الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

(الطعن 17310 لسنة 71 ق جلسة 7 / 3 / 2002 س 53 ق 72 ص 436)

برئاسة السيد المستشار/ صلاح البرجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ وفيق الدهشان، نير عثمان، محمود مسعود شرف ود. صلاح البرعي نواب رئيس المحكمة.
--------------------
1 -  لما كانت المحكوم عليها الأولى....... المقضي بإعدامها - وإن قررت بالطعن في الميعاد إلا أنها لم تقدم أسباب لطعنها، فيكون الطعن المقدم منها غير مقبول شكلا، لما هو مقرر من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدد القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معا وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحداهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
 
2 -  لما كانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بيانا تتحقق به أركان الجريمة التي دان المحكوم عليهما بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهما.
 
3 - لما كان القانون لم يرسم شكلا خاص يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققا لحكم القانون
 
4 - من المقرر أن قصد القتل أمرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان فيما أورده الحكم - على نحو ما سلف - ما يكفي لاستظهار توافر نية القتل لدى المحكوم عليهما والتدليل على استعمالهما السم في قتل المجني عليه مما يتحقق به الظرف المشدد لجريمة القتل بالسم حسبما عرفتها المادة 233 من قانون العقوبات.
 
5 - من المقرر أن التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد، إلا أن المشرع المصري ميز القتل بالسم عن الصور العادية الأخرى للقتل بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لأحداث الموت ظرفا مشددا للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى ولذلك أفرد التسمم بالذكر في المادة 233 من قانون العقوبات وعاقبت عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم في جريمة القتل في ذاته دال على الإصرار.
 
6 - من المقرر أنه متى أثبت الحكم توافر نية القتل في حق الفاعل فإن ذلك يفيد توافرها في حق من أدانه معه بالاشتراك في القتل ما دام قد أثبت علمه بذلك.
 
7 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى اقتنعت بصدقهم وأخذت بأقوالهم فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها لدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
 
8 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو من غيرها وهي لا تسأل في ذلك عن سبب أخذها بأي من رواياته إن تعددت لأن الأمر مرجعه إلى سلطتها في تقدير الدليل فما تطمئن إليه تأخذ به وما لا تطمئن إليه تطرحه، فإن النعي عليها أخذها بروايات الشهود في مرحلة سابقة دون تلك التي أدلوا بها في الجلسة دون بيان سبب ذلك يكون غير مقبول.
 
9 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشاهد أو اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
 
10 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع لم يثير شيئا بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني في عبارة صريحة تشتمل على المراد من هذا الدفاع ومن ثم لا تلتزم المحكمة بالرد عليه كما أنه لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه دفاع موضوعي.
 
11 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه.
 
12 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكوم عليه الثاني لم يطلب إجراء تحقيق بشأن المادة السامة المستخدمة في القتل، ومن ثم فإنه لا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يحق له أن ينعي على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها.
 
13 - من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته هو الطلب الصريح الجازم الذي يصر عليه مقدمه إلى ما قبل قفل باب المرافعة في الدعوى.
 
14 - للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززه لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث.
 
15 - من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب ردا صريحا من الحكم بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها ويكون النعي على الحكم في هذا المقام غير قويم.
 
16 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئا مما أورده بوجه الطعن عما ورد بالتقرير الفني من خلو أظافره من آثار دماء المجني عليه أو أي مادة كيميائية ومن ثم فلا يجوز له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق - في هذا الصدد - طالما أنه لم يطلبه منها ولم تر هي موجبا لإجرائه اطمئنانا منها لأدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها.
 
17 - من المقرر أن العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة طبقا للمادة 235 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر التي أعملها الحكم في حق المحكوم عليه الثاني تبيح النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة التي عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازيا، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقا للمادة 17 المشار إليها ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة المحكوم عليه الثاني طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي إحدى العقوبتين التخيريتين المقررتين لجريمة الاشتراك في القتل العمد بالسم التي دين المحكوم عليه الثاني بها طبقا للمادة 235 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون إذا كان عليه أن ينزل بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الشاقة المؤقتة أو السجن.
 
18 - كانت المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تخول لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون.
 
19 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملا بنص المادة 46 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم فيما تضمنه من إعدام المحكوم عليها الأولى...... دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي عرض القضية في ميعاد الستين يوما المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون التقيد بالرأي الذي تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
 
20 - لما كان الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد بطريق السم التي دينت بها المحكوم عليها الأولى، وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وخلا من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر بإجماع الآراء من محكمة مشكلة وفقا للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى بعد استطلاع رأي المفتي ولم يصدر بعد قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهت إليه محكمة الموضوع فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليها الأولى.
---------------------
   اتهمت النيابة العامة الطاعنين: بأنهما:- المتهمة الأولى: قتلت عمدا مع سبق الإصرار المجني عليه بأن بيتت النية وعقدت العزم المصمم على قتله وأعدت لذلك مادة سامة "مبيد حشري" تسلمتها من المتهم الثاني ودستها في شراب احتساه المجني عليه فحدثت وفاته على النحو الوارد بتقرير الصفة التشريحية. المتهم الثاني: اشترك مع المتهمة الأولى بطرق الاتفاق والتحريض والمساعدة في قتل المجني عليه عمدا مع سبق الإصرار بأن اتفق معها وحرضها على قتله وساعدها في ذلك بأن قدم لها المادة السامة التي دستها في الشراب الذي احتساه المجني عليها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض وتلك المساعدة، وأحالتهما إلى محكمة جنايات لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة....... والمحكمة المذكورة قررت بجلسة........ وبإجماع الآراء بإرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي بالنسبة للمتهمة الأولى وبالجلسة المحددة قضت حضوريا عملا بالمواد 40، 41/1، 231، 233 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بالنسبة للمتهم الثاني. أولا: وبإجماع الآراء بمعاقبة الأولى بالإعدام شنقا. ثانيا: بمعاقبة الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض كما عرضت النيابة العامة للقضية بمذكرة مشفوعة برأيها ومحكمة النقض قضت أولا: بقبول عرض النيابة العامة للقضية شكلا. ثانيا: بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليهما شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات ......... لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة بهيئة مغايرة قررت وبإجماع الآراء بإحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي بالنسبة للمتهمة الأولى وحددت جلسة...... للنطق بالحكم. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 40، 41/1، 231، 233 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بالنسبة للمتهم الثاني أولا: بإجماع الآراء بمعاقبة المتهمة الأولى....... بالإعدام شنقا، ثانيا: بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية كما عرضت النيابة العامة القضية بمذكرة مشفوعة برأيها....... إلخ.
---------------------
     من حيث إن المحكوم عليها الأولى ..... المقضي بإعدامها - وإن قررت بالطعن في الميعاد إلا أنها لم تقدم أسباب لطعنها، فيكون الطعن المقدم منها غير مقبول شكلا، لما هو مقرر من التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدد القانون هو شرط لقبوله، وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه.
ومن حيث إن المحكوم عليه الثاني ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بالاشتراك في جريمة القتل العمد بالسم قد ران عليه البطلان والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وبأدلتها، ولم يدلل تدليلا سائغا كافيا على توافر نية القتل، وعلى اشتراكه في الجريمة وأخذت المحكمة بروايات الشهود في مرحلة سابقة دون تلك التي أدلوا بها في الجلسة دون بيان سبب ذلك، ولم تفطن إلى وجود خلاف بين الدليلين القولي والفني، وعول الحكم على ما جاء بتقرير الصفة التشريحية وتقرير المعمل الكيماوي وما قرره الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليه سميه دون أن تحقق المحكمة في خاصية المادة السامة المستخدمة في القتل وأطرحت بعض أقوال من قام بتحليل تلك المادة في هذا الخصوص، ولم تجبه المحكمة إلى طلبه فض حرز المادة السامة والاطلاع عليه، وتساند الحكم إلى التحريات وإلى شهادة الطبيب الشرعي بأن المادة سامة وسريعة المفعول رغم أنها جاءت عامة معماة، كما لم يعرض إيراداً لما أثاره الدفاع من أن التقرير الفني تضمن خلو أظافره من آثار دماء المجني عليه أو أي مادة كيمائية - وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المتهمة الأولى هي زوجة المجني عليه وأنجبت منه طفلين وانغمست مع جارها المتهم الثاني في علاقة آثمة وطلبت من زوجها المشار إليها الطلاق بيد أنه قابل طلبها بالرفض فتدبرت مع المتهم الثاني أمر الخلاص منه وقدم لها الأخير مادة سامة دستها لزوجها المجني عليه في شراب الحلبة الذي احتساه فحدثت وفاته وأحاطت المتهم الثاني بالأمر طالبة منه الخلاص من الجثة المسجاة في مسكن الزوجية فبادر بإحضار جوال وتعاونا معاً على وضع الجثة بداخله وحمله المتهم الثاني حتى منطقة بحر البلطي فأخرج الجثة وألقى بها في المياه. وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى المحكوم عليهما أدلة استقاها من أقوال وتحريات شاهدى الإثبات - ضابطي المباحث - ومن اعتراف المتهمين بتحقيقات النيابة ومما أثبته تقرير الصفة التشريحية وقرره الطبيب الشرعي وما أفاد به تقرير المعمل الكيماوي بمصلحة الطب الشرعي. لما كان ذلك وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان المحكوم عليهما بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهما، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان المحكوم عليهما بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها إن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاص يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن النعي بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت مما حصله من تقرير الصفة التشريحية وتقرير المعامل الكيماوية وشهادة الطبيب الشرعي أن وفاة المجني عليه سمية ناتجة عن وجود مادة من المبيدات الحشرية بأحشائه. كما استظهر نية القتل ودلل على توافرها في حق المحكوم عليهما في قوله "تستظهرها المحكمة من أن علاقتهما الآثمة دامت أكثر من عامين وتدبرا أمر جريمتهما وتحايل المتهم الثاني على شقيقته حتى يحصل منها على المادة السامة وقام بتجريبها على أحد الكلاب الضالة حتى يتأكد ويتيقن من نفاذ مفعولها في إحداث القتل وحرض المتهمة الأولى على الخلاص من المجني عليه حتى يخلو لها طريقها إلى الحرام، ورسما سوياً خطة الخلاص من الزوج المجني عليه، وسلمها المادة السامة القاتلة، وأوعز إليها إن تدسها في أحد المشروبات التي تقدمها إلى المجني عليه، وقامت المتهمة الأولى بتنفيذ ما اتفقت عليه مع المتهم الثاني بأن أفرغت المادة السامة كاملة في شراب الحلبة التي طلب المجني عليه احتسائه من يديها وإذابتها فيه حتى لا يتبين المجني عليه رائحتها وانتظرت حوالي الساعة بعد أن احتساها وتيقنت من وفاته أسرعت بخطاً هادئة إلى المتهم الثاني حيث عاد بصحبتها وحمل جثة المجني عليه في أحد الأجولة التي أعدها لهذا الغرض للتخلص منه" وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان فيما أورده الحكم - على نحو ما سلف - ما يكفي لاستظهار توافر نية القتل لدى المحكوم عليهما والتدليل على استعمالهما السم في قتل المجني عليه مما يتحقق به الظرف المشدد لجريمة القتل بالسم حسبما عرفتها المادة 233 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد، إلا أن المشرع المصري ميز القتل بالسم عن الصور العادية الأخرى للقتل بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لإحداث الموت ظرفاً مشدداً للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى ولذلك أفرد التسمم بالذكر في المادة 233 من قانون العقوبات وعاقبت عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم في جريمة القتل في ذاته دال على الإصرار، ومن ثم يكون الحكم - على السياق المتقدم - قد استظهر توافر تلك الجريمة بكافة أركانها قبل المحكوم عليهما بوصف أولاهما فاعلة أصلية في جريمة القتل العمد بالسم مع سبق الإصرار وبوصف الثاني شريكاً لها بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة وقد استظهر عناصر هذا الاشتراك وطريقته وبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى وظروفها، فضلاً عن أنه متى أثبت الحكم توافر نية القتل في حق الفاعل فإن ذلك يفيد توافرها في حق من أدانه معه بالاشتراك في القتل ما دام قد أثبت علمه بذلك، كما هو الحال في الدعوى المطروحة ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم بالقصور في غير محله. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى اقتنعت بصدقهم وأخذت بأقوالهم فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن لها الحق في إن تأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو من غيرها ولا تسأل في ذلك عن سبب أخذها بأي من رواياته إن تعددت لأن الأمر مرجعه إلى سلطتها في تقدير الدليل فيما تطمئن إليه وتأخذ به وما لا تطمئن إليه تطرحه، فإن النعي عليها أخذها بروايات الشهود في مرحلة سابقة دون تلك التي أدلوا بها في الجلسة دون بيان سبب ذلك يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم إن تتطابق أقوال الشاهد أو اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها بل يكفي إن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق وكانت اعترافات المحكوم عليهما كما أوردها الحكم والتي يبين من المفردات المضمومة أن لها سندها من الأوراق لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن التقرير الفني، فضلاً عن أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع لم يثر شيئاً بشأن قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني في عبارة صريحة تشتمل على المراد من هذا الدفاع ومن ثم لا تلتزم المحكمة بالرد عليه كما أنه لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفالها الرد عليه ما دام أنه لم يتمسك به أمامها لما كان ذلك، وكان تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليها منها والالتفات عما عداه. وكانت المحكمة في الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى ما ورد بتقرير الصفة التشريحية وما ثبت من تقرير المعامل الكيماوية وما قرره الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليه سمية نتيجة إحدى المركبات الكرباماتية من المبيدات الحشرية والتي عثر بأحشاء المجني عليه على آثار لها، وأن المادة المضبوطة هي إحدى المركبات الكربامتية من المبيدات الحشرية لانت، وأن المادة السامة شديدة المفعول لما تحدثه من تأثير على المخ وفقد الوعي وتوقف التنفس وتؤدي إلى الوفاة في الحال وخلال ربع ساعة أو الساعة كحد أقصى، وأن المبيد الحشري هو المحدث للوفاة ويظل في جسم الإنسان بعد حدوثها، وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية بعض أقوال من قام بتحليل المادة السامة في هذا الخصوص، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون على غير سند فضلاً عن إن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكوم عليه الثاني لم يطلب إجراء تحقيق بشأن المادة السامة المستخدمة في القتل، ومن ثم فإن لا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه لا يحق له أن ينعى على المحاكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن الدفاع عن المحكوم عليه الثاني وإن كان قد طلب بجلسات المحكمة ضم حرز المادة السامة وفضه، إلا أنه لم يعد إلى التحدث عن طبه هذا ولم يصر عليه في مرافعته الختامية بجلسة ...... اقتصر في هذه الجلسة على طلب البراءة بصفة أصيلة وطلب احتياطياً إلغاء ظرف سبق الإصرار فلا تثريب على المحكمة إن التفتت عنه لما هو مقرر من أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته هو الطلب الصريح الجازم الذي يصر عليه مقدمه إلى، ما قبل قفل باب المرافعة في الدعوى فيكون النعي على الحكم في هذا المقام لا محل له. لما كان ذلك، وكان للمحكمة إن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث وكان ما أثاره المحكوم عليه الثاني لدى المحكمة الموضوع من تشكيك في أقوال الطبيب الشرعي المؤيد بالتحريات وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً سريعاً من الحكم بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها ويكون النعي على الحكم في هذا المقام غير قويم. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة إن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً مما أورده بوجه الطعن عما ورد بالتقرير الفني من خلو أظافره من آثار دماء المجني عليه أو أي مادة كيميائية ومن ثم فلا يجوز له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق - في هذا الصدد - طالما أنه لم يطلبه منها ولم تر هي موجباً لإجرائه اطمئناناً منها لأدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المعروض أنه بعد إن انتهى إلى إدانة المحكوم عليه الثاني بجريمة الاشتراك في قتل المجني عليه عمداً بالسم المنصوص عليها في المادة 235 من قانون العقوبات مفصحاً عن استعمال المادة 17 منه أنزل به عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله بالإعدام هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر التي أعملها الحكم في حق المحكوم عليه الثاني تبيح النزول بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الأشغال المؤقتة أو السجن، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازياً، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة المحكوم عليه الثاني طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وهي إحدى العقوبتين التخيريتين المقررتين لجريمة الاشتراك في القتل العمد بالسم التي دين المحكوم عليه الثاني بها طبقاً للمادة 235 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى عقوبة الشاقة المؤقتة أو السجن. لما كان ذلك، وكانت المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تخول لمحكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون، فإنه يتعين إعمال لنص المادة 39 من القانون سالف الذكر تصحيح الحكم باستبدال عقوبة الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة المقضي بها على المحكوم عليه الثاني.
ومن حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم فيما تضمنه من إعدام المحكوم عليها الأولى ...... دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي عرض القضية في ميعاد الستين يوماً المبين بالمادة 34 من ذلك القانون إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون التقيد بالرأي الذي تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوي في ذلك إن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
ومن حيث إن الثابت بمحضر جلسات المحاكمة أن محامياً مقبولاً للمرافعة أمام محكمة الجنايات - حسب كتابة نقابة المحامين المرفق - حضر مع المحكوم عليها وترافع عنها وأبدى ما عن له من أوجه دفاع فإن المحكمة تكون قد وفرت لها حقها في الدفاع، وكان الحكم المعروض قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد بطريق السم التي دينت بها المحكوم عليها الأولى، وساق عليها أدلة سائغة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وخلا من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر بإجماع الآراء من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى بعد استطلاع رأي المفتي ولم يصدر بعد قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهت عليه محكمة الموضوع فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليها الأولى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق