الحكم المستأنف يتعين تأييده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق