الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

الطعن 2687 لسنة 84 ق جلسة 9 / 4 / 2015 مكتب فني 66 ق 83 ص 542

جلسة 9 من أبريل سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ نعيم عبد الغفار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ سمير حسن، عبد الله لملوم، محمد عاطف ثابت وعلاء الجزار نواب رئيس المحكمة.
---------------

(83)
الطعن رقم 2687 لسنة 84 القضائية

(1 ، 2) محاكم اقتصادية "اختصاص المحاكم الاقتصادية: الاختصاص النوعي".
(1) الاختصاص النوعي للمحاكم الاقتصادية. مناطه. تعلق الدعوى بالمنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين الواردة بالمادة السادسة ق 120 لسنة 2008. الاستثناء. الدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة.

(2) إقامة المطعون ضده دعواه بمطالبة البنك الطاعن بالتعويض وإلزامه برد مبلغ والفوائد القانونية استنادا إلى خطأ البنك وفقا لقواعد المسئولية العقدية. عدم تعلق المنازعة بعقد حساب جار مدين سند العلاقة الحقيقية بينهما. مؤداه. عدم اختصاص المحاكم الاقتصادية بنظرها.

(3) حكم "حجية الأحكام: حجية الحكم الجنائي".
حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية. شرطه. أن يكون قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. م 456 إجراءات جنائية، 102 إثبات.

(4) نقض "أسباب الطعن بالنقض: السبب الوارد على غير محل".
الطعن بالنقض. دلالته. محاكمة الحكم المطعون فيه. لازمه. أن ينصب النعي على عيب قام عليه الحكم. خلوه من ذلك. أثره. عدم قبوله. "مثال بشأن الفصل في الدعوى المدنية المقامة استنادا إلى المسئولية العقدية في حين أن الدعوى الجنائية محل دفاع الطاعن قوامها الخطأ الشخصي في حق متهمين من غير طرفي التداعي".

(5) بنوك "العلاقة بين البنوك وعملائها".
وفاء البنك بقيمة شيك مذيل من الأصل بتوقيع مزور على عميله. وفاء غير صحيح وغير مبرئ لذمة البنك. علة ذلك. تبعة الوفاء ولو تم بطريق الخطأ تقع على عاتق البنك ما لم يكن قد وقع خطأ من جانب العميل الوارد اسمه بالبنك فيتحمل هو تبعة خطئه.

(6) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمسئولية العقدية والتقصيرية".
استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية. من سلطة محكمة الموضوع التقديرية ما دام استخلاصها سائغا.

(7) تعويض "التعويض عن الفعل الضار غير المشروع: الخطأ الموجب للتعويض".
المساءلة بالتعويض. قوامها خطأ المسئول عنه.

(8) حكم "حجية الأحكام: حجية الحكم الجنائي".
استبعاد الحكم الجنائي مساهمة الغير في الخطأ أو تقرير مساهمته فيه. لا حجية له أمام القاضي المدني عند تقدير التعويض المستحق للمضرور.

(9) بنوك "العلاقة بين البنوك وعملائها". تعويض "تقدير التعويض: مساهمة المضرور في إحداث الضرر وأثره في تقدير التعويض".
قضاء الحكم المطعون فيه بأسباب سائغة بانعقاد المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض في حق البنك الطاعن لثبوت الخطأ المشترك في حق تابعيه والعميل المطعون ضده. صحيح. النعي عليه. جدل في سلطة محكمة الموضوع. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض. "مثال في شيك".

-------------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مفاد المادة السادسة من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية أن المشرع اختص دوائر المحاكم الاقتصادية نوعيا دون غيرها من المحاكم المدنية بنظر الدعاوى الموضوعية المتعلقة بالمنازعات الناشئة عن تطبيق قائمة القوانين المذكورة بالنص المشار إليه فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة، وأن قصره هذا الاختصاص ليس مرده نوع المسائل أو طبيعتها، ولكن على أساس قائمة من القوانين أوردها على سبيل الحصر بحيث تختص المحاكم الاقتصادية بالفصل في المسائل التي تستدعي تطبيق تلك القوانين.

2 - إذ كان البين من الأوراق أن المطعون ضده أقام الدعوى على البنك الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي له مبلغ مقداره 300 ألف جنيه تعويضا ماديا وأدبيا، وأن يرد له مبلغ مقداره 265 ألف جنيه والفوائد القانونية، وكانت تلك الطلبات لا تتعلق بمنازعة بين الطرفين بشأن عقد حساب جاري المدين سند العلاقة الحقيقية بينهما، وإنما أساس دعوى المطعون ضده هو المطالبة بتعويض قبل البنك الطاعن ناشئا عن خطأ نسب إليه، وتمثل في قيامه بصرف مبالغ من حسابه لديه بموجب شيك وتوكيل منسوب صدورهما إليه حال أنهما مزورين عليه، بما تحكم هذه المطالبة قواعد المسئولية العقدية وما يستلزم ذلك من توفر أركانها الثلاثة وفقا لقواعدها المقررة من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، وهو ما يباعد بينها وبين اختصاص المحاكم الاقتصادية بنظر هذه المنازعة.

3 - مفاد نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن الحكم الجنائي لا يكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل ونسبته إلى فاعله.

4 - الطعن بالنقض إنما يعني مخاصمة الحكم المطعون فيه، فإذا ما خلا من ذلك العيب الموجه إليه كان النعي واردا على غير محل، ومن ثم غير مقبول. لما كان ما تقدم، وكان البين بالأوراق - وبما لا خلاف عليه - أن أي من طرفي الدعوى سواء كان المدعى فيها - المطعون ضده - أو البنك المدعي عليه - الطاعن - أو أحد الموظفين التابعين له كان طرفا في الدعوى الجنائية سالفة الذكر أو محكوم عليه فيها، كما أن المطعون ضده أقام دعواه قبل البنك للمطالبة بتعويضه استنادا إلى إخلاله بالمسئولية التعاقدية باعتباره عميل لديه وعدم إنفاذه التعليمات الصادرة إلى البنوك في هذا الشأن، والتي تحتم عليه اتخاذ الحيطة الملائمة في التحقق من شخصية الوكيل عن عميله ومن صحة الوكالة الصادرة إليه منه واتباع التعليمات بشأن صرف قيمة الشيكات الصادرة من هذا العميل، ونازعه البنك في ذلك بنسبة الخطأ إليه بتقصيره في الإبلاغ عن دفتر الشيكات الذي فقد منه حتى وقع في يد غيره، مما أتاح لهذا الأخير فرصة التقدم لصرف قيمة إحداها بموجب الشيك والإقرار والوكالة المنسوبة إليه زورا، ومن ثم فإن قوام دعوى المطعون ضده الراهنة قبل البنك هي المسئولية العقدية، بينما قوام الدعوى الجنائية هو الخطأ الثابت في حق المتهمين وهم من غير طرفي التداعي فيما نسب إليهم من تزوير المستندات سالفة البيان والتقدم بها للبنك الطاعن وتمكنوا بناء عليها من صرف مبلغ التداعي قيمة الشيك المنسوب زورا للمطعون ضده الأول، وبالتالي فإن المسئولية قبل البنك تتحقق إذا ما ثبت ارتكاب الخطأ العقدي وتقصيره في إتباع الحرص الواجب عليه في هذا الشأن، وبالتالي فإن ما تمسك به البنك الطاعن على النحو المتقدم "مضي المحكمة في نظر دعوى التعويض دون الانتظار لصدور الحكم النهائي البات في الجناية" لا يصادف محلا من قضاء الحكم المطعون فيه، واذ مضي هذا الحكم في نظر الدعوى دون أن يعبأ بالرد على هذا الدفاع باعتباره دفاعا ظاهر الفساد، فإنه لا يكون قد خالف القانون ولم يخطئ في تطبيقه، ولا يغير من هذا التقويم السديد ما أثاره البنك الطاعن من عدم التزام الحكم المطعون فيه بحجية الحكم القاضي بوقف الدعوى لتعجيلها من الوقف قبل تحقق الغرض الذي أوقفت من أجله ذلك، ولأن الطاعن بصفته لم يقدم صورة رسمية من ذلك الحكم حتى يمكن للمحكمة أن تقف على صحة دفاعه في هذا الصدد، ومن ثم بات نعيه هذا عاريا من دليله، ويضحى النعي على الحكم بما سلف على غير أساس.

5 - مفاد النص في المادة 528/ 1 من قانون التجارة - وعلى ما هو مقرر في قضاء محكمة النقض - أن ذمة البنك - المسحوب عليه - لا تبرأ قبل عميله الذي عهد إليه بأمواله إذا أوفى بقيمة شيك مذيل في الأصل بتوقيع مزور على الساحب باعتبار أن هذه الورقة لم يتوفر لها في أي وقت صفة الشيك بفقدها شرطا جوهريا لوجودها وهو التوقيع الصحيح للساحب، ويعتبر وفاء البنك بقيمة الشيك في هذه الحالة وفاء غير صحيح لحصوله لمن لا صفة له في تلقيه، وبالتالي فإن هذا الوفاء - وحتى لو تم بغير خطأ من البنك - لا يبرئ ذمته قبل العميل، ولا يجوز قانونا أن يلتزم هذا العميل بقيمته بمقتضي توقيع مزور عليه، لأن الورقة المزورة لا حجية لها على من نسبت إليه، فإن تبعة الوفاء تقع على عاتق البنك أيا كانت درجة إتقان التزوير وذلك كله بشرط عدم وقوع خطأ من جانب العميل وألا تحمل الأخير تبعة ما يكون قد ارتكبه من خطأ.

6 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام استخلاصها سائغا.

7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول عنه.

8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن القاضي المدني يستطيع أن يؤكد دائما أن الضرر نشأ عن فعل المتهم وحده دون غيره، وله أن يقرر أن الغير قد أسهم في إحداث الضرر رغم نفي الحكم الجنائي هذا أو ذلك ليراعي ذلك في تقدير التعويض إعمالا لنص المادة 216 من القانون المدني.

9 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن البنك الطاعن قد أخطأ حين لم يلتزم تابعوه بالتعليمات الخاصة بصرف الشيكات بموجب توكيل صادر من الشهر العقاري يجب أن يرفق به أصل إقرار بنوك صادر أيضا من مأمورية الشهر العقاري، وأنه عند الشك في التوكيل أو الشيك المقدم إلى البنك فإن الموظف يلزم أن يتصل فورا بالعميل حتى يتأكد من صحة الإقرار المنسوب إليه، خاصة وأن دفاع العميل المطعون ضده أنه لم يسبق له التعامل بموجب توكيلات مع البنك، وأنه ثبت تغيير تاريخ استحقاق الشيك المزور من 30/ 11/ 2005 إلى 30/ 11/ 2006، وإذ لم يتبع الأخير هذه التعليمات عند صرف قيمة الشيك محل الدعوى فيكون قد ارتكب الخطأ الموجب للمسئولية، كما انتهى الحكم - أيضا - إلى مشاركة المطعون ضده في حدوث الخطأ متمثلا ذلك في إخلاله بواجب المحافظة على مجموعة الشيكات المسلمة له من قبل البنك الطاعن، فتمكن آخر من الحصول على واحد منها وتزويره وتمكنه من صرف قيمته بموجب وكالة مزورة - أيضا - عليه، فإن الحكم يكون قد أثبت الخطأ المشترك الذي وقع من المطعون ضده والبنك الطاعن وبين علاقة السببية بينه وبين الضرر الذي وقع من جانب الأخير، وإذ رتب على ذلك قضاءه بتحمل البنك الطاعن نصف المبلغ الذي تم صرفه من حساب المطعون ضده بالإضافة إلى مبلغ التعويض المقضي به، وكان ما انتهى إليه بناء على هذا الاستخلاص سائغا وله معينه من الأوراق ويكفي لحمل قضائه، فإن النعي عليه (بإشراكه البنك الطاعن مع المطعون ضده في تحمل تبعات الخطأ) في جملته يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى واستخلاص الخطأ والضرر، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.

-----------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام على البنك الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 2007 مدني شمال الجيزة الابتدائية انتهى فيها وفقا لطلباته الختامية إلى طلب الحكم بإلزام البنك بأن يؤدي له مبلغ مقداره 300 ألف جنيه تعويضا ماديا وأدبيا جراء عدم رد المبالغ المودعة لديه، وإلزامه بأن يرد له مبلغ 265 ألف جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة حتى السداد واحتياطيا إحالة الدعوى لمكتب الخبراء لتحقيق طلباته، على سند من أنه عميل لدى البنك وقام بإصدار شيك لأحد عملائه إلا أنه فوجئ بالمستفيد من الشيك يخطره بأن رصيده غير كاف، وبالاستعلام من البنك أفاده بأنه تم سحب مبلغ ومقداره مائة وخمسة وأربعون ألف جنيه بمعرفة من يدعى ...، ومبلغ ثلاثة آلاف دولار أمريكي بمعرفة من تدعى ...، وقد تبين له أنه تم الاستيلاء على هذه المبالغ بمعرفة المتهمين في القضية رقم ... لسنة 2008 جنايات الجيزة نتيجة قيامهم بتزوير توقيعاته على إقرار وشيك وتوكيل بطريق التعديل والإضافة، وكان ذلك راجعا إلى خطأ تابعي البنك لمخالفتهم للتعليمات الصادرة من البنك المركزي فيما يتعلق بصرف الشيكات والتحقق من صحة التوكيلات الصادرة من العميل، ونتج عن ذلك إصابته بأضرار مادية وأدبية قدرها بالمبلغ المطالب به، ومن ثم كانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرا فيها، وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 24/ 4/ 2013 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 130 ق القاهرة "مأمورية استئناف الجيزة" وفيه قضت المحكمة بتاريخ 11/ 12/ 2013 بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام البنك الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضده مبلغ جملته مائة واثنان وثمانون ألف وخمسمائة جنيه - طعن البنك في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

----------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعي البنك الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه البطلان وذلك من وجهين، وفي بيان أولهما يقول إن الحكم صدر من محكمة غير مختصة نوعيا بنظر الدعوى، إذ إن العلاقة بينه وبين المطعون ضده يحكمها طلب فتح الحساب الجاري الخاص بالأخير، والذي كانت طلباته الختامية في الدعوى المطروحة هو إلزام الأول برد المبالغ المستحقة له، وهو ما يعتبر من أعمال البنوك التي ينعقد بها الاختصاص للمحاكم الاقتصادية إعمالا للمادة السادسة من قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008، والمادة 300 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999، بما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن - من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن المشرع قد أصدر القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية، ونص بالمادة السادسة منه على أنه "فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة، تختص الدوائر الابتدائية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها، بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه والتي تنشأ عن تطبيق القوانين الأتية: ... (6) قانون التجارة في شأن نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية، وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقي منه ... وتختص الدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية دون غيرها، بالنظر ابتداء في كافة المنازعات والدعاوى المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا جاوزت قيمتها خمسة ملايين جنيه أو كانت غير مقدرة القيمة" فإن مفاده أن المشرع اختص دوائر المحاكم الاقتصادية نوعيا دون غيرها من المحاكم المدنية بنظر الدعاوى الموضوعية المتعلقة بالمنازعات الناشئة عن تطبيق قائمة القوانين المذكورة بالنص المشار إليه فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة، وأن قصره هذا الاختصاص ليس مرده نوع المسائل أو طبيعتها ولكن على أساس قائمة من القوانين أوردها على سبيل الحصر بحيث تختص المحاكم الاقتصادية بالفصل في المسائل التي تستدعي تطبيق تلك القوانين. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن المطعون ضده أقام الدعوى على البنك الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي له مبلغ مقداره 300 ألف جنيه تعويضا ماديا وأدبيا، وأن يرد له مبلغ مقداره 265 ألف جنيه والفوائد القانونية، وكانت تلك الطلبات لا تتعلق بمنازعة بين الطرفين بشأن عقد حساب جاري المدين سند العلاقة الحقيقية بينهما، وإنما أساس دعوى المطعون ضده هو المطالبة بتعويض قبل البنك الطاعن ناشئا عن خطأ نسب إليه وتمثل في قيامه بصرف مبالغ من حسابه لديه بموجب شيك وتوكيل منسوب صدورهما إليه حال أنهما مزورين عليه، بما تحكم هذه المطالبة قواعد المسئولية العقدية وما يستلزم ذلك من توفر أركانها الثلاثة وفقا لقواعدها المقررة من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، وهو ما يباعد بينها وبين اختصاص المحاكم الاقتصادية بنظر هذه المنازعة، ويضحي النعي في هذا الصدد على غير أساس.

وحيث إنه في بيان الوجه الثاني يقول البنك الطاعن إن المطعون ضده أقام عليه الدعوى المطروحة بزعم إصابته بأضرار مادية وأدبية جراء الاستيلاء على مبالغ مالية من حسابه لديه - الطاعن - وذلك بشيك وتوكيل مزورين قدم المتهمون بشأنهما للمحاكم الجنائية في القضية المقيدة برقم ... لسنة 2008 جنايات الجيزة مما حدا بمحكمة الدرجة الأولى أن توقف نظر هذه الدعوى بتاريخ 29/ 5/ 2008 تعليقيا لحين الفصل في الجناية سالفة الذكر، وإذ فصلت محكمة جنايات الجيزة في هذه القضية الجنائية بتاريخ 18/ 2/ 2010 بمعاقبة المتهمين إلا أن المطعون ضده قام بتعجيل الدعوى من الوقف ومضت المحكمة في نظرها دون الانتظار لصدور الحكم النهائي البات في تلك الجناية، فضلا عن مخالفة ذلك لحجية الحكم القاضي بوقف الدعوى لتعجيلها قبل تحقق الغرض الذي أوقفت من أجله، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي في جملته في غير محله، ذلك أن مفاد نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية، 102 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الجنائي لا يكون له حجية في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية إلا إذا كان قد فصل فصلا لازما في وقوع الفعل ونسبته إلى فاعله، وأن الطعن بالنقض إنما يعني مخاصمة الحكم المطعون فيه، فإذا ما خلا من ذلك العيب الموجه إليه كان النعي واردا على غير محل ، ومن ثم غير مقبول . لما كان ما تقدم، وكان البين بالأوراق - وبما لا خلاف عليه - أن أي من طرفي الدعوى سواء كان المدعي فيها - المطعون ضده - أو البنك المدعى عليه - الطاعن - أو أحد الموظفين التابعين له كان طرفا في الدعوى الجنائية سالفة الذكر أو محكوم عليه فيها، كما أن المطعون ضده أقام دعواه قبل البنك للمطالبة بتعويضه استنادا إلى إخلاله بالمسئولية التعاقدية باعتباره عميل لديه وعدم إنفاذه التعليمات الصادرة إلى البنوك في هذا الشأن والتي تحتم عليه اتخاذ الحيطة الملائمة في التحقق من شخصية الوكيل عن عميله ومن صحة الوكالة الصادرة إليه منه واتباع التعليمات بشأن صرف قيمة الشيكات الصادرة من هذا العميل، ونازعه البنك في ذلك بنسبة الخطأ إليه بتقصيره في الإبلاغ عن دفتر الشيكات الذي فقد منه حتى وقع في يد غيره مما أتاح لهذا الأخير فرصة التقدم لصرف قيمة إحداها بموجب الشيك والإقرار والوكالة المنسوبة إليه زورا، ومن ثم فإن قوام دعوى المطعون ضده الراهنة قبل البنك هي المسئولية العقدية، بينما قوام الدعوى الجنائية هو الخطأ الثابت في حق المتهمين، وهم من غير طرفي التداعي فيما نسب إليهم من تزوير المستندات سالفة البيان والتقدم بها للبنك الطاعن وتمكنوا بناء عليها من صرف مبلغ التداعي قيمة الشيك المنسوب زورا للمطعون ضده الأول، وبالتالي فإن المسئولية قبل البنك تتحقق إذا ما ثبت ارتكاب الخطأ العقدي وتقصيره في إتباع الحرص الواجب عليه في هذا الشأن، وبالتالي فإن ما تمسك به البنك الطاعن على النحو المتقدم لا يصادف محلا من قضاء الحكم المطعون فيه، وإذ مضي هذا الحكم في نظر الدعوى دون أن يعبأ بالرد على هذا الدفاع باعتباره دفاعا ظاهر الفساد، فإنه لا يكون قد خالف القانون ولم يخطئ في تطبيقه، ولا يغير من هذا التقويم السديد ما أثاره البنك الطاعن من عدم التزام الحكم المطعون فيه بحجية الحكم القاضي بوقف الدعوى لتعجيلها من الوقف قبل تحقق الغرض الذي أوقفت من أجله ذلك، ولأن الطاعن بصفته لم يقدم صورة رسمية من ذلك الحكم حتى يمكن للمحكمة أن تقف على صحة دفاعه في هذا الصدد، ومن ثم بات نعيه هذا عاريا من دليله، ويضحى النعي على الحكم بما سلف على غير أساس.

وحيث إن البنك الطاعن ينعي بباقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، إذ أقام قضاءه بإلزام البنك بالمبلغ المقضي به تأسيسا على خطأ تابعيه الذي يتمثل في مخالفة تعليمات البنك المركزي المصري التي تلزمه في حالة صرف الشيكات بموجب توكيلات منسوبة للعملاء أن يكون التوكيل مرفقا به إقرار بنوك صادرين عن الشهر العقاري، وأنه عند الشك في التوكيل أو الشيك فإنه يقع على موظف البنك الاتصال فورا بالعميل حتى يتأكد من صحة الإقرار المنسوب إليه، وإذ لم يتبع البنك هذه التعليمات في واقعة التداعي فيكون قد أخطأ مشاركا خطأ المطعون ضده المتمثل في عدم إخطاره البنك بفقد دفتر شيكاته، مما أدى إلى استيلاء آخر عليه بعد قيامه بتزوير أحد الشيكات وتقليد توقيعه عليه، وبناء على ذلك تمكن من صرف مبالغ مالية من حسابه، فأصاب الأخير أضرار من جراء ذلك، في حين أن البنك الطاعن قام بصرف الشيك موضوع الدعوى استنادا إلى الشروط الواردة بعقد فتح الحساب الجاري المبرم بين الطرفين والتي أباحت التعامل على حسابه بموجب التوكيلات الصادرة من الشهر العقاري طالما استوفت الشروط الشكلية الظاهرية لصحتها من تحريرها على نماذج الشهر العقاري وختمها بأختامه ومرفق بها إقرار بنوك، وهو ما تم الصرف بناء على ذلك من الحساب موضوع الدعوى على دفعات بموجب توكيل رسمي عام ... لسنة 2006 الموسكي مرفق به إقرار بنوك رقم ... لسنة 2006، والذي لم يتمكن أحد من اكتشاف تزويره سوى خبراء الطب الشرعي من خلال أدواتهم الخاصة، بما لا يتوفر معه خطا البنك، يؤيد ذلك أنه تم استبعاد موظفي البنك من قرار الاتهام في قضية الجناية ... لسنة 2008 جنايات الجيزة المحررة عن واقعة التزوير سالفة البيان، وهو ما يتوفر به ركن الخطأ في حق المطعون ضده منفردا لعدم بذله عناية الرجل المعتاد في المحافظة على دفتر الشيكات الذي بحوزته، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأشركه مع المطعون ضده في تحمل تبعات هذا الخطأ وألزمه بنصف قيمة ما تم صرفه من حساب، فضلا عن التعويض المقضي به عليه، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 528/ 1 من قانون التجارة على أن "يتحمل المسحوب عليه وحده الضرر الذي يترتب على وفاء شيك زور فيه توقيع الساحب أو حرفت فيه بياناته إذا لم يمكن نسبة أي خطا إلى الساحب" مفاده - وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - أن ذمة البنك - المسحوب عليه - لا تبرأ قبل عميله الذي عهد إليه بأمواله إذا أوفى بقيمة شيك مذيل في الأصل بتوقيع مزور على الساحب باعتبار أن هذه الورقة لم يتوفر لها في أي وقت صفة الشيك بفقدها شرطا جوهريا لوجودها وهو التوقيع الصحيح للساحب، ويعتبر وفاء البنك بقيمة الشيك في هذه الحالة وفاء غير صحيح لحصوله لمن لا صفة له في تلقيه، وبالتالي فإن هذا الوفاء - وحتى لو تم بغير خطأ من البنك - لا يبرئ ذمته قبل العميل، ولا يجوز قانونا أن يلتزم هذا العميل بقيمته بمقتضي توقيع مزور عليه، لأن الورقة المزورة لا حجية لها على من نسبت إليه، فإن تبعة الوفاء تقع على عاتق البنك أيا كانت درجة إتقان التزوير، وذلك كله بشرط عدم وقوع خطأ من جانب العميل وإلا تحمل الأخير تبعة ما يكون قد ارتكبه من خطأ، ومن المقرر أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام استخلاصها سائغا، كما أن المساءلة بالتعويض قوامها خطأ المسئول عنه، وأن القاضي المدني يستطيع أن يؤكد دائما أن الضرر نشأ عن فعل المتهم وحده دون غيره، وله أن يقرر أن الغير قد أسهم في إحداث الضرر رغم نفي الحكم الجنائي هذا أو ذلك ليراعي ذلك في تقدير التعويض إعمالا لنص المادة 216 من القانون المدني. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن البنك الطاعن قد اخطأ حين لم يلتزم تابعوه بالتعليمات الخاصة بصرف الشيكات بموجب توكيل صادر من الشهر العقاري يجب أن يرفق به أصل إقرار بنوك صادر أيضا من مأمورية الشهر العقاري، وأنه عند الشك في التوكيل أو الشيك المقدم إلى البنك فإن الموظف يلزم أن يتصل فورا بالعميل حتى يتأكد من صحة الإقرار المنسوب إليه، خاصة وأن دفاع العميل المطعون ضده أنه لم يسبق له التعامل بموجب توكيلات مع البنك، وأنه ثبت تغيير تاريخ استحقاق الشيك المزور من 30/ 11/ 2005 إلى 30/ 11/ 2006، وإذ لم يتبع الأخير هذه التعليمات عند صرف قيمة الشيك محل الدعوى فيكون قد ارتكب الخطأ الموجب للمسئولية، كما انتهى الحكم - أيضأ - إلى مشاركة المطعون ضده في حدوث الخطأ متمثلا ذلك في إخلاله بواجب المحافظة على مجموعة الشيكات المسلمة له من قبل البنك الطاعن، فتمكن آخر من الحصول على واحد منها وتزويره وتمكنه من صرف قيمته بموجب وكالة مزورة أيضا عليه، فإن الحكم يكون قد أثبت الخطأ المشترك الذي وقع من المطعون ضده والبنك الطاعن وبين علاقة السببية بينه وبين الضرر الذي وقع من جانب الأخير، وإذ رتب على ذلك قضاءه بتحمل البنك الطاعن نصف المبلغ الذي تم صرفه من حساب المطعون ضده بالإضافة إلى مبلغ التعويض المقضي به، وكان ما انتهى إليه بناء على هذا الاستخلاص سائغا وله معينه من الأوراق ويكفي لحمل قضائه، فإن النعي عليه في جملته يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى واستخلاص الخطأ والضرر، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.

وحيث إنه، ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق