جلسة 12 من نوفمبر سنة 1955
برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.
---------------
(15)
القضية رقم 290 لسنة 1 القضائية (1)
(أ) معاشات
- حساب مدة خدمة باليومية في المعاش - قوانين المعاشات ما كانت تجيز ذلك إلا في الحدود التي رسمتها - صدور قرارات عديدة من مجلس الوزراء بالمخالفة لهذه القوانين - تصحيحها بالقانون رقم 86 سنة 1951 - عدم امتداد التصحيح إلى ما يصدر من قرارات بعد العمل بهذا القانون - دليل ذلك.
(ب) معاشات
- سلطة مجلس الوزراء في منح معاشات أو مكافآت استثنائية أو زيادة في المعاشات - يقتصر إعمالها على حالات فردية - لا تمتد إلى حد تقرير قواعد تنظيمية بذلك.
(ج) معاشات
- قرار مجلس الوزراء في 19 من أغسطس سنة 1950 بحساب مدة خدمة باليومية في المعاش لثلاثين موظفاً بوزارة العدل - لا يقرر قاعدة تنظيمية بل صدر لحالات فردية.
--------------------
1 - يبين من استقراء نصوص القوانين المتعاقبة الخاصة بالمعاشات الملكية أنها ما كانت تجيز حساب مدد خدمة باليومية في المعاش إلا في الحدود التي رسمتها، ومع ذلك درج مجلس الوزراء على إصدار قرارات مختلفة - عامة وفردية - تقضي بحساب مدد خدمة في المعاش ما كانت تجيزها تلك القوانين، فلم يكن محيص من العمل على تصحيحها؛ ولذلك صدر القانون رقم 86 سنة 1951 ونص في المادة الأولى منه على أن "تعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بهذا القانون المبينة بالكشف المرافق لهذا القانون وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش سواء أكان ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 وتظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها". وقد ورد بالأعمال التحضيرية لهذا القانون أنه مما يهدف إليه وقف مجلس الوزراء في المستقبل عن إصدار مثل هذه القرارات وإلا تصبح باطلة ولا يترتب عليها أي أثر في التنفيذ. ومن هدي هذه الأعمال التحضيرية يبين أن الحكم المطعون فيه - إذ ذهب إلى أن المادة الأولى سالفة الذكر قد تضمنت إقرار حالتين: أولاهما خاصة بما صدر من مجلس الوزراء من قرارات في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بذلك القانون أي في 21 من مايو سنة 1951، وهذه اعتبرها القانون صحيحة نافذة منتجة لآثارها، والثانية خاصة بالقرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش، وهذه تظل نافذة وصحيحة وتمتد إلى كل ما يصدر من قرارات مماثلة ما دام القانون رقم 86 لسنة 1951 قائماً - إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى ذلك يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
2 - نصت المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية على أن "الخدمات التي لا يجرى على ماهيتها حكم الاستقطاع لا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة في حال من الأحوال...." واستثنت المادة من ذلك "مدة الاختبار المقررة في اللائحة لقبول وترقية المستخدمين الملكيين"، وكذلك "المدة التي تقضي في البعثات التي ترسلها الحكومة إلى الخارج..." ونصت المادة الثامنة والثلاثون على أنه "يجوز لمجلس الوزراء أن يقرر بناء على اقتراح وزير المالية ولأسباب يكون تقديرها موكولاً إلى المجلس منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات أو منح مكافآت استثنائية للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من الخدمة". وهذه المادة الأخيرة إنما خولت المجلس تلك السلطة الاستثنائية لإعمالها في حالات فردية بالنسبة لموظفين أو مستخدمين انتهت مدة خدمتهم ويرى، لأسباب خاصة قائمة بهم يكون تقديرها موكولاً إليه، منحهم تلك المعاشات أو الزيادات في المعاشات أو المكافآت الاستثنائية، ولا يمكن أن ترقى هذه السلطة إلى حد تقرير قواعد تنظيمية عامة مجردة يكون من مقتضاها نسخ الحكم التشريعي المنصوص عليه في المادة التاسعة من القانون المشار إليه.
3 - في 24 من مايو سنة 1950 وافق مجلس الوزراء على حساب المدد التي قضيت في وظيفة مندوب محضر في المعاش لعدد من موظفي وزارة العدل بلغ 112. وعلى أثر صدور هذا القرار تقدمت وزارة العدل إلى وزارة المالية بطلب الموافقة على تطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر على طائفة من موظفي وزارة العدل عددهم ثلاثون لهم مدة خدمة سابقة باليومية وتماثل حالتهم حالة من شملهم قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مايو سنة 1950. فعرض الأمر على اللجنة المالية فوافقت عليه، ثم تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على رأي اللجنة المالية فوافق عليه بجلسته المنعقدة في 19 من أغسطس سنة 1951. وهذا القرار الأخير قد صدر في حالات فردية لموظفين أو مستخدمين بذواتهم، فلا يجوز التحدي بإفادة غيرهم منه، كما لا يجوز التحدي كذلك بأنه قرر قاعدة تنظيمية عامة تطبق في الحالات المماثلة؛ إذ فضلاً عن أنه لم يصدر على هذا النحو فإنه لا يملك تقرير مثل هذه القاعدة العامة المجردة.
إجراءات الطعن
في 22 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 30 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 2328 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزير العدل ضد حنا واصف طعناً في القرار الصادر من اللجنة القضائية لوزارة العدل في 4 من أكتوبر سنة 1953 في التظلم رقم 1428 لسنة 1 القضائية "برفض الدفع بعدم الاختصاص وفي الموضوع باستحقاق المتظلم لضم المدة التي قضاها باليومية إلى مدة خدمته المسحوبة في المعاش". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن، "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) المطعون فيه والذي قضى برفض الطعن المرفوع من وزارة العدل وكذلك قرار اللجنة القضائية ورفض تظلم المدعى عليه". وأعلن وزير العدل بالطعن في 27 من أغسطس سنة 1955 وأعلن به المطعون عليه في 30 من أغسطس سنة 1955. وقد عين لنظر الطعن جلسة 22 من أكتوبر سنة 1955 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم فيه إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى إجراءاته الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أنه في 24 من مايو سنة 1950 وافق مجلس الوزراء على حساب المدد التي قضيت في وظيفة مندوب محضر في المعاش لعدد من موظفي وزارة العدل بلغ 112. وعلى أثر صدور هذا القرار تقدمت وزارة العدل إلى وزارة المالية بطلب الموافقة على تطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر على طائفة من موظفي وزارة العدل عددهم ثلاثون لهم مدة خدمة سابقة باليومية، وتماثل حالتهم حالة من شملهم قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مايو سنة 1950. فعرض الأمر على اللجنة المالية فوافقت عليه ثم تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بطلب الموافق على رأي اللجنة المالية فوافق عليه بجلسته المنعقدة في 19 من أغسطس سنة 1951 - وقد تظلم السيد/ حنا واصف إلى اللجنة القضائية لوزارة العدل طالباً تسوية حالته على أساس حساب مدة خدمة قضاها باليومية ضمن المدة المحسوبة له في المعاش بحجة أن حقه تعلق بضمها استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من أغسطس سنة 1951 الذي حوي قاعدة تنظيمية يفيد منها الموظفون الذين لهم مدد خدمة باليومية قبل أغسطس سنة 1919، فأجابته اللجنة إلى طلبه بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1953، مؤسسة قرارها على أن مجلس الوزراء بقراره الصادر في 19 من أغسطس سنة 1951 قد أقر قاعدة تنظيمية عامة من مقتضاها حساب مدة الخدمة باليومية ضمن المدة المحسوبة في المعاش لكل من لم يسبق تسوية حالته وفقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مايو سنة 1950، فطعنت وزارة العدل في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتارية هذه المحكمة في 9 من يناير سنة 1954، واستندت في طعنها إلى أن أحكام قانون المعاشات الذي يعامل على أساسه المطعون عليه لا تجيز ضم مدد خدمة باليومية في حساب المعاش، وإذا كان مجلس الوزراء - استثناء من أحكام القانون - قد رأى معاملة بعض الموظفين معاملة استثنائية فلا يجوز إجراء حكم هذا الاستثناء على موظفين آخرين غير من عناهم بقراره، ولا يصح اعتبار الوارد بقراراته قاعدة تنظيمية عامة؛ إذ لا يملك مجلس الوزراء، وهو سلطة أدنى من السلطة التي أصدرت القانون، وضع قواعد تنظيمية عامة بالمخالفة لأحكام هذا القانون. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 30 من يونيه سنة 1955 "برفض الطعن وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من أغسطس من 1951 قد وضع قاعدة تنظيمية عامة تسري في حق من تماثل حالتهم حالة من خصهم قرار 24 من مايو سنة 1950 بمعاملة فردية، وقد جاء بأسباب حكمها في هذا الصدد أنه "غير مجد في الدعوى ما يثار من نقاش حول سلطة مجلس الوزراء إصدار قرار 19 من أغسطس سنة 1951 بعد أن صدر القانون رقم 86 لسنة 1951 الذي اعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بهذا القانون في 21 من مايو سنة 1951 وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش، سواء كانت ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 ونص القانون في مادته الأولى بأن تظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها" وأنه "لا شبهة في أن ما رمى إليه القانون رقم 86 لسنة 1951 هو إقرار حالتين: الأولى منهما خاصة بما صدر من قرارات من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 حتى تاريخ العمل بهذا القانون في 21 من مايو سنة 1951، والثانية خاصة بالقرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش وذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات أو من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922. واعتبر القانون في حكم الصحيحة ما صدر من قرارات قبل صدوره، ونص على أن تظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها، كما نص على أن كل القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش تظل نافذة صحيحة، وهذه الحالة الأخيرة ليست مقصورة الأثر على ما صدر من قرارات قبل صدور القانون بل تمتد إلى القرارات التي تتضمن هذه التدابير ما دام القانون قائماً، ولا سبيل إلى سحب أحكام هذه الحالة إلى الماضي استناداً إلى الصياغة الحرفية لكلمة "تضمنت" فلو كان هذا قصد الشارع لاكتفى بما أفصح عنه من اعتبار كل ما صدر من قرارات قبل العمل به صحيحة نافذة ولما عنى بالنص على الحالة الثانية". "وأن القانون رقم 86 لسنة 1951، وقد اعتبر في حكم الصحيحة قرارات لمجلس الوزراء صدرت قبل صدوره، رمى إلى وضع حد فيما أثير من جدل حول مطابقتها لحكم القانون، وهذا القانون، عندما اعتبر ما يصدر من قرارات تتضمن تدابير خاصة بجواز احتساب مدد خدمة في المعاش صحيحة نافذة، قصد إلى منح مجلس الوزراء سلطة إصدار مثل هذه القرارات". "وأن قراري مجلس الوزراء الصادرين في 24 من مايو سنة 1950، و19 من أغسطس سنة 1951 تناول أولهما الموظفين والمستخدمين الذين حسبت لهم مدد خدمة باليومية في المعاش بالفعل، فأقر ما تم من احتساب مدة خدمتهم المؤقتة في المعاش، وأفصح مجلس الوزراء عن نيته بما لا يدع مجالاً للشك بأن قراره هذا مقصور الأثر على أشخاص معينين بذواتهم فلا يتعداهم إلى غيرهم، وتناول ثانيهما وضع قاعدة تنظيمية عامة تسري في حق من تماثل حالتهم حالة من خصهم قرار مجلس الوزراء الأول بمعاملة فردية. ومقتضى هذه القاعدة حساب مدد الخدمة باليومية التي اعتبرتها لجنة تعديل الدرجات في سنة 1921 بماهية شهرية في المعاش".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من أغسطس سنة 1951 قد وضع قاعدة تنظيمية عامة في شأن ضم مدد الخدمة باليومية في حساب المعاش، قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ ذلك أن القوانين الخاصة بالمعاشات لم تكن تجيز ضم مدد الخدمة باليومية إلى المدة المحسوبة في المعاش. بيد أن مجلس الوزراء كان قد درج على إصدار قرارات مختلفة - عامة وفردية - من شأنها إفساح المجال أمام الموظفين لإدخال مدد في المعاش ما كانت تجيزها تلك القوانين. فرغبة في تصحيح هذا الوضع الخاطئ صدر القانون رقم 86 لسنة 1951 ناصاً في مادته الأولى على أنه "تعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بهذا القانون المبينة بالكشف المرافق لهذا القانون وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش سواء أكان ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929، وتظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها" وأنه ظاهر من عبارة هذا النص وفي استعمال لفظ "تضمنت" في صدد وصف الفئة الثانية من القرارات أن الحكم الوارد بالمادة الأولى سالفة الذكر إنما ينصرف إلى القرارات التي سبقت صدوره، وأنه يبين من تتبع الأعمال التحضيرية للقانون رقم 86 لسنة 1951 أن المشرع لم يتعد دائرة تصحيح القرارات السابقة ولم ينصرف قصده بحال من الأحوال إلى تخويل مجلس الوزراء سلطة إصدار قرارات تنظيمية عامة من هذا القبيل في المستقبل.
ومن حيث إنه في 15 من إبريل سنة 1909 صدر القانون رقم 5 لسنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية وقد نصت المادة التاسعة منه على أن "الخدمات التي لم يجر على مرتبها حكم الاستقطاع لا تحسب في تسوية المعاش في أي حال من الأحوال.. ويستثنى من ذلك مدة الاختبار المقررة في اللائحة العمومية لقبول وترقية المستخدمين الملكيين فإن هذه المدة تحسب في المعاش...." واستمر العمل بأحكام ذلك القانون فيما يتعلق بحساب مدد الخدمة في المعاش إلى 8 من مايو سنة 1922 حيث صدر القانون رقم 22 لسنة 1922 وقد ورد بديباجته ما يأتي: "ولما كان يوجد - من بين الموظفين والمستخدمين المدنيين في الحكومة المقيدين الآن في سلك المستخدمين الدائمين والذين يجرى على ماهيتهم حكم استقطاع الاحتياطي البالغ خمسة في المائة - طائفة من الموظفين والمستخدمين، لهم قبل انتظامهم في ذلك السلك مدد خدمة ذات ماهية شهرية، وكانوا مقيدين في غضونها في سلك المستخدمين المؤقتين، فلم يكن يجرى عليهم حكم الاستقطاع، وكان لا يجوز، بمقتضى أحكام المادة 9 من القانون رقم 5 لسنة 1909 المشار إليه، احتساب تلك المدد في المعاش في أي حال من الأحوال، وكان من المناسب تعديل هذا الحكم لفائدة الموظفين والمستخدمين الذين خدموا الحكومة كمستخدمين مؤقتين بماهية شهرية قبل دخولهم سلك المستخدمين الدائمين"، ونصت المادة الأولى منه على أنه "ابتداء من نشر هذا القانون كل موظف أو مستخدم من موظفي الحكومة ومستخدميها يكون مقيداً من قبل أو يعين فيما بعد في سلك المستخدمين الدائمين الذين يجرى عليهم حكم استقطاع الخمسة في المائة من ماهيتهم يجوز أن يدخل في حساب معاشه طبقاً للمواد الآتية مدد خدماته السابقة التي لم يستقطع عنها شيء مما ذكر على شرط أن تكون تلك المدد قد دفعت ماهيتها مشاهرة...."
وفي 28 من مايو سنة 1929 صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية وقد نص في المادة التاسعة منه على أن "الخدمات التي لا يجرى على ماهيتها حكم الاستقطاع لا تحسب في تسوية المعاش أو المكافأة في حال من الأحوال....." واستثنت المادة من ذلك "مدة الاختبار المقررة في اللائحة لقبول وترقية المستخدمين الملكيين". وكذلك "المدة التي تقضي في البعثات التي ترسلها الحكومة إلى الخارج..." ونصت المادة الثامنة والثلاثون على أنه "يجوز لمجلس الوزراء أن يقرر بناء على اقتراح وزير المالية ولأسباب يكون تقديرها موكولاً إلى المجلس منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات أو منح مكافآت استثنائية للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من الخدمة". وفي 28 من مايو سنة 1929 أيضاً صدر المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 الخاص بوضع قواعد لدفع احتياطي المعاش المتأخر على الموظفين الذين رخص لهم بحسبان مدد خدمتهم المؤقتة في المعاش ملغياً القانون رقم 22 لسنة 1922 ومضيقاً من نطاق تطبيق أحكامه، فقد نصت المادة الثانية على أنه "تدخل فقط في حساب المعاش المدد التي في أثنائها كانت ماهية الموظف أو المستخدم محسوبة على وظيفة دائمة، على أنه إذا تخللت مدة خدمته فترات قيد في أثنائها بمقتضيات مصلحية على وظائف مؤقتة دون أن يغير طبيعة عمله، ثم أعيد قيده على وظيفة دائمة، فهذه الفترات تحسب مدة خدمة في وظائف دائمة". ثم صدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم 30 لسنة 1935 مبطلاً العمل بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 سالف الذكر.
ومن حيث إنه على الرغم من أنه يبين بجلاء من استقراء نصوص القوانين المشار إليها أنها ما كانت تجيز حساب مدد خدمة باليومية في المعاش إلا في الحدود التي رسمتها حسبما سلف بيانه، فإن مجلس الوزراء درج على إصدار قرارات مختلفة، عامة وفردية، تقضي بحساب مدد خدمة في المعاش ما كانت تجيزها تلك القوانين، فلم يكن محيص من العمل على تصحيحها، فتقدمت الحكومة في أوائل سنة 1951 إلى البرلمان بمشروع قانون نص في مادته الأولى على أنه "تعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى 14 من فبراير سنة 1945 وتضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد خدمة مؤقتة في المعاش سواء أكان ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929. وتظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها وذلك بدون إخلال بحق مجلس الوزراء في تعديلها أو إلغائها في المستقبل". وقد بحثت لجنة الشئون المالية بمجلس النواب مشروع القانون المشار إليه وأبدت على مادته الأولى الملاحظات الآتية:
"1- إن القرارات التي يراد اعتبارها في حكم الصحيحة هي التي صدرت في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى 14 من فبراير سنة 1945 وهو التاريخ الذي بدئ فيه التفكير في تصحيح هذه القرارات، وأن ثمة قرارات صدرت بعد ذلك، ولذلك رأت اللجنة أن تمتد هذه الفترة إلى تاريخ العمل بهذا القانون، وقد عدلت اللجنة المادة على هذا الأساس".
"2- إن القرارات العامة التي يراد اعتبارها في حكم الصحيحة ستتخذ صفة قانونية تجعلها متممة لهذا التشريع ومن أجل ذلك لا بد من أن يلحق بيانها بهذا القانون. أما القرارات الفردية فيكفي لكي تعتبر صحيحة أن يكون صدورها في حدود الفترة التي سبقت الإشارة إليها".
"3- إن القرارات التي أشار إليها القانون ليست قاصرة على مدد الخدمة المؤقتة بل تناول بعضها مدداً دراسية أو مدد فصل سياسي ولذلك لم يكن بد من تعميم النص".
"4- إن هذه القرارات، ما دامت قد أصبحت أحكاماً تضمنها القانون، لا يجوز أن يستمر حق مجلس الوزراء قائماً في تعديلها أو إلغائها لأن أحكام القانون لا تعدل إلا بقانون. ولذلك حذفت اللجنة العبارة الأخيرة من الفقرة الأخيرة، وبذلك أصبح نص المادة الأولى كما يلي "تعتبر في حكم الصحيحة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بهذا القانون المبينة بالكشف المرافق لهذا القانون وكذلك القرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش سواء أكان ذلك بالاستثناء من أحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 أم المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أم من أحكام القانون رقم 22 لسنة 1922 أم المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929، وتظل هذه القرارات نافذة منتجة لآثارها".
ومن حيث إن اللجنة المالية راعت في صياغتها للنص الجديد أن ثمة نوعين من القرارات: قرارات عامة وهذه سيلحق بيانها بالقانون، وأخرى فردية وهذه يكفي لكي تعتبر صحيحة أن يكون صدورها في حدود الفترة التي نص عليها في القانون، ومن ثم فلم تقصد اللجنة بهذا النص المعدل أن تمنح مجلس الوزراء سلطة إصدار قرارات من نوع القرارات التي أعد مشروع القانون لتصحيحها كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه، بل إن اللجنة أكدت في وضوح صدق هذا النظر، إذ قالت في البند 4 من ملاحظاتها السابق الإشارة إليها" إنه ما دامت القرارات التي صدر في شأنها القانون قد أصبحت أحكاماً تضمنها القانون فلا يجوز أن يستمر حق مجلس الوزراء قائماً في تعديلها أو إلغائها لأن القانون لا يعدل إلا بقانون". ولما أحيل مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ قامت اللجنة المالية ببحثه ثم أعدت تقريراً استهلته بالإشارة إلى ما سبق بيانه من قوانين ثم قالت "وقد درج مجلس الوزراء - بعد عرض من وزارة المالية - على إصدار قرارات مختلفة مبينة بالكشف المرافق، من شأنها إفساح المجال أمام الموظفين لإدخال مدد خدمة مختلفة في المعاش ما كانت تجيزها القوانين المعمول بها. لذلك رأى مجلس الدولة وجوب تصحيح الوضع بإصدار التشريع المعروض.." ثم أضافت بعد ذلك "كذلك لما تبين أن ما يهدف إليه المشروع من تصحيح وضع خاطئ جرى عليه مجلس الوزراء فلا يجوز الترخيص له في الاسترسال في إصدار قرارات هي في الواقع تعديل لأحكام القانون ولذا حذفت العبارة الواردة بالفقرة الثانية من المادة الأولى وهي
"وذلك بدون إخلال بحق مجلس الوزراء في تعديلها أو إلغائها في المستقبل" لوقفه عن إصدار مثل هذه القرارات وإلا تصبح باطلة ولا يترتب عليها أي أثر في التنفيذ". وانتهت اللجنة إلى الموافقة على مشروع القانون كما عدله مجلس النواب، فصدر بذلك القانون رقم 86 لسنة 1951 متضمناً المادة الأولى معدلة على النحو الذي أقره المجلسان وأرفق به كشف ببيان قرارات مجلس الوزراء التي اعتبرت صحيحة بمقتضى القانون المذكور ومن بينها القرار الصادر في 24 من مايو سنة 1950 بالموافقة على حساب مدد خدمة باليومية في المعاش لمائة واثني عشر موظفاً بوزارة العدل.
ومن حيث إنه يظهر مما تقدم، وعلى هدي الأعمال التحضيرية للقانون رقم 86 لسنة 1951، أن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن المادة الأولى منه تضمنت إقرار حالتين: أولاهما خاصة بما صدر من مجلس الوزراء من قرارات في المدة من 4 من يونيه سنة 1929 إلى تاريخ العمل بذلك القانون أي في 21 من مايو سنة 1951 وهذه اعتبرها القانون صحيحة نافذة منتجة لآثارها، والثانية خاصة بالقرارات التي تضمنت تدابير خاصة بجواز احتساب مدد في المعاش، وهذه تظل نافذة وصحيحة وتمتد إلى كل ما يصدر من قرارات مماثلة ما دام القانون رقم 86 لسنة 1951 قائماً. إن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
ومن حيث إن المادة 38 من القانون رقم 37 لسنة 1929 إذ نصت على أنه "يجوز لمجلس الوزراء أن يقرر بناء على اقتراح وزير المالية ولأسباب يكون تقديرها موكولاً إلى المجلس منح معاشات استثنائية أو زيادات في المعاشات أو مكافآت استثنائية للموظفين والمستخدمين المحالين إلى المعاش أو الذين يفصلون من الخدمة" إنما خولت المجلس تلك السلطة الاستثنائية لإعمالها في حالات فردية بالنسبة لموظفين أو مستخدمين انتهت مدة خدمتهم ويرى، لأسباب خاصة قائمة بهم يكون تقديرها موكولاً إليه، منحهم تلك المعاشات أو الزيادات في المعاشات أو المكافآت الاستثنائية ولا يمكن أن ترقى هذه السلطة إلى حد تقرير قواعد تنظيمية عامة مجردة يكون من مقتضاها نسخ الحكم التشريعي المنصوص عليه في المادة التاسعة من القانون المشار إليه.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من أغسطس سنة 1951 قد صدر في حالات فردية لموظفين ومستخدمين بذواتهم فلا يجوز التحدي بإفادة المطعون عليه منه، وهو لم يصدر في شأنه. كما لا يجوز التحدي كذلك بأنه قرر قاعدة تنظيمية عامة تطبق في الحالات المماثلة؛ إذ فضلاً عن أنه لم يصدر على هذا النحو فإنه لا يملك تقرير مثل هذه القاعدة العامة المجردة حسبما سلف بيانه.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعه يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ومن ثم يتعين إلغاؤه ورفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم
المطعون فيه، وبرفض التظلم، وألزمت المتظلم بالمصروفات.
(1) بهذا المعنى الأحكام الصادرة من نفس الهيئة وبنفس الجلسة في الطعون أرقام 291، 292، 294، لسنة 1 القضائية، وكذلك الطعن رقم 289 لسنة 1 القضائية بجلسة 19 من نوفمبر 1955.